العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٤

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٤

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٦٢

رضى الله عنه فأخذ بيدها ، فقال لفاطمة : دونك ابنة عمك ، فاحتملتها ، فاختصم فيها علىّ وزيد وجعفر ، ثم قال : وقال زيد : بنت أخى. انتهى.

وأخوته لحمزة ، هى باعتبار مؤاخاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما ، وهذا نص صريح فيها ، والله أعلم.

وفى هذا الحديث ما سبق ذكره من قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزيد : «أنت أخونا ومولانا» ، والظاهر والله أعلم ، أن هذه القصة اتفقت فى عمرة القضيّة. والله أعلم.

وكان زيد بن حارثة رضى الله عنه ، من أول الناس إسلاما ، حتى قيل إنه أول من أسلم مطلقا ، وهذا يروى عن الزهرى.

وقال ابن الأثير : روى عن معمر ، عن الزهرى ، قال : ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة. قال عبد الرزاق : لم يذكره غير الزهرى. وقال أبو عمر : وقد روى عن الزهرى من وجوه : إن أول من أسلم خديجة ، ثم أسلم بعدها زيد ، ثم أبو بكر. وقال غيره : أبو بكر ثم على ثم زيد ـ رضى الله عنهم. انتهى.

ولم أر فى الاستيعاب ما نقله ابن الأثير عن أبى عمر ، لا فى ترجمة زيد ، ولا فى ترجمة خديجة ، والذى رأيته فى ترجمة زيد : وقد روى عن الزهرى من وجوه : إن أول من أسلم خديجة ، رضى الله عنها. انتهى.

وذكر النووى قول الزهرى : إن زيدا أول من أسلم ، والقول بأن أولهم إسلاما : خديجة ثم أبو بكر ثم على ثم زيد ، رضى الله عنهم. ثم قال : وفى المسألة خلاف مشهور ، ولكن تقديم زيد على الجميع ضعيف. انتهى.

وقال الذهبى لما عرفه : مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأحد من نادى إلى الإسلام فأسلم فى أول يوم. انتهى. وهذا يدل على تقدم إسلامه.

وقد اختلف فيمن اشترى زيد بن حارثة لخديجة ، فقيل ابن أخيها حكيم بن حزام بن خويلد ، ذكر هذا القول ابن عبد البر ، نقلا عن مصعب الزبيرى ، وابن أخيه الزبير بن بكار ، وابن الكلبى ، وغيرهم. حكى ذلك فى موضعين فى ترجمته ، وقيل اشتراه لها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا يروى عن أبى نعيم ؛ لأن صاحبنا أبا الفضل الحافظ قال فى ترجمته : وقال أبو نعيم : رآه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبطحاء ، ينادى عليه بسبعمائة درهم ، فذكره لخديجة ، فاشتراه من مالها ، فوهبته خديجة له ، فتبناه وأعتقه. انتهى.

وذكر ابن الأثير والنووى ما يوافق هذا القول ، إلا أنهما قالا : فأعتقه وتبناه.

١٤١

وفى كلام ابن الأثير : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رآه بمكة ينادى عليه ، وليس فيما ذكراه مقدار ثمنه.

وقد اختلف فى مقدار ما اشترته به خديجة ـ رضى الله عنها ـ ففى كلام أبى نعيم السابق ، ما يفهم أنه سبعمائة درهم.

وذكر ابن عبد البر عن الزبير بن بكار : أنه أربعمائة درهم ، واختلف فى الموضع الذى اشترى فيه زيد. ففى كلام أبى نعيم ما يقتضى أنه بالبطحاء ، والمراد بذلك بطحاء مكة وهى الأبطح ، مكان مشهور بأعلى مكة. وقيل أنه سوق حباشة ، وقيل سوق عكاظ. وهذان القولان ذكرهما ابن عبد البر ، ونقلهما عن الزبير بن بكار. وقيل اشتراه بحباشة ، عن مصعب وغيره ، والله أعلم.

واختلف فى اسم جده ، فقيل شراحيل ، وهذا هو المشهور ، وقال شرحبيل ، قاله أبو إسحاق ، ولم يتابع عليه. والله أعلم.

وذكر ابن عبد البر خبرا غريبا فى نجاة زيد بن حارثة من هلكة وقعت له ؛ لأنه قال : حدثنى أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان بن جبرون ، قال : حدثنا أبو محمد قاسم بن أصبغ قال : حدثنى أبو بكر بن أبى خثيمة قال : حدثنا ابن معين قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير المصرى ، قال : حدثنا الليث بن سعد قال : بلغنى أن زيد بن حارثة ، اكترى من رجل بغلا من الطائف ، اشترط عليه الكرى أن ينزله حيث شاء ، قال : فمال به إلى خربة ، فقال له : انزل ، فنزل ، فإذا فى الخربة قتلى كثيرة ، قال : فلما أراد أن يقتله قال له: دعنى أصلى ركعتين ، قال : صلّ ، فقد صلاهما قبلك هؤلاء ، فلم تنفعهم صلاتهم شيئا ، قال : فلما صليت ، أتانى ليقتلنى ، قال : فقلت : يا أرحم الراحمين ، قال : فسمع صوتا : لا ثقتله ، قال : فهاب ذلك ، فخرج يطلب ، فلم ير شيئا ، فرجع ، فناديت : يا أرحم الراحمين ، ففعلت ذلك ثلاثا ، فإذا أنا بفارس على فرس فى يده حربة من حديد ، فى رأسها شعلة من نار ، فطعنه بها ، فأنفذها من ظهره ، فوقع ميتا ، ثم قال : لما دعوت المرة الأولى : يا ارحم الراحمين ، كنت فى السماء السابعة ، فلما دعوت فى المرة الثانية : يا أرحم الراحمين ، كنت فى السماء الدنيا ، فلما دعوت فى المرة الثالثة : يا أرحم الراحمين ، أتيتك. انتهى.

وذكر مغلطاى فى سيرته ، ما يقتضى أن هذه القصة ، اتفقت لأسامة بن زيد ؛ لأنه قال بعد أن ذكر صلاة خبيب بن عدى ركعتين ، لما أرادوا قتله بمكة : وصلى خبيب قبل قتله ركعتين ، فكان أول من سنهما ، وقيل بل أسامة بن زيد ؛ حين أراد الكرى الغدر به.

١٤٢

انتهى. ولا يعرف لأسامة فى هذا الخبر. والله أعلم.

وذكر ابن عبد البر ، خبرا فى سبى زيد ، وما قاله أبوه من الشعر فى فقده ، وما قاله زيد فى جوابه ، وقدوم أبيه إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فدائه ، وتخييره فى البقاء مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورجوعه مع أبيه ، واختياره للبقاء مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتبنيه لزيد ، وهو خبر يحسن ذكره لفوائد أخر فيه ، فنذكره على نصه :

قال ابن عبد البر : ذكر الزبير ، عن المدائنى ، عن ابن الكلبى ، عن أبيه ، عن جميل بن يزيد الكلبى ، وعن أبى صالح ، عن ابن عباس ـ وقول جميل أتم ـ قال : خرجت سعدى بنت ثعلبة ، أم زيد بن حارثة ، وهى امرأة من طّىّ ، تزور قومها ، فأغارت خيل لبنى القين ابن جسر فى الجاهلية ، فمروا على أبيات بنى معن ـ رهط أم زيد ـ فاحتملوا زيدا ، وهو يومئذ غلام يفعة ، فوافوا به سوق عكاظ ، فعرضوه للبيع ، فاشتراه منهم حكيم بن حزام بن خويلد ، لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم ، فلما تزوجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهبته له ، فقبضه. وقال أبوه حارثة بن شراحيل ، حين فقده (٤) [من الطويل] :

بكيت على زيد ولم أدر ما فعل

أحى يرجى أم أتى دونه الأجل

فو الله ما أدرى وإن كنت سائلا

أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل

فيا ليت شعرى هل لك الدهر رجعة

فحسبى من الدنيا رجوعك لى بجل

تذكّرنيه الشمس عند طلوعها

وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل

وإن هبت الأرواح هيجن ذكره

فيا طول ما حزنى عليه وما وجل (٥)

سأعمل نص العيس فى الأرض جاهدا

ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل

حياتى أو تأتى علىّ منيتى

وكل امرئ فان وإن غره الأمل (٦)

سأوصى به قيسا وعمرا كليهما

وأوصى يزيدا ثم من بعده جبل

يعنى جبلة بن حارثة أخا زيد ، وكان أكبر من زيد ، ويعنى يزيد ، أخا زيد لأمه ، وهو يزيد بن كعب بن شراحيل. فحج ناس من كلب ، فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه ، فقال لهم: أبلغوا عنى أهلى هذه الأبيات فإنى أعلم أنهم قد جزعوا علىّ ، فقال [من الطويل](٧) :

__________________

(٤) انظر الأبيات فى (الاستيعاب ترجمة ٨٤٨ ، أسد الغابة ترجمة ١٨٢٩ ، الإصابة ترجمة ٢٨٩٧ ، طبقات ابن سعد ٣ / ٢٨ ، سير ابن هشام ١ / ٢٤٨).

(٥) فى الاستيعاب : «ويا وجل».

(٦) فى الاستيعاب : «وإن غره الأجل».

(٧) انظر الأبيات فى : الاستيعاب ترجمة ٨٤٨.

١٤٣

أحن إلى قومى وإن كنت نائيا

فإنى قعيد البيت عند المشاعر

وكفوا من الوجد الذى قد شجاكم

ولا تعملوا فى الأرض نص الأباعر

فإنى بحمد الله فى خير أسرة

كرام معدّ كابرا بعد كابر

فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه. فقال : ابنى ورب الكعبة ، ووصفوا له موضعه ، وعند من هو ، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل لفدائه ، وقدما مكة ، فسألا عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقيل : هو فى المسجد ، فدخلا عليه ، فقالا : يابن عبد المطلب ، يابن هاشم ، يابن سيد قومه ، أنتم أهل حرم الله وجيرانه ، تفكون العانى ، وتطعمون الأسير ، جئناك فى ابننا عندك ، فامنن علينا ، وأحسن فى فدائه ، قال : «من هو؟» قالوا : يزيد بن حارثة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فهلا غير ذلك» قالوا : وما هو؟ قال : «أدعوه فأخيره ، فإن اختاركم فهو لكم ، وإن اختارنى ، فو الله ما أنا بالذى أختار على من اختارنى أحدا» ، قالا : قد زدتنا على النصف وأحسنت ، فدعاه فقال : «هل تعرف هؤلاء؟» قال : نعم ، قال : «من هذا؟» قال : هذا أبى وهذا عمى ، قال : «فأنا من قد علمت ورأيت صحبتى لك ، فاخترنى أو اخترهما» ، قال زيد : ما أنا بالذى أختار عليك أحدا ، أنت منى مكان الأب والعم ، فقالا : ويحك يا زيد ، تختار العبودية على الحرية ، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ قال : نعم ، قد رأيت من هذا الرجل شيئا ، ما أنا بالذى أختار عليه أحدا أبدا ، فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك ، أخرجه إلى الحجر فقال : «يا من حضر ، اشهدوا أن زيدا ابنى ، يرثنى وأرثه ، فلما رأى ذلك أبوه وعمه ، طابت نفوسهما فانصرفا. ودعى زيد بن محمد ، حتى جاء الإسلام فنزلت : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) فدعى يومئذ زيد بن حارثة ، ودعى الأدعياء إلى آبائهم ، فدعى المقداد بن عمرو ، وكان أبوه قبل ذلك المقداد بن الأسود ؛ لأن الأسود ابن عبد يغوث كان قد تبناه. انتهى.

ونتبع هذا الخبر بفوائد تناسبه ، منها : أنه يقتضى أن اسم أم زيد سعدى بنت ثعلبة ، وقيل اسمها سعاد ، وهذا فى تهذيب الكمال للمزى ؛ لأن فيه : وأمه سعدى ، ويقال سعاد بنت ثعلبة ، من بنى معن من طى. انتهى.

ومنها : أن فيه ، أن زيدا كان يفعة حين سبى ، وليس فى هذا بيان سنه حين سبى وبيع ، ويظهر ذلك ببيان معنى ذلك.

قال ابن الأثير فى نهاية الغريب : أيفع الغلام فهو يافع ، إذا شارف الاحتلام ولما يحتلم. انتهى. فيكون اليفعة من قارب خمس عشرة سنة ؛ لأن البلوغ يكون فيها أو قربها فى الغالب ، والله أعلم.

وقد بين بعض العلماء سنّه حين بيع ؛ لأن ابن عبد البر قال : وكان زيد هذا ، قد

١٤٤

أصابه سباء فى الجاهلية ، فاشتراه حكيم بن حزام فى سوق حباشة ، وهى سوق بناحية مكة ، كانت مجمعا للعرب ، يتسوقون بها فى كل سنة ، اشتراه حكيم لخديجة بنت خويلد رضى الله عنها ، فوهبته خديجة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتبناه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة قبل النبوة ، وهو ابن ثمان سنين ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أكبر منه بعشر سنين ، وطاف به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين تبناه على حلق قريش يقول : هذا ابنى وارثا وموروثا ، يشهدهم على ذلك. هذا كله معنى قول مصعب والزبير بن بكار والكلبى وغيرهم. انتهى.

وقوله فى هذا الخبر : وهو ابن ثمان سنين ، بيان لتاريخ وقت شرائه ، لا تاريخ وقت تبنيه وهبته ؛ لأنه يلزم فى حمله على ذلك ، أن يكون للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمانية عشر عاما ، حين وهب له زيد ، وتبناه أكبر من زيد بعشرة سنين ، كما فى هذا الخبر ، وكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكبر من هذا بسنين ، حين وهب له زيد وتبناه ؛ لأن خديجة إنما وهبت له زيدا بعد أن تزوجها ، ولم يتبناه إلا بعد ذلك ، ولم يتزوجها إلا بعد أن بلغ إحدى وعشرين سنة ، هذا أقل ما قيل فى سنه حين تزوجها ، والأكثر فى سنه لما تزوجها ، خمس وعشرون سنة ، والله أعلم. وفى حمل قوله : وهو ابن ثمان سنين ، على تاريخ شرائه ، لا هبته وتبنيه ، موافقه للخبر السابق ، فإنه يقتضى أن هبة خديجة زيدا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعد أن تزوجها ، وأن تبنيه بعد ذلك ، والتوفيق بين الأخبار ، أولى من حملها على الاختلاف ، والله أعلم.

وقال النووى : وقد ذكر تمام الرازى فى فوائده : أن حارثة والد زيد ، أسلم حين جاء فى طلب زيد ، ثم ذهب إلى قومه مسلما. انتهى. ولم يتعقب ذلك النووى ، وهو قابل للتعقب ؛ لأن الحافظ أبا زكريا بن مندة ، أخرج هذا الحديث فى جزء له سماه ب «من روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هو وولده وولد ولده». قال : ثم قال الإمام جدى : هذا حديث غريب ، لا يعرف إلا من هذا الوجه. انتهى.

وفى إسناده من لا يعرف ، ويظهر ذلك بذكر الحديث مسندا ، قال فيه يحيى بن مندة: أخبرنا أبى ، قال : أخبرنا محمد بن إبراهيم بن مروان بدمشق ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ابن أبى عقال ـ وهو هلال بن زيد بن الحسن بن أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل ـ حدثنا عمى زيد بن أبى عقال ، عن أبيه ، عن زيد بن الحسن ، عن أبيه الحسن ، عن أبيه أسامة بن زيد بن حارثة ، عن أبيه زيد بن حارثة ، رضى الله عنه : أن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا أباه حارثة إلى الإسلام ، فشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وسلم. انتهى.

أخرجه تمام الرازى ، وأيضا فإن فى الخبر الذى ذكره الزبير عن المدائنى ، أن زيدا حين سبى ، كان يفعة ، وأن خديجة ـ رضى الله عنها ـ وهبته للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما تزوجها ، ومن تزويج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خديجة إلى المبعث ، خمس عشرة سنة على الصحيح. ويبعد أن يخفى خبر

١٤٥

زيد على أبيه هذا المدة ، حتى لا يقدم فى فدائه إلا بعد الإسلام ، والله أعلم.

وقوله فى الخبر الذى ذكره ابن عبد البر ، عن الزبير وعمه وابن الكلبى ، أن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أكبر من زيد بعشر سنين ، يقتضى أن زيدا مات وهو ابن خمسين سنة ونحو ثلاثة أشهر ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تأخر بعده نحو ثلاث سنين ، وعاش قبله عشرا.

ونقل المزى عن بعضهم ولم يسمّه ، أن زيدا مات وهو ابن خمس وخمسين سنة.

وقال ابن الأثير فى ترجمته : وكان زيد أبيض أحمر. انتهى. وقال ابن السكن : كان قصيرا شديد الأدمة ، فى أنفه فطس. انتهى.

نقل ذلك الحافظ ابن حجر عن ابن السكن. والمعروف أن ما ذكره من الصفة ، صفة لأسامة لا لأبيه ، والله أعلم.

قال النووى ، رحمه‌الله بعد أن ذكر حديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ فى سرور النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم بما قاله القائف فى أسامة بن زيد وأبيه ، من : إن هذه الأقدام بعضها من بعض.

قال العلماء : سبب سروره صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أسامة ، كان لونه أسود ، وكان طويلا ، خرج إلى أمه ، وكان أبوه زيد قصيرا أبيض ، وقيل بين البياض والسواد ، وكان بعض الناس قصد الاختلاف.

١٢٢٣ ـ زيد بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط ابن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى بن غالب القرشى العدوى :

يكنى أبا عبد الرحمن ، أخو عمر بن الخطاب لأبيه ، كان أسن من عمر ، وأسلم قبل عمر ، وكان من المهاجرين الأولين ، شهد بدرا وأحدا والخندق وما بعدها من المشاهد ، وشهد بيعة الرضوان بالحديبية ، ثم قتل باليمامة شهيدا سنة اثنتى عشرة ، وحزن عليه عمر حزنا شديدا. ويروى عن ابن جابر قال : قال عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه : ما هبت الصبا إلا وأنا أجد منها ريح زيد. انتهى.

__________________

١٢٢٣ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ٨٥١ ، الإصابة ترجمة ٨٩٠٤ ، أسد الغابة ترجمة ١٨٣٤ ، طبقات ابن سعد ٣ / ٧٣ ، ١٣١ ، ٤ / ٨١ ، ٨٩ ، ٩٠ ، طبقات خليفة ١٢ ، تاريخه ١٠٨ ، ١١٢ ، نسب قريش ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، تاريخ البخارى الكبير الترجمة ١٢٧٤ ، تاريخه الصغير ١ / ٣٤ ، تاريخ الطبرى ٣ / ٢٩٠ ، ٢٩٣ ، الجرح والتعديل الترجمة ٢٥٣٩ ، مشاهير علماء الأمصار الترجمة ٢٧ ، حلية الأولياء ١ / ٣٦٧ ، جمهرة ابن حزم ١٥١ ، ٣١١ ، الجمع لابن القيسرانى ١ / ١٤٥ ، التبيين فى أنساب القرشيين ٣٧٤ ، الكامل فى التاريخ ٢ / ٣٦٠ ، ٣٦٣ ، ٣٦٦ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٠٣ ، تاريخ الإسلام ١ / ٣٦٧ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٢٩٧ ، الكاشف الترجمة ١٧٥٢ ، العبر ١ / ١٤ ، تهذيب ابن حجر ٣ / ٤١١ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ٢٢٥٦ ، تهذيب الكمال ٢١٠٥).

١٤٦

ولما قتل زيد بن الخطاب ، ونعى إلى أخيه عمر قال : رحم الله أخى ، سبقنى إلى الحسنيين ، أسلم قبلى واستشهد قبلى.

وقال عمر ـ رضى الله عنه ـ لمتمم بن نويرة ، حين أنشده مراثيه فى أخيه : لو كنت أحسن الشعر ، لقلت فى أخى زيد مثل ما قلت فى أخيك ، فقال متمم : لو أن أخى ذهب على ما ذهب عليه أخوك ، ما حزنت عليه. فقال عمر ـ رضى الله عنه : ما عزانى أحد أحسن مما عزيتنى به.

وذكر محمد بن عمر الواقدى ، قال : حدثنى الجحاف بن عبد الرحمن ، من ولد زيد ابن الخطاب ، عن أبيه قال : كان زيد بن الخطاب يحمل راية المسلمين يوم اليمامة ، وقد انكشف المسلمون حتى غلبت حنيفة على الرجال ، فجعل زيد يقول : أما الرجال فلا رجال ، وأما الرجال فلا رجال ، ثم جعل يصيح بأعلى صوته : اللهم إنى أعتذر إليك من فرار أصحابى ، وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة ، ومحكم بن الطفيل ، وجعل يشير بالراية ، يتقدم بها فى نحر العدو ، ثم ضارب بسيفه حتى قتل ، ووقعت الراية. ثم قال : وزيد بن الخطاب ، هو الذى قتل الرّحّال بن عنفوة ، وقيل عنقوة ، واسمه نهار بن عنقوه ، وكان قد هاجر وقرأ القرآن ، ثم سار إلى مسيلمة مرتدّا ، وأخبره أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشركه فى الرسالة ، فكان أعظم فتنة على بنى حنيفة.

وذكر خليفة بن خياط ، قال : حدثنا معاذ بن معاذ ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، قال : كانوا يرون أن أبا مريم الحنفى ، قتل زيد بن الخطاب يوم اليمامة ، وقال أبو مريم لعمر : يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى أكرم زيدا بيدى ، ولم يهنى بيده. قال : وأخبرنا علىّ بن محمد ، قال : حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، قال : كانوا يرون أن أبا مريم الحنفى ، قتل زيد بن الخطاب ، قال : وأخبرنا على بن محمد أبو الحسن ، عن ابن خزيمة الحنفى ، عن قيس بن طلق قال : قتله سلمة بن صبيح ، ابن عم أبى مريم.

قال ابن عبد البر ، رحمه‌الله : النفس أميل إلى هذا ؛ لأن أبا مريم لو كان قاتل زيد ، ما استقضاه عمر ، رضى الله عنه. والله أعلم. قال : وكان زيد بن الخطاب ، طويلا بائن الطول أسمر. انتهى.

ذكر هذا كله من حال زيد بن الخطاب ، ابن عبد البر ، وهذا لفظه إلا قليلا جدا فبالمعنى ، وقدمنا فى ذلك وأخرنا لمناسبة الكلام ، وليس فيما ذكره ابن عبد البر ، من أن وقعة اليمامة فى سنة اثنتى عشرة ، بيان وقتها من هذه السنة ، وذلك فى شهر ربيع الأول سنة اثنتى عشرة ، ذكر ذلك غير واحد ، منهم : ابن الأثير والنووى والذهبى فى العنبر.

١٤٧

وقيل : إن اليمامة كانت فى سنة إحدى عشرة ، حكاه النووى فى ترجمة زيد بن الخطاب.

وقال صاحبنا الحافظ ابن حجر فى ترجمته : «قلت : وهذا لم يذكره ابن عبد البر ، وذكر العسكرى ، أن أبا مريم الحنفى قاتل زيد بن الخطاب ، غير أبى مريم الحنفى الذى ولاه عمر القضاء ، وزعم أن اسم هذا إياس بن صبيح ، وأن اسم القاتل صبيح بن مخرش ، وحكى فى اسم قاتله غير ذلك. وقال الهيثم بن عدى : أسلم قاتله ، فقال له عمر ، رضى الله عنه ـ فى خلافته : لا تساكّنى». انتهى.

وكلام المزى فى التهذيب ، يقتضى أن الذى قتل زيدا ، الرحال بن عنفوة ؛ لأنه قال : وقتله الرحال بن عنفوة. انتهى.

وليس الأمر كذلك ؛ لأن زيدا قتل الرحال ، كما قال ابن عبد البر ، وقد استدرك ذلك على المزى ، صاحبنا الحافظ ابن حجر ، ونبّه عليه ، وذكر كلام أبى عمر.

ولزيد بن الخطاب ، حديث واحد ، فى النهى عن قتل ذوات البيوت ، من حديث الزهرى ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن أبى لبابة ، وزيد بن الخطاب ، أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نهى عن ذلك. وقال سفيان بن عيينة عن الزهرى : فقال أبو لبابة ، أو زيد بن الخطاب ، على الشك.

ذكره البخارى تعليقا من الوجه الأول (١). ورواه مسلم من الوجهين جميعا (٢). ورواه أبو داود من الوجه الثانى (٣) ، ذكر هذا كله بالمعنى المزى.

وذكره الزبير بن بكار فقال : وقد شهد بدرا وأحدا. وقال له عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه : خذ درعى فالبسها ، وكان عمر ـ رضى الله عنه ـ يحبه حبّا شديدا ، فقال : زيد يا أخى ، أنا أريد من الشهادة مثل ما تريد. وقتل زيد بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ باليمامة شهيدا ، فحزن عليه عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ حزنا شديدا ، وقال لمتمم بن نويرة حين أنشده مراثى أخيه مالك بن نويرة : لو كنت أحسن الشعر. فذكر ما سبق.

وذكر قول عمر ـ رضى الله عنه : ما هبت الصبا. وذكر قوله : رحم الله أخى زيدا ، فإنه سبقنى إلى الحسنيين ، بالمعنى فى الثلاثة الأخبار ، وكثير منهما باللفظ.

__________________

(١) أخرجه البخارى فى صحيحه ، فى بدء الخلق ، حديث رقم (٣٠٥٤).

(٢) أخرجه مسلم فى صحيحه ، فى السلام ، حديث رقم (٤١٤٠ ، ٤١٤١).

(٣) أخرجه أبو داود فى سننه ، فى الأدب ، حديث رقم (٤٥٧٢).

١٤٨

١٢٢٤ ـ زيد بن الدّثنة بن معاوية بن عبيد بن عامر بن بياضة الأنصارى البياضى :

شهد بدرا وأحدا ، وأسر يوم الرجيع ، مع خبيب بن عدى ، فبيع بمكة من صفوان بن أمية فقتله ، وذلك فى سنة ثلاث من الهجرة.

ذكره هكذا ابن عبد البر ، وما ذكره فى تاريخ يوم الرجيع ؛ ذكر فى ترجمة خبيب ما يوافقه. وذكر فى ترجمة خالد بن البكير ما يخالفه ؛ لأنه قال : وقتل خالد بن البكير يوم الرجيع ، فى صفر سنة أربع من الهجرة. انتهى.

وكلا القولين صحيح ؛ لأن من قال : إن الرجيع فى سنة ثلاث ، هو باعتبار أنه وقع قبل كمال السنة الثالثة ، من حين هاجر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، وكانت هجرته إلى المدينة ، فى أول ربيع الأول والرجيع فى صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة ، قبل تمام السنة الثالثة بشهر أو نحوه. ومن قال : إن الرجيع فى سنة أربع ، هو باعتبار أنه فى السنة الرابعة من سنى الهجرة. وهذا القائل حسب السنة التى وقعت فيها الهجرة كاملة مع نقصها تجوزا منه ، وحسب السنتين بعدها ، وكان الرجيع فى صفر بعد السنتين الكاملتين ، والسنة الناقصة ، وهو قد حسبها كاملة ، فيكون الرجيع فى الرابعة على هذا ، والله أعلم.

وقد بين ابن الأثير من خبر خبيب ، أكثر مما بينه ابن عبد البر ، فنذكر ذلك لما فيه من الفائدة ، قال : أخبرنا أبو جعفر بن السمين ، بإسناده إلى يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة : أن نفرا من عضل والقارة ، قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أحد ، فقالوا : إن فينا إسلاما ، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا فى الدين ، ويقرئوننا القرآن ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معهم خبيب بن عدى ، وزيد بن الدثنة ، وذكر نفرا ، فخرجوا حتى إذا كانوا بالرّجيع فوق الهدأة فأتتهم هزيل فقاتلوهم ، وذكر الحديث. قال : فأما زيد ، فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه ، فأمر به مولى له يقال له نسطاس ، فخرج إلى التنعيم ، فضرب عنقه. ولما أرادوا قتله ، قال أبو سفيان ، حين قدم ليقتل : ناشدتك الله يا زيد ، أتحب أن محمدا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه ،

__________________

١٢٢٤ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ترجمة ٨٥٢ ، الثقات ٣ / ١٤٠ ، أسد الغابة ترجمة ١٨٣٥ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٩٩ ، الإصابة ترجمة ٢٦٠٥ ، الاستبصار ١٧٧ ، ٢٦٤ ، ٣٠٥ ، أصحاب ١٨٤ ، صفة الصفوة ١ / ٤٩ ، أزمنة التاريخ الإسلامى ٣ / ٦٢٥ ، الوافى بالوفيات ١٥ / ٤٥ ، المنتظم لابن الجوزى ٣ / ٧٢ ، ٢٠١ ، ٢٠٩ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٤٢ ، ٣ / ٢٩٧).

١٤٩

وأنك فى أهلك ، فقال : والله ما أحب أن محمدا الآن فى مكانه الذى هو فيه ، تصيبه شوكة تؤذيه ، وإنى جالس فى أهلى ، فقال أبو سفيان : والله ما رأيت أحدا من الناس يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا. وكان قتله فى سنة ثلاث من الهجرة. انتهى. وقوله : وكان قتله فى سنة ثلاث ، موافق لأحد القولين السابقين.

وقد تقدم فى ترجمة خبيب بن عدى من حديث أبى هريرة ، ـ رضى الله عنه : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعث عشرة نفر عينا ، فيهم خبيب بن عدى ، وزيد بن الدّثنة ، وأنهم قتلوا إلا خبيبا وزيدا ورجلا آخر ، فإنهم نزلوا على العهد والميثاق ، وأنهم غدروا بخبيب وزيد والرجل الثالث.

وأنه لما رأى منهم الغدر ، قاتلهم وقتلوه. وليس فى حديث أبى هريرة تسمية هذا الرجل ، ولعله عبد الله بن طارق ، حليف بنى ظفر ، والله أعلم. وإنما أشرنا إلى هذا ؛ لأنه يخالف ما ذكره ابن إسحاق ، فى كون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثهم للتعليم. والله أعلم.

١٢٢٥ ـ زيد بن ربيعة ، وقيل زمعة القرشى الأسدى ، من بنى أسد بن عبد العزى :

استشهد يوم حنين. قاله عروة بن الزبير. وقال ابن إسحاق : هو زيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، وإنما قتل [.....](١) فرس يقال له الجناح ، فقتل. أخرجه ابن مندة وأبو نعيم. ذكره هكذا ابن الأثير. وفى كتابه الذى نقلت منه تصحيف كتبته كما ترى ؛ لأنه لم يتحرر لى ، وأظن أنه سقط من النسخة شىء ، وأن الصواب فى ذلك «لأنه جمع به فرس» والله أعلم.

١٢٢٦ ـ زيد بن سلامة المكى :

كان مقدما على أهل المسفلة بمكة. وتوفى بها فى رمضان ، سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، ودفن بالمعلاة.

١٢٢٧ ـ زيد بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم اليفاعى :

شيخ صاحب البيان. تخرج فى الفقه بأبى بكر بن جعفر المخائى ، وإسحاق بن

__________________

١٢٢٥ ـ انظر ترجمته فى : (أسد الغابة ١٨٣٦).

(١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

١٢٢٧ ـ انظر ترجمته فى : (شذرات الذهب ٦ / ٧١ ، طبقات الخواص للسرجى ٥٢ ، طبقات الشافعية للسبكى ٤ / ٢١٩).

١٥٠

يوسف الصّردفىّ ، وبه تخرج فى الفرائض والحساب ، ثم ارتحل إلى مكة ، فأدرك فيها الحسين بن على الطبرى ، مصنف «العدة» وأبا نصر البندنيجىّ ، مصنف «المعتمد» فقرأ عليهما. ثم عاد إلى اليمن ، فدرس فى حياة شيخه أبى بكر ، واجتمع عليه أكثر من مائتى طالب ، فخرج هو وأصحابه لدفن ميت وعليهم ثياب بيض ، فرآهم المفضل بن أبى البركات بن الوليد الحميرى من فوق سطح ، فخشى منهم. ثم خرج إلى مكة لفتنة وقعت باليمن ، وجاور بها اثنتى عشرة سنة ، فانتهت إليه رئاسة الفتوى بمكة.

وكانت تأتيه نفقة له من أطيان باليمن. ثم عاد إلى اليمن سنة اثنتى عشرة ، وقيل سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، وقد مات المفضل ، وارتحل الناس إليه فى طلب العلم ، وكان بالجند(١) سنة أربع عشرة ، وقيل سنة عشر ، ذكره القطب القسطلانى فيما عمله من تاريخ اليمن.

وذكر الشيخ عبد الله اليافعى فى تاريخه : أنه كان يحفظ «المجموع» للمحاملى ، و «الجامع» فى الخلاف لجده جعفر ، وكلامه يدل على أن اجتماع المائتين من الطلبة عليه ، كان بعد قدمته الثانية من مكة ، والله أعلم.

وذكر أن يفاعة ، بياء مثناة من تحت وفاء ، نسبة إلى يفاعة ، مكان باليمن. وهذا المكان من معشار تعزّ ، من بلاد اليمن ، فى واد يقال له وادى القصيبة ، على نحو ثلاثة أميال من الجند ، وهو ما بين الجند وتعزّ.

واليفاعى ـ بياء مثناة من تحت وفاء ـ يستفاد مع البقاعىّ ـ بباء موحدة وقاف ـ نسبة إلى البقاع العزيزى ، من أعمال دمشق ، نسب إليه جماعة من الأعيان.

١٢٢٨ ـ زيد بن عمرو بن نفيل القرشى العدوى :

والد سعيد بن زيد ، أحد العشرة ، وسيأتى بيان نسبه فى ترجمته ، وهو ابن عم عمر ابن الخطاب ، رضى الله عنه.

__________________

(١) الجند : مدينة باليمن كبيرة حصينة كثيرة الخيرات ، بها قوم من خولان ، وبها مسجد بناه معاذ بن جبل رضى الله عنه حين نزلها ، وهو الذى يذكر أن ناقته بركت فى موضعه فقال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، فأمر ببناء المسجد فى ذلك الموضع ، وهذا كالذى فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند احتلاله المدينة. انظر : الروض المعطار ١٧٥ ، ١٧٦ ، البكرى ٦٧ ، نزهة المشتاق ٥٤.

١٢٢٨ ـ انظر ترجمته فى : (أسد الغابة ٢ / ٢٣٦ ، طبقات ابن سعد ١ / ١٢٨ ، المنتظم ٢ / ٣٢٩ ، ٣٣١).

١٥١

أفرده ابن الأثير بترجمة فى باب «زيد» قال فيها : سئل عنه النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يبعث أمة وحده يوم القيامة» (١) وكان يتعبد فى الجاهلية ، ويطلب دين إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، ويوحد الله تعالى ويقول : إلهى إله إبراهيم ، ودينى دين إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، وكان يعيب على قريش ذبائحهم ، ويقول : الشاة خلقها الله تعالى ، وأنزل لها من السماء ماء وأنبت لها من الأرض ، ثم تذبحونها على غير اسم الله تعالى! إنكارا لذلك واستعظاما. وكان لا يأكل ما ذبح على النصب ، واجتمع به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بأسفل بلدح ، قبل أن يوحى إليه ، وكان يحيى الموءودة.

وذكر ابن الأثير أشياء من خبره ، منها خبر فى تطلب دين إبراهيم بالسفر له إلى البلاد ، وفيه : ومات زيد بن عمرو بن نفيل ، وأنزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومنها خبر عن ابن إسحاق ، فى إيذاء الخطاب بن نفيل ، لزيد بن عمرو نفيل ثم قال : وتوفى زيد قبل مبعث النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرثاه ورقة بن نوفل ، فذكر أبياتا فى رثائه.

وفى هذا القدر من خبر زيد بن عمرو كفاية ، ثم قال : أخرجه أبو عمر ـ يعنى ابن عبد البر ـ ولم يفرده بترجمة كما صنع ابن الأثير ، وإنما ذكر أشياء من خبره ، فى ترجمة ولده سعيد بن زيد ، أحد العشرة ، وأجاد فى ذلك ؛ لأنه إنما يحسن إفراده بالترجمة ، أن لو كانت له صحبة ، ولا صحبة له ، لموته قبل مبعث النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن الصحبة إنما تكون لمن رآه نبيا. ولكن يرجى لزيد هذا الخير ، فإن ابن عبد البر ، ذكر أن ولده سعيد بن زيد ، أتى النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن زيدا كما قد رأيت وبلغك ، فاستغفر له ، قال : نعم ، فاستغفر له ، وقال : «يبعث يوم القيامة أمة وحده» انتهى.

فاستفدنا من هذا ، أن السائل للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن زيد ابنه ، وهذا لا يفهم من كلام ابن الأثير.

ومما ذكره ابن الأثير من خبره : وكان يقول : يا معشر قريش ، إياكم والزنا ، فإنه يورث الفقر.

__________________

(١) أخرجه أحمد فى المسند برقم (١٦٥١) من طريق : يزيد حدثنا المسعودى ، عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة هو وزيد بن حارثة فمر بهما زيد بن عمرو بن نفيل فدعواه إلى سفرة لهما فقال : يا ابن أخى إنى لا آكل مما ذبح على النصب قال فما رئى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك أكل شيئا مما ذبح على النصب ، قال : قلت : يا رسول الله ، إن أبى كان كما قد رأيت وبلغك ولو أدركك لآمن بك واتبعك فاستغفر له ، قال : «نعم. فاستغفر له فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده».

١٥٢

١٢٢٩ ـ زيد بن أبى نمى محمد بن أبى سعد حسن بن علىّ بن قتادة بن إدريس ابن مطاعن الحسنى المكى ، يكنى أبا الحارث :

لا أدرى هل هو زيد الأكبر بن أبى نمى ، أو زيد الأصغر بن أبى نمى ، وما عرفت من حاله ، سوى أن الأديب يحيى بن يوسف المعروف بالنّشو ، الشاعر المكى ، شيخنا بالإجازة مدحه بقصيدة تدل على أنه كان مالكا للجزيرة المعروفة بسواكن (١) [من البسيط] :

لك السعادة والإقبال والنعم

فلا يضرك أعراب ولا عجم

الله أعطاك ما ترجوه من أمل

أعطاكه المرهفان السيف والقلم

فأنت يا زين دين الله قد خضعت

لك الأنام وقد دامت لك النعم

ما أنت إلا فريد العصر أوحده

يسمو بك العزم والإقدام والهمم

ذلت لسطوتك الأعدا بأجمعهم

فلن تبالى بما قالوا وما نقموا

أنت السماء وهم كالأرض منزلة

فلست تحفل ما شادوا وما هدموا

سواكن أنت يا ذا الجود مالكها

أحييت بالعدل من فيها فما ندموا

جبرتهم بعد كسر واعتنيت بهم

فالناس بالعدل فيها كلهم علموا

سواكن ما لها فى الناس يملكها

إلا أبو حارث بالعدل يحتكم

خير الملوك وأوفاهم وأحلمهم

لولاه فيهم لقلنا إنهم عدموا

مسدد الرأى لا تعصى أوامره

عالى المحلين فى أحكامه حكم

فاق البرامكة الألى وجعفرهم

ما الفضل ما معن ما يحيى وإن كرموا

أقر كل فؤاد فى جوانحه

فالأمن ينبت والأخواف تنصرم

فكفه للندى والجود باطنها

وظهرها الركن للوراد يستلم

يا من تشرفت الدنيا بطلعته

إنى ودهرى إلى علياك نختصم

لا زلت بالملك فى عز وفى نعم

تسمو بك الرتبتان العلم والعلم

* * *

__________________

(١) سواكن : مدينة بقرب جزيرة عيذاب ، وهى ذات مرسى ، ومنها تسير السفن إلى مدينة سواكن ، وهى مدينة عامرة فى ساحل بلاد البجاة وبلاد الحبشة. انظر : معجم البلدان ٣ / ٢٧٦ ، الروض المعطار ٣٣٢ ، تقويم البلدان ٣٧٠ ، نخبة الدهر ١٥١.

١٥٣

حرف السين المهملة

١٢٣٠ ـ سابط بن أبى خميصة بن عمرو بن وهب بن حذافة بن جمح القرشى الجمحى ، والد عبد الرحمن بن سابط :

روى عنه ابنه عبد الرحمن بن سابط ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بى ، فإنها من أعظم المصائب» (١).

وكان يحيى بن معين يقول : هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط ، سابط جده. وفى ذلك نظر. ذكره هكذا ابن عبد البر ، وذكره بمعنى هذا ابن الأثير ، ولم يعزه إلى أحد ممن يعزى إليه إخراجه للصحابة ، وحديثه لا يصح على ما قال الذهبى. والله أعلم.

* * *

من اسمه سالم

١٢٣١ ـ سالم بن أبى سليمان المكى :

ذكره العماد الكاتب فى الخريدة ، فقال : سالم بن أبى سليمان القائد ، من عبيد مكة وقوادها ، نوبى الأصل ، وقاد الخاطر. وقال : أنشدنى الأمير دهمش بن وهاس السليمانى له ، قال : سمعته ينشد الأمير عيسى بن فليتة فى العيد [من الكامل] :

الليل مذ برزت به أسماء

صبح ومسود الظلام ضياء

فكأنما نور الغزالة ساطع

بجبينها ولضوئها لألآء

وكأن أشنب ثغرها بلبانها

حب الجمان فحبذا أسماء

وكأنما بالظلم منها واللّما

عذب البهير وقهوة صهباء

أما القضيب فقدها ولردفها

كثب النقا ولثامها الظلماء

وهى من أبيات طويلة ، ذكرها العماد الكاتب فى الخزيدة.

__________________

١٢٣٠ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ترجمة ١١٣٢ ، الإصابة ترجمة ٣٠٣٩ ، أسد الغابة ترجمة ١٨٨٣ ، بقى بن مخلد ٦٧٦).

(١) أخرجه الدارمى فى سننه برقم (٨٤) من طريق : عبد الوهاب بن سعيد الدمشقى ، حدثنا شعيب هو ابن إسحق ، حدثنا الأوزاعى ، حدثنى يعيش بن الوليد ، حدثنى ، مكحول أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا أصاب أحدكم مصيبة ...». فذكر الحديث.

١٢٣١ ـ انظر ترجمته فى : (خريدة القصر ٣ / ٤٥).

١٥٤

١٢٣٢ ـ سالم بن سوار المكى :

مولى أم حبيبة ، زوج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. روى عن مولاته أم حبيبة. روى عنه : عطاء بن أبى رباح ، وعمرو بن دينار. روى له مسلم والنسائى حديثا واحدا فى : «التغليس من جمع إلى منى». ووقع لنا عاليا.

قال الحميدى ، عن سفيان بن عيينة : وسالم بن سوار ، رجل من أهل مكة ، لم يسمع أحد يحدث عنه ، إلا عمرو بن دينار هذا الحديث. قال النسائى : ثقة. وذكره ابن حبان فى الثقات.

١٢٣٣ ـ سالم بن عبد الله الخياط البصرى :

نزل مكة ، فقيل له المكى ، يقال مولى عكاشة. عن الحسن ، وابن سيرين ، وعطاء بن أبى رباح ، وابن أبى مليكة ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وغيرهم.

روى عنه محمد بن إسحاق ، والثورى ، وعبيد الله بن موسى ، والوليد بن مسلم ، وأبو عاصم النبيل ، وجماعة. روى له الترمذى وابن ماجة.

قال يحيى بن آدم عن سفيان : حدثنا سالم المكى ، وكان مرضيّا. قال أحمد : ما أرى به بأسا. وقال أبو داود عن ابن معين : لا يسوى فلسا. وقال ابن حبان فى الثقات : سالم المكى ، مولى عكاشة. وقال الدارقطنى : لين الحديث. نقل ذلك عنه الحافظ ابن حجر وقال : وقد فرق ابن حبان ، بين المكى مولى عكاشة ، وبين البصرى الخياط ، فذكر المكى فى الثقات. وقال فى البصرى : يقلب الأخبار ، ويزيد فيها ما ليس منها ، ويجعل روايات الحسن عن أبى هريرة سماعا ، ولم يسمع الحسن من أبى هريرة شيئا ، لا يحل الاحتجاج به بحال ، كذا فرق بينهما البخارى وابن أبى حاتم. انتهى.

١٢٣٤ ـ سالم بن معقل ، مولى أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشى العبشمى الأنصارى :

ويقال الفارسى ؛ لأن أصله من اصطخر (١) ، وقيل من كرمد ، فأعتقته مولاته امرأة

__________________

١٢٣٣ ـ انظر ترجمته فى : (تاريخ الدارمى الترجمة ٣٨٠ ، علل أحمد ١ / ٣٣٨ ، تاريخ البخارى الكبير الترجمة ٢١٥٤ ، ضعفاء النسائى الترجمة ٢٣٢ ، الجرح والتعديل الترجمة ٧٩٩ ، المجروحين لابن حبان ١ / ٣٤٢ ، ضعفاء الدارقطنى الترجمة ٢٥٨ ، تاريخ الإسلام ٦ / ٦٧ ، المغنى الترجمة ٢٣٠٣ ، الديوان الترجمة ١٥٤٥ ، الكاشف الترجمة ١٧٩٣ ، ميزان الاعتدال الترجمة ٣٠٥٣ ، تهذيب ابن حجر ٣ / ٤٣٩ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ٢٣٢٤ ، تهذيب الكمال ٢١٥١).

١٢٣٤ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ٨٨٦ ، الإصابة ٣٠٥٩ ، أسد الغابة ١٨٩٢).

(١) اصطخر : مدينة من كور فارس ولها نواح ، وهى مدينة كبيرة جليلة ، وهى أقدم مدن فارس وأشهرها اسما. انظر : الروض المعطار ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥.

١٥٥

أبى حذيفة ، وهى من الأنصار ، يقال لها بثينة بنت يعار بن يزيد بن عبيد بن زيد الأنصارى الأوسى ، وقيل فى اسمها غير ذلك. وتولى سالم لما عتق ، أبا حذيفة بن عتبة ، فتبناه أبو حذيفة ، وصار يدعى سالم بن أبى حذيفة ، حتى نزلت : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) الآية [الأحزاب : ٥].

وزوجه أبو حذيفة ، بنت أخيه فاطمة بنت الوليد بنت عتبة ، وكان من فضلاء الموالى ، ومن خيار الصحابة وكبارهم ، ومن المهاجرين. هاجر إلى المدينة فى نفر ، منهم عمر بن الخطاب ، فكان يؤمهم فى الطريق ، وكان يؤم المهاجرين بقباء ، قبل أن يقدم النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، وفيهم ابن الخطاب ، وكان عمر ـ رضى الله عنه ـ يفرط فى الثناء عليه ويقول : لو كان سالم حيّا ما جعلتها شورى. يعنى بذلك أنه يصدر فى الخلافة عن رأيه ، والله أعلم.

وهو أحد الأربعة الذين أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأخذ القرآن عنهم ، وهم : عبد الله بن مسعود ، وأبىّ بن كعب ، وسالم مولى أبى حذيفة ، ومعاذ بن جبل ، وشهد سالم مولى أبى حذيفة بدرا.

ذكر هذا كله من حال سالم ، ابن عبد البر بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى ، وذكر أكثره ابن الأثير وقال : وشهد سالم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها ، مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقتل يوم اليمامة شهيدا.

وروى ابن الأثير بسنده ، إلى إبراهيم بن حنظلة ، عن أبيه ، أن سالما مولى أبى حذيفة قيل له يومئذ ـ يعنى يوم اليمامة ـ فى اللواء أن يحفظه ، وقال غيره : نخشى من نفسك شيئا ما فتولى اللواء غيرك ، فقال : بئس حامل اللواء أنا إذا ، فقطعت يمينه ، فأخذ اللواء بيساره ، فقطعت يساره ، فاعتنق اللواء ، وهو يقول : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) إلى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) [آل عمران : ١٤٤ ـ ١٤٦] فلما صرع ، قال لأصحابه : ما فعل أبو حذيفة؟ قيل : قتل ، قال : فما فعل فلان؟ لرجل سماه ـ قيل : قتل. قال : فأضجعونى بينهما. ولما قتل أرسل عمر ـ رضى الله عنه ـ بميراثه ، إلى معتقته بثينة بنت يعار فلم تقبله ، وقالت : إنما أعتقته سائبة ، فجعل عمر ـ رضى الله عنه ـ ميراثه فى بيت المال. انتهى.

وقال ابن عبد البر : وقتل يوم اليمامة شهيدا ، هو ومولاه أبو حذيفة ، فوجد رأس أحدهما على رجلى الآخر ، وذلك سنة اثنتى عشرة.

وذكر ابن عبد البر عن الواقدى ، أن زيد بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ لما قتل يوم

١٥٦

اليمامة ، وقعت منه الراية ، فأخذها سالم مولى أبى حذيفة ، فقال المسلمون : يا سالم ، إنا نخاف أن نؤتى من قبلك ، فقال : بئس حامل القرآن أنا ، إن أتيتم من قبلى. انتهى.

وهو الذى أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سهلة بنت سهيل بن عمرو ، امرأة أبى حذيفة برضاعه ، لتحرم على سالم ، ويذهب ما فى نفس أبى حذيفة ؛ لأنها شكت أن يكون فى نفس أبى حذيفة من دخوله عليها شىء ، وذكرت أنها أرضعته. فذهب ما فى نفس أبى حذيفة. وهذا الحديث فى الصحيحين (٢).

وكذا حديث الأمر بأخذ القرآن عنه وعمن ذكر معه. وقال فيه ابن مندة : سالم بن عبيد بن ربيعة. قال أبو نعيم : هذا وهم فاحش. انتهى.

١٢٣٥ ـ سالم المكى ، وليس بالخياط :

روى عن موسى بن عبد الله بن قيس الأشعرى ، وعن أعرابى له صحبة. روى عنه محمد بن إسحاق بن يسار.

روى له أبو داود حديثا واحدا (١) ، وقد وقع لنا عاليا. هكذا ذكره المزى فى التهذيب ، وساق له حديثا فى النهى عن بيع الحاضر للباد.

وقال الحافظ ابن حجر فى ترجمته : قال المزى : خلطه صاحب الكمال بسالم الخياط ، وهو وهم. وأما هذا فيحتمل أن يكون سالم بن شوال. انتهى. ولم أر هذا الكلام فى تهذيب الكمال. والله أعلم.

__________________

(٢) أخرجه مسلم فى صحيحه حديث برقم (١٤٥٣) من طريق : إسحاق بن إبراهيم الحنظلى ومحمد بن أبى عمر جميعا ، عن الثقفى ، قال ابن أبى عمر : حدثنا عبد الوهاب الثقفى ، عن أيوب ، عن ابن أبى مليكة ، عن القاسم ، عن عائشة أن سالما مولى أبى حذيفة كان مع أبى حذيفة وأهله فى بيتهم فأتت تعنى ابنة سهيل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوا وإنه يدخل علينا وإنى أظن أن فى نفس أبى حذيفة من ذلك شيئا فقال لها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أرضعيه تحرمى عليه ، ويذهب الذى فى نفس أبى حذيفة». فرجعت فقالت : إنى قد أرضعته فذهب الذى فى نفس أبى حذيفة.

١٢٣٥ ـ انظر ترجمته فى : (الكاشف الترجمة ١٨٠٣ ، ميزان الاعتدال الترجمة ٣٠٧١ ، تهذيب ابن حجر ٣ / ٤٤٤ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ٢٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٢١٦٢).

(١) فى سننه ، كتاب البيوع ، حديث رقم (٢٩٨٤) من طريق : موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن سالم المكى أن أعرابيا حدثه أنه قدم بحلوبة له على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزل على طلحة بن عبيد الله فقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك فشاورنى حتى آمرك أو أنهاك.

١٥٧

١٢٣٦ ـ سالم بن ياقوت المكى ، أبو أحمد :

المؤذن بالحرم الشريف ، أجاز له فى سنة ثلاث عشرة وسبعمائة ـ مع ابنه أحمد بن سالم المقدم ذكره ـ : الدّشتىّ والقاضى سليمان بن حمزة ، والمطعم ، وابن مكتوم ، وابن عبد الدائم ، وابن سعد ، وابن الشيرازى ، وابن النّشو ، والقاسم بن عساكر ، ووزيرة بنت المنجا ، والحجار ، وغيرهم. ما رأيت له سماعا ولا علمته حدث.

وكان يؤذن بمأذنة الحزورة ، وبلغنى أنه لم يفته أذان الصبح بها أربعين سنة. توفى سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة بمكة.

ومولده سنة ست وثمانين وستمائة ، كذا وجدت وفاته ومولده بخط شيخنا ابن سكر ، وما ذكره ابن سكر من أنه ولد سنة ست وثمانين وستمائة ، لا يصح ؛ لأن ابنه أحمد بن سالم ، ولد سنة سبع وتسعين وستمائة ، فيبعد أن يكون أبوه أكبر منه بإحدى عشرة سنة.

ووجدت أنا بخطه ، أنه توفى فى حدود سنة نيف وستين وسبعمائة ، أو بقرب السبعين ، وأن مولده سنة ثلاث وستين ، وما ذكره من أن وفاته بقرب السبعين ، فيه نظر. والله أعلم.

ومن العجيب أنه صلى عليه ، مع القاضى نجم الدين الطبرى قاضى مكة ، صلاة الغائب بجامع دمشق ، فى يوم الجمعة الخامس من رمضان سنة ثلاثين وسبعمائة. كذا ذكر البرزالى ، وذكر أنه كان قد مرض وأشرف على الموت فى هذا التاريخ.

* * *

من اسمه السائب

١٢٣٧ ـ السائب بن الأقرع الثقفى :

كوفى شهد نهاوند مع النعمان بن مقرن ، وكان عمر ـ رضى الله عنه ـ بعثه إليه بكتاب ، ثم استعمله عمر على المدائن.

وذكر البخارى : أنه أدرك النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومسح على رأسه. ذكره صاحب الاستيعاب.

__________________

١٢٣٧ ـ انظر ترجمته فى : (الجرح والتعديل ٤ / ٢٤٠ ، التاريخ الكبير ٢ / ١٥١ ، الاستيعاب ترجمة ٨٨٩ ، الإصابة ترجمة ٣٠٨٠ ، أسد الغابة ترجمة ١٩٢٥ ، الثقات ٣ / ١٧٣ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ٢٠٤ ، طبقات ابن سعد ٧ / ٧١ ، المنتظم ٤ / ٢١١ ، ٧٤ ، ٥ / ٥٩ ، الوافى بالوفيات ١٥ / ١٤٥ ، تاريخ بغداد ١ / ٢٠٢).

١٥٨

١٢٣٨ ـ السائب بن أبى وداعة الحارث بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم القرشى السهمى :

هكذا نسبه ابن عبد البر ، وقال : روى عنه أخوه المطلب وقال : قال الزبير عن عمه:زعموا أنه كان شريكا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة. وقال : كانت وفاته بعد سنة سبع وخمسين بداريه ، فيما ذكر البخارى. وذكر ابن قدامة : أنه تصدق بداريه ، سنة سبع وخمسين ، وفيها مات.

وذكره الذهبى ، وقال : قال أبو عمر بن عبد البر : يقال له المطلب ، وذكر أن أبا مرثد الغنوى (١) ، أسره يوم بدر ، وهذا الذى ذكره الذهبى عن ابن عبد البر ، ذكره عنه ابن الأثير ، ولم أر فى الاستيعاب إلا خلاف ذلك ؛ لأن فيه : روى عنه أخوه المطلب ، وهذا أول شىء ذكره فى ترجمته ، وفى آخرها. قال أبو عمر : هو أخو المطلب بن أبى وداعة. انتهى. فكيف يقال إن ابن عبد البر قال : إنه المطلب ، ولعله سقط فى النسخة التى رآها ابن الأثير والذهبى من الاستيعاب ، قوله : أخوه. والله أعلم.

وأما ما ذكره الذهبى ، من أسر أبى مرثد له ، فقد ذكر ابن مندة ما يوافقه ، وتعقب عليه ذلك أبو نعيم ، وفيما ذكراه نظر ، نبه عليه ابن الأثير. وقد سقط فى النسخة التى رأيتها من كتابه ، صدر ترجمة السائب ، ولكن موضع التعقب باق ، فتذكر كلامه على ما فى النسخة من سقم : قال الكفار يوم بدر ، فإن له ابنا كيسا ، فخرج ابنه المطلب ، ففاداه بأربعة آلاف ، وهو أول أسير فدى من بدر ، قاله ابن مندة.

وقال أبو نعيم : ذكره بعض المتأخرين ، فقال : السائب ، وصوابه المطلب ، وأما أبو عمر ، فذكر السائب بن أبى وداعة ، وقال : هو المطلب. ثم قال ابن الأثير : قلت : إن أراد أبو نعيم فى الرد على ابن مندة ، أن الأسير «المطلب» فكلاهما غير صحيح ، وإنما الذى أسر ، هو أبو وداعة ، والذى افتداه هو المطلب ، قاله الزبير وغيره ، وقد قال ابن مندة وأبو نعيم ، فى المطلب بن أبى وداعة ، إنه قدم فى فداء أبيه يوم بدر ، فكفى بقولهما ردّا على أنفسهما ، وإن أراد أن السائب لم يكن صحابيا ، وإنما كان المطلب ، فقد وافق ابن مندة جماعة ، منهم البخارى وأبو عمر وغيرهما ، جعلوه صحابيا.

__________________

١٢٣٨ ـ انظر ترجمته فى : (الجرح والتعديل ٤ / ٢٤٠ ، التاريخ الكبير ٢ / ١٤٩ ، الاستيعاب ترجمة ٩٠٦ ، الإصابة ترجمة ٣٠٨١ ، أسد الغابة ترجمة ١٩٢٣ ، الثقات ٣ / ١٧٢١ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ٢٠٤ ، الوافى بالوفيات ١٥ / ٣٦).

(١) أبو مرثد الغنوى : هو كناز بن حصين ، ويقال : ابن حصين ، وسيأتى ذكره فى الترجمة (٢٣٧٨) ، ثم فى باب الكنى الترجمة (٢٤١٩).

١٥٩

وقد قال الزبير بن بكار (٢) : وإليه انتهت المعرفة بأنساب قريش ، والسائب بن أبى وداعة ، زعموا أنه كان شريكا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة. انتهى.

وقد سقط فى النسخة التى رأيتها من كتاب ابن الأثير لفظتان ، إحداهما «أول» بين:وهو ، وبين أسير ، والأخرى «أسر» بين : الذى ، وبين هو أبو وداعة ، فأثبتهما ؛ لأن الكلام لا يتم إلا بذلك.

وفى استدلال ابن الأثير ، على صحبة السائب ، بما ذكره عن الزبير ، نظر ، لعدم الجزم بمشاركته للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولو استدل على صحبته بوجوده بعد فتح مكة ، لصح ذلك إن شاء الله ، فإن الإسلام عمّ قريشا وأكثر العرب بعد الفتح ، والله أعلم.

ويتعجب من الذهبى فى ذكر أسر أبى مرثد للسائب ؛ لأن ابن الزبير ، قد نبه على خلاف ذلك ، وما ألف الذهبى كتابه ، إلا بعد نظره كتاب ابن الأثير ، والله أعلم.

وسعيد : بضم السين وفتح العين.

١٢٣٩ ـ السائب بن الحارث بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم القرشى السهم :

هاجر إلى أرض الحبشة مع إخوته : بشر والحارث وعبد الله ومعمر ، وخرج السائب يوم الطائف ، واستشهد يوم فحل بالأردن. وكانت فحل فى ذى القعدة سنة ثلاث عشرة ، فى أول خلافة عمر ـ رضى الله عنه ـ هكذا قال ابن إسحاق وغيره. وقال الكلبى : كانت فحل ، سنة أربع عشرة ، ذكره بمعنى هذا ابن عبد البر.

وقال ابن الأثير : قتل يوم الطائف شهيدا ، قاله ابن مندة. وقال : وقد انقرض بنو الحارث بن قيس بن عدى. وفحل : من أرض الشام ، بكسر الفاء. انتهى.

وقيل : قتل باليمامة ، ذكره ابن قدامة.

١٢٤٠ ـ السائب بن أبى حبيش بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصى القرشى الأسدى :

معدود فى أهل المدينة ، وهو الذى قال فيه عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه : ذاك رجل لا أعلم فيه عيبا ، وما أحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلا وأنا أقدر أن أعيبه. وقد روى

__________________

(٢) ذكر ابن عبد البر : أن هذا كلام الزبير عن عمه.

١٢٣٩ ـ انظر ترجمته فى : (الجرح والتعديل ٤ / ٢٤٢ ، الاستيعاب ترجمة ٨٩٠ ، الإصابة ترجمة ٣٠٦٥ ، أسد الغابة ترجمة ١٩٠٤ ، طبقات ابن سعد ٤ / ١٤٨ ، المنتظم ٢ / ٣٧٦).

١٢٤٠ ـ انظر ترجمته فى : (تاريخ البخارى الكبير الترجمة ٢٢٩٧ ، الجرح والتعديل الترجمة ١٠٣٣ ، الاستيعاب ترجمة ٨٩١ ، أسد الغابة ترجمة ١٩٠٥ ، تهذيب ابن حجر ٣ / ٤٤٦ ، الإصابة ٣٠٦٦ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ٢٣٤٦ ، تهذيب الكمال ٢١٦٦).

١٦٠