شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

محمّد بن أبي بكر الدماميني

شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أبي بكر الدماميني


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢
الجزء ١ الجزء ٢

قال : إذ لا تكون مبتدأ لعدم الرّابط من الخبر وهو فعل الشرط ، ولا مفعولا لاستيفاء فعل الشّرط مفعوله ، ولا سبيل إلى غيرهما ، فتعيّن أنها لا موضع لها.

والجواب أنها في الأول إمّا خبر «تكن» ، و «خليقة» : اسمها ، و «من» زائدة ، لأن الشرط غير موجب عند أبي علي ، وإما مبتدأ ، واسم «تكن» ضمير راجع إليها ، والظرف خبر ، وأنّث ضميرها لأنها الخليقة في المعنى ، ومثله «ما جاءت حاجتك» فيمن نصب «حاجتك» ، و «من خليقة» : تفسير للضمير ، كقوله [من الطويل] :

٣٨١ ـ [فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها]

لما نسجتها من جنوب وشمأل (١)

وفي الثاني مفعول «تصب» ، و «أفقا» : ظرف ، و «من بارق» : تفسير لـ «مهما» أو متعلق بـ «تصب» ، فمعناها التبعيض ، والمعنى : أي شيء تصب في أفق من البوارق تشم.

وقال بعضهم : «مهما» ظرف زمان ، والمعنى : أي وقت تصب بارقا من أفق ، فقلب الكلام ، أو في أفق بارقا ، فزاد «من» ، واستعمل «أفقا» ظرفا ، انتهى ؛ وسيأتي أن «مهما» لا تستعمل ظرفا.

وهي بسيطة ، لا مركّبة من «مه» و «ما» الشرطيّة ، ولا من «ما» الشرطية و «ما» الزائدة ، ثم أبدلت الهاء من الألف الأولى دفعا للتّكرار ؛ خلافا لزاعمي ذلك.

ولها ثلاثة معان :

أحدها : ما لا يعقل غير الزمان مع تضمّن الشرط ، ومنه الآية ، ولهذا فسرت بقوله تعالى : (مِنْ آيَةٍ) [الأعراف : ١٣٢] وهي فيها إمّا مبتدأ أو منصوبة على الاشتغال ، فيقدّر لها عامل متعدّ كما في «زيدا مررت به» متأخّرا عنها ، لأنّ لها الصدر ، أي : مهما تحضرنا تأتنا به.

الثاني : الزمان والشرط ، فتكون ظرفا لفعل الشرط. ذكره ابن مالك ، وزعم أن النّحويين أهملوه ، وأنشد لحاتم [من الطويل] :

٣٨٢ ـ وإنّك مهما تعط بطنك سؤله

وفرجك نالا منتهى الذّمّ أجمعا (٢)

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس ص ٨ ، والأضداد ص ٩٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٦ ، والدرر ١ / ٢٨٥ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٢٧.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لمتم بن نويرة في ديوانه ص ١١٧ ، ولسان العرب ١٠ / ٣٩٧ مادة / برك / وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٣٢٥.

٢٤١

وأبياتا أخر ، ولا دليل في ذلك ، لجواز كونها للمصدر بمعنى أي إعطاء كثيرا وقليلا وهذه المقالة سبق إليها ابن مالك غيره ، وشدّد الزمخشري الإنكار على من قال بها ، فقال : هذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرّفها من لا يد له في علم العربيّة ، فيضعها في غير موضعها ، ويظنّها بمعنى «متى» ، ويقول : «مهما جئتني أعطيتك» وهذا من وضعه ، وليس من كلام واضع العربيّة ، ثم يذهب فيفسّر بها الآية فيلحد في آيات الله ، انتهى. والقول بذلك في الآية ممتنع ، ولو صحّ ثبوته في غيرها ؛ لتفسيرها بـ «من آية».

الثالث : الاستفهام ، ذكره جماعة منهم ابن مالك ، واستدلّوا عليه بقوله [من السريع] :

٣٨٣ ـ مهما لي اللّيلة مهما ليه

أودى بنعليّ وسرباليه (١)

فزعموا أن «مهما» مبتدأ ، و «لي» الخبر ، وأعيدت الجملة توكيدا ، و «أودى» : بمعنى هلك ؛ و «نعلي» : فاعل ، والباء زائدة مثلها في (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) [الفتح : ٢٨] وغيرها ، ولا دليل في البيت ؛ لاحتمال أن التقدير «مه» اسم فعل بمعنى : «اكفف» ثم استأنف استفهاما بـ «ما» وحدها.

تنبيه ـ من المشكل قول الشاطبي رحمه‌الله [من الطويل] :

٣٨٤ ـ ومهما تصلها أو بدأت براءة

[لتنزيلها بالسّيف لست مبسملا]

ونقول فيه : لا يجوز في «مهما» أن تكون مفعولا به لتصل لاستيفائه مفعوله ، ولا مبتدأ لعدم الرابط. فإن قيل : قدّر «مهما» واقعة على «براءة» ؛ فيكون ضمير «تصلها» راجعا إلى «براءة» ، وحينئذ فـ «مهما» مبتدأ أو مفعول لمحذوف يفسّره «تصل» ؛ قلنا : اسم الشرط عام ، و «براءة» اسم خاص فضميرها كذلك ، فلا يرجع إلى العام ، وبالوجه الذي بطل به ابتدائيّة «مهما» يبطل كونها مشتغلا عنها العامل بالضمير.

وهذه بخلافها في قوله [من الطويل] :

٣٨٥ ـ ومهما تصلها مع أواخر سورة

[فلا تقفنّ الدّهر فيها فتثقلا]

فإنها هناك واقعة على البسلمة التي في أول كل سورة ؛ فهي عامة ؛ فيصحّ فيها الابتداء أو النصب بفعل يفسّره «تصل» ، أي : وأيّ بسملة تصل تصلها ، والظرفية بمعنى: وأيّ وقت تصل البسملة ، على القول بجواز ظرفيّتها.

__________________

(١) البيت من السريع ، وهو لعمرو بن ملقط في الأزهية ص ٢٥٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٨ ـ ١٩ ، والدرر ٥ / ٧٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٣٠ ـ ٧٢٤ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٥١ وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٤.

٢٤٢

وأما هنا فيتعيّن كونها ظرفا لـ «تصل» بتقدير : وأيّ وقت تصل براءة ، أو مفعولا به حذف بها ؛ ولمّا خفي المعنى بحذف مرجع الضمير ذكر «براءة» بيانا له : إما على أنه بدل منه ، أو على إضمار : أعني ؛ ولك أن تعيده على ما بعده وهو «براءة» : إما على أنه بدل منه مثل «رأيته زيدا» فمفعول «بدأت» محذوف ، أو على أن الفعلين تنازعاها فأعمل الثاني متّسعا فيه بإسقاط الباء ، وأضمر الفضلة في الأول ، على حد قوله [من الطويل] :

٣٨٦ ـ إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب

جهارا فكن في الغيب أحفظ للودّ (١)

* * * *

(مع): اسم ؛ بدليل التنوين في قولك «معا» ودخول الجارّ في حكاية سيبويه «ذهبت من معه» ، وقراءة بعضهم (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) [الأنبياء : ٢٤] ، وتسكين عينه لغة غنم وربيعة لا ضرورة خلافا لسيبويه ، واسميّتها حينئذ باقية ، وقول النحّاس «إنها حينئذ حرف بالإجماع» مردود.

وتستعمل مضافة ، فتكون ظرفا ، ولها حينئذ ثلاثة معان :

أحدها : موضوع الاجتماع ؛ ولهذا يخبر بها عن الذوات ، نحو : (وَاللهُ مَعَكُمْ) [محمد : ٣٥].

والثاني : زمانه نحو : «جئتك مع العصر».

والثالث : مرادفة عند ، عليه القراءة وحكاية سيبويه السابقتان.

ومفرده ، فتنوّن ، وتكون حالا ، وقد جاءت ظرفا مخبرا به في نحو قوله [من الطويل] :

٣٨٧ ـ أفيقوا بني حرب وأهواؤنا معا

وأرحامنا موصولة لم تقضّب (٢)

وقيل : هي حال ، والخبر محذوف ، وهي في الإفراد بمعنى جميعا عند ابن مالك ، وهو خلاف قول ثعلب : «إذا قلت «جاءا جميعا» احتمل أنّ فعلهما في وقت واحد أو في وقتين ؛ وإذا قلت «جاءا معا» فالوقت واحد» ا ه. وفيه نظر ، وقد عادل بينهما من قال [من السريع] :

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٥ / ٢٨١ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٠٣.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لجندل بن عمرو في الدرر ٣ / ١٤٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٤٦ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٣٠٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣١٢.

٢٤٣

٣٨٨ ـ كنت ويحيى كيدي واحد

نرمي جميعا ونرامى معا (١)

وتستعمل معا للجماعة كما تستعمل للاثنين ، قال [من الطويل] :

٣٨٩ ـ [يذكّرن ذا البثّ الحزين ببثّه]

إذا حنّت الأولى سجعن لها معا (٢)

وقالت الخنساء [من المتقارب] :

٣٩٠ ـ وأفنى رجالي ، فبادوا معا ،

فأصبح قلبي بهم مستفزّا (٣)

* * * *

متى) : على خمسة أوجه : اسم استفهام ، نحو : (مَتى نَصْرُ اللهِ) [البقرة : ٢١٤] ، واسم شرط ، كقوله [من الوافر] :

٣٩١ ـ [أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا]

متى أضع العمامة تعرفوني (٤)

واسم مرادف للوسط ، وحرف بمعنى من أو في ، وذلك في لغة هذيل يقولون : «أخرجها متى كمّه» أي منه ، وقال ساعدة [من البسيط] :

٣٩٢ ـ أخيل برقا متى حاب له زجل

إذا يفتّر من توماضه حلجا (٥)

أي من سحاب حاب ، أي ثقيل المشي له تصويت ، واختلف في قول بعضهم : «وضعته متى كمّي» ، فقال ابن سيده : بمعنى «في» ، وقال غيره : بمعنى «وسط» ، وكذلك اختلف في قول أبي ذؤيب يصف السحاب [من الطويل] :

٣٩٣ ـ شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت

متى لجج خضر لهنّ نئيج (٦)

__________________

(١) البيت من السريع ، وهو لمحمد المخزومي في ذيل أمالي القالي ص ١٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٤٦ ـ ٧٤٧ ، ولمطيع بن أبي إياس في الأغاني ١٣ / ٣٠٨.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لمتم بن نويرة في ديوانه ص ١١٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢ / ٥٦٧ ـ ٧٤٧ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٧٤ ـ ٧٥.

(٣) البيت من المتقارب ، وهو للخنساء في ديوانها ص ٢٧٤ وشرح التصريح ٢ / ٤٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٥٢ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٢٠.

(٤) البيت من الوافر ، وهو لسحيم بن وثيل في الاشتقاق ص ٢٢٤ ، والأصمعيات ص ١٧ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٥٥ ، والدرر ١ / ٩٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٢٧ ، وخزانة الأدب ٤٠٧٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٣١.

(٥) البيت من البسيط ، وهو لساعدة بن جؤية في شرح أشعار الهذليين ص ٧٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٤٩ ، ولسان العرب مادة / جلح /.

(٦) البيت من الطويل ، وهو لأبي الهذلي في الأزهية ص ٢٠١ ، والأشباه والنظائر ٤ / ٢٨٧ وجواهر الأدب ـ

٢٤٤

فقيل : بمعنى «من» ، وقال ابن سيده : بمعنى «وسط».

* * * *

(منذ ، ومذ) ، لهما ثلاث حالات :

إحداها : أن يليهما اسم مجرور ، فقيل : هما اسمان مضافان ، والصحيح أنهما حرفا جرّ : بمعنى «من» إن كان الزمان ماضيا ، وبمعنى «في» إن كان حاضرا ، وبمعنى «من» و «إلى» جميعا إن كان معدودا ، نحو : «ما رأيته مذ يوم الخميس ، أو منذ يومنا ، أو عامنا ؛ أو مذ ثلاثة أيام».

وأكثر العرب على وجوب جرّهما للحاضر ، وعلى ترجيح جرّ «منذ» للماضي على رفعه ، وترجيح رفع «مذ» للماضي على جرّه ، ومن الكثير في «منذ» قوله [من الطويل] :

٩٤ ـ [قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان] ،

وربع عفت آثاره منذ أزمان (١)

ومن القليل في «مذ» قوله [من الكامل] :

٣٩٥ ـ [لمن الدّيار بقنّة الحجر]

أقوين مذ حجج ومذ دهر (٢)

والحالة الثانية : أن يليهما اسم مرفوع ، نحو : «مذ يوم الخميس ، ومنذ يومان» فقال المبرّد وابن السرّاج والفارسي : مبتدآن ، وما بعدهما خبر ، ومعناهما الأمد إن كان الزمان حاضرا أو معدودا ، وأول المدّة إن كان ماضيا. وقال الأخفش والزجّاج والزجّاجي : ظرفان مخبر بهما عمّا بعدهما ، ومعناهما «بين وبين» مضافين ، فمعنى «ما لقيته مذ يومان» بيني وبين لقائه يومان ؛ ولا خفاء بما فيه من التعسّف. وقال أكثر الكوفيّين : ظرفان مضافان لجملة حذف فعلها ، وبقي فاعلها ، والأصل : مذ كان يومان ، واختاره السهيلي وابن مالك. وقال بعض الكوفيّين : خبر لمحذوف ، أي : ما رأيته من الزمان الذي هو يومان ، بناء على أن «مذ» مركّبة من كلمتين «من» و «ذو» الطائيّة.

__________________

ص ٩٩ ، وخزانة الأدب ٧ / ٩٧ ـ ٩٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٦ والجنى الداني ص ٤٣ ـ ٥٠٥ ، وجواهر الأدب ص ٤٧ ـ ٣٧٨.

(١) البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٨٩ ، والدرر ٣ / ١٤٢ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٤٩.

(٢) البيت من الكامل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٦٨ ، والأزهية ص ٢٨٣ ، والأغاني ٦ / ٨٦ ، والإنصاف ١ / ٣٧١ وخزانة الأدب ٩ / ٤٣٩.

٢٤٥

الحالة الثالثة : أن يليهما الجمل الفعليّة أو الاسمية ، كقوله [من الكامل] :

٣٩٦ ـ ما زال مذ عقدت يداه إزاره

[فسما فأدرك خمسة الأشبار](١)

وقوله [من الطويل] :

٣٩٧ ـ وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع

[وليدا وكهلا ، حين شبت ، وأمردا](٢)

والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان ، فقيل : إلى الجملة ، وقيل : إلى زمن مضاف إلى الجملة ؛ وقيل : مبتدآن ؛ فيجب تقدير زمان مضاف للجملة يكون هو الخبر.

وأصل «مذ» : «منذ» ، بدليل رجوعهم إلى ضمّ ذال «مذ» عند ملاقاة الساكن ، نحو : «مذ اليوم» ، ولو لا أنّ الأصل الضم لكسروا ، ولأن بعضهم يقول : «مذ زمن طويل» فيضم مع عدم الساكن. وقال ابن ملكون : هما أصلان ، لأنه لا يتصرّف في الحرف ولا شبهه ، ويردّه تخفيفهم «إنّ» و «كأنّ» و «لكنّ» و «ربّ» و «قطّ». وقال المالقي : إذا كانت «مذ» اسما فأصلها «منذ» ، أو حرفا فهي أصل.

ـ حرف النون ـ

* النون المفردة ـ تأتي على أربعة أوجه :

أحدها : نون التّوكيد ، وهي خفيفة وثقيلة ، وقد اجتمعتا في قوله تعالى : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً) [يوسف : ٣٢] ، وهما أصلان عند البصريّين ؛ وقال الكوفيّون : الثّقيلة أصل ، ومعناهما التّوكيد. قال الخليل : والتّوكيد بالثّقيلة أبلغ ، ويختصّان بالفعل ، وأما قوله [من الرجز] :

٣٩٨ ـ أريت إن جاءت به أملودا

مرجّلا ويلبس البرودا]

أقائلنّ أحضروا الشّهودا (٣)

فضرورة سوّغها شبه الوصف بالفعل.

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٣٠٥ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٢٣ ، وجواهر الأدب ص ٣١٧ ، وحزانة الأدب ١ / ٢١٢.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٨٥ ، وتذكرة النحاة ص ٥٨٩ ، والدرر ٣ / ١٣٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٢١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٠.

(٣) البيت من بحر ، وهو الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٣ ، وشرح التصريح ١ / ٤٢ ، ولرجل من هذيل في حاشية يس ١ / ٤٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ٥ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٤ ، ولسان العرب مادة (رأي).

٢٤٦

ويؤكّد بهما صيغ الأمر مطلقا ، ولو كان دعائيّا ، كقوله [من الرجز] :

٣٩٩ ـ فأنزلن سكينة علينا

[وثبّت الأقدام إن لاقينا](١)

إلّا «أفعل» في التعجب ، لأن معناه كمعنى الفعل الماضي ، وشذّ قوله [من الطويل] :

٤٠٠ ـ ومستبدل من بعد غضيا صريمة] ،

فأحر به بطول فقر وأحريا (٢)

ولا يؤكّد بهما الماضي مطلقا ، وشذّ قوله [من الكامل] :

٤٠١ ـ دامنّ سعدك لو رحمت متيّما ،

لولاك لم يك للصّبابة جانحا (٣)

والذي سهّله أنه بمعنى «افعل» ، وأمّا المضارع فإن كان حالا لم يؤكّد بهما ، وإن كان مستقبلا أكّد بهما وجوبا في نحو قوله تعالى : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧] ، وقريبا من الوجوب بعد «إمّا» في نحو : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ) [الأنفال : ٥٨] ، (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) [الأعراف : ٢٠٠]. وذكر ابن جني أنه قرىء (فَإِمَّا تَرَيِنَ) [مريم : ٢٦] بياء ساكنة بعدها نون الرفع على حد قوله [من البسيط] :

يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار

ففيها شذوذان : ترك نون التوكيد ، وإثبات نون الرفع مع الجازم ، وجوازا كثيرا بعد الطلب ، نحو : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً) [إبراهيم : ٤٢] وقليلا في مواضع ، كقولهم [من الطويل] :

٤٠٢ ـ [إذا مات منهم سيّد سرق ابنه]

ومن عضة ما ينبتنّ شكيرها (٤)

الثاني : التنوين ، وهو نون زائدة ساكنة تلحق الآخر لغير توكيد ؛ فخرج نون «حسن» لأنها أصل ، ونون «ضيفن» للطفيليّ لأنها متحرّكة ، ونون «منكسر» و «انكسر» لأنها غير آخر ، ونون (لَنَسْفَعاً) [العلق : ١٥] لأنها للتّوكيد.

__________________

(١) البيت من الرجز ، وهو لعبد الله بن واحة رضي‌الله‌عنه في ديوانه ص ١٠٧ ، وله أو لعامر بن الأكوع في الدرر ٥ / ١٤٨ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٣٤ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٣٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٨.

(٢) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في جواهر الأدب ص ٥٨ ، والدرر ٥ / ١٥٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٥٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٥٩.

(٣) البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ١٤٣ ، والدرر ٥ / ١٦١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٥ وشرح شواهد المغني ص ٧٦٠.

(٤) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٠٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٥٢ ـ ٦ / ٢٨١ وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٦٤٣.

٢٤٧

وأقسامه خمسة :

(١) تنوين التّمكين ، وهو : اللاحق للاسم المعرب المنصرف ، إعلاما ببقائه على أصله وأنّه لم يشبه الحرف فيبنى ، ولا الفعل فيمنع الصرف ، ويسمّى تنوين الأمكنيّة أيضا ، وتنوين الصّرف ، وذلك كـ «زيد» و «رجل» و «رجال».

(٢) وتنوين التّنكير ، وهو : اللّاحق لبعض الأسماء المبنيّة فرقا بين معرفتها ونكرتها ، ويقع في باب اسم الفعل بالسماع كـ «صه» و «مه» و «إيه» ، وفي العلم المختوم بـ «ويه» بقياس ، نحو : «جاءني سيبويه وسيبويه آخر».

وأما تنوين «رجل» ونحوه من المعربات فتنوين تمكين ، لا تنوين تنكير ، كما قد يتوهّم بعض الطلبة ، ولهذا لو سمّيت به رجلا بقي ذلك التنوين بعينه مع زوال التنكير.

(٣) وتنوين المقابلة ، وهو : اللّاحق لنحو : «مسلمات» جعل في مقابلة النون في «مسلمين» ، وقيل : هو عوض عن الفتحة نصبا ، ولو كان كذلك لم يوجد في الرفع والجرّ ، ثم الفتحة قد عوّض عنها الكسرة فما هذا العوض الثاني؟

وقيل : هو تنوين التمكين ، ويردّه ثبوته مع التّسمية به كـ «عرفات» كما تبقى نون «مسلمين» مسمّى به ، وتنوين التّمكين لا يجامع العلّتين ، ولهذا لو سمّي بـ «مسلمة» أو «عرفة» زال تنوينها. وزعم الزمخشريّ أن «عرفات» مصروف ، لأن تاءه ليست للتأنيث ، وإنما هي والألف للجمع ، قال : ولا يصحّ أن يقدّر فيه تاء غيرها ، لأن هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنّث تأبى ذلك ، كما لا تقدر التاء في «بنت» مع أن التاء المذكورة مبدلة من الواو ، ولكن اختصاصها بالمؤنث يأبى ذلك ؛ وقال ابن مالك : اعتبار تاء نحو «عرفات» في منع الصرف أولى من اعتبار تاء نحو «عرفة» و «مسلمة» ، لأنها لتأنيث معه جمعيّة ، ولأنها علامة لا تتغيّر في وصل ولا وقف.

(٤) وتنوين العوض ، وهو : اللاحق عوضا من حرف أصليّ ، أو زائد ، أو مضاف إليه : مفردا ، أو جملة.

فالأول كـ «جوار» و «غواش» ، فإنه عوض من الياء وفاقا لسيبويه والجمهور ، لا عوض من ضمّة الياء وفتحتها النائبة عن الكسرة خلافا للمبرّد ، إذ لو صحّ لعوض عن حركات نحو : «حبلى» ؛ ولا هو تنوين التمكين والاسم منصرف خلافا للأخفش ، وقوله لمّا حذفت الياء التحق الجمع بأوزان الآحاد كـ «سلام» و «كلام» فصرف مردود ، لأن حذفها عارض للتخفيف ، وهي منويّة ، بدليل أن الحرف الذي بقي أخيرا لم يحرّك بحسب

٢٤٨

العوامل ، وقد وافق على أنه لو سمي بـ «كتف» امرأة ثم سكّن تخفيفا لم يجز صرفه كما جاز صرف «هند» ، وأنه إذا قيل في «جيأل» علما لرجل «جيل» بالنقل لم ينصرف انصراف «قدم» علما لرجل ، لأن حركة تاء «كتف» وهمزة «جيل» منويّا الثبوت ، ولهذا لم تقلب ياء «جيل» ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.

والثاني : كـ «جندل» ، فإن تنوينه عوض من ألف «جنادل» ، قاله ابن مالك ، والذي يظهر خلافه ، وأنه تنوين الصّرف ، ولهذا يجر بالكسرة ، وليس ذهاب الألف التي هي علم الجمعية كذهاب الياء من نحو : «جوار» و «غواش».

والثالث : تنوين «كلّ» و «بعض» إذا قطعتا عن الإضافة ، نحو : (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) [الفرقان : ٣٩] ، (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [الإسراء : ٢١] ، وقيل : هو تنوين التّمكين ، رجع لزوال الإضافة التي كانت تعارضه.

والرابع : اللاحق لـ «إذ» في نحو : (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) (١٦) [الحاقة : ١٦] ، والأصل : فهي يوم إذ انشقّت واهية ، ثم حذفت الجملة المضاف إليه للعلم ، وجيء بالتنوين عوضا عنها ، وكسرت الذال للساكنين ؛ وقال الأخفش : التنوين تنوين التّمكين والكسرة إعراب المضاف إليه.

(٥) وتنوين الترنّم ،وهو : اللاحق للقوافي المطلقة بدلا من حرف الإطلاق ، وهو الألف والواو والياء ، وذلك في إنشاد تميم ، وظاهر قولهم أنه [تنوين] محصّل للترنّم ، وقد صرّح بذلك ابن يعيش كما سيأتي ؛ والذي صرح به سيبويه وغيره من المحققين أنه جيء به لقطع الترنّم ، وأن الترنّم وهو التّغنّي يحصل بأحرف الإطلاق لقبولها لمدّ الصوت فيها ، فإذا أنشدوا ولم يترنّموا جاؤوا بالنون في مكانها ولا يختصّ هذا التنوين بالاسم ، بدليل قوله [من الوافر] :

٤٠٣ ـ [أقلّي اللّوم عاذل والعتابن]

وقولي إن أصبت لقد أصابن (١)

وقوله [من الكامل] :

٤٠٤ ـ أفد التّرحّل غير أنّ ركابنا

لما تزل برحالنا وكأن قدن (٢)

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لجرير في ديوانه ص ٨١٣ ، وخزانة الأدب ١ / ٦٩ ـ ٣٣٨ ، والخصائص ٢ / ٦ والدرر ٥ / ١٧٦ ، وسر صناعة الإعراب ص ٤٧١ ـ ٤٧٩ ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٦٥٥ ، وجواهر الأدب ص ١٣٩.

(٢) تقدم تخريجه.

٢٤٩

وزاد الأخفش والعروضيّون تنوينا سادسا ، وسمّوه الغالي ، وهو : اللاحق لآخر القوافي المقيّدة ، كقول رؤبة [من الرجز] :

٤٠٥ ـ وقاتم الأعماق خاوي المخترقن

مشتبه الأعلام لمّاع الخفقن (١)

وسمّي «غاليا» لتجاوزه حدّ الوزن ، ويسمّي الأخفش الحركة التي قبله «غلوّا» ، وفائدته الفرق بين الوقف والوصل ، وجعله ابن يعيش من نوع تنوين الترنّم ، زاعما أن الترنم يحصل بالنون نفسها ، لأنها حرف أغنّ ، قال : وإنما سمّي المغنّي مغنّيا ، لأنه يغنّن صوته : أي يجعل فيه غنّة ، والأصل عنده مغنّن بثلاث نونات فأبدلت الأخيرة ياء تخفيفا ؛ وأنكر الزجّاج والسيرافي ثبوت هذا التّنوين ألبتّة ، لأنّه يكسر الوزن ، وقالا : لعلّ الشاعر كان يزيد «إن» في آخر كلّ بيت ، فضعف صوته بالهمزة ، فتوهّم السامع أن النّون تنوين ؛ واختار هذا القول ابن مالك ، وزعم أبو الحجّاج بن معزوز أن ظاهر كلام سيبويه في المسمّى تنوين الترنّم أنه نون عوض من المدّة ، وليس بتنوين ؛ وزعم ابن مالك في التحفة أنّ تسمية اللاحق للقوافي المطلقة والقوافي المقيّدة تنوينا مجاز ، وإنما هو نون أخرى زائدة ، ولهذا لا يختصّ بالاسم ، ويجامع الألف واللام ، ويثبت في الوقف.

وزاد بعضهم تنوينا سابعا ، وهو تنوين الضّرورة ، وهو : اللاحق لما لا ينصرف ، كقوله [من الطويل] :

٤٠٦ ـ ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة

فقالت : لك الويلات ؛ إنّك مرجلي (٢)

وللمنادى المضموم ، كقوله [من الوافر] :

٤٠٧ ـ سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام (٣)

وبقوله أقول في الثاني دون الأول ؛ لأن الأول تنوين التمكين ؛ لأن الضرورة أباحت الصرف ، وأما الثاني فليس تنوين تمكين ، لأن الاسم مبني على الضم.

وثامنا ، وهو التنوين الشّاذّ ، كقول بعضهم : «هؤلاء قومك» حكاه أبو زيد ، وفائدته مجرد تكثير اللفظ ، كما قيل في ألف «قبعثرى» ، وقال ابن مالك : الصحيح أن هذا نون

__________________

(١) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (غلا) ، وتاج العروس مادة (غلا).

(٢) البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١١ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٤٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٢٧.

(٣) البيت من الوافر ، وهو للأحوص في ديوانه ص ١٨٩ ، والأغاني ١٥ / ٢٣٤ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٥٠ والدرر ٣ / ٢١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢١٣ ، والإنصاف ١ / ٣١١.

٢٥٠

زيدت في آخر الاسم كنون «ضيفن» ، وليس بتنوين ، وفيما قاله نظر ؛ لأن الذي حكاه سمّاه تنوينا ، فهذا دليل منه على أنه سمعه في الوصل دون الوقف ، ونون «ضيفن» ليست كذلك.

وذكر ابن الخبّاز في شرح الجزولية أن أقسام التنوين عشرة ، وجعل كلّا من تنوين المنادى وتنوين صرف ما لا ينصرف قسما برأسه ، قال : والعاشر تنوين الحكاية ، مثل أن تسمّي رجلا بعاقلة لبيبة ، فإنك تحكي اللفظ المسمّى به ، وهذا اعتراف منه بأنه تنوين الصرّف ، لأن الذي كان قبل التّسمية حكي بعدها.

الثالث : نون الإناث ، وهي اسم في نحو : «النّسوة يذهبن» خلافا للمازني ، وحرف في نحو : «يذهبن النّسوة» في لغة من قال : «أكلوني البراغيث» خلافا لمن زعم أنها اسم وما بعدها بدل منها ، أو مبتدأ مؤخّر والجملة قبله خبره.

الرابع : نون الوقاية ، وتسمى نون العماد أيضا ، وتلحق قبل ياء المتكلم المنتصبة بواحد من ثلاثة :

أحدها : الفعل ، متصرّفا كان ، نحو : «أكرمني» أو جامدا ، نحو : «عساني» ، و «قاموا ما خلاني وما عداني وحاشاني» إن قدّرت فعلا ، وأما قوله [من الرجز] :

٤٠٨ ـ [عددت قومي كعديد الطّيس]

إذ ذهب القوم الكرام ليسي (١)

فضرورة ، ونحو : (تَأْمُرُونِّي) [الزمر : ٦٤] يجوز فيه الفكّ ، والإدغام ، والنّطق بنون واحدة ، وقد قرىء بهنّ في السبعة ، وعلى الأخيرة فقيل : النّون الباقية نون الرفع ، وقيل : نون الوقاية ، وهو الصحيح.

الثاني : اسم الفعل ، نحو : «دراكني» و «تراكني» ، و «عليكني» بمعنى «أدركني» و «اتركني ، و «الزمني».

الثالث : الحرف ، نحو : «إنّني» وهي جائزة الحذف مع «إنّ» و «أنّ» و «لكنّ» و «كأنّ» ، وغالبة الحذف مع «لعلّ» ، وقليلته مع «ليت».

وتلحق أيضا قبل الياء المخفوضة بـ «من» و «عن» إلا في الضرورة ، وقبل المضاف إليها «لدن» أو «قد» أو «قط» إلا في القليل من الكلام ، وقد تلحق في غير ذلك شذوذا ، كقولهم : «بجلني» بمعنى : حسبي.

__________________

(١) تقدم تخريجه.

٢٥١

وقوله [من الوافر] :

٤٠٩ ـ وما أدري وظنّي كلّ ظنّ

أمسلمني إلى قومي شراجي (١)

يريد : شراحيل ، وزعم هشام أن الذي في «أمسلمني» ونحوه تنوين لا نون ، وبنى ذلك على قوله في «ضاربني» أن الياء منصوبة ، ويردّه قول الشاعر [من الطويل] :

٤١٠ ـ وليس الموافيني ليرفد خائبا

فإنّ له أضعاف ما كان أمّلا (٢)

وفي الحديث : «غير الدّجّال أخوفني عليكم» والتنوين لا يجامع الألف واللام ، ولا اسم التّفضيل ، لكونه غير متصرّف ، وما لا ينصرف لا تنوين فيه ؛ وفي الصحاح أنه يقال : «بجلي» ولا يقال : «بجلني» ، وليس كذلك.

* * * *

(نعم) بفتح العين ، وكنانة تكسرها ، وبها قرأ الكسائي ، وبعضهم يبدلها حاء ، وبها قرأ ابن مسعود ، وبعضهم يكسر النون إتباعا لكسرة العين تنزيلا لها منزلة الفعل في قولهم : «نعم» و «شهد» بكسرتين ، كما نزّلت «بلى» منزلة الفعل في الإمالة ؛ والفارسيّ لم يطلع على هذه القراءة وأجازها بالقياس.

وهي حرف تصديق ووعد وإعلام ؛ فالأول بعد الخبر كـ «قام زيد» ، و «ما قام زيد» ؛ والثاني بعد «افعل» و «لا تفعل» ، وما في معناهما ، نحو : «هلّا تفعل» و «هلّا لم تفعل» ، وبعد الاستفهام في نحو : «هل تعطيني؟» ، ويحتمل أن تفسر في هذا بالمعنى الثالث ؛ والثالث بعد الاستفهام في نحو : «هل جاءك زيد؟» ونحو : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) [الأعراف : ٤٤] ، (أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً) [الشعراء : ٤١] ، وقول صاحب المقرب : «إنها بعد الاستفهام للوعد» غير مطّرد لما بيّناه قبل.

قيل : وتأتي للتّوكيد إذا وقعت صدرا ، نحو : «نعم هذه أطلالهم» ، والحق أنها في ذلك حرف إعلام ، وأنها جواب لسؤال مقدّر ؛ ولم يذكر سيبويه معنى الإعلام ألبتة ، بل قال : وأما «نعم» فعدة وتصديق ، وأما «بلى» فيوجب بها بعد النفي ، وكأنه رأى أنه إذا

__________________

(١) البيت من البحر الوافر ، وهو ليزيد بن محرم (أو محمد) الحارثي في شرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٠ والدرر ١ / ٢١٢ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢٤٣ ، وتذكرة النحاة ص ٤٢٢.

(٢) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ١٥ ، والدرر ١ / ٢١٣ ، وشرح الأشموني ١ / ٥٧ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٨٧.

٢٥٢

قيل : «هل قام زيد» ، فقيل : «نعم» فهي لتصديق ما بعد الاستفهام ، والأولى ما ذكرناه من أنها للإعلام ؛ إذ لا يصحّ أن تقول لقائل ذلك : صدقت ؛ لأنه إنشاء لا خبر.

واعلم أنه إذا قيل : «قام زيد» ، فتصديقه «نعم» ، وتكذيبه «لا» ، ويمتنع دخول «بلى» لعدم النفي. وإذا قيل : «ما قام زيد» ، فتصديقه «نعم» ، وتكذيبه «بلى» ، ومنه : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي) [التغابن : ٧] ، ويمتنع دخول «لا» ، لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي. وإذا قيل : «أقام زيد» فهو مثل : «قام زيد» ، أعني أنك تقول إن أثبتّ القيام : «نعم» ، وإن نفيته : «لا» ، ويمتنع دخول «بلى» ؛ وإذا قيل : «ألم يقم زيد» فهو مثل : «لم يقم زيد» ، فتقول إذا أثبتّ القيام : بلى ، ويمنع دخول «لا» ، وإن نفيته قلت : «نعم» ، قال الله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى) [الملك : ٨ ـ ٩] ، (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ، (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) [البقرة : ٢٦٠] ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لو قيل : «نعم» في جواب (لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ،) لكان كفرا.

والحاصل أن «بلى» لا تأتي إلا بعد نفي ، وأن «لا» لا تأتي إلا بعد إيجاب ، وأن «نعم» تأتي بعدهما ، وإنما جاز (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) [الزمر : ٥٩] مع أنه لم يتقدم أداة نفي لأن (لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) [الزمر : ٥٧] يدلّ على نفي هدايته ، ومعنى الجواب حينئذ : بلى قد هديتك بمجيء الآيات ، أي قد أرشدتك لذلك ، مثل : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت :١٧].

وقال سيبويه ، في باب النعت ، في مناظرة جرت بينه وبين بعض النحويين : فيقال له : ألست تقول كذا وكذا ، فإنه لا يجد بدّا من أن يقول : نعم ، فيقال له : أفلست تفعل كذا؟ فإنه قائل : «نعم» ، فزعم ابن الطراوة أن ذلك لحن.

وقال جماعة من المتقدّمين والمتأخّرين منهم الشّلوبين : إذا كان قبل النفي استفهام فإن كان على حقيقته فجوابه كجواب النفي المجرّد ، وإن كان مرادا به التقرير فالأكثر أن يجاب بما يجاب به النفي رعيا للفظه ، ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بما يجاب به الإيجاب رعيا لمعناه ، ألا ترى أنه لا يجوز بعده دخول أحد ، ولا الاستثناء المفرّغ ، لا يقال : أليس أحد في الدار ولا أليس في الدار إلا زيد ، وعلى ذلك قول الأنصار رضي الله تعالى عنهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد قال لهم : ألستم ترون لهم ذلك ـ نعم ، وقول جحدر [من الوافر] :

٤١١ ـ أليس اللّيل يجمع أمّ عمرو

وإيّانا ، فذاك بنا تداني

٢٥٣

٤١٢ ـ نعم ، وأرى الهلال كما تراه

ويعلوها النّهار كما علاني (١)

وعلى ذلك جرى كلام سيبويه ، والمخطّىء مخطىء.

وقال ابن عصفور : أجرت العرب التقرير في الجواب مجرى النفي المحض وإن كان إيجابا في المعنى ، فإذا قيل : «ألم أعطك درهما» قيل في تصديقه : نعم ، وفي تكذيبه : بلى ، وذلك لأن المقرّر قد يوافقك فيما تدّعيه وقد يخالفك ، فإذا قال : «نعم» لم يعلم هل أراد : نعم ، لم تعطني على اللفظ ، أو نعم أعطيتني على المعنى ؛ فلذلك أجابوه على اللفظ ، ولم يلتفتوا إلى المعنى ، وأمّا «نعم» في بيت جحدر فجواب لغير مذكور ، وهو ما قدّره في اعتقاده من أنّ الليل يجمعه وأم عمرو ؛ وجاز ذلك لأمن اللبس ، لعلمه أن كل أحد يعلم أن الليل يجمعه وأم عمرو ؛ أو هو جواب لقوله : «وأرى الهلال ـ البيت» وقدمه عليه. قلت : أو لقوله : «فذاك بنا تداني» وهو أحسن. وأما قول الأنصار فجاز لزوال اللبس ، لأنه قد علم أنهم يريدون نعم نعرف لهم ذلك ، وعلى هذا يحمل استعمال سيبويه لها بعد التقرير ، ا ه.

ويتحرّر على هذا أنه لو أجيب (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) [الأعراف : ١٧٢] بـ «نعم» لم يكف في الإقرار ؛ لأن الله سبحانه وتعالى أوجب في الإقرار بما يتعلّق بالربوبية العبارة التي لا تحتمل غير المعنى المراد من المقرّ ؛ ولهذا لا يدخل في الإسلام بقوله : «لا إله إلّا الله» برفع «إله» ، لاحتماله لنفي الوحدة فقط ؛ ولعل ابن عباس رضي‌الله‌عنهما إنما قال إنهم لو قالوا : «نعم» لم يكن إقرارا كافيا. وجوّز الشلوبين أن يكون مراده أنهم لو قالوا : «نعم» جوابا للملفوظ به على ما هو الأفصح لكان كفرا ، إذ الأصل تطابق الجواب والسؤال لفظا ، وفيه نظر ، لأنّ التكفير لا يكون بالاحتمال.

ـ حرف الهاء ـ

* الهاء المفردة ـ على خمسة أوجه :

أحدها : أن تكون ضميرا للغائب ، وتستعمل في موضعي الجرّ والنّصب ، نحو : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ) [الكهف : ٣٧].

__________________

(١) البيتان من الوافر ، وهما لجحدر بن مالك في أمالي القالي ١ / ٨٢٢ ، والجنى الداني ص ٤٢٢ ـ ٤٢٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٠١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٠٨ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٣٦١.

٢٥٤

والثاني : أن تكون حرفا للغيبة ، وهي الهاء في «إيّاه» فالحقّ أنها حرف لمجرد معنى الغيبة ، وأن الضمير «إيّا» وحدها.

والثالث : هاء السكت ، وهي اللاحقة لبيان حركة أو حرف ، نحو : (ما هِيَهْ) [القارعة : ١٠] ، ونحو : «هاهناه ، ووازيداه» وأصلها أن يوقف عليها ، وربّما وصلت بنية الوقف.

والرابع : المبدلة من همزة الاستفهام ، كقوله [من الكامل] :

٤١٣ ـ وأتى صواحبها فقلن : هذا الذي

منح المودّة غيرنا وجفانا؟ (١)

والتحقيق أن لا تعدّ هذه ؛ لأنها ليست بأصليّة ، على أن بعضهم زعم أن الأصل «هذا» فحذفت الألف.

والخامس : هاء التأنيث ، نحو : «رحمه» في الوقف ، وهو قول الكوفيّين ، زعموا أنها الأصل ، وأن التاء في الوصل بدل منها ، وعكس ذلك البصريون ، والتحقيق أن لا تعدّ ولو قلنا بقول الكوفيّين ، لأنها جزء كلمة لا كلمة.

* * * *

(ها) على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون اسما لفعل ، وهو «خذ» ويجوز مدّ ألفها ، ويستعملان بكاف الخطاب وبدونها ، ويجوز في الممدودة أن يستغنى عن الكاف بتصريف همزتها تصاريف الكاف ؛ فيقال : «هاء» للمذكر بالفتح ، و «ها» للمؤنث بالكسر ، و «هاؤما» ، و «هاؤنّ» ، و «هاؤم» ، ومنه : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩].

والثاني : أن تكون ضميرا للمؤنث ، فتستعمل مجرورة الموضع ومنصوبته ، نحو : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٨) [الشمس : ٨].

والثالث : أن تكون للتّنبيه ، فتدخل على أربعة :

أحدها : الإشارة غير المختصّة بالبعيد ، نحو : «هذا» ، بخلاف «ثمّ» و «هنّا» بالتشديد و «هنالك».

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٩٦ ، ولسان العرب ١٥ / ٤٥٠ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ١٥٣ ، وجواهر الأدب ص ٣٣٤ ، ورصف المباني ص ٤٠٣ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٥٤.

٢٥٥

والثاني : ضمير الرفع المخبر عنه باسم إشارة ، نحو : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ) [آل عمران : ١١٩] وقيل : إنما كانت داخلة على الإشارة فقدّمت ، فردّ بنحو : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) [آل عمران : ٦٦] ، فأجيب بأنها أعيدت توكيدا.

والثالث : نعت «أيّ» في النداء ، نحو : «يا أيها الرّجل» ، وهي في هذا واجبة للتنبيه على أنه المقصود بالنداء ؛ قيل : وللتعويض عما تضاف إليه «أيّ» ، ويجوز في هذه ، في لغة بني أسد ، أن تحذف ألفها ، وأن تضم هاؤها إتباعا ، وعليه قراءة ابن عامر (أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) [النور : ٣١] ، (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن : ٣١] ، (أَيُّهَا السَّاحِرُ) [الزخرف : ٤٩] ، بضم الهاء في الوصل.

والرابع : اسم الله تعالى في القسم عند حذف الحرف ، يقال : «ها الله» بقطع الهمزة ووصلها ، وكلاهما مع إثبات ألف «ها» وحذفها.

* * *

(هل) : حرف موضوع لطلب التصديق الإيجابي ، دون التصوّر ، ودون التّصديق السلبي ، فيمتنع نحو : «هل زيدا ضربت» لأنّ تقديم الاسم يشعر بحصول التصديق بنفس النسبة ؛ ونحو : «هل زيد قائم أم عمرو» إذا أريد بـ «أم» المتصلة ، و «هل لم يقم زيد» ؛ ونظيرها في الاختصاص بطلب التصديق «أم» المنقطعة ، وعكسهما «أم» المتصلة ، وجميع أسماء الاستفهام فإنهنّ لطلب التصور لا غير ، وأعمّ من الجميع الهمزة فإنها مشتركة بين الطلبين.

وتفترق هل من الهمزة من عشرة أوجه :

أحدها : اختصاصها بالتصديق.

والثاني : اختصاصها بالإيجاب ، تقول : «هل زيد قائم» ويمتنع «هل لم يقم» بخلاف الهمزة ، نحو : (أَلَمْ نَشْرَحْ) [الإنشراح : ١] ، (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) [آل عمران : ١٢٤] ، (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر : ٣٦] ، وقال [من البسيط] : ألا طعان ألا فرسان عادية

والثالث : تخصيصها المضارع بالاستقبال ، نحو : «هل تسافر؟» بخلاف الهمزة ، نحو : «أتظنّه قائما» وأما قول ابن سيده في شرح الجمل : لا يكون الفعل المستفهم عنه إلا مستقبلا ، فسهو ، قال الله سبحانه وتعالى : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) [الأعراف : ٤٤] ، وقال زهير [من الطويل] :

٢٥٦

٤١٤ ـ فمن مبلغ الأحلاف عنّي رسالة

وذبيان هل أقسمتم كلّ مقسم (١)

والرابع والخامس والسادس : أنها لا تدخل على الشّرط ، ولا على «إنّ» ، ولا على اسم بعده فعل ، في الاختيار ، بخلاف الهمزة ، بدليل : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤] ، (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [يس : ١٩] ، (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) [يوسف : ٩٠] ، (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [القمر : ٢٤].

والسابع والثامن : أنها تقع بعد العاطف ، لا قبله وبعد «أم» ، نحو : (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) [الأحقاف : ٣٥] ، وفي الحديث : «وهل ترك لنا عقيل من رباع» ، وقال [من الخفيف] :

٤١٥ ـ ليت شعري هل ثمّ هل آتينهم

أو يحولنّ دون ذاك حمام؟ (٢)

وقال تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) [الرعد : ١٦].

التاسع : أنه يراد بالاستفهام بها النّفي ، ولذلك دخلت على الخبر بعدها إلا في نحو : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (٦٠) [الرحمن : ٦٠] ، والباء في قوله [من الطويل] :

٤١٦ ـ [يقول إذا اقلولى عليها وأفردت]

ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم؟ (٣)

وصحّ العطف في قوله [من الطويل] :

٤١٧ ـ وإنّ شفائي عبرة مهراقة

وهل عند رسم دارس من معوّل (٤)

إذ لا يعطف الإنشاء على الخبر.

فإن قلت : قد مرّ لك في صدر الكتاب أن الهمزة تأتي لمثل ذلك مثل : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ) [الإسراء : ٤٠] ، ألا ترى أن الواقع أنه سبحانه لم يصفهم بذلك؟

قلت : إنما مرّ أنها للإنكار على مدّعي ذلك ، ويلزم من ذلك الانتفاء ، لا أنها للنفي

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٨ ، وخزانة الأدب ٣ / ٩ ، ولسان العرب ٩ / ٤٥٤ / مادة / حلف /.

(٢) البيت من الخفيف ، وهو للكميت بن معروف في ديوانه ص ١٩٨ ، والدرر ٦ / ٥٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧١ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣٣٤ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٨٤.

(٣) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ص ٨٦٣ ، والأزهية ص ٢١٠ ، وتخليص الشواهد ص ٢٨٦ ، وجمهرة اللغة ص ٦٣٦ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٤٢ ، والدرر ٢ / ١٢٦.

(٤) البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٩ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٤٨ ، والدرر ٥ / ١٣٩ وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٥٧ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٢٧٤ والدرر ٦ / ١٥٤.

٢٥٧

ابتداء ، ولهذا لا يجوز «أقام إلّا زيد» كما يجوز «هل قام إلا زيد» (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النحل : ٣٥] ، (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) [الزخرف : ٦٦]. وقد يكون الإنكار مقتضيا لوقوع الفعل ، على العكس من هذا ، وذلك إذا كان بمعنى : ما كان ينبغي لك أن تفعل ، نحو : «أتضرب زيدا وهو أخوك؟».

ويتلخّص أن الإنكار على ثلاثة أوجه : إنكار على من ادعى وقوع الشيء ، ويلزم من هذا النفي ؛ وإنكار على من أوقع الشيء ، ويختصّان بالهمزة ؛ وإنكار لوقوع الشيء ، وهذا هو معنى النفي ، وهو الذي تنفرد به «هل» عن الهمزة.

والعاشر : أنها تأتي بمعنى «قد» ، وذلك مع الفعل ، وبذلك فسّر قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) [الإنسان : ١] جماعة منهم ابن عباس رضي‌الله‌عنهما والكسائي والفرّاء والمبرّد قال في مقتضبه : «هل» للاستفهام ، نحو : «هل جاء زيد» ، وقد تكون بمنزلة «قد» ، نحو قوله جل اسمه : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [الإنسان : ١] ا ه.

وبالغ الزّمخشري ، فزعم أنها أبدا بمعنى «قد» ، وأنّ الاستفهام إنما هو مستفاد من همزة مقدّرة معها ، ونقله في المفصل عن سيبويه ، فقال : وعند سيبويه أن «هل» بمعنى «قد» إلا أنهم تركوا الألف قبلها ؛ لأنها لا تقع إلّا في الاستفهام ، وقد جاء دخولها عليها في قوله [من البسيط] :

٤١٨ ـ سائل فوارس يربوع بشدّتنا

أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم (١)

ا ه. ولو كان كما زعم لم تدخل إلا على الفعل كـ «قد» ، وثبت في كتاب سيبويه رحمه‌الله ما نقله عنه ، ذكره في باب «أم» المتّصلة ، ولكن فيه أيضا ما قد يخالفه ، فإنه قال في باب عدّة ما يكون عليه الكلم ما نصه : و «هل» هي للاستفهام ، ولم يزد على ذلك. وقال الزمخشري في كشافه (هَلْ أَتى) [الإنسان : ١] أي : قد أتى ، على معنى التقرير والتقريب جميعا ، أي : أتى على الإنسان قبل زمان قريب طائفة من الزمان الطّويل الممتدّ لم يكن فيه شيئا مذكورا ، بل شيئا منسيّا نطفة في الأصلاب ، والمراد بالإنسان الجنس بدليل : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) [الإنسان : ٢] ا ه.

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو لزيد الخيل في ديوانه ص ١٥٥ ، والجنى الداني ص ٣٤٤ ، والدرر ٥ / ١٤٦ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٤٢٧.

٢٥٨

وفسّرها غيره بـ «قد» خاصة ، ولم يحملوا «قد» على معنى التقريب ، بل على معنى التحقيق ؛ وقال بعضهم : معناها التوقع ، وكأنه قيل لقوم يتوقّعون الخبر عما أتى على الإنسان وهو آدم عليه الصلاة والسّلام ، قال : والحين زمن كونه طينا ، وفي تسهيل ابن مالك أنه يتعيّن مردافة «هل» لـ «قد» إذا دخلت عليها الهمزة يعني كما في البيت ؛ ومفهومه أنها لا تتعيّن لذلك إذا لم تدخل عليها ، بل قد تأتي لذلك كما في الآية ، وقد لا تأتي له ، وقد عكس قوم ما قاله الزمخشري ، فزعموا أن «هل» لا تأتي بمعنى «قد» أصلا.

وهذا هو الصّواب عندي ؛ إذ لا متمسك لمن أثبت ذلك إلا أحد ثلاثة أمور :

أحدها : تفسير ابن عباس رضي‌الله‌عنهما ، ولعلّه إنما أراد أن الاستفهام في الآية للتقرير ، وليس باستفهام حقيقيّ ، وقد صرح بذلك جماعة من المفسّرين ، فقال بعضهم : «هل» هنا للاستفهام التقريري ، والمقرّر به من أنكر البعث ، وقد علم أنهم يقولون : نعم ، قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه ، فيقال لهم : فالذي أحدث الناس بعد أن لم يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم؟ وهو معنى قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) (٦٢) [الواقعة : ٦٢] ، أي : فهلا تذكرون فتعلمون أنه من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن قادر على إعادته بعد عدمه؟ انتهى.

وقال آخر مثل ذلك ، إلا أنه فسّر الحين بزمن التّصوير في الرحم ، فقال : المعنى ألم يأت على الناس حين من الدهر كانوا فيه نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى أن صاروا شيئا مذكورا. وكذا قال الزجّاج ، إلا أنه حمل الإنسان على آدم عليه الصلاة والسّلام ، فقال : المعنى ألم يأت على الإنسان حين من الدهر كان فيه ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الروح؟ ا ه.

وقال بعضهم : لا تكون «هل» للاستفهام التقريريّ ، وإنما ذلك من خصائص الهمزة ، وليس كما قال ، وذكر جماعة من النحويين أن «هل» تكون بمنزلة «إنّ» في إفادة التّوكيد والتّحقيق ، وحملوا على ذلك (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (٥) [الفجر : ٥] وقدّروه جوابا للقسم ، وهو بعيد.

والدليل الثاني : قول سيبويه الذي شافه العرب وفهم مقاصدهم ، وقد مضى أنّ سيبويه لم يقل ذلك.

والثالث : دخول الهمزة عليها في البيت ، والحرف لا يدخل على مثله في المعنى ، وقد رأيت عن السيرافي أن الرواية الصحيحة «أم هل» ، و «أم» هذه منقطعة بمعنى «بل» ؛

٢٥٩

فلا دليل ، وبتقدير ثبوت تلك الرواية فالبيت شاذّ ؛ فيمكن تخريجه على أنه من الجمع بين حرفين لمعنى واحد على سبيل التوكيد ، كقوله [من الوافر] :

ولا للما بهم أبدا دواء

بل الذي في ذلك البيت أسهل ، لاختلاف اللفظين ، وكون أحدهما على حرفين ، فهو كقوله [من الطويل] :

٤١٩ ـ فأصبح لا يسألنه عن بما به

أصعّد في علو الهوى أم تصوّبا (١)

* * * *

(هو) وفروعه : تكون أسماء وهو الغالب ، وأحرفا في نحو : «زيد هو الفاضل» إذا أعرب فصلا وقلنا : لا موضع له من الإعراب ، وقيل : هي مع القول بذلك أسماء كما قال الأخفش في نحو : «صه» و «نزال» : أسماء لا محل لها ، وكما في الألف واللام في نحو : «الضارب» إذا قدرناهما اسما.

ـ حرف الواو ـ

* (الواو المفردة) انتهى مجموع ما يذكر من أقسامها إلى أحد عشر :

الأول : العاطفة ، ومعناها مطلق الجمع ، فتعطف الشيء على مصاحبه نحو : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) [العنكبوت : ١٥] ، وعلى سابقه نحو : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ) [الحديد : ٢٦] ، وعلى لاحقه ، نحو : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) [الشورى : ٣] ، وقد اجتمع هذان في : (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [الأحزاب : ٧] ؛ فعلى هذا إذا قيل «قام زيد وعمرو» احتمل ثلاثة معان ؛ قال ابن مالك : وكونها للمعيّة راجح ، وللترتيب كثير ، ولعكسه قليل ، ا ه.

ويجوز أن يكون بين متعاطفيها تقارب أو تراخ ، نحو : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص : ٧] ، فإن الردّ بعيد إلقائه في اليمّ ، والإرسال على رأس أربعين سنة.

وقول بعضهم «إنّ معناها الجمع المطلق» غير سديد ، لتقييد الجمع بقيد الإطلاق ، وإنما هي للجمع لا بقيد. وقول السّيرافي «إن النحويّين واللغويّين أجمعوا على أنها لا تفيد

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو للأسود بن يعفر في ديوانه ص ٢١ ، وشرح التصريح ٢ / ١٣٠ والمقاصد النحوية ٤ / ١٠٣ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٣٤٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٧ ، والدرر ٤ / ١٠٥.

٢٦٠