شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

محمّد بن أبي بكر الدماميني

شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أبي بكر الدماميني


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢
الجزء ١ الجزء ٢

٨٦٣ ـ إذا قيل أيّ النّاس شرّ قبيلة

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (١)

وقيل : «ضاربين» معرب إعراب «مساكين» ، فنصبه بالفتحة ، لا بالياء.

حذف التنوين

يحذف لزوما لدخول «أل» ، نحو : «الرّجل» ، وللإضافة ، نحو : «غلامك» ، ولشبهها ، نحو : «لا مال لزيد» ، إذا لم تقدّر اللام مقحمة ؛ فإن قدّرت فهو مضاف ، ولمانع الصرف ، نحو : «فاطمة» ، وللوقف في غير النصب ، وللاتّصال بالضمير ، نحو : «ضاربك» فيمن قال إنه غير مضاف ، فأما قوله [من الوافر] :

٨٦٤ ـ [وما أدري وظنّي كلّ ظنّ]

أمسلمني إلى قوم شراحي (٢)

فضرورة ، خلافا لهشام ، ثم هو نون وقاية لا تنوين ، كقوله [من الطويل] :

٨٦٥ ـ وليس الموافيني ليرفد خائبا

[فإنّ له أضعاف ما كان أمّلا](٣)

إذ لا يجتمع التنوين من «أل» ، ولكون الاسم علما موصوفا بما اتّصل به وأضيف إلى علم ، من «ابن» و «ابنة» اتفاقا ، أو «بنت» عند قوم من العرب ، فأما قوله [من الرجز] :

٨٦٦ ـ جارية من قيس بن ثعلبه

[كريمة أخوالها والعصبه](٤)

فضرورة ؛ ويحذف لالتقاء الساكنين قليلا ، كقوله [من المتقارب] :

٨٦٧ ـ فألفيته غير مستعتب

ولا ذاكر الله إلّا قليلا (٥)

وإنما آثر ذلك على حذفه للإضافة لإرادة تماثل المتعاطفين في التنكير ؛ وقرىء (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ١ ـ ٢] ، (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) [يس : ٤٠] بترك تنوين «أحد» و «سابق» ، وبنصب «النّهار».

واختلف لم ترك التنوين في نحو : «قبضت عشرة ليس غير» ، فقيل : لأنه مبني ك

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٤٢٠ ، وخزانة الأدب ٩ / ١١٣ ، والدرر ٤ / ١٩١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ١٧٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤١.

(٢) تقدم تخريجه.

(٣) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ١٥ ، والدرر ١ / ٢١٣ ، وشرح الأشموني ١ / ٥٧.

(٤) البيت من بحر الرجز ، وهو بدون نسبة في ٢ / ٢٢٨.

(٥) البيت من المتقارب ، وهو لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص ٥٤ ، والأغاني ١٢ / ٣١٥ والأشباه والنظائر ٦ / ٢٠٦ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٧٤ ، والدرر ٦ / ٢٨٩.

٥٢١

«قبل» و «بعد» ؛ وقيل : لنيّة الإضافة ، وإنّ الضّمة إعراب وغير متعيّنة لأنها اسم «ليس» ، لا محتملة لذلك وللخبرية ؛ ويردّه أن هذا التركيب مطّرد ، ولا يحذف تنوين مضاف لغير مذكور باطّراد ، إلا إن أشبه في اللفظ المضاف ، نحو : «قطع الله يد ورجل من قالها» ، فإن الأول مضاف للمذكور ، والثاني لمجاورته له مع أنه المضاف إليه في المعنى كأنه مضاف إليه لفظا.

حذف «أل»

تحذف للإضافة المعنويّة ، وللنداء نحو : «يا رحمن» ، إلّا من اسم الله تعالى ، والجمل المحكية ؛ قيل : والاسم المشبّه به ، نحو : «يا الخليفة هيبة» ، وسمع «سلام عليكم» بغير تنوين ؛ فقيل : على إضمار «أل» ؛ ويحتمل عندي كونه على تقدير المضاف إليه ، والأصل سلام الله عليكم ؛ وقال الخليل في «ما يحسن بالرّجل خير منك أن يفعل كذا» ، هو على نية «أل» في «خير» ؛ ويردّه أنه لا تجامع من الجارّة للمفضول ؛ وقال الأخفش : اللام زائدة ، وليس هذا بقياس ، والتركيب قياسيّ ، وقال ابن مالك : «خير» بدل ، وإبدال المشتقّ ضعيف ، وأولى عندي أن يخرّج عن قوله [من الكامل] :

٨٦٨ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني

فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني (١)

حذف لام الجواب

وذلك ثلاثة : حذف لام جواب «لو» ، نحو : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) [الواقعة : ٧٠] ، وحذف لام «لقد» ، يحسن مع طول الكلام ، نحو : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩) [الشمس : ٩] ، وحذف لام «لأفعلنّ» يختصّ بالضرورة ، كقول عامر بن الطّفيل [من الكامل] :

٨٦٩ ـ وقتيل مرّة أثأرنّ ، فإنّه

فرغ ، وإنّ أخاكم لم يثأر (٢)

حذف جملة القسم

كثير جدا ، وهو لازم مع غير الباء من حروف القسم ، وحيث قيل : «لأفعلنّ» ، أو «لقد فعل» ، أو «لئن فعل» ، ولم يتقدّم جملة قسم فثمّ جملة قسم مقدّرة ، نحو : (لَأُعَذِّبَنَّهُ

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو لرجل من سلول في الدرر ١ / ٧٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣١٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٨ ، ولشمر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات ص ١٢٦ ، وبلا نسبة في الأزهية ص ٢٦٣.

(٢) البيت من البحر الكامل ، وهو لعامر بن الطفيل في ديوانه ص ٥٦ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٦٠ ، والدرر ٤ / ٢٢٦ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣٤٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ٤٢.

٥٢٢

عَذاباً شَدِيداً) [النمل : ٢١] الآية ، (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) [آل عمران : ١٥٢] ، (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ) [الحشر : ١٢] ؛ واختلف في نحو : «لزيد قائم» ، ونحو : «إنّ زيدا قائم ، أو لقائم» هل يجب كونه جوابا لقسم أو لا؟

حذف جواب القسم

يجب إذا تقدّم عليه أو اكتنفه ما يغني عن الجواب ؛ فالأول نحو : «زيد قائم والله» ، ومنه «إن جاءني زيد والله أكرمته» ، والثاني نحو : «زيد والله قائم». فإن قلت : «زيد والله إنه قائم ، أو لقائم» احتمل كون المتأخّر عنه خبرا عن المتقدّم عليه ، واحتمل كونه جوابا وجملة القسّم وجوابه الخبر.

ويجوز في غير ذلك ، نحو : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) (١) [النازعات : ١] الآيات ، أي : لتبعثنّ ، بدليل ما بعده ، وهذا المقدّر هو العامل في (يَوْمَ تَرْجُفُ) [النازعات : ٦] أو عامله : اذكر ؛ وقيل : الجواب (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) [النازعات : ٢٦] وهو بعيد لبعده ؛ ومثله (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) [ق : ١] ، أي : لنهلكن ، بدليل (كَمْ أَهْلَكْنا) [ق : ٣٦] أو إنّك لمنذر ، بدليل (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ) [ق : ٢] وقيل : الجواب مذكور ؛ فقال الأخفش (قَدْ عَلِمْنا) [ق : ٤] وحذفت اللام للطّول مثل (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩) [الشمس : ٩]. وقال ابن كيسان (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) [ق : ١٨] الآية ، الكوفيّون (بَلْ عَجِبُوا) [ق : ٢] والمعنى : لقد عجبوا ؛ بعضهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى) [الزمر : ٢١ ، وق : ٣٧] ، ومثله (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (١) [ص : ١] ، أي : إنه لمعجز ، أو (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) [البقرة : ٢٥٢ ؛ يس : ٣] أو ما الأمر كما يزعمون ، وقيل : مذكور ؛ فقال الكوفيّون والزّجاج (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌ) [ص : ٦٤] وفيه بعد ، الأخفش (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) [ص : ١٤] الفرّاء وثعلب (ص) [ص : ١] لأن معناها صدق الله ؛ ويردّه أن الجواب لا يتقدّم ، وقيل : (كَمْ أَهْلَكْنا) [ص : ٣] وحذفت اللام للطول.

حذف جملة الشرط

هو مطّرد بعد الطلب ، نحو : (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [آل عمران : ٣١] ، أي : فإن تتبعوني يحببكم الله (فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ) [مريم : ٤٣] ، (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) [إبراهيم : ٤٤].

وجاء بدونه نحو : (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) [العنكبوت : ٥٦] ، أي : فإن لم يتأتّ إخلاص العبادة لي في هذه البلدة فإيّاي فاعبدون في غيرها (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ

٥٢٣

هُوَ الْوَلِيُ) [الشورى : ٩] أي : إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) [الأنعام : ١٥٧] أي : إن صدقتم فيما كنتم تعدون به من أنفسكم فقد جاءكم بيّنة ، وإن كذبتم فلا أحد أكذب منكم فمن أظلم ؛ وإنما جعلت هذه الآية من حذف جملة الشرط فقط ـ وهي من حذفها وحذف جملة الجواب ـ لأنه قد ذكر في اللفظ جملة قائمة مقام الجواب ، وذلك يسمّى جوابا تجّوزا كما سيأتي.

وجعل منه الزمخشري وتبعه ابن مالك بدر الدين (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) [الأنفال : ١٧] ، أي : إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ، ويردّه أن الجواب المنفي بـ «لم» لا تدخل عليه الفاء.

وجعل منه أبو البقاء (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) (٢) [الماعون : ٢] ، أي : إن أردت معرفته فذلك ، وهو حسن.

وحذف جملة الشرط بدون الأداة كثير ، كقوله [من الوافر] :

٨٧٠ ـ فطلّقها فلست لها بكفء

وإلّا يعل مفرقك الحسام (١)

أي : وإلّا تطلقها.

حذف جملة جواب الشرط

وذلك واجب إن تقدّم أو اكتنفه ما يدلّ على الجواب : فالأول نحو : «هو ظالم إن فعل» ، والثاني نحو : «هو إن فعل ظالم» ، (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) [البقرة : ٧٠] ، ومنه «والله إن جاءني زيد لأكرمنّه» ، وقول ابن معطي :

اللّفظ إن يفد هو الكلام

إما من ذلك ففيه ضرورة ، وهو حذف الجواب مع كون الشّرط مضارعا ، وإما الجواب الجملة الاسميّة وجملتا الشّرط والجواب خبر ففيه ضرورة أيضا ، وهي حذف الفاء كقوله [من البسيط] :

٨٧١ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

[والشرّ بالشرّ عند الله مثلان](٢)

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو للأحوص في ديوانه ص ١٩٠ ، والأغاني ١٥ / ٢٣٤ ، والدرر ٨٧٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٥١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٧ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٧٢ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢١٥.

(١) البيت من الوافر ، وهو للأحوص في ديوانه ص ١٩٠ ، والأغاني ١٥ / ٢٣٤ ، والدرر ٨٧٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٥١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٧ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٧٢ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢١٥.

٥٢٤

ووهم ابن الخبّاز إذ قطع بهذا الوجه ، ويجوز حذف الجواب في غير ذلك ، نحو : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) [الأنعام : ٣٥] الآية ، أي : فافعل ، (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) [الرعد : ٣١] الآية ، أي : لما آمنوا به ، بدليل (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) [الرعد : ٣٠]. والنحويون يقدرون : لكان هذا القرآن ، وما قدرته أظهر ، (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) [التكاثر : ٥] ، أي : لارتدعتم وما ألهاكم التّكاثر ، (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) [آل عمران : ٩١] أي : ما تقبّل منه ، (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء : ٧٨] أي : لأدرككم ، (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٤٥) [يس : ٤٥] ، أي : أعرضوا ، بدليل ما بعده (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) [يس : ١٩] ، أي : تطيرتم ، (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [الكهف : ١٠٩]. أي : لنفد ، (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) [السجدة : ١٢] ، أي : لرأيت أمرا فظيعا ، (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (١٠) [النور : ١٠] ، أي : لهلكتم ، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) [الأحقاف : ١٠] ، قال الزمخشري : تقديره : ألستم ظالمين ، بدليل (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الأحقاف : ١٠] ، ويردّه أن جملة الاستفهام لا تكون جوابا إلا بالفاء مؤخّرة عن الهمزة ، نحو : «إن جئتك أفما تحسن إليّ» ، ومقدّمة على غيرها ، نحو : «فهل تحسن إلي».

تنبيه ـ التحقيق أن من حذف الجواب مثل (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) [العنكبوت : ٥] لأن الجواب مسبّب عن الشّرط ، وأجل الله آت سواء أوجد الرجاء أم لم يوجد ، وإنما الأصل : فليبادر بالعمل فإن أجل الله لآت ؛ ومثله (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) [طه : ٧] ، أي : فاعلم أنه غنيّ عن جهرك (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ) [طه : ٧] ، (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) [الحج : ٤٢ ، وفاطر : ٤] ، أي : فتصبّر ، (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) [فاطر : ٤] ، (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) [آل عمران : ١٤٠] ، أي : فاصبروا ، (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) [آل عمران : ١٤٠] ، (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ) [النور : ٢١] أي : يفعل الفواحش والمنكرات ، (فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور : ٢١] ، (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) [المائدة : ٥٦] ، أي : يغلب ، (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) [المائدة : ٥٦] ، (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) [البقرة : ٢٢٧] ، أي : فلا تؤذوهم بقول ولا فعل ؛ فإن الله يسمع ذلك ويعلمه (فَإِنْ تَوَلَّوْا) [هود : ٥٧] أي : فلا لوم عليّ (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) [هود : ٥٧].

حذف الكلام بجملته

يقع ذلك باطّراد في مواضع :

أحدها : بعد حرف الجواب ، يقال : «أقام زيد؟» فتقول : «نعم» ، و «ألم يقم زيد؟»

٥٢٥

فتقول : «نعم» ، إن صدّقت النفي ، و «بلى» ، إن أبطلته ، ومن ذلك قوله [من الكامل] :

٨٧٢ ـ قالوا : أخفت؟ فقلت : إنّ ، وخيفتي

ما إن تزال منوطة برجائي (١)

فإنّ «إنّ» هنا بمعنى «نعم» ، وأما قوله [من مجزوء الكامل] :

٨٧٣ ـ ويقلن : شيب قد علا

ك وقد كبرت فقلت : إنّه (٢)

فلا يلزم كونه من ذلك ، خلافا لأكثرهم ، لجواز أن لا تكون الهاء للسكت ، بل اسما لـ «إنّ» على أنها المؤكّدة والخبر محذوف ، أي : إنه كذلك.

الثاني : بعد «نعم» و «بئس» إذا حذف المخصوص ، وقيل : إن الكلام جملتان ، نحو : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ) [ص : ٤٤].

والثالث : بعد حروف النداء في مثل (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) [يس : ٢٦] إذا قيل : إنه على حذف المنادى ، أي : يا هؤلاء.

الرابع : بعد «إن» الشرطية ، كقوله [من الرجز] :

٨٧٤ ـ قالت بنات العمّ : يا سلمى وإن

كان فقيرا معدما؟ قالت : وإن (٣)

أي : وإن كان كذلك رضيته.

الخامس : في قولهم : «افعل هذا إمّا لا» ، أي : إن كنت لا تفعل غيره فافعله.

حذف أكثر من جملة

في غير ما ذكر ، أنشد أبو الحسن [من الخفيف] :

٨٧٥ ـ إن يكن طبّك الدّلال فلو في

سالف الدّهر والسّنين الخوالي (٤)

أي : إن كان عادتك الدلال فلو كان هذا فيما مضى لاحتملناه منك ؛ وقالوا في قوله

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ١١ / ٢١٥ ، وشرح شواهد المغني ص ٩٣٦.

(٣) البيت من مجزوء الكامل ، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيّات في ديوانه ص ٦٦ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢١٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٢٦ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٣٥٤ ، وجمهرة اللغة ص ٦١.

(٤) البيت من الرجز ، وهو لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٨ ، ورصف المباني ص ١٠٦.

(٥) البيت من الخفيف ، وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١١٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٦١ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٧٤.

٥٢٦

تعالى : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) [البقرة : ٧٣] : إن التقدير : فضربوه فحيي فقلنا : كذلك يحيي الله ؛ وفي قوله تعالى : (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) [يوسف : ٤٥] الآية : إن التقدير : فأرسلون إلى يوسف لاستعبره الرّؤيا ، فأرسلوه فأتاه وقال له : يا يوسف ؛ وفي قوله تعالى : (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ) [الفرقان : ٣٦] ، إن التقدير : فأتياهم فأبلغاهم الرسالة فكذّبوهما فدمّرناهم.

تنبيه ـ الحذف الذي يلزم النحويّ النظر فيه هو ما اقتضته الصّناعة ، وذلك بأن يجد خبرا بدون مبتدأ أو بالعكس ، أو شرطا بدون جزاء أو بالعكس ، أو معطوفا بدون معطوف عليه ، أو معمولا بدون عامل ، نحو : (لَيَقُولُنَّ اللهُ) [العنكبوت : ٦١] ، ونحو : (قالُوا خَيْراً) [النحل : ٣٠] ، ونحو : «خير عافك الله». وأمّا قولهم في نحو : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] إن التّقدير : والبرد ، ونحو : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (٢٢) [الشعراء : ٢٢] إن التقدير : ولم تعبدني ، ففضول في فن النحو ، وإنما ذلك للمفسّر ؛ وكذا قولهم : يحذف الفاعل لعظمته وحقارة المفعول ، أو بالعكس ، أو للجهل به أو للخوف عليه أو منه أو نحو ذلك ، فإنّه تطفّل منهم على صناعة البيان ؛ ولم أذكر بعض ذلك في كتابي جريا على عادتهم ، وأنشد متمثّلا [من الطويل] :

٨٧٦ ـ وهل أنا إلّا من غزيّة : إن غوت

غويت ، وإن ترشد غزيّة أرشد (١)

بل لأني وضعت الكتاب لإفادة متعاطي التفسير والعربيّة جميعا ، وأما قولهم في «راكب النّاقة طليحان» : إنه على حذف عاطف ومعطوف ، أي : والناقة ، فلازم لهم ؛ ليطابق الخبر المخبر عنه ؛ وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : أحد طليحين ، وهذا لا يتأتّى في نحو : «غلام زيد ضربتهما».

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لدريد بن الصمة في ديوانه ص ٤٧ ، والأصمعيات ص ١٠٧ ، والأغاني ١٠ / ٩ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٧٨ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٣٦.

٥٢٧

الباب السادس من الكتاب

في التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين ، والصّواب خلافها

وهي كثيرة ، والذي يحضرني الآن منها عشرون موضعا.

أحدها : قولهم في «لو» «إنها حرف امتناع لامتناع» ، وقد بيّنا الصواب في ذلك في فصل «لو» ، وبسطنا القول فيه بما لم نسبق إليه.

والثاني : قولهم في «إذا» غير الفجائيّة : «إنها ظرف لما يستقبل من الزّمان ، وفيها معنى الشرط غالبا» ، وذلك معيب من جهات :

إحداها : أنهم يذكرونه في كلّ موضع ، وإنما ذلك تفسير للأداة من حيث هي ، وعلى المعرب أن يبّين في كل موضع : هل هي متضمّنة لمعنى الشّرط أم لا؟ وأحسن مما قالوه أن يقال ، إذا أريد تفسيرها من حيث هي : ظرف مستقبل خافض لشرطه منصوب بجوابه صالح لغير ذلك.

والثانية : أن العبارة التي تلقى للمتدرّبين يطلب فيها الإيجاز لتخفّ على الألسنة ؛ إذ الحاجة داعية إلى تكرارها ، وكان أخصر من قولهم لما يستقبل من الزمان أن يقولوا : مستقبل.

والثالثة : أن المراد أنها ظرف موضوع للمستقبل ، والعبارة موهمة أنها محلّ للمستقبل ، كما تقول : اليوم ظرف للسفر ؛ فإن الزمان قد يجعل ظرفا للزّمان مجازا كما تقول : كتبته في يوم الخميس في عام كذا ، فإنّ الثاني حال من الأوّل ، فهو ظرف له على الاتّساع ، ولا يكون بدلا منه ؛ إذ لا يبدل الأكثر من الأقلّ على الأصحّ ، ولو قالوا : «ظرف مستقبل» لسلموا من الإسهاب والإيهام المذكورين.

والرابعة : أن قولهم : «غالبا» راجع إلى قولهم : «فيه معنى الشرط» كذا يفسّرونه ، وذلك يقتضي أنّ كونه ظرفا وكونه للزّمان وكونه للمستقبل لا يتخلّفن ، وقد بينّا في بحث «إذا» أن الأمر بخلاف ذلك.

الثالث : قولهم : «النعت يتبع المنعوت في أربعة من عشرة» ، وإنما ذلك في النعت الحقيقيّ ، فأما السببيّ فإنما يتبع في اثنين من خمسة : واحد من أوجه الإعراب ، وواحد

٥٢٨

من التعريف والتّنكير ، وأما الإفراد والتذكير وأضدادهما فهو فيها كالفعل ، تقول : «مررت برجلين قائم أبواهما ، وبرجال قائم آباؤهم ، وبرجل قائمة أمّه ، وبامرأة قائم أبوها» ؛ وإنما يقول : «قائمين أبواهما» ، و «قائمين آباؤهم» ، من يقول : «أكلوني البراغيث» ؛ وفي التنزيل : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) [النساء : ٧٥] غير أن الصّفة الرافعة للجمع يجوز فيها في الفصيح أن تفرد ، وأن تكسّر ، وهو أرجح على الأصح ، كقوله [من الطويل] :

٨٧٧ ـ بكرت عليه بكرة فوجدته

قعودا عليه بالصّريم عواذله (١)

وصحّ الاستشهاد بالبيت لأن هذا الحكم ثابت أيضا للخبر والحال.

والرابع : قولهم في نحو : (وَكُلا مِنْها رَغَداً) [البقرة : ٣٥] : «إنّ رغدا» نعت مصدر محذوف» ؛ ومثله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) [آل عمران : ٤١] ، وقول ابن دريد [من الرجز] :

٨٧٨ ـ واشتعل المبيضّ في مسودّه

مثل اشتعال النّار في جزل الغضا (٢)

أي : أكلا رغدا ، وذكرا كثيرا ، واشتعالا مثل اشتعال النار.

قيل : ومذهب سيبويه والمحقّقين خلاف ذلك ، وأن المنصوب حال من ضمير مصدر الفعل ؛ والأصل : فكلاه ، واشتعله ، أي : فكلا الأكل واشتعل الاشتعال ، ودليل ذلك قولهم : «سير عليه طويلا» ، ولا يقولون : طويل ، ولو كان نعتا للمصدر لجاز ، وبدليل أنه لا يحذف الموصوف إلا والصفة خاصّة بجنسه ، تقول : «رأيت كاتبا» ولا تقول : «رأيت طويلا» ، لأن الكتابة خاصّة بجنس الإنسان دون الطول.

وعندي فيما احتجّوا به نظر ؛ أما الأول فلجواز أنّ المانع من الرفع كراهية اجتماع مجازين : حذف الموصوف ، وتصيير الصّفة مفعولا على السّعة ؛ ولهذا يقولون : «دخلت الدّار» بحذف «في» توسّعا ؛ ومنعوا «دخلت الأمر» لأن تعلّق الدخول بالمعاني مجاز ، وإسقاط الخافض مجاز ؛ وتوضيحه أنهم يفعلون ذلك في صفة الأحيان ، فيقولون : «سير عليه زمن طويل» ، فإذا حذفوا الزمان قالوا : «طويلا» ، بالنصب لما ذكرنا ؛ وأما الثاني فلأن التحقيق أن حذف الموصوف إنّما يتوقّف على وجدان الدليل ، لا على الاختصاص ، بدليل (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) [سبأ : ١٠ ـ ١١] أي : دروعا سابغات ؛ وممّا

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي في ديوانه ص ١٤٠ ، والأضداد ص ٤٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٤٠ ، ولسان العرب ١٢ / ٣٣٧ مادة / صرم /.

٥٢٩

يقدح في قولهم مجيء نحو قولهم : «اشتمل الصّماء» ، أي : الشملة الصماء ، والحالية متعذّرة لتعريفه.

والخامس قولهم : «الفاء جواب الشرط» ، والصّواب أن يقال : رابطة لجواب الشرط ، وإنما جواب الشرط الجملة.

والسادس : قولهم : «العطف على عاملين» ، والصواب : على معمولي عاملين.

والسابع : قولهم : «بل حرف إضراب» ، والصواب : حرف استدراك وإضراب ؛ فإنها بعد النفي والنهي بمنزلة ، لكن سواء.

والثامن : قولهم في نحو : «ائتني أكرمك» : إن الفعل مجزوم في جواب الأمر ، والصحيح أنه جواب لشرط مقدّر ، وقد يكون إنما أرادوا تقريب المسافة على المتعلّمين.

والتاسع : قولهم في المضارع في مثل «يقوم زيد» : فعل مضارع مرفوع لخلوه من ناصب وجازم ، والصواب أن يقال : مرفوع لحلوله محلّ الاسم ، وهو قول البصريّين ، وكأن حاملهم على ما فعلوا إرادة التقريب ، وإلا فما بالهم يبحثون على تصحيح قول البصريّين في ذلك ، ثم إذا أعربوا أو عرّبوا قالوا خلاف ذلك؟

والعاشر : قولهم «امتنع نحو : «سكران» من الصرف للصفة والزيادة ، ونحو : «عثمان» للعلمية والزيادة» وإنما هذا قول الكوفيّين ، فأما البصريّون فمذهبهم أن المانع الزيادة المشبهة لألفي التأنيث ، ولهذا قال الجرجاني : وينبغي أن تعدّ موانع الصّرف ثمانية لا تسعة ، وإنما شرطت العلميّة أو الصفة لأن الشبه لا يتقوّم إلا بأحدهما ، ويلزم الكوفيّين أن يمنعوا صرف نحو «عفريت» ـ علما ـ فإن أجابوا بأن المعتبر هو زيادتها بأعيانهما ، سألناهم عن علّة الاختصاص ؛ فلا يجدون مصرفا عن التعليل بمشابهة ألفي التأنيث ؛ فيرجعون إلى ما اعتبره البصريون.

والحادي عشر : قولهم في نحو قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [النساء : ٣] : «إن الواو نائبة عن «أو» ولا يعرف ذلك في اللغة ، وإنما يقوله بعض ضعفاء المعربين والمفسرين ، وأما الآية فقال أبو طاهر حمزة بن الحسين الأصفهاني في كتابه المسمى بـ «الرسالة المعربة عن شرف الإعراب» : القول فيها بأن الواو بمعنى «أو» عجز عن درك الحق ، فاعلموا أن الأعداد التي تجمع قسمان : قسم يؤتى به ليضمّ بعضه إلى بعض ، وهو الأعداد الأصول ، نحو : (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ)

٥٣٠

[البقرة : ١٩٦] ، (ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الأعراف : ١٤٢] ، وقسم يؤتى به لا ليضمّ بعضه إلى بعض ، وإنما يراد به الانفراد ، لا الاجتماع ، وهو الأعداد المعدولة كهذه الآية وآية سورةفاطر ، وقال : أي : منهم جماعة ذوو جناحين جناحين ، وجماعة ذوو ثلاثة ثلاثة ، وجماعة ذوو أربعة أربعة ؛ فكل جنس مفرد بعدد ، وقال الشاعر [من الطويل] :

٨٧٩ ـ ولكنّما أهلي بواد أنيسه

ذئاب تبغّى النّاس مثنى وموحد (١)

ولم يقولوا : «ثلاث» و «خماس» ويريدون : «ثمانية» ، كما قال تعالى : (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) [البقرة : ١٩٦] ، وللجهل بمواقع هذه الألفاظ استعملها المتنبي في غير موضع التقسيم ، فقال [من الوافر] :

٨٨٠ ـ أحاد أم سداس في أحاد

لييلتنا المنوطة بالتّنادي (٢)

وقال الزمخشري : فإن قلت : الذي أطلق للنّاكح في الجمع أن يجمع بين اثنين أو ثلاث أو أربع ، فما معنى التّكرير في مثنى وثلاث ورباع؟ قلت : الخطاب للجميع ، فوجب التّكرير ليصيب كلّ ناكح يريد الجمع ما أراده من العدد الذي أطلق له ؛ كما تقول للجماعة : اقتسموا هذا المال درهمين درهمين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، ولو أفردت لم يكن له معنى. فإن قلت : لم جاء العطف بالواو ودون «أو»؟ قلت : كما جاء بها في المثال المذكور ، ولو جئت فيه بـ «أو» ولأعلمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة ، وليس لهم أن يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القسمة على تثنية ، وبعضها على تثليث ، وبعضها على تربيع ؛ وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذي دلّت عليه الواو ؛ وتحريره أن الواو دلّت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع ، إن شاؤوا مختلفين في تلك الأعداد ، وإن شاؤوا متفقين فيها ، محظورا عليهم ما وراء ذلك.

وأبلغ من هذه المقالة في الفساد قول من أثبت واو الثّمانية ، وجعل منها (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الكهف : ٢٢] ، وقد مضى في باب الواو أن ذلك لا حقيقة له ، واختلف فيها هنا ، فقيل : عاطفة خبر هو جملة على خبر مفرد ، والأصل : هم سبعة وثامنهم

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لساعدة بن جؤبة الهذلي في لسان العرب ١٤ / ٧٦ مادة (بغا).

٥٣١

كلبهم ؛ وقيل : للاستئناف ، والوقف على سبعة ، وإنّ في الكلام تقريرا لكونهم سبعة ؛ وكأنه لما قيل سبعة قيل : نعم وثامنهم كلبهم ، واتصل الكلامان ؛ ونظيره (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) [النمل : ٣٤] الآية ، فإن (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) [النمل : ٣٤] ليس من كلامهم ، ويؤيّده أنه قد جاء في المقالتين الأوليين (رَجْماً بِالْغَيْبِ) [الكهف : ٢٢] ولم يجىء مثله في هذه المقالة ؛ فدل على مخالفتها لهما فتكون صدقا ؛ ولا يردّ ذلك بقوله تعالى : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) [الكهف : ٢٢] لأنه يمكن أن يكون المراد ما يعلم عدّتهم أو قصّتهم قبل أن نتلوها عليك إلا قليل من أهل الكتاب الذين عرفوه من الكتب ؛ وكلام الزمخشريّ يقتضي أنّ القليل هم الذين قالوا سبعة ؛ فيندفع الإشكال أيضا ، ولكنّه خلاف الظاهر ؛ وقيل : هي واو الحال ، أو الواو الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوق الاسم بالصفة ، كـ «مررت برجل ومعه سيف» ؛ فأما الواو الأولى فلا حقيقة لها ؛ وأما واو الحال فأين عامل الحال إن قدرت هم ثلاثة أو هؤلاء ثلاثة ، فإن قيل على التقدير الثاني : هو من باب (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] قلنا : العامل المعنوي لا يحذف.

الثاني عشر : قولهم : «المؤنّث المجازيّ يجوز معه التذكير والتأنيث» وهذا يتداوله الفقهاء في محاوراتهم ، والصّواب تقييده بالمسند إلى المؤنّث المجازي ، ويكون المسند فعلا أو شبهه ، ويكون المؤنّث ظاهرا ، وذلك : نحو : «طلع الشّمس ، ويطلع الشّمس ، وأطالع الشّمس» ، ولا يجوز : هذا الشمس ، ولا هو الشمس ، ولا الشمس هذا ، أو هو ، ولا يجوز في غير ضرورة «الشّمس طلع» خلافا لابن كيسان ، واحتجّ بقوله [من المتقارب] :

٨٨١ ـ [فلا مزنة ودقت ودقها]

ولا أرض أبقل إبقالها (١)

قال : وليس بضرورة لتمكّنه من أن يكون «أبقلت ابقالها» بالنقل ، وردّ بأنا لا نسلّم أن هذا الشاعر ممّن لغته تخفيف الهمزة بنقل أو غيره.

الثالث عشر : قولهم : «ينوب بعض حروف الجرّ عن بعض» وهذا أيضا ممّا يتداولونه ويستدلّون به ؛ وتصحيحه بإدخال «قد» على قولهم : «ينوب» ، وحينئذ فيتعذّر استدلالهم به ، إذ كل موضع ادّعوا فيه ذلك يقال لهم فيه : لا نسلّم أن هذا مما وقعت فيه النّيابة ؛ ولو صحّ قولهم لجاز أن يقال : «مررت في «زيد» ، و «دخلت من عمرو» ، و

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو للمتنبي في ديوانه ٢ / ٧٤ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٦٧٦.

(٢) البيت من المتقارب ، وهو لعامر بن جويمن في تخليص الشواهد ص ٤٨٣ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥ ، والدرر ٦ / ٢٦٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٣٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٤٣.

٥٣٢

«كتبت إلى القلم» ، على أن البصريّين ومن تابعهم يرون في الأماكن التي ادعيت فيها النيابة أن الحرف باق على معناه ، وأن العامل ضمّن معنى عامل يتعدّى بذلك الحرف ؛ لأن التجوّز في الفعل أسهل منه في الحرف.

الرابع عشر : قولهم : «إن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى ، وإذا أعيدت معرفة أو أعيدت المعرفة معرفة أو نكرة كان الثّاني عين الأول» ، وحملوا على ذلك ما روي «لن يغلب عسر يسرين». قال الزجّاج : ذكر «العسر» مع الألف واللام ثم ثنّي ذكره ؛ فصار المعنى : إن مع اليسر يسرين ، ا ه.

ويشهد للصورتين الأوليين أنك تقول : «اشتريت فرسا ثم بعت فرسا» ، فيكون الثّاني غير الأول ؛ ولو قلت : «ثم بعت الفرس» ، لكان الثاني عين الأول ، وللرابع قول الحماسي [من الهزج] :

٨٨٢ ـ صفحنا عن بني ذهل

وقلنا : القوم إخوان

٨٨٣ ـ عسى الأيّام أن يرجع

ن قوما كالّذي كانوا (١)

ويشكل على ذلك أمور ثلاثة.

أحدها : أنّ الظاهر في آية (أَلَمْ نَشْرَحْ) [الانشراح : ١] أن الجملة الثانية تكرار للجملة الأولى ، كما تقول : «إنّ لزيد دارا إن لزيد دارا» وعلى هذا فالثانية عين الأولى.

والثاني : أنّ ابن مسعود قال : لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ، إنه لن يغلب عسر يسرين ، مع أن الآية في قراءته وفي مصحفه مرّة واحدة ؛ فدلّ على ما ادّعيناه من التأكيد ، وعلى أنه لم يستند تكرّر اليسر من تكرره ، بل هو من غير ذلك ، كأن يكون فهمه ممّا في التنكير من التفخيم فتأوّله بيسر الدارين.

والثالث : أن في التّنزيل آيات تردّ هذه الأحكام الأربعة ، فيشكل على الأول قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) [الروم : ٥٤] الآية ، (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزخرف : ٨٤] ، والله إله واحد سبحانه وتعالى ؛ وعلى الثاني قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء : ١٢٨] ، فالصلح الأوّل خاصّ ، وهو الصلح بين الزّوجين ، والثاني عام ، ولهذا يستدلّ بها على استحباب كلّ صلح جائز ،

__________________

(١) البيتان من الهزج ، وهما للفند الزماني (شهل بن شيبان) في أمالي القالي ١ / ٣٢ ، وحماسة البحتري ص ٥٦ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٣١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٤٤.

٥٣٣

ومثله (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) [النحل : ٨٨] ، والشيء لا يكون فوق نفسه ؛ وعلى الثالث قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) [آل عمران : ٢٦] ، فإن الملك الأول عام ، والثاني خاص ؛ (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (٦٠) [الرحمن : ٦٠] فإن الأولّ العمل والثاني الثّواب ؛ (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة : ٤٥] فإن الأولى القاتلة ، والثانية المقتولة ؛ وكذلك بقية الآية. وعلى الرابع (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) [النساء : ١٥٣] ، وقوله [من الطويل] :

٨٨٤ ـ [بلاد بها كنّا وكنّا من اهلها]

إذ النّاس ناس والزّمان زمان (١)

فإن الثاني لو ساوى الأول من مفهومه لم يكن في الإخبار به عنه فائدة ، وإنما هذا من باب قوله [من الرجز] :

٨٨٥ ـ أنا أبو النّجم وشعري شعري

[لله درّي ما أجنّ صدري](٢)

أي : وشعري لم يتغيّر عن حالته.

فإذا ادّعي أن القاعدة فيهنّ إنما هي مستمرّة مع عدم القرينة ، فأمّا إن وجدت قرينة فالتعويل عليها ؛ سهل الأمر.

وفي الكشّاف «فإن قلت : ما معنى «لن يغلب عسر يسرين؟» قلت : هذا حمل على الظاهر ، وبناء على قوّة الرجاء ، وأن وعد الله لا يحمل إلا على أبلغ ما يحتمله اللفظ ؛ والقول فيه أن الجملة الثانية يحتمل أن تكون تكريرا للأولى كتكرير (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (١٥) [المرسلات : ١٥] لتقرير معناها في النفوس ، وكتكرير المفرد في نحو : «جاء زيد زيد» ، وأن تكون الأولى عدة بأن العسر مردوف باليسر لا محالة ؛ والثانية عدة مستأنفة بأن العسر متبوع باليسر لا محالة ؛ فهما يسران على تقدير الاستئناف ، وإنما كان العسر واحدا لأن اللام إن كانت فيه للعهد في العسر الذي كانوا فيه فهو هو ؛ لأن حكمه حكم «زيد» في قولك «إنّ مع زيد مالا إن مع زيد مالا» ؛ وإن كانت للجنس الذي يعلمه كلّ أحد فهو هو أيضا ؛ وأمّا اليسر فمنكّر متناول لبعض الجنس ، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفا فقد تناول بعضا آخر ، ويكون الأول ما تيسّر لهم من الفتوح في زمنه عليه الصلاة والسّلام ، والثاني ما تيسّر في أيام الخلفاء ؛ ويحتمل أن المراد بهما يسر الدّنيا ويسر الآخرة مثل :

__________________

(١ و ٢) البيت من الطويل ، وهو لرجل بن عاد في الأغاني ٢١ / ١٠٥ ، وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ٣٣٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٤٧ ، ولسان العرب ٦ / ١١ مادة / أنس /.

٥٣٤

(هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة : ٥٢] وهما «الظّفر والثواب» ا ه. ملخّصا.

وقال بعضهم : الحقّ أنّ في تعريف الأول ما يوجب الاتّحاد ، وفي التنكير يقع الاحتمال ، والقرينة تعيّن ، وبيانها هنا أنه عليه الصلاة والسّلام كان هو وأصحابه في عسر الدنيا فوسّع الله عليهم بالفتوح والغنائم ، ثم وعد عليه الصلاة والسّلام بأن الآخرة خير له من الأولى ؛ فالتقدير : إن مع العسر في الدنيا يسرا في الدنيا وإن مع العسر في الدّنيا يسرا في الآخرة ؛ للقطع بأنه لا عسر عليه في الآخرة ، فتحقّقنا اتحاد العسر ، وتيقنّا أن له يسرا في الدنيا ويسرا في الآخرة.

الخامس عشر : قولهم : «يجب أن يكون العامل في الحال هو العامل في صاحبها» ، وهذا مشهور في كتبهم وعلى ألسنتهم ، وليس بلازم عند سيبويه ، ويشهد لذلك أمور :

أحدها : قولك : «أعجبني وجه زيد متبسما ، وصوته قارئا» ، فإن صاحب الحال معمول للمضاف أو للجارّ مقدر ، والحال منصوبة بالفعل.

والثاني : قوله [من مجزوء الوافر] :

٨٨٦ ـ لميّة موحشا طلل

[يلوح كأنّه خلل](١)

فإن صاحب الحال عند سيبويه النكرة ، وهو عنده مرفوع بالابتداء ، وليس فاعلا كما يقول الأخفش والكوفيون ، والناصب للحال الاستقرار الذي تعلّق به الظرف.

والثالث : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) [المؤمنون : ٥٢] فإن (أُمَّةً) حال من معمول إن وهو (أُمَّتُكُمْ ،) وناصب الحال حرف التّنبيه أو اسم الإشارة ، ومثله (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) [الأنعام : ١٥٣] ، وقال [من البسيط] :

٨٨٧ ـ ها بيّنا ذا صريح النّصح فاصغ له

[وطع فطاعة مهد نصحه رشد](٢)

العامل حرف التنبيه ، ولك أن تقول : لا نسلّم أن صاحب الحال طلل ، بل ضميره المستتر في الظرف ، لأن الحال حينئذ حال من المعرفة ، وأما جواب ابن خروف بأن الظرف إنما يتحمّل الضّمير إذا تأخّر عن المبتدأ فمخالف لإطلاقهم ولقول أبي الفتح في [من الوافر] :

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) تقدم تخريجه.

٥٣٥

٨٨٨ ـ [ألا يا نخلة من ذات عرق]

عليك ورحمة الله السّلام](١)

إنّ الأولى حمله على العطف على ضمير الظّرف ، لا على تقديم المعطوف على المعطوف عليه ؛ وقد اعترض عليه بأنه تخلّص عن ضرورة بأخرى ، وهي العطف مع عدم الفصل ، ولم يعترض بعدم الضمير ، وجوابه أنّ عدم الفصل أسهل ، لوروده في النثر كـ «مررت برجل سواء والعدم» ، حتى قيل : إنه قياس. وأما جواب ابن مالك بأن الحمل على «طلل» أولى لأنه ظاهر ، فإنما يصحّ لو ساوى الظاهر الضمير في التعريف ، وأما البواقي فاتّحاد العامل فيها موجود تقديرا ؛ إذ المعنى : أشير إلى أمّتكم وإلى صراطي ، وتنبّه لصريح النصح بيّنا ؛ وأما مسألتا المضاف إليه فصلاحيّة المضاف فيهما للسقوط جعل المضاف إليه كأنّه معمول للفعل ، وعلى هذا فالشرط في المسألة اتحاد العامل تحقيقا أو تقديرا.

السادس عشر : قولهم «يغلّب المؤنث على المذكّر في مسألتين ؛ إحداهما : «ضبعان» في تثنية «ضبع» للمؤنّث ، و «ضبعان» للمذكّر ؛ إذ لم يقولوا : «ضبعانان» ؛ والثانية : التأريخ ؛ فإنهم أرّخوا بالليالي دون الأيام» ذكر ذلك الجرجاني وجماعة ، وهو سهو ، فإن حقيقة التّغليب : أن يجتمع شيئان فيجري حكم أحدهما على الآخر ، ولا يجتمع الليل والنهار ، ولا هنا تعبير عن شيئين بلفظ أحدهما على الآخر ، وإنما أرّخت العرب بالليالي لسبقها ؛ إذ كانت أشهرهم قمريّة ، والقمر إنما يطلع ليلا ؛ وإنما المسألة الصّحيحة قولك : «كتبته لثلاث بين يوم وليلة» ، وضابطها : أن تكون معنا عدد مميّز بمذكّر ومؤنّث ، وكلاهما مما لا يعقل ، وفصلا من العدد بكلمة «بين» ، قال [من الطويل] :

فطافت ثلاثا بين يوم وليلة

السابع عشر : قولهم في نحو : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ) [العنكبوت : ٤٤] إن «السموات» مفعول به ، والصواب أنه مفعول مطلق ؛ لأن المفعول المطلق ما يقع عليه اسم المفعول بلا قيد ، نحو : قولك «ضربت ضربا» والمفعول به ما لا يقع عليه ذلك إلا مقيدا بقولك : «به» ، كـ «ضربت زيدا» ، وأنت لو قلت : السّموات مفعول كما تقول «الضّرب» مفعول كان صحيحا ، ولو قلت «السموات» مفعول به كما تقول «زيد» مفعول به لم يصحّ.

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٠١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٣٤.

(٢) البيت من الوافر ، وهو للأحوص في ديوانه ص ١٩٠ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٩٣ ، وبلا نسبة في لسان العرب ٨ / ١٩١ مادة / شيع / وتاج العروس ٢١ / ٣٠٤.

٥٣٦

وقد يعارض هذا بأن يصاغ لنحو «السموات» في المثال اسم مفعول تام ، فيقال :

فالسموات مخلوقة ، وذلك مختص بالمفعول به.

إيضاح آخر : المفعول به ما كان موجودا قبل الفعل الذي عمل فيه ، ثم أوقع الفاعل به فعلا ، والمفعول المطلق ما كان الفعل العامل فيه هو فعل إيجاده ، والذي غرّ أكثر النّحويين في هذه المسألة أنهم يمثلون المفعول المطلق بأفعال العباد ، وهم إنما يجري على أيديهم إنشاء الأفعال لا الذوات ، فتوهّموا أن المفعول المطلق لا يكون إلّا حدثا ؛ ولو مثّلوا بأفعال الله تعالى لظهر لهم أنه لا يختصّ بذلك ، لأن الله تعالى موجد للأفعال والذوات جميعا ، لا موجد لهما في الحقيقة سواه سبحانه وتعالى ؛ وممّن قال بهذا الذي ذكرته الجرجاني وابن الحاجب في أماليه.

وكذا البحث في «أنشأت كتابا» و «عمل فلان خيرا» ، و (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [البقرة : ٢٥].

وزعم ابن الحاجب في شرح المفصّل وغيره أن المفعول المطلق يكون جملة ، وجعل من ذلك نحو : «قال زيد عمرو منطلق» وقد مضى ردّه ؛ وزعم أيضا في «أنبأت زيدا عمرا فاضلا» أن الأول مفعول به ، والثاني والثالث مفعول مطلق ؛ لأنهما نفس النبأ ، قال : بخلاف الثاني والثالث في «أعلمت زيدا عمرا فاضلا» فإنهما متعلقا العلم ، لا نفسه ، وهذا خطأ ؛ بل هما أيضا منبأ بهما ، لا نفس النبأ ؛ وهذا الذي قاله لم يقله أحد ، ولا يقتضيه النظر الصحيح.

الثامن عشر : قولهم في «كاد» : إثباتها نفي ، ونفيها إثبات ، فإذا قيل : «كاد يفعل» فمعناه أنه لم يفعل ، وإذا قيل «لم يكد يفعل» فمعناه أنه فعله ، دليل الأول (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الإسراء : ٧٣] ، وقوله [من الخفيف] :

٨٨٩ ـ كادت النّفس أن تفيض عليه

[إذ غدا حشو ريطة وبرود](١)

ودليل الثاني (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة : ٧١] وقد اشتهر ذلك بينهم حتّى جعله المعرّيّ لغزا ، فقال [من الطويل] :

__________________

(١) البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في أدب الكاتب ص ٤٠٦ ، وأوضح المسالك ١ / ٣١٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٤٨.

٥٣٧

٨٩٠ ـ أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة

جرت في لساني جرهم وثمود

٨٩١ ـ إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت

وإن أثبتت قامت مقام جحود (١)

والصواب أن حكمها حكم سائر الأفعال في أنّ نفيها نفي وإثباتها إثبات ، وبيانه : أن معناها المقاربة ، ولا شكّ أن معنى «كاد يفعل» : قارب الفعل ، وأن معنى «ما كاد يفعل» : ما قارب الفعل ؛ فخبرها منفيّ دائما ، أما إذا كانت منفيّة فواضح ، لأنه إذا انتفت مقاربة الفعل انتفى عقلا حصول ذلك الفعل ، ودليله (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) [النور : ٤٠] ، ولهذا كان أبلغ من أن يقال : «لم يرها» لأن من لم ير قد يقارب الرؤية ، وأما إذا كانت المقاربة مثبتة فلأن الإخبار بقرب الشّيء يقتضي عرفا عدم حصوله ، وإلا لكان الإخبار حينئذ بحصوله ، لا بمقاربة حصوله ؛ إذ لا يحسن في العرف أن يقال لمن صلّى : «قارب الصلاة» ، وإن كان ما صلى حتى قارب الصلاة ؛ ولا فرق فيما ذكرناه بين «كاد» و «يكاد» ؛ فإن أورد على ذلك (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة : ٧١] مع أنهم قد فعلوا ؛ إذ المراد بالفعل الذبح ، وقد قال تعالى : (فَذَبَحُوها) [البقرة : ٧١] فالجواب أنه إخبار عن حالهم في أوّل الأمر ؛ فإنهم كانوا أولا بعداء من ذبحها ، بدليل ما يتلى علينا من تعنّتهم وتكرّر سؤالهم ؛ ولمّا كثر استعمال مثل هذا فيمن انتفت عنه مقاربة الفعل أولا ثم فعله بعد ذلك توهّم أن الفعل بعينه هو الدالّ على حصول ذلك الفعل بعينه ، وليس كذلك ، وإنما فهم حصول الفعل من دليل آخر كما فهم في الآية من قوله تعالى : (فَذَبَحُوها.)

التاسع عشر : قولهم في السين و «سوف» : حرف تنفيس ، والأحسن حرف استقبال ؛ لأنه أوضح ، ومعنى التّنفيس التوسيع ؛ فإن هذا الحرف ينقل الفعل عن الزمن الضيق ـ وهو الحال ـ إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال.

وهنا تنبيهان ـ أحدهما : أن الزمخشري قال في (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) [التوبة : ٧١] : إن السّين مفيدة وجود الرحمة لا محالة ، فهي مؤكّدة للوعد ، واعترضه بعض الفضلاء بأن وجود الرحمة مستفاد من الفعل ، لا من السين ، وبأن الوجوب المشار إليه بقوله : «لا محالة» لا إشعار للسين به ؛ وأجيب بأن السين موضوعة للدّلالة على الوقوع مع التأخّر ،

٥٣٨

فإن كان المقام ليس مقام تأخر لكونه بشارة تمحّضت لإفادة الوقوع ، وبتحقّق الوقوع يصل إلى درجة الوجوب.

الثاني : قال بعضهم في (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) [النساء : ٩١] : السين للاستمرار ، لا للاستقبال مثل : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) فإنّها نزلت بعد قولهم : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ) [البقرة : ١٤٢] الآية ، ولكن دخلت السّين إشعارا بالاستمرار ، ا ه.

والحقّ أنها للاستقبال ، وأنّ «يقول» بمعنى : يستمرّ على القول ، وذلك مستقبل ؛ فهذا في المضارع نظير (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) [النساء : ١٣٦] في الأمر ، هذا إن سلم أن قولهم سابق على النزول ، وهو خلاف المفهوم من كلام الزمخشري ؛ فإنه سأل : ما الحكمة في الإعلام بذلك قبل وقوعه؟

تمام العشرين : قولهم في نحو : «جلست أمام زيد» : إن «زيدا» مخفوض بالظرف ، والصواب أن يقال : مخفوض بالإضافة ؛ فإنه لا مدخل في الخفض لخصوصيّة كون المضاف ظرفا.

خاتمة ـ ينبغي للمعرب أن يتخيّر من العبارات أوجزها وأجمعها للمعنى المراد ؛ فيقول في نحو : «ضرب» : فعل ماض لم يسمّ فاعله ، ولا يقول : مبني لما لم يسمّ فاعله ، لطول ذلك وخفائه ؛ وأن يقول في المرفوع به : «نائب عن الفاعل» ، ولا يقول : «مفعول ما لم يسمّ فاعله» ، لذلك ولصدق هذه العبارة على المنصوب من نحو : «أعطي زيد دينارا» ألا ترى أنه مفعول لـ «أعطي» ، و «أعطي» لم يسمّ فاعله؟ وأما النائب عن الفاعل فلا يصدق إلا على المرفوع ؛ وأن يقول في «قد» : حرف لتقليل زمن الماضي وحدث الآتي ولتحقيق حدثهما ؛ وفي «أما» : حرف شرط وتفصيل وتوكيد ؛ وفي «لم» : حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ماضيا ؛ ويزيد في «لمّا» الجازمة : متّصلا نفيه متوقعا ثبوته ؛ وفي الواو : حرف عطف لمجرّد الجمع ، أو لمطلق الجمع ، ولا يقول : للجمع المطلق ؛ وفي «حتّى» : حرف للجمع والغاية ؛ وفي «ثم» : حرف عطف للترتيب والمهلة وفي الفاء : حرف عطف للتّرتيب والتعقيب ، وإذا اختصرت فيهن فقل : عاطف ومعطوف ، وناصب ومنصوب ، وجازم ومجزوم ، كما تقول : جار ومجرور.

٥٣٩

الباب السابع من الكتاب

في كيفيّة الإعراب والمخاطب بمعظم هذا الباب المبتدئون

[في كيفيّة الإعراب]

اعلم أن اللفظ المعبّر عنه إن كان حرفا واحدا عبّر عنه باسمه الخاصّ به ، أو المشترك ، فيقال في المتصّل بالفعل من نحو : «ضربت» : التاء فاعل ، أو الضمير فاعل ، ولا يقال : ت فاعل ، كما بلغني عن بعض المعلّمين ؛ إذ لا يكون اسم ظاهر هكذا ، فأما الكاف الاسميّة فإنها ملازمة للإضافة ، فاعتمدت على المضاف إليه ، ولهذا إذا تكلمت على إعرابها جئت باسمها فقلت في نحو قوله [من البسيط] :

٨٩٢ ـ وما هداك إلى أرض كعالمها ،

[ولا أعانك في عزم كعزّام]

الكاف فاعل ، ولا تقول : كـ فاعل ؛ لزوال ما تعتمد عليه ، ويجوز في نحو : «م الله» ، و «ق نفسك» و «ش الثّوب» ، و «ل هذا الأمر» أن تنطق بلفظها فتقول : م مبتدأ ، وذلك على القول بأنها بعض أيمن ، وتقول : ق فعل أمر ؛ لأن الحذف فيهن عارض ، فاعتبر فيهنّ الأصل ؛ وتقول : الباء حرف جر ، والواو حرف عطف ، ولا تنطق بلفظهما.

وإن كان اللفظ على حرفين نطق به ؛ فقيل : «قد» حرف تحقيق ، و «هل» حرف استفهام ، و «نا» فاعل أو مفعول ، والأحسن أن تعبّر عنه بقولك : الضمير ؛ لئلا تنطق بالمتّصل مستقلّا ؛ ولا يجوز أن تنطق باسم شيء من ذلك كراهية الإطالة ؛ وعلى هذا فقولهم : «أل» أقيس من قولهم : الألف واللام ، وقد استعمل التعبير بهما الخليل وسيبويه.

وإن كان أكثر من ذلك نطق به أيضا : فقيل : «سوف» حرف استقبال ؛ و «ضرب» فعل ماض ، و «ضرب» هذا اسم ؛ ولهذا أخبر عنها بقولك : «فعل ماض ، وإنما فتحت على الحكاية ؛ يدلّك على ما ذكرنا أنّ الفعل ما دلّ على حدث وزمان ، و «ضرب» هنا لا تدلّ على ذلك ، وأن الفعل لا يخلو عن الفاعل في حالة التركيب ، وهذا لا يصحّ أن يكون له فاعل ؛ ومما يوضّح لك ذلك أنك تقول في زيد من «ضرب زيد» : «زيد» مرفوع بـ «ضرب» ، أو فاعل بـ «ضرب» ؛ فتدخل الجارّ عليه ؛ وقال لي بعضهم : لا دليل في

٥٤٠