شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

محمّد بن أبي بكر الدماميني

شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أبي بكر الدماميني


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢
الجزء ١ الجزء ٢

و «المشرقين» ، و «المغربين» ومثله «الخافقان» في المشرق والمغرب ، وإنما الخافق المغرب ؛ ثم إنما سمّي خافقا مجازا ، وإنما هو مخفوق فيه ؛ و «القمرين» في الشمس والقمر ، قال المتنبي [من الكامل] :

٩٣٢ ـ واستقبلت قمر السّماء بوجهها

فأرتني القمرين في وقت معا (١)

أي : الشمس وهو وجهها وقمر السماء. وقال التبريزيّ : يجوز أنه أراد قمرا وقمرا ؛ لأنه لا يجتمع قمران في ليلة كما أنه لا تجتمع الشمس والقمر. ا ه.

وما ذكرناه أمدح ، و «القمران» في العرف الشمس والقمر ؛ وقيل : إن منه قول الفرزدق [من الطويل] :

٩٣٣ ـ أخذنا بآفاق السّماء عليكم

لنا قمراها والنّجوم الطوالع (٢)

وقيل : إنما أراد محمّدا والخليل عليهما الصّلاة والسّلام ؛ لأن نسبه راجع إليهما بوجه ، وإن المراد بالنجوم الصّحابة ؛ وقالوا : «العمرين» في أبي بكر وعمر ؛ وقيل : المراد عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز ، فلا تغليب ، ويردّ بأنه قيل لعثمان رضي‌الله‌عنه : نسألك سيرة العمرين ؛ قال : نعم ؛ قال قتادة : أعتق العمران فمن بينهما من الخلفاء أمهّات الأولاد ، وهذا المراد به عمر وعمر ؛ وقالوا «العجاجين» في رؤبة والعجّاج ؛ و «المروتين» في الصّفا والمروة.

ولأجل الاختلاط أطلقت «من» على ما لا يعقل في نحو : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : ٤٥] فإن الاختلاط حاصل في العموم السابق في قوله تعالى : (كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) [النور : ٤٥] ، وفي (مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) اختلاط آخر في عبارة التفصيل ؛ فإنه يعمّ الإنسان والطائر ؛ واسم المخاطبين على الغائبين في قوله تعالى : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : ٢١] لأن «لعلّ» متعلّقة بـ «خلقكم» لا بـ «اعبدوا» ؛ والمذكرين على المؤنث حتى عدّت منهم في (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [التحريم : ١٢] ، والملائكة على إبليس حتى استثني منهم في (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) [البقرة : ٣٤] وغيرها ؛ قال الزمخشري : والاستثناء متّصل ، لأنه واحد من بين أظهر

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو للمتنبي في ديوانه ٢ / ٤ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٨٧.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٤١٩ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٠٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٩١ ، وبلا نسبة في لسان العرب مادة (شرق).

٥٦١

الألوف من الملائكة ؛ فغلبوا عليه في (فَسَجَدُوا) ثم استثني منهم استثناء أحدهم ؛ ثم قال : ويجوز أن يكون منقطعا.

ومن التّغليب (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [الأعراف : ٨٨] بعد (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا) [الأعراف : ٨٨] ، فإنّه عليه الصلاة والسّلام لم يكن في ملّتهم قطّ ، بخلاف الذين آمنوا معه. ومثله (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) [الشورى : ١١] ، فإن الخطاب فيه شامل للعقلاء والأنعام ؛ فغلب المخاطبون والعاقلون على الغائبين والأنعام ؛ ومعنى (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) يبثكم ويكثركم في هذا التدبير ؛ وهو أن جعل للناس وللأنعام أزواجا حتى حصل بينهم التوالد ؛ فجعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبثّ والتكثير ؛ فلذا جيء بـ «في» دون الباء ؛ ونظيره (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩] وزعم جماعة أن منه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ،) ونحو : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [النمل : ٥٥] ، وإنما هذا من مراعاة المعنى ؛ والأول من مراعاة اللفظ.

القاعدة الخامسة

أنهم يعبرون بالفعل عن أمور :

أحدها : وقوعه ؛ وهو الأصل.

والثاني : مشارفته ؛ نحو : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَ) [البقرة : ٢٣١] ، أي : فشارفن انقضاء العدة (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ) [البقرة : ٢٤٠] ، أي : والذين يشارفون الموت وترك الأزواج يوصون وصيّة ، (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً) [النساء : ٩] ، أي : لو شارفوا أن يتركوا ، وقد مضت في فصل «لو» ونظائرها ؛ ومما لم يتقدّم ذكره قوله [من الطويل] :

٩٣٤ ـ إلى ملك كاد الجبال لفقده

تزول ، وزال الرّاسيات من الصّخر (١)

الثالث : إرادته ؛ وأكثر ما يكون ذلك بعد أداة الشرط ، نحو : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [النحل : ٩٨] ، (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) [المائدة : ٦] ، (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ) [البقرة : ١١٧] و [آل عمران : ٤٧] ، (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) [المائدة : ٤٢] ، (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل : ١٢٦] ، (إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ

٥٦٢

وَالْعُدْوانِ) [المجادلة : ٩] ، (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا) [المجادلة : ١٢] الآية ، (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : ١] ، وفي الصحيح : «إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل».

ومنه في غيره (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٣٦) [الذاريات : ٣٥ ـ ٣٦] ، أي : فأردنا الإخراج (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [الأعراف : ١١] لأن «ثم» للترتيب ؛ ولا يمكن هنا مع الحمل على الظاهر ؛ فإذا حمل «خلقنا» و «صوّرنا» على إرادة الخلق والتصوير لم يشكل.

وقيل : هما على حذف مضافين ؛ أي : خلقنا أباكم ثم صوّرنا أباكم ؛ ومثله (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) [الأعراف : ٤] أي : أردنا إهلاكها ، (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) [النجم : ٨] أي : أراد الدنو من محمد عليه الصلاة والسّلام ، فتدلى فتعلّق في الهواء ، وهذا أولى من قول من ادعى القلب في هاتين الآيتين وأن التقدير : وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها ، ثم تدلى فدنى ، وقال [من المنسرح] :

٩٣٥ ـ فارقنا قبل أن نفارقه

لمّا قضى من جماعنا وطرا (١)

أي : أراد فراقنا.

وفي كلامهم عكس هذا ؛ وهو التعبير بإرادة الفعل عن إيجاده ، نحو : (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) [النساء : ١٥٠] بدليل أنه قوبل بقوله سبحانه وتعالى : (وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) [النساء : ١٥٢].

والرابع : القدرة عليه ، نحو : (وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء : ١٠٤] ، أي : قادرين على الإعادة ، وأصل ذلك أن الفعل يتسبّب عن الإرادة والقدرة ، وهم يقيمون السبب مقام المسبّب وبالعكس ؛ فالأول نحو : (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) [محمد : ٣١] ، أي : ونعلم أخباركم ؛ لأن الابتلاء الاختبار ، وبالاختبار يحصل العمل ؛ وقوله تعالى : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) [المائدة : ١١٢] الآية في قراءة غير الكسائي «يستطيع» بالغيبة و «ربّك» بالرفع ، معناه : هل يفعل ربك ؛ فعبّر عن الفعل بالاستطاعة لأنها شرطه ، أي : هل ينزل علينا ربّك مائدة إن دعوته. ومثله (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) [الأنبياء : ٨٧] أي : لن نؤاخذه ، فعبّر عن المؤاخذة بشرطها ، وهو القدرة عليها ؛ وأما قراءة الكسائي فتقديرها هلى تستطيع سؤال

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٩٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٤.

٥٦٣

ربك ، فحذف المضاف ، أو : هل تطلب طاعة ربّك في إنزال المائدة أي استجابته ، ومن الثاني (فَاتَّقُوا النَّارَ) [البقرة : ٢٤] أي : فاتّقوا العناد الموجب للنار.

القاعدة السادسة

أنهم يعبّرون عن الماضي والآتي كما يعبّرون عن الشيء الحاضر قصدا لإحضاره في الذهن حتى كأنه مشاهد حالة الإخبار ، نحو : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [النحل : ١٢٤] لأن لام الابتداء للحال ، ونحو : (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) [القصص : ١٥] إذ ليس المراد تقريب الرجلين من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما تقول : «هذا كتابك فخذه» ، وإنما الإشارة كانت إليهما في ذلك الوقت هكذا فحكيت ؛ ومثله (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) [فاطر : ٩] قصد بقوله سبحانه وتعالى : (فَتُثِيرُ) إحضار تلك الصورة البديعة الدّالة على القدرة الباهرة من إثارة السحاب ، تبدو أولا قطعا ثم تتضامّ متقلّبة بين أطوار حتى تصير ركاما ؛ ومنه (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩] ، أي : فكان ، (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) [الحج : ٣١] ، (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٥] إلى قوله تعالى : (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ) [القصص : ٦] ، ومنه عند الجمهور (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) أي : يبسط ذراعيه ، بدليل (وَنُقَلِّبُهُمْ) ولم يقل : وقلبناهم ؛ وبهذا التقرير يندفع قول الكسائي وهشام : إن اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي يعمل ، ومثله (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة : ٧٢] إلا أن هذا على حكاية حال كانت مستقبلة وقت التدارؤ ؛ وفي الآية الأولى حكيت الحال الماضية ، ومثلها قوله [من الرجز] :

٩٣٦ ـ جارية في رمضان الماضي

تقطّع الحديث بالإيماض (١)

ولو لا حكاية الحال في قول حسان [من الكامل] :

٩٣٧ ـ يغشون حتّى لا تهرّ كلابهم

[لا يسألون عن السّواد المقبل](٢)

__________________

(١) البيت من المنسرح ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ، الشاهد / ٥٤٥ /.

(٢) البيت من الرجز ، وهو لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٦ ، وخزانة الأدب ٨ / ٢٣٣ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٨١ ، ولسان العرب مادة (رمض).

(٣) البيت من الكامل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٢٣ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤١٢ ، والدرر ٤ / ٧٦ ، ـ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٤ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٢.

٥٦٤

لم يصح الرفع ؛ لأنه لا يرفع إلا وهو للحال ، ومنه قوله تعالى : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة : ٢١٤] بالرفع.

القاعدة السابعة

أن اللفظ قد يكون على تقدير ، وذلك المقدّر على تقدير آخر ، نحو قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) [يونس : ٣٧] ، فإن يفترى مؤوّل بالافتراء ، والافتراء مؤول بمفترى ، وقال [من الطويل] :

٩٣٨ ـ لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللّحى

ولكنّما الفتيان كلّ فتى ندي (١)

وقالوا : «عسى زيد أن يقوم» فقيل : هو على ذلك ؛ وقيل : على حذف مضاف ، أي : عسى أمر زيد ، أو : عسى زيد صاحب القيام ؛ «أن» زائدة ، ويردّه عدم صلاحيّتها للسّقوط في الأكثر ، وأنها قد عملت ، والزائد لا يعمل ، خلافا لأبي الحسن ؛ وأما قول أبي الفتح في بيت الحماسة [من البسيط] :

٩٣٩ ـ حتّى يكون عزيزا في نفوسهم ،

أو أن يبين جميعا وهو مختار (٢)

يجوز كون «أن» زائدة ، فلأن النصب هنا يكون بالعطف لا بـ «أن» وقيل في (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) [المجادلة : ٣] إن «ما قالوا» بمعنى القول ، و «القول» بتأويل «المقول» ، أي : يعودون للمقول فيهن لفظ الظهار وهنّ الزوجات ؛ وقال أبو البقاء في (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢] : يجوز عند أبي علي كون «ما» مصدرية ، والمصدر في تأويل اسم المفعول ، ا ه.

وهذا يقتضي أن غير أبي علي لا يجيز ذلك. وقال السيرافي : إذا قيل : «قاموا ما خلا زيدا ، وما عدا زيدا» فـ «ما» مصدريّة ، وهي وصلتها حال ، وفيه معنى الاستثناء ؛ قال ابن مالك : فوقعت الحال معرفة لتأوّلها بالنكرة ا ه. والتأويل : خالين عن زيد ، ومتجاوزين زيدا ؛ وأما قول ابن خروف والشلوبين إن «ما» وصلتها «نصب على الاستثناء» فغلط ، لأن معنى الاستثناء قائم بما بعدهما لا بهما ، والمنصوب على معنى لا يليق ذلك المعنى بغيره.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٤ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٩١.

(٢) البيت من البسيط ، وهو ليزيد بن حمار (أو حمان) السكوني في الدرر ٤ / ٧٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٠١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٤٣٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٥.

٥٦٥

القاعدة الثامنة

كثيرا ما يغتفر في الثّواني ما لا يغتفر في الأوائل ، فمن ذلك «كلّ شاة وسخلتها بدرهم» و [من الطويل] :

٩٤٠ ـ أيّ فتى هيجاء أنت وجارها

[إذا ما رجال بالرّحال استقلّت](١)

و «ربّ رجل وأخيه» (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ) [الشعراء : ٤] ، ولا يجوز : كل سخلتها ، ولا أي جارها ، ولا ربّ أخيه ، ولا يجوز «إن يقم زيد قام عمرو» في الأصح ، إلا في الشعر كقوله [من البسيط] :

٩٤١ ـ إن يسمعوا سبّة طاروا بها فرحا

عنّي ، وما يسمعوا من صالح دفنوا (٢)

إذ لا تضاف «كلّ» و «أيّ» إلى معرفة مفردة ، كما أن اسم التفضيل كذلك ، ولا تجرّ «ربّ» إلا النكرات ، ولا يكون في النثر فعل الشّرط مضارعا والجواب ماضيا ، وقال الشاعر [من البسيط] :

٩٤٢ ـ إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ،

أو تنزلون فإنّا معشر نزل (٣)

فقال يونس : أراد : أو أنتم تنزلون ، فعطف الجملة الاسميّة على جملة الشرط ، وجعل سيبويه ذلك من العطف على التوهّم ؛ قال : فكأنه قال : أتركبون فذلك عادتنا أو تنزلون فنحن معروفون بذلك ؛ ويقولون : «مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين» ، ويمتنع «قائمين لا قاعد أبواه» ، على إعمال الثاني وربط الأول بالمعنى.

القاعدة التاسعة

أنهم يتّسعون في الظرف والمجرور ما لا يتّسعون في غيرهما ، فلذلك فصلوا بهما الفعل الناقص من معموله نحو «كان في الدّار ـ أو عندك ـ زيد جالسا» ، وفعل التعجّب

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في الكتاب ٢ / ٥٥.

(٢) البيت من البسيط ، ولسان العرب وهو لقعنب ابن أم صاحب في سمط اللالي ص ٣٦٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٥ ، ولسان العرب ٤ / ٤٣٤ مادة / شور / ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ص ٢٠٣ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٨٥.

(٣) البيت من البسيط ، وهو للأعمش في ديوانه ص ١١٣ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٩٤ ، والدرر ٥ / ٨٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٥ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٧٦.

٥٦٦

من المتعجّب منه نحو «ما أحسن في الهيجاء لقاء زيد ، وما أثبت عند الحرب زيدا» ، وبين الحرف الناسخ ومنسوخه نحو قوله [من الطويل] :

٩٤٣ ـ فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها

أخاك مصاب القلب جمّ بلابله (١)

وبين الاستفهام والقول الجاري مجرى الظن كقوله [من البسيط] :

٩٤٤ ـ أبعد بعد تقول الدّار جامعة

[شملي بهم أم تقول البعد محتوما](٢)

وبين المضاف وحرف الجر ومجرورهما ، وبين «إذن» و «لن» ومنصوبهما نحو : «هذا غلام والله زيد ، واشتريته بوالله درهم» ، وقوله [من الوافر] :

٩٤٥ ـ إذن والله نرميهم بحرب

[تشيب الطّفل من قبل المشيب](٣)

وقوله [من الكامل] : ٩٤٦ ـ

٩٤٧ ـ لن ما رأيت ابا يزيد مقاتلا

أدع القتال وأشهد الهيجاء (٤)

وقدّموهما خبرين على الاسم في باب «إنّ» ، نحو : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) [آل عمران : ١٣] و [النور : ٤٤] ، ومعمولين للخبر في باب «ما» ، نحو : «ما في الدار زيد جالسا» ، وقوله [من الطويل] :

٩٤٨ ـ [بأهبة حزم لذ وإن كنت آمنا]

فما كلّ حين من تؤاتي مؤاتيا (٥)

فإن كان المعمول غيرهما بطل عملها ، كقوله [من الطويل] :

٩٤٩ ـ [وقالوا : تعرّفها المنازل من منّى]

وما كلّ من وافى منّى أنا عارف (٦)

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٣١ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٥٣ ، والدرر ٢ / ١٧٢ ، وشرح الأشموني ١ / ١٣٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٩.

(٢) البيت من البحر البسيط ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٣٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ٧٧ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٧.

(٣) البيت من الوافر ، وهو لحسان بن ثابت في ملحق ديوانه ص ٣٧١ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٢٣٣ ، والدرر ٤ / ٧٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٩٧ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٦٨.

(٤) تقدم تخريجه.

(٥) البيت من الطويل ، ولم أجده.

(٦) البيت من الطويل ، وهو لمزاحم العقيلي في ديوانه ص ٢٨ ، وخزانة الأدب ٦ / ٢٦٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٠ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٣٣ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٨٢.

٥٦٧

ومعمولين لصلة «أل» ، نحو : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف : ٢٠] في قول ، وعلى الفعل المنفي بما في نحو قوله [من الرجز] :

ونحن عن فضلك ما استغنينا

وقيل : وعلى إن معمولا لخبرها في نحو : أما بعد فإني أفعل كذا وكذا ، وقوله [من البسيط] :

٩٥٠ ـ أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر

فإنّ قومي لم تأكلهم الضّبع (١)

وعلى العامل المعنوي في نحو قولهم : «أكلّ يوم لك ثوب».

وأقول : أما مسألة «أمّا» فاعلم أنه إذا تلاها ظرف ، ولم يل الفاء ما يمتنع تقدم معموله عليه ، نحو : «أمّا في الدّار ـ أو عندك ـ فزيد جالس» جاز كونه معمولا لـ «أمّا» أو لما بعد الفاء ؛ فإن تلا الفاء ما لا يتقدّم معموله عليه ، نحو : «أمّا زيدا ـ أو اليوم ـ فإنّي ضارب» ، فالعامل فيه عند المازني «أما» فتصحّ مسألة الظرف فقط ؛ لأن الحروف لا تنصب المفعول به ، وعند المبرد تجوز مسألة الظرف من وجهين ، ومسألة المفعول به من جهة إعمال ما بعد الفاء ؛ واحتجّ بأن «أما» وضعت على أن ما بعد فاء جوابها يتقدم بعضه فاصلا بينها وبين «أما» ؛ وجوّزه بعضهم في الظرف دون المفعول به ؛ وأما قوله : «أمّا أنت ذا نفر» فليس المعنى على تعلّقه بما بعد الفاء ، بل هو متعلّق تعلّق المفعول لأجله بفعل محذوف ، والتقدير : ألهذا فخرت علي؟ وأما المسألة الأخيرة فمن أجاز «زيد جالسا في الدار» لم يكن ذلك مختصا عنده بالظرف.

القاعدة العاشرة

من فنون كلامهم القلب. وأكثر وقوعه في الشعر ، كقول حسان رضي الله تعالى عنه [من الوافر] :

٩٥١ ـ كأنّ سبيئة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء (٢)

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو لعباس بن مرادس في ديوانه ص ١٢٨ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١١٣ ، والاشتقاق ص ٣١٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٣ ، والدرر ٢ / ٩١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١١٦ ، ولسان العرب ٦ / ٢٩٤ مادة / خرش / وبلا نسبة في امالي بن الحاجب ١ / ٤١١ وأوضح المسالك ١ / ٢٦٥.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٧١ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٢٩٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٢٤ ، والدرر ٢ / ٧٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٤٩ ، ولسان العرب ١ / ٩٣ مادة / سبأ /.

٥٦٨

فيمن نصب المزاج ، فجعل المعرفة الخبر ، والنكرة الاسم ، وتأوّله الفارسي على أن انتصاب المزاج على الظرفيّة المجازيّة ، والأولى رفع «المزاج» ونصب «العسل» ؛ وقد روي كذلك أيضا ؛ فارتفاع «ماء» بتقدير : وخالطها ماء ؛ ويروى برفعهنّ على إضمار الشأن ؛ وأما قول ابن أسد إنّ كان زائدة فخطأ ؛ لأنها لا تزاد بلفظ المضارع بقياس ، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك هنا ، وقول رؤبة [من الرجز] :

٩٥٢ ـ ومهمه مغبرّة أرجاؤه

كأنّ لون أرضه سماؤه (١)

أي : كأن لون سمائه لغبرتها لون أرضه ، فعكس التّشبيه مبالغة ، وحذف المضاف ، وقال آخر [من المتقارب] :

٩٥٣ ـ فإن أنت لاقيت في نجدة

فلا تتهيّبك أن تقدما (٢)

أي : تتهيّبها ، وقال ابن مقبل [من البسيط] :

٩٥٤ ـ ولا تهيّبني الموماة أركبها

إذا تجاوبت الأصداء بالسّحر (٣)

أي : ولا أتهيّبها ، وقال كعب [من البسيط] :

٩٥٥ ـ كأنّ أوب ذراعيها إذا عرقت

وقد تلفّع بالقور العساقيل (٤)

«القور» : جمع قارة ، وهي الجبل الصغير ، و «العساقيل» : اسم لأوائل السّراب ، ولا واحد له ، والتلفّع : الاشتمال. وقال عروة بن الورد [من الوافر] :

٩٥٦ ـ فديت بنفسه نفسي ومالي

وما آلوك إلّا ما أطيق (٥)

وقال القطامي [من الوافر] :

٩٥٧ ـ فلمّا أن جرى سمن عليها

كما طيّنت بالفدن السّياعا (٦)

__________________

(١) البيت من الرجز ، وهو لرؤبة في ديوانه ص ٣ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٥٨ ، ولسان العرب مادة (عمى).

(٢) البيت من البحر المتقارب ، وهو للنمر بن تولب في ديوانه ص ٣٧٨ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٠٠.

(٣) البيت من البسيط ، وهو لابن مقبل في ديوانه ص ٧٩ ، والأضداد ص ٢٠٢ ، وأمالي المرتضى ١ / ٢١٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٧١ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٥٦.

(٤) البيت من البحر البسيط ، وهو لكعب بن زهير في ديوانه ص ٦٤ ، ولسان العرب مادة (أوب) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٥٤٦.

(٥) البيت من الوافر ، وهو لعروة بن الورد في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٩٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٢ ، وليس في ديوانه.

٥٦٩

الفدن : القصر ، والسّياع : الطّين ، ومنه في الكلام «أدخلت القلنسوة في رأسي» ، و «عرضت الناقة على الحوض» ، «عرضتها على الماء» قاله الجوهري وجماعة منهم السكاكي والزمخشري ، وجعل منه (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) [الأحقاف : ٢٠ ، ٣٤]. وفي كتاب التوسعة ليعقوب بن إسحاق السكيت : إن «عرضت الحوض على الناقة» مقلوب ، وقال آخر : لا قلب في واحد منهما ، واختاره أبو حيان ، وردّ على قول الزمخشري في الآية ، وزعم بعضهم في قول المتنبي [من الكامل] :

٩٥٨ ـ وعذلت أهل العشق حتّى ذقته

فعجبت كيف يموت من لا يعشق (١)

أن أصله : كيف لا يموت من يعشق ، والصّواب خلافه ، وأن المراد أنه صار يرى أن لا سبب للموت سوى العشق ؛ ويقال : «إذا طلعت الجوزاء انتصب العود في الحرباء» ، أي : انتصب الحرباء في العود. وقال ثعلب في قوله تعالى : (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢)) [الحاقة : ٣٢]. إن المعنى : اسلكوا فيه سلسلة ، وقيل : إن منه (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) [الأعراف : ٤] ، (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) [النجم : ٨] ، وقد مضى تأويلهما.

ونقل الجوهري في (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) [النجم : ٩] أن أصله : قابي قوس ، فقلبت التثنية بالإفراد ، وهو حسن إن فسّر القاب بما بين مقبض القوس وسيتها أي : طرفها ، ولها طرفان ، فله قابان ؛ ونظير هذا إنشاد ابن الأعرابي [من الطويل] :

٩٥٩ ـ إذا أحسن ابن العمّ بعد إساءة

فلست لشرّي فعله بحمول (٢)

أي : فلست لشرّ فعليه.

قيل : ومن القلب (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا) [النمل : ٢٨] الآية ؛ وأجيب بأن المعنى : ثم تولّ عنهم إلى مكان يقرب منهم ؛ ليكون ما يقولونه بمسمع منك فانظر ما ذا يرجعون ، وقيل في (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ) [القصص : ٦٦] : إن المعنى : فعميتم عنها ، وفي (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) [الأعراف : ١٠٥] الآية فيمن جرّ بـ «على» بعد أن وصلتها على أن المعنى حقيق عليّ بإدخالها على ياء المتكلم كما قرأ نافع ؛ وقيل : ضمّن حقيق معنى حريص ، وفي (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) [القصص : ٧٦] : إن المعنى لتنوء العصبة بها أي تنهض بها متثاقلة ، وقيل : الباء للتعدية كالهمزة ، أي لتنيء العصبة ؛ أي تجعلها تنهض متثاقلة.

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو للقطامي في ديوانه ص ٤٠ ، وأساس البلاغة ص ٣٣٦ مادة / فدن / وجمهرة اللغة ص ٨٤٥.

(٢) البيت من البحر الطويل ، انظر : لسان العرب ، مادة / شرر / ، والقاموس المحيط ، مادة / شرر /.

٥٧٠

القاعدة الحادية عشرة

من ملح كلامهم تقارض اللفظين في الأحكام ، ولذلك أمثلة :

أحدها : إعطاء «غير» حكم إلّا في الاستثناء بها نحو : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) [النساء : ٩٥] فيمن نصب غير ، وإعطاء «إلا» حكم غير في الوصف بها نحو : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢].

والثاني : إعطاء أن المصدرية حكم «ما» المصدريّة في الإهمال كقوله [من البسيط] :

٩٦٠ ـ أن تقرآن على أسماء ويحكما

منّي السّلام وأن لا تشعرا أحدا (١)

الشاهد في «أن» الأولى ، وليست مخفّفة من الثقيلة ، بدليل أن المعطوفة عليها ، وإعمال «ما» حملا على أن كما روي من قوله عليه الصلاة والسّلام «كما تكونوا يولّى عليكم» ذكره ابن الحاجب ، والمعروف في الرواية كما تكونون.

والثالث : إعطاء «إن» الشرطية حكم «لو» في الإهمال كما روي في الحديث «فإن لا تراه فإنّه يراك» ، وإعطاء «لو» حكم «إن» في الجزم كقوله [من الرمل] :

٩٦١ ـ لو يشأ طار بها ذو ميعة

[لاحق الآطال نهد ذو خصل](٢)

ذكر الثاني ابن الشجري ، وخرّجه غيره على أنه جاء على لغة من يقول شايشا ـ بالألف ـ ثم أبدلت الألف همزة على قول بعضهم العألم والخأتم ـ بالهمزة ـ ويؤيده أنّه لا يجوز مجيء «إن» الشرطيّة في هذا الموضع ؛ لأنه إخبار عمّا مضى ، فالمعنى لو شاء ؛ وبهذا يقدح أيضا في تخريج الحديث السّابق على ما ذكر ، وهو تخريج ابن مالك ؛ والظاهر أنه يتخرّج على إجراء المعتل مجرى الصحيح كقراءة قنبل (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ) [يوسف : ٩٠] بإثبات ياء يتقي وجزم يصبر.

والرابع : إعطاء «إذا» حكم «متى» في الجزم بها كقوله [من الكامل] :

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٩٩ ، ولسان العرب ٤ / ٤٠٠ مادة / شرر /.

(٢) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنطائر ١ / ٣٣٣ ، وأوضح المسالك ٣ / ١٥٦ ، والجنى الداني ص ٢٢٠ ، وجزاهر الأدب ص ١٩٢ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٢٠.

(٣) البيت من الرمل ، وهو لعلقمة الفحل في ديوانه ص ١٣٤ ، ولامرأة من بني الحارث في الحماسة البصرية ،

٥٧١

٩٦٢ ـ استغن ما أغناك ربّك بالغنى

وإذا تصبك خصاصة فتحمّل (١)

وإهمال «متى» حكما لها بحكم «إذا» ، كقول عائشة رضي‌الله‌عنها : «وأنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس».

والخامس : إعطاء «لم» حكم «لن» في عمل النصب ، ذكره بعضهم مستشهدا بقراءة بعضهم (أَلَمْ نَشْرَحْ) [الشرح : ١] بفتح الحاء ، وفيه نظر ؛ إذ لا تحلّ لن هنا ، وإنما يصح ـ أو يحسن ـ حمل الشيء على ما يحل محله كما قدمنا ؛ وقيل : أصله «نشرحن» ثم حذفت النون الخفيفة وبقي الفتح دليلا عليها ، وفي هذا شذوذان : توكيد المنفيّ بلم مع أنه كالفعل الماضي في المعنى ، وحذف النون لغير مقتض مع أن المؤكّد لا يليق به الحذف ، وإعطاء لن حكم لم في الجزم كقوله [من المنسرح] :

٩٦٣ ـ لن يخب الآن من رجائك من

حرّك من دون بابك الحلقه (٢)

الرواية بكسر الباء.

والسادس : إعطاء «ما» النافية حكم «ليس» في الإعمال وهي لغة أهل الحجاز ، نحو : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] ، وإعطاء «ليس» حكم «ما» في الإهمال عند انتقاض النفي بإلّا كقولهم «ليس الطّيب إلّا المسك» وهي لغة بني تميم.

والسابع : إعطاء «عسى» حكم «لعلّ» في العمل كقوله [من الرجز] :

٩٦٤ ـ [تقول بنتي قد أنى أناكا]

يا أبتا علّك أو عساكا (٣)

وإعطاء «لعلّ» حكم «عسى» في اقتران خبرها بأن ، ومنه الحديث «فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض».

والثامن : إعطاء الفاعل إعراب المفعول وعكسه عند أمن اللبس ، كقولهم : «خرق الثّوب المسمار ، وكسر الزجاج الحجر» ، وقال الشاعر [من البسيط] :

__________________

وخزانة الأدب ١١ / ٢٩٨ ، والدرر ٥ / ٩٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٠٨.

(١) تقدم تخريجه.

(٢) البيت من المنسرح ، وهو لأعرابي في الدرر ٤ / ٦٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٨٨ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٦ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٤٨.

(٣) البيت من الرجز ، وهو لرؤبة في ملحقات ديوانه ص ١٨١ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٦٢ ، وشرح أبيات سيبويه

٥٧٢

٩٦٥ ـ مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت

نجران أو بلغت سوآتهم هجر (١)

وسمع أيضا نصبهما كقوله [من الرجز] :

٩٦٦ ـ قد سالم الحيّات منه القدما

الأفعوان والشّجاع الشجعما (٢)

في رواية من نصب الحيات ، وقيل : القدما تثنية حذفت نونه للضرورة كقوله [من الطويل] :

٩٦٧ ـ هما خطّتا إمّا إسار ومنّة

وإمّا دم ، والقتل بالحرّ أجدر (٣)

فيمن رواه برفع إسار ومنة ، وسمع أيضا رفعهما كقوله [من الخفيف] :

٩٦٨ ـ إنّ من صاد عقعقا لمشوم

كيف من صاد عقعقان وبوم (٤)

والتاسع : إعطاء «الحسن الوجه» حكم «الضارب الرجل» في النصب ، وإعطاء «الضارب الرجل» حكم «الحسن الوجه» في الجرّ.

والعاشر : إعطاء أفعل في التعجّب حكم أفعل التفضيل ، في جواز التصغير ، وإعطاء أفعل التّفضيل حكم أفعل في التعجّب في أنه لا يرفع الظاهر ، وقد مرّ ذلك.

ولو ذكرت أحرف الجر ودخول بعضها على بعض في معناه لجاء من ذلك أمثلة كثيرة.

__________________

٢ / ١٦٤.

(١) البيت من البسيط ، وهو للأخطل في ديوانه ص ١٧٨ ، وتخليص الشواهد ص ٢٤٧ ، والدرر ٣ / ٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٢ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٧.

(٢) البيت من الرجز ، وهو للعجاج في ملحق ديوانه ٢ / ٣٣٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤١١.

(٣) البيت من الطويل ، وهو لتأبط شرا في ديوانه ص ٨٩ ، وجواهر الأدب ص ١٥٤ ، وخزانة الأدب ٧ / ٤٩٩ ، والدرر ١ / ١٤٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٥.

٥٧٣
٥٧٤

[خاتمة الكتاب]

وهذا آخر ما تيسّر إيراده في هذا التأليف ، وأسأل الله الذي منّ عليّ بإنشائه وإتمامه في البلد الحرام ، في شهر ذي القعدة الحرام ، ويسّر عليّ إتمام ما ألحقت به من الزّوائد في شهر رجب الحرام ، أن يحرّم وجهي على النار ، وأن يتجاوز عما تحمّلته من الأوزار ، وأن يوقظني من رقدة الغفلة قبل الفوت ، وأن يلطف بي عند معالجة سكرات الموت ، وأن يفعل ذلك بأهلي وأحبابي ، وجميع المسلمين ، وأن يهدي أشرف صلواته وأزكى تحيّاته إلى أشرف العالمين ، وإمام العاملين : محمد نبيّ الرّحمة ، الكاشف في يوم الحشر بشفاعته الغمّة ، وعلى آله وأصحابه الذين شادوا لنا قواعد الإسلام ، ومهدوا الدين ، وأن يسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين ، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على حبيبنا محمد عدد الرمل والدقيق وعدد الموج الدفيق ، وسلم تسليما.

٥٧٥
٥٧٦

المحتويات

تتمة الباب الاول : في تفسير المفردات ، وذكر أحكامها............................... ٥

ـ حرف السين المهملة............................................................. ٥

ـ حرف العين المعجمة........................................................... ٢١

ـ حرف الغين المعجمة........................................................... ٧٠

ـ حرف الغين المعجمة........................................................... ٧٠

ـ حرف الفاء................................................................... ٨٠

ـ حرف القاف................................................................. ٩٤

ـ حرف الكاف............................................................ ١٠٠

ـ حرف اللام............................................................... ١٢٨

ـ حرف الميم............................................................... ٢٠٨

وهذا فصل عقدته في «لماذا»................................................... ٢١٢

وهذا فصل عقدته للتدريب في «ما»............................................ ٢٢٦

ـ حرف النون................................................................. ٢٤٦

ـ حرف الهاء.................................................................. ٢٥٤

ـ حرف الواو.................................................................. ٢٦٠

تنبيه........................................................................ ٢٦٤

ـ حرف الألف................................................................ ٢٧٤

ـ حرف الياء.................................................................. ٢٧٧

الباب الثاني : في تفسير الجملة ، وذكر أقسامها ، وأحكامه...................... ٢٧٩

شرح الجملة ، وبيان أن الكلام أخصّ منها ، ولا مرادف لها الكلام : هو القول المفيد بالقصد ٢٧٩

انقسام الجملة إلى اسميّة وفعليّة وظرفية............................................ ٢٨٠

باب ما يجب على المسؤول في المسؤول عنه أن يفّصل فيه........................... ٢٨٢

٥٧٧

انقسام الجملة إلى صغرى وكبرى................................................. ٢٨٤

انقسام الجملة الكبرى إلى ذات وجه ، وإلى ذات وجهين............................ ٢٨٦

الجمل التي لا محلّ لها من الإعراب............................................... ٢٨٦

الجمل التي لها محل من الإعراب................................................. ٣١٢

حكم الجمل بعد المعارف وبعد النكرات.......................................... ٣٢٨

الباب الثالث : في ذكر أحكام ما يشبه الجملة ، وهو الظرف والجار والمجرور ذكر حكمهما في التعلق       ٣٣٣

هل يتعلقان بالفعل الناقص..................................................... ٣٣٦

هل يتعلقان بالفعل الجامد...................................................... ٣٣٦

هل يتعلّقان بأحرف المعاني..................................................... ٣٣٧

ذكر ما لا يتعلق من حروف الجر................................................ ٣٣٩

حكمهما بعد المعارف والنكرات................................................. ٣٤١

حكم المرفوع بعدهما........................................................... ٣٤٢

ما يجب فيه تعلقهما بمحذوف.................................................. ٣٤٤

هل المتعلّق الواجب الحذف فعل أو وصف....................................... ٣٤٥

كيفيّة تقديره باعتبار المعنى..................................................... ٣٤٦

تعيين موضع التقدير........................................................... ٣٤٨

الباب الرابع : في ذكر أحكام يكثر دورها ، ويقبح بالمعرب جهلها ، وعدم معرفتها على وجهها    ٣٤٩

[ما يعرف به المبتدأ من الخبر]................................................... ٣٤٩

ما يعرف به الاسم من الخبر.................................................... ٣٥٠

ما يعرف به الفاعل من المفعول.................................................. ٣٥١

ما افترق فيه عطف البيان والبدل................................................ ٣٥٢

ما افترق فيه اسم الفاعل والصفة المشبهة......................................... ٣٥٥

ما افترق فيه الحال والتمييز ، وما اجتمعا فيه...................................... ٣٥٧

أقسام الحال.................................................................. ٣٦١

٥٧٨

إعراب أسماء الشرط والاستفهام ونحوها........................................... ٣٦٢

مسوّغات الابتداء بالنكرة...................................................... ٣٦٣

أقسام العطف................................................................ ٣٦٨

عطف الخبر على الإنشاء ، وبالعكس........................................... ٣٧٧

عطف الاسمية على الفعلية ، وبالعكس.......................................... ٣٧٩

العطف على معمولي عاملين.................................................... ٣٨٠

المواضع التي يعود الضمير فيها على متأخّر لفظا ورتبة.............................. ٣٨٢

شرح حال الضمير المسمّى فصلا وعمادا......................................... ٣٨٦

روابط الجملة بما هي خبر عنه................................................... ٣٩٠

الأشياء التي تحتاج إلى الربط.................................................... ٣٩٣

الأمور التي يكتسبها الاسم بالإضافة............................................. ٤٠٠

الأمور التي لا يكون الفعل معها إلّا قاصرا........................................ ٤٠٨

الأمور التي يتعدّى بها الفعل القاصر............................................. ٤١٠

الباب الخامس : في ذكر الجهات التي يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها...... ٤١٥

[الجهات التي يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها]............................. ٤١٥

باب المبتدأ................................................................... ٤٤٠

باب «كان» وما جرى مجراها.................................................. ٤٤٢

باب المنصوبات المتشابهة....................................................... ٤٤٤

باب الاستثناء................................................................ ٤٤٦

باب إعراب الفعل............................................................. ٤٤٨

باب الموصول................................................................. ٤٤٩

باب التوابع.................................................................. ٤٥٠

باب حروف الجر............................................................. ٤٥١

باب في مسائل مفردة.......................................................... ٤٥٢

بيان أنه قد يظنّ أن الشيء منباب الحذف ، وليس منه............................ ٤٩٠

بيان مكان المقدّر............................................................. ٤٩١

٥٧٩

بيان مقدار المقدّر............................................................. ٤٩٣

باب كيفيّة التّقدير............................................................ ٤٩٤

ينبغي أن يكون المحذوف من لفظ المذكور مهما أمكن.............................. ٤٩٥

إذا دار الأمر بين كون المحذوف مبتدأ وكونه خبرا فأيّهما أولى....................... ٤٩٦

إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا والباقي فاعلا وكونه مبتدأ والباقي خبرا ، فالثاني أولى ٤٩٧

إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولا ، أو ثانيا فكونه ثانيا أولى...................... ٤٩٨

ذكر أماكن من الحذف يتمرّن بها المعرب......................................... ٥٠٠

حذف المضاف إليه........................................................... ٥٠٢

حذف اسمين مضافين......................................................... ٥٠٢

حذف ثلاث متضايفات....................................................... ٥٠٢

حذف الموصول الاسميّ........................................................ ٥٠٢

حذف الصّلة................................................................. ٥٠٣

حذف الموصوف.............................................................. ٥٠٤

حذف الصفة................................................................ ٥٠٥

حذف المعطوف.............................................................. ٥٠٥

حذف المعطوف عليه.......................................................... ٥٠٦

حذف المبدل منه............................................................. ٥٠٦

حذف المؤكّد وبقاء توكيده...................................................... ٥٠٧

حذف المبتدأ................................................................. ٥٠٧

حذف الخبر.................................................................. ٥٠٨

ما يحتمل النوعين............................................................. ٥٠٩

حذف الفعل وحده أو مع مضمر مرفوع أو منصوب ، أو معهما.................... ٥١٠

حذف المفعول................................................................ ٥١١

حذف الحال................................................................. ٥١٢

حذف التمييز................................................................ ٥١٢

٥٨٠