شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

محمّد بن أبي بكر الدماميني

شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أبي بكر الدماميني


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢
الجزء ١ الجزء ٢

وإنما المراد الوفاء بمقتضاهما ؛ ومنه (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [يوسف : ٣٢] إذ الذوات لا يتعلّق بها لوم ، والتقدير في حبّه ، بدليل (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) [يوسف : ٣٠] أو في مراودته ، بدليل (تُراوِدُ فَتاها) [يوسف : ٣٠] وهو أولى لأنه فعلها بخلاف الحب (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) [يوسف : ٨٢] أي : أهل القرية وأهل العير ، (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) [الأعراف : ٨٥] أي وإلى أهل مدين بدليل (أَخاهُمْ ؛) وقد ظهر في (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) [القصص : ٤٥] ، وأما (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) [الأعراف : ٤] فقدّر النحويون «الأهل» بعد «من» و «أهلكنا» و «جاء» ؛ وخالفهم الزمخشريّ في الأولين ، لأن القرية تهلك ، ووافقهم في (فَجاءَ) لأجل (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤] ، (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) [الإسراء : ٧٥] ، أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) [الأحزاب : ٢١] ، أي رحمته (يَخافُونَ رَبَّهُمْ) [النحل : ٥٠] أي : عذابه ، بدليل (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) [الإسراء : ٥٧] ، (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [التوبة : ٣٠] أي : يضاهي قولهم قول الذين كفروا ، وقال الأعشى [من الطويل] :

٨١٤ ـ ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

[وبتّ كما بات السّليم مسهّدا](١)

فحذف المضاف إلى «ليلة» والمضاف إليه «ليلة» وأقام صفته مقامه ، أي : اغتماض ليلة رجل أرمد ؛ وعكسه نيابة المصدر عن الزمان «جئتك طلوع الشّمس» أي : وقت طلوعها ، فناب المصدر عن الزّمان ، وليس من ذلك «جئتك مقدم الحاج» خلافا للزمخشري ، بل المقدم اسم لزمن القدوم.

تنبيه ـ إذا احتاج الكلام إلى حذف مضاف يمكن تقديره مع أول الجزءين ومع ثانيهما فتقديره مع الثاني أولى ، نحو : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ) [البقرة : ١٩٧] ، ونحوه : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ) [البقرة : ١٧٧] ، فيكون التقدير : الحجّ حجّ أشهر ، والبر برّ من آمن ، أولى من أن يقدر : أشهر الحج أشهر ، ولكنّ ذا البر من آمن ، لأنك في الأول قدّرت عند الحاجة إلى التقدير ، ولأن الحذف من آخر الجملة أولى.

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، انظر : الخصائص ٣ / ٣٢٢.

٥٠١

حذف المضاف إليه

يكثر في ياء المتكلم مضافا إليها المنادى نحو : (رَبِّ اغْفِرْ لِي) [الأعراف : ١٥١] ، وفي الغايات ، نحو : (الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] ، أي : من قبل الغلب ومن بعده ؛ وفي «أيّ» و «كلّ» و «بعض» ، و «غير» بعد «ليس» ، وربّما جاء في غيرهّن ، نحو : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) [البقرة : ٣٨ ، المائدة : ٦٩] فيمن ضمّ ولم ينوّن ، أي : فلا خوف شيء عليهم ؛ وسمع : «سلام عليكم» فيحتمل ذلك ، أي : سلام الله ، أو إضمار «أل».

حذف اسمين مضافين

(فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج : ٣٢] أي : فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب ؛ (قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) [طه : ٩٦] أي : من أثر حافر فرس الرسول ، (كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ) [الأحزاب : ١٩] أي : كدوران عين الذي ، وقال رؤبة [من الطويل] :

٨١٥ ـ [فأدرك إرقال العرادة ظلعها]

وقد جعلتني من حزيمة إصبعا (١)

أي : ذا مسافة إصبع.

حذف ثلاث متضايفات

(فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) [النجم : ٩] أي : فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين ؛ فحذف ثلاثة من اسم «كان» ، وواحد من خبرها ، كذا قدّره الزمخشريّ.

تنبيه ـ لـ «القاب» معنيان : القدر ، وما بين مقبض القوس وطرفيها ؛ وعلى تفسير «الذي» في الآية بالثاني فقيل : هي على القلب ، والتقدير قابي قوس ، ولو أريد هذا لأغنى عنه ذكر «القوس».

حذف الموصول الاسميّ

ذهب الكوفيون والأخفش إلى إجازته ، وتبعهم ابن مالك ، وشرط في بعض كتبه كونه معطوفا على موصول آخر ، ومن حجّتهم (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) [العنكبوت : ٤٦] ، وقول حسان [من الوافر] :

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للكلحبة اليربوعي في خزانة الأدب ٤ / ٤٠١ ، ولسان العرب ١٢ / ١٢٧ مادة / حرم / وللأسود بن يعفر في ملحق ديوانه ص ٨٦.

٥٠٢

٨١٦ ـ أمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء؟ (١)

وقول آخر [من الخفيف] :

٨١٧ ـ ما الّذي دأبه احتياط وحزم

وهواه أطاع يستويان (٢)

أي : والذي أنزل ، ومن يمدحه ، والذي أطاع هواه.

حذف الصلة

يجوز قليلا لدلالة صلة أخرى ، كقوله [من الطويل] :

٨١٨ ـ وعند الّذي والّلات عدنك إحنة

عليك ، فلا يغررك كيد العوائد (٣)

أي : الذي عادك ، أو دلالة غيرها كقوله [من مجزوء الكامل] :

٨١٩ ـ نحن الأولى فاجمع جمو

عك ثمّ وجههم إلينا (٤)

أي : نحن الأولى عرفوا بالشجاعة ، وقال [من الرجز] :

٨٢٠ ـ بعد اللّتيّا واللتيّا والّتي

إذا علتها أنفس تردّت (٥)

فقيل : يقدّر مع «اللتيّا» فيهما نظير الجملة الشرطية المذكورة ؛ وقيل : يقدّر اللتيا دقّت واللتيّا دقّت ؛ لأن التصغير يقتضي ذلك ، وصلة الثالثة الجملة الشرطيّة ، وقيل : يقدر مع «اللتيّا» فيهما : «عظمت» ، لا «دقّت» ، وإنه تصغير تعظيم ، كقوله [من الطويل] :

٨٢١ ـ [وكلّ أناس سوف تدخل بينهم]

دويهية تصفرّ منها الأنامل (٦)

__________________

(١) البيت من البحر الوافر ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٧٦ ، وتذكرة النحاة ص ٧٠ ، والدرر ١ / ٢٩٦ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ص ٨٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٨٨.

(٢) البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في مغني اللبيب ٢ / ٦٢٥.

(٣) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الدرر ١ / ٢٩٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٨٨.

(٤) البيت من مجزوء الكامل ، وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١٤٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٨٩ ، والدرر ١ / ٢٩٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٥٨ ، ولسان العرب ١٥ / ٤٣٧ مادة / أولى وألاء /.

(٥) البيت من الرجز ، وهو للعجاج في ديوانه ١ / ٤٢٠ ، ولسان العرب مادة (نقر) ، وبلا نسبة في تاج العروس مادة (لتا).

(٦) البيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٥٦ ، وجمهرة اللغة ص ٢٣٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ١٥٩ والدرر ٦ / ٢٨٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٥٠ ، ولسان العرب ٣ / ١٤ مادة / خوخ /.

٥٠٣

حذف الموصوف

قوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) [الصافات : ٤٨ ، ص : ٥٢] أي : حور قاصرات (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) [سبأ : ١٠ ـ ١١] أي : دروعا سابغات ، (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) [التوبة : ٨٢] ، أي : ضحكا قليلا وبكاء كثيرا ، كذا قيل ، وفيه بحث سيأتي ، (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة : ٥] أي دين الملة القيمة ، (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) [يوسف : ١٠٩ ، والنحل : ٣٠] أي : ولدار السّاعة الآخرة ، قاله المبرد ؛ وقال ابن الشجري : الحياة الآخرة ، بدليل (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران : ١٨٥ ؛ والحديد : ٢٠] ومنه (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [ق : ٩] أي : حبّ النبت الحصيد ، وقال سحيم [من الوافر] :

٨٢٢ ـ أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا

[متى أضع العمامة تعرفوني](١)

قيل : تقديره : أنا ابن رجل جلا الأمور ، وقيل : جلا علم محكيّ على أنه منقول من نحو قولك : «زيد جلا» ، ونظيره قوله [من الرجز] :

٨٢٣ ـ نبّئت أخوالي بني يزيد

ظلما علينا لهم فديد (٢)

ف «يزيد» : منقول من نحو قولك : «المال يزيد» لا من قولك : «يزيد المال» ، وإلّا لأعرب غير منصرف ، فكان يفتح ، لأنه مضاف إليه.

واختلف في المقدّر مع الجملة في نحو : «منّا ظعن ومنّا أقام» ، فأصحابنا يقدّرون موصوفا : أي فريق ، والكوفيّون ، يقدرون موصولا ، أي : «الذي» أو «من» ، وما قدّرناه أقيس ، لأن اتّصال الموصول بصلته أشدّ من اتّصال الموصوف بصفته لتلازمهما ، ومثله «ما منهما مات حتّى لقيته» نقدره بـ «أحد» ، ويقدرونه بـ «من» (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) [النساء : ١٥٩] أي : إلّا إنسان ، أو : إلّا من ، وحكى الفراء عن بعض قدمائهم أن الجملة القسمية لا تكون صلة ، وردّه بقوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) [النساء : ٧٢].

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لسحيم بن وثيل في الاشتقاق ص ٢٢٤ ، والأصمعيات ص ١٧ ، وجمهرة اللغة ص ٤٩٥ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٥٥ ، والدرر ١ / ٩٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٥٩.

(٢) البيت من الرجز ، وهو لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٢ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٧٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٢٤ ، ولسان العرب مادة (زيد).

٥٠٤

حذف الصفة

(يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) [الكهف : ٧٩] أي : صالحة ، بدليل أنه قرىء كذلك ؛ وأن تعييبها لا يخرجها عن كونها سفينة ؛ فلا فائدة فيه حينئذ (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) [الأحقاف : ٢٥] أي : سلطت عليه ، بدليل (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) [الذاريات : ٤٢] الآية (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) [البقرة : ٧١] أي : الواضح ، وإلا لكان مفهومه كفرا (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) [الزخرف : ٤٨] ، وقال [من المتقارب] :

٨٢٤ ـ [وقد كنت في الحرب ذا تدرأ]

فلم أعط شيئا ولم أمنع (١)

وقال [من الوافر] :

٨٢٥ ـ [وليس لعيشنا هذا مهاة]

وليست دارنا هاتا بدار (٢)

أي : من أختها السابقة ، وبدار طائلة ، ولم أعط شيئا طائلا ؛ دفعا للتناقض فيهن (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) [المائدة : ٦٨] أي : نافع ، (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) [الجاثية : ٣٢] أي : ضعيفا.

حذف المعطوف

ويجب أن يتبعه العاطف ، نحو : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) [الحديد : ١٠] أي : ومن أنفق من بعده. دليل التقدير أن الاستواء إنّما يكون بين شيئين ، ودليل المقدّر (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) [الحديد : ١٠] ، (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥] ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) [النساء : ١٥٢] ، أي : بين أحد وأحد منهم ؛ وقيل : «أحد» فيهما ليس بمعنى «واحد» مثله في (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) [الإخلاص : ١] ، بل هو الموضوع للعموم ، وهمزته أصلية لا مبدلة من الواو ، فلا تقدير ؛ وردّ بأنه يقتضي حينئذ أن المعرّض بهم وهم الكافرون فرّقوا بين كلّ الرسل ، وإنّما فرقوا بين محمد عليه الصلاة والسّلام وبين غيره في النبوّة ؛ وفي لزوم هذا نظر ، والذي يظهر لي وجه التّقدير ، وأن المقدّر بين «أحد» وبين «الله» بدليل

__________________

(١) البيت من المتقارب ، وهو للعباس بن مرادس في ديوانه ص ٨٤ ، والدرر ٦ / ٢٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٢٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٥١ ، ولسان العرب ١ / ٧٢ مادة / درأ /.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لعمران بن حطان في ديوانه ص ١١٢ ، والمخصص ١٥ / ١٠٧ ، وأساس البلاغة مادة / مهمة / وتخليص الشواهد ص ١٢١ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٦١ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٢٦.

٥٠٥

(وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) [النساء : ١٥٠] ، ونحو : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] أي : والبرد ؛ وقد يكون اكتفى عن هذا بقوله سبحانه وتعالى في أول السورة (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) [النحل : ٥] ، (وَلَهُ ما سَكَنَ) [الأنعام : ١٣] أي : وما تحرك ؛ وإذا فسّر «سكن» بـ «استقرّ» لم يحتج إلى هذا ، (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [البقرة : ١٩٦] أي : فإن أحصرتم فحللتم ، (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ) [البقرة : ١٩٦] أي : فحلق ففدية ، (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) [الأنعام : ١٥٨] ، أي : إيمانها وكسبها ؛ والآية من اللفّ والنشر ؛ وبهذا التقدير تندفع شبهة المعتزلة كالزمخشري وغيره ، إذ قالوا : سوّى الله تعالى بين عدم الإيمان وبين الإيمان الذي لم يقترن بالعمل الصّالح في عدم الانتفاع به ؛ وهذا التأويل ذكره ابن عطيّة وابن الحاجب.

ومن القليل حذف «أم» ومعطوفها كقوله [من الطويل] :

٨٢٦ ـ [دعاني إليها القلب ، إنّي لأمره

مطيع] فما أدري أرشد طلابها (١)

أي : أم غيّ ، وقد مرّ البحث فيه.

حذف المعطوف عليه

(اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) [البقرة : ٦٠] ، أي : فضرب فانفجرت ؛ وزعم ابن عصفور أن الفاء في (فَانْفَجَرَتْ) هي فاء «فضرب» ، وأن فاء (فَانْفَجَرَتْ) حذفت ، ليكون على المحذوف دليل ببقاء بعضه ، وليس بشيء ؛ لأن لفظ الفاءين واحد ، فكيف يحصل الدليل؟ وجوّز الزمخشري ومن تبعه أن تكون فاء الجواب ، أي : فإن ضربت فقد انفجرت ، ويردّه أن ذلك يقتضي تقدّم الانفجار على الضرب مثل (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ٧٧] ، إلّا إن قيل : المراد فقد حكمنا بترتّب الانفجار على ضربك ؛ وقيل في (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) [البقرة : ٢١٤ ، آل عمران : ١٤٢] : إنّ «أم» متّصلة ، والتقدير : أعلمتم أن الجنّة حفّت بالمكاره أم حسبتم.

حذف المبدل منه

قيل في (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) [النمل : ١١٦] ، وفي (كَما أَرْسَلْنا

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في تخليص الشواهد ص ١٤٠ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٥١ ، والدرر ٦ / ١٠٢ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٤٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٢٦.

٥٠٦

فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) [البقرة : ١٥١] : إنّ «الكذب» بدل من مفعول «تصف» المحذوف ، أي : لما تصفه ؛ وكذلك في (رَسُولاً) بناء على أن «ما» في (كَما) موصول اسميّ ، ويردّه أن فيه إطلاق «ما» على الواحد من أولي العلم ؛ والظاهر أن «ما» كافّة ، وأظهر منه أنها مصدريّة ، لإبقاء الكاف حينئذ على عمل الجرّ ؛ وقيل في «الكذب» إنه مفعول إمّا لـ «تقولوا» والجملتان بعد بدل منه ، أي : لا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم من البهائم بالحلّ أو الحرمة ، وإما لمحذوف ، أي : فتقولوا الكذب وإما لـ «تصف» على أن «ما» مصدريّة والجملتان محكيّتا القول ، أي : لا تحلّلوا وتحرّموا لمجرد قول تنطق به ألسنتكم ؛ وقرىء بالجر بدلا من «ما» على أنها اسم ، وبالرفع وضم الكاف والذال جمعا لـ «كذوب» صفة للفاعل ؛ وقد مرّ أنه قيل في «لا إله إلا الله» : إنّ الله تعالى بدل من ضمير الخبر المحذوف.

حذف المؤكّد وبقاء توكيده

قد مرّ أن سيبويه والخليل أجازاه ، وأن أبا الحسن ومن تبعه منعوه.

حذف المبتدأ

يكثر ذلك في جواب الاستفهام ، نحو : (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ) [الهمزة : ٥ ـ ٦] أي : هي نار الله (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ) [القارعة : ١٠ ـ ١١] ، (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) [الواقعة : ٢٧ ـ ٢٨] ، الآيتين ، (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) [الحج : ٧٢].

وبعد فاء الجواب ، نحو : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) [فصلت : ٤٦ ، والجاثية : ١٥] أي : فعمله لنفسه وإساءته عليها ، (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) [البقرة : ٢٢٠] أي : فهم إخوانكم (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) [البقرة : ٢٦٥] ، (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) [فصلت : ٤٩] ، (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) [البقرة : ٢٨٢] ، أي : فالشاهد ، وقرأ ابن مسعود (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) [المائدة : ١١٨].

وبعد القول ، نحو : (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الفرقان : ٥] ، (إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذاريات : ٥٢] ، (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ) [الكهف : ٢٢] الآيات ، (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) [الأنبياء : ٥].

٥٠٧

وبعد ما الخبر صفة له في المعنى ، نحو : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) [التوبة : ١١٢] ، ونحو : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) [البقرة : ١٨ ، ١٧١].

ووقع في غير ذلك أيضا ، نحو : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ) [آل عمران : ١٩٦ ـ ١٩٧] ، (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) [النساء : ١٧١] ، (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) [الأحقاف : ٣٥] ، وقد صرح به في (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) [إبراهيم : ٥٢] ، (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) [النور : ١] أي : هذه سورة ، ومثله قول العلماء : «باب كذا» وسيبويه يصرّح به.

حذف الخبر

(وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [المائدة : ٥] أي : حلّ لكم ، (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) [الرعد : ٣٥] أي : دائم ؛ وأما (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) [البقرة : ١٤٠] فلا حاجة إلى دعوى الحذف كما قيل ؛ لصحّة كون «أعلم» خبرا عنهما ؛ وأما «أنت أعلم ومالك» فمشكل لأنه إن عطف على «أنت» لزم كون «أعلم» خبرا عنهما ؛ أو على «أعلم» لزم كونه شريكه في الخبرية ، أو ضمير «أعلم» لزم أيضا نسبة العلم إليه والعطف على الضمير المرفوع المتصل من غير توكيد ولا فصل ، وإعمال «أفعل» في الظاهر ؛ وإن قدر مبتدأ حذف خبره لزم كون المحذوف «أعلم» ، والوجه فيه أن الأصل : بمالك ، ثم أنيبت الواو مناب الباء قصدا للتّشاكل اللفظيّ ، لا للاشتراك المعنويّ ، كما قصد بالعطف في نحو : (وَأَرْجُلَكُمْ) [المائدة : ٦] فيمن خفض على القول بأن الخفض للجوار ؛ ونظيره «بعت الشّاء شاة ودرهما» والأصل : شاة بدرهم ؛ وقالوا : «النّاس مجزيّون بأعمالهم ، إن خير فخير» أي إن كان في عملهم خير ، فحذفت «كان» وخبرها ، وقال [من الكامل] :

٨٢٧ ـ لهفي عليك للهفة من خائف

يبغي جوارك حين ليس مجير (١)

أي : ليس له ، وقالوا : «من تأنّى أصاب أو كاد ، ومن استعجل أخطأ أو كاد» ، وقالوا : «إنّ مالا وإنّ ولدا» ، وقال الأعشى [من المنسرح] :

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو للشمردل بن عبد الله الليثي في شرح التصريح ١ / ٢٠٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٢٧ ، وللتميمي الحماسي في الدرر ٢ / ٦٣ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ٨٢ وأوضح المسالك ١ / ٢٨٧ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢٦.

٥٠٨

٨٢٨ ـ إنّ محلّا وإن مرتحلا

[وإنّ في السّفر إذ مضوا مهلا](١)

أي : إن لنا حلولا في الدنيا وإن لنا ارتحالا عنها وقد مرّ البحث في (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الحج : ٢٥] ، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) [فصلت : ٤١] مستوفّى ؛ وقال تعالى : (قالُوا لا ضَيْرَ) [الشعراء : ٥٠] ، أي : علينا ، (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) [سبأ : ٥١] أي : لهم ، وقال الحماسي [من مجزوء الكامل] :

٨٢٩ ـ من صدّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح (٢)

وقد كثر حذف خبر «لا» هذه حتى قيل : إنه لا يذكر ، وقال آخر [من الطويل] :

٨٣٠ ـ إذا قيل سيروا إنّ ليلى لعلّها ،

جرى دون ليلى مائل القرن أعضب (٣)

ما يحتمل النوعين

يكثر بعد الفاء نحو : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) [النساء : ٩٢ ، والمجادلة : ٣] ، (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٤ ، ١٨٥] ، (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [البقرة : ١٩٦] ، (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [البقرة : ٢٨٠] أي : فالواجب كذا ، أو فعليه كذا ، أو فعليكم كذا.

ويأتي في غيره نحو : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ١٨ ، ٨٣] أي أمري ، أو أمثل ، ومثله (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) [محمد : ٢١] أي أمرنا أو أمثل ، ويدل للأول قوله [من الطويل] :

٨٣١ ـ فقالت : على اسم الله، أمرك طاعة

[وإن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد](٤)

وقد مرّ تجويز ابن عصفور الوجهين في «لعمرك لأفعلنّ» ، و «أيمن الله لأفعلنّ» وغيره جزم بأن ذلك من حذف الخبر ؛ وفي «نعم الرّجل زيد» وغيره جزم بأنه إذا جعل على الحذف كان من حذف المبتدأ.

__________________

(١) البيت من المنسرح ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٢٨٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٥٢ ، والدرر ٢ / ١٧٣ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥١٧ ، ولسان العرب ١١ / ٢٧٩ مادة / رحل /.

(٢) البيت من مجزوء الكامل ، وهو لسعد بن ناشب ، أو لسعد بن مالك في تاج العروس مادة / لا /.

(٣) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في لسان العرب مادة (عفا) وتاج العروس مادة (عفا).

(٤) البيت من الطويل ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص ٤٩٠ ، والأغاني ١ / ١٨٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٨١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٢١ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٦٠١.

٥٠٩

حذف الفعل وحده أو مع مضمر مرفوع أو منصوب ، أو معهما

يطرّد حذفه مفسّرا ، نحو : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة : ٦] ، (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (١) [الانشقاق : ١] ، (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) [الإسراء : ١٠٠] ، والأصل : لو تملكون تملكون ، فلما حذف الفعل انفصل الضمير ، قاله الزمخشري وأبو البقاء وأهل البيان ؛ وعن البصريّين أنه لا يجوز «لو زيد قام» إلا في الشعر أو النّدور ، نحو : «لو ذات سوار لطمتني» ، وقيل : الأصل : لو كنتم ، فحذف «كان» دون اسمها ، وقيل : لو كنتم أنتم ، فحذفا مثل «التمس ولو خاتما من حديد» ، وبقي التوكيد.

ويكثر في جواب الاستفهام ، نحو : (لَيَقُولُنَّ اللهُ) [العنكبوت : ٦١] أي : ليقولن خلقهنّ الله ، وإذا قيل لهم (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) [العنكبوت : ٣٦٠].

وأكثر من ذلك كلّه حذف القول ، نحو : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣ ـ ٢٤] حتى قال أبو علي : حذف القول من حديث البحر قل ولا حرج.

ويأتي حذف الفعل في غير ذلك ، نحو : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) [النساء : ١٧١] ، أي : وأتوا خيرا ؛ وقال الكسائي : يكن الانتهاء خيرا ، وقال الفراء : الكلام جملة واحدة ، و «خيرا» : نعت لمصدر محذوف ، أي : انتهاء خيرا ، (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [الحشر : ٩] ، أي : واعتقدوا الإيمان من قبل هجرتهم ؛ وقال [من الرجز] :

٨٣٢ ـ علفتها تبنا وماء باردا

[حتّى غدت همّالة عيناها](١)

فقيل : التقدير وسقيتها ، وقيل : لا حذف ، بل ضمّن «علفتها» معنى «أنلتها» و «أعطيتها» ، وألزموا صحة نحو «علفتها ماء باردا وتبنا» فالتزموه محتجّين بقول طرفة [من الطويل] :

٨٣٣ ـ [أعمرو بن هند ما ترى رأي صرمة]

لها سبب ترعى به الماء والشّجر (٢)

وقالوا : «الحمد لله أهل الحمد» بإضمار «أمدح» ؛ وفي التنزيل (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ

__________________

(١) البيت من الرجز ، وهو بلا نسبة في لسان العرب مادة (زجج) ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٠٨ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٤٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٠.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٤٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٤٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٢٩.

٥١٠

الْحَطَبِ) (٤) [المسد : ٤] بإضمار «أذمّ» ؛ ونظائره كثيرة ، وقالوا «أمّا أنت منطلقا انطلقت» أي : لأن كنت منطلقا انطلقت ؛ وقالوا : «لا أكلّمه ما أنّ حراء مكانه ، وما أن في السّماء نجما» ، أي : ما ثبت ، ويروى «نجم» بالرفع ، فـ «أنّ» : فعل ماض بمعنى «عرض» ، وأصله : «عنّ».

حذف المفعول

يكثر بعد «لو شئت» ، نحو : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام : ١٤٩] ، أي : فلو شاء هدايتكم ؛ وبعد نفي العلم ونحوه ، نحو : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٣] ، أي : أنهم سفهاء ، (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) (٨٥) [الواقعة : ٨٥] ، وعائد على الموصول ، نحو : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [الفرقان : ٤١] ، وحذف عائد الموصوف دون ذلك ، كقوله [من الوافر] :

٨٣٤ ـ [حميت حمى تهامة بعد نجد]

وما شيء حميت بمستباح (١)

وعائد المخبر عنه دونهما ، كقوله [من الرجز] :

٨٣٥ ـ [قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي]

عليّ ذنبا كلّه لم أصنع (٢)

وقوله [من المتقارب] :

٨٣٦ ـ [فأقبلت زحفا على الرّكبتين]

فثوب لبست وثوب أجرّ (٣)

وجاء في غير ذلك ، نحو : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ) [النساء : ٩٢ ، والمجادلة : ٤] ، (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) [المجادلة : ٤] ، أي : فمن لم يجد الرقبة ، فمن لم يستطع الصوم.

ومن غريبه حذف المقول وبقاء القول ، نحو : (قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ) [يونس : ٧٧] أي : هو سحر ، بدليل (أَسِحْرٌ هذا) [يونس : ٧٧] ، ويكثر حذفه في الفواصل ، نحو : (وَما قَلى) [الضحى : ٣] ، (وَلا تَخْشى) [طه : ٧٧] ، ويجوز حذف مفعولي أعطى نحو : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) [الليل : ٥] ، وثانيهما فقط ، نحو : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) [الضحى : ٥] ، وأوّلهما فقط ، خلافا للسهيليّ ، نحو : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) [التوبة : ٢٩].

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) تقدم تخريجه.

(٣) البيت من المتقارب ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٥٩ ، والأشباه والنظائر ٣ / ١١٠ ، وخزانة الأدب

٥١١

حذف الحال

أكثر ما يرد ذلك إذا كان قولا أغنى عنه المقول ، نحو : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣ ـ ٢٤] أي : قائلين ذلك ؛ ومثله (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) [البقرة : ١٢٧] ويحتمل أن الواو للحال ، وأن القول المحذوف خبر ، أي : وإسماعيل يقول ، كما أنّ القول حذف خبرا للموصول في (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا) [الزمر : ٣] ، ويحتمل أنّ الخبر هنا (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) [الزمر : ٣] فالقول المحذوف نصب على الحال أو رفع خبرا أوّل ، أو لا موضع له ، لأنه بدل من الصلة ؛ هذا كله إن كان «الذين» للكفّار ، والعائد الواو ، فإن كان للمعبودين عيسى والملائكة والأصنام والعائد محذوف ـ أي اتّخذوهم ـ فالخبر (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) وجملة القول حال أو بدل.

حذف التمييز

نحو : «كم صمت» ، أي : كم يوما ؛ وقال تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠) [المدثر : ٣٠] ، (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ) [الأنفال : ٦٥] ، وهو شاذّ في باب «نعم» ، نحو : «من توضّأ يوم الجمعة فبها ونعمت» ، أي : فبالرخصة أخذ ونعمت رخصة.

حذف الاستثناء

وذلك بعد «إلّا» وغير المسبوقين بـ «ليس» ، يقال : «قبضت عشرة ليس إلّا ، أو ليس غير» ، وقد تقدّم ؛ وأجاز بعضهم ذلك بعد «لم يكن» ، وليس بمسموع.

حذف حرف العطف

بابه الشعر ، كقول الحطيئة [من البسيط] :

٨٣٧ ـ إنّ امرأ رهطه بالشّام منزله

برمل يبرين جارا شدّ ما اغتربا (١)

أي : ومنزله برمل بيرين ، كذا قالوا ، ولك أن تقول : الجملة الثانية صفة ثانية ، لا معطوفة ؛ وحكى أبو زيد : «أكلت خبزا لحما تمرا» ، فقيل : على حذف الواو ، وقيل : على بدل الإضراب ؛ وحكى أبو الحسن «أعطه درهما درهمين ثلاثة» ، وخرّج على إضمار «أو» ، ويحتمل البدل المذكور ، وقد خرج على ذلك آيات ؛ إحداها (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ

__________________

(١) ١ / ٣٧٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٦٦.

٥١٢

(٨) [الغاشية : ٨] ، أي : ووجوه ، عطف على (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) (٢) [الغاشية : ٢] ، والثانية (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] ، فيمن فتح الهمزة ، أي : وأنّ الدّين ، عطف على (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران : ١٨] ويبعده أن فيه فصلا بين المتعاطفين المرفوعين بالمنصوب ، وبين المنصوبين بالمرفوع ؛ وقيل : بدل من «أن» الأولى وصلتها ، أو من القسط ، أو معمول للحكيم على أن أصله الحاكم ثم حوّل للمبالغة ؛ والثالثة (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ) [التوبة : ٩٢] ، أي : وقلت : وقيل : بل هو الجواب ، و (تَوَلَّوْا) [التوبة : ٩٢] جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل : فما حالهم إذ ذاك؟ وقيل : (تَوَلَّوْا) حال على إضمار «قد» ؛ وأجاز الزمخشري أن يكون (قُلْتَ) استئنافا ، أي : إذا ما أتوك لتحملهم تولّوا ، ثم قدر أنه قيل : لم تولوا باكين؟ فقيل : (قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) [التوبة : ٩٢] ثم وسط بين الشرط والجزاء.

حذف فاء الجواب

هو مختص بالضرورة ، كقوله [من البسيط] :

٨٣٨ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

[والشّرّ بالشرّ عند الله مثلان](١)

وقد مرّ أن أبا الحسن خرّج عليه (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) [البقرة : ١٨٠].

حذف واو الحال

تقدّم في قوله [من الكامل] :

٨٣٩ ـ نصف النّهار الماء غامره

[ورفيقه بالغيب لا يدري](٢)

أي : انتصف النهار والحال أن الماء غامر هذا الغائص.

حذف «قد»

زعم البصريّون أن الفعل الماضي الواقع حالا لا بدّ معه من «قد» ظاهرة ، نحو : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ) [الأنعام : ١١٩] ، أو مضمرة ، نحو : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [الشعراء : ١١١] ، (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠]. وخالفهم الكوفيّون ، واشترطوا ذلك في الماضي الواقع خبرا لـ «كان» ، كقوله عليه

__________________

(١ و ٢) تقدم تخريجه.

٥١٣

الصلاة والسّلام لبعض أصحابه «أليس قد صلّيت معنا» ، وقول الشاعر [من الطويل]:

٨٤٠ ـ وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة

عشيّة لاقينا جذاما وحميرا (١)

وخالفهم البصريّون. وأجاز بعضهم «إن زيدا لقام» على إضمار «قد» ؛ وقال الجميع : حقّ الماضي المثبت المجاب به القسم أن يقرن باللام ، و «قد» ، نحو : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) [يوسف : ٩١] ، وقيل في (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (٤) [البروج : ٤] إنه جواب للقسم على إضمار اللام و «قد» جميعا للطول ، وقال [من الطويل] :

٨٤١ ـ حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا ، فما إن من حديث ولا صال (٢)

فأضمر «قد» وأما (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) (٥١) [الروم : ٥١] فزعم قوم أنه من ذلك ، وهو سهو ، لأن «ظلّوا» مستقبل ، لأنه مرتّب على الشّرط وسادّ مسدّ جوابه ؛ فلا سبيل فيه إلى «قد» إذ المعنى : ليظّنّ ، ولكن النّون لا تدخل على الماضي.

حذف «لا» التبرئة

حكى الأخفش «لا رجل وامرأة» بالفتح ، وأصله : ولا امرأة ، فحذفت «لا» ، وبقي البناء للتركيب بحاله.

حذف «لا» النافية وغيرها

يطرّد ذلك في جواب القسم إذا كان المنفي مضارعا نحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) [يوسف : ٨٥] وقوله [من الطويل] :

٨٤٢ ـ فقلت : يمين الله أبرح قاعدا

[ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي](٣)

ويقلّ مع الماضي كقوله [من المتقارب] :

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) تقدم تخريجه.

(٣) البيت من الطويل ، وهو لزفر بن الحارث الكلاني في تخليص الشواهد ص ٤٣٥ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٥٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٠.

(٤) البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٢ ، والأزهية ص ٥٢ ، والجنى الداني ص ١٣٥ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٧١ ، والدرر ٢ / ١٠٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٧٤.

(٥) البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٣٨ ، والخصائص ٢ / ٢٨٤ ، والدرر ٤ / ٢١٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤١.

٥١٤

٨٤٣ ـ فإن شئت آليت بين المقا

م والرّكن والحجر الأسود

٨٤٤ ـ نسيتك ما دام عقلي معي

أمدّ به أمد السّرمد (١)

ويسهّله تقدّم «لا» على القسم ، كقوله [من الوافر] :

٨٤٥ ـ فلا والله نادى الحيّ قومي

[هدوّا بالمساءة والعلاط](٢)

وسمع بدون القسم ، كقوله [من الطويل] :

٨٤٦ ـ وقولي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم :

يلاقونه حتّى يؤوب المنخّل (٣)

وقد قيل به في (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] أي : لئلا ؛ وقيل : المحذوف مضاف ، أي : كراهة أن تضلوا.

حذف «ما» النافية

ذكر ابن معطي ذلك في جواب القسم ، فقال في ألفيّته [من الرجز] :

٨٤٧ ـ وإن أتى الجواب منفيّا بلا

أو ما كقولي والسّما ما فعلا

٨٤٨ ـ فإنّه يجوز حذف الحرف

إن أمن الإلباس حال الحذف

قال ابن الخباز : وما رأيت في كتب النحو إلّا حذف «لا» ، وقال لي شيخنا : لا يجوز حذف «ما» ، لأن التصرّف في «لا» أكثر من التصرّف في «ما» ، انتهى.

وأنشد ابن مالك [من الطويل] :

٨٤٩ ـ فوالله ما نلتم وما نيل منكم

بمعتدل وفق ولا متقارب (٤)

وقال : أصله : ما ما نلتم ، ثم في بعض كتبه قدّر المحذوف «ما» النافية ، وفي بعضها قدره «ما» الموصولة.

__________________

(١) البيتان من المتقارب ، وهما لأمية بن عائذ الهذلي في خزانة الأدب ١٠ / ٩٤ ، والدرر ٤ / ٢٣٥ وشرح أشعار الهذليين ٢ / ٤٩٣ ، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ١ / ٩٣١.

(٢) البيت من الوافر ، وهو للمتنخل الهذلي في خزانة الأدب ١٠ / ٩٤ ، والدرر ٤ / ٢٤٣ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٢٦٩ ، ولسان العرب ٧ / ٣٥٤ مادة / علط /.

(٣) البيت من الطويل ، وهو للنمر بن تولب في ديوانه ص ٣٦٧ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٩٩ وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٢٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٩٥.

٥١٥

حذف «ما» المصدرية

قاله أبو الفتح في قوله [من الوافر] :

٨٥٠ ـ بآية يقدمون الخيل شعثا

[كأنّ على سنابكها مداما](١)

والصواب أنّ «آية» مضافة إلى الجملة كما مرّ ، وعكسه قول سيبويه في قوله [من الوافر] :

٨٥١ ـ [ألا من مبلغ عنّي تميما]

بآية ما تحبّون الطعاما (٢)

إن «ما» زائدة ، والصواب أنها مصدريّة.

حذف «كي» المصدرية

أجازه السيرافي نحو : «جئت لتكرمني» ، وإنّما يقدّر الجمهور هنا «أن» بعينها ، لأنها أمّ الباب ؛ فهي أولى بالتجوّز.

حذف أداة الاستثناء

لا أعلم أن أحدا أجازه ، إلا أنّ السهيلي قال في قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ) [الكهف : ٢٣] الآية : لا يتعلق الاستثناء بفاعل ، إذ لم ينه عن أن يصل إلا أن يشاء الله بقوله ذلك ، ولا بالنهي ، لأنك إذا قلت أنت منهيّ عن أن تقوم إلّا أن يشاء الله فلست بمنهيّ ؛ فقد سلّطته على أن يقوم ويقول : شاء الله ذلك ؛ وتأويل ذلك أنّ الأصل إلّا قائلا إلّا أن يشاء الله ، وحذف القول كثير ، ا ه. فتضمّن كلامه حذف أداة الاستثناء والمستثنى جميعا ؛ والصّواب أن الاستثناء مفرّغ ، وأن المستثنى مصدر أو حال ، أي : إلا قولا مصحوبا بأنّ يشاء الله ، أو إلّا متلبسا بأن يشاء الله ؛ وقد علم أنه لا يكون القول مصحوبا بذلك إلّا مع حرف الاستثناء ، فطوى ذكره لذلك ؛ وعليهما فالباء محذوفة من «أن». وقال بعضهم : يجوز أن يكون (أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٤] كلمة تأييد ، أي : لا تقولنّه أبدا ، كما قيل في (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) [الأعراف : ٨٩] ، لأن عودهم في ملّتهم ممّا لا يشاؤه الله سبحانه. وجوّز الزمخشريّ أن يكون المعنى : ولا تقولنّ ذلك إلا

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لعبد الله بن رواحة في الدرر ١ / ٢٩٦.

(٢) البيت من البحر الوافر ، وهو للأعشى في خزانة الأدب ٦ / ٥١٢ ، ولسان العرب مادة (سلم) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٢٥٠.

٥١٦

أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن لك فيه ، ولما قاله مبعد ، وهو أن ذلك معلوم في كلّ أمر ونهي ، ومبطل ، وهو أنه يقتضي النّهي عن قول إنّي فاعل ذلك غدا مطلقا ، وبهذا يردّ أيضا قول من زعم أن الاستثناء منقطع ، وقول من زعم أن (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) كناية عن التأبيد.

حذف لام التوطئة

(وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَ) [المائدة : ٧٣] ، (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٢١] ، (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [الأعراف : ٢٣] ، بخلاف (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) [هود : ٤٧].

حذف الجارّ

يكثر ويطّرد مع «أنّ» و «أن» ، نحو : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) [الحجرات : ١٧] ، أي : بأن ؛ ومثله (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ) [الحجرات : ١٧] ، (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي) [الشعراء : ٨٢] ، (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا) [المائدة : ٨٤] ، (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) [الجن : ١٨] ، أي : ولأن المساجد لله (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) [المؤمنون : ٣٥] أي : بأنكم.

وجاء في غيرهما نحو : (قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس : ٣٩] أي : قدّرنا له ، (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) [الأعراف : ٤٥] أي : يبغون لها ، (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) [آل عمران : ١٧٥] أي : يخوفكم بأوليائه.

وقد يحذف مع بقاء الجرّ ، كقول رؤبة ـ وقد قيل له : كيف أصبحت ـ : «خير عافاك الله» ، وقولهم : «بكم درهم اشتريت» ، ويقال في القسم : «الله لأفعلنّ».

حذف «أن» الناصبة

هو مطّرد في مواضع معروفة ، وشاذّ في غيرها ، نحو : «خذ اللصّ قبل يأخذك» ، و «مره يحفرها» ، و «لا بدّ من تتبعها» ، وقال به سيبويه في قوله [من الطويل] :

٨٥٢ ـ [فلم أر مثلها خباسة واجد]

ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله (١)

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو ليزيد بن عمرو بن الصعق في خزانة الأدب ٦ / ٥١٢ ، والدرر ١ / ٩٢.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ملحق ديوانه ص ٤٧١ ، وله أو لعمرو بن جؤين في لسان العرب ٦ / ٦٢ مادة / خبس / ، ولعامر بن الطفيل في الأنصاف ٢ / ٥٦١ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٢٨٩ والدرر ١ / ١٧٧.

٥١٧

وقال المبرّد : الأصل : أفعلها ، ثم حذفت الألف ونقلت حركة الهاء إلى ما قبلها ، وهذا أولى من قول سيبويه ، لأنه أضمر أن في موضع حقّها أن لا تدخل فيه صريحا وهو خبر «كاد» ، واعتدّ بها مع ذلك بإبقاء عملها.

وإذا رفع الفعل بعد إضمار : أن سهل الأمر ، ومع ذلك فلا ينقاس ؛ ومنه : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) [الزمر : ٦٤] ، (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) [الروم : ٢٤] ، و «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» وهو الأشهر في بيت طرفة [من الطويل] :

٨٥٣ ـ ألا أيّها ذا الزّاجري أحضر الوغى

وأن أشهد اللّذات هل أنت مخلدي؟ (١)

وقرىء أعبد بالنصب كما روي «أحضر» كذلك ، وانتصاب غير في الآية على القراءتين لا يكون بـ «أعبد» لأن الصّلة لا تعمل فيما قبل الموصول ، بل بـ «تأمروني» ، و «أن أعبد» بدل اشتمال منه ، أي : تأمروني بغير الله عبادته.

حذف لام الطلب

هو مطّرد عند بعضهم في نحو : «قل له يفعل» ، وجعل منه (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) [إبراهيم : ٣١] ، (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا) [الإسراء : ٥٣] ، وقيل : هو جواب لشرط محذوف ، أو جواب للطلب ، والحقّ أنّ حذفها مختصّ بالشعر كقوله [من الوافر] :

٨٥٤ ـ محمّد تفد نفسك كلّ نفس

[إذا ما خفت من أمر تبالا](٢)

حذف حرف الندّاء

نحو : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن : ٣١] ، (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) [يوسف : ٢٩] ، (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) [الدخان : ١٨] ، وشذّ في اسمي الجنس والإشارة في نحو : «أصبح ليل» وقوله [من الطويل] :

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٣٢ ، والإنصاف ٢ / ٥٦٠ ، وخزانة الأدب ١ / ١١٩ ، ولسان العرب مادة (أنن) ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ١١٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٧.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لأبي طالب في شرح شذور الذهب ص ٢٧٥ ، وله أو للأعشى في خزانة الأدب ٩ / ١١ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٣٠٩ ، والإنصاف ٢ / ٥٣٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٥٩٧.

٥١٨

٨٥٥ ـ [إذا هملت عيني لها قال صاحبي]:

بمثلك هذا لوعة وغرام (١)

ولحّن بعضهم المتنبيّ في قوله [من الكامل] :

٨٥٦ ـ هذي برزت لنا فهجت رسيسا

[ثمّ انثنيت وما شفيت نسيسا](٢)

وأجيب بأن «هذي» مفعول مطلق ، أي : برزت هذه البرزة ، وردّه ابن مالك بأنه لا يشار إلى المصدر إلّا منعوتا بالمصدر المشار إليه كـ «ضربته ذلك الضرب» ، ويردّه بيت أنشده هو : وهو قوله [من الكامل] :

٨٥٧ ـ يا عمرو، إنّك قد مللت صحابتي

وصحابتيك إخال ذاك قليل (٣)

حذف همزة الاستفهام

قد ذكر في أوّل الباب الأوّل من هذا الكتاب.

حذف نون التوكيد

يجوز في نحو : «لأفعلن» في الضرورة ، كقوله [من الوافر] :

٨٥٨ ـ فلا وأبي لنأتيها جميعا ،

ولو كانت بها عرب وروم (٤)

ويجب حذف الخفيفة إذا لقيها ساكن ، نحو : «اضرب الغلام» بفتح الباء ، والأصل اضربن ، وقوله [من المنسرح] :

٨٥٩ ـ لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدّهر قد رفعه (٥)

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ١٥٩٢ ، والدرر ٣ / ٢٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦٥ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٣.

(٢) البيت من الكامل ، وهو للمتنبي في ديوانه ٢ / ٣٠١ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٤٤ ، ولمقرب ١ / ١٧٧.

(٣) البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٢ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٤٢.

(٤) البيت من الوافر ، وهو لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص ١٠٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٢ ، ولسان العرب ١ / ٢٢١ مادة / أدب / ، ومعجم ما استعجم ص ١١٧٣ مادة / مؤتة /.

(٥) البيت من البحر المنسرح ، وهو لطرفة بن العبد في ملحق ديوانه ص ١٥٥ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٥٠ ، ولسان العرب مادة (قنس) ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٥٦٥.

٥١٩

وإذا وقف عليها تالية ضمّة أو كسرة ويعاد حينئذ ما كان حذف لأجلها ، فيقال في «اضربن يا قوم» : «اضربوا» ، وفي «اضربن يا هند» : «اضربي» ، قيل : وحذفها في غير ذلك ضرورة ، كقوله [من المنسرح] :

٨٦٠ ـ اضرب عنك الهموم طارقها

ضربك بالسّيف قونس الفرس (١)

وقيل : ربما جاء في النثر ، وخرّج بعضهم عليه قراءة من قرأ (أَلَمْ نَشْرَحْ) [الشرح : ١] بالفتح ، وقيل : إنّ بعضهم ينصب بـ «لم» ويجزم بـ «لن» ، ولك أن تقول : لعلّ المحذوف فيهما الشديدة ؛ فيجاب بأنّ تقليل الحذف والحمل على ما ثبت حذفه أولى.

حذف نون التثنية والجمع

يحذفان للإضافة ، نحو : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) [المسد : ١] ، و (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) [القمر : ٢٧] ، ولشبه الإضافة ، نحو : «لا غلامي زيد» ، و «لا مكرمي لعمرو» ، إذا لم تقدّر اللام مقحمة ؛ ولتقصير الصّلة ، نحو : «الضّاربا زيدا ، و «الضّاربو عمرا» ، وللام السّاكنة قليلا ، نحو : (لَذائِقُوا الْعَذابِ) [الصافات : ٣٨] فيمن قرأه بالنّصب ، وللضرورة ، نحو قوله [من الطويل] :

٨٦١ ـ هما خطّتا : إمّا إسار ومنّة ،

وإمّا دم ، والقتل بالحرّ أجدر (٢)

فيمن رواه برفع «إسار ومنّة» ، وأمّا من خفض فبالإضافة ، وفصل بين المتضايفين بـ «إمّا» ؛ فلم ينفكّ البيت عن ضرورة ، واختلف في قوله [من الخفيف] :

٨٦٢ ـ [ربّ حيّ عرندس ذي طلال]

لا يزالون ضاربين القباب (٣)

فقيل : الأصل ضاربين ضاربي القباب ، وقيل للقباب كقوله [من الطويل] :

__________________

(١) البيت من المنسرح ، وهو لطرفة بن العبد في ملحق ديوانه ص ١٥٥ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٥٠ والدرر ٥ / ١٧٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٣ ، ولسان العرب ٦ / ١٨٣ مادة / قنس / ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٥٦٥ ، وجمهرة اللغة ص ٨٥٢.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لتأبط شرا في ديوانه ص ٨٩ ، وجواهر الأدب ص ١٥٤ ، وخزانة الأدب ٧ / ٤٩٩ والدرر ١ / ١٤٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٥ ، ولسان العرب ٧ / ٢٨٩ مادة / خطط / ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٢٤٢.

(٣) البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٥٩ ، وخزانة الأدب ٨ / ٦١ ، والدرر ١ / ١٣٦ ، وشرح الأشموني ١ / ٣٧.

٥٢٠