شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

محمّد بن أبي بكر الدماميني

شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أبي بكر الدماميني


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢
الجزء ١ الجزء ٢

قبل المتكلّم ولا غيره.

ـ حرف العين المهملة ـ

* (عدا) مثل «خلا» ، فيما ذكرناه من القسمين ، وفي حكمها مع «ما» والخلاف في ذلك ، ولم يحفظ سيبويه فيها إلا الفعليّة.

______________________________________________________

قبل المتكلم ولا غيره) فافترقا وذهب الرضي إلى رأي آخر في المسألة فقال : بأن سواء خبر مبتدأ محذوف أي : الأمران سواء والهمزة مع ما بعدها بيان للأمرين ، والفعلان في معنى الشرط والجملة الاسمية دالة على الجزاء ، أي : إن أنذرتهم أولم تنذرهم ، فالأمران سواء.

قال : وإنما أفادت الهمزة فائدة إن الشرطية بجامع استعمالهما فيما لم يتيقن حصوله ، وجعلت أم بمعنى أو لاشتراكهما في إفادة أحد الأمرين ، قال : ويرشدك إلى أن سواء هنا في موقع جزاء الشرط أن قولنا سواء علي أقمت أم قعدت ، وقولنا لا أبالي أقمت أو قعدت واحد ، ولا أبالي ليس خبرا للمبتدأ بل المعنى إن قمت أو قعدت فلا أبالي بهما ، واختص استعمال الهمزة في هذا المعنى بما بعد سواء ولا أبالي وما يؤدي مؤداهما ؛ لأن المراد التسوية في الشرط بين أمرين ، فلا بد فيما يقع الجزاء من معنى الاستواء قضاء لحق المناسبة ، ولهذا ألزم تكرار الشرط ولم يصح لا أبالي أقام زيد والله تعالى أعلم بالصواب.

(حرف العين المهملة)

(عدا مثل خلا فيما ذكرنا من القسمين) وهما كونها حرفا جارا للمستثنى ، نحو : جاء القوم عدا زيد بالخفض وكونهما فعلا متعديا ناصبا له نحو : جاؤوا عدا عمرا بالنصب (وفي حكمها) أي حكم خلا (مع ما) حيث يتعين النصب عند وجودها من حيث إنها مصدرية ، فدخولها ينفي الحرفية فتتعين الفعلية فيجب النصب نحو : جاؤوني ما عدا زيدا (و) في (الخلاف في ذلك) فتكون عند السيرافي في محل نصب على الحال وعند غيره على الظرف ، وكذا الخلاف في أنها حيث تكون جارة هل هو نصب عن تمام الكلام ، أو تتعلق بما قبلها من فعل أو شبهه على قاعدة أحرف الجر ، ويأتي أيضا بحث المصنف هناك واختياره أنها لا تتعلق بشيء كالحرف الزائد ، ويرد عليه هنا ما أوردناه عليه ثم حذو القذة بالقذة (ولم يحفظ سيبويه فيها إلا الفعلية) ولذلك إذا نصبت ضمير المتكلم جاءت نون الوقاية كقوله :

٢١

* (على) على وجهين :

أحدهما : أن تكون حرفا ، وخالف في ذلك جماعة ، فزعموا أنها لا تكون إلا اسما ، ونسبوه لسيبويه ، ولنا أمران :

أحدهما قوله [من الطويل] :

٥ ـ تحنّ فتبدي ما بها من صبابة

وأخفي الذي لو لا الأسى لقضاني

أي : لقضى عليّ ، فحذف «على» وجعل مجرورها مفعولا ، ...

______________________________________________________

تمل الندامى ما عداني فإنني

بكل الذي يهوى نديمي مولع (١)

لكن ثبت بالنقل الصحيح كما قال ابن مالك الجر بعد ، فوجب المصير إلى القول بحرفيتها في هذه الحالة.

(على)

(على وجهين :

أحدهما أن تكون حرفا وخالف في ذلك جماعة فزعموا أنها لا تكون إلا اسما ونسبوه لسيبويه ، ولنا أمران أحدهما قوله :

تحن فتبدى ما بها من صبابة

وأخفى الذي لو لا الأسى لقضاني (٢)

أي لقضى علي) أي : أهلكني (فحذفت وجعل مجرورها مفعولا) يعني : ولو كانت اسما لم تحذف ويجعل الاسم المضافة هي إليه مفعولا ، فإن قلت : غاية ما فيه حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، وهو كثير فلم لا يرتكب إذا؟ قلت : لأن القائل باسميتها يجعلها ظرفا كفوق والظرف لا يحذف ، ويقام المضاف إليه مقامه ، فإن قلت : بل هو كثير مثل لا آتيك خفوق النجم ، وسأجيئك صلاة العصر وأزورك قدوم الحاج ، أي : وقت خفوق النجم ، ووقت صلاة العصر ووقت قدوم الحاج ، فحذف الوقت وأقيم المضاف إليه مقامه ، قلت : كثرة ذلك إنما هي في الظروف الزمانية ، وأما الظروف المكانية فإنما يفعل بها ذلك قليلا مثل جلست قرب زيد أي :

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٠٧ ، والجنى الداني ٥٦٦ ، وجواهر الأدب ص ٣٨٢. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٤ / ٣٣٤.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو لعروة بن حزام في خزانة الأدب ٨ / ١٣٠ ، والدرر ٤ / ١٣٦ ، ولرجل من بني حلاف في تخليص الشواهد ص ٥٠٤ ، وللكلابي في لسان العرب ٧ / ١٩٥. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٨ / ١٧٠.

٢٢

وقد حمل الأخفش على ذلك : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) [البقرة : ٢٣٥] أي : على سرّ ، أي : نكاح ، وكذلك : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف : ١٦] ، أي : على صراطك.

والثاني : أنهم يقولون : «نزلت على الّذي نزلت» ، أي : عليه ، كما جاء : (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) [المؤمنون : ٣٣] ، أي : منه.

ولها تسعة معان :

______________________________________________________

مكان قربه ، فلا يخرج مثل قضاني عليه ، وقوله في البيت تحن بالحاء المهملة أي : تشتاق والصبابة بفتح الصاد المهملة رقة الشوق وحرارته ، والأسى يحتمل أن يضبط هنا بضم الهمزة جمع أسوة قال في «الصحاح» والأسوة بالكسر والضم لغتان ، وهو ما يأتسي به الحزين أي : يتعزى به وجمعها أسى وأسى ، ثم سمي الصبر أسى (وقد حمل الأخفش على ذلك) قوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَ) لشدة رغبتكم فيهن فاذكروهن ((وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) أي : على سر أي نكاح) ويحتمل أن يكون السر على بابه صفة لمصدر محذوف أي : وعدا سرا ؛ لأن المواعدة في السر عبارة عن المواعدة بما يستهجن ؛ لأن مساوتهن في الغالب بما يستحيا من المجاهرة به ، ويظهر على هذا أن الاستثناء منقطع في قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) فأما على الأول فهو متصل مفرغ في الظرف أي : ولا تواعدوهن على نكاح وقتا من الأوقات أن تقولوا أي : إلا وقت قولكم قولا معروفا (وكذلك لأقعدن لهم صراطك المستقيم أي : على صراطك) وقال الزمخشري ، لأقعدن لهم صراطك المستقيم : لأعترضن لهم على طريق الإسلام كما يعترض العدو على الطريق ليقطعه على السابلة ، وانتصابه على الظرف كقوله :

كما عسل الطريق الثعلب (١)

وشبهه الزجاج بقولهم ضرب زيد الظهر والبطن أي : على الظهر والبطن هذا كلامه ، قال اليمني : فيه إشكال ، لأن حكم موقت المكان كحكم غير الظروف ، فلا تحذف في والبيت شاذ قال : وعذره ما قال الزجاج ، ولا اختلاف بين النحويين في أن على محذوفة ، ومثله ضرب زيد الظهر والبطن أي : على الظهر والبطن انتهى ، قلت : هذا بأن يكون قدحا أشبه منه بأن يكون عذرا فإن تصريحه بأن انتصابه على الظرفية كما في البيت مناد بأن على ليست مقدرة ، فكيف يكون قول الزجاج بأن على محذوفة عذرا له؟!.

(والثاني أنهم يقولون : نزلت على الذي نزلت أي : عليه كما جاء (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) [المؤمنون : ٣٣] أي : منه ولها تسعة معان :

__________________

(١) تقدم تخريجه.

٢٣

أحدها : الاستعلاء ، إما على المجرور وهو الغالب ، نحو : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) (٢٢) [المؤمنون : ٢٢] أو على ما يقرب منه ، نحو : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) [طه : ١٠] وقوله [من الطويل] :

٦ ـ [تشبّ لمقرورين يصطليانها]

وبات على النّار النّدى والمحلّق

وقد يكون الاستعلاء معنويّا ، نحو : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) [الشعراء : ١٤] ، ونحو : (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [البقرة : ٢٥٣].

الثاني : المصاحبة كـ «مع» ، نحو : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) [البقرة : ١٧٧] ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) [الرعد : ٦].

الثالث : المجاوزة كـ «عن» ، كقوله [من الوافر] :

______________________________________________________

أحدها الاستعلاء إما على المجرور بنفسه وهو الغالب نحو (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) (٢٢) [المؤمنون : ٢٢] أو على ما يقرب منه) لا على المجرور نفسه (نحو (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) [طه : ١٠]) أو أواجد على المكان الذي هو قريب من النار هاديا يدلني على الطريق ، فالهدى مصدر وضع موضع الهادي ، فإما أن يؤول بذي هدى ، أو يجعل الهادي نفس الهدى كما يقال في عادل : عدل (وقوله) :

تشب لمقرورين يصطليانها

(وبات على النار الندى والمحلق) (١)

وقد تقدم إنشاد في أول حرف بالباء ، والكلام عليه وهذا استعلاء مجازي (وقد يكون الاستعلاء معنويا نحو ولهم علي ذنب ، ونحو فضلنا بعضهم على بعض) وهذا استعلاء حقيقي أيضا إذ على لم توضع للاستعلاء بقيد كونه حسيا ، بل وضعت للاستعلاء أعم من أن يكون حسيا أو معنويا إذا كان بالنسبة إلى مجرورها.

(الثاني) من معانيها التسعة (المصاحبة نحو (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) [البقرة : ١٧٧]) ونحو (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) [الرعد : ٦] أي : مع حبه ومع ظلمهم.

(الثالث) من معانيها (المجاوزة كعن كقوله :

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٢٧٥ ، والأغاني ٩ / ١١١ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٤٤ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ١١٩. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٥ / ١٦٦.

٢٤

٧ ـ إذا رضيت عليّ بنو قشير

لعمر الله أعجبني رضاها

أي عنّي ، ويحتمل أن «رضي» ضمّن معنى «عطف» ، وقال الكسائي : حمل على نقيضه وهو «سخط» ، وقال [من المنسرح] :

٨ ـ في ليلة لا ترى بها أحدا

يحكي علينا إلّا كواكبها

أي : عنّا ، وقد يقال : ضمّن «يحكي» معنى «ينمّ».

والرابع : التعليل كـ «اللام» ، نحو : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) [البقرة : ١٨٥] أي : لهدايته إيّاكم ، ...

______________________________________________________

إذا رضيت عليّ بنو قشير

لعمر الله أعجبني رضاها (١)

أي :) رضيت (عني) مثل رضي‌الله‌عنهم ورضوا عنه (ويحتمل أن رضي ضمن معنى عطف) فعدي بعلى كما يعدى بها عطف ، نحو عطفت على الفقير (وقال الكسائي : حمل) رضي (على نقيضه وهو سخط) وحمل النقيض على النقيض غير عزيز في كلامهم كحمل النظير على النظير (وقال) الشاعر مما يستشهد به على استعمال على بمعنى المجاوزة :

(في ليلة لا ترى بها أحدا

يحكى علينا إلا كواكبها (٢)

أي) : يحكى (عنها) كما تقول : حكيت عن زيد هذا الأمر (وقد يقال : ضمن يحكي معنى ينم) فعدي بعلى كما يعدى ينم بها نحو : فلان ينم عليك ، قلت : ومن ورودها للمصاحبة قول أبي سفيان في حديث هرقل : فو الله لو لا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه ، فعلى فيه بمعنى عن كما أن عن فيه بمعنى على ، فتعارض الحرفان ويحتمل التضمين.

(الرابع) من معانيها (التعليل كاللام نحو (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) [البقرة : ١٨٥] أي : لهدايته إياكم) ويحتمل التضمين كما صرح به الزمخشري ، والتقدير : ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم ، واعترضه المصنف في حواشي «التسهيل» بأن هذا التقدير يبعده قول الداعي على

__________________

(١) البيت من البحر الوافر ، وهو للقحيف العقيلي في أدب الكاتب ص ٥٠٧ ، والأزهية ص ٢٧٧ ، وخزانة الأدب ١٣٢١٠ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١١٨. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٨ / ٢٧٩.

(٢) البيت من البحر المنسرح ، وهو لعدي بن زيد في ملحق ديوانه ص ١٩٤ ، والدرر ٣ / ١٦٤ ، ولأحيحة بن الجلاح في الأغاني ١٥ / ٣١ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٤٨. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ١ / ٢٤٥.

٢٥

وقوله [من الطويل] :

٩ ـ علام تقول الرّمح يثقل عاتقي

إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرّت

الخامس : الظرفية كـ «في» ، نحو : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ) [القصص : ١٥] ، ونحو : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) [البقرة : ١٠٢] أي : في «زمن ملكه ، ويحتمل أنّ (تَتْلُوا) مضمّن معنى «تتقوّل» ، فيكون بمنزلة : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) (٤٤) [الحاقة : ٤٤].

السادس : موافقة «من» ، نحو : (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) [المطففون : ٢].

______________________________________________________

الصفا والمروة : الله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ، فيأتي بالحمد بعد تعديته التكبير بعلى ، قلت : فيه نظر ؛ لأن المستفاد من الأول غير المستفاد من الثاني ، ثم قال : وأيضا فعلى الثانية ظاهرة في التعليل فكذا نظيرتها الأولى ، قلت : قد يمنع ظهور شيء منهما في التعليل (وقوله :

علام تقول الرمح بثقل عاتقي

إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت) (١)

أي : لأي شيء تقول ، والرمح يحتمل النصب بتقول على إجرائه مجرى الظن لتوفر شروطه ، ويحتمل الرفع على أنه مبتدأ مخبر عنه بما بعده والجملة محكية بالقول ، فإن قلت : يدفع هذا قوله عاتقي إذ لو أراد الحكاية لقال : عاتقك قلت : هو من الحكاية بالمعنى نحو : (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) (٣١) [الصافات : ٣١] ويطعن بضم العين هنا ، وأما في طعن يطعن إذا ذهب فبالضم والفتح ، والكر الرجوع.

(والخامس) من معانيها (الظرفية كفي نحو وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ) (مِنْ أَهْلِها) [القصص : ١٥] أي : في حين غفلة (ونحو (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) [البقرة : ١٠٢] أي : في زمن ملكه ، ويحتمل أن تتلوا ضمن معنى تتقول ، فيكون بمنزلة وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا) (بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) [الحاقة : ٤٤] أي : لو ادعى علينا شيئا لم نقله.

(السادس) من معانيها (موافقة من نحو (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) [المطققين : ٢]) أي : اكتالوا منهم ، ويحتمل التضمين أيضا أي : إذا حكموا على الناس في الكيل ، أو إذا اكتالوا محتكمين على الناس.

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لعمرو بن معديكرب في ديوانه ص ٧٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٣٦ ، والدرر ٢ / ٢٧٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٧٦. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ١ / ٥٤٣.

٢٦

السابع : موافقة الباء ، نحو : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) [الأعراف : ١٠٥] وقد قرأ أبيّ بالباء ، وقالوا : اركب على اسم الله.

الثامن : أن تكون زائدة : للتعويض ، أو غيره.

فالأول كقوله [من الرجز] :

١٠ ـ إنّ الكريم ، وأبيك ، يعتمل

إن لم يجد يوما على من يتّكل

أي : من يتكل عليه ، فحذف «عليه» وزاد «على» قبل الموصول تعويضا له ، قاله ابن جني ، وقيل : المراد إن لم يجد يوما شيئا ، ثم ابتدأ مستفهما فقال : على من يتكل؟ ...

______________________________________________________

(والسابع) من معانيها (موافقة الباء نحو حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) (عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) [الأعراف : ١٠٥] أي بأن لا أقول أي : أنا جدير وخليق بقول الحق (وقد قرأه أبي بالباء) فكانت قراءته تفسيرا لقراءة الجماعة ، وخرجت على أن المعنى أنا حقيق علىّ قول الحق أي : واجب على قول الحق أن أكون قائله والقائم به (وقالوا) أي : العرب (اركب على اسم الله) أي : بسم الله والمعنى اركب متبركا باسم الله ، أو مستعينا به.

(الثامن : أن تكون زائدة للتعويض) من كلمة على محذوفة (أو لغيره ، فالأول) وهو كونها زائدة للتعويض (كقوله :

إن الكريم وأبيك يعتمل

إن لم يجد يوما على من يتكل (١)

أي : إن لم يجد من يتكل عليه فحذف عليه ، وزاد على قبل الموصول تعويضا) عن على المحذوفة (قاله ابن جني ، وقيل : المراد إن لم يجد شيئا) وتم الكلام (ثم ابتدأ مستفهما فقال على من يتكل؟) فعلى ليست بزائدة بل هي متعلقة بيتكل المؤخر ، ومن استفهامية ، وفي «الكشاف» عند تفسير قوله تعالى في سورةالشعراء : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) [الشعراء : ٢٢١] ما نصه فإن قلت : كيف دخل حرف الجر على من المتضمنة لمعنى الاستفهام الذي له صدر الكلام ، ألا ترى إلى قولك أعلى زيد مررت ، ولا تقول على أزيد مررت قلت : ليس معنى التضمين أن الاسم دل على معنيين معا معنى الاسم ومعنى الحرف ، وإنما معناه أن الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام ، واستمر الاستعمال على حذفه كما حذف من هل ، والأصل أهل قال :

أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم (٢)

__________________

(١) البيت من بحر الرجز ، وهو بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٠٥.

(٢) عجز بيت من البسيط ، صدره : سائل فوارس يربوع بشدتنا ، وهو لزيد الخيل في ديوانه ص ١٥٥ ، والجنى

٢٧

وكذا قيل في قوله [من البسيط] :

١١ ـ ولا يؤاتيك فيما ناب من حدث

إلّا أخو ثقة ، فانظر بمن تثق

إن الأصل : فانظر لنفسك ، ثم استأنف الاستفهام. وابن جنّي يقول في ذلك أيضا : إن الأصل : فانظر من تثق به ، فحذف الباء ومجرورها ، وزاد الباء عوضا ، وقيل : بل تمّ الكلام عند قوله : «فانظر» ، ثم ابتدأ مستفهما ، فقال : بمن تثق؟

والثاني كقول حميد بن ثور [من الطويل] :

______________________________________________________

فإذا أدخلت حرف الجر من فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك كأنك تقول : أعلى من تنزل الشياطين ، كقولك أعلى أزيد مررت إلى هنا كلامه ، قلت : استشكله صاحب «الفرائد» بقولهم : من أين جئت؟ ومن أين أنت وقوله تعالى : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (١٨) [عبس : ١٨] وقولهم : فيم وبم وحتام ونحوها ، ثم قال : ويمكن أن يقال لا اعتبار بتقديم حرف الجر وقولهم : له صدر الكلام المراد منه تقدمه على ما كان ركنا في الكلام كقولك : أين زيد لا يجوز أن تقول : زيد أين ، أو مفعولا من المفاعيل كقولك أزيدا ضربت لا تقول : ضربت أزيدا ولا ضربت مني ولا ضربت أين ، قال اليمني : وللزمخشري أن يقول : إن الهمزة التي تضمنتها كلمات الاستفهام مقدرة قبل جميع حروف الجر في الكلمات التي أوردوها ، والله تعالى أعلم بالصواب (وكذا قيل في قوله :

ولا يؤاتيك فيما ناب من حدث

إلا أخو ثقة فانظر بمن تثق (١)

إن الأصل فانظر لنفسك ، ثم استأنف الاستفهام) يؤاتيك مهموز الفاء ، ولك هنا إبدال الهمزة واوا أي : لا يعاطيك ويعاملك بما يرضيك فيما ناب ، أي : فيما أصاب من حدث أي : نازلة من نوازل الدهر (فابن جني يقول في ذلك أيضا) أي : يعتقد فيه (أن الأصل فانظر من تثق به فحذف الشاعر الباء ومجرورها ، وزاد الباء عوضا عن الباء المحذوفة) كما قال هناك سواء (وقيل) : لا حذف ولا زيادة ولا تعويض (بل تم الكلام عند قوله : فانظر ثم ابتدأ مستفهما فقال بمن تثق) على حد القول الثاني المتقدم.

(والثاني) وهو كونها زائدة لغير التعويض (كقول حميد) بالتصغير (ابن ثور) بالثاء المثلثة.

__________________

ـ الداني ص ٣٤٤ والدرر ٥ / ١٤٦ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٣٥٨. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٧ / ٣٩٦.

(١) البيت من البحر البسيط ، وهو لسالم بن وابصة في شرح شواهد المغني ٢ / ٤١٩ ، والمؤتلف والمختلف ص ١٩٧ ، وبلا نسبة في الدرر ٤ / ١٠٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٢. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٥ / ١٤٠.

٢٨

١٢ ـ أبى الله إلّا أنّ سرحة مالك

على كلّ أفنان العضاه تروق

قاله ابن مالك ، وفيه نظر ؛ لأن «راقه الشيء» بمعنى : أعجبه ، ولا معنى له هنا ، وإنما المراد تعلو وترتفع.

التاسع : أن تكون للاستدراك والإضراب ، كقولك : «فلان لا يدخل الجنّة لسوء صنيعه على أنه لا يبأس من رحمة الله تعالى» ، وقوله [من الطويل] :

١٣ ـ فو الله لا أنسى قتيلا رزئته

بجانب قوسى ، ما بقيت على الأرض

______________________________________________________

(أبى الله إلا أن سرحة مالك

على كل أفنان العضاه تروق) (١)

السرحة الشجرة العظيمة الطويلة والأفنان الغصون جمع فنن كفرس ، والعضاة كل شجر يعظم وله شوك واحدها عضاهة. وعضهة وعضة بحذف الهاء الأصلية ، وعلى في البيت زائدة وليست عوضا عن شيء (قاله ابن مالك : وفيه نظر ، لأن راقة الشيء بمعنى أعجبه ولا معنى له هنا) ؛ لأن على إذا كانت زائدة يكون مجرورها مفعول تروق التي بمعنى تعجب ، ولا شك أن حاصل البيت على هذا أن شجرة مالك العظيمة الطويلة تعجب أغصان شجر العضاه ، وهذا لا معنى له (وإنما المراد) أن شجرة مالك (تعلو وترتفع) على سائر غصون العضاه ، فضمن تروق معنى ترتفع فعدي بعلى قلت : وفي «الصحاح» أن حميدا كنى بالسرحة في البيت عن امرأة ، وإذا كان كذلك أمكن أن تكون أفنان العضاه كناية عن نسوة أخر فيصح إسناد الإعجاب إليهن ، فيبقى تروق على معناه من غير تضمين ، وعلى الجملة فالبيت محتمل ولا سبيل إلى الجزم بكونه دليلا على زيادة على ، وفي الحديث «من حلف على يمين» (٢) فادعى بعضهم زيادة على فيه أي : من حلف يمينا ، والمحققون على أنها فيه غير زائدة وأن اليمين مجاز عما يتعلق بها ، ويتلبس من الأمر المحلوف عليه.

(التاسع) من معاني على (أن تكون للاستدراك والإضراب كقولك : فلان لا يدخل الجنة لسوء صنيعه ، على أنه لا يبأس من رحمة الله تعالى وقوله) أي قول ابن خراش :

(فو الله لا أنسى قتيلا رزئته

بجانب قوسي ما بقيت على الأرض (٣)

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لحميد بن ثور في ديوانه ص ٤١ ، وأدب الكاتب ص ٥٢٣ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٣٧٧ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٩٤. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٥ / ١٧٨.

(٢) أخرجه البخاري ، كتاب المسافاة ، باب الخصوصة في البئر (٢٣٥٧).

(٣) البيت من البحر الطويل ، انظر : ديوان الحماسة ١ / ٣٢٦.

٢٩

على أنّها تعفو الكلوم ، وإنّما

نوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي

أي على أن العادة نسيان المصائب البعيدة العهد ، وقوله [من الطويل] :

١٤ ـ بكلّ تداوينا فلم يشف ما بنا

على أنّ قرب الدّار خير من البعد

ثم قال [من الطويل] :

على أنّ قرب الدّار ليس بنافع

إذا كان من تهواه ليس بذي ودّ

أبطل بـ «على» الأولى عموم قوله : «لم يشف ما بنا» ، فقال : بلى إن فيه شفاء مّا ، ثم أبطل بالثانية قوله : «على أن قرب الدار خير من البعد».

______________________________________________________

على أنها تعفو الكلوم وإنما

نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي) (١)

رزئته بالبناء للمفعول أي : أصبت به وقوسي بفتح القاف موضع ببلاد السراة ، قال الإمام المرزوقي : والباء من قوله بجانب قوسي تتعلق بقتيلا ، والظاهر أنه لا يعني قتيلا الملفوظ به ؛ لأن وصفه مانع من إعماله وإنما يعني قتيلا محذوفا أي : رزئته حالة كونه قتيلا بجانب قوسي ، وتعفو تدرس ويذهب أثرها ، والكلوم الجراح جمع كلم كفلس (أي : على أن العادة نسيان المصائب البعيدة العهد) وهذا كما سئل بعضهم ما أشد الأدواء؟ فقال : ما يحضرك وإن برح بك ما غاب ، والضمير من أنها ضمير القصة وتعفو الكلوم الخبر (وقوله :

بكل تداوينا فلم يشف ما بنا

على أن قرب الدار خير من البعد) (٢)

أي : تداوينا من داء المحبوب بكل من قربنا من دار المحبوب وبعدنا عنها ، فلم يحصل الشفاء بشيء من ذلك لكن القرب خير من البعد (ثم قال :

على أن قرب الدار ليس بنافع

إذا كان من تهواه ليس بذي ود

أبطل بعلى الأولى من قوله

على أن قرب الدار خير من البعد

عموم قوله لم يشف ما بنا فقال : بلى أن فيه) أي : في قرب الدار (شفاء ما ثم أبطل بالثانية) من قوله على أن قرب الدار ليس بنافع إلى آخره (قوله على أن قرب الدار خير من البعد ،

__________________

(١) البيتان في البحر الطويل ، وهما لأبي خراش الهذلي في أمالي المرتضى ١ / ١٩٨ ، وخزانة الأدب ٥ / ٤٠٥ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٤٥٣ ، والخصائص ٢ / ١٧٠. وانظر المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٤ / ١٥٠.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو ليزيد بن الطثرية في ديوانه ص ٨٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٢٥ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٤٥٤. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٢ / ٤٠٨.

٣٠

وتعلّق «على» هذه بما قبلها عند من قال به كتعلّق «حاشا» بما قبلها عند من قال به ؛ لأنها أو صلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإضراب والإخراج ، أو هي خبر لمبتدأ محذوف ، أي : والتحقيق على كذا ؛ وهذا الوجه اختاره ابن الحاجب ، قال : ودلّ على ذلك أن الجملة الأولى وقعت على غير التحقيق ، ثم جيء بما هو التحقيق فيها.

والثاني من وجهي «على» : أن تكون اسما بمعنى «فوق» ، وذلك إذا دخلت عليها «من» كقوله [من الطويل] :

١٥ ـ غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

[تصلّ وعن قيض ببيداء مجهل]

______________________________________________________

وتعلق على هذه) المفيدة للاستدراك والإضراب (بما قبلها كتعلق حاشا بما قبلها عند من قال به ؛ لأنها أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإضراب والإخراج) وينبغي للمصنف أن يقول : بأن على هذه لا تتعلق بشيء كما قال بذلك في حاشا بناء على أنها لا توصل معنى الفعل إلى الاسم ، بل تزيله عنه وهو عكس معنى التعدية ، وقد أسلفنا رده في خلا (وهي) ومجروها (خبر لمبتدأ محذوف أي : والتحقيق على كذا ، وهذا الوجه اختاره ابن الحاجب قال : ودل على ذلك أن الجملة الأولى وقعت على غير التحقيق ، ثم جيء بما هو التحقيق فيها.

والثاني من وجهي على أن تكون اسما بمعنى فوق) وهل هي في هذه الحال معربة أو مبنية؟ حكى ابن قاسم فيها خلافا وجزم ابن الحاجب ببنائها قال : لحصول مقتضى البناء وهو مشابهة الحرف في لفظه ، وأصل معناه والدليل على صحة ذلك الحكم ببناء عن إذا وقعت اسما ، فلو كانت على معربة لوجب أن تكون عن معربة عند وقوعها اسما ، قلت : للمخالف أن يفرق بأن في عن مشابهة الحرف في الوضع ، لكونه وضع على حرفين فبنيت لذلك لا لما ذكره ، بخلاف على قال : وأيضا فلو كانت معربة في الاسمية لوجب أن تبقى ألفها في قولك : من عليه فتقول : من علاه كما تقول : من رجاه ، وإنما يقلبون الألف في الآخر فيما ثبت أنه غير متمكن كقولك : لديه وعليه وإليه ، وأما المتمكن فلم يأت عنهم قلب ألفه ياء في مثل قولك : من رجاه ومن عصاه (وذلك إذا دخلت عليها من كقوله) يصف قطّاة :

(غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها)

تصل وعن قيض ببيداء مجهل (١)

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لمزاحم العقيلي في ديوانه ص ١١ ، وأدب الكاتب ص ٥٠٤ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٤٧ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٠٣ ، والأشباه والنظائر ٣ / ١٢. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٦ / ٥٦٢.

٣١

وزاد الأخفش موضعا آخر ، وهو أن يكون مجرورها وفاعل متعلّقها ضميرين لمسمّى واحد ، نحو قوله تعالى : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) [الأحزاب : ٣٧] وقول الشاعر [من المتقارب] :

١٦ ـ هوّن عليك ، فإنّ الأمور

بكفّ الإله مقاديرها

لأنه لا يتعدّى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتّصل في غير باب «ظنّ» و «فقد» و «عدم» ، ...

______________________________________________________

الظمأ بكسر الظاء المعجمة وسكون الميم ما بين الوردين يستعمل في الإبل ولكنه استعاره للقطاة وتصل بكسر الصاد المهملة يصوت جوفها من شدة العطش ، والقيض بفتح القاف وسكون المثناة التحتية وبالضاد المعجمة القشر الأعلى من البيض ، والبيداء بالمد وفتح أوله القفر الذي يبيد من دخله ، أي : يهلك والمجهل بالفتح المفازة لا أعلام فيها يعني : غدت هذه القطاة من فوق ذلك الموضع بعد تمام ظمئها يصوت جوفها من شدة العطش ، وعن قيض معطوف على عليه ، والتقدير : ومن عن قيض أي : من جانبه فتكون عن اسما أيضا (وزاد الأخفش موضعا آخر) تكون على فيه اسما (وهو أن يكون مجرورها وفاعل متعلقها) بفتح اللام أي : وفاعل الفعل الذي تتعلق هي به (ضميرين لمسمى واحد نحو قوله تعالى : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) [الأحزاب : ٣٧] و) نحو : (قول الشاعر :

هون عليك فإن الأمور

بكف الإله مقاديرها) (١)

أي : بيد الله بمعنى القدرة والشاعر استعمل الكف مريدا به هذا المعنى ، ولا أعرف أنه ورد فعلى في الآية والبيت اسم لا حرف ؛ (لأنه لا يتعدى فعل المضمر المتصل) أي : الفعل الذي فاعله ضمير متصل (إلى ضميره المتصل) أي : إلى المفعول الذي هو ضمير متصل (في غير باب ظن) نحو ظننتني (وفقد وعدم) حملا على وجد ، لأنهما ضدان فلو جعلت على في الآية والبيت حرفا للزم تعدي فعل الأمر الذي فاعله ضمير متصل للمخاطب إلى مفعوله الذي هو ضمير متصل أيضا ، وهو كاف المخاطب وليس الأمر هذا من باب ظن وأخويه ، فبطل الحمل على الحرفية لإفضائها إلى هذا المحذور ، وتعين الحمل على الاسمية لسلامته من ذلك.

واعلم أن رأى البصرية قد تجري مجرى ظن وفقد وعدم حملا على رأي القلبية ، وإنما لم

__________________

(١) البيت من البحر المتقارب ، وهو للأعور الشني في الدرر ٤ / ١٣٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٢٧ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ٦٢ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٤٨. ا ه انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٣ / ٣٥٧.

٣٢

لا يقال «ضربتني» ولا «فرحت بي».

وفيه نظر ؛ لأنها لو كانت اسما في هذه المواضع لصحّ حلول «فوق» محلّها ، ولأنها لو لزمت اسميّتها لما ذكر لزم الحكم باسميّة «إلى» في نحو : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) [البقرة : ٢٦٠] ، (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ) [القصص : ٣٢] ، (وَهُزِّي إِلَيْكِ) [مريم : ٢٥] ، ...

______________________________________________________

يجز ذلك في الأفعال القلبية بحيث (لا يقال : ضربتني وفرحت بي) ؛ لأن أصل الفاعل أن يكون مؤثرا والمفعول به أن يكون متأثرا منه ، وأصل المؤثر أن يغاير المتأثر فإن اتحدا معنىّ كره اتفاقهما لفظا ، فلهذا لا يقال : ضرب زيد زيدا وأنت تريد ضرب زيد نفسه فلم يقولوا : ضربتني ولا ضربتك وإن تخالفا لفظا ؛ لاتحادهما معنى ولاتفاقهما من حيث كل واحد منهما ضمير متصل ، فقصد مع اتحادهما معنى تغايرهما لفظا بقدر الإمكان ، فمن ثم قالوا : ضرب زيد نفسه صار النفس بإضافته إلى ضمير زيد ، كأنه غيره لغلبة مغاير المضاف للمضاف إليه فصار الفاعل والمفعول في ضرب زيد نفسه مظهرين متغايرين في الظاهر.

وأما أفعال القلوب فإن المفعول به فيها ليس المنصوب الأول في الحقيقة ، بل هو مضمون الجملة فجاز اتفاقهما لفظا ؛ لأنهما ليسا في الحقيقة فاعلا ومفعولا به ، وحمل فقد وعدم على وجد لأنهما ضداه كما أسلفنا قال الشاعر :

ندمت على ما كان مني فقدتني

كما يندم المغبون حين يبيع (١)

وقال الآخر :

لقد كان لي عن ضرتين عدمتني

وعما ألاقي منهما متزحزح (٢)

(وفيه) أي : فيما قاله الأخفش (نظر لأنها لو كانت اسما في هذه المواضع لصح حلول فوق محلها) ولا شك أنه لا يصح أن يقال : هون في فوقك وكذا الآية ، وهذا النظر قاله أبو حيان أيضا ، وقد يقال : لا نسلم أن ما كان بمعنى شيء يصح حلوله في محل ذلك الشيء (ولأنه لو لزمت اسميتها لما ذكر) من أنه لا يتعدى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل (لزم الحكم باسمية إلى في نحو : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) [البقرة : ٢٦]) ونحو : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ) [القصص : ٣٢] ونحو : (وَهُزِّي إِلَيْكِ) [مريم : ٢٥] وفي كلامه حذف العاطف في غير محله إن جعلت الواو من المتلو ،

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لمجنون ليلى في الأغاني ٢ / ٢٧.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو لجران العود في ديوانه ص ٤٠ ، وشرح المفصل ٧ / ٨٨ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٤٢١.

٣٣

وهذا كلّه يتخرّج إما على التعلّق بمحذوف كما قيل في اللام في «سقيا لك» ، وإمّا على حذف مضاف ، أي : هوّن على نفسك ، واضمم إلى نفسك ، وقد خرّج ابن مالك على هذا قوله [من البسيط] :

١٧ ـ وما أصاحب من قوم فأذكرهم

إلّا يزيدهم حبّا إليّ هم

فادّعى أن الأصل : يزيدون أنفسهم ، ثم صار : يزيدونهم ، ثم فصل ضمير الفاعل للضرورة وأخّر عن ضمير المفعول ، وحامله على ذلك ظنّه أن الضميرين لمسمّى واحد ، وليس كذلك ، فإن مراده أنه ما يصاحب قوما فيذكر قومه لهم إلا ويزيد هؤلاء القوم قومه حبّا إليه ؛ لما يسمعه من ثنائهم عليهم ؛ والقصيدة في حماسة أبي تمام ، ...

______________________________________________________

ووجه لزوم الحكم بالاسمية في ذلك وجود العلة التي بسببها حكم باسمية على في الآية ، والبيت المتقدمين والفرض أنه لا يقول بذلك (وهذا كله يتخرج إما على التعليق) بصيغة التفعيل بياء بعد العين ، وفي بعض النسخ التعلق بصيغة التفعل كالمتكلم (بمحذوف) فلا يلزم المحذور المذكور (كما قيل في اللام في سقيا لك) : إنها لا تتعلق بالمصدر بل بمحذوف ، والتقدير إرادتي لك (وإما على حذف مضاف أي : هون على نفسك واضمم إلى نفسك) فلم يتعد فعل المضمر المتصل على هذا التقدير إلا إلى ظاهر ، ولا محذور فيه لكن يلزم جواز نحو ضربتني وفرحت بي على هذا التقدير (وقد خرج ابن مالك على هذا) الوجه الأخير وهو حذف المضاف قوله :

(وما أصاحب من قوم فأذكرهم

وإلا يزيدهم حبا إلي هم (١)

فادعى أن الأصل يزيدون أنفسهم ثم صار يزيدونهم ، ثم فصل ضمير الفاعل للضرورة ، وأخر عن ضمير المفعول ، وحامله على ذلك ظنه أن الضميرين) المنصوب والمرفوع (لمسمى واحد) بل هما لمسميين متغايرين (فإن مراده أنه ما يصاحب قوما فيذكر قومه لهم إلا ويزيد هؤلاء القوم قومه حبا إليه لما يسمعه من ثنائهم عليهم ، القصيدة في حماسة أبي تمام) حبيب بن أوس الطائي ، وأقول قدّر المصنف ما لا دليل عليه في البيت ؛ لأنه قدر لهم بعد قوله فاذكرهم وقدر ثناءهم على قومه ؛ ليكون ذلك سببا لزيادتهم إياه حبا في قومه ، وهو في غنية عن ذلك إذ يجوز أن يكون المراد أنه إذا صاحب قوما فذكر قومه ، أي : تذكرهم زاد هؤلاء القوم المصاحبون قومه حبا إليه لما يشاهده من انحطاط مرتبة هؤلاء عن مرتبة قومه ، ففيه إشارة إلى فضل قومه على كل

__________________

(١) البيت من البحر البسيط ، وهو لزياد بن منقذ في خزانة الأدب ٥ / ٢٥٠ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٧١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٩٠ ، وتخليص الشواهد ص ٨٣. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٧ / ٢٠٠.

٣٤

ولا يحسن تخريج ذلك على ظاهره ، كما قيل في قوله [من البسيط] :

١٨ ـ قد بتّ أحرسني وحدي ، ويمنعني

صوت السّباع به يضبحن والهام

لأن ذلك شعر ؛ فقد يستسهل فيه مثل هذا ، ولا على قول ابن الأنباري إن «إلى» قد ترد اسما ، فيقال : «انصرفت من إليك» كما يقال «غدوت من عليك» لأنه إن كان ثابتا ففي غاية الشّذوذ ، ولا على قول ابن عصفور إن إليك في : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ) [البقرة : ٤٨ ، ١٢٣] إغراء ، والمعنى خذ جناحك ، أي : عصاك ؛ لأن «إلى» لا تكون بمعنى «خذ» عند البصريين ، ولأن «الجناح» ليس بمعنى «العصا» إلا عند الفرّاء وشذوذ من المفسّرين.

______________________________________________________

من يصاحبه من الأقوام فتأمل وفي «الصحاح» وذكرته بلساني وبقلبي وتذكرته وأذكرته غيري وذكرته بمعنى.

(ولا يحسن تخريج ذلك) الذي تلوناه من الآيات الشريفة (على ظاهره) من غير أن يكون هناك حذف مضاف (كما قيل في قوله :

قد بت أحرسني وحدي ويمنعني

صوت السباع به يضبحن والهام) (١)

أنه عدى أحرس المسند لضمير المتكلم إلى ضميره المتصل وهو الياء ، مع أنه ليس من باب ظنّ وفقد وعدم ، ويضبحن يصوتن والهام طير الليل والواحدة هامة ؛ (لأن بابه الشعر) فقط فلا يخرج النثر عليه فضلا عن التنزيل ، ولأن هذا في الشعر فقد يسهل فيه مثل هذا (ولا على قول ابن الأنباري) بنون بعد الهمزة تليها موحدة (إن إلى قد ترد اسما) مثل ما ترد على اسما (فيقال : انصرفت من إليك كما يقال غدوت من عليك ؛ لأنه إن كان ثابتا ففي غاية الشذوذ) فكيف يخرج أفصح الكلام عليه (ولا على قول ابن عصفور إن إليك في واضمم إليك غزاه) بمعنى خذ (والمعنى خذ جناحك أي : عصاك ؛ لأن إلى لا تكون بمعنى خذ عند البصريين) وإنما تكون بمعنى أتنحى في قولك : إلي وبمعنى تنح في قولك إليك (ولأن الجناح ليس بمعنى العصا إلا عند الفراء وشذوذ من المفسرين) والمشهور أنها بمعنى اليد ؛ لأن يد الإنسان بمنزلة جناحي الطائر والمعنى هنا واضمم يدك إلى صدرك ومعنى واضمم يدك إلى جناحك في سورةطه أدخل يمناك تحت يسراك.

__________________

(١) البيت من البحر البسيط ، وهو للنمر بن تولب في ديوانه ص ٣٨٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٢٩ ، ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٧ / ٣١١.

٣٥

* (عن) على ثلاثة أوجه :

[أحدها : أن تكون حرف جرو جميع ما ذكر لها عشرة معان :]

أحدها : المجاوزة ، ولم يذكر البصريّون سواه ، نحو : «سافرت عن البلد» و «رغبت عن كذا» ، و «رميت السهم عن القوس» وذكر لها في هذا المثال معنى غير هذا ، وسيأتي.

الثاني : البدل ، نحو : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [محمد : ٣٨] وفي الحديث : «صومي عن أمّك».

______________________________________________________

(عن)

(على ثلاثة أوجه :

أحدها أن تكون حرفا جارا وجميع ما ذكر لها عشرة معان.

أحدها المجاوزة) بالزاي وهو أشهر معانيها ، والمراد بالمجاوزة بعد شيء عن المجرور بها بسبب إيجاد مصدر الفعل المتعدي بها فمعنى سافرت عن البلد بعدت عن البلد بسبب السفر ، وعلى ذلك فقس (ولم يذكر البصريون سواه نحو سافرت عن البلد ورغبت عن كذا ورميت عن القوس ، وذكر لها في هذا المثال) الأخير (معنى آخر) وهو الاستعلاء (وسيأتي) قريبا.

(الثاني البدل نحو : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨]) أي بدل نفس (وفي الحديث «صومي عن أمك» (١)) أي بدل أمك ويحتمل أن يكون المعنى صومي نائبة عن أمك ، وقد حمل عليه بعضهم قوله :

كيف تراني قاليا مجني

قد قتل الله زيادا عني (٢)

أي قتل زيادا بدلي ويحتمل التضمين أي : صرفه الله عني بالقتل ، والمجن بكسر الميم وفتح الجيم الترس.

__________________

(١) أخرجه مسلم ، كتاب الصيام ، باب قضاء الصيام عن الميت (١١٤٨) ، وابن حبان في صحيحه ١٠ / ٢٤٠ ، والنسائي في الكبرى ٢ / ١٧٤.

(٢) البيت من بحر الرجز ، وهو للفرزدق ، ذكره ابن منظور في لسان العرب كيف تراني قالبا مجني أقلب أمري ظهره للبطن قد قتل الله زيادا عني ٤ / ٥٢٠ (ظهر) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٢٤٧. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ١٢ / ٢٩١.

٣٦

الثالث : الاستعلاء ، نحو : (فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) [القصص : ٣٢] وقول ذي الأصبع [من البسيط] :

١٩ ـ لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب

عنّي ، ولا أنت دياني فتخزوني

أي : لله درّ ابن عمّك لا أفضلت في حسب عليّ ولا أنت مالكي فتسوسني ، وذلك لأن المعروف أن يقال : «أفضلت عليه» قيل : ومنه قوله تعالى : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) [ص : ٣٢] ، أي : قدّمته عليه ، وقيل : هي على بابها ، وتعلّقها بحال محذوفة ، أي منصرفا عن ذكر ربي ؛ وحكى الرماني عن أبي عبيدة ...

______________________________________________________

(والثالث : الاستعلاء نحو : (فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) [محمد : ٣٨]) أي : على نفسه ويحتمل التضمين ، والمعنى فإنما يبعد الخير عن نفسه بالبخل ، أو فإنما يصدر البخل عن نفسه لأنها مكان البخل ومنبعه (و) نحو (قول ذي الأصبع) بصاد وعين مهملة واحد الأصابع :

(لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب

عني ولا أنت دياني فتخزوني (١)

أي لله در ابن عمك) فحذف اللامين الجارة والأخرى شذوذا ، والدر في الأصل مصدر در اللبن يدر درا ويسمى اللبن درا ، وقيل : أريد بالدر في مثله الخير ؛ فإنهم كانوا يعتقدون أن اللبن منشأ لكل خير ؛ لأنه من غالب أقواتهم وكانوا يسقونه الخيل ويقرون به الصيفان (لا أفضلت في حسب) وهو ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه أو هو الدين (عليّ ولا أنت مالكي) وهذا تفسير دياني (فتسوسني) وهذا تفسير تخزوني بالخاء المعجمة والزاي ، وذلك الذي قلناه من أن عن في البيت بمعنى على ؛ (لأن المعروف أن يقال أفضلت عليه) بمعنى علوت عليه في الفضل ، ويحتمل التضمين بأن يكون المعنى لا تجاوزت في الفضل عني (قيل : ومنه (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) [ص : ٣٢] أي قدمته عليه) وهذا فيه جمع بين تضمين أحب معنى الإيثار والتقديم ، وجعل عن بمعنى على وهو بعيد (وقيل هي) : أي عن المذكورة في الآية (على بابها) للمجاوزة وليست للاستعلاء (وتعلقها بحال محذوفة أي منصرفا من ذكر ربي ، وحكي الرماني عن أبي عبيدة)

__________________

(١) البيت من البحر البسيط ، وهو لذي الإصبع العدواني في أدب الكاتب ص ٥١٣ ، والأزهية ص ٢٧٩ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٢٦٣ ، وأوضح المسالك ٣ / ٤٣. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٨ / ٢٣٩.

٣٧

أن «أحببت» من «أحبّ البعير إحبابا» إذا برك فلم يثر ؛ فـ «عن» متعلّقة به باعتبار معناه التضمّني ، وهي على حقيقتها ، أي إني تثبطت عن ذكر ربي ، وعلى هذا فـ «حبّ الخير» مفعول لأجله.

الرابع : التعليل ، نحو : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ) [التوبة : ١١٤] ، ونحو : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) [هود : ٥٣] ؛ ويجوز أن يكون حالا من ضمير «تاركي» أي : ما نتركها صادرين عن قولك ، وهو رأي الزمخشري ؛ وقال في (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) [البقرة : ٣٦] : إن كان الضمير للشّجرة فالمعنى حملهما على الزلّة

______________________________________________________

بالتصغير وهاء التأنيث (أن أحببت من أحب البعير أحبابا ؛ إذا برك فلم يثر ، فعن متعلقة به باعتبار معناه التضمني) وهو التثبط (وهي على حقيقتها) وهو معنى المجاوزة (أي إني تثبطت عن ذكر ربي) وشغلت عنه (وعلى هذا فحب الخير مفعول لأجله) ونقل الزمخشري هذا القول ولم يرتضه قال في «الكشاف» أحببت مضمن معنى فعل يتعدى بعن ، كأنه قال : أثبت حب الخير عن ذكر ربي أو جعلت حب الخير مجزيا ، أو مغنيا عن ذكر ربي ، وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب «التبيان» أن أحببت بمعنى لزمت من قوله مثل بعير السوء إذا حبا ، وليس بذاك والخير المال كقوله تعالى : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) [البقرة : ١٨٠](وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٨) [العاديات : ٨] والمال الخيل التي شغلته أو سمي الخيل خيرا كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» (١) وقال في زيد الخيل حين قدم عليه وأسلم «ما وصف لي رجل فرأيته إلا كان دون ما بلغني إلا زيد الخيل» (٢) وسماه زيد الخير ، وسأل رجل بلالا رضي الله تعالى عنه عن قوم يستبقون من السابق منهم؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : الرجل أردت الخيل فقال : وإنما أردت الخير ، إلى هنا كلامه.

(والرابع) من معاني عن (التعليل نحو : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ) [التوبة : ١١٤]) أي : لأجل موعدة ويحتمل أن يكون المعنى إلا صادرا عن موعدة (ونحو : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) [هود : ٥٣] ويجوز أن يكون حالا من ضمير تاركي أي : ما نتركها صادرين عن قولك ، وهو رأي الزمخشري وقال في فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) [البقرة : ٣٦] (إن كان الضمير للشجرة فالمعنى حملهما على الزلة بسببها ، وحقيقته أصدر الزلة

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب الجهاد ماض مع البر والفاجر (٢٨٥٢) ، ومسلم ، كتاب الإمارة ، باب الخيل في نواصيها الخير .. (١٨٧٣) ، والترمذي ، كتاب فضائل الجهاد ، باب ما جاء في فضل من ارتبط فرسا .. (١٦٣٦) ، وأحمد (٥٠٨٣).

(٢) ذكره ابن هشام في السير النبوية ٥ / ٢٧٤.

٣٨

بسببها ، وحقيقته أصدر الزلّة عنها ؛ ومثله : (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) [الكهف : ٨٢] وإن كان للجنّة فالمعنى نحّاهما عنها.

الخامس : مرادفة «بعد» ، نحو : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) [المؤمنون : ٤٠] ، (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [النساء : ٤٦ ، والمائدة : ١٣] ، بدليل أنّ في مكان آخر (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) [المائدة : ٤١] ، ونحو : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (١٩) [الانشقاق : ١٩] ، أي : حالة بعد حالة ، وقال [من الرجز] :

٢٠ ـ ومنهل وردته عن منهل

[قفر به الأعطان لم تسهّل]

السادس : الظرفيّة ، كقوله [من الطويل] :

______________________________________________________

عنهما ومثله وما فعلته عن أمري) أي : وما أصدرت ما فعلته عن اجتهادي ورأيي ، وإنما فعلته بأمر الله تعالى (وإن كان للجنة فالمعنى نحاهما عنها) وأذهبهما كما تقول : زل عن مرتبته وزل عني ذاك ، إذا ذهب عنك.

(والخامس) من معانيها (مرادفة بعد) وإطلاق القول بالمرادفة مشكل ؛ لأن بعد اسم بقين فلو رادفتها عن لكانت اسما إذ لا مرادفة بين كلمتين من نوعين ، ولو كانت اسما لامتنع عن هذا المعنى عن الحرفية (نحو (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) [المؤمنون : ٤]) أي : بعد قليل ونحو ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [النساء : ٤٦] بدليل أن في مكان آخر من بعد مواضعه) فدل على أن عن في الآية الأولى بمعنى بعد الواقعة في الثانية ، وهذا لا يدل على المدعى لثبوت الفرق بين الموضعين ، فمعنى الأولى مجرد الإمالة والإزالة عن مواضعه بتفسيره على غير ما أنزل ، وتأويله بالتأويلات الباطلة ومعنى الثاني إمالته عن مواضعه التي وضعه الله فيها بمحوه منها ، فيتركونه بغير مواضع بعد أن كان في مواضع (ونحو (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (١٩) [الانشقاق : ١٩] أي : حالة بعد حالة) وهذا أيضا قابل للتخريج على وجه يفي به عن على معناها بأن يكون التقدير : لتركبن طبقا متجاوزا في الشدة عن طبق آخر دونه ، فيكون كل طبق أعظم في الشدة مما قبله (وقال

ومنهل وردته عن منهل) (١)

وهذا أيضا يمكن تخريجه على أن يكون المعنى وردته صادرا عن منهل آخر وهو ظاهر.

(والسادس) من معانيها (الظرفية كقوله :

__________________

(١) الشطر من البحر الرجز ، وهو للعجاج في ديوانه ١ / ٢٤١ بلفظ : بمنهل تجبينه عن منهل ، وبلا نسبة في لسان العرب ١١ / ٧١٩ (وأل) ، والمخصص ١٤ / ٦٧. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ١١ / ٤٥٣.

٣٩

٢١ ـ وآس سراة الحيّ حيث لقيتهم ،

ولا تك عن حمل الرّباعة وانيا

الرباعة : نجوم الحمالة ، قيل : لأن «وني» لا يتعدّى إلا بـ «في» ، بدليل : (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) [طه : ٤٢] ، والظاهر أن معنى «وني عن كذا» جاوزه ولم يدخل فيه ، و «وني فيه» : دخل فيه وفتر.

السابع : مرادفة «من» ، نحو : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) [الشورى : ٢٥] ، الشاهد في الأولى (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) [الأحقاف : ١٦] بدليل : (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) [المائدة : ٢٧] ، (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) [البقرة : ١٢٧].

______________________________________________________

وآس سراة الحي حيث لقيتهم

ولا تك عن حمل الرباعة وانيا) (١)

آس السراة أي : أنلهم من مالك واجعلهم في أسوة ، يقال أساه بماله مواساة والسراة قال الجوهري : جمع سرى وهو جمع عزيز ، وفي «القاموس» اسم جمع والحي بطن من البطون يجتمعون فيجيء بعضهم من بعض (والرباعة) بكسر الراء (نجوم الحمالة) بفتح الحاء المهملة ، وهي ما يتكفل به من دية أو غرامة (قيل) وعن في البيت بمعنى في أي : ولا تك وانيا في حمل الرباعة (بدليل) قوله تعالى : (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) [طه : ٤٢] فعدى فعل الوني بفي فيحمل ما في البيت عليه (والظاهر) الفرق بين التعديتين فلا يتأتى الحمل ، وذلك (أن معنى ونى عن كذا جاوزه ، ولم يدخل فيه) فيكون معنى ما في البيت ؛ لأنك متجاوز عن الحمل غير داخل فيه (و) معنى (وفي فيه دخل فيه وفتر) وليس هذا المراد من البيت ، بأن يكون خطابا لمن تحمل وفتر في الإعطاء ، وإنما هو لمن لم يتحمل أن يتحمل فالمعنيان متغايران ، فكيف يحمل أحدهما على الآخر؟!.

(والسابع) من معانيها (مرادفة من نحو) قوله تعالى : ((وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) [الشورى : ٢٥] الشاهد في عن الأولى) ولا شاهد فيها لجواز التعلق بمحذوف أي : يقبل التوبة صادرة عن عباده ونحو : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) [الأحقاف : ١٦] وهذه كالأولى أي : يتقبل أحسن ما عملوا صادرا عنهم (بدليل : (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة : ٢٧]) ولو قال المصنف هنا الآية ليشير إلى أن في بقيتها دليلا لكان حسنا ، وبدليل : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) [البقرة : ١٢٧] وهنا حذف عاطف ، وليس من

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٣٧٩ ، والدرر ٤ / ١٤٥ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٤٧ ، وجواهر الأدب ص ٣٢٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٠. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٨ / ٣٥٩.

٤٠