شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

محمّد بن أبي بكر الدماميني

شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أبي بكر الدماميني


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢
الجزء ١ الجزء ٢

بذلك من الجمع بين إضافة «أفعل» وكونه بـ «من» ، وهذا البيت أشكل على أبي علي حتى جعله من تخليط الأعراب.

والرابع : «ربّ» في نحو : «ربّ رجل صالح لقيته ، أو لقيت» ؛ لأن مجرورها مفعول في الثاني ، ومبتدأ في الأول ، أو مفعول على حدّ «زيدا ضربته» ، ويقدّر النّاصب بعد المجرور لا قبل الجارّ ؛ لأن «ربّ» لها الصّدر من بين حروف الجرّ ، وإنما دخلت في المثالين لإفادة التّكثير أو التقليل ، لا لتعدية عامل. هذا قول الرمّاني وابن طاهر. وقال الجمهور : هي حرف جرّ معدّ ، فإن قالوا : إنها عدّت العامل المذكور فخطأ ، لأنه يتعدّى بنفسه ، ولاستيفائه معموله في المثال الأول ؛ وإن قالوا : عدّت محذوفا تقديره «حصل» أو نحوه كما صرّح به جماعة ، ففيه تقدير لما معنى الكلام مستغن عنه ولم يلفظ به في وقت.

الخامس : كاف التشبيه ، قاله الأخفش وابن عصفور ، مستدلّين بأنه إذا قيل : «زيد كعمرو» فإن كان المتعلّق «استقرّ» ، فالكاف لا تدلّ عليه ، بخلاف نحو «في» من «زيد في الدار» ؛ وإن كان فعلا مناسبا للكاف ـ وهو أشبه ـ فهو متعدّ بنفسه لا بالحرف.

والحق أن جميع الحروف الجارّة الواقعة في موضع الخبر ونحوه تدلّ على الاستقرار.

السادس : حرف الاستثناء ، وهو «خلا» و «عدا» و «حاشا» ، إذا خفضن ؛ فإنهن لتنحية الفعل عما دخلن عليه ، كما أن «إلّا» كذلك ، وذلك عكس معنى التعدية الذي هو إيصال معنى الفعل إلى الاسم. ولو صحّ أن يقال : إنها متعلّقة لصحّ ذلك في «إلّا» ، وإنما خفض بهنّ المستثنى ولم ينصب كالمستثنى بـ «إلّا» لئلا يزول الفرق بينهن أفعالا وأحرفا.

حكمهما بعد المعارف والنكرات

حكمهما بعدهما حكم الجمل ؛ فهما صفتان في نحو : «رأيت طائرا فوق غصن ، أو على غصن» ؛ لأنهما بعد نكرة محضة ، وحالان في نحو : «رأيت الهلال بين السّحاب ، أو في الأفق» ، لأنهما بعد معرفة محضة ؛ ومحتملان لهما في نحو : «يعجبني الزّهر في أكمامه ، والثمر على أغصانه» ، لأن المعرّف الجنسيّ كالنكرة ، وفي نحو : «هذا ثمر يانع على أغصانه» ، لأن النكرة الموصوفة كالمعرفة.

٣٤١

حكم المرفوع بعدهما

إذا وقع بعدهما مرفوع ؛ فإن تقدّمهما نفي أو استفهام ، أو موصوف ، أو موصول ، أو صاحب خبر ، أو حال ، نحو : «ما في الدار أحد» ، و «أفي الدار زيد» ، و «مررت برجل معه صقر» ، و «جاء الذي في الدار أبوه» ، و «زيد عندك أخوه» ، و «مررت بزيد عليه جبّة» ، ففي المرفوع ثلاثة مذاهب :

أحدها : أن الأرجح كونه مبتدأ مخبرا عنه بالظّرف أو المجرور ، ويجوز كونه فاعلا.

والثاني : أنّ الأرجح كونه فاعلا ، واختاره ابن مالك ، وتوجيهه أن الأصل عدم التّقديم والتأخير.

والثالث : أنه يجب كونه فاعلا ، نقله ابن هشام عن الأكثرين.

وحيث أعرب فاعلا فهل عامله الفعل المحذوف أو الظرف أو المجرور لنيابتهما عن «استقرّ» ، وقربهما من الفعل لاعتمادهما؟ فيه خلاف ، والمذهب المختار الثاني ، لدليلين : أحدهما امتناع تقديم الحال في نحو : «زيد في الدار جالسا» ، ولو كان العامل الفعل لم يمتنع ، ولقوله [من الطويل] :

٥٧٢ ـ [فإن يك جثماني بأرض سواكم]

فإنّ فؤادي عندك الدّهر أجمع (١)

فأكّد الضمير المستتر في الظرف ، والضمير لا يستتر إلا في عامله ، ولا يصح أن يكون توكيدا لضمير محذوف مع الاستقرار ، لأن التوكيد والحذف متنافيان ، ولا لاسم «إنّ» على محله من الرفع بالابتداء ؛ لأن الطالب للمحل قد زال.

واختار ابن مالك المذهب الأول ، مع اعترافه بأن الضمير مستتر في الظرف ، وهذا تناقض ، فإن الضمير لا يستكنّ إلا في عامله.

وإن لم يعتمد الظرف أو المجرور نحو : «في الدار» ، أو «عندك زيد» فالجمهور يوجبون الابتداء ، والأخفش والكوفيّون يجيزون الوجهين ، لأن الاعتماد عندهم ليس بشرط ولذا يجيزون في نحو : «قائم زيد» أن يكون «قائم» مبتدأ و «زيد» فاعلا ، وغيرهم يوجب كونهما على التقديم والتأخير.

* * *

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١١١ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٥٩ ، ولكثير عزة في ديوانه ص ٤٠٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٠١ ، وشرح الأشموني ١ / ٩٣.

٣٤٢

تنبيهات ـ الأول : يحتمل قول المتنبي يذكر دار المحبوب [من المنسرح] :

٥٧٣ ـ ظلت بها تنطوي على كبد

نضيجة فوق خلبها يدها (١)

أن تكون «اليد» فيه فاعلة بـ «نضيجة» ، أو بالظّرف ، أو بالابتداء ، والأوّل أبلغ ، لأنه أشدّ للحرارة ، و «الخلب» : زيادة الكبد ، أو حجاب القلب ، أو ما بين الكبد والقلب ، وأضاف «اليد» إلى «الكبد» للملابسة بينهما ؛ فإنهما في الشخص.

ولا خلاف في تعيّن الابتداء في نحو : «في داره زيد» لئلّا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

فإن قلت «في داره قيام زيد» لم يجزها الكوفيّون ألبتة ، أما على الفاعلية فلما قدّمنا ، وأما على الابتدائية فلأنّ الضمير لم يعد على المبتدأ ، بل على ما أضيف إليه المبتدأ ، والمستحقّ للتقديم إنما هو المبتدأ ؛ وأجازه البصريون على أن يكون المرفوع مبتدأ ، لا فاعلا ، كقولهم : «في أكفانه درج الميت» ، وقوله [من الطويل] :

بمسعاته هلك الفتى أو نجاته

وإذا كان الاسم في نيّة التقديم كان ما هو من تمامه كذلك.

والأرجح تعيين الابتدائيّة في نحو : «هل أفضل منك زيد» لأن اسم التفضيل لا يرفع الفاعل الظاهر عند الأكثر على هذا الحدّ ، وتجوز الفاعليّة في لغة قليلة.

ومن المشكل قوله [من الوافر] :

٥٧٤ ـ فخير نحن عند النّاس منكم

[إذا الدّاعي المثوّب قال يا لا](٢)

لأن قوله : «نحن» إن قدّر فاعلا لزم إعمال الوصف غير معتمد ، ولم يثبت ، وعمل «أفعل» في الظاهر في غير مسألة الكحل وهو ضعيف ؛ وإن قدّر مبتدأ لزم الفصل به وهو أجنبي بين «أفعل» و «من» ؛ وخرّجه أبو علي ـ وتبعه ابن خروف ـ على أن لا وصف خبر لـ «نحن» محذوفة ، وقدّر «نحن» المذكورة توكيدا للضمير في أفعل.

__________________

(١) البيت من البحر المنسرح ، انظر : خلاصة الأثر ٣ / ٢١.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لزهير بن مسعود الضبي في تخليص الشواهد ص ١٨٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٦ ، والدرر ٣ / ٤٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٩٥ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٢٠ ، ونوادر أبي زيد ص ٢١ ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٢٧٦.

٣٤٣

ما يجب فيه تعلقهما بمحذوف

وهو ثمانية :

أحدها : أن يقعا صفة ، نحو : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) [البقرة : ١٩].

الثاني : أن يقعا حالا ، نحو : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) [القصص : ٧٩] ؛ وأما قوله سبحانه وتعالى : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) [النمل : ٤٠] فزعم ابن عطية أن (مُسْتَقِرًّا) هو المتعلّق الذي يقدر في أمثاله قد ظهر ؛ والصّواب ما قاله أبو البقاء وغيره من أن هذا الاستقرار معناه عدم التحرّك ، لا مطلق الوجود والحصول ، فهو كون خاصّ.

الثالث : أن يقعا صلة ، نحو : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ) [الأنبياء : ١٩].

الرابع : أن يقعا خبرا ، نحو : «زيد عندك ، أو في الدّار» ، وربّما ظهر في الضرورة ، كقوله [من الطويل] :

٥٧٥ ـ لك العزّ إن مولاك عزّ ، وإن يهن

فأنت لدى بحبوحة الهون كائن (١)

وفي شرح ابن يعيش : متعلّق الظّرف الواقع خبرا ؛ صرّح ابن جنّي بجواز إظهاره ؛ وعندي أنه إذا حذف ونقل ضميره إلى الظّرف لم يجز إظهاره ، لأنه قد صار أصلا مرفوضا ، فأما إن ذكرته أوّلا فقلت : «زيد استقرّ عندك» ، فلا يمنع مانع منه ، ا ه. وهو غريب.

الخامس : أن يرفعا الاسم الظّاهر ، نحو : (أَفِي اللهِ شَكٌ) [إبراهيم : ١٠] ، ونحو : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ) [البقرة : ١٩] ونحو : «أعندك زيد».

والسادس : أن يستعمل المتعلّق محذوفا في مثل أو شبهه ، كقولهم لمن ذكر أمرا قد تقادم عهده : «حينئذ الآن» ، أصله : كان ذلك حينئذ واسمع الآن ، وقولهم للمعرس «بالرّفاء والبنين» بإضمار : أعرست.

والسابع : أن يكون المتعلّق محذوفا على شريطة التفسير ، نحو : «أيوم الجمعة صمت فيه» ، ونحو : «بزيد مررت به» عند من أجازه مستدلّا بقراءة بعضهم (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ)

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الدرر ٢ / ١٨ ، ٥ / ٣١٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤٧ والمقاصد النحوية ١ / ٥٤٤.

٣٤٤

[الإنسان : ٣١] ، والأكثرون يوجبون في مثل ذلك إسقاط الجار ، وأن يرفع الاسم بالابتداء أو ينصب بإضمار «جاوزت» أو نحوه ، وبالوجهين قرىء في الآية ، والنصب قراءة الجماعة ، ويرجّحها العطف على الجملة الفعليّة ؛ وهل الأولى أن يقدّر المحذوف مضارعا ، أي : ويعذب ، لمناسبة «يدخل» ، أو ماضيا ، أي : وعذب لمناسبة المفسّر؟ فيه نظر. والرّفع بالابتداء ؛ وأمّا القراءة بالجرّ فمن توكيد الحرف بإعادته داخلا على ضمير ما دخل عليه المؤكّد ، مثل : «إنّ زيدا إنّه فاضل» ؛ ولا يكون الجارّ والمجرور توكيدا للجارّ والمجرور ، لأن الضمير لا يؤكّد الظاهر ، لأن الظاهر أقوى ؛ ولا يكون المجرور بدلا من المجرور بإعادة الجار ، لأن العرب لم تبدل مضمرا من مظهر ، لا يقولون : «قام زيد هو» ، وإنما جوّز ذلك بعض النحويّين بالقياس.

والثامن : القسم بغير الباء ، نحو : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (١) [الليل : ١] ، (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧] ، وقولهم : «لله لا يؤخّر الأجل» ، ولو صرّح بالفعل في نحو ذلك لوجبت الباء.

هل المتعلّق الواجب الحذف فعل أو وصف؟

لا خلاف في تعيين الفعل في باب القسم والصّلة ، لأن القسم والصّلة لا يكونان إلا جملتين.

قال ابن يعيش : وإنما لم يجز في الصلة أن يقال إن نحو «جاء الذي في الدار» بتقدير «مستقر» على أنه خبر لمحذوف على حدّ قراءة بعضهم (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) [الأنعام : ١٥٤] بالرفع ، لقلّة ذاك واطّراد هذا ، ا ه.

وكذلك يجب في الصفة في نحو : «رجل في الدار فله درهم» ، لأن الفاء تجوز في نحو : «رجل يأتيني فله درهم» ، وتمتنع في نحو : «رجل صالح فله درهم» ، فأما قوله [من الخفيف] :

٥٧٦ ـ كلّ أمر مباعد أو مدان

فمنوط بحكمة المتعالي (١)

فنادر.

واختلف في الخبر والصّفة والحال ؛ فمن قدّر الفعل ـ وهم الأكثرون ـ فلأنّه الأصل

__________________

(١) البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في الدرر ٢ / ٣٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤٧.

٣٤٥

في العمل ، ومن قدّر الوصف فلأنّ الأصل في الخبر والحال والنعت الإفراد ، ولأن الفعل في ذلك لا بدّ من تقديره بالوصف ؛ قالوا : ولأن تقليل المقدّر أولى ، وليس بشيء ؛ لأن الحقّ أنّا لم نحذف الضمير ، بل نقلناه إلى الظرف ؛ فالمحذوف فعل أو وصف وكلاهما مفرد.

وأما في الاشتغال فيقدّر بحسب المفسّر ؛ فيقدر الفعل في نحو : «أيوم الجمعة نعتكف فيه» ، والوصف في نحو : «أيوم الجمعة أنت معتكف فيه».

والحق عندي أنه لا يترجّح تقديره اسما ولا فعلا ، بل بحسب المعنى كما سأبيّنه.

كيفيّة تقديره باعتبار المعنى؟

أما في القسم فتقديره : أقسم ، وأمّا في الاشتغال فتقديره كالمنطوق به ، نحو : «يوم الجمعة صمت فيه».

واعلم أنهم ذكروا في باب الاشتغال أنّه يجب أن لا يقدّر مثل المذكور إذا حصل مانع صناعيّ كما في «زيدا مررت به» ، أو معنويّ كما في «زيدا ضربت أخاه» إذ تقدير المذكور يقتضي في الأول تعدّي القاصر بنفسه ، وفي الثاني خلاف الواقع ؛ إذ «الضرب» لم يقع بـ «زيد» ؛ فوجب أن يقدر «جاوزت» في الأول ، و «أهنت» في الثاني ، وليس المانعان مع كل متعدّ بالحرف ، ولا مع كل سببيّ ؛ ألا ترى أنه لا مانع في نحو : «زيدا شكرت له» لأن «شكر» يتعدّى بالجارّ وبنفسه ؛ وكذلك الظرف ، نحو : «يوم الجمعة صمت فيه» ، لأن العامل لا يتعدّى إلى ضمير الظروف بنفسه ، مع أنّه يتعدّى إلى ظاهره بنفسه ، وكذلك لا مانع في نحو : «زيدا أهنت أخاه» لأن إهانة أخيه إهانة له ، بخلاف الضرب.

وأما في المثل فيقدّر بحسب المعنى ، وأما في البواقي ، نحو : «زيد في الدّار» فيقدر كونا مطلقا وهو «كائن» أو «مستقرّ» ، أو مضارعهما إن أريد الحال أو الاستقبال ، نحو : «الصوم اليوم» ، أو «في اليوم» ، و «الجزاء غدا» أو «في الغد» ، ويقدّر «كان» أو «استقرّ» أو وصفهما إن أريد المضيّ ، هذا هو الصواب ، وقد أغفلوه مع قولهم في نحو : «ضربي زيدا قائما» : إن التقدير : إذ كان إن أريد المضيّ أو : إذا كان ، إن أريد المستقبل ، ولا فرق ، وإذا جهلت المعنى فقدّر الوصف ، فإنه صالح في الأزمنة كلّها ، وإن كانت حقيقته الحال. وقال الزمخشري في قوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) [الزمر : ١٩] إنهم جعلوا

٣٤٦

في النار الآن لتحقق الموعود به ، ولا يلزم ما ذكره ، لأنه لا يمتنع تقدير المستقبل ، ولكن ما ذكر أبلغ وأحسن.

ولا يجوز تقدير الكون الخاصّ كـ «قائم» و «جالس» إلّا لدليل ، ويكون الحذف حينئذ جائزا لا واجبا ، ولا ينتقل ضمير من المحذوف إلى الظرف والمجرور ، وتوهّم جماعة امتناع حذف الكون الخاص ، ويبطله أنّا متّفقون على جواز حذف الخبر عند وجود الدليل ، وعدم وجود معمول ، فكيف يكون وجود المعمول مانعا من الحذف مع أنه إمّا أن يكون هو الدليل أو مقوّيا للدليل؟ واشتراط النحويّين الكون المطلق إنما هو لوجوب الحذف ، لا لجوازه.

ومما يتخرّج على ذلك قولهم : «من لي بكذا» ، أي : من يتكفّل لي به؟ وقوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : ١] ، أي : مستقبلات لعدّتهن ؛ وكذا فسّره جماعة من السّلف ، وعليه عوّل الزمخشري ، وردّه أبو حيّان توهّما منه أن الخاصّ لا يحذف ، وقال : الصّواب أن اللام للتوقيت ، وأن الأصل لاستقبال عدتهن ، فحذف المضاف ، ا ه.

وقد بيّنا فساد تلك الشبهة. وممّا يتخرّج على التعلّق بالكون الخاص قوله تعالى : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) [البقرة : ١٧٨] ، والتّقدير : مقتول أو يقتل ، لا كائن ، اللهمّ إلا أن تقدّر مع ذلك مضافين ، أي : قتل الحر كائن بقتل الحر ، وفيه تكلّف تقدير ثلاثة : الكون والمضافان ، بل تقدير خمسة ، لأن كلّا من المصدرين لا بدّ له من فاعل ؛ وممّا يبعد ذلك أيضا أنك لا تعلم معنى المضاف الذي تقدّره مع المبتدأ إلّا بعد تمام الكلام ، وإنما حسن الحذف أن يعلم عند موضع تقديره نحو : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢].

ونظير هذه الآية قوله تعالى : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الآية [المائدة : ٤٥] ، أي : أن النفس مقتولة بالنفس ، والعين مفقوءة بالعين ، والأنف مجدوع بالأنف ، والأذن مصلومة بالأذن ، والسنّ مقلوعة بالسنّ ، هذا هو الأحسن ؛ وكذلك الأرجح في قوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (٥) [الرحمن : ٥] أن يقدّر : بجريان ، فإن قدرت الكون قدرت مضافا ، أي جريان الشمس والقمر كائن بحسبان. وقال ابن مالك في قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) [النمل : ٦٥]. إن الظرف ليس متعلّقا بالاستقرار ، لاستلزامه إمّا الجمع بين الحقيقة والمجاز ، فإن الظرفيّة المستفادة من في حقيقة بالنسبة إلى غير الله سبحانه وتعالى ومجاز بالنسبة إليه تعالى ؛ وإما حمل قراءة السبعة على لغة مرجوحة ، وهي إبدال المستثنى المنقطع كما زعم الزمخشري ؛ فإنه زعم أن الاستثناء منقطع ، والمخلّص من هذين المحذورين أن يقدّر : قل لا يعلم من يذكر في السموات والأرض ؛ ومن جوّز اجتماع الحقيقة والمجاز في

٣٤٧

كلمة واحدة واحتجّ بقولهم : «القلم أحد اللسانين» ، ونحوه لم يحتج إلى ذلك. وفي الآية وجه آخر ، وهو أن يقدّر «من» مفعولا به ، و «الغيب» بدل اشتمال ، و «الله» فاعل ، والاستثناء مفرغ.

تعيين موضع التقدير

الأصل أن يقدّر مقدّما عليهما كسائر العوامل مع معمولاتها ، وقد يعرض ما يقتضي ترجيح تقديره مؤخّرا ، وما يقتضي إيجابه.

فالأول نحو : «في الدار زيد» لأن المحذوف هو الخبر ، وأصله أن يتأخر عن المبتدأ.

والثاني نحو : «إن في الدار زيدا» لأن «إنّ» لا يليها مرفوعها.

ويلزم من قدّر المتعلّق فعلا أن يقدّره متأخرا في جميع المسائل ، لأن الخبر إذا كان فعلا لا يتقدّم على المبتدأ.

تنبيه ـ ردّ جماعة منهم ابن مالك على من قدّر الفعل بنحو قوله تعالى : (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) [يونس : ٢١] ، وقولك : «أمّا في الدّار فزيد» لأن «إذا» الفجائية لا يليها الفعل ، و «أمّا» لا يقع بعدها فعل إلا مقرونا بحرف الشرط ، نحو : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٨٨) [الواقعة : ٨٨] ، وهذا على ما بيّناه غير وارد ، لأن الفعل يقدّر مؤخرا.

٣٤٨

الباب الرابع من الكتاب

في ذكر أحكام يكثر دورها ، ويقبح

بالمعرب جهلها ، وعدم معرفتها على وجهها

[ما يعرف به المبتدأ من الخبر]

فمن ذلك ما يعرف به المبتدأ من الخبر.

يجب الحكم بابتدائية المقدّم من الاسمين في ثلاث مسائل :

إحداها : أن يكونا معرفتين ، تساوت رتبتهما ، نحو : «الله ربنا» ، أو اختلفت ، نحو : «زيد الفاضل» ، و «الفاضل زيد» هذا هو المشهور ، وقيل : يجوز تقدير كلّ منهما مبتدأ وخبرا مطلقا ، وقيل : المشتق خبر وإن تقدّم ، نحو : «القائم زيد».

والتحقيق أن المبتدأ ما كان أعرف كـ «زيد» في المثال ، أو كان هو المعلوم عند المخاطب كأن يقول : من القائم؟ فتقول : «زيد القائم» فإن علمها وجهل النسبة فالمقدّم المبتدأ.

الثانية : أن يكونا نكرتين صالحتين للابتداء بهما ، نحو : «أفضل منك أفضل مني».

الثالثة : أن يكونا مختلفين تعريفا وتنكيرا ، والأول هو المعرفة كـ «زيد قائم» ، وأمّا إن كان هو النكرة فإن لم يكن له ما يسوّغ الابتداء به فهو خبر اتّفاقا ، نحو : «خزّ ثوبك» ، و «ذهب خاتمك» ، وإن كان له مسوّغ فكذلك عند الجمهور ، وأما سيبويه فيجعله المبتدأ ، نحو : «كم مالك» ، و «خير منك زيد» ، و «حسبنا الله» ، ووجهه أن الأصل عدم التّقديم والتأخير ، وأنهما شبيهان بمعرفتين تأخّر الأخصّ منهما ، نحو : «الفاضل أنت» ، ويتّجه عندي جواز الوجهين إعمالا للدليلين. ويشهد لابتدائيّة النكرة قوله تعالى : (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) [الأنفال : ٦٢] ، (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) [آل عمران : ٩٦] ، وقولهم : «إنّ قريبا منك زيد» ، وقولهم : «بحسبك زيد» والباء لا تدخل الخبر في الإيجاب ، ولخبريّتها قولهم : «ما جاءت حاجتك» بالرفع ، والأصل : «ما حاجتك» ، فدخل النّاسخ بعد تقدير المعرفة مبتدأ ، ولو لا هذا التقدير لم يدخل ، إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله ؛ وأما من نصب فالأصل : ما هي حاجتك ، بمعنى : أيّ حاجة هي حاجتك ، ثم دخل الناسخ على

٣٤٩

الضمير فاستتر فيه ؛ ونظيره أن تقول : «زيد هو الفاضل» ، وتقدّر «هو» مبتدأ ثانيا لا فصلا ولا تابعا ؛ فيجوز لك حينئذ أن تدخل عليه «كان» ، فتقول : «زيد كان الفاضل».

ويجب الحكم بابتدائيّة المؤخّر في نحو : «أبو حنيفة أبو يوسف». وقال [من الطويل] :

٥٧٧ ـ بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد (١)

رعيا للمعنى ، ويضعف أن تقدّر الأول مبتدأ بناء على أنه من التشبيه المعكوس للمبالغة ، لأن ذلك نادر الوقوع ، ومخالف للأصول ، اللهمّ إلا أن يقتضي المقام المبالغة ، والله أعلم.

ما يعرف به الاسم من الخبر

اعلم أن لهما ثلاث حالات :

إحداها : أن يكونا معرفتين ، فإن كان المخاطب يعلم أحدهما دون الآخر فالمعلوم الاسم والمجهول الخبر ؛ فيقال : «كان زيد أخا عمرو» لمن علم «زيدا» وجهل أخوّته لـ «عمرو» ، و «كان أخو عمرو زيدا» لمن يعلم أخا لـ «عمرو» ويجهل أن اسمه «زيد» ، وإن كان يعلمهما ويجهل انتساب أحدهما إلى الآخر : فإن كان أحدهما أعرف ، فالمختار جعله الاسم ، فتقول : «كان زيد القائم» لمن كان قد سمع بـ «زيد» وسمع برجل قائم ، فعرف كلّا منهما بقلبه ، ولم يعلم أن أحدهما هو الآخر ، ويجوز قليلا «كان القائم زيدا».

وإن لم يكن أحدهما أعرف ، فأنت مخيّر ، نحو : «كان زيد أخا عمرو» و «كان أخو عمرو زيدا». ويستثنى من مختلفي الرتبة ، نحو : «هذا» فإنه يتعيّن للاسمية لمكان التنبيه المتّصل به ، فيقال : «كان هذا أخاك ، وكان هذا زيدا» إلا مع الضمير ، فإن الأفصح في باب المبتدأ أن تجعله المبتدأ وتدخل التنبيه عليه ؛ فتقول «هأنذا» ولا يتأتى ذلك في باب النّاسخ ؛ لأن الضمير متّصل بالعامل ؛ فلا يتأتّى دخول التنبيه عليه ، على أنه سمع قليلا في باب المبتدأ «هذا أنا».

واعلم أنهم حكموا لـ «أن» و «أنّ» المقدّرتين بمصدر معرف بحكم الضمير ؛ لأنه لا يوصف كما أن الضمير كذلك ؛ فلهذا قرأت السبعة (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) [الجاثية :

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في خزانة الأدب ١ / ٤٤٤ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٦٦ ، وأوضح المسالك ١ / ١٠٦ ، وشرح الأشموني ١ / ٩٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤٨.

٣٥٠

٢٥] ، (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا) [النمل : ٥٦] والرفع ضعيف كضعف الإخبار بالضمير عما دونه في التعريف.

الحالة الثانية : أن يكونا نكرتين ؛ فإن كان لكلّ منهما مسوّغ للإخبار عنها فأنت مخيّر فيما تجعله منهما الاسم وما تجعله الخبر ؛ فتقول : «كان خير من زيد شرّا من عمرو» أو تعكس ؛ وإن كان المسوّغ لإحداهما فقط جعلتها الاسم ، نحو : «كان خير من زيد امرأة».

الحالة الثالثة : أن يكونا مختلفين ، فتجعل المعرفة الاسم ، والنكرة الخبر ، نحو : «كان زيد قائما» ، ولا يعكس إلّا في الضرورة ، كقوله [من الوافر] :

٥٧٨ ـ قفي قبل التّفرّق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا (١)

وقوله [من الوافر] :

٥٧٩ ـ كأنّ سبيئة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء (٢)

وأما قراءة ابن عامر : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ) [الشعراء : ١٩٧] بتأنيث «تكن» ورفع «آية» ، فإن قدّرت «تكن» تامّة فاللّام متعلّقة بها وآيةفاعلها ، و (أَنْ يَعْلَمَهُ) بدل من «آية» ، أو خبر لمحذوف ، أي : هي أن يعلمه ؛ وإن قدرتها ناقصة ، فاسمها ضمير القصة ، و (أَنْ يَعْلَمَهُ) مبتدأ و «آية» خبره ، والجملة خبر «كان» أو «آية» اسمها ، و «لهم» خبرها ، و (أَنْ يَعْلَمَهُ) بدل أو خبر لمحذوف ، وأما تجويز الزّجاج كون «آية» اسمها و (أَنْ يَعْلَمَهُ) خبرها فردّوه لما ذكرنا ، واعتذر له بأن النكرة قد تخصّصت بـ «لهم».

ما يعرف به الفاعل من المفعول

وأكثر ما يشتبه ذلك إن كان أحدهما اسما ناقصا والآخر اسما تاما.

وطريق معرفة ذلك أن تجعل في موضع التامّ إن كان مرفوعا ضمير المتكلّم المرفوع ، وإن كان منصوبا ضميره المنصوب ، وتبدل من النّاقص اسما بمعناه في العقل وعدمه ، فإن صحت المسألة بعد ذلك فهي صحيحة قبله ، وإلّا فهي فاسدة ، فلا يجوز :

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو للقطامي في ديوانه ص ٣١ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٦٧ ، والدرر ٣ / ٥٧ ، وشرح المغني ٢ / ٨٤٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٩٥.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٧١ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٢٩٦ وخزانة الأدب ٩ / ٢٢٤ ، والدرر ٢ / ٧٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٤٩.

٣٥١

«أعجب زيد ما كره عمرو» إن أوقعت «ما» على ما لا يعقل ، فإنه لا يجوز : «أعجبت الثّوب» ، ويجوز النصب ، لأنه يجوز «أعجبني الثوب» فإن أوقعت «ما» على أنواع من يعقل جاز ، لأنه يجوز : «أعجبت النّساء» ، وإن كان الاسم الناقص «من» أو «الذي» جاز الوجهان أيضا.

فروع : تقول «أمكن المسافر السّفر» بنصب «المسافر» ، لأنك تقول : «أمكنني السفر» ، ولا تقول : «أمكنت السّفر» ؛ وتقول «ما دعا زيدا إلى الخروج» ، و «ما كره زيد من الخروج» بنصب «زيد» في الأولى مفعولا والفاعل ضمير «ما» مستترا ، وبرفعه في الثانية فاعلا والمفعول ضمير «ما» محذوفا ، لأنك تقول : «ما دعاني إلى الخروج» ، و «ما كرهت منه» ، ويمتنع العكس ، لأنه لا يجوز : «دعوت الثوب إلى الخروج» ، و «كره من الخروج» ؛ وتقول : «زيد في رزق عمرو عشرون دينارا» برفع «العشرين» لا غير ، فإن قدمت «عمرا» ، فقلت : «عمرو زيد في رزقه عشرون» ، جاز رفع «العشرين» ونصبه ، وعلى الرفع فالفعل خال من الضمير ، فيجب توحيده مع المثنى والمجموع ، ويجب ذكر الجارّ والمجرور لأجل الضمير الراجع إلى المبتدأ ، وعلى النصب فالفعل متحمل للضمير ، فيبرز في التثنية والجمع ، ولا يجب ذكر الجار والمجرور.

ما افترق فيه عطف البيان والبدل

وذلك ثمانية أمور :

أحدها : أن العطف لا يكون مضمرا ولا تابعا لمضمر ، لأنه في الجوامد نظير النّعت في المشتق ؛ وأمّا إجازة الزّمخشري في (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة : ١١٧] أن يكون بيانا للهاء من قوله تعالى : (إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) [المائدة : ١١٧] فقد مضى ردّه. نعم أجاز الكسائي أن ينعت الضمير بنعت مدح أو ذمّ أو ترحّم ، فالأول نحو : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) [البقرة : ١٦٣] ، ونحو : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (٤٨) [سبأ : ٤٨] ، وقولهم : «اللهمّ صلّ عليه الرّؤوف الرّحيم» ؛ والثاني نحو : «مررت به الخبيث» ؛ والثالث نحو قوله [من الرجز] :

٥٨٠ ـ [قد أصبحت بقرقرى كوانسا]

فلا تلمه أن ينام البائسا (١)

وقال الزّمخشري في (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) [المائدة : ٩٧] : إن «البيت»

__________________

(١) البيت من الرجز ، وهو بلا نسبة في الدرر ١ / ٢٢١ ، ورصف المباني ص ٦٨٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٦.

٣٥٢

الْحَرامِ) عطف بيان على جهة المدح كما في الصفة ، لا على جهة التوضيح ؛ فعلى هذا لا يمتنع مثل ذلك في عطف البيان على قول الكسائي.

وأما البدل فيكون تابعا للمضمر بالاتّفاق ، نحو : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) [مريم : ٨٠] ، (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) [الكهف : ٦٣] ، وإنما امتنع الزمخشري من تجويز كون (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة : ١١٧] بدلا من الهاء في «به» توهّما منه أن ذلك يخلّ بعائد الموصول ، وقد مضى ردّه.

وأجاز النحويّون أن يكون البدل مضمرا تابعا لمضمر ، كـ «رأيته إياه» ، أو لظاهر ، كـ «رأيت زيدا إيّاه» ، وخالفهم ابن مالك فقال : إن الثاني لم يسمع ، وإن الصواب في الأول قول الكوفيّين إنه توكيد كما في «قمت أنت».

الثاني : أن البيان لا يخالف متبوعه في تعريفه وتنكيره ، وأما قول الزمخشري : إن (مَقامُ إِبْراهِيمَ) [آل عمران : ٩٧] عطف على (آياتٌ بَيِّناتٌ) [آل عمران : ٩٧] فسهو ؛ وكذا قال في (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا) [سبأ : ٤٦] : إن (أَنْ تَقُومُوا) عطف على (وحدة) ، ولا يختلف في جواز ذلك في البدل ، نحو : (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ) [الشورى : ٥٢ ـ ٥٣] ، ونحو : (بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) [العلق : ١٥ ـ ١٦].

الثالث : أنه لا يكون جملة ، بخلاف البدل نحو : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) (٤٣) [فصلت : ٤٣] ، ونحو : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [الأنبياء : ٣] ، وهو أصحّ الأقوال في «عرفت زيدا أبو من هو» ، وقال [من الطويل] :

٥٨١ ـ لقد أذهلتني أمّ عمرو بكلمة

أتصبر يوم البين أم لست تصبر؟ (١)

الرابع : أنه لا يكون تابعا لجملة ، بخلاف البدل ، نحو : (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) [يس : ٢٠ ـ ٢١] ، ونحو : (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) [الشعراء : ١٣٢ ـ ١٣٣] وقوله [من الطويل] :

٥٨٢ ـ أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا

[وإلّا فكن في السّرّ والجهر مسلما](٢)

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٥٣.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ٥ / ٢٠٧ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٧٨.

٣٥٣

الخامس : أنه لا يكون فعلا تابعا لفعل ، بخلاف البدل ، نحو قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) [الفرقان : ٦٨ ـ ٦٩].

السادس : أنه يكون بلفظ الأول ، ويجوز ذلك في البدل بشرط أن يكون مع الثاني زيادة بيان ، كقراءة يعقوب : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) [الجاثية : ٢٨] بنصب «كل» الثانية ؛ فإنها قد اتّصل بها ذكر سبب الجثوّ ، وكقول الحماسي [من الطويل] :

٥٨٣ ـ رويد بني شيبان بعض وعيدكم

تلاقوا غدا خيلي على سفوان (١)

٥٨٤ ـ تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى

إذا ما غدت في المأزق المتداني

٥٨٥ ـ تلاقوهم فتعرفوا كيف صبرهم

على ما جنت فيهم يد الحدثان

وهذا الفرق إنّما هو على ما ذهب إليه ابن الطّراوة من أن عطف البيان لا يكون من لفظ الأول ؛ وتبعه على ذلك ابن مالك وابنه ، وحجّتهم أن الشيء لا يبيّن نفسه ؛ وفيه نظر من أوجه :

أحدها : أنه يقتضي أن البدل ليس مبيّنا للمبدل منه ، وليس كذلك ، ولهذا منع سيبويه «مررت بي المسكين ، وبك المسكين» دون «به المسكين» ، وإنما يفارق البدل عطف البيان في أنه بمنزلة جملة استؤنفت للتّبيين ، والعطف تبيين بالمفرد المحض.

والثاني : أن اللفظ المكرّر إذا اتّصل به ما لم يتّصل بالأول كما قدّمنا اتّجه كون الثاني بيانا بما فيه من زيادة الفائدة ؛ وعلى ذلك أجازوا في نحو قوله [من الرجز] :

٥٨٦ ـ يا زيد زيد اليعملات الدّبّل

[تطاول الليل عليك فانزل](٢)

و [من البسيط] :

٥٨٧ ـ يا تيم تيم عديّ ، لا أبا لكم ،

لا يلقينّكم في سوأة عمر (٣)

إذا ضممت المنادى فيهما.

__________________

(١) الأبيات من البحر الطويل ، وهي لوداك بن ثميل المازني في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٢٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢١.

(٢) الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص ٩٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٠٢ ، والدرر ٦ / ٢٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٣٣.

(٣) البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ص ٢١٢ ، والأزهية ص ٢٣٨ ، والأغاني ٢١ / ٣٤٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٩٨ ، والدرر ٦ / ٢٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٤٢.

٣٥٤

والثالث : أن البيان يتصوّر مع كون المكرّر مجرّدا ، وذلك في مثل قولك : «يا زيد زيد» إذا قلته وبحضرتك اثنان اسم كلّ منهما «زيد» ، فإنك لما تذكر الأوّل يتوهّم كل منهما أنه المقصود ، فإذا كرّرته تكرّر خطابك لأحدهما وإقبالك عليه فظهر المراد ، وعلى هذا يتخرّج قول النحويين في قول رؤبة [من الرجز] :

٥٨٨ ـ إنّي وأسطار سطرن سطرا

لقائل : يا نصر نصر نصرا (١)

إنّ الثاني والثالث عطفان على اللفظ وعلى المحلّ ، وخرّجه هؤلاء على التوكيد اللفظي فيهما أو في الأوّل فقط ، فالثاني إمّا مصدر دعائيّ مثل : «سقيا لك» ، أو مفعول به بتقدير : عليك ، على أن المراد إغراء نصر بن سيّار بحاجب له اسمه نصر على ما نقل أبو عبيدة ، وقيل : لو قدّر أحدهما توكيدا لضمّا بغير تنوين كالمؤكد.

السابع : أنه ليس في نيّة إحلاله محلّ الأول ، بخلاف البدل ، ولهذا امتنع البدل وتعيّن البيان في نحو : «يا زيد الحارث» ، وفي نحو : «يا سعيد كرز» بالرفع ، أو «كرزا» بالنصب ، بخلاف «يا سعيد كرز» بالضم فإنّه بالعكس ، وفي نحو : «أنا الضارب الرّجل زيد» ، وفي نحو : «زيد أفضل النّاس الرجال والنساء ، أو النساء والرجال» ، وفي نحو : «يا أيها الرجل غلام زيد» ، وفي نحو : «أيّ الرجلين زيد وعمرو جاءك» ، وفي نحو : «جاءني كلا أخويك زيد وعمرو».

الثامن : أنه ليس في التّقدير من جملة أخرى ، بخلاف البدل ، ولهذا امتنع أيضا البدل وتعيّن البيان في نحو قولك : «هند قام عمرو أخوها» ، ونحو : «مررت برجل قام عمرو أخوه» ، ونحو : «زيد ضربت عمرا أخاه».

ما افترق فيه اسم الفاعل والصفة المشبهة

وذلك أحد عشر أمرا :

أحدها : أنه يصاغ من المتعدّي والقاصر ، كـ «ضارب» و «قائم» و «مستخرج» و «مستكبر» ، وهي لا تصاغ إلا من القاصر كـ «حسن» و «جميل».

__________________

(١) البيت من الرجز ، وهو لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٤ ، ولسان العرب مادة (نصر) ، وخزانة الأدب ٢ / ٢١٩ ، ولذي الرمة في شرح شذور الذهب ص ٥٦٤ ، وليس في ديوانه وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤ / ٨٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٧.

٣٥٥

الثاني : أنه يكون للأزمنة الثلاثة ، وهي لا تكون إلا للحاضر ، أي : الماضي المتصل بالزمن الحاضر.

الثالث : أنه لا يكون إلا مجاريا للمضارع في حركاته وسكناته كـ «ضارب» و «يضرب» و «منطلق» و «ينطلق» ، ومنه «يقوم» و «قائم» ، لأن الأصل «يقوم» ، بسكون القاف وضم الواو ، ثم نقلوا ، وأما توافق أعيان الحركات فغير معتبر ، بدليل «ذاهب» و «يذهب» و «قاتل» و «يقتل» ، ولهذا قال ابن الخشاب : وهو وزن عروضي لا تصريفي ، وهي تكون مجارية له كـ «منطلق اللسان» ، و «مطمئنّ النفس» ، و «طاهر العرض» ، وغير مجارية وهو الغالب ، نحو : «ظريف» ، و «جميل» ، وقول جماعة : «إنها لا تكون إلا مجارية» مردود باتّفاقهم على أن منها قوله [من المديد] :

٥٨٩ ـ من صديق أو أخي ثقة

أو عدوّ شاحط دارا (١)

الرابع : أن منصوبه يجوز أنّ يتقدم عليه ، نحو : «زيد عمرا ضارب» ، ولا يجوز : «زيد وجهه حسن».

الخامس : أن معموله يكون سببيّا وأجنبيّا ، نحو : «زيد ضارب غلامه وعمرا» ، ولا يكون معمولها إلا سببيّا تقول : «زيد حسن وجهه» أو «الوجه» ويمتنع «زيد حسن عمرا».

السادس : أنه لا يخالف فعله في العمل ، وهي تخالفه ، فإنها تنصب مع قصور فعلها ، تقول : «زيد حسن وجهه» ويمتنع «زيد حسن وجهه» بالنصب ، خلافا لبعضهم ؛ فأما الحديث : «أن امرأة كانت تهراق الدماء» فـ «الدماء» تمييز على زيادة «أل» ، قال ابن مالك : أو مفعول على أن الأصل : تهريق ، ثم قلبت الكسرة فتحة والياء ألفا ، كقولهم : «جاراة» و «ناصاة» و «بقا» وهذا مردود ، لأن شرط ذلك تحرّك الياء كـ «جارية» ، و «ناصية» و «بقي».

السابع : أنه يجوز حذفه وبقاء معموله ، ولهذا أجازوا «أنا زيد ضاربه» ، و «هذا ضارب زيد وعمرا» ، بخفض «زيد» ونصب «عمرو» بإضمار فعل أو وصف منوّن ، وأما العطف على محل المخفوض فممتنع عند من شرط وجود المحرز كما سيأتي ، ولا يجوز «مررت برجل حسن الوجه والفعل» بخفض «الوجه» ونصب الفعل ، ولا «مررت برجل

__________________

(١) البيت من المديد ، وهو لعدي بن زيد في ديوانه ص ١٠١ ، وشرح المغني ٢ / ٨٥٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٢١ ، وبلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ٨٢.

٣٥٦

وجهه حسنه» بنصب «الوجه» وخفض الصفة ، لأنّها لا تعمل محذوفة ، ولأن معمولها لا يتقدّمها ، وما لا يعمل لا يفسر عاملا.

الثامن : أنه لا يقبح حذف موصوف اسم الفاعل وإضافته إلى مضاف إلى ضميره ، نحو : «مررت بقاتل أبيه» ، ويقبح «مررت بحسن وجهه».

التاسع : أنه يفصل مرفوعه ومنصوبه ، كـ «زيد ضارب في الدّار أبوه عمرا» ، ويمتنع عند الجمهور «زيد حسن في الحرب وجهه» رفعت أو نصبت.

العاشر : أنه يجوز إتباع معموله بجميع التوابع ، ولا يتبع معمولها بصفة ، قاله الزجّاج ومتأخر والمغاربة ، ويشكل عليهم الحديث في صفة الرجال «أعور عينه اليمنى».

الحادي عشر : أنه يجوز إتباع مجروره على المحل عند من لا يشترط المحرز ، ويحتمل أن يكون منه (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ) [الأنعام : ٩٦] ، ولا يجوز «هو حسن الوجه والبدن» بجرّ «الوجه» ونصب «البدن» ، خلافا للفرّاء ، أجاز ، «هو قويّ الرّجل واليد» برفع المعطوف ، وأجاز البغداديّون إتباع المنصوب بمجرور في البابين ، كقوله [من الطويل] :

٥٩٠ ـ فظلّ طهاة اللّحم ما بين منضج

صفيف شواء أو قدير معجّل (١)

التقدير : المطبوخ في القدر ، وهو عندهم عطف على «صفيف» ، وخرّج على أن الأصل «أو طابخ قدير» ، ثم حذف المضاف ، وأبقي جر المضاف إليه كقراءة بعضهم : (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [الأنفال : ٦٧] بالخفض ، أو أنه عطف على «صفيف» ولكن خفض على الجوار ، أو على توهّم أن «الصفيف» مجرور بالإضافة ، كما قال [من الطويل] :

٥٩١ ـ [بدا لي لست مدرك ما مضى]

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (٢)

ما افترق فيه الحال والتمييز ، وما اجتمعا فيه

اعلم أنهما قد اجتمعا في خمسة ، وافترقا في سبعة.

فأوجه الاتفاق أنهما اسمان ، نكرتان ، فضلتان ، منصوبتان ، رافعتان للإبهام.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٢٢ ، وجمهرة اللغة ص ٩٢٩ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٧ ، والدرر ٦ / ١٦١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٢٥٧.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٨٧ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٩٢ ، والدرر ٦ / ١٦٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٨٢ ، ولسان العرب ٦ / ٣٦٠ مادة / نمش /.

٣٥٧

وأما أوجه الافتراق فأحدها : أن الحال يكون جملة ، كـ «جاء زيد يضحك» ، وظرفا ، نحو : «رأيت الهلال بين السحاب» ، وجارّا ومجرورا ، نحو : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) [القصص : ٧٩] والتمييز لا يكون إلا اسما.

والثاني : أن الحال قد يتوقّف معنى الكلام عليها ، كقوله تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) [الإسراء : ٣٧] ، (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣] ، وقال [من الخفيف] :

٥٩٢ ـ إنّما الميت من يعيش كئيبا

كاسفا باله قليل الرّجاء (١)

بخلاف التمييز.

والثالث : أن الحال مبيّنة للهيئات ، والتمييز مبيّن للذوات.

والرابع : أن الحال يتعدّد ، كقوله [من الطويل] :

٥٩٣ ـ عليّ إذا ما زرت ليلى بخفية

زيارة بيت الله رجلان حافيا (٢)

بخلاف التمييز ، ولذلك كان خطأ قول بعضهم في [من الطويل] :

تبارك رحمانا رحيما وموئلا

إنهما تمييزان ، والصواب أن «رحمانا» [مفعول به] بإضمار أخصّ أو أمدح ، و «رحيما» حال منه ، لا نعت له ؛ لأن الحق قول الأعلم وابن مالك : إن «الرحمن» ليس بصفة بل علم ، وبهذا أيضا يبطل كونه تمييزا ، وقول قوم إنه حال.

وأما قول الزمخشري : إذا قلت : «الله رحمن» أتصرفه أم لا ، وقول ابن الحاجب : إنه اختلف في صرفه ، فخارج عن كلام العرب من وجهين ، لأنه لم يستعمل صفة ولا مجرّدا من «أل» ، وإنما حذفت في البيت للضرورة ، وينبني على علميّته أنه في البسملة ونحوها بدل لا نعت ، وأن «الرحيم» بعده نعت له ، لا نعت لاسم الله سبحانه وتعالى ، إذ لا يتقدّم البدل على النعت ، وأن السؤال الذي سأله الزمخشري وغيره لم قدّم «الرحمن» مع أن عادتهم تقديم غير الأبلغ ، كقولهم : «عالم نحرير» ، و «جواد فيّاض» ، غير متّجه.

__________________

(١) البيت من الخفيف ، وهو لعدي بن الرعلاء الغساني في الأصمعيات ص ١٥٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٣ ، ولسان العرب ٢ / ٩١ مادة / موت / ومعجم الشعراء ص ٢٥٢ ، ولصالح بن عبد القدوس في حماسة البحتري ص ٢١٤ ، ومعجم الأدباء ١٢ / ٩.

(٢) البيت من الطويل ، وهو للمجنون في ديوانه ص ٢٣٣ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣٣٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٥٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٥٩.

٣٥٨

ومما يوضح لك أنه غير صفة مجيئه كثيرا غير تابع ، نحو : (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ) [الرحمن : ١ ـ ٢] ، (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) [الإسراء : ١١٠] ، (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠].

والخامس : أن الحال تتقدم على عاملها إذا كان فعلا متصرفا ، أو وصفا يشبهه ، نحو : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ) [القمر : ٧] ، وقوله [من الطويل] :

٥٩٤ ـ [عدس ما لعبّاد عليك إمارة]

نجوت وهذا تحملين طليق (١)

أي : وهذا طليق محمولا لك ، ولا يجوز ذلك في التمييز على الصحيح ، فأمّا استدلال ابن مالك على الجواز بقوله [من الطويل] :

٥٩٥ ـ رددت بمثل السّيد نهد مقلّص

كميش إذا عطفاه ماء تحلّبا (٢)

وقوله [من الطويل] :

٥٩٦ ـ إذا المرء عينا قرّ بالعيش مثريا

ولم يعن بالإحسان كان مذمّما (٣)

فسهو ؛ لأن «عطفاه» و «المرء» مرفوعان بمحذوف يفسّره المذكور ، والناصب للتمييز هو المحذوف ، وأما قوله [من البسيط] :

٥٩٧ ـ [ضيّعت حزمي في إبعادي الأملا]

وما ارعويت ، وشيبا رأسي اشتعلا (٤)

وقوله [من المتقارب] :

٥٩٨ ـ أنفسا تطيب بنيل المنى

وداعي المنون ينادي جهارا (٥)

فضرورتان.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو ليزيد بن مفرّغ في ديوانه ص ٧٠ ، وأدب الكاتب ص ٤١٧ ، وجمهرة اللغة ص ٦٤٥ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤١ ـ ٤٢ ، والدرر ١ / ٢٦٩.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لربيعة بن مقروم في شرح شواهد المغني ص ٨٦٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٧٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٢٩ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٦٦.

(٣) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٦٦.

(٤) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٦٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٦١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٧٨.

(٥) البيت من المتقارب ، وهو لرجل من طيّىء في شرح التصريح ١ / ٤٠٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٧٧ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣٧٢ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٩٦.

٣٥٩

السادس : أن حقّ الحال الاشتقاق ، وحق التمييز الجمود ، وقد يتعاكسان فتقع الحال جامدة ، نحو : «هذا مالك ذهبا» ، (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) [الأعراف : ٧٤] ويقع التمييز مشتقّا ، نحو : «لله درّه فارسا» ، وقولك : «كرم زيد ضيفا» إذا أردت الثّناء على ضيف «زيد» بالكرم ، فإن كان «زيد» هو الضيف احتمل الحال والتمييز ، والأحسن عند قصد التمييز إدخال «من» عليه ؛ واختلف في المنصوب بعد «حبّذا» ، فقال الأخفش والفارسي والرّبعي : حال مطلقا ، وأبو عمرو بن العلاء : تمييز مطلقا ، وقيل : الجامد تمييز والمشتقّ حال ، وقيل : الجامد تمييز والمشتق إن أريد تقييد المدح به ، كقوله [من البسيط] :

٥٩٩ ـ يا حبّذا المال مبذولا بلا سرف

[في أوجه البرّ إسرارا وإعلانا](١)

فحال ، وإلا فتمييز ، نحو : «حبّذا راكبا زيد».

السابع : أن الحال تكون مؤكدة لعاملها ، نحو : (وَلَّى مُدْبِراً) [النمل : ١٠] ، (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً) [النمل : ١٩] ، (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة : ٦٠] وغيرها ، ولا يقع التمييز كذلك ، فأمّا (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) [التوبة : ٣٦] ، فـ «شهرا» : مؤكد لما فهم من (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ) وأما بالنسبة إلى عامله وهو اثنا عشر فمبيّن ، وأما ما اختاره المبرّد ومن وافقه من «نعم الرّجل رجلا زيد» فمردود ، وأما قوله [من الوافر] :

٦٠٠ ـ تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزّاد زاد أبيك زادا (٢)

فالصحيح أن «زادا» معمول لـ «تزود» : إما مفعول مطلق إن أريد به التزوّد ، أو مفعول به إن أريد به الشيء الذي يتزوّده من أفعال البرّ ، وعليهما فـ «مثل» نعت له تقدم فصار حالا ، وأما قوله [من البسيط] :

٦٠١ ـ نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت

ردّ التّحيّة نطقا أو بإيماء (٣)

فـ «فتاة» : حال مؤكّدة.

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص ٨٠٦ ، وصدره في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٦٢.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لجرير في خزانة الأدب ٩ / ٣٩٤ ، والخصائص ١ / ٨٣ ، والدرر ٥ / ٢١٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٠٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٥٧ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٦٧.

(٣) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٢٧٧ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٩٨ ، والدرر ٥ / ٢٠٩ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٦٧ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٦٢.

٣٦٠