شرح ابن طولون - ج ١

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

ومنها / ما يستعمل فعلا فينصب ما بعده ، (وحرف جرّ فيجرّ ما بعده) (١) ، وهو «خلا ، وعدا» ، ولهما حالتان :

الأولى : تجرّدهما من «ما».

والثّانية : اقترانهما (٢) بها.

فإذا كانا مجرّدين من «ما» جاز فيما بعدهما وجهان : النّصب والجرّ ، والأرجح النّصب.

وفهم ذلك من ذكره (٣) لهما مع «ليس ، ولا يكون» ، وإلى ذلك أشار بقوله :

واجرر بسابقي يكون إن ترد

يعني : أنّ سابقي «يكون» في البيت الذّي قبل هذا ، وهما «خلا ، وعدا» يجوز جرّ المستثنى بهما (٤) ، وفهم منه شرط التّجرّد ، فإنّه أحال على لفظهما ، وهما خاليان من «ما».

وفهم من قوله : «إن ترد» أنّ الجرّ بهما مرجوح.

__________________

وعند الكوفيين : ضمير عائد على الفعل المفهوم من الكلام السابق ، ولذلك كان مفردا ، والتقدير : ليس هو. أي : ليس فعلهم فعل زيد ، فحذف المضاف. وردّ : بأنه لا يطرد. ونسب ابن هشام في الحواشي إلى سيبويه : أنه عائد.

وفي الارتشاف : قال ابن مالك وصاحب البسيط : هو محذوف حذف الاسم لقوة دلالة الكلام عليه ، وهذا مخالف لما اتفق عليه البصريون والكوفيون من أن الفاعل مضمر لا محذوف. وقد صرح ابن مالك في شرح الكافية بأن اسمها مضمر مستتر.

انظر شرح المرادي : ٢ / ١٢١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٢٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١٢١ ، الكتاب : ١ / ٣٧٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٦٢ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ١ / ٥٨٧ ـ ٥٨٨.

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٥.

(٢) في الأصل : اقترانها. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٥.

(٣) في الأصل : ذكر. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٥.

(٤) وهو قليل ، ولقلته لم يحفظ عن سيبويه الجر بـ «عدا» ، وإنما حكاه الأخفش والفراء ، فمن الجر بـ «خلا» قوله :

خلا الله لا أرجو سواك وإنّما

أعدّ عيالي شعبة من عيالكا

ومن الجر بـ «عدا» قوله :

أبحنا حيّهم قتلا وأسرا

عدا الشّمطاء والطّفل الصّغير

انظر الكتاب : ١ / ٣٧٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢١١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣١٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٦٣ ، شرح المرادي : ٢ / ١٢٣ ، الهمع : ٣ / ٢٨٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٦٣ ، مغني اللبيب : ١٨٩ ، شرح الرضي : ١ / ٣٢٩ ، الجنى الداني : ٤٦١.

٤٠١

ثمّ أشار إلى الحالة الثانية ، وهي اقترانهما (١) بـ «ما» بقوله : «وبعد ما انصب» ، أي : (إذا) (٢) اقترن «عدا ، وخلا» بـ «ما» ـ فالواجب نصب المستثنى بهما ، وإنّما انتصب ، لأنّ «ما» مصدرية ، فلا يليها حرف جرّ ، هذا مذهب الجمهور (٣).

وحكى بعضهم الجرّ بهما مقترنتين بـ «ما» (٤) ، وإلى ذلك أشار بقوله : «وانجرار قد يرد».

وفهم من تنكير «انجرار» ، ومن قوله : «قد يرد» : أنّ الجرّ بهما (مع «ما») (٥) قليل.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وحيث جرّا فهما حرفان

كما هما إن نصبا فعلان

يعني : أن «خلا ، وعدا» إذا جرّا ما بعدهما كانا حرفي جرّ ، وإذا نصباه كانا فعلين ، والمستثنى حينئذ مفعول بهما.

وفهم / منه : أنّهما إذا جرّا كانا حرفين ، سواء اقترنا بـ «ما» ، أو تجرّدا منها (٦) ، وكذلك إن نصبا كانا فعلين مطلقا.

وفهم منه : أنّ «ما» قبلهما إذا جرّا زائدة ، لأنّ «ما» المصدريّة لا يليها حرف الجرّ.

__________________

(١) في الأصل : اقترانها. انظر شرح المكودي : ١٦٥.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٥.

(٣) نحو قول لبيد :

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

أي : ذاهب

انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٦٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣١٨ ، مغني اللبيب : ١٧٩ ـ ١٨٠ شرح ابن عقيل : ١ / ٢١١ ، المطالع السعيدة : ٣٤٣ ، الهمع : ٣ / ٢٨٦ ، شرح الرضي : ١ / ٢٣٠ ، الجنى الداني : ٤٣٦ ، ٤٦١.

(٤) وذلك على تقدير «ما» زائدة ، وبه قال الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جني.

انظر ارتشاف الضرب : ٢ / ٣١٨ ، مغني اللبيب : ١٧٩ ، ١٨٩ ، شرح المكودي : ١ / ١٦٦ ، شرح المرادي : ٢ / ١٢٣ ـ ١٢٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٦٥ ، الهمع : ٣ / ٢٨٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢١١ ، المطالع السعيدة : ٣٤٤ ، شرح الرضي : ١ / ٢٣ ، الجنى الداني : ٤٣٦.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٦.

(٦) في الأصل : منهما. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٦.

٤٠٢

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وكخلا حاشا ولا تصحب ما

وقيل حاش وحشا فاحفظهما

يعني : أنّ «حاشا» مثل «خلا» في أنّها يستثنى بها ، ويجوز في المستثنى بها النّصب والجرّ على الوجه الّذي جاز في «خلا» (١) ـ وقد تقدّم ـ.

ولمّا كانت «حاشا» مخالفة لـ «خلا» في أنّه لا يجوز اقترانها بـ «ما» ، نبّه على ذلك بقوله : «ولا تصحب ما». يعني : أنّ «حاشا» لا يدخل عليها «ما» بخلاف «خلا» (٢).

ولمّا كان في «حاشا» ثلاث لغات ، نبّه على (٣) ذلك بقوله :

وقيل حاش وحشا فاحفظهما

ونوزع في ذلك (٤).

__________________

(١) فمذهب سيبويه وأكثر البصريين أن «حاشا» حرف خافض دائما بمنزلة «إلا» لكنها تجر المستثنى. وذهب الجرمي والمازني والمبرد والزجاج والأخفش وأبو زيد والفراء وأبو عمرو الشيباني إلى أنها تستعمل كثيرا حرفا جارا ، وقليلا فعلا متعديا جامدا ، لتضمنه معنى «إلا». قال المرادي : وهو الصحيح ، لأنه قد ثبت عن العرب الوجهان. وذهب الفراء من الكوفيين إلى أن «حاشا» فعل لا فاعل له ، وإذا خفض الاسم بعده فخفضه باللام المقدرة.

وذهب بعض الكوفيين إلى أنها فعل استعملت استعمال الحروف فحذف فاعلها ، قال المرادي : والظاهر أن هذا مذهب الفراء.

انظر في ذلك الكتاب : ٢ / ٣٠٩ ، ٣٤٩ ـ ٣٥٠ ، الإنصاف (مسألة : ٣٧) : ١ / ٢٧٨ ، مغني اللبيب : ١٦٥ ، الاستغناء : ١٠٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٦٥ ، شرح المرادي : ٢ / ١٢٧ ، شرح الرضي : ١ / ٢٤٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣١٨ ـ ٣١٩ ، الهمع : ٣ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، المقتضب : ٤ / ٣٩١ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٨٤ ـ ٨٥ ، ٨ / ٤٩ ، الجنى الداني : ٥٦٣ ـ ٥٦٤ ، جواهر الأدب : ٥٢٤.

(٢) وأجاز ذلك بعضهم على قلة ، قال أبو حيان : وهو مسموع من كلامهم.

انظر ارتشاف الضرب : ٢ / ٣١٩.

(٣) في الأصل : على. مكرر.

(٤) أي : في كون اللغتين الأخيرتين فيهما الاستثناء ، أما لغة «حشا» بحذف الألف الأولى فنازع فيها الصفار ، وقال : إنها ليست للاستثناء ، وهو مردود بقوله :

حشى رهط النّبيّ فإنّ فيهم

بحورا لا تكدّرها الدّلاد

قال ابن حمدون : فالنزاع فيها مردود ، نعم النزاع مع الناظم صحيح في «حاش» التي بحذف الألف الثانية ، وإنما هي بمعنى التنزيه نحو «حاش لله». انتهى. وكلام الناظم في التسهيل ظاهر في أن هذه اللغات في «حاشا» التي للتنزيه وهي التي يليها المجرور باللام ، نحو «حاشا لله» ، قال في التسهيل : «وإن وليها مجرور باللام لم تتعين فعليتها خلافا للمبرد ، بل اسميتها لجواز تنوينها ، وكثر فيها «حاش» ، وقل «حشا» ، و «حاش». انتهى. وظاهر كلامه هنا وفي شرح الكافية أنه «حاش» الاستثنائية.

انظر حاشية ابن حمدون : ١ / ١٦٦ ، الجنى الداني : ٥٦٨ ، شرح المرادي : ٢ / ١٢٩ ، التسهيل : ١٠٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٦٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٢٤.

٤٠٣

الباب الخامس والعشرون

الحال

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

الحال (١)

الحال وصف فضلة منتصب

مفهم في حال كفردا أذهب

يجوز في الحال التذكير والتّأنيث ، وقد استعمل النّاظم في الباب اللّغتين ـ كما سترى ـ.

والمراد بالوصف : اسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصّفة المشبّهة ، وأمثلة المبالغة ، وأفعل التّفضيل.

وخرج بقوله : «فضلة» العمدة ، كالخبر ، نحو «زيد فاضل».

والمراد بالفضلة : ما يصحّ الاستغناء / عنه ، وقد يعرض له ما يوجب ذكره ، كوقوعه سادّا مسدّ الخبر ، نحو «ضربي زيدا قائما» (٢).

__________________

(١) الحال : ألفها منقلبة عن واو لقولهم في جمعها «أحوال» وفي تصغيرها حويلة ، واشتقاقها من التحول ، وهو الانتقال. ويطلق الحال لغة على الوقت الذي أنت فيه ، وعلى ما عليه الشخص من خير أو شر. وفي الاصطلاح ـ كما في التعريفات ـ ما يبين هيئة الفاعل أو المفعول به لفظا ، نحو «ضربت زيدا قائما» ، أو معنى نحو «زيد في الدار قائما». وفي الارتشاف : عبارة عن اسم منصوب تبين هيئة صاحبها صالحة لجواب «كيف». وقال ابن عصفور : هو كل اسم منصوب على معنى «في» مفسر لما أبهم من الهيئات.

انظر التعريفات : ٨١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٣٤ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٢٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٦٥ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٧١٣ ، الهمع : ٤ / ٨ ، شرح الرضي : ١ / ١٩٨ ، حاشية الصبان : ٢ / ١٦٩ ، حاشية الخضري : ١ / ٢١٢ ، معجم المصطلحات النحوية : ٦٨ ، معجم مصطلحات النحو : ١١٣ ، معجم النحو : ١٦٢.

(٢) أو لتوقف المعنى عليه ، كقوله :

إنّما الميت من يعيش كئيبا

كاسفا باله قليل الرّجاء

انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٦ ، شرح المرادي : ٢ / ١٣١ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٦٩ ، حاشية الخضري : ١ / ٢١٢.

٤٠٤

وحمل المراديّ (قوله) (١) : «منتصب» على واجب النّصب (٢) ، فيخرج النّعت ، لأنّه غير لازم النّصب.

وخرج بقوله : «مفهم في حال التّمييز في نحو «لله درّه فارسا» لأنّه لا يفهم في حال ، لكونه على تقدير «من» (٣).

ثمّ مثّل ذلك بقوله : «كفردا أذهب» ، وفي هذا المثال تنبيه على جواز تقديم الحال على عاملها ، وسيأتي.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وكونه منتقلا مشتقّا

يغلب لكن ليس مستحقّا

المراد بالمنتقل : غير اللّازم لصاحب الحال ، كالخلق والألوان.

والمراد بالمشتقّ : أسماء الفاعلين ، والمفعولين ، والصّفات ، لأنّ هذه كلّها مشتقّة من المصادر.

فالغالب في الحال أن يكون منتقلا مشتقّا ، نحو «جاء زيد راكبا» ، فـ «راكب» منتقل ، لأنّه قد يكون غير راكب ، وهو مشتقّ من «الرّكوب».

وفهم من قوله : «يغلب» : أنّه قد يأتي في غير الغالب غير منتقل ، وغير مشتقّ ، فمثال غير المنتقل قولهم : «خلق الله الزّرافة يديها أطول من رجليها» (٤) ، فـ «الزّرافة» مفعول بـ «خلق» ، و «يديها» بدل بعض من كلّ ، و «أطول» حال من

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٢) قال المرادي في شرحه (٢ / ١٣١) : «وقوله» : منتصب «أخرج النعت ، لأنه يعني : لازم النصب ، والنعت تابع المنعوت». انتهى. قال المكودي : وهو أظهر لأن النصب من أحكام الحال اللازمة له. وحمل ابن الناظم قوله : «منتصب» على جائز النصب. قال المرادي : وقول الشارح إن هذا التعريف ليس بمانع ، لأنه يشمل النعت غير مسلم لخروجه بقيد لزوم النصب. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٧ ، شرح ابن الناظم : ٣١١ ، شرح المرادي : ٢ / ١٣١.

(٣) قال المكودي (١ / ١٦٧) : «وتسامح الناظم في هذا التعريف لإدخاله فيه النصب ، وهو حكم من أحكام الحال لا جزء من ماهيته». وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٦٧.

(٤) الزّرافة بفتح الزاي أفصح من ضمها : حيوان معروف وكنيتها أم عيسى ، سمي به لطول عنقه زيادة علي المعتاد من زرف في الكلام زاده ، وقيل : لأنها في صورة جماعة من الحيوانات ، فرأسها كالأبل ، وجلدها كالنمر ، وقرنها وقوائمها وأظلافها كالبقر ، وذنبها كالظبي ، والجماعة من الناس تسمى زرافة بالفتح والضم. و «يديها» بدل بعض منها ، و «أطول» حال من الزرافة كما في شرح الشذور ، وفي التصريح : من «يديها» قال أبو البقاء : وبعضهم يقول «يداها أطول» مبتدأ وخبر ، والجملة حال من الزرافة أو صفة لها ، لكون «أل» فيها جنسية.

٤٠٥

«يديها» ، وهي لازمة ، لأنّ كون يديها أطول من رجليها لازم لها ، ومثال / غير المشتقّ : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) [الشعراء : ١٤٩] ، فـ «بيوتا» غير مشتقّ.

وقوله : «لكن ليس مستحقّا» تتميم للبيت للاستغناء عنه بـ «يغلب».

ثمّ قال رحمه‌الله (١) تعالى :

ويكثر الجمود في سعر وفي

مبدي تأوّل بلا تكلّف

كبعه مدّا بكذا يدا بيد

وكرّ زيد أسدا أي كأسد

لمّا ذكر أنّ الحال قد يأتي غير مشتقّ نبّه على المواضع التّي يكثر فيها جمود الحال ، فقال : «ويكثر الجمود في سعر» يعني : أنّ جمود الحال يكثر إذا دلّ على سعر ، كقولك : «بعت البرّ مدّا بدرهم» ، فـ «مدّا» منصوب على الحال ، وهو جامد ، إلّا أنّه مؤوّل بالمشتقّ ، لأنّه في معنى : مسعّرا ، ويجوز أن تقدّر «مسعّرا» اسم فاعل ، فيكون حالا من «التّاء» في «بعت» ، وأن يكون «مسعّرا» ـ بفتح العين ـ اسم مفعول ، ويكون حالا من «البرّ» ، ويكثر إذا ظهر مؤوّلا (٢) بالمشتقّ من غير تكلّف.

وظاهر لفظه أنّ الدّالّ على السعر ليس داخلا في المبدي التّأوّل ، وليس كذلك ، بل هو منه ، والعذر له : أنّ هذا من باب عطف العامّ على الخاصّ.

ثمّ ذكر مثلا من المبدي التّأوّل دون تكلّف فقال :

كبعه مدّا بكذا يدا بيد

وكرّ زيد أسدا ...

فذكر ثلاثة أنواع :

الأوّل : / أن يدلّ على السعر ، وهو قوله : «كبعه مدّا بكذا» ، وكأنّ هذا مثال (٣) لقوله : «يكثر الجمود في سعر».

__________________

انظر في ذلك شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٢٨ ، الخضري مع ابن عقيل : ١ / ٢١٣ ، شرح المكودي : ١ / ١٦٧ ، شرح الشذور : ٢٤٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٦٨ ، الكتاب : ١ / ٧٧ ، الأشموني مع الصبان : ٢ / ١٧٠ ، شرح دحلان ٨٩ ، الهمع : ٤ / ٨ ، البهجة المرضية : ٨٩ ، اللسان : ٣ / ١٨٢٧ (زرف) ، المصباح المنير : ١ / ٢٥٢ (زرف) ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٣٧ ، حياة الحيوان الكبرى للدميري : ١ / ٥٣٤.

(١) في الأصل : لفظ «الله» مكرر.

(٢) في الأصل : مؤوّل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٨.

(٣) في الأصل : مثالا. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٨.

٤٠٦

الثّاني : أن يدلّ على مفاعلة ، وهو قوله : «يدا بيد» ، أي : مناجزا (١).

الثّالث : أن يدلّ على التّشبيه ، وهو قوله : «وكرّ زيد أسدا» ، وفسّر ذلك بقوله : «أي : كأسد».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والحال إن عرّف لفظا فاعتقد

تنكيره معنى كوحدك اجتهد

حقّ الحال أن يكون نكرة ، لأنّ المقصود به بيان الهيئة ، وذلك حاصل بلفظ التّنكير ، فلا حاجة لتعريفه صونا للّفظ عن الزّيادة ، والخروج عن الأصل لغير غرض ، وقد يجيء بصورة المعرّف بالألف واللّام ، فيحكم بزيادتها ، نحو «ادخلوا الأوّل فالأوّل» (٢) ، وبصورة المضاف إلى المعرفة فيحكم بتأويله بالنّكرة ، نحو «اجتهد وحدك» أي : منفردا.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ومصدر منكّر حالا يقع

بكثرة كبغتة زيد طلع

حقّ الحال أن يكون وصفا ـ كما تقدّم ـ ، لأنّه صفة لصاحبه في المعنى ، وخبر عنه أيضا.

وقد يقع المصدر موضع الحال ، كما يقع صفة وخبرا ، وكلّ ذلك على خلاف الأصل.

ولا خلاف في ورود المصدر حالا ، كقوله عزوجل : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ)(٣) خَوْفاً وَطَمَعاً [السجدة : ١٦] ، ومنه قوله : «كزيد طلع بغتة» ، و «بغتة» : «فعلة» من «البغت» ، وهو / أن يفجأك الشّيء (٤).

__________________

(١) انظر إعراب الألفية : ٥٩ ، شرح المكودي : ١ / ١٦٨.

(٢) فـ «الأول» المبتدأ به حال من الواو في «ادخلوا» و «الأول» الثاني معطوف بالفاء ، وهما بلفظ المعرف بـ «أل» فيؤولان بنكرة ، أي : مرتبين واحدا فواحدا. وذهب المبرد والسيرافي إلى أن «أل» في قوله «الأول فالأول» معرفة لا زائدة وجوز يونس والبغداديون تعريف الحال قياسا على الخبر ، وعلى ما سمع من ذلك. وذهب الأخفش إلى أنه ليس حالا بل انتصب على أنه مشبه بالمفعول ، والتشبيه يكون في الفعل ، كما يكون في الصفات. وقال الكوفيون : إذا كان في الحال معنى الشرط جاز أن يأتي على صورة المعرفة ، وهي مع ذلك نكرة ، فإن لم يكن فيها معنى الشرط لم يجز أن تأتي معرفة في اللفظ.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٣٥ ، ٣٣٧ ، ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٧٣ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ١٧٨ ، شرح ابن الناظم : ٣١٥ ، شرح المرادي : ٢ / ١٣٥ ، الهمع : ٤ / ١٩ ، شرح الرضي : ١ / ٢٠٣.

(٣) في الأصل : (ادعوا ربكم).

(٤) انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٩ ، اللسان : ١ / ٣١٧ (بغت).

٤٠٧

وهو كثير ، ومع كثرته فلا يقاس عليه عند الجمهور (١) ، وأجاز المبرّد القياس عليه (٢) ، وليس في قول النّاظم : «بكثرة» إشعار بالقياس (٣).

وفهم منه أنّ وقوع المصدر المعرّف حالا قليل ، لتخصيصه الكثرة بالمنكّر.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ولم ينكّر غالبا ذو الحال إن

لم يتأخّر أو يخصّص أو يبن

__________________

(١) من البصريين والكوفيين ، سواء كان نوعا من العامل أم لا.

انظر الكتاب : ١ / ١٨٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٧٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٤٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٧٣ ، شرح المرادي : ٢ / ١٣٨ ، الهمع : ٢ / ١٥.

(٢) انظر المقتضب : ٣ / ٢٣٤ ، ٢٤٦ ، وكلام المبرد فيه صريح في أن المصدر المنكر يقع بقياس حالا إذا كان نوعا من فعله. ونقل قوم عنه أنه أجاز ذلك مطلقا.

انظر في ذلك الهمع : ٤ / ١٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٤٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٧٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٣٦ ، شرح المرادي : ٢ / ١٣٨ ، شرح المكودي : ١ / ١٦٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٧٤ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ١٤.

(٣) واستثنى في التسهيل ثلاثة أنواع لا يقتصر فيها على السماع :

الأول : ما وقع بعد خبر قرن بـ «أل» الدالة على الكمال نحو قولهم : «أنت الرجل علما» ، فيجوز أن تقول : «أنت الرجل أدبا ونبلا» ، والتقدير : أنت الكامل في حال علم أو أدب أو نبل. وقال أبو حيان : ويحتمل عندي أن يكون تمييزا.

الثاني : ما وقع بعد خبر يشبه به مبتدؤه نحو «هو زهير شعرا» ، فيجوز أن تقول : «زيد حاتم جودا والأحنف حلما» ، والتقدير : هو زهير في حال شعر ، أو جود ، أو حلم. قال أبو حيان : والأظهر أن يكون تمييزا.

الثالث : ما وقع بعد «أما» نحو «وأما علما فعالم» ، تقول ذلك لمن وصف عندك شخصا بعلم وغيره ، منكرا عليه وصفه بغير العلم. والناصب لهذه الحال هو فعل الشرط المحذوف ، وصاحب الحال هو المرفوع به ، والتقدير : مهما يذكر إنسان في حال علم فالمذكور عالم ويجوز أن يكون ناصبها ما بعد الفاء ، وصاحبها الضمير المستكن فيه ، وهي على هذا مؤكدة ، والتقدير : مهما يكن من شيء فالمذكور عالم في حال علم. فلو كان المصدر التالي «أما» معرفا بـ «أل» فهو عند سيبويه مفعول له. وذهب الأخفش إلى أن المنكر والمعرف كليهما بعد «أما» مفعول مطلق.

وذهب الكوفيون ـ على ما نقله ابن هشام ـ إلى أن القسمين مفعول به بفعل مقدر ، والتقدير : مهما تذكر علما فالذي وصف عالم. قال ابن مالك في شرح التسهيل : وهذا القول عندي أولى بالصواب ، وأحق ما اعتمد عليه في الجواب.

انظر التسهيل : ١٠٩ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ١٤ ـ ١٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، الكتاب : ١ / ١٩٣ ، شرح المرادي : ٢ / ١٣٨ ـ ١٣٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٧٣ ـ ١٧٤ ، الهمع : ٤ / ١٥ ـ ٦.

٤٠٨

من بعد نفي أو مضاهيه كلا

يبغ امرؤ على امرىء مستسهلا

حقّ صاحب الحال أن يكون معرفة لأنّه مخبر عنه ، فالحال كالخبر في المعنى ، وقد يجيء نكرة ، ولذلك مسوّغات ، كما أنّ للابتداء بالنّكرة مسوّغات ـ وقد تقدّمت في باب المبتدأ (١) ـ ، ومن مسوّغات تنكير صاحب الحال :

أن يتأخّر عن الحال ، وهو المنبّه عليه بقوله : «إن لم يتأخّر» ، ومثاله : «في الدّار قائما رجل».

ومنها : أن يكون مخصّصا ، وهو المنبّه عليه بقوله : «أو يخصّص» (٢) ، وشمل صورتين :

(الأولى) (٣) : أن يخصّص بالوصف ، كقوله عزوجل : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا)(٤) [الدخان : ٤ ، ٥].

والثّانية : أن يخصّص بالإضافة إلى نكرة ، كقوله تعالى : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً) [فصلت : ١٠].

__________________

(١) انظر : ص ١٨٩ من هذا الكتاب.

(٢) في الأصل : ويخصص. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٩ ، الألفية : ٧٧.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٩.

(٤) تبع ابن طولون في التمثيل بهذه الآية الناظم في شرح التسهيل ، وابنه في شرح الألفية ، والمكودي والمرادي ، فجعلوا «أمرا» المنصوب حالا من «أمر» المجرور بالإضافة ، لكونه مختصا بالوصف بـ «حكيم» ، مع أن من شرط صحة إتيان الحال من المضاف إليه أن يكون المضاف عاملا في الحال ، أو بعض المضاف إليه أو كبعضه ، وذلك مفقود هنا. وقد خالف الناظم في ذلك في شرح الكافية ، فجعله من التخصيص بالإضافة. قال الأزهري : وفي نصب «أمرا» أوجه :

أحدها : أنه على الاختصاص.

الثاني : على المفعول له.

الثالث : على المصدر من معنى «يفرق».

الرابع : على الحال من «كل» أو من ضمير الفاعل في «أنزلنا» أي : آمرين ، أو من ضمير المفعول ، وهو الهاء في «أنزلناه» ، أو من الضمير المستتر في «حكيم».

الخامس : أنه مفعول «منذرين». انتهى.

وقد مثل ابن مالك في شرح الكافية لذلك بقراءة بعضهم : ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدقا ، بنصب «مصدقا» ، وهي قراءة ابن مسعود.

انظر شرح ابن الناظم : ٣١٩ ، شرح المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٦٩ ، شرح المرادي : ٢ / ١٤٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٧٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٣٧ ، القراءات الشاذة : ٨.

٤٠٩

ومنها : أن يكون بعد نفي ، وهو المنبّه عليه بقوله : «أو يبن من بعد نفي» ، أي : يظهر بعد نفي ، ومثاله قوله تعالى / : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤].

ومنها : أن يكون بعد مشابه النّفي ، وهو المنبّه عليه بقوله : أو مضاهيه» (١) أي : مشابهه ، وشمل صورتين.

الأولى : الاستفام ، ومثاله : «هل جاء أحد ضاحكا».

الثّانية : النّهي ، ومثاله : «لا يقم أحد ضاحكا».

فهذه ستّة مسّوغات ، وقد مثّل النّاظم الصّورة الأخيرة بقوله :

 ... كلا

يبغ امرء على امرىء مستسهلا

ف «مستسهلا» حال من «امرىء» الأوّل ، وسوّغ ذلك تقدّم النّهي.

وفهم من قوله : «غالبا» أنّ صاحب الحال يكون نكرة محضة من غير مسوّغ في الغالب. حكى سيبويه من كلام العرب : «مررت بماء قعدة رجل» ، و «عليه مائة بيضا» (٢) ، وفي الحديث : «فصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاعدا ، وصلّى (وراءه) (٣) رجال قياما» (٤).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

__________________

(١) في الأصل : ومضاهيه. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٩ ، الألفية : ٧٧.

(٢) انظر الكتاب : ١ / ٢٧٢ ، شرح المكودي : ١ / ١٧٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٧٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٧٨ ، شرح ابن الناظم : ٣٢١.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٠.

(٤) روى البخاري في صحيحه (١ / ١٧٧) عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيته وهو شاك ، فصلّى جالسا وصلّى وراءه قوم قياما».

وفي سنن ابن داود حديث رقم : (٦٠٥) قالت : «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيته وهو جالس فصلّى وراءه قوم قياما». وفي صحيح مسلم حديث رقم (٤١٢) قالت : «اشتكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه فصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالسا فصلّوا بصلاته قياما».

وانظر الحديث برواية المؤلف في شرح المكودي : ١ / ١٧٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٧٦ ، شرح ابن الناظم : ٣٢٢ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٧٨ ، شرح دحلان : ٩٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢١٦ ، الدرة المضية للأنباسي (رسالة ماجستير) : ١٢٩. وروي في البهجة المرضية (٩٠) : «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالسا وصلّى وراءه قوم قياما».

٤١٠

وسبق حال ما بحرف جرّ قد

أبوا ولا أمنعه فقد ورد

يعني : أنّ صاحب الحال إذا كان مجرورا بحرف الجرّ ـ لا يجوز عند أكثر النّحويين تقدّم الحال عليه ، نحو «مررت بهند قائمة» ، فلا يجوز عندهم «مررت قائمة بهند» ، وهذا الّذي منعوه لا أمنعه أنا لوروده في كلام العرب (١) ، وقد استدلّ النّاظم على جواز ذلك بشواهد منها قوله :

١٠٧ ـ تسلّيت طرّا عنكم بعد / بعدكم

بذكراكم حتّى كأنّكم عندي

ف «طرّا» حال من الكاف في «عنكم» ، وهو مجرور بـ «عن».

فإن قلت : قد فهم من تخصيصه المنع بالمجرور بالحرف ـ أنّ ما عدا المجرور بالحرف ـ وهو المرفوع ، والمنصوب ، والمجرور بالإضافة ـ لا يمتنع أن يسبقه الحال.

أمّا المرفوع والمنصوب : فلا إشكال في جواز تقديم الحال عليهما ، نحو «جاء ضاحكا زيد» ، و «ضربت منطلقة هندا».

__________________

(١) قال ابن مالك في شرح الكافية (٢ / ٧٤٤) : «وأكثر النحويين يقيس المجرور بحرف الجر على المجرور بالإضافة ، فيلحقه به في امتناع تقدم حاله عليه ، فلا يجيز في نحو «مررت بهند جالسة» : مررت جالسة بهند ، وأجاز ذلك أبو علي في كلامه في المبسوط ، وبقوله في ذلك أقول وآخذ ، لأن المجرور بحرف مفعول به في المعنى ، فلا يمتنع تقديم حاله عليه ، كما لا يمتنع تقديم حال المفعول به ، وقد جاء ذلك مسموعا في أشعار العرب الموثوق بعربيتهم ، فمن ذلك ما أنشده يعقوب :

فإن تك أزواد أصبن ونسوة

فلن تذهبوا فرغا بقتل حبال

أراد : فلن تذهبوا بقتل حبال فرغا ، أي : هدرا ، وحبال اسم رجل ، ومن ذلك قول الآخر :

لئن كان برد الماء هيمان صاديا

إليّ حبيبا إنّها لحبيب

انتهى. وانظر شرح المكودي : ١ / ١٧٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٧٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٧٩ ، شرح المرادي : ٢ / ١٤٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢١٦.

١٠٧ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله.

ويروى : «بينكم» بدل «بعدكم» ، والتسلي : التصبر ، وقوله : «طرا» بمعنى جميعا. والشاهد في قوله : «طرا» حيث أتى حالا من الكاف والميم ، وقد تقدم على صاحبه المجرور بـ «عن» ، وقال ابن هشام في التوضيح : «والحق أن البيت ضرورة».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٧٩ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ١٦٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٧٧ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٧٠ ، أوضح المسالك : ١٢٠ ، شرح ابن الناظم : ٣٢٤.

٤١١

وأمّا المجرور بالإضافة ، فقد حكي الإجماع على منع جواز تقديم الحال عليه (١).

فالجواب عنه : أنّ هذا المفهوم معطّل (٢) ، كما قاله المكوديّ (٣). وإنّما خصّ المجرور بالحرف لأنّها هي المسألة الّتي تعرّض النّحويّون لذكرها في كتبهم ، والخلاف فيها مشهور.

وممّن أجاز تقديم الحال فيها على صاحبها الفارسيّ ، وابن كيسان ، وابن برهان (٤)(٥).

ولا يقتضي قوله : «ولا أمنعه» انفراده بالجواز ، بل هو غير مانع له تابعا لغيره.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ولا تجز حالا من المضاف له

إلّا إذا اقتضى المضاف عمله

__________________

(١) وذلك كقولك : «عرفت قيام هند مسرعة» فلا يقدم «مسرعة» على «هند» لئلا يفصل بين المضاف والمضاف إليه.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٤٣ ، شرح الرضي : ١ / ٢٠٧ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٧٢٦ ، شرح المكودي : ١ / ١٧٠ ، الهمع : ٤ / ٢٥.

(٢) أي : غير معتبر. انظر حاشية ابن حمدون : ١ / ١٧٠.

(٣) انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٠.

(٤) وابن جني وابن ملكون وبعض الكوفيين كذلك ، وذلك لقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ.) ومنع سيبويه وأكثر البصريين التقديم ، وجوز الكوفيون التقديم إن كان صاحب الحال ضميرا أو ظاهرا والحال فعل «نحو مررت تضحك بهند» ، ومنعوه إذا كان ظاهرا وهي اسم ، نحو «مررت ضاحكة بهند». وحكى ابن الأنباري أن الاتفاق على منع ذلك وأن التقديم خطأ.

انظر الكتاب : ١ / ٢٧٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٤٨ ، شرح اللمع لابن برهان : ١ / ١٣٧ ـ ١٣٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢١٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٧٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٧٨ ـ ٣٧٩ ، الهمع : ٤ / ٢٦ ، شرح المرادي : ٢ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٧٢٦ ، المقتضب : ٤ / ١٧١ ، شرح الرضي : ١ / ٢٠٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٤٤.

(٥) ابن برهان هو عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي العكبري ، أبو القاسم عالم بالنحو واللغة نسابة أخباري ، من أهل بغداد ، عاش نيفا وثمانين سنة وتوفي ببغداد سنة ٤٥٦ ه‍ ، من آثاره : شرح اللمع لابن جني ، أصول اللغة ، الاختيار ، وغيرها.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٣١٧ ، نزهة الألباء : ٤٢٨ ، هدية العارفين : ١ / ٦٣٤ ، معجم المؤلفين : ٦ / ٢١٠ ، الأعلام : ٤ / ١٧٦ ، تاريخ بغداد : ١١ / ١٧ ، إنباه الرواة : ٢ / ٢١٣.

٤١٢

أو كان جزء ماله أضيفا

أو مثل جزئه فلا تحيفا

يعني : أنّ صاحب الحال لا يكون مضافا إليه إلّا في ثلاثة مواضع / :

الأوّل : أن يقتضي المضاف العمل في الحال (١) ، ومعناه أن يكون جاريا مجرى الفعل في كونه مصدرا ، أو اسم فاعل ، كقوله عزوجل : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) [المائدة : ٤٨] ، ومثله قولك : «أعجبني ضرب هند قائمة» ، و «أنا ضارب هند قاعدة» ، فـ «ضرب» و «ضارب» يقتضيان العمل في الحال ، لأنّ الحال لا يعمل فيها إلّا فعل ، أو ما في معناه.

الثّاني : أن يكون المضاف جزءا من المضاف إليه كقوله عزوجل : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) [الحجر : ٤٧] ، فالصّدور بعض ما أضيف إليه.

الثّالث : أن يكون المضاف مثل جزء المضاف إليه في صحّة الاستغناء به عن الأوّل ، كقوله عزوجل : (فَاتَّبِعُوا)(٢) مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [آل عمران : ٩٥] ، لصحّة : فاتّبعوا إبراهيم.

فلو كان المضاف إليه غير ما ذكر لم يجز إتيان الحال منه ، نحو «جاء غلام هند قائمة» (٣) ، وإنّما جاز ذلك في المواضع المذكورة دون غيرها ، بناء على أنّ الحال لا يعمل فيها إلّا الفعل ، أو ما في معناه ، (وأنّ العامل في الحال هو العامل في صاحبها. فإذا كان المضاف مصدرا أو اسم فاعل ـ فلا إشكال في أنّه هو العامل في صاحب الحال وفي الحال معا) (٤).

وإذا كان المضاف بعض ما أضيف إليه ، أو مثل بعضه ـ صار الأوّل ملغى ، للاستغناء عنه ، وصار العامل فيه في التّقدير عاملا في المضاف إليه.

__________________

(١) ذكر ابن مالك في شرحي التسهيل والكافية : أن ذلك جائز بلا خلاف. انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٥٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٧٩ ، شرح المرادي : ٢ / ١٥١.

(٢) في الأصل : اتبعوا. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٣) ادعى ابن مالك في شرح التسهيل الاتفاق على منع مجيء الحال من المضاف إليه فيما عدا المسائل الثلاث المستثناة ، وتابعه على ذلك ولده في شرحه. قال الأشموني : «وفيما ادعياه نظر فإن مذهب الفارسي الجواز ، وممن نقله عنه الشريف أبو السعادات ابن الشجري في أماليه». انتهى. وقال السيوطي : «وجوز بعض البصريين ، وصاحب البسيط مجيء الحال من المضاف إليه مطلقا». انتهى. وقال صاحب البديع : إنه قليل.

انظر شرح الأشموني : ٢ / ١٧٩ ، الهمع : ٤ / ٢٣ ، شرح ابن الناظم : ٣٢٧ ، شرح المرادي : ٢ / ١٥١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٣٨ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ٢٥.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

٤١٣

فـ «الهاء» في «صدورهم» معمولة للاستقرار ، و «إبراهيم» / معمول لـ «اتّبعوا» (١).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والحال إن ينصب بفعل صرّفا

أو صفة أشبهت المصرّفا

فجائز تقديمه كمسرعا

ذا راحل ومخلصا زيد دعا

العامل في الحال إمّا فعل ، أو شبهه ، أو ما تضمّن معناه دون لفظه (٢).

وقد أشار إلى الأوّل والثّاني هنا (٣) ، فذكر أنّ العامل في الحال إن كان فعلا متصرّفا ، أو صفة شبيهة به ـ جاز تقديمه على عامله (٤).

والمراد بالمتصرّف : ما استعمل منه الماضي والمضارع والأمر ، والمراد بغير المتصرّف : ما لزم لفظ الماضي.

والمراد بالشّبيه (بالمتصرّف) (٥) : أن يكون وصفا قابلا لعلامة الفرعيّة ـ وهي التّثنية الجمع ، والتّذكير والتّأنيث ـ وهو اسم الفاعل واسم المفعول والصّفة المشبّهة ، وغير الشّبيه (٦) به : أفعل التّفضيل ، فإنّه لا يثنّى ، ولا يجمع ، ولا يؤنّث.

ثمّ أتى بمثالين :

__________________

(١) في الأصل : لـ «اتبع». انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٢) في الأصل : خطه. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٣) في الأصل : في هنا.

(٤) خلافا للجرمي في منع تقديمها عليه ، وللأخفش في نحو «راكبا زيد جاء» لبعدها عن العامل ، ولبعضهم في منع تقديم المؤكدة. وذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم الحال على الفعل العامل فيها إذا كان صاحب الحال اسما ظاهرا ، ويجوز مع المضمر ، نحو «راكبا جئت». ونقل عن الكسائي والفراء المنع مطلقا سواء أكان صاحب الحال ظاهرا أم مضمرا.

ومنع المغاربة تقديم الجملة الحالية المصدرة بالواو نحو «والشمس طالعة جاء زيد». وأجاز الكسائي والفراء وهشام : «وأنت راكب تحسن» ، ونص ابن إصبع على أنه لا يمتنع عند الجمهور.

انظر الإنصاف (مسألة : ٣١) : ١ / ٢٥٠ ، شرح المرادي : ٢ / ١٥٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠ ، الأشموني مع الصبان : ٢ / ١٨٠ ، الهمع : ٤ / ٢٧ ـ ٢٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٤٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٨١.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٦) في الأصل : المشبه. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

٤١٤

الأوّل : من الصّفة الشّبيهة (١) بالمتصرّف ، وهو قوله : «مسرعا ذا راحل» ، فـ «ذا» مبتدأ ، و «راحل» خبره ، و «مسرعا» حال من الضّمير المستتر في «راحل» ، وهو العائد على المبتدأ ، والعامل (٢) في الحال «راحل» ، وهو صفة أشبهت المتصرّف / لأنّه اسم فاعل.

والآخر : من الفعل ، وهو قوله : «مخلصا زيد دعا» ، فـ «زيد» مبتدأ ، و «دعا» فعل ماض متصرّف ، وفيه ضمير يعود على «زيد» ، و «مخلصا» حال من ذلك الضّمير ، والعامل في الحال «دعا» ، وهو فعل متصرّف.

وفهم منه : أنّه إذا كان العامل فعلا غير متصرّف أو صفة غير شبيهة (٣) بالمتصرّف ـ لم يجز التّقديم ، فلا يجوز في نحو «ما أحسن هندا (٤) متجرّدة» أن تقول : «متجرّدة ما أحسن هندا» ، ولا «ما متجرّدة أحسن هندا» (٥) ، وكذلك لا يجوز في نحو «هند أجمل من زيد متجرّدة» : «هند متجرّدة أجمل من زيد».

وفهم من المثالين أنّ لكلّ واحد منهما صورتين :

إحداهما : ما ذكر ، وهو أن يكون الحال متقدّما على ما أسند إليه العامل.

والأخرى : أن يكون الحال متقدّما على العامل فقط.

فمثالهما في المثال (٦) الأوّل : «ذا مسرعا راحل» ، وفي المثال الثّاني : «زيد مخلصا دعا».

وإنّما قصد الصّورتين الأوليين (٧) للتّنبيه على جواز تقديمه على (ما) (٨) أسند إليه العامل ، فيكون جواز تقديمه على العامل فقط أحرى.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

وعامل ضمّن معنى الفعل لا

حروفه مؤخّرا لن يعملا

هذا هو القسم الثّالث من العامل ، وهو ما إذا ضمّن معنى الفعل لا حروفه لا يتقدّم عليه الحال لضعفه ، ثمّ مثّل ذلك بثلاث كلمات.

__________________

(١) في الأصل : المشبهة. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٢) في الأصل : الواو ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٣) في الأصل : مشبهة. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٤) في الأصل : هند. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٥) في الأصل : هند. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٦) في الأصل : المثالين. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٧) في الأصل : الأولتين. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٨) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

٤١٥

فقال رحمه‌الله تعالى :

كتلك ليت وكأنّ وندر

نحو سعيد مستقرا في هجر

ف «تلك» اسم إشارة ، وفيها معنى الفعل ، وهو «أشير» ، وليس فيها حروف الفعل الّذي يفهم منه.

و «ليت» حرف تمنّ ، وفيها معنى الفعل ، وهو «أتمنّى».

و «كأنّ» حرف تشبيه ، وفيها معنى الفعل ، وهو «أشبّه».

وفهم من دخول الكاف على «تلك» أنّ ذلك مطّرد في أسماء الإشارة كلّها.

فمثال اسم الإشارة : «تلك هند منطلقة ، وذلك عمرو ضاحكا» ، ومثال التّمنّي : «ليت عمرا مقيما عندنا» ، ومثال التّشبيه : «كأنّك البدر طالعا».

فالعامل في الأوّل : «تلك» لتضمّنها معنى «أشير» ، وفي الثّاني : «ليت» لتضمّنها معنى «أتمنّى» ، وفي الثّالث : «كأنّ» لتضمّنها معنى «أشبّه».

وفهم أيضا من «الكاف» أنّ ذلك غير محصور فيما ذكر.

وممّا ضمّن معنى الفعل دون حروفه : التّرجّي ، وحرف / التّنبيه ، و «أمّا» (١) في الشّرط ، والاستفهام المقصود به التّعظيم (٢).

وقوله :

 ... وندر

نحو سعيد مستقرا في هجر

هذا أيضا من العوامل التّي تضمّنت معنى الفعل دون حروفه ، وهو الظّرف وحرف الجرّ مسبقين باسم ما الحال له ، كما في نحو «زيد عندك قاعدا» و «سعيد في هجر مستقرّا».

__________________

(١) في الأصل : ما. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٢) نحو :

يا جارتا ما أنت جاره

وأجاز الفارسي فيه الحال والتمييز. قال المرادي : «ونص المصنف على أن جميع هذه تعمل في الحال خلافا للسهيلي في اسم الإشارة ، وله ولابن أبي العافية في حرف التنبيه ، ولبعضهم في «كان» ، ووفاقا للزمخشري وابن عصفور في «ليت ، ولعل». وصحح بعضهم أن «ليت» و «لعل» وباقي الحروف لا تعمل إلا «كان» وكاف التشبيه». انتهى.

انظر شرح المرادي : ٢ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٥١ ـ ٣٥٢ ، الهمع : ٤ / ٣٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٥٢ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٨٢.

٤١٦

فالعامل في الحال في هذين المثالين ونحوهما ـ الظّرف والمجرور ، لنيابتهما مناب «استقرّ ، أو مستقرّ» ، والحال في هذا المثال الّذي ذكره مؤكّدة ، لأنّ التّقدير : سعيد استقرّ في هجر مستقرا.

وإنّما فصل هذه المسألة من تلك ، وما ذكر بعدها (١) ـ وإن كانت مثلها في تضمّن معنى الفعل دون حروفه ـ لأنّه قد سمع فيها (٢) تقديم الحال على عاملها ، ولذلك أتى بالحال في المثال الّذي ذكره ، وهو «مستقرا» مقدّما على عامله ، وهو «في هجر» ، ومثله قوله عزوجل في قراءة من قرأ : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧] بنصب «مطويّات» (٣).

وممّن أجاز تقديم الحال في مثل هذا الأخفش (٤).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

ونحو زيد مفردا أنفع من

عمرو معانا مستجاز لن يهن

قد تقدّم أنّ أفعل التّفضيل غير شبيه بالفعل ، لكونه غير قابل للفرعيّة (٥) ، فاستحقّ بذلك أن لا يتقدّم عليه الحال ، لكن له مزيّة على العوامل الجامدة لوجود لفظ الفعل فيه ، فاستقرّ توسيطه بين حالين ، كالمثال المذكور.

__________________

(١) في الأصل : بعده. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٢) في الأصل : فيه. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧١.

(٣) وهي قراءة عيسى بن عمر والحسن البصري على الحال أو على القطع ، وقال الفراء : والحال أجود ، ويكون قوله «بيمينه» خبر «السموات». وقيل : الخبر محذوف ، أي : والسموات قبضته. وقرأ الباقون بالرفع ، وعليه تكون «مطويات» هي الخبر.

انظر القراءات الشاذة : ١٣١ ، إعراب النحاس : ٤ / ٢٢ ، إملاء ما من به الرحمن : ٢ / ٢١٦ ، معاني الفراء : ٢ / ٤٢٥ ، شرح المكودي : ٢ / ١٩١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٨٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٥٣ ، الهمع : ٤ / ٣٣ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٣٥.

(٤) في أحد قوليه ، والفراء أيضا ، وذلك بشرط تقدم المبتدأ على الحال ، نحو «زيد قائما في الدار» ، فإن تأخر المبتدأ وتقدم الخبر جاز توسط الحال بينهما بلا خلاف ، نحو «في الدار عندك زيد» ، و «في الدار قائما زيد». وقيل بالجواز بقوة إن كانت الحال ظرفا أو حرف جر ، ويضعف إن كانت غيرهما ، وعليه ابن مالك في التسهيل. وقيل : بالجواز إن كانت من مضمر ، نحو «أنت قائما في الدار» وعليه الكوفيون.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٢ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٨٥ ، شرح الرضي : ١ / ٢٠٤ ، الهمع : ٤ / ٣٣ ، شرح المرادي : ٢ / ١٥٧ ، التسهيل : ١١١ ، شرح الهواري (١٠٠ / ب) ، شرح الأشموني : ٢ / ١٨١ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٥٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٣٥ ، معاني الفراء : ٢ / ٤٢٥.

(٥) أي : للعلامة الفرعية. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٣.

٤١٧

فـ «نحو» مبتدأ ، وخبره «مستجاز» ، و «زيد» مبتدأ ، وخبره «أنفع» وفي «أنفع» ضمر مستتر عائد على «زيد» ، و «مفردا» حال منه (١) ، و «معانا» حال من «عمرو» ، والعامل فيهما «أنفع» (٢) ، وأصله : زيد أنفع في حال كونه مفردا من عمرو في حال كونه معانا ، وإنّما كان «أنفع» عاملا في الحالين ، لأنّ صاحب الحال ـ وهو الضّمير المستتر ـ ، والمجرور بـ «من» ، معمولان له ، والعامل في الحال هو العامل في صاحبها (٣).

وقوله : «لن يهن» أي : لن يضعف (٤).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والحال قد يجيء ذا تعدّد

لمفرد فاعلم وغير مفرد

يعني : أنّ الحال قد يجيء متعدّدا ، أي : متكرّرا ، والمراد بالمفرد : غير المتكرّر.

فمثال : المفرد : («جاء زيد راكبا» ومثال غير المفرد) (٥) : «جاء زيد راكبا ضاحكا» (٦) / فالحال قد تعدّدت مع انفراد صاحبها (٧).

__________________

(١) في الأصل : عنه. راجع شرح المكودي : ١ / ١٧٣.

(٢) وذلك على المختار ، وهو مذهب سيبويه والمازني في أظهر قوليه ، والفارسي في تذكرته ، وابن كيسان وابن جني ، وابن خروف. وزعم المبرد والزجاج وابن السراج والسيرافي والفارسي في حلبياته : إلى أنهما منصوبان على إضمار «كان» التامة ، صلة لـ «إذ» في الماضي ، و «إذا» في المستقبل ، وهما حالان من ضميرهما. وجوز بعض المغاربة كون المضمر «كان» الناقصة ، والمنصوبان خبران لا حالان.

انظر الكتاب : ١ / ١٩٩ ، المقتضب : ٣ / ٢٥٠ ـ ٢٥٢ ، الأصول : ٢ / ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، المسائل الحلبيات : ١٧٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٨٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٨٣ ، شرح المرادي : ٢ / ١٥٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٥٣ ، الهمع : ٤ / ٣١ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ٣٠.

(٣) انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٣ ، إعراب الألفية : ٦١.

(٤) وهو فعل مضارع من وهن يهن ، وهو خبر «بعد».

انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٣ ، إعراب الألفية : ٦١ ، شرح الهواري : (١٠١ / أ) ، اللسان : ٦ / ٤٧٢٤ (هون).

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر المكودي بحاشية الملوي : ٩٠.

(٦) هذا مذهب أبي الفتح وجماعة. ومنع ابن عصفور هذا النوع ما لم يكن العامل فيه : أفعل التفضيل ـ كما تقدم ـ ، ونقل المنع أيضا عن الفارسي وجماعة ، فالثاني عندهم نعت للأول أو حال من الضمير فيه.

انظر شرح الأشموني : ٢ / ١٨٤ ، شرح المرادي : ٢ / ١٦٠ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٥٨ ، الهمع : ٤ / ٣٧ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ٣٥.

(٦) هذا مذهب أبي الفتح وجماعة. ومنع ابن عصفور هذا النوع ما لم يكن العامل فيه : أفعل التفضيل ـ كما تقدم ـ ، ونقل المنع أيضا عن الفارسي وجماعة ، فالثاني عندهم نعت للأول أو حال من الضمير فيه.

انظر شرح الأشموني : ٢ / ١٨٤ ، شرح المرادي : ٢ / ١٦٠ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٥٨ ، الهمع : ٤ / ٣٧ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ٣٥.

٤١٨

وشمل قوله : «وغير مفرد» ثلاث صور :

الأولى : أن يكون صاحب الحال متعدّدا ، والحال مجتمعة ، نحو (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) [إبراهيم : ٣٣].

الثّانية : أن يكون بتفريق مع إيلاء كلّ واحد منهما صاحبه ، نحو «لقيت مصعدا زيدا (١) منحدرا.

الثالثة : أن يكون بتفريق مع عدم إيلاء كلّ واحد منهما صاحبه ، نحو «لقيت زيدا مصعدا منحدرا» ، والاختيار في مثل هذا مع عدم القرينة جعل الأوّل للثّاني ، والثّاني (٢) للأوّل ، فـ «مصعدا» حال من «زيد» ، و «منحدرا» حال من «التّاء» في «لقيت».

ثمّ قال رحمه الله تعالى :

وعامل الحال بها قد أكّدا

في نحو لا تعث في الأرض مفسدا

يعني : أنّ العامل في الحال قد يؤكّد بها ، فتكون الحال على هذا مؤكّدة لعاملها ، وذلك على قسمين :

الأوّل : أن تكون (٣) من لفظ عاملها كقوله عزوجل : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً)(٤) [النساء : ٧٩].

الثّاني (٥) : أن تكون موافقة لعاملها معنى لا لفظا ، كقوله عزوجل : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة : ٦٠] ، لأنّ «العثوّ» هو الفساد ، ولهذا المثال أشار بقوله :

في نحو لا تعث في الأرض مفسدا

فـ «مفسدا» حال من الفاعل في «تعث» المستتر فيه ، والعامل فيه «تعث» ، وهو موافق له في معناه دون لفظه.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وإن تؤكّد جملة فمضمر

عاملها ولفظها يؤخّر /

__________________

(١) في الأصل : زيد. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٢.

(٢) في الأصل : والثانية. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٤.

(٣) في الأصل : يكون. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٤ ، فإنه قال بعد : أن تكون موافقة.

(٤) في الأصل : رلا. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٤.

(٥) في الأصل : الثانية. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٤.

٤١٩

يعني : أنّ الحال تجيء مؤكّدة للجملة ، ويجب أن يكون عاملها مضمرا ، وأن تكون واجبة التّأخير ، مثال ذلك : «زيد أبوك عطوفا» ، فالعامل فيها واجب الحذف (١) ، تقديره إن كان المبتدأ غير «أنا» : أحقّه (٢) وأعرّفه ، وإن كان «أنا» حقّني واعرفني ، وإنّما لم يصحّ تقديره : أعرّف أو أحقّ ، مع كون المبتدأ «أنا» (٣) لما يؤدّي (إليه) (٤) من تعدّي فعل الضّمير المتّصل إلى مضمره المتّصل ، لأنّ التّقدير : أعرّفني : فيكون الفاعل والمفعول شيئا واحدا ، مع كونهما ضميرين متّصلين (٥). وإنّما وجب تأخير الحال ، لأنّها مؤكّدة للجملة ، والمؤكّد بعد المؤكّد.

ويشترط في الجملة المؤكّدة (٦) بها (٧) أن تكون اسميّة ، وأن يكون جزآها معرفتين ، وأن يكونا جامدين.

وفهم كونها اسمية : من قوله : «جملة» بعد ذكر المؤكّدة لعاملها ، والمؤكّدة لعاملها فعلية ، وهذه قسيمتها ، فوجب أن تكون اسميّة.

وفهم كون جزأيها معرفتين : من تسميتها مؤكّدة ، لأنّه لا يؤكّد إلّا ما قد عرّف.

وفهم اشتراط كون جزأيها جامدين : من قوله : «وإن تؤكّد جملة» لأنّه لو كان أحد جزأيها مشتقا ، لكانت مؤكّدة لعاملها ، فيكون من القسم الأوّل.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وموضع الحال تجيء جملة

كجاء زيد وهو ناو رحله /

اعلم أنّ الحال على قسمين : مفرد ، وهو الأصل ـ وقد تقدّم ـ ، وجملة ،

__________________

(١) وقال الزجاج : الخبر مؤول بمسمى ، فيعمل في الحال ، وقال ابن خروف : ضمن المبتدأ تنبيها فهو العامل.

انظر ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٦٣ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٨٨ ، شرح الرضي : ٢ / ٢١٥ ، الهمع : ٤ / ٤٠ ، شرح المرادي : ٢ / ١٦٣.

(٢) أحقه : بفتح فضم من حققت الأمر بالتخفيف أي : تحققته ، أو بضم فكسر من أحققته بمعنى : أثبته. انظر حاشية الخضري : ١ / ٢٢٠ ، حاشية الصبان : ١ / ١٨٥.

(٣) في الأصل : غير أنا. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٤.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٤.

(٥) انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٤ ، وقال أبو حيان في الارتشاف : «والعامل في هذه الحال قدره سيبويه في قولك : «هو زيد معروفا» : انتبه ، وألزمه معروفا ، وقدره غيره إن كان المخبر عنه غير «أنا» تقول : أحقه أو أعرفه ، وإن كان «أنا» قدر : أحق أو أعرف أو أعرفني». انتهى.

انظر ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٦٣ ، الكتاب : ١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

(٦) في الأصل : المؤكد. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٤.

(٧) أي : بالحال.

٤٢٠