شرح ابن طولون - ج ١

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] ، أو لكونه فرعا ، كقوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [البروج : ١٦] ، وقد تزاد لغير ذلك ، كقوله : («رَدِفَ لَكُمْ)(١) [النمل : ٧٢]».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

 ... والظّرفيّة استبن ببا

وفي وقد يبيّنان السّببا

يعني : أنّ «الباء» ، و «في» يشتركان في الدّلالة على الظّرفية والسّببيّة.

فمثال دلالة «الباء» على الظّرفيّة قوله تعالى : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ) [الصافات : ١٣٧] ، ومثال دلالتها على السّببيّة قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ) [النساء : ١٦٠].

ومثال دلالة «في» على / الظّرفيّة : «زيد في المسجد» ، ومثال دلالتها على السّببيّة قوله تعالى : (لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) [النور : ١٤].

والظّرفيّة في («في») (٢) أكثر ، والسّببيّة (في الباء) (٣) أكثر.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

بالبا استعن وعدّ عوّض ألصق

ومثل مع ومن وعن بها انطق

قد تقدّم أنّ الباء تكون للظّرفيّة والسّببيّة والبدل وذكر لها في هذا البيت سبعة (٤) معان :

__________________

(١) قال ابن هشام في المغني (٢٨٤ ـ ٢٨٥) :

«الحادي والعشرون ـ لام التوكيد ، وهي اللام الزائدة ، وهي أنواع : منها اللام المعترضة بين الفعل المتعدي ومفعوله ، كقوله :

ومن يك ذا عظم صليب رجا به

ليكسر عود الدّهر فالدّهر كاسره

وقوله :

وملكت ما بين العراق ويثرب

ملكا أجار لمسلم ومعاهد

وليس منه (رَدِفَ لَكُمْ) خلافا للمبرد ومن وافقه بل ضمن «ردف» معنى «اقترب» فهو مثل (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ.) انتهى. وفي تفسير البغوي (٥ / ١٥٥ ـ بهامش الخازن) : (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ) ـ أي : دنا وقرب ـ لكم ، وقيل : تبعكم ، والمعنى ردفكم ، أدخل فيه اللام كما زدخل في قوله : (لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) قال الفراء : اللام صلة زائدة كما تقول : «نقدته مائة ونقدت له» انتهى.

وانظر المقتضب : ٢ / ٣٦ ، الكشاف : ٣ / ١٥٨ ، الجنى الداني : ١٠٧ ، الهمع : ٤ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، معاني الفراء : ٢ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ، جواهر الأدب : ٧٨ ، تفسير الخازن : ٥ / ١٥٥ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٤٢٠.

(٢ ـ ٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٣.

(٤) في الأصل : سبع. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٣.

٤٤١

الأوّل : الاستعانة ، نحو «كتبت بالقلم».

الثّاني (١) : التّعدية ، وهي المعاقبة لهمزة التّعدية ، نحو «ذهبت بزيد» ، أي : أذهبته ، ومثله قوله عزوجل : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) [البقرة : ١٧].

الثّالث : العوض ، وهي الدّاخلة على الأثمان نحو «اشتريت الفرس بألف».

الرّابع : الإلصاق ، نحو (وَامْسَحُوا)(٢) بِرُؤُسِكُمْ [المائدة : ٦].

الخامس : معنى «مع» ، نحو (قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِ) [النساء : ١٧٠] ، أي : مع الحقّ.

السّادس : معنى «من» الّتي للتّبعيض ، كقوله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الإنسان : ٦].

السّابع : معنى «عن» كقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [الفرقان : ٢٥].

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

على للاستعلا ومعنى في وعن

بعن تجاوزا عنى من قد فطن

وقد تجي موضع بعد وعلى

كما على موضع عن قد جعلا

ذكر لـ «على» ثلاثة معان :

الأوّل : الاستعلاء ، وهو أصلها ، ويكون / حسّيّا كقولك : «ركب على الفرس» ، ومعنويّا ، كقوله :

١١٥ ـ قد استوى بشر على العراق

__________________

(١) في الأصل : الثانية. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٣.

(٢) في الأصل : فامسحوا.

١١٥ ـ من الرجز ، ولم أعثر على قائله ، وبعده :

من غير سيف ودم مهراق

بشر : هو بشر بن مروان ، أخو عبد الملك بن مروان ووزيره ، وكان قد ولاه على العراق فقيل فيه ذلك. مهراق : نعت لـ «دم» ، وأصله «مراق» زيدت الهاء فيه. والشاهد في قوله : «على العراق» حيث جاءت «على» للاستعلاء المعنوي ، وهي هنا بمعنى القهر والغلبة.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٤ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٠٩ ، اللسان : ٣ / ٢١٦٣ (سوا) ، شرح الحماسة للمرزوقي : ١٥٤١. التفسير الكبير للرازي : ٢٥ / ١٧٠ ، تفسير القرطبي : ٧ / ٢٢٠ ، تفسير الخازن : ٢ / ٢٣٩.

٤٤٢

الثّاني : معنى «في» ، كقوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) [البقرة : ١٠٢].

الثّالث : معنى «عن» ، كقوله :

١١٦ ـ إذا رضيت عليّ بنو قشير

 ...

أي : عنّي ، وقوله :

 ...

بعن تجاوزا (٢) عنى من قد فطن

وقد تجي موضع بعد وعلى

 ...

يشير إلى أنّ لـ «عن» ثلاثة معان :

الأوّل : التّجاوز ، وهو الأصل فيها ، كقولك : «رميت عن القوس (٣)» (٤) ، و «أخذت عن زيد».

__________________

١١٦ ـ من الوافر للقحيف بن خمير العقيلي من قصيدة له يمدح فيها حكيم بن المسيب القشيري ، وعجزه :

لعمر الله أعجبني رضاها

عليّ : بمعنى : عنّي. قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. والضمير في «رضاها» عائد إلى «بنو قشير» ، وأنثه باعتبار القبيلة. والشاهد في قوله : «عليّ» حيث جاءت «على» بمعنى «عن» لأن «رضي» لا يتعدى بـ «على» ، وإنما بـ «عن». وقيل : لا شاهد في البيت لاحتمال أن يكون معنى «رضي» : عطف ، فتكون «على» في البيت على بابها.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٢٢ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٢٨٢ ، نوادر أبي زيد : ٤٨١ ، المقتضب : ٢ / ٣١٨ ، الخصائص : ٢ / ٣١١ ، ٣٨٩ ، المحتسب : ١ / ٥٢ ، ٣٤٨ ، أمالي ابن الشجري : ٢ / ٢٦٩ ، الإنصاف : ٦٣٠ ، شرح ابن يعيش : ١ / ١٢٠ ، الخزانة : ١٠ / ١٣٢ ، مغني اللبيب (رقم) : ٢٤٦ ، ١١٤٢ ، أبيات المغني : ٢ / ٣٩٣ ، ٤ / ٦٣ ، ٨ / ٤٧ ، الهمع (رقم) : ١٠٨٦ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٢٢ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٣٢ ، شواهد الجرجاوي : ١٤٨ ، شواهد المغني : ١ / ٤١٦ ، ٢ / ٩٥٤ ، شرح ابن الناظم : ٣٦٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٨٠٩ ، شرح المرادي : ٢ / ٢١٤ ، شرح دحلان : ٩٧ ، الضرائر : ٢٣٣ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥١٠ ، الجني الداني : ٤٧٧ ، معاني الأخفش : ٤٦ ، ١٣٣ ، كاشف الخصاصة : ١٦٥ ، الأزهية : ٢٧٧ ، فتح رب البرية : ٢ / ٢٤٩.

(١) في الأصل : تجاوز. انظر الألفية : ٨٣.

(٢) في الأصل : الفرس. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٤.

(٣) وهذا المثال مختلف فيه ، فقال ابن مالك : هي فيه للاستعانة بمعنى الباء ، لأنهم يقولون : «رميت بالقوس ، وعن القوس» حكاهما الفراء. وفيه رد على الحريري في إنكاره أن يقال ذلك ، إلا إذا كانت القوس هي المرمية. وحكى أيضا : «رميت على القوس».

انظر مغني اللبيب : ١٩٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٥ ، الهمع : ٤ / ١٩٢ ، جواهر الأدب : ٤٠٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٢٤.

٤٤٣

الثّاني : معنى «بعد» ، كقوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) [الانشقاق : ١٩] ، أي : بعد طبق.

الثّالث : معنى «على» كقوله :

١١٧ ـ لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب

عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني

وفهم من قوله : «وقد تجي» أنّ إتيانها بمعنى «بعد» و «على» قليل.

وقوله :

كما على موضع عن قد جعلا

تتميم للبيت ، فإنّه قد سبق في البيت الّذي قبله أنّ «على» تجيء بمعنى «عن» ، إلّا أنّ فيه إشارة للحمل والمعادلة (٢).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

شبّه بكاف وبها التّعليل قد

يعنى وزائدا لتوكيد ورد

ذكر للكاف ثلاثة معان :

الأوّل : التّشبيه ، وهو أصلها ، وأكثر معانيها ، نحو «زيد كعمرو».

__________________

١١٧ ـ من البسيط لذى الأصبع العدواني (حرثان بن محرث بن ثعلبة بن عدوان) من قصيدة له في المفضليات (١٦٠) قالها في مزين بن جابر ، وبعده :

ولا تقوت عيالي يوم مسبغة

ولا بنفسك في العزّاء تكفيني

ويروى : «في نسب» بدل «في حسب» ، ويروى «شيئا» بدل «عني» وعليها فلا شاهد فيه.

لاه ابن عمك : أي : لله در ابن عمك ، والمراد بابن عمك الشاعر نفسه. الحسب : ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه ، الديان : الحاكم والمالك. تخزوني : تقهرني. والشاهد في قوله : «عني» حيث جاءت «عن» بمعنى «على».

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٥ ، مجالس العلماء للزجاجي : ٥٧ ، الخصائص : ٢ / ٢٨٨ ، أمالي ابن الشجري : ٢ / ١٣ ، ٢٦٩ ، الإنصاف : ٣٩٤ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٥٣ ، ٩ / ١٠٤ ، المقرب : ١ / ١٩٧ ، الخزانة : ٧ / ١٧٣ ، ١٠ / ١٢٤ ، مغني اللبيب (رقم) : ٢٥٨ ، أبيات المغني : ٣ / ٢٩٠ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٢٨٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٣٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٣٢ ، شواهد الجرجاوي : ٢٤٧ ، شرح ابن الناظم : ٣٦٨ ، شرح المرادي : ٢ / ٢١٥ ، البهجة المرضية : ٩٧ ، الضرائر : ١٤٤ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٧١ ، ٤٨٣ ، الجنى الداني : ٢٤٦ ، معاني الأخفش : ١٠١ ، كاشف الخصاصة : ١٦٦ ، الأزهية : ٩٧ ، ٢٧٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٨٠٩ ، فتح رب البرية : ٢ / ٢٤٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٤٧.

(١) في الأصل : والمفادات. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٥.

٤٤٤

الثّاني : التّعليل ، وهو المشار إليه بقوله : «وبها التّعليل قد يعنى» ، كقوله عزوجل : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة : ١٩٨] ، أي / : لأجل هدى الله لكم.

وفهم من قوله : «قد يعنى» أنّ إتيانها للتّعليل قليل.

الثّالث : زيادتها للتّوكيد ، وهو قليل ، وهو المشار إليه بقوله : «وزائدا لتوكيد ورد» ، كقوله عزوجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(١) [الشورى : ١١].

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

واستعمل اسما وكذا عن وعلى

من أجل ذا عليهما من دخلا

اعلم أنّ من حروف الجرّ ما يخرج عن الحرفيّة ويستعمل اسما ، وذلك خمسة أحرف ، أشار إلى ثلاثة منها هنا :

الأوّل : كاف التّشبيه ، واستعماله اسما :

قيل : في الضّرورة ، وهو مذهب سيبويه (٢) ، كقوله :

__________________

(١) أي : ليس مثله شيء ، كذا قدره الأكثرون ، إذا لو لم يقدروه كذلك صار المعنى : ليس مثل مثله شيء ، فيلزم المحال ، وهو إثبات المثل ، وإنما زيدت الكاف لتوكيد نفي المثل ، لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانيا ، قاله ابن جني. وقيل : الكاف هنا غير زائدة ، ثم اختلفوا : فقيل : الزائدة «مثل» كما زيدت في (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ ،) قالوا : وإنما زيدت هنا لتفصل الكاف من الضمير. قال في المغني : والقول بزيادة الحرف أولى من القول بزيادة الاسم ، بل زيادة الاسم لم تثبت. وقيل : الكاف و «مثل» لا زائد منهما ، ثم اختلف : فقيل : «مثل» بمعنى الذات ، والمعنى : ليس كذاته شيء. وقيل : بمعنى الصفة ، لأن المثل والمثيل بمعنى ، كالشبه والشبيه ، والمعنى : ليس كصفته شيء. وقيل : الكاف اسم مؤكد بـ «مثل» كما عكس ذلك من قال :

فصيّروا مثل كعصف مأكول

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٧ ، مغني اللبيب : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، الأشموني مع الصبان : ٢ / ٢٢٥ ، الهمع : ٤ / ١٩٥ ـ ١٩٦.

(٢) قال سيبويه في الكتاب (١ / ٢٠٣) : «إلا أن أناسا من العرب اضطروا في الشعر ، وجعلوها بمنزلة «مثل» ، قال الراجز وهو حميد الأرقط :

فصيّروا مثل كعصف مأكول.

انتهى.

وانظر شرح المكودي : ١ / ١٨٥ ، شرح المرادي : ٢ / ٢١٧ ، الهمع : ٤ / ١٩٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٢٥ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٤٣ ، الجنى الداني : ٧٩ ، مغني اللبيب : ٢٣٨ ، جواهر الأدب : ١٤٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٣٧.

٤٤٥

١١٨ ـ أتنتهون ولن ينهى (٢) ذوي شطط

كالطّعن يذهب فيه الزّيت والفتل

وقيل : في الاختيار ، وهو مذهب الأخفش ، وإليه ذهب المصنّف (٣) ، ولذلك أطلق في قوله : «واستعمل اسما».

الثّاني والثّالث : «عن» ، و «على» يستعملان اسمين (٤) ، وقد أشار إليهما بقوله : «وكذا عن وعلى» أي : وكذلك (استعلموا «عن» و «على» اسمين» كما) (٥) استعملوا كاف التّشبيه اسما ، ثمّ علّل استعمالهما اسمين بدخول «من» عليهما ، لأنّ حرف الجرّ لا يدخل (٦) على الحرف ، وإنّما يدخل على الاسم.

فمن دخول «من» على «على» قوله :

__________________

١١٨ ـ من البسيط للأعشى ميمون من قصيدة له في ديوانه (٤٨) ، وهي من أحسن شعره وقد ألحقت بالمعلقات السبع ، أولها :

ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل

وهل تطيق وداعا أيّها الرّجل

ويروى : «لا تنتهون» بدل «أتنتهون» ، ويروى أيضا «هل تنتهون». ويروى : «ولا ينهى» بدل «ولن ينهى» ، ويروى : «يهلك» بدل «يذهب». أتنتهون : أي : أتنزجرون ، والهمزة للاستفهام الإنكاري. ينهى : يزجر. الشطط : الجور والظلم. والكاف في قوله : «كالطعن» اسم ، وهي فاعل «ينهى» ، والطعن : مضاف إليه. الفتل : جمع فتيلة ، أراد به فتيلة الجراحة.

والشاهد في قوله : «كالطعن» حيث استعمل كاف التشبيه فيه اسما بمعنى : «مثل» ، وهو ضرورة عند سيبويه وغيره كابن عصفور ، وجائز في الاختيار عند ابن جني والأخفش وابن مالك وغيرهم.

انظر الشواهد الكبرى : ٣ / ٢٩١ ، شرح ابن الناظم : ٣٦٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٣٣ ، المقتضب : ٤ / ١٤١ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٤٣ ، الخزانة : ٩ / ٤٥٣ ، ١٠ / ١٧٠ ، الخصائص : ٢ / ٣٦٨ ، أمالي ابن الشجري : ٢ / ٢٢٩ ، ٢٨٦ ، الهمع (رقم) : ١١٠٦ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٢٩ ، حاشية يس : ٢ / ١٨ ، شواهد الجرجاوي : ١٤٩ ، اللسان (حطط ، عثل ، غيل) ، الضرائر : ٣٠١ ، الجنى الداني : ٨٢ ، كاشف الخصاصة : ١٦٧ ، التبصرة والتذكرة : ٢٨٤ ، الإفصاح : ١٨٩ ، الأصول : ١ / ٤٣٩ ، أسرار العربية : ٢٥٦.

(١) في الأصل : ينتهى. انظر المراجع الآتية.

(٢) والفارسي والجزولي وكثير من النحويين ، وذلك نظرا لكثرة السماع ، وقال أبو حيان : تقع اختيارا قليلا ، وقال ابن مضاء : هي اسم أبدا لأنها بمعنى : مثل ، وما هو بمعنى اسم فهو اسم.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٥ ، شرح المرادي : ٢ / ٢١٧ ، الهمع : ٤ / ٩٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٢٥ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٤٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٣٧ ، الجنى الداني : ٧٩ ، مغني اللبيب : ٢٣٩ ، التسهيل : ١٤٧ ، جواهر الأدب : ١٤٤ ، شرح الفريد : ٢٣٨ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٤٢ ـ ٤٤.

(٣) في الأصل : اسمان. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٥.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع شرح المكودي : ١ / ١٨٥.

(٥) في الأصل : لا يد. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٦.

٤٤٦

١١٩ ـ غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

 ...

وعلى «عن» قوله :

١٢٠ ـ ...

من عن يميني تارة وأمامي

__________________

١١٩ ـ من الطويل لمزاحم بن الحارث العقيلي يصف القطا ، من قصيدة طويله له ، وعجزه :

تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل

ويروى : «خمسها» بدل «ظمؤها» والخمس : ظمء من أظماء القطا ، وهي أن ترد ثم تغب ثلاثا ، ثم ترد ، فيعتد بيومي وردها مع ظمئها ، فيقال خمس. ويروى : «ببيداء» بدل «بزيزاء». غدت : ذهبي وطارت ، لا بمعنى : الذهاب غدوة لأن القطا إنما يذهب للماء ليلا.

من عليه : أي : من فوقه ، والضمير يرجع إلى الفرخ. الظمء : مدة صبرها عن الماء ، وهو ما بين الشرب إلى الشرب. تصل : تصوت أحشاؤها من العطش. القيض : قشر البيع الأعلى.

المجهل : القفز. والشاهد في دخول «من» على «على» ، ويكون شاهدا أيضا على استعمال «على» اسما بمعنى : فوق.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٩ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٣٠١ ، الكتاب مع الأعلم : ٣١٠ ، المقتضب : ٣ / ٥٣ ، اللسان (صلل ، علا) ، نوادر أبي زيد : ٤٥٤ ، الحلل : ٧٨ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٣٧ ، ٣٨ ، الخزانة : ١٠ / ١٤٧ ، شواهد المغني : ١ / ٤٢٥ ، المقرب : ١ / ١٩٦ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٥٥٨ ، أبيات المغني : ٣ / ٢٦٥ ، ٧ / ١٥٤ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٣٦ ، شواهد الجرجاوي : ١٥٠ ، المغني (رقم) : ٢٥٤ ، ٩٣٢ ، الهمع (رقم) : ١١٣٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٢٦ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٢٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٣٣ ، جواهر الأدب : ٤٦٢ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٨١ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٤٣٠ ، المقتصد : ٢ / ٨٤٥ ، البهجة المرضية : ٩٧ ، الضرائر : ٣٠٥ ، كاشف الخصاصة : ١٦٨ ، شرح الجمل لابن هشام : ١٥٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٨١٠ ، فتح رب البرية : ٢ / ٢٥٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٤٤.

١٢٠ ـ من الكامل لقطري بن الفجاءة الخارجي من أبيات له في شرح الحماسة للمرزوقي (١٣٦) ، وصدره :

ولقد أراني للرّماح دريئة

ويروى : «فلقد» بدل «ولقد» ، ويروى : «مرة» بدل «تارة» ، ويروى : «شمالي» بدل «أمامي». أراني : أعلمني. الدريئة : الحلقة التي يرمي فيها المتعلم ويطعن. ويروى : «درية» وهي دابة يستتر بها الصائد فيرمي الصيد. والشاهد فيه دخول «من» على «عن» ، ويكون شاهدا أيضا على استعمال «عن» اسما بمعنى : جانب.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٩ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ١٥٠ ، ٣٠٥ ، ٣١١ ، الكتاب مع الأعلم : ٢ / ٢٢٩ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٤٠ ، الخزانة : ١٠ / ١٥٨ ، مغني اللبيب (رقم) : ٢٦٣ ، ٩٣٣ ، الهمع : ١ / ١٥٦ ، ٢ / ٣٦ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٣٨ ، ٢ / ٣٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٢٦ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٣٣ ، شواهد الجرجاوي : ١٥٠ ، شواهد المغني : ١ / ٤٣٨ ، أبيات المغني : ٣ / ٣١٠ ، ٧ / ١٥٥ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٤٣٠ ، شرح دحلان : ٩٧ ، الضرائر : ٣٠٧ ، جواهر الأدب : ٤٠٣ ، توجيه اللمع : ١٨٢ ، فتح رب البرية : ٢ / ٢٤٦.

٤٤٧

ومعنى (١) «على» : فوق ، «وعن» : جانب (٢).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

ومذ ومنذ اسمان حيث رفعا

أو أوليا الفعل كجئت مذ دعا

أشار إلى الرّابع والخامس ممّا استعمل اسما ، وهما «مذ» و «منذ» ، فيكونان اسمين (٣) في موضعين :

الأوّل : أن يرتفع ما بعدهما ، نحو «مذ يوم الجمعة» ، و «منذ يومان».

الثّاني : أن يليهما فعل ، نحو «أتيتك مذ قام زيد» ، «ومنذ دعا عمرو».

وفهم من قوله : «أوليا الفعل» أنّهما ظرفان مضافان إلى الجملة الفعليّة (٤) خلافا لمن منع ذلك (٥).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وإن يجرّا في مضيّ فكمن

هما وفي الحضور معنى في استبن

بيّن في هذا البيت معنى «مذ» و «منذ» إذا كانا حرفين ، فقال : معناهما معنى «من» إذا كان المجرور حاضرا ، نحو «ما رأيته مذ يومنا» ، أي : في يومنا.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وبعد من وعن وباء زيد ما

فلم يعق (٦) عن عمل قد علما

وزيد بعد ربّ والكاف فكف

وقد يليهما وجرّ لم يكف

__________________

(١) في الأصل : والمعنى. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٦.

(٢) وزعم الفراء ومن وافقه من الكوفيين أن «عن وعلى» إذا دخل عليهما «من» بقيا على حرفيتهما ، وزعموا أن «من» تدخل على حروف الجر كلها سوى «مذ» واللام والباء و «في».

انظر شرح المرادي : ٢ / ٢٢١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٤٤ ، الجنى الداني : ٢٤٣.

(٣) في الأصل : فيكون اسمان. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٦.

(٤) قال المرادي : «وهو المختار ، وصرح به سيبويه». انتهى. وعليه السيرافي والفارسي وابن مالك. وقيل : مضافان إلى زمن مضاف إلى الجملة ، وعليه ابن عصفور.

انظر شرح المرادي : ٢ / ٢٢٨ ، الكتاب : ١ / ٢٠٩ ، الجنى الداني : ٥٠٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٢٨ ، التسهيل : ٩٤ ، مغني اللبيب : ٤٤٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٤٢ ، الهمع : ٣ / ٢٢٣ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٥٩ ـ ٦٠.

(٥) فقال : إنهما مبتدآن مقدر بعدهما زمان هو خبرهما ، وهو مذهب الأخفش واختاره ابن عصفور. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٢٨ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٢٤ ، الجنى الداني : ٥٠٤ ، مغني اللبيب : ٤٤٢ ، شرح الرضي : ٢ / ١١٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٤٢ ، الهمع : ٢ / ٢٢٣.

(٦) في الأصل : تعق. انظر الألفية : ٨٤.

٤٤٨

اعلم أنّ من حروف الجرّ ما يزاد بعده «ما» ، وذلك خمسة أحرف ، أشار إلى ثلاثة منها في البيت الأوّل ، وهي :

«من» ، ومثال زيادة «ما» بعدها ، قوله عزوجل : مما خطاياهم (١) [نوح : ٢٥]».

و «عن» ، ومثال زيادة / «ما» بعدها قوله عزوجل : (عَمَّا قَلِيلٍ) [المؤمنون : ٤٠].

و «الباء» ، ومثال زيادة «ما» بعدها قوله عزوجل : (فَبِما)(٢) رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ [آل عمران : ١٥٩].

وقوله : «فلم يعق عن عمل» أي : لم يمنع زيادة «ما» بعد هذه الأحرف عملها ، كما في المثل المذكورة.

ثمّ أشار إلى الرّابع والخامس ممّا تلحقه (٣) «ما» في البيت الثّاني ، وهما : «ربّ» و «الكاف» ، فتارة تكفّهما عن العمل ، كقوله عزوجل : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحجر : ٢] ، وكقول الشّاعر :

١٢١ ـ عمري إنّني وأبا حميد

كما النّشوان والرّجل الحليم

__________________

(١) مما خطاياهم أغرقوا وهذه قراءة أبي عمرو ، وقرأ الباقون : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ.) انظر حجة القراءات : ٧٢٦ ، المبسوط في القراءات العشر : ٤٥٠ ، إتحاف فضلاء البشر : ٤٢٥.

(٢) في الأصل : فيها.

(٣) في الأصل : يلحقه. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٧.

(١٢١) ـ من الوافر لزياد بن سلمى الأعجم (ولقب بالأعجم للكنة كانت فيه) ، من أبيات ثلاثة له ، وبعده :

أريد حباءه ويريد قتلي

وأعلم أنّه الرّجل اللّئيم

فإنّ الحمر من شرّ المطايا

كما الحبطات شرّ بني تميم

ويروى : «وأعلم» بدل «لعمري» ، وعلى الرواية الأولى همزة «أنني» مكسورة وعلى الثانية مفتوحة. النشوان : السكران. الحليم : الذي عنده تأن وتحمل لما يثقل على النفس. ويروى أيضا «لعمرك» بدل «لعمري». يقول : أنا وأبو حميد كالسكران والحليم ، أتحمل منه وهو يعبث بي ، كالسكران يسفه على الحليم وهو متحمل. والشاهد في قوله : «كما النشوان» حيث اتصلت «ما» بـ «الكاف» فكفتها عن العمل ، ولذا رفع «النشوان» بعدها. ويروى : «لكالنشوان» وعليها فلا شاهد فيه.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٧ ، الخزانة : ١٠ / ٢٠٨ ، مغني اللبيب (رقم) : ٣٢٢ ، أبيات المغني : ٤ / ١٢٥ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٣٤٦ ، ٣٤٨ ، شواهد المغني : ١ / ٥٠١ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٢٩.

٤٤٩

وتارة لا تكفّهما ، كقوله :

١٢٢ ـ ربّما ضربة بسيف صقيل

 ...

وقوله :

١٢٣ ـ ...

كما النّاس مجروم عليه وجارم (٣)

__________________

١٢٢ ـ من الخفيف لعدي بن الرعلاء الغساني (والرعلاء : اسم أمه) من قصيدة له في معجم الشعراء (٢٥٢) ، وعجره :

بين بصرى وطعنة نجلاء

«ربما» هنا للتكثير. بين بصرى : أي : بين أماكنها ، ويروى : «دون بصرى» ، و «دون» : بمعنى : قبل ، أو خلف ، أو عند. وبصرى : بلد قرب الشام. نجلاء : واسعة. والشاهد في قوله : «ربما» حيث اتصلت «ما» بـ «رب» ولم تكفها عن العمل ، وهو قليل.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٧ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١ ، أمالي ابن الشجري : ٢ / ٢٤٣ ، مغني اللبيب (رقم) : ٢٣٣ ، ٥٨٨ ، شواهد المغني : ١ / ٤٠٤ ، ٢ / ٧٢٥ ، أبيات المغني : ٣ / ١٩٧ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٣٤٢ ، الهمع (رقم) : ١١٥٤ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٤١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٣١ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٣٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٦٠ ، الجنى الداني : ٤٥٦ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ٣٢٨ ، الأزهية : ٨٢ ، ٩٤ ، جواهر الأدب : ٤٥٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٦٣.

١٢٣ ـ من الطويل لعمر ابن براقة الهمداني ثم النهمي (وبراقة : أمه) من قصيدة له في المؤتلف والمختلف (٦٧) ، وصدره :

وننصر مولانا ونعلم أنّه

ويروى عجزه :

كما النّاس مظلوم عليه وظالم

كما الناس : بجر «الناس» على أن «ما» زائدة ، وروي برفعه فتكون «ما» كافة أو مصدرية.

مجروم : خبر مبتدأ محذوف أي : بعضه مجروم عليه ، وبعضه جارم ، وهما من الجرم وهو الذنب. والشاهد في قوله : «كما الناس» حيث زيدت «ما» بعد الكاف ، ولم تكفها عن العمل ، وهو قليل.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٧ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٣٣٢ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٠١ ، ٣٢١ ، ٥٨٩ ، ٦٦٥ ، الهمع (رقم) : ١١٥٩ ، ١٥٩٤ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٤٢ ، ١٧٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٣١ ، أبيات المغني : ٢ / ٥٧ ، ٤ / ١٢٤ ، ٥ ، ٢٧٩ ، ٦ / ١٠٣ ، شواهد المغني : ١ / ٥٠٠ ، ٢ / ٧٢٥ ، ٧٧٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٣٤ ، شواهد الجرجاوي : ١٥٣ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٣٠ ، شرح دحلان : ٩٨ ، البهجة المرضية : ١٧٠ ، جواهر الأدب : ١٥٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٨١٧ ، ٣ / ١٢٢٥ ، المطالع السعيدة : ٤١٣ ، شرح قصيدة بانت سعاد لابن هشام : ١٣٣ ، فتح رب البرية : ٢ / ٢٨٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٣٨.

٤٥٠

وفهم من قوله : «وقد يليهما» أنّ عملهما قليل ، وقد صرّح به في الكافية (١).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وحذفت ربّ فجرّت بعد بل

والفا وبعد الواو شاع ذا العمل

يعني : أنّ «ربّ» تحذف ويبقى عملها ، وذلك بعد «بل» ، ومثاله :

١٢٤ ـ بل بلد ملء الفجاج قتمه

وبعد «الفاء» ، كقوله :

١٢٥ ـ فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

 ...

__________________

(١) قال ابن مالك في الكافية (٢ / ٨١٦) :

وكفّت الكاف وربّ غالبا

 ...

وقال في شرحها (٢ / ٨١٧) : «وتتصل «ما» أيضا بالكاف و «رب» فيبقى عملهما ، وذلك قليل». انتهى.

١٢٤ ـ من الرجز لرؤبة بن العجاج ، من أرجوزة طويلة له في ديوانه (١٥٠) ، يمدح فيها أبا العباس السفاح ، وبعده :

لا يشترى كتّانه وجهرمه

ويروى :

بل بلد ملء الأكام قتمه

«البلد» هنا : القفر. الفجاج : جمع فج ، وهو الطريق الواسع بين جبلين. القتم : الغبار ، وهو لغة في القتام. يقول : كثيرا من المفاوز والقفار سلكتها. والشاهد في قوله : «بل بلد» حيث حذفت «رب» بعد «بل» وبقي عملها.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٨ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٣٣٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٣٢ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ١٤٤ ، الإنصاف : ٥٢٩ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ١٠٥ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٧٧ ، شذور الذهب : ٣٢٣ ، الهمع (رقم) : ١١٤٠ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٣٨ ، اللسان (جهرم) ، شواهد المغني : ١ / ٣٤٧ ، أبيات المغني : ٣ / ٣ ، ٤ / ٢٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٣٥ ، شواهد الفيومي : ١٠١ ، شواهد الجرجاوي : ١٥٥ ، شرح ابن الناظم : ٣٧٦ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٣١ ، شرح دحلان : ٩٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٦٩ ، البهجة المرضية : ٩٨ ، الجنى الداني : ٢٣٧ ، كاشف الخصاصة : ١٧١ ، المطالع السعيدة : ٤١٥.

١٢٥ ـ من الطويل لامرئ القيس من معلقته المشهورة في القصائد السبع (٣٩) ، وعجزه :

فألهيتها عن ذي تمائم محول

ورواه سيبويه :

ومثلك بكرا قد طرقت وثيّبا

فألهيتها عن ذي تمائم مغيل

فمثلك : أي : فرب أنثى مثلك. الطروق : الإتيان ليلا. ألهيتها : أشغلتها. قوله : «عن ذي تمائم» أي : عن صبي ذي تمائم. محول : أتى عليه حول ، والعرب تقول لكل صغير محول وإن لم يأت عليه حول. و «مغيل» على رواية سيبويه : الذي تؤتى أمه وهي ترضعه. والشاهد ـ

٤٥١

وبعد الواو (١) ، كقوله :

١٢٦ ـ وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

__________________

في قوله : «فمثلك» حيث حذفت «رب» بعد الفاء ، وبقي عملها.

انظر القصائد العشر : ٤٣ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٢ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٣٣٦ ، شذور الذهب : ٣٢٢ ، مغني اللبيب (رقم) : ٢٢٧ ، ٢٩٠ ، الهمع (رقم) : ١١٣٩ ، ١٣٧٣ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٣٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٣٢ ، أبيات المغني : ١ / ١٣ ، ٣ / ١٨٥ ، الكتاب مع الأعلم : ١ / ٢٩٤ ، شواهد ابن السيرافي : ١ / ٤٥٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٣٥ ، شواهد الجرجاوي : ١٥٤ ، شواهد الفيومي : ١٠٠ ، شواهد المغني : ١ / ٤٠٢ ، ٤٦٣ ، شرح ابن الناظم : ٣٧٦ ، شرح دحلان : ٩٨ ، الجنى الداني : ٧٥ ، كاشف الخصاصة : ١٧٠ ، البهجة المرضية : ٩٨ ، التبصرة والتذكرة : ٦٢٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٨٢١ ، فتح رب البرية : ٢ / ٢٨٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٦١.

(١) ذهب البصريون إلى أن واو «رب» لا تعمل الجر وإنما العمل لـ «رب» مقدرة ، وذهب الكوفيون إلى أن واو «رب» تعمل في النكرة الخفض بنفسها ، وهو مذهب الكسائي ، وإليه ذهب المبرد وابن السراج من البصريين. والجر بعد الفاء و «بل» بـ «رب» محذوفة باتفاق كما ذكره في التسهيل ، وقيل : وزعم بعض النحويين أن الجر هو بالفاء و «بل» لنيابتهما مناب «رب» ، وذهب الكسائي وابن السراج إلى أن الفاء تعمل بنفسها دون تقرير «رب» وذلك لضعف الحرف عن أن يعمل محذوفا ، ذكره في التاج.

انظر الإنصاف (مسألة : ٥٥) : ١ / ٣٧٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٦٢ ، شرح الرضي : ٣٣٣ ، التسهيل : ١٤٨ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٤٢٧ ، حاشية الخضري : ١ / ٢٣٥ ، الجنى الداني : ٤٥٤ ، مغني اللبيب : ١٨١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٣٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٨٢١ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٣٤.

١٢٦ ـ من الطويل لامرئ القيس من معلقته المشهورة في القصائد السبع (٧٤) ، وبعده :

فقلت له لمّا تمطّى بصلبه

وأردف أعجازا وناء بكلكل

قوله : «كموج البحر» أي : في كثافة ظلمته. سدوله : ستوره. أنواع الهموم : ضروبها.

ليبتلي : لينظر ما عندي من الصبر والجزع ، ويبتلي : بمعنى : يمتحن. والشاهد في قوله : «وليل» حيث حذفت «رب» بعد الواو وبقي عملها.

انظر القصائد العشر : ٦٦ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٨ ، شرح دحلان : ٩٨ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٣٣٨ ، مغني اللبيب (رقم) : ٦٧٢ ، شذور الذهب : ٣٦١ ، مجالس العلماء : ٢٠٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٣٣ ، أبيات المغني : ٦ / ١١٤ ، شواهد المغني : ٢ / ٥٧٤ ، ٧٨٢ ، شواهد الفيومي : ٩٩ ، شرح ابن الناظم : ٣٧٧ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٣٣ ، البهجة المرضية : ٩٨ ، المطالع السعيدة : ٤١٥ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٢٥٤ ، فتح رب البرية : ٢ / ٢٨٨ ، الدرة المضية (رسالة ماجستير) : ١٨.

٤٥٢

وفهم من قوله : «وبعد الواو شاع ذا العمل» أنّ (ذلك) (١) بعد «بل» و «الفاء» غير شائع ، وهو مفهم أمرا صحيحا (٢).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وقد يجرّ بسوى ربّ لدى

حذف وبعضه يرى مطّردا

يعني : أنّ حذف حرف الجرّ وإبقاء عمله فيما سوى «ربّ» من / حروف الجرّ على قسمين :

غير مطّرد : وهو المشار إليه بقوله : «وقد يجرّ» ففهم منه التّقليل ، وفهم من التّقليل عدم الاطّراد ، ومنه قوله :

١٢٧ ـ إذا قيل أيّ النّاس شرّ قبيلة (٤)

أشارت كليب (٥) بالأكفّ الأصابع

ومطّرد : وهو المشار إليه بقوله : «وبعضه يرى مطّردا» ، وذلك في لفظ «الله» في القسم ، نحو «الله لأفعلنّ» ، وبعد «كم» الاستفهاميّة ، إذا دخل عليها حرف الجرّ ، نحو «بكم درهم».

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٨.

(٢) كلام المؤلف هنا يقتضي أن الفاء و «بل» في القلة وعدم الشيوع سواء ، وليس كذلك ، بل حذف «رب» بعد الفاء كثير ، وأما حذفها بعد «بل» فهو قليل ، قال ابن مالك في التسهيل (١٤٨) : «يجر بـ «رب» محذوفة بعد الفاء كثيرا وبعد الواو أكثر ، وبعد «بل» قليلا ، ومع التجرد أقل». وانظر شرح الأشموني : ٢ / ٢٣٣ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

(٣) في الأصل : فقل. انظر المصادر الآتية.

١٢٧ ـ من الطويل للفرزدق من قصيدة له في ديوانه (٥٢٠) ، يهجو بها جريرا ، أولها :

منّا الّذي اختير الرّجال سماحة

وخيرا إذا هبّ الرّياح الزّعازع

ويروى : «أشرت» ـ بتشديد الراء ـ بدل «أشارت» يقال : لا تشر فلانا أي : لا تشر إليه بشر. كليب : رهط جرير. بالأكف : حال من الأصابع ، والباء بمعنى : مع ، والمعنى : أشارت الأصابع في حال كونها مع الأكف مبالغة في الإشارة. والشاهد في قوله : «كليب» حيث جر بـ «إلى» محذوفة ، وأصله «إلى كليب» فأسقط الجار وأبقى عمله ، وهو قليل.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢١٢ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٥٤٢ ، ٣ / ٣٥٤ ، الخزانة : ٩ / ١١٣ ، ١٠ / ٤١ ، مغني اللبيب (رقم) : ١ ، ١٠٩٨ ، الهمع (رقم) : ١١٣٧ ، ١٣٩٧ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٣٧ ، ١٠٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٩٠ ، ٢٣٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٣٥ ، شواهد الجرجاوي : ٢٤٨ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٣٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٣٥ ، الجامع الصغير : ٨٩ ، فتح رب البرية : ٢ / ٢٩٩.

(٤) في الأصل : كليبة. انظر المصادر الآتية.

٤٥٣

الباب الثامن والعشرون

الإضافة

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

الإضافة (١)

نونا تلي الإعراب أو تنوينا

ممّا تضيف احذف كطور سينا

يعني : أنّك إذا أردت إضافة اسم إلى اسم حذفت ما في المضاف من نون تلي علامة الإعراب أو تنوين (٢).

وشمل النّون : نون المثنّى والمجموع على حدّه ، وما (٣) ألحق بهما ، نحو «غلاماك ، وابناك ، وصاحبو زيد ، وعشروك ، وأهلو عمرو».

__________________

(١) الإضافة لغة : مطلق الإسناد ، يقال : أضفت ظهري إلى الحائط ، أي : أسندته إليه. وقيل هي لغة : الإمالة ، يقال : أضفت ظهري إلى الحائط أي : أملته إليه. واصطلاحا ـ كما في التعريفات ـ امتزاج اسمين على وجه يفيد تعريفا أو تخصيصا. وقال ابن هشام : إسناد اسم إلى غيره على تنزيل الثاني من الأول منزلة تنوينه أو ما يقوم مقام تنوينه. وقال أبو حيان : نسبة بين اسمين تقييدية توجب لثانيهما الجر أبدا.

انظر التعريفات : ٢٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٠١ ، شرح الشذور : ٣٢٥ ، الهمع : ٤ / ٢٦٤ ، حاشية الصبان : ٢ / ٢٣٧ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ١٨٩ ، حاشية الخضري : ٢ / ٢ ، معجم المصطلحات النحوية : ١٣٦ ، معجم مصطلحات النحو : ١٩٣ ، معجم النحو : ٣٢.

(٢) وقد تحذف تاء التأنيث ، قال في الكافية :

وحذف تا التأنيث منه قد يرد

في كلمات سمعت فلا تزد

وذلك كقول الشاعر :

وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا

أي : عدة الأمر. ومنه قراءة بعضهم : (لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) أي : عدته. أراد : حياة النار. وظاهر كلام الفراء أنه قياس ، وجعل منه قوله تعالى : (وَأَقامَ الصَّلاةَ).

انظر الكافية وشرحها لابن مالك : ٢ / ٨٩٨ ، ٩٠١ ، القراءات الشاذة : ٥٣ ، معاني الفراء : ٢ / ٢٥٤ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٤٠ ـ ٢٤١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٣٧ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(٣) في الأصل : وهو. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٩.

٤٥٤

وشمل التّنوين : التّنوين الظّاهر ، نحو «غلامك» في «غلام» ، والمقدّر ، نحو «دراهمك» ، في «دراهم».

و «طور سيناء» : اسم جبل بالشّام ، ويقال له أيضا : «طور سينين» (١) وقد جاء (في القرآن) (٢) بالوجهين (٣) ، وأصله قبل الإضافة «طور» : وهو اسم جبل أيضا (٤).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

والثّاني اجرر وانو من أو في إذا

لم يصلح إلّا ذاك واللام خذا

لما سوى ذينك ...

 ...

يعني : أنّ حكم المضاف إليه الجرّ ، ثمّ إنّ الإضافة أشار إلى أنّها تتقدّر عنده بثلاثة أحرف : وهي «من» ، و «في» ، و «اللام» (٥).

__________________

(١) وهو جبل بيت المقدس ، ممتد ما بين مصر وأيلة ، وهو الذي نودي منه موسى عليه‌السلام.

انظر معجم البلدان : ٤ / ٤٨ ، مراصد الاطلاع : ٢ / ٨٩٦ ، معجم ما استعجم : ٣ / ٨٩٧ ، اللسان : ٤ / ٢٧١٨ (طور).

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر المكودي : ١ / ١٨٥.

(٣) قال تعالى : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ،) وقال جلّ شأنه : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ.)

انظر الآية (٢٠) من سورة المؤمنون ، والآية (٢) من سورة التين.

(٤) جاء في اللسان : الطور : الجبل ، وطور سيناء : جبل بالشام ، والطور في كلام العرب الجبل ، وقال الفراء في قوله تعالى : (وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) أقسم الله تعالى به ، قال : وهو الجبل الذي بمدين الذي كلمه الله تعالى موسى عليه‌السلام عنده تكليما.

انظر اللسان : ٤ / ٢٧١٨ (طور) ، معاني الفراء : ٣ / ٩١ ، معجم البلدان : ٤ / ٤٨ ، مراصد الاطلاع : ٢ / ٨٩٦ ، معجم ما استعجم : ٣ / ٨٩٧.

(٥) قال ابن مالك : وأعقل أكثر النحويين الإضافة بمعنى : «في» ، وهي ثابتة في الكلام الفصيح ، فمن شواهدها قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ، و (هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) و (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) ، و (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) ، و (مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ، ومنها قول الأعشى ميمون :

مهادي النهار لجاراتهم

وبالليل هن عليهم حرم.

انتهى.

ومذهب الجمهور أن الإضافة لا تتقدر بغير «من ، واللام» ، ونحو «بل مكر الليل» مقدر باللام عندهم على التوسع. وذهب أبو حيان إلى أن الإضافة ليست على تقدير حرف مما ذكر ولا نيته. وذهب ابن الضائع إلى أن الإضافة بمعنى اللام على كل حال. وزاد الكوفيون الإضافة بمعنى : «عند» ، تقول : «هذه ناقة رقود الحلب» ، معناه : رقود عند الحلب.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٩٠٦ ـ ٩٠٧ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، شرح

٤٥٥

مثال الإضافة المقدّرة بـ «من» : «خاتم فضّة» و «باب ساج» (١) ، وضابطه : أن يكون المضاف إليه اسما للجنس الّذي منه المضاف.

ومثال المقدّرة بـ «في» : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ) [سبأ : ٣٣] ، وضابطه : أن يكون المضاف إليه اسم زمان ، وقع فيه المضاف.

وإلى هذين القسمين أشار بقوله : «وانو من أو في».

وقوله : «إذا لم يصلح إلّا ذاك» يعني : في التّأويل.

وقوله : «واللام خذا لما سوى ذينك» أي : قدّر اللام فيما سوى ذينك (٢) القسمين ، وهو أكثر أقسام المضاف.

وشمل قوله : «اللام» : اللام الّتي للملك ، نحو «دار زيد» ، والّتي للاستحقاق ، نحو «باب الدّار».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

 ... واخصص أوّلا

أو أعطه التّعريف بالّذي تلا

يعني : أنّ الإضافة المحضة تفيد تخصيص الأوّل إذا أضيف إلى نكرة ، نحو «غلام رجل» ، أو تعريفه إن أضيف إلى معرفة ، نحو «غلام زيد».

وفهم كون القسم الأوّل هو المضاف إلى نكرة ـ من ذكر المعرفة في قسيمه (٣).

ثمّ أشار إلى القسم الثّاني من الإضافة / وهي الإضافة غير المحضة ، فقال رحمه‌الله تعالى :

وإن يشابه المضاف يفعل

وصفا فعن تنكيره لا يعزل

كربّ راجينا عظيم الأمل

مروّع القلب قليل الحيل

__________________

الأشموني : ٢ / ٢٣٨ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، الهمع : ٤ / ٢٦٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٠٢.

(١) الساج : خشب أسود رزين يجلب من الهند ولا تكاد الأرض تبليه ، قال الزمخشري : عملت سفينة نوح عليه‌السلام من ساج ، وهي خشب سود.

انظر تاج العروس : ٢ / ٦١ (سوج) ، أساس البلاغة للزمخشري : ٢٢٣ (سوج) ، اللسان : ٣ / ٢١٤١ (سوج).

(٢) في الأصل : ذلك. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩٠.

(٣) في الأصل : قسميه. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩٠.

٤٥٦

يعني : أنّ المضاف إذا كان شبيها بالفعل المضارع ، لكونه اسم فاعل ، أو اسم مفعول ، بمعنى الحال أو الاستقبال ، أو ما حمل عليه من أمثلة المبالغة ، والصّفة المشبّهة ـ كانت إضافته غير محضة ، لا تفيد تخصيصا ولا تعريفا ، وإنّما هي لمجرّد التّخفيف ، وذلك نحو «ضارب زيد» ، وأصله «ضارب زيدا» (١) ، وقد مثّل لذلك النّاظم بقوله : «كرب راجينا» (فـ «راجينا») (٢) اسم فاعل مضاف إلى الضّمير ، ولم تفد الإضافة تخصيصا ولا تعريفا ، بل هو نكرة ، ولذلك أدخل عليه «ربّ» لاختصاصها بالنّكرة.

و «عظيم» صفة مشبّهة باسم الفاعل ، وإضافته إلى «الأمل» غير محضة ، وهو نعت لـ «راجينا» ، ونعت النّكرة نكرة (٣).

و «مروّع» اسم مفعول ، وإضافته إلى «القلب» غير محضة.

و «قليل» صفة مشبّهة ، وإضافته إلى «الحيل» غير محضة.

وهذه الصّفات كلّها نعوت لـ «راجينا» ، ونعت النّكرة (٤) نكرة.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وذي الإضافة اسمها لفظيّه

وتلك محضة ومعنويّه

الإشارة بـ «ذي» لأقرب القسمين ، وهي الإضافة غير المحضة ، يعني : أنّها تسمّى / : لفظيّة ، لأنّ فائدتها راجعة إلى اللّفظ فقط ، وهي التّخفيف (٥) ، وتسمّى أيضا : مجازيّة ، وغير محضة.

والإشارة بـ «تلك» إلى أوّل القسمين ، يعني : أنّها تسمّى : محضة ، لإفادتها التّخصيص أو التّعريف ، وتسمّى : معنويّة (٦).

__________________

(١) في الأصل : زيد. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩١.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩١.

(٣) في الأصل : نكتت. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩١.

(٤) في الأصل : النكر. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩١.

(٥) في الأصل : التحقيق. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩١.

(٦) وزاد في التسهيل قسما ثالثا ، وهو الشبيه بالمحضة ، وهو أنواع :

الأول : إضافة الاسم إلى الصفة ، نحو «مسجد الجامع» ، ومذهب الفارسي أنها غير محضة ، وعند غيره أنها محضة.

الثاني : إضافة المسمى إلى الاسم ، نحو «شهر رمضان».

الثالث : إضافة الصفة إلى الموصوف ، نحو «سحق عمامة». وذهب ابن عصفور إلى أنها غير محضة ، وذهب غيره إلى أنها محضة.

٤٥٧

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ووصل أل بذا المضاف مغتفر

إن وصلت بالثّان كالجعد الشّعر

أو بالّذي له أضيف الثّاني

كزيد الضّارب رأس الجاني

الإشارة بـ «ذا» إلى أقرب القسمين ، وهي الإضافة غير المحضة.

يعني : أنّه يغتفر دخول «أل» على المضاف ، لكن بشرط أن تدخل على الثّاني : نحو «الضّارب الرّجل» ، و «الجعد الشّعر» ، أو يكون الثّاني مضافا إلى ما فيه «أل» ، نحو «الحسن وجه الأب» ، و «الضّارب رأس الجاني».

فلو لم تتّصل «أل» بالثّاني ، ولا بما أضيف إليه الثّاني ، لم يجز دخول «أل» على المضاف ، فلا يجوز «الضّارب زيد» ، ولا «الضّارب صاحب زيد» (١).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وكونها في الوصف كاف إن وقع

مثنّى أو جمعا سبيله اتّبع

__________________

الرابع : إضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف ، كقوله :

علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم

أي : علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم ، فحذف الصفتين ، وجعل الموصوف خلفا عنهما في الإضافة.

الخامس : إضافة المؤكّد إلى المؤكد ، وأكثر ما يكون في أسماء الزمان المبهمة ، نحو «يومئذ» ، وقد يكون في غيرها ، كقوله :

فقلت انجو عنها نجا الجلد إنه

سيرضيكما منها سنام وغاربه

أراد : اكشطا عنها الجلد ، لأن النجا هو الجلد.

السادس : إضافة الملغي إلى المعتبر ، نحو :

إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما

السابع : إضافة المعتبر إلى الملغي ، كقول بعض الطائيين :

أقام ببغداد وشوقه

لأهل دمشق الشام شوق مبرح

انظر التسهيل : ١٥٥ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٤٥ ـ ٢٤٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٠٨ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ٣٣٣ ـ ٣٣٦ ، الهمع : ٤ / ٢٧٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٤٢.

(١) وقد ذكر في التسهيل صورة أخرى يغتفر فيها ذلك أيضا ، وهي : أن يكون المضاف إليه مضافا إلى ضمير المقرون بـ «أل» ، كقوله :

الودّ أنت المستحقة صفوه

وقد منع المبرد الجرّ في نحو ذلك وأوجب النصب ، قال المرادي : «ولكن الصحيح جوازه».

وقال ابن عقيل : والأفصح النصب.

انظر التسهيل : ١٣٧ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ٢٠٣ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٥١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٤٦.

٤٥٨

يعني : أنّ وجود «أل» في الوصف المضاف إن كان مثنّى أو مجموعا على حدّه ، وهو الّذي اتّبع سبيل المثنّى في كون الإعراب بحرف بعده نون واحترز به من جمع التّكسير (١) ـ يكفي عن وجودها في المضاف (إليه) (٢) ، نحو «الضّاربا زيد» ، و «المكرمو عمرو».

وقوله : «سبيله اتّبع» أي : اتّبع سبيل المثنّى فيما ذكر.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

وربّما أكسب ثان أوّلا

تأنيثا إن كان لحذف موهلا

يعني : أنّ المضاف المذكّر يكتسب التّأنيث من المضاف إليه ، إذا كان مؤنّثا ، وذلك بشرط صحّة الاستغناء بالثّاني عن الأوّل ، وهو المنبّه عليه بقوله : «إن كان لحذف موهلا». يعني : إذا كان المضاف صالحا للحذف ، والاستغناء عنه بالثّاني ، كقول الشّاعر :

١٢٨ ـ مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرّياح النّواسم

فـ «مرّ» فاعل بـ «تسفّهت» ، ولحقت (٤) التّاء الفعل المسند (٥) إليه ، لاكتسابه

__________________

(١) لأنه مهما اقترنت بالأول لا بد من اقترانها بالثاني ، ولا كذلك الجمع الذي على حد المثنى.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٩٢.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٩٢.

١٢٨ ـ من الطويل ، لذي الرمة غيلان ، من قصيدة له في ديوانه (٦١٦) ، أولها :

خليليّ عوجا النّاعجات فسلّما

على طلل بين النّقا والأحارم

ويروى : «يمشين» بدل «مشين» ، ويروى : «رويدا» بدل «مشين». قوله : «تسفهت أعاليها» أي : استخفت الريح أعالي الرماح فحركتها ، وأعالي الرماح : ما قرب من الموضع الذي يركب فيه السنان. النواسم : جمع ناسمة ، وهي أول الريح حين تهب بلين قبل أن تشتد. والبيت في وصف نسوة ، وحاصل معناه : أن كل واحدة منهن تميل وتتبختر في مشيتها. والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٩٢ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٣٦٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٤٨ ، الكتاب مع الأعلم : ١ / ٢٥ ، المقتضب : ٤ / ١٩٧ ، الخصائص : ٢ / ٤١٧ ، المحتسب : ١ / ٢٣٧ ، اللسان (سفه ، صدر ، قبل) ، شواهد ابن النحاس : ٨٠ ، شواهد ابن السيرافي : ١ / ٥٨ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٧ ، شواهد الجرجاوي : ١٥٧ ، شرح ابن الناظم : ٣٨٦ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٥٣ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٣٩٨ ، كاشف الخصاصة : ١٧٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٩٢٠ ، الأصول : ٣ / ٤٨٠ ، شواهد التوضيح لابن مالك : ٨٥.

(٣) في الأصل : وألحقت. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩٣.

(٤) في الأصل : المستند. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩٣.

٤٥٩

التّأنيث من المضاف إليه ، وهو «الرّياح» ، لأنّه يجوز الاستغناء بـ «الرّياح» عن «مرّ» ، فتقول : «تسفّهت الرّياح».

فلو كان المضاف إلى المؤنّث ممّا (١) لا يصحّ الاستغناء عنه بالثّاني ـ لم يجز تأنيثه ، نحو «قام غلام هند» ، إذ لا يصحّ أن تقول (٢) : «قام هند» ، وأنت تريد : «غلام هند».

وفهم من قوله : «وربّما» أنّ ذلك قليل.

وفي ذكر هذا الشّرط إشعار بأنّه يجوز أن يكتسب المؤنّث التّذكير من المضاف إليه ، إذا صحّ الاستغناء عنه بالثّاني ، كقوله :

١٢٩ ـ رؤية الفكر ما يؤول له الأم

ر معين على اجتناب التّواني (٤)

فـ «معين» خبر عن «رؤية» ، وذكره وهو خبر (٥) عن مؤنّث ، لاكتساب المبتدأ التّذكير من المضاف إليه ، وهو «الفكر» ، ولصحّة الاستغناء بالثّاني عن الأوّل ، لأنّه يجوز أن تقول : «الفكر معين» إذ العلّة في ذلك واحدة (٦).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ولا يضاف اسم لما به اتّحد

معنى وأوّل موهما إذا ورد /

يجب أن يكون المضاف مغايرا للمضاف إليه ولو بوجه ما ـ أي : بواحد ـ ، لأنّ المضاف يكتسب من المضاف إليه التّخصيص أو التّعريف ، والشّيء لا يتخصّص ولا يتعرّف بنفسه ، فإن ورد من كلام العرب ما يوهم إضافة الشّيء إلى نفسه ـ أوّل ذلك بإضافة (٧) الاسم إلى اللّقب ، نحو «سعيد كرز» ، فيؤوّل الأوّل

__________________

(١) في الأصل : ما. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩٣.

(٢) في الأصل : يقول. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩٣.

١٢٩ ـ من الخفيف ولم أعثر على قائله. ويروى : «اكتساب التواني» ، و «اكتساب الثواب» بدل «اجتناب التواني». ما يؤول له : ما يرجع له. التواني : التكاسل. والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٩٢ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٣٦٩ ، الهمع (رقم) : ١٢٣٠ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٦٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٤٨ ، شرح ابن الناظم : ٣٨٧ ، شرح دحلان : ١٠٠ ، المطالع السعيدة : ٤٢٥ ، البهجة المرضية : ١٠٠.

(٣) في الأصل : الثواني. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩٣.

(٤) في الأصل : خبره. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩٣.

(٥) في الأصل : واحد. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩٣.

(٦) في الأصل : كإضافة. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩٤.

٤٦٠