شرح ابن طولون - ج ١

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

الثّالث : أن يدخل عليه أداة استفهام ، وهو المنبّه عليه بقوله : «إن ولي مستفهما به».

الرّابع : أن لا يفصل بينهما / بغير الظّرف ، أو المجرور ، أو أحد المفعولين (١) ، وهو المنبّه عليه بقوله :

 ...

 ... ولم ينفصل

بغير ظرف أو كظرف أو عمل

 ...

فمثال ما لا فصل فيه : «أتقول زيدا منطلقا».

ومثال الفصل بالظّرف : «أعندك تقول عمرا مقيما».

وبالمجرور : «أفي الدّار تقول زيدا جالسا».

ومثال الفصل بأحد المفعولين : «أزيدا تقول منطلقا».

ويعني بقوله : «عمل» أحد المفعولين ، لأنّه بمعنى معمول ، وفي تنكير «عمل» إشعار بأنّه لا يفصل إلّا بأحد المفعولين ، لا بهما ، لأنّ التّنكير يشعر بالتّقليل.

فلو قلت : «أأنت تقول زيد منطلق» ، فالحكاية واجبة عند سيبويه (٢) والأخفش (٣) وعليه مشى النّاظم (٤) ، وخالفهم الكوفيّون ، وسائر البصريين ، فأجازوا (٥) النّصب (٦).

__________________

(١) قال أبو حيان : وكذا معمول المعمول نحو «أهندا تقول زيدا ضاربا». وقيل : لا يضر الفصل مطلقا ، ولو بأجنبي ، نحو «أأنت تقول زيدا منطلقا» ، وعليه الكوفيون وأكثر البصريين ما عدا سيبويه والأخفش.

انظر الهمع : ٢ / ٢٤٧ ، المطالع السعيدة : ٢٥١ ـ ٢٥٢ ، حاشية الخضري : ١ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٢) قال سيبويه في الكتاب (١ / ٦٢) : «فإن قلت : «أأنت تقول زيد منطلق» رفعت ، لأنه فصل بينه وبين حرف الاستفهام». وانظر : ١ / ٤٧١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٣ ، أوضح المسالك : ٧٨ ، الهمع : ٢ / ٢٤٧.

(٣) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٣ ، الهمع : ٢ / ٢٤٧ ، أوضح المسالك : ٧٨.

(٤) قال الناظم في شرح الكافية (٢ / ٥٦٨) : «فإن فصل بينه وبين الاستفهام أحد المفعولين أو ظرف أو جار ومجرور لم يضر الفصل ، فإن فصل بغير ذلك بطلت موافقة الظن وتعينت الحكاية نحو قولك : «أأنت تقول زيد راحل». انتهى.

(٥) في الأصل : وأجازوا. انظر التصريح : ١ / ٢٦٣.

(٦) ولم يعتدوا بالضمير فاصلا ، فإن قدرت الضمير ـ وهو «أنت» ـ فاعلا بمحذوف والنصب للمفعولين بذلك المحذوف جاز اتفاقا. وإذا اجتمعت شروط الإعمال فالإعمال جائز لا واجب ، فتجوز الحكاية أيضا مراعاة للأصل ، نحو «أتقول زيد منطلق» ، وكذا إعماله مطلقا في لغة بني سليم جائز لا واجب.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٣ ، الهمع : ٢ / ٢٤٨ ، شرح المرادي : ١ / ٣٩٤.

٣٠١

واشترط النّاظم في شرح التّسهيل : كون زمن المضارع حالا (١).

والسّهيليّ : أن لا يتعدّى باللام (٢).

وقوله :

وإن ببعض ذي فصلت يحتمل

تصريح بما فهم من الشّرط الذي قبله ، و «ذي» إشارة إلى الثّلاثة المتقدّمة ، وهي : الظّرف ، والمجرور ، وأحد المفعولين ، فإن لم يستوف الشّروط بطل العمل ، وتعيّنت الحكاية ، وإن استوفى الشّروط جاز النّصب والحكاية ، نحو (أَمْ تَقُولُونَ / إِنَّ إِبْراهِيمَ) الآية [البقرة : ١٤٠] ـ بالتّاء المثنّاة فوق ، وكسر «إنّ» ـ في قراءة الأخوين (٣) ، وابن عامر ، وحفص (٤).

__________________

(١) قال ابن مالك في شرح التسهيل (١ / ٨٠ ـ بـ / مخطوط) : «وهذا الاستعمال عند غير بني سليم لا يكون إلا في المضارع المسند إلى المخاطب مقصودا به الحال بعد استفهام متصل نحو قول الراجز :

متى تقول القلص الرّواسما

تحملن أمّ قاسم وقاسما»

، انتهى.

ورد بقوله :

أمّا الرّحيل فدون بعد غد

فمتى تقول الدّار تجمعنا

أنشده سيبويه بنصب الدار على أنها مفعول أول «وتجمعنا» مفعول ثان. وزاد في التسهيل : أن يكون حاضرا.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٢ ، الكتاب : ١ / ٦٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٩٣ ، الهمع : ٢ / ٢٤٧ ، حاشية الخضري : ١ / ١٥٥ ، التسهيل : ٧٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٧ ، إرشاد الطالب النبيل : (٥٣ / أ).

(٢) نحو «أتقول لزيد : عمرو منطلق» لأنه حينئذ يبعد عن معنى الظن لأن الظن من فعل القلب ، وهذا قول مسموع.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٣ ، الهمع : ٢ / ٢٤٧ ، أوضح المسالك : ٧٨ ، إرشاد الطالب النبيل (٥٣ / أ) ، شرح المرادي : ١ / ٣٩٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٧ ، حاشية الخضري : ١ / ١٥٥.

(٣) وهما حمزة والكسائي. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٣٣. أما الكسائي فقد تقدمت ترجمته في ص ٢٨. وأما حمزة فهو حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل التيمي الزيات أحد القراء السبعة ، انعقد الإجماع على تلقي قراءته بالقبول ، كان من موالي التيم فنسب إليهم ، ولد سنة ٨٠ ه‍ وكان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان في أواخر سواد العراق مما يلي الجبل ، ويجلب الجبن والجوز إلى الكوفة ، مات بحلوان سنة ١٥٦ ه‍.

انظر ترجمته في ميزان الاعتدال : ١ / ٢٨٤ ، النشر في القراءات العشر : ١ / ١٦٦ ، طبقات القراء : ١ / ٢٦١ ، الأعلام : ٢ / ٢٧٧.

(٤) وخلف ورويس أيضا ، وحجتهم المخاطبة التي قبلها والتي بعدها ، فالمتقدمة قوله : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) [البقرة : ١٣٩] ، والمتأخرة قوله : (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) فتأويل الآية :

٣٠٢

وقوله :

وأجري القول ...

 ... البيت

يعني : أنّ بني سليم ـ بالتّصغير ـ ينصبون بالقول مطلقا ، أي : بلا شرط ، ثمّ مثّله بقوله : «نحو قل ذا مشفقا» (١).

__________________

قل يا محمد للقائلين لكم : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١٣٥] : أتحاجوننا أم تقولون إنّ إبراهيم وأولاده ، كانوا يهودا ، وكسرت «إنّ» لأنّ الكلام محكي. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر «أم يقولون» بالياء وكسر «إن» ، وحجتهم ، أن هذا إخبار عن اليهود ، أراد : أم يقول اليهود والنصارى ...

انظر حجة القراءات : ١١٥ ، النشر في القراءات العشر : ٢ / ٢٢٣ ، إملاء ما منّ به الرحمن : ١ / ٦٦ ، إتحاف فضلاء البشر : ١٤٨ ، إعراب النحاس : ١ / ٢٦٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٤.

وحفص هو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي بالولاء ، أبو عمرو ، ويعرف بحفيص ، قارئ أهل الكوفة ، أخذ القراءة عرضا عن عاصم ، بزاز ولد سنة ٩٠ ه‍ ، ونزل بغداد وجاور بمكة ، وكان أعلم أصحاب عاصم بقراءته ، وهو ابن امرأته وربيبه ، ومن طريقه قراءة أهل المشرق ، توفي سنة ١٨٠ ه‍.

انظر ترجمته في ميزان الاعتدال : ١ / ٢٦١ ، طبقات القراء : ١ / ٢٥٤ ، النشر في القراءات العشر : ١ / ١٥٦ ، الأعلام : ٢ / ٢٦٤.

(١) وقد حكى سيبويه ذلك عنهم في الكتاب ، حيث قال (١ / ٦٣) : «وزعم أبو الخطاب وسألته عنه غير مرة أن ناسا من العرب يوثق بعربيتهم وهم بنو سليم يجعلون باب «قلت» أجمع مثل «ظننت». انتهى. وهل يعملونه باقيا على معناه ، أو لا يعملونه حتى يضمنونه معنى الظن؟

قولان ، اختار ثانيهما ابن جني ، وعلى الأول : الأعلم وابن خروف وصاحب البسيط ، واستدلوا بقوله :

قالت وكنت رجلا فطينا

هذا وربّ البيت إسرائينا

إذ ليس المعنى على «ظننت». وعلى لغة بني سليم الإعمال جائز لا واجب فتجوز الحكاية أيضا مراعاة للأصل ـ كما تقدم ـ.

انظر الهمع : ٢ / ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٤٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٦٧ ، ٥٦٩ ، شرح المرادي : ١ / ٣٩٤ ، البهجة المرضية : ٦٤ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٦٢ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٦ ، شرح ابن يعيش : ٧ / ٧٩ ، حاشية الصبان : ٢ / ٣٧.

٣٠٣

الباب الرابع عشر

أعلم وأرى

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

أعلم وأرى

إلى ثلاثة رأى وعلما

عدّوا إذا صارا أرى وأعلما

إذا دخلت همزة التّعدية على فعل غير متعدّ ـ تعدّى بها إلى واحد ، نحو «أخرجت زيدا» ، وإن دخلت على فعل متعدّ إلى واحد ـ تعدّى بها إلى اثنين ، نحو «ألبست زيدا ثوبا» ، وإن دخلت على متعدّ إلى اثنين ـ تعدّى بها إلى ثلاثة ، وذلك في فعلين خاصّة ، وما ضمّن معناهما ، وإليهما أشار بقوله :

إلى ثلاثة ...

 ... البيت

يعني : أنّ «علم ورأى» (١) المتعدّيين إلى اثنين إذا دخلت عليهما همزة النّقل تعدّيا بها إلى ثالث ، فالمفعول الأوّل : هو الذي كان فاعلا بهما قبل دخول الهمزة ، والثّاني والثّالث : هما اللذان كانا منصوبين بهما ، نحو قوله تعالى :

(كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ) [البقرة : ١٦٧].

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وما لمفعولي علمت مطلقا

للثّان والثّالث أيضا حقّقا

يعني : أنّ جميع ما استقرّ من الحكم للمفعولين في «علم / ورأى» قبل دخول الهمزة من إلغاء وتعليق ، ومنع الحذف بغير دليل ، وجوازه لدليل ـ ثابت للثّاني والثّالث من مفاعيل «أعلم وأرى».

فمثال الإلغاء قول بعضهم : «البركة أعلمنا الله مع الأكابر» (٢) ، فـ «البركة» مبتدأ ، و «مع الأكابر» خبره ، و «أعلم» ملغاة ، لتوسّطها.

__________________

(١) في الأصل : أعلم وأرى. انظر المكودي بحاشية الملوي : ٥٦.

(٢) وروي في شرح المرادي : «مع أكابركم» بدل «مع الأكابر».

انظر شرح المرادي : ١ / ٣٩٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٦ ، أوضح المسالك : ٧٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٩ ، المطالع السعيدة : ٢٥٤ ، الهمع : ٢ / ٢٤٩ ، البهجة المرضية : ٦٤.

٣٠٤

ومثال التعليق قوله تعالى : (يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [سبأ : ٧] ، فـ «الكاف والميم» مفعول أوّل ، وجملة «إنّكم لفي خلق جديد» في محلّ نصب سدّت مسدّ المفعول الثّاني والثّالث ، والفعل معلّق عن الجملة باللام.

ومنع الشّلوبين الإلغاء والتّعليق مطلقا (١) ، والجزوليّ (٢) في المبنيّ للفاعل (٣) ، والحجّة عليهما ما مثّلنا به.

ومثال حذف المفعولين ، والاقتصار على الأوّل : «أعلمت زيدا» ، ولا تذكر من أعملت به ، لأنّ الفائدة لا تنعدم في الاقتصار عليه (٤) ، ومنعه سيبويه (٥) ، وغيره (٦)(٧).

__________________

(١) أي : سواء كان مبنيا للفاعل أم للمفعول.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٦ ، إرشاد الطالب النبيل (٥٥ / أ) ، وفي الهمع (٢ / ٢٤٨) : ومنع قوم الإلغاء والتعليق هنا ، سواء بنيت للفاعل أم للمفعول ، وعليه ابن القواس وابن أبي الربيع ، لأنّ مبني الكلام عليهما ، ولا يجي «بعد ما مضى الكلام على الابتداء». وفي التوطئة (٢٠٧) قال الشلوبين : فهذه ـ يقصد أعلم وأرى وما بمعنى أعلم ـ لا يجوز فيها الإلغاء ولا التعليق إلّا في «أرى» التي بمعنى «أظن». انظر الهمع : ٢ / ٢٤٩.

(٢) هو عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت الجزولي ، المراكشي ، البربري ، أبو موسى ، عالم بالنحو واللغة ، أخذ العربية عن عبد الله بن بري المصري ، وتصدر بالمرية والجزائر لإقراء النحو ، وتوفي بأزمور من ناحية مراكش سنة ٦١٠ ه‍ (وقيل : ٦٠٧ ، وقيل : ٦٠٦ ، وقيل : ٦١٦ ه‍).

من آثاره : المقدمة في النحو ، شرح إيضاح الفارسي ، شرح قصيدة بانت سعاد ، شرح أصول السراج ، وغيرها.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٣٦٩ ، مرآة الجنان : ٤ / ١٩ ، روضات الجنات : ٥٠٨ ، تاريخ ابن الوردي : ٢ / ١٣٢ ، معجم المؤلفين : ٨ / ٢٧ ، الأعلام : ٥ / ١٠٤.

(٣) وذلك لما فيه من إعمالها في المفعول الأول ، وإلغائها بالنسبة إلى الأخيرين ، وذلك تناقض ، لأنّه حكم بقوة وضعف معا ، بخلاف ما إذا بنيت للمفعول به. ومنع آخرون التعليق دون الإلغاء وعليه الأكثرون. انظر المقدمة الجزولية للجزولي ، وانظر الهمع : ٢ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٦ ، شرح المرادي : ١ / ٣٩٥ ، إرشاد الطالب النبيل (١٥٥ / أ) ، شرح الرضي : ٢ / ٢٨٥.

(٤) إذ يراد الإخبار بمجرد العلم به ، وبمجرد إعلام الشخص المذكور ، وهو قول أبي العباس وأبي بكر وابن كيسان ، وخطاب وابن أبي الربيع وابن مالك والأكثرين.

انظر : التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٥ ، الهمع : ٢ / ٢٥٠ ، أصول ابن السراج : ٢ / ٢٨٥ ، التسهيل : ٧٤.

(٥) قال سيبويه في الكتاب (١ / ١٩) : «هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين ولا يجوز لك أن تقتصر على مفعول واحد منهم دون الثلاثة ، لأنّ المفعول ههنا كالفاعل في

٣٠٥

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وإن تعدّيا لواحد بلا

همز فلاثنين به توصّلا

والثّان منهما كثان اثني كسا

فهو به في كلّ حكم ذو ائتسا

يعني : إذا كانت «أرى وأعلم» منقولتين من «رأى» البصريّة ، و «علم» العرفانيّة ، المتعدّي كلّ منهما لواحد ـ تعدّيا بالهمزة لاثنين ، نحو «أريت زيدا الهلال» ، أي : أبصرته إيّاه ، و «أعلمت زيدا الخبر» ، أي : عرّفته إيّاه ، وليستا حينئذ من هذا الباب (١) ، ولا من الباب الّذي قبله (٢) ، لأنّ المفعول / الثّاني غير الأوّل ، فهو من باب «كسا وأعطى» ولذلك أشار بقوله :

والثّان منهما كثان اثني ...

 ... البيت

يعني : أنّ المفعول الثّاني من هذين المفعولين كالمفعول الثّاني من باب «كسا» في جواز الحذف لهما أو لأحدهما ، لدليل وغيره.

__________________

الباب الأول الذي قبله في المعنى ، وذلك قولك : «أرى الله زيدا بشرا أباك» و «نبأت عمرا زيدا أبا فلان» ، و «أعلم الله زيدا عمرا خيرا منك». انتهى.

وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٥ ، الهمع : ٢ / ٢٥٠ ، الأصول لابن السراج : ٢ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

(٦) في الأصل : وعده.

(٧) منعه غير سيبويه كالمازني وابن الباذش وابن طاهر وابن خروف وابن عصفور. وذهب الأكثرون منهم المبرد وابن كيسان وخطاب ـ ورجحه ابن مالك ـ إلى جواز حذف الأول بشرط ذكر الآخرين ، أو حذف الآخرين بشرط ذكر الأول ، كقولك «أعلمت كبشك سمينا» بحذف المعلم أو «أعلمت زيدا» بحذف الثاني والثالث إن لم يخل الكلام من فائدة بذكر المعلم به في الصورة الأولى والمعلم في الثانية. وذهب الشلوبين إلى جواز حذف الأول فقط مع ذكر الآخرين ، نحو «أعلمت كبشك سمينا» ولا يجوز حذف الآخرين بدون الأول ، ولا حذف الثلاثة ، ولا حذف الأول وأحد الآخرين ، ولا حذف أحد الآخرين فقط. وذهب الجرمي واختاره ابن القواس إلى جواز حذف الآخرين فقط ، لأنّهما في حكم مفعولي «ظن» ، دون الأول لأنّه في حكم الفاعل.

انظر في ذلك الهمع : ٢ / ٢٥٠ ـ ٢٥١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٥ ، التسهيل لابن مالك : ٧٤ ، التوطئة للشلوبين : ٢٠٧ ، المطالع السعيدة : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ، أصول ابن السراج : ٢ / ٢٨٥.

(١) أي : ليستا من باب «أعلم وأرى» هذا ، لأنّه معقود لما ينصب ثلاثة مفاعيل.

(٢) وهو باب «ظن» وأخواتها مما يتعدى لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر.

٣٠٦

فتقول في حذف الأوّل : «أعلمت الخبر ، وأريت الهلال» ، كما تقول : «كسوت ثوبا» ، وفي حذف الثّاني : «أعلمت زيدا ، وأريت (١) زيدا» ، كما تقول «كسوت زيدا» وفي حذفهما معا : «أعلمت ، وأريت» ، كما تقول : «كسوت».

ويمتنع فيه ما جاز في مفعولي «علمت» المتعدّية لاثنين (٢) من إلغاء وتعليق.

قيل : وفيه نظر في موضعين :

أحدهما : أنّ «علم» بمعنى «عرف» إنّما (حفظ) (٣) نقلها لاثنين بالتّضعيف لا بالهمزة ، نحو ((وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : ٣١].

والموضع الثّاني : أنّ «أرى» البصريّة سمع تعليقها بالاستفهام عن المفعول الثّاني نحو) (٤)(رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) [البقرة : ٢٦٠].

وقد يجاب عن الأوّل : بالتزام جواز نقل المتعدّي لواحد بالهمزة قياسا ، نحو «ألبست زيدا جبّة» قياسا على «كسوته جبّة».

وعن الثّاني : بادّعاء أنّ الرّؤية هنا علميّة لا بصريّة ، كما قال الحوفيّ (٥) في (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) [الفرقان : ٤٥] : الرّؤية رؤية القلب في هذا ، ومخرجها مخرج رؤية العين ، ويجوز في مثل هذا مع الرؤية ، ولا يجوز مع العلم. انتهى (٦).

وفهم من تشبيهه بباب «كسا» : أنّ المفعول الأوّل (والثّاني) (٧) أيضا ، كالأوّل من باب «كسا» ، فلا / وجه لتخصيصه المفعول الثّاني بالذّكر ، فالضّمير في «تعدّيا» عائد على «علم» العرفانيّة ، و «رأى» البصريّة.

__________________

(١) في الأصل : ورأيت.

(٢) في الأصل : للاثنين. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢١.

(٣ ـ ٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٦٧.

(٥) هو علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفي المصري ، أبو الحسن ، نحوي ، من علماء اللغة والتفسير ، وهو من أهل الحوف بمصر ، اشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا ، وتوفي في مستهل ذي الحجة ٤٣٠ ه‍ ، من مؤلفاته : البرهان في تفسير القرآن ، الموضح في النحو ، إعراب القرآن ، مختصر كتاب العين ، وغيرها.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٣٢٥ ، معجم الأدباء : ١٢ / ٢٢١ ، إنباه الرواة : ٢ / ٢١٩ ، معجم المؤلفين : ٧ / ٥ ، الأعلام : ٤ / ٢٥٠ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٤٧ ، هدية العارفين : ١ / ٦٨٧.

(٦) قال في التصريح : ذكره في سورة النساء. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٧.

(٧) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢١.

٣٠٧

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وكأرى السّابق نبّا أخبرا

حدّث أنبا وكذاك خبّرا

ذكر أنّ أفعال هذا الباب سبعة ، والّذي أثبته سيبويه منها : «أعلم ، وأرى ، ونبّأ ـ بتشديد الموحّدة ـ» (١) وزاد أبو البقاء : «أنبأ» (٢) ، وألحق بهما السّيرافيّ : «حدّث ـ بتشديد الدّال ـ ، وأخبر ، وخبّر ـ بتشديد الموحّدة ـ» (٣) ، وقد تقدّم مثالا «أعلم وأرى».

ومثال «نبّأ» قول النّابغة :

٨٩ ـ نبّئت زرعة والسّفاهة كاسمها

يهدي إليّ غرائب الأشعار

__________________

(١) انظر الكتاب : ١ / ١٩ ، الهمع : ٢ / ٢٥١ ، شرح المكودي : ١ / ١٢٢ ، شرح ابن الناظم : ٢١٥ ، شرح المرادي : ١ / ٣٩٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٧٠ ، شرح الفريد : ٣٠٦ ، التسهيل : ٧٤ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٨١ ، المطالع السعيدة : ٢٥٥ ، شرح الهواري (٦٥ / أ).

(٢) وفي شرح المكودي (١ / ١٢٢) : «وزاد أبو علي «أنبأ» ، وانظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٧١ ، شرح ابن الناظم : ٢١٦ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٨٢ ، شرح الهواري : (٦٥ / أ). وفي الهمع (٢ / ٢٥١) : «وزاد ابن هشام اللخمي : أنبأ وعرف وأشعر وأدرى».

وانظر المطالع السعيدة : ٢٥٦.

(٣) انظر شرح الكتاب للسيرافي (الجزء الثاني / رسالة دكتوراه) : ١ / ٢١٥ ، شرح المكودي : ١ / ١٢٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٧١ ، التسهيل : ٧٤ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٨٢ ، شرح الهواري (٥٦ / أ). وفي المطالع السعيدة (٢٥٥ ـ ٢٥٦) : وزاد القرافي : أخبر وخبر ـ بالتشديد وزاد الكوفيون وتبعهم المتأخرون «حدث». وفي الهمع : وزاد الكوفيون «حدث» وتبعهم المتأخرون كالزمخشري وابن مالك ، وزاد الفراء «خبر وأخبر». وزاد الحريري في شرح الملحة «علم» بالتضعيف. وزاد الجرجاني : «استعطى». وحكى ابن مالك في التسهيل أنّ بعضهم زاد «أرى» الحلمية ، كقوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً). وزاد بعضهم : «أكسى». وزاد الأخفش : «أظن» نحو «أظننت زيدا عمرا فاضلا» و «أحسب وأخال وأزعم وأوجد» ومستنده القياس.

انظر الهمع : ٢ / ٢٥٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٧٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤٢ ، شرح ابن الناظم : ٢١٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ، شرح المرادي : ١ / ٣٩٨ ، شرح ملحة الإعراب للحريري : ١١٩ ، شرح الفريد : ٣٠٧ ، التسهيل : ٧٤ ، شرح ابن يعيش : ٧ / ٦٥ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

٨٩ ـ من الكامل ، من قصيدة للنابغة الذبياني في ديوانه (٣٤) يهجو بها زرعة بن عمرو بن خويلد ، وبعده :

فحلفت يا زرع بن عمرو أنّني

ممّا يشقّ على العدوّ ضراري

ويروى : «أوابد الأشعار» بدل «غرائب الأشعار» ، والأوابد : جمع آبدة ، وهي الكلمة الوحشية

٣٠٨

فـ «التّاء» نائب عن الفاعل ، وهي المفعول الأوّل ، و «زرعة» مفعول ثان ، وجملة «يهدي إليّ» مفعول ثالث ، وما بينهما اعتراض.

ومثال «أنبأ» قول الأعشى (١) :

(٢) ـ وأنبئت قيسا ولم أبله

كما زعموا خير أهل اليمن

فـ «التّاء» مفعوله الأوّل ، و «قيسا» الثّاني ، و «خير» الثّالث.

__________________

والغريبة (اللسان / أبد). نبئت ـ على صيغة المجهول ـ : بمعنى أخبرت. قوله : «والسفاهة كاسمها» أي : مسمى السفاهة ـ وهو قلة العقل ـ قبيح كاسمه ـ وهو السفاهة ـ ، غرائب الأشعار : غرابتها بالنسبة لصدورها منه ، لأنّه ليس من أهل الشعر. والشاهد في قوله «نبئت» حيث نصبت ثلاثة مفاعيل.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٣٩ ، ١ / ٤٠٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤١ ، شواهد العدوي : ١٠٠ ، فتح رب البرية : ١ / ٣٨ ، شرح ابن الناظم : ٢١٥ ، شواهد الجرجاوي : ١٠٠ ، البهجة المرضية : ٦٥ ، معاني الأخفش : ٣١٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٧٠ ، السراج المنير للزبيدي (مخطوط) : ٣٩٥.

(١) هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد المعروف بأعشى قيس ، ويقال له : أعشى بكر بن وائل ، والأعشى الكبير ، لقب بالأعشى لضعف بصره ، أبو بصير ، من شعراء الجاهلية ، أحد أصحاب المعلقات ، أدرك الإسلام ولم يسلم ، ولد في قرية منفوحة (قرب الرياض) ، وتوفي فيها سنة ٧ ه‍ ، أخباره كثيرة ، وله ديوان شعر.

انظر معجم الشعراء : ٤٠١ ، شعراء النصرانية : ١ / ٣٥٧ ، المؤتلف والمختلف : ١٢ ، معجم المؤلفين : ٧ / ٥ ، الأعلام : ٧ / ٣٤١ ، الخزانة : ١ / ١٧٥ ، جمهرة أشعار العرب : ٢٩ ، ٥٦ ، كشف الظنون : ٧٧٦ ، شواهد المغني : ٢ / ٩٦٧.

(٩٠) ـ من المتقارب ، من قصيدة للأعشى في ديوانه (٢٢) يمدح بها قيس بن معد يكرب الكندي ، وقبله :

رفيع الوساد طويل النّجا

د ، ضخم الدّسيعة ، رحب العطن

أنبئت : أخبرت. قوله : «قيسا» أراد به قيس بن معد يكرب. لم أبله : لم أختبره. قوله : «كما زعموا» صفة لمصدر محذوف ، أي : لم أبله بلوا مثل الذي زعموا فيه ويجوز أن تكون «ما» مصدرية ، والمعنى : لم أبله بلوا مثل زعمهم فيه من أنّه خير أهل اليمن. ويروى :

ونبّئت قيسا على نأيه

ولم آته ساد أهل اليمن

والشاهد في قوله : «أنبئت» حيث نصبت ثلاثة مفاعيل.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٤٠ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٤٠ ، الهمع (رقم) : ٦٢٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤١ ، مجالس ثعلب : ٢ / ٣٤٦ ، شرح ابن الناظم : ٢١٦ ، البهجة المرضية : ٦٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٧١ ، المطالع السعيدة : ٢٥٥ ، تذكرة النحاة : ٦٨٦ ، عمدة الحافظ لابن مالك : ١٥٢.

٣٠٩

ومثال «حدّث» قول اليشكريّ (١) :

٩١ ـ أو منعتم ما تسألون فمن حد

دثتموه له علينا الولاء

فالضّمير المرفوع مفعول أوّل ، والمنصوب مفعول ثان ، والجملة بعده مفعول ثالث.

ومثال «أخبر» قول رجل من بني كلاب :

٩٢ ـ وما عليك إذا أخبرتني دنفا

وغاب بعلك يوما أن تعوديني

__________________

(١) هو الحارث بن حلزة بن مكروه بن يزيد اليشكري الوائلي ، شاعر جاهلي من أهل بادية العراق ، وهو أحد أصحاب المعلقات ، ارتجل معلقته بين يدي عمرو بن هند الملك بالحيرة ، جمع فيها كثيرا من أخبار العرب ووقائعهم ، له ديوان شعر ، توفي في حدود سنة (٥٠) ق. ه.

انظر ترجمته في الأغاني : ١١ / ٤٢ ، سمط اللآلئ : ٦٣٨ ، المؤتلف والمختلف : ٩٠ ، الخزانة : ١ / ٣٢٥ ، الأعلام : ٢ / ١٥٤ ، معجم المؤلفين : ٣ / ١٧٥.

٩١ ـ من الخفيف ، للحارث بن حلزة اليشكري من معلقته المشهورة (القصائد العشر : ٣٨٧) ، التي أولها :

آذنتنا ببينها أسماء

ربّ ثاو يملّ منه الثّواء

الولاء : النصرة. ويروى : «العلاء» بدل «الولاء» وهو من العلو والرفعة. ويروى : «الغلاء» وهو الارتفاع. يعني : أو منعتم الذي تسألونه مما يطلب منكم من النصفة فيما بيننا وبينكم فهل بلغكم أنّ أحدا انتصر علينا وقهرنا ، أو زاد علينا في الرفعة والشرف ، أي : لم يبلغكم ذلك حتى تطمعوا فينا وتمنعوا عنا ما يطلب منكم مع ما تعرفونه فينا من عزنا وامتناعنا. والشاهد في قوله : «حدثتموه» حيث نصبت ثلاثة مفاعيل.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٤٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤١ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٧ ، شواهد العدوي : ١٠١ ، الهمع (رقم) : ٦٢٦ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٤١ ، شواهد الجرجاوي : ١٠١ ، شرح ابن الناظم : ٢١٧ ، البهجة المرضية : ٦٥ ، التبصرة والتذكرة : ١٢١ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٧١ ، المطالع السعيدة : ٢٥٦ ، تذكرة النحاة : ٦٨٦ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٨٤ ، عمدة الحافظ لابن مالك : ١٥٣.

٩٢ ـ من البسيط لرجل من بني كلاب ، ويروى :

ما ذا عليك إذا أخبرتني دنفا

رهن المنيّة يوما أن تعوديني

أخبرتني : بالبناء للمجهول ، وبكسر التاء ، لأنّه خطاب للمؤنث. دنفا : من الدنف وهو المرض اللازم ، ومعناه هنا : مشرفا على الهلاك. بعلك : زوجك. والمعنى : لا بأس عليك بسبب عيادتك إياي وقت غياب زوجك. والشاهد في قوله : «أخبرتني» حيث نصب ثلاثة مفاعيل.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٦ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٤٣ ، الهمع (رقم) : ٦٢٥ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٤١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤١ ، شرح ابن الناظم : ٢١٧ ، البهجة المرضية : ٦٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٧ ، شواهد العدوي : ١٠١ ، المطالع السعيدة : ٢٥٥ ، شواهد الجرجاوي : ١٠١ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٧٢ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٨٣.

٣١٠

فـ «التّاء» المكسورة مفعول أوّل ، و «ياء» المتكلّم مفعوله / الثّاني ، و «دنفا» الثّالث.

ومثال «خبّر» قول العوّام (١) :

٩٣ ـ وخبّرت سوداء الغميم مريضة

فأقبلت من أهلي بمصر أعودها

ف «التّاء» المفعول الأوّل ، و «سوداء» الثّاني ، و «مريضة» (٣) الثّالث.

__________________

(١) هو العوام بن عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى ، شاعر مجيد ، من أهل الحجاز ، نبغ في العصر الأموي ، وزار مصر ، واشتهر من شعره ما قاله في غطفانية اسمها «ليلى» ، ولقبها السوداء ، أحبها وأحبته ، وهو من بيت عريق في الشعر ، كان أبوه وجده وأبو جده شعراء.

انظر ترجمته في معجم الشعراء : ٣٠١ ، سمط اللآلئ : ٣٧٣ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٤٢ ، الأعلام : ٥ / ٩٣.

٩٣ ـ من الطويل للعوام بن عقبة من قصيدة له قالها في محبوبته «ليلى» الغطفانية ، ولقبها سوداء الغميم ، وكان خرج مرة إلى مصر في ميرة ، فبلغه أنّها مريضة فترك ميرته ، وكرّ نحوها ، وأنشأ يقول القصيدة ، ومنها :

فو الله ما أدري إذا أنا جئتها

أأبرئها من سقمها أم أزيدها

ويروى : «سوداء القلوب» بدل «سوداء الغميم» قيل : يجوز أنّه أراد بذلك أنها تحل من القلوب محل السويداء منها ، كأن القلوب على اختلافها يمثل إليها ، ويجوز أن يكون المراد أنّها قاسية القلب عليه ، فلذلك أطلق عليها «سوداء القلوب». والشاهد في قوله : «وخبرت» حيث نصب ثلاثة مفاعيل.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٤٢ ، الهمع (رقم) : ٦٢٤ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٤١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤١ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٨ ، شواهد العدوي : ١٠٣ ، عمدة الحافظ لابن مالك : ١٥٣ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٨٣ ، شواهد الجرجاوي : ١٠٣ ، شرح ابن الناظم : ٢١٧ ، البهجة المرضية : ٦٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٧٢ ، المطالع السعيدة : ٢٥٥ ، شرح الحماسة للمرزوقي : ١٤١٤.

(٢) في الأصل : والغميم. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٥.

٣١١

الباب الخامس عشر

الفاعل

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

الفاعل

الفاعل الّذي كمرفوعي أتى

زيد منيرا وجهه نعم الفتى

الفاعل هو الاسم ، أو ما في تأويله ، المسند إليه فعل ، أو ما جرى مجراه ، مقدّما عليه على طريقة (١) فعل أو فاعل (٢).

فالاسم نحو (تَبارَكَ اللهُ) [الأعراف : ٥٤] ، و «تباركت يا الله» ، و «أقوم ، وقم» ، والمؤوّل به نحو (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا) [العنكبوت : ٥١] ، أي : إنزالنا (٣).

والفعل : كما مثّلنا (٤) ، وما جرى مجراه نحو (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) [النحل : ٦٩] ، فـ «مختلف» في تأويل «يختلف» ، و «ألوانه» فاعل.

و «مقدّما عليه» رافع لتوهّم دخول «زيد» من نحو «زيد قام» في حدّ الفاعل ، خلافا للكوفيّين (٥).

__________________

(١) في الأصل : طريق. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٢.

(٢) انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٢ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١٥٧. والفاعل لغة : من أوجد الفعل. وفي التعريفات : الفاعل ما أسند إليه الفعل أو شبهه على جهة قيامه به ، أي : على جهة قيام الفعل بالفاعل ، ليخرج عنه مفعول ما لم يسم فاعله. وفي شرح المرادي : هو الاسم المسند إليه فعل تام مقدم غير مصوغ للمفعول أو جار مجراه. وفي الهمع : الفاعل ما أسند إليه عامل مفرغ على جهة وقوعه منه أو قيامه به.

انظر التعريفات للجرجاني : ١٦٤ ، شرح المرادي : ٢ / ٣ ، الهمع : ٢ / ٢٥٣ ، المفصل : ١٨ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٧٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٧٦ ، التسهيل : ٧٥ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦١٧ ، التصريح على التوضيح : ٢٦٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤٢ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٨ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ١٥٧ ، معجم مصطلحات النحو : ٢٤٣ ، معجم المصطلحات النحوية : ١٧٦ ، معجم النحو للدقر : ٢٥٩.

(٣) في الأصل : أنزلنا. انظر التصريح : ١ / ٢٦٨.

(٤) من نحو (تَبارَكَ اللهُ) و (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا.)

(٥) في إجازتهم تقديمه ، ووافقهم الأخفش مستدلين بنحو قوله :

ما للجمال مشيها وئيدا

٣١٢

و «على طريقة فعل أو فاعل» (مخرج لما كان على طريقة فعل (١) أو مفعول (٢)) (٣).

وقد استغنى النّاظم عن هذا التّعريف بالمثال ، فقال :

الفاعل الّذي كمرفوعي أتى

زيد منيرا (٤) وجهه ...

فأتى بمثالين :

الأول : «أتى زيد» ، فـ «زيد» فاعل ، لأنّه اسم أسند إليه فعل على طريقة «فعل» ـ بفتح أوّله وثانيه ـ ، وقدّم عليه ، وهو «أتى».

والثّاني : «منيرا وجهه» ، فـ «وجهه» فاعل ، لأنّه (٥) اسم أسند إليه وصف جار مجرى الفعل على طريقة «فاعل /» ، وهو «منيرا وجهه».

ثمّ تمّم البيت بقوله : «نعم الفتى» ، وفيه تنبيه على أنّ فعل الفاعل يكون غير متصرّف.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

__________________

أي : وئيدا مشيها. فـ «زيد» من نحو «زيد قام» مبتدأ ، و «قام» متحمل لضميره ، والجملة خبره على رأي البصريين. وينبغي أن يقيد ذلك بالاختيار ، فقد حكى ابن مالك عن الأعلم وابن عصفور أنّهما قالا في :

 ... قلّما

وصال على طول الصّدود يدوم

إنّ «وصال» فاعل «يدوم» المذكور لا محذوف ، وإنّ الذي سوغ ذلك الضرورة. وقيل : يمتنع مطلقا ، لأنّ الفعل وفاعله كجزأي كلمة فلا يقدم عجزها على صدرها.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٩ ، الهمع : ٢ / ٢٥٥ ، ابن عقيل مع الخضري : ١ / ١٦١ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١٥٩ ـ ١٦٠ ، التسهيل : ٧٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٨٠ ، المقتضب : ٤ / ١٢٨ ، مغني اللبيب : ٧٥٧ ، حاشية الصبان : ٢ / ٤٦.

(١) فما كان على طريقة «فعل» بضم الفاء فهو نائب فاعل. انظر شرح دحلان : ٦٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٩.

(٢) فما كان على طريقة «مفعول» فإنّ المرفوع بعده نائب فاعل ، نحو «زيد مضروب أبوه» ، فـ «زيد» مبتدأ ، و «مضروب» خبره ، و «أبوه» نائب فاعل «مضروب».

انظر شرح دحلان : ١٠٩ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ١٢٢.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع شرح دحلان : ٦٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٩ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ١٢٢.

(٤) في الأصل : منير. انظر الألفية : ٥٥.

(٥) في الأصل : لأنّ. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٢.

٣١٣

وبعد فعل فاعل فإن ظهر

فهو وإلّا فضمير استتر

يعني : أنّ الفعل لا بدّ له من فاعل.

وفهم من قوله : «بعد فعل» أنّ الفاعل لا يكون إلّا بعد الفعل ، فإن وجد ما ظاهره أنّه فاعل تقدّم ـ وجب تقدير الفاعل ضميرا مستترا ، وكون المقدّم إمّا مبتدأ في نحو «زيد قائم» وإمّا فاعلا محذوف الفعل في نحو (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة : ٦] ، لأنّ أداة الشّرط مختصّة بالجمل الفعليّة على الأصحّ (١).

وقوله : «فإن ظهر» أي : فإن ظهر ما هو فاعل في المعنى ـ فهو الفاعل في الاصطلاح ، والمراد بـ «ظهر» : برز ، فشمل الظّاهر نحو «قام زيد» ، والضّمير البارز نحو «قمت».

وقوله : «وإلّا» أي : وإن لم يبرز ـ فهو ضمير استتر ، نحو «يا زيد قم» ، ففي «قم» ضمير مستتر ، إذ لا يستغني الفعل عن الفاعل.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وجرّد الفعل إذا ما أسندا

لاثنين أو جمع كفاز الشهدا

وقد يقال سعدا وسعدوا

والفعل للظّاهر بعد مسند

يعني : أنّ الفعل وما هو بمنزلته ، إذا أسند إلى فاعل مثنّى أو مجموع ـ جرّد من علامة التّثنية والجمع ، فتقول : «قام الزّيدان ، وأقائم أخواك / ، وقام إخوتك ، وأقائم إخوتك ، (وقام نسوتك) (٢) وأقائم نسوتك» ، بتوحيد المسند في الجميع ، وقد مثّل ذلك النّاظم بقوله : «فاز الشّهدا».

وفهم منه أنّ شّرط الفاعل المذكور : أن يكون ظاهرا ، هذه هي اللغة الفصحى ، ثمّ أشار إلى اللغة الأخرى بقوله :

وقد يقال سعدا وسعدوا

وهذه اللغة يسمّيها النّحويون لغة «أكلوني البراغيث» ، وهي أن يلحق

__________________

(١) عند جمهور البصريين ، خلافا للأخفش والكوفيين ، فيجوز عندهم أن يكون «أحد» مبتدأ ، وسوغ الابتداء به تقدم الشرط عليه ، أو نعته بالمجرور بعده ، و «استجارك» خبره.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٧٠ ، مغني اللبيب : ٧٥٧ ، أوضح المسالك : ٨٠.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٧٥. وفي الأصل أيضا وردت جملة «وأقائم إخوتك» قبل جملة «قام إخوتك» تقديم وتأخير.

٣١٤

الفعل المسند إلى المثنّى «ألف» ، والمسند إلى جمع المذكّر (١) «واو» ، والمسند إلى جمع المؤنّث «نون» ، فتقول : «سعدا (أخواك ، وسعدوا) (٢) إخوتك ، وسعدن بناتك».

وقوله :

والفعل للظّاهر بعد مسند

يشير إلى أنّ هذه الحروف اللاحقة للفعل على هذه اللغة ليست بضمائر ، وإنّما هي علامات للفاعل كـ «التّاء» في «قامت هند» ، ويكون المسند إليه بلفظ التّثنية والجمع ، كما ذكر ، وبعطف (٣) آخر الاسمين على الأوّل ، كقول عبد الله ابن قيس الرقيّات (٤) :

٩٤ ـ ...

وقد أسلماه مبعد وحميم

__________________

(١) في الأصل : المذكور. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٤.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٤.

(٣) في الأصل : وبعض. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٤.

(٤) هو عبد الله ـ وقيل : عبيد الله ، قال بعضهم : وعبيد الله أصح ـ بن قيس الرقيات بن شريح ابن مالك ، من بني عامر بن لؤي ، شاعر قريشي في العصر الأموي ، كان مقيما بالمدينة ، وبعد مقتل ابن الزبير انصرف إلى الكوفة فأقام سنة ثم قصد الشام وأقام فيها إلى أن توفي سنة ٨٥ ه‍ ، أكثر شعره الغزل والنسيب ، وله مدح وفخر ، ولقب بابن قيس الرقيات لأنّه كان يتغزل بثلاث نسوة كل واحدة منهن اسمها رقية ، وأخباره كثيرة وله ديوان شعر.

انظر ترجمته في الأغاني : ٥ / ٧٣ ، سمط اللآلئ : ٢٩٤ ، معجم المطبوعات : ٢٢٠ ، الأعلام : ٤ / ١٩٦ ، معجم المؤلفين : ٦ / ٢٤٣ ، شواهد المغني : ١ / ١٢٧ ، ٢ / ٦٢٢ ، الخزانة : ٧ / ٢٨١ ـ ٢٨٩ ، أبيات المغني : ١ / ١٩٢.

٩٤ ـ من الطويل ، لابن قيس الرقيات ، من قصيدة له في ديوانه (١٩٦) ، يرثي بها مصعب بن الزبير رضي‌الله‌عنهما ، حين خرج بجنوده من الكوفة ، وخرج عبد الملك بن مروان بجيوشه من الشام ، فلمّا التقى الجيشان هرب جيش مصعب ، وقاتل مصعب حتى قتل ، وصدره :

تولى قتال المارقين بنفسه

تولى : باشر ، والضمير يعود على «مصعب». المارقين : الخوارج. أسلماه : خذلاه. مبعد : أراد به الرجل الأجنبي. الحميم : القريب أو الصديق. والشاهد في عطف أحد الاسمين على الآخر ، وهما «مبعد وحميم» ، واقتران «أسلماه» المسند إليهما بألف التثنية على لغة بني الحارث بن كعب المسماة بلغة «أكلوني البراغيث» ، وكان القياس أن يقال : «وقد أسلمه مبعد وحميم».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٧٧ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٦١ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ١٣٢ ، مغني اللبيب (رقم) : ٦٨١ ، ٦٩٢ ، شذور الذهب : ١٧٧ ، الهمع (رقم) : ٦٢٨ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٤١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦١ ، شواهد

٣١٥

وفهم من قوله : «وقد يقال» قلّة هذه اللغة.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ويرفع الفاعل فعل أضمرا

كمثل زيد في جواب من قرا

يعني : أنّ الفعل قد يحذف ، ويبقى الفاعل ، وتجوّز في قوله : «أضمرا» ، والمراد : حذف (١).

وشمل إطلاقه : الحذف جوازا ، كالمثال الذي ذكر ، وهو «زيد» في / جواب قولك : «من قرأ؟» ، والحذف وجوبا ، كقوله عزوجل : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة : ٦].

ويجوز في «زيد» في المثال المذكور أن يكون مبتدأ محذوف الخبر ، وهو أجود ، لمطابقة الجواب للسّؤال ، فإنّ السّؤال جملة اسميّة.

وهذا الحذف قياسيّ وفاقا للجرميّ (٢) وابن جنّي (٣) ، فإنّهما أجازا «أكل

__________________

العدوي : ١٠٣ ، أبيات المغني : ٦ / ١٣٨ ، ١٥٤ ، الجنى الداني : ١٧٥ ، شواهد الجرجاوي : ١٠٣ ، شواهد الفيومي : ٥٩ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٢٤ ، شرح ابن الناظم : ٢٢١ ، البهجة المرضية : ٦٦ ، جواهر الأدب : ١١٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٨١ ، فتح رب البرية : ١ / ٢٩١.

(١) قال ابن مالك في شرح الكافية (٢ / ٥٩١) :

ويرفع الفاعل فعل حذفا

إذا استبان بدليل عرفا

(٢) هو صالح بن إسحاق الجرمي بالولاء ، أبو عمر ، عالم بالنحو واللغة ، فقيه ، من أهل البصرة ، قدم بغداد وأخذ النحو عن الأخفش ، واللغة عن أبي عبيدة والأصمعي ، وغيرهما ، توفي سنة ٢٢٥ ه‍ ، من آثاره : الكتاب المختصر في النحو ، كتاب العروض ، غريب سيبويه ، والتثنية والجمع ، وغيرها.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٢٦٨ ، إنباه الرواة : ٢ / ٨٠ ، البداية والنهاية : ١٠ / ٢٩٣ ، مفتاح السعادة : ١ / ١٣٤ ، معجم الأدباء : ١٢ / ٥ ، الأعلام : ٣ / ١٨٩ ، معجم المؤلفين : ٥ / ٣ ، ١٣ / ٣٩٣.

(٣) هو عثمان بن جني الموصلي ، أبو الفتح ، من أئمة الأدب والنحو ، وله شعر ، ولد في الموصل سنة ٣٣٠ ه‍ ، وسكن بغداد ودرس بها ، وأقرأ إلى أن توفي بها سنة ٣٩٢ ه‍ ، من مؤلفاته : سر صناعة الإعراب ، شرح كتاب الشواذ لابن مجاهد ، المحتسب في شواذ القراءات ، الخصائص في اللغة ، اللمع في العربية ، وغيرها.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٣٢٢ ، معجم الأدباء : ١٢ / ٨١ ، إنباه الرواة : ٢ / ٣٣٥ ، معجم المؤلفين : ٦ / ٢٥١ ، شذرات الذهب : ٣ / ١٤٠ ، نزهة الألباء : ٤٠٦ ، هدية العارفين : ١ / ٦٥١ ، الأعلام : ٤ / ٢٠٤.

٣١٦

الطّعام زيد ، وشرب الماء عمرو» ، بالبناء للمفعول فيهما (١) ، ومذهب الجمهور أنّه لا ينقاس (٢).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وتاء تأنيث تلي الماضي إذا

كان لأنثى كأبت هند الأذى

وإنّما تلزم فعل مضمر

متّصل أو مفهم ذات حر

يعني : أنّ الفعل الماضي إذا أسند إلى مؤنّث لحقته «تاء» تدلّ على تأنيث فاعله ، وهي في ذلك (على) (٣) قسمين : لازمة وجائزة ، وقد أشار إلى الأوّل بقوله :

وإنّما تلزم فعل مضمر

متّصل أو مفهم ذات حر

فذكر أنّها تلزم في موضعين :

الأوّل : أن يكون المسند إليه مضمرا متّصلا ، وشمل الحقيقيّ التّأنيث ، نحو «هند قامت» ، والمجازيّ التّأنيث نحو «الشّمس طلعت».

واحترز بقوله : «متّصل» من المنفصل ، كما سيأتي قريبا.

الثّاني : أن يكون المسند إليه ظاهرا ، حقيقيّ التّأنيث نحو «بانت سعاد» ، وهو المشار إليه بقوله : «ذات حر» و «الحر» ـ بالحاء / المهملة ـ : الفرج (٤).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وقد يبيح الفصل ترك التّاء في

نحو أتى القاضي بنت الواقف

__________________

(١) وإليه ذهب ابن مالك حيث لم يلتبس الفاعل بالنائب عنه ، فلو قيل : «يوعظ في المسجد رجال» على معنى : «يعظ رجال» لم يجز ، لصلاحية إسناد «يوعظ» إليهم ، بخلاف «يوعظ في المسجد رجال يزيد» فإنّه يجوز لعدم اللبس.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٧٤ ، الهمع : ٢ / ٢٥٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٩٢.

(٢) وأجاز بعض النحويين : «زيد عمرا» بمعنى : ليضرب زيد عمرا ، إذا كان ثم دليل على إضمار الفعل ولم يلبس ، ومنع ذلك سيبويه وإن لم يلبس ، لأنّ إضمار فعل الغائب هو على طريق التبليغ ، وإضماره يستدعي إضمار فعل آخر ، لأن المعنى : قل له : ليضرب ، فكثر الإضمار فرفض.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٧٤ ، الهمع : ٢ / ٢٥٨ ، الكتاب : ١ / ١٢٨.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٥.

(٤) وأصل «الحر» : حرح ، فحذفت الحاء على حد الحذف في شفة ، والجمع : أحراح لا يكسر على غير ذلك. انظر اللسان : ٢ / ٨٢٤ (حرح) ، شرح المكودي : ١ / ١٢٥.

٣١٧

والحذف مع فصل بإلّا فضّلا

كما زكا إلّا فتاة ابن العلا

والحذف قد يأتي بلا فصل ومع

ضمير ذي المجاز في شعر وقع

هذا هو القسم الثّاني : الجائز ، وهو ما إذا فصل بين الفعل والفاعل الحقيقيّ التأنيث ، والفاصل إمّا أن يكون غير «إلّا» ، أو («إلّا») (١).

فإن كان الفاصل غير «إلّا» ، فقد أشار إليه بقوله :

«وقد يبيح الفصل ترك التّاء».

يعني : أنّه إذا فصل بين الفعل والفاعل الحقيقيّ التأنيث بغير «إلّا» جاز (٢) في الفعل وجهان : إثبات التّاء ، وتركها.

وفهم من قوله : «وقد يبيح» أنّ حذفها قليل بالنّسبة إلى إثباتها.

ثم مثّل ذلك بقوله : «أتى القاضي بنت الواقف» ، ففصل بين الفعل والفاعل ، وهما : «أتى» (و) (٣) «بنت الواقف» بالمفعول ، وهو «القاضي».

وإن كان الفاصل «إلّا» ، فقد أشار إليه بقوله :

والحذف مع فصل بإلّا فضّلا

يعني : أنّ حذف «التّاء» من الفعل مع وجود (٤) الفصل (٥) بـ «إلّا» بينه وبين الفاعل فضّل ، ثمّ مثّل ذلك بقوله :

كما زكا إلّا فتاة ابن العلا

وهذا أحسن من قولك : «ما زكت إلّا فتاة» ، وإنّما كان حذفها أحسن ، لأنّ الفعل في التّقدير مسند إلى / مذكّر ، لأنّ التّقدير : ما زكا أحد إلّا فتاة ابن العلا.

وقوله : «والحذف قد يأتي بلا فصل» ، أشار بذلك إلى ما حكاه سيبويه عن بعض العرب : «قال فلانة» (٦) ، وظاهره أنّه ينقاس على قلّة ، وليس كذلك بل هو شاذّ يقتصر فيه على السّماع (٧).

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٦.

(٢) في الأصل : جازة. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٦.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٤) في الأصل : مع وجود. مكرر.

(٥) في الأصل : الفاصل.

(٦) قال سيبويه في الكتاب (١ / ٢٣٥) : «وقال بعض العرب : قال فلانة». انتهى. وذكر ابن مالك : أنّه لغة لبعضهم. انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٩٦ ، وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٧٩ ، الهمع : ٦ / ٦٥ ، شرح المرادي : ٢ / ١١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٣ ، شرح الرضي : ٢ / ١٦٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٤.

(٧) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٧٩ ، أوضح المسالك : ٨٣ ، شرح المرادي : ٢ / ١١ ، شرح

٣١٨

وأشار بقوله :

 ... ومع

ضمير ذي المجاز في شعر وقع

إلى قول عامر بن جوين الطّائيّ (١) :

٩٥ ـ ...

ولا أرض أبقل إبقالها

__________________

الأشموني : ٢ / ٥٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٤ (قال : وهو قليل جدا) ، وقال الرضي في شرح الكافية (٢ / ١٦٩) : «وأنكر المبرد ، ولا وجه لإنكار ما حكى سيبويه مع ثقته وأمانته» ، وانظر المقتضب : ٢ / ١٤٤ ، ١٤٦.

(١) هو عامر بن جوين بن عبد رضاء قمران الطائي ، شاعر فارس ، من أشراف طيئ في الجاهلية ، من المعمرين ، كان فاتكا مستهترا ، تبرأ قومه من جرائره ، وله حكاية مع امرئ القيس ، قتله بعض بني كلب في خبر أورد في الخزانة.

انظر الأعلام : ٣ / ٢٥٠ ، الخزانة : ١ / ٥٣ ، المحبر : ٣٥٢ ، رغبة الآمل : ٦ / ٢٣٥ ، الأزمنة والأمكنة : ٢ / ١٧٠.

٩٥ ـ من المتقارب لعامر الطائي ، يصف به سحابة وأرضا نافعتين ، وصدره :

فلا مزنة ودقت ودقها

وقيل : هو للخنساء من قصيدة ترثي بها أخاها صخرا (وليس في ديوانها) ، وقيل : هو للأعشى (وليس في ديوانه). المزنة : السحابة البيضاء ، وجمعها : مزن. ودقت ودقها : أي أمطرت أمطارها. أبقل : أنبت البقل ، ومعنى : «أبقل إبقالها» أنبت أنباتها. والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف. وعن ابن كيسان أنّ ذلك جائز في النثر وأنّ البيت ليس بضرورة لتمكن قائله من أن يقول : «أبقلت» بشرط أن ينقل كسرة الهمزة إلى التاء ثم تحذف الهمزة ، وأجاب السيرافي بأنّه يجوز أن يكون هذا الشاعر ليس من لغته تخفيف الهمزة وحينئذ لا يمكنه ما ذكر. وقال ابن القواس : إنّه روي «إبقالها» بالرفع مسندا إلى ضمير المصدر ، فلا شاهد فيه حينئذ. وزعم بعضهم أنّه لا شاهد فيه على رواية النصب أيضا ، وذلك على أن يكون الأصل «ولا مكان أرض» ثم حذف المضاف ، وقال : «أبقل» على اعتبار المحذوف ، وقال : «أبقالها» على اعتبار المذكور.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٧٨ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٢٥ ، الخزانة : ١ / ٤٥ ، ٧ / ٤٣٧ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٦٤ ، القصائد السبع : ١٠٧ ، ٥٢٢ ، شرح ابن يعيش : ٥ / ٩٤ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٢٢٤ ، شواهد الجرجاوي : ١٠٥ ، الكتاب : ١ / ٢٤٠ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٤٠١ ، شواهد الأعلم : ١ / ٢٤٠ ، شواهد المغني : ٢ / ٩٤٣ ، اللسان (أرض ، بقل ، ودق) ، أبيات المغني : ٨ / ١٧ ، ٣٨ ، شواهد ابن السيرافي : ١ / ٥٥٧ ، الخصائص : ٢ / ٤١١ ، مغني اللبيب (رقم) : ١١١٥ ، ١١٣٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٣ ، شرح ابن الناظم : ٢٢٦ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٤ ، معاني الأخفش : ١ / ٥٥ ، شواهد ابن النحاس : ١٧٥ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٣٩٢ ، ٥٤٩ ، ٦١١ ، المقرب : ١ / ٣٠٣ ، الهمع (رقم) : ١٧٦٨ ، شرح المرادي : ٢ / ١١ ، التوطئة : ١٦٤ ، جواهر الأدب : ١٢٥ ، البهجة المرضية : ٦٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٩٦ ، شرح دحلان : ٦٧ ، كاشف الخصاصة : ١٠٢ ، نتائج الفكر : ١٦٨.

٣١٩

فأسقط «التّاء» من «أبقل» ، والفعل مسند إلى ضمير «الأرض» للضّرورة ، وكان القياس «أبقلت».

وقال ابن كيسان (١) : يجوز ترك «التّاء» في الكلام النّثر ، يقال : «الشّمس طلع» ، كما يقال : «طلع الشّمس» (٢) ، لأنّ التأنيث مجازيّ ، ولا فرق بين الظّاهر والمضمر.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والتّاء مع جمع سوى السّالم من

مذكّر كالتّاء مع إحدى اللبن

يعني : أنّ الفعل الماضي إذا أسند لجمع غير المذكّر السّالم ـ حكمه كحكمه مع المجازيّ التأنيث ، كـ «إحدى اللبن» ، وهي اللّبنة (٣) ، فتقول : «قامت الرّجال ، وقام الرّجال» ، كما تقول : «سقطت اللّبنة ، وسقط اللّبنة» (٤).

وشمل غير السّالم من مذكّر جمع التّكسير ، كما ذكر ، وجمع المؤنّث السّالم ، فتقول على هذا : «قام الهندات ، وقامت الهندات» ، وفي هذا خلاف :

والّذي ذهب إليه النّاظم : جواز الوجهين (٥) ، وهو مذهب الكوفيين والفارسيّ (٦).

__________________

(١) في الأصل : ابن كيسا. انظر التصريح : ١ / ٢٧٨.

(٢) واستدل على ذلك بالبيت المتقدم ، حيث إنّ الشاعر كان يمكنه أن يقول : «أبقلت إبقالها» بالنقل ـ كما تقدم في شاهد البيت ـ فلما عدل عن ذلك مع تمكنه منه دل على أنّه مختار لا مضطر.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٧٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٩٧ ، شرح المرادي : ٢ / ١٣ ، الهمع : ٦ / ٦٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٦٥.

(٣) وهي التي يبنى بها ، وهو المضروب من الطين مربعا وجمع «لبن». انظر اللسان : ٥ / ٣٩٩١ (لبن).

(٤) في الأصل : اللبن. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٦.

(٥) قال ابن مالك في شرح الكافية (٢ / ٥٩٨) : «كل جمع سوى المذكّر السالم يجوز تذكيره باعتبار الجمع ، وتأنيثه باعتبار الجماعة ، نحو «قام الرجال وقامت الرجال». وانظر التسهيل : ٧٥.

(٦) واحتجوا بنحو (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) فذكر الفعل مع جمع تصحيح المؤنث ، وبنحو قوله :

فبكى بناتي شجوهنّ وزوجتي

والطّامعون إليّ ثمّ تصدّعوا

فذكر الفعل مع إسناده إلى جمع تصحيح المؤنث. وأجيب بأنّ «البنات» لم يسلم فيها نظم الواحد. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٠ ، شرح المرادي : ٢ / ١٤ ، شرح الرضي : ٢ / ١٧٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٤ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ١٢٦ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٣٩٣ ، شرح ابن يعيش : ٥ / ١٠٤ ، الهمع : ٦ / ٦٥.

٣٢٠