شرح ابن طولون - ج ١

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ) [البقرة : ٢٤٦] ، وإلى ترجيح الفتح أشار بقوله : «وانتقا الفتح زكن» أي : اختير (١).

وفهم من قوله : «عسيت» تعميم المثل المتقدّمة فإنّها كلّها نحو «عسيت» فيما ذكر.

__________________

(١) انتقا ـ بالقاف ـ مصدر انتقى الشيء أي : اختاره ، و «زكن» : علم ، أي : اختيار الفتح علم لأنّه الأصل والمشتهر.

انظر شرح الأشموني : ١ / ٢٦٨ ، شرح المكودي : ١ / ١٠٢ ، شرح المرادي : ١ / ٣٣٣ ، حاشية الخضري : ١ / ١٢٨ ، اللسان : ٦ / ٤٥٣٢ (نقا) ، ٣ / ١٨٤٨ (زكن).

٢٤١

الباب الحادي عشر

«إنّ» وأخواتها

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

«إنّ» وأخواتها

لإنّ أنّ ليت لكنّ لعل

كأنّ عكس ما لكان من عمل

هذا هو الباب الثّاني من النّواسخ ، وهو باب «إنّ» وأخواتها ، وقد تقدّم أنّ «كان» ترفع الاسم وتنصب الخبر ، و «إنّ» وأخواتها تنصب الاسم وترفع الخبر على الأصحّ عند البصريين (١) ، وإلى ذلك (أشار) (٢) بقوله : «عكس ما لكان من عمل».

__________________

(١) وذلك لقوة شبهها بالفعل ، حيث إنها أشبهته لفظا ومعنى ، ووجه المشابهة بينهما من خمسة أوجه :

الأول : أنها على وزن الفعل.

الثاني : أنها مبنية على الفتح ، كما أنّ الفعل الماضي مبني على الفتح.

الثّالث : أنها تقتضي الاسم ، كما أنّ الفعل كذلك.

الرابع : أنها تدخلها نون الوقاية.

الخامس : أنّ فيها معنى الفعل ، فمعنى «إن وأن» : حقّقت ، ومعنى «كأنّ» : شبهت ، و «لكنّ» : استدركت ، و «ليت» : تمنيت ، و «لعل» : ترجيت ، فلمّا أشبهت الفعل من هذه الأوجه وجب أن تعمل عمل الفعل.

أما الكوفيون فذهبوا إلى أنّها لا ترفع الخبر ، وذلك لأنّها إنّما عملت لشبهها بالفعل ، فهي فرع عليه ، فهي أضعف منه ، فلا تعمل في الخبر جريا على القياس في حط الفروع عن الأصول. وتبعهم السهيلي. وذهب بعض العرب إلى نصب الجزأين بهذه الأحرف ، وحكى قوم منهم أبو عبيد القاسم بن سلام ، وابن الطراوة وابن السيد ، ومن ذلك قوله :

إذا التفّ جنح الليل فلتأت ولتكن

خطاك خفافا إنّ حراسنا أسدا

وعليه بعض الكوفيين ، وقيل : هو خاص بـ «ليت» وعليه الفراء ، ومنه قوله :

يا ليت أيام الصّبا رواجعا

انظر الإنصاف (مسألة : ٢٢) : ١ / ١٧٦ ، الهمع : ٢ / ١٥٥ ـ ١٥٧ ، شرح المرادي : ١ / ٣٣٤ ، الجنى الداني : ٣٩٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٣٠ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٢٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢١٠ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٦٩ ، شرح الرضي : ١ / ٣٤٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٢٤ ، مغني اللبيب : ٥٥ ، نتائج الفكر : ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٢.

٢٤٢

وأخوات «إنّ» ـ بكسر الهمزة ـ «أنّ» ـ بفتحها ـ وهما لتوكيد النّسبة بين الجزأين (١) ، و «لكنّ» للاستدراك (٢) والتّوكيد (٣) ، فالأوّل : «زيد شجاع / ، لكنّه بخيل» ، والثّاني نحو «لو جاءني زيد أكرمته ، لكنّه لم يجئ» ، و «كأنّ» ـ بتشديد النّون ـ للتشبيه نحو «كأنّ زيدا (٤) أسد» (٥) ، و «ليت» للتّمني ، وهو طلب ما لا طمع فيه (أو ما فيه) (٦) عسر فالأوّل : نحو «ليت الشّباب عائد» ، والثّاني : نحو قول منقطع الرّجاء (من مال يحجّ به) (٧) : «ليت لي مالا فأحجّ به» ، و «لعلّ» وهو للتوقّع (٨) ، وعبّر عنه قوم بالتّرجي في المحبوب ، نحو «لعلّ الحبيب قادم» ، والإشفاق في المكروه ، نحو «لعلّك قاتل نفسك» (٩).

__________________

(١) ونفي الشك عنها ، ونفي الإنكار لها بحسب العلم بالنسبة والتردد فيها والإنكار لها ، فإن كان المخاطب عالما بالنسبة ، فهما لمجرد توكيد النسبة ، وإذا كان مترددا فيها ، فهما لنفي الشك عنها ، وإن كان منكرا لها ، فهما لنفي الإنكار لها ، فالتوكيد لنفي الشك عنها مستحسن ، ولنفي الإنكار واجب ، ولغيرهما لا ولا. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١١.

(٢) وهو تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه من الكلام السابق. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١١.

(٣) التوكيد : قال به جماعة منهم ابن مالك والزجاجي وصاحب البسيط. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١١ ، الهمع : ٢ / ١٤٩ ، الجنى الداني : ٦١٥ ، مغني اللبيب : ٣٨٣ ، جمل الزجاجي : ٥١.

(٤) في الأصل : زيد. انظر التصريح : ١ / ٢١٢.

(٥) لم يثبت لها أكثر البصريين غيره ، وقال ابن مالك : هي للتشبيه المؤكد ، فإنّ الأصل «إنّ زيدا كالأسد» ، فقدمت الكاف وفتحت «إن» ، وصار الحرفان حرفا واحدا مدلولا به على التشبيه والتوكيد. ومن معانيها :

١ ـ التحقيق : وإليه ذهب الكوفيون والزجاجي.

٢ ـ الشك : وإليه ذهب الكوفيون والزجاجي أيضا ، قالوا : إن كان خبرها اسما جامدا كانت للتشبيه وإن كان مشتقا كانت للشك بمنزلة «ظنت» ، ووافقهم ابن الطراوة وابن السيد ، قال ابن السيد : إذا كان خبرها فعلا أو جملة أو صفة فهي للظن والحسبان.

٣ ـ التقريب : وهو مذهب الكوفيين ، نحو «كأنك بالشتاء مقبل» إذ المعنى : تقريب إقبال الشتاء.

انظر الجني الداني : ٥٧٠ ـ ٥٧١ ، الهمع : ١ / ١٥٠ ـ ١٥١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢١٢ ، مغني اللبيب : ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٢٩.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢١٢.

(٧) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢١٢.

(٨) قال الزمخشري : «لعلّ» هي لتوقع مرجو أو مخوف ، وقد لمح فيها معنى التمني من قرأ فاطلع بالنصب ، وهي في حرف عاصم». انظر المفصل : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٨٥ ، الجنى الداني : ٥٨١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢١٣ ، مغني اللبيب : ٣٧٩.

(٩) ومن معانيها :

٢٤٣

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

كأنّ زيدا عالم بأنّي

كفؤ ولكنّ ابنه ذو ضغن

هذه ثلاثة أمثلة لما تقدّم ، تقول في إعرابها :

«كأنّ» حرف تشبيه ينصب الاسم ويرفع الخبر ، و «زيدا» اسمها ، و «عالم» خبرها (١).

و «أنّ» حرف توكيد مصدريّ ينصب الاسم ويرفع الخبر ، و «الياء» الضّمير اسمها و «كفؤ» خبرها ، والكفء : المثل (٢).

و «لكنّ» حرف استدراك ينصب الاسم ويرفع الخبر ، و «ابنه» اسمها ، و «ذو ضغن» خبرها ، والضّغن : الحقد والعداوة (٣).

وزاد بعضهم (٤) في أخوات «إنّ» : «عسى» في لغة (٥) ، وهو بمعنى : «لعلّ» وشرط اسمه أن يكون ضميرا ، كقوله :

__________________

١ ـ التعليل : أثبته الكسائي والأخفش ، وحملا على ذلك ما في القرآن من نحو (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي : لتشكروا ولتهتدوا.

٢ ـ الاستفهام : قال به الكوفيون وتبعهم ابن مالك ، وجعل منه (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى).

٣ ـ نقل النحاس عن الفراء والطوال أنّ «لعل» شك ، وهذا عند البصريين خطأ.

انظر الجنى الداني : ٥٧٩ ـ ٥٨١ ، الهمع : ٢ / ١٥٢ ـ ١٥٣ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢١٣ ، مغني اللبيب : ٣٧٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٣٠.

(١) انظر كاشف الخصاصة : ٧٥ ، وفي إعراب الألفية (٣٤) قال الأزهري : «كإنّ» الكاف جارة لقول محذوف ـ كما مرّ غير مرة ـ و «إنّ» ـ بكسر الهمزة وتشديد النون ـ حرف توكيد ونصب ، و «زيدا» اسمها ، و «عالم» خبرها ، والجملة مقولة للقول المحذوف والقول ومقوله خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كقولك : «إنّ زيدا عالم». انتهى. وانظر شرح الهواري : (٥٣ / أ).

(٢) انظر إعراب الألفية : ٣٤ ، شرح المكودي : ١ / ١٠٢ ، اللسان : ٥ / ٣٨٩٢ (كفأ).

(٣) انظر إعراب الألفية : ٣٤ ، شرح المكودي : ١ / ١٠٢ ، اللسان : ٤ / ٢٥٩٢ (ضغن).

(٤) وهو ابن هشام في التوضيح : ٥٨ ، وانظر : الجامع الصغير لابن هشام : ٦٢ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٤ ، حاشية الخضري : ١ / ١٢٨ ، السراج المنير شرح الجامع الصغير للزبيدي (مخطوط) : ٢٢٩ ، الرائد الخبير بموارد الجامع الصغير لفخر الدين العلوي : (٧٢ / أ ـ مخطوط) ، المشكاة الفتحية على الشمعة المضية للدمياطي : ١٩٨.

(٥) انظر حاشية الخضري : ١ / ١٢٨ ، وقال في التوضيح (٥٨) : «في لغيّة». وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٤ ، المشكاة الفتحية للدمياطي : ١٩٨.

٢٤٤

٥٢ ـ فقلت عساها نار كأس ...

 ...

وهي / حينئذ حرف كـ «لعلّ» ، وفاقا للسّيرافي ، ونقله عن سيبويه (٢) ، وخلافا للجمهور في إطلاق القول بفعليّته (٣) ، ولابن السّراج وثعلب في إطلاق القول بحرفيّته (٤).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وراع ذا التّرتيب إلّا في الّذي

كليت فيها أو هنا غير البذي

__________________

٥٢ ـ من الطويل لصخر بن جعد الخضري ـ كما في أبيات المغني ـ ، وكان ترجى أن يصيب محبوبته مرض ليكون ذلك وسيلة إلى عيادته إياها ، وهو من قصيدة له ، وتمامه :

فقلت عساها نار كأس وعلّها

تشكّى فآتي نحوها فأعودها

وفي الشواهد الكبرى : قائله هو صخر بن العود الحضرمي. وكأس : اسم امرأة كان الشاعر مغرما بها. والشاهد في قوله : «عساها» ، حيث جاء «عسى» فيه بمعنى «لعلّ» ، واسمها ضمير.

انظر أبيات المغني : ٣ / ٣٥٠ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٢٢٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢١٣ ، الهمع (رقم) : ٤٩١ ، مغني اللبيب (رقم) : ٢٧٤ ، الدرر اللوامع : ١ / ١١٠ ، حاشية الصبان : ١ / ٢٦٧ ، الجنى الداني : ٤٦٩ ، أوضح المسالك : ٥٨ ، الجامع الصغير : ٦٢ ، فتح رب البرية : ١ / ٣٧٦ ، ٢ / ٥ ، السراج المنير للزبيدي (مخطوط) : ٢٢٩ ، الرائد الخبير لفخر الدين العلوي (مخطوط) : (٧٢ / أ).

(١) قال سيبويه في الكتاب (١ / ٣٨٨) : «وأما قولهم «عساك» فالكاف منصوبة. قال الراجز (وهو رؤبة) :

يا أبتا علّك أو عساكا

والدليل على أنّها منصوبة أنّك إذا عنيت نفسك كانت علامتك «ني» قال عمران بن حطان :

ولي نفس أقول لها إذا ما

تنازعني لعلّي أو عساني

فلو كانت الكاف مجرورة لقال : «عساي» ، ولكنّهم جعلوها بمنزلة «لعلّ» في هذا الموضع». انتهى. وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١٤ ، مغني اللبيب : ٢٠١ ، الهمع : ٢ / ١٤٦ ، أوضح المسالك : ٥٩ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ١٨٠.

(٢) والدليل على فعليته اتصال ضمائر الرفع البارزة به نحو «عسيت وعسيتم» ، ولحاق تاء التأنيث له نحو «عست هند أن تقوم».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١٤ ، مغني اللبيب : ٢٠١ ، أوضح المسالك : ٥٩ ، الجنى الداني : ٤٦١ ـ ٤٦٢.

(٣) والزجاج أيضا. ورد بأنّ اتصال ضمير المرفوع به يدفع ذلك.

انظر الأصول لابن السراج : ١ / ٢٢٩ ، مغني اللبيب : ٢٠١ ، أوضح المسالك : ٥٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢١٤ ، الجنى الداني : ٤٦١ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٠٢.

٢٤٥

لمّا أتى بالمثل في البيت الذي قبله مرتّبة ، وقدّم (١) فيها (الاسم) (٢) ، على الخبر ـ وهو الأصل ـ نبّه على أنّ هذا الترتيب المذكور مراعى يحافظ عليه ، إلّا إذا كان الخبر ظرفا أو مجرورا ، فإنّه يجوز تقديمه على الاسم ، لتوسّع العرب في الظروف والمجرورات ، وهو المنبّه عليه بقوله :

كليت فيها أو هنا غير البذي

(والبذي) (٣) : الفاحش النّطق (٤).

ومن تقدّم الخبر إذا كان مجرورا قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) [آل عمران : ١٣] ، وظرفا ، قوله تعالى : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) [المزمل : ١٢].

وأمّا تقديم خبرهنّ (٥) عليهنّ ، فلا يجوز مطلقا ، ولو كان ظرفا أو مجرورا ، لعدم تصرّفهنّ.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وهمز إنّ افتح لسدّ مصدر

مسدّها وفي سوى ذاك اكسر

يعني : أنّ همزة «إنّ» المكسورة تفتح إذا سدّ المصدر مسدّها ، أي : إذا أوّلت هي وما بعدها بالمصدر نحو «أعجبني أنّك تفهم».

(وفهم) (٦) من قوله : «وهمز إنّ افتح» أنّ الأصل المكسورة / الهمزة ، وهو أشهر القولين (٧).

وقوله : «وفي سوى ذاك اكسر» أي : إذا لم يسدّ المصدر مسدّها.

__________________

(١) في الأصل : وقد. انظر المكودي بحاشية الملوي : ٤٤.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٣.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٣.

(٤) انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٣ ، اللسان : ٢ / ٢٣٦ (بذأ).

(٥) في الأصل : خبر لهن. انظر التصريح : ١ / ٢١٤.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٣.

(٧) بل الأقوال ، حيث إنّ هناك ثلاثة أقوال في هذا الشأن : فقيل : المكسورة أصل ، والمفتوحة فرع لها ، وهو مذهب سيبويه والمبرد وابن السراج ، ولذلك قال هؤلاء في «إنّ» وأخواتها : الأحرف الخمسة ، ولم يعدوا «أنّ» المفتوحة ، لأنّها فرع ، وهو مذهب الفراء أيضا. وقيل : المفتوحة أصل للمكسورة. وقيل : هما أصلان.

انظر الكتاب : ١ / ٢٧٩ ، المقتضب : ٤ / ١٠٧ ، الأصول : ١ / ٢٢٩ ، الجنى الداني : ٤٠٣ ، مغني اللبيب : ٥٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٢٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٨٢ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٧٠ ، الهمع : ٢ / ١٦٩.

٢٤٦

ثمّ «إنّ» في ذلك على ثلاثة أقسام : قسم يجب (فيه) (١) كسرها (٢) ، وقسم يجوز فيه الفتح والكسر ، وقسم يجب فيه الفتح ، وسيذكر النّاظم القسمين الأوّلين ويبقى ما عداهما ، (وهو) (٣) القسم الثّالث.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

فاكسر في الابتدا وفي بدء صله

وحيث إنّ ليمين مكمله

أو حكيت بالقول أو حلّت محل

حال كزرته وإنّي ذو أمل

وكسروا من بعد فعل علّقا

باللام كاعلم إنّه لذو تقى

أشار بهذه الأبيات إلى الأماكن التي (٤) يجب فيها كسر «إنّ» ، وهي ستّة :

الأوّل : أن تقع في الابتداء حقيقة نحو (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر : ١] ، أو حكما نحو (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ) [يونس : ٦٢] ، وهو المشار إليه بقوله : «فاكسر في الابتدا».

الثّاني : أن تقع في بدء الصّلة ، وهو المشار إليه بقوله : «وفي بدء صله» أي : في أوّل صلة الموصول ، نحو (وَآتَيْناهُ)(٥) مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ [القصص : ٧٦].

واحترز (٦) ببدء الصّلة : من الواقعة (٧) في حشوها ، فإنّها يجب فتحها ، نحو «جاء الّذي عندي أنّه فاضل».

الثّالث : أن تقع / جوابا للقسم ، وهو المشار إليه بقوله :

وحيث إنّ ليمين مكمله

أي : وحيث تكون جوابا للقسم ، فإنّها حينئذ مكملة للقسم ، وشمل المقترن خبرها باللام نحو (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ١ ـ ٢] ، والمجرّد منها (نحو) (٨)(حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ) [الدخان : ١ ـ ٣].

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٣.

(٢) في الأصل : كسر. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٣.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٤) في الأصل : الذي.

(٥) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٣.

(٦) في الأصل : واحتر. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٣.

(٧) في الأصل : من الوقعة. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٤.

(٨) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٤.

٢٤٧

الرّابع : أن تحكى بالقول ، وهو المشار إليه بقوله : «أو حكيت بالقول» نحو (وَقالَ)(١) اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ [المائدة : ١٢].

الخامس : (أن) (٢) تحلّ محلّ حال وهو المشار إليه بقوله : «أو حلّت محلّ حال» ، وشمل صورتين :

الأولى : أن تكون بعد واو الحال ، وقد مثّله بقوله : «كزرته وإنّي ذو أمل» ، ومنه قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) [الأنفال : ٥].

الثّانية (٣) : أن تكون مجردة من الواو ، كقوله تعالى : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ)(٤) الطَّعامَ [الفرقان : ٢٠].

السّادس : أن يقترن خبرها بلام الابتداء ، وهو المشار إليه بقوله :

وكسروا من بعد فعل علّقا

باللام ...

ثمّ مثّل ذلك بقوله : «كأعلم إنّه لذو تقى» ، ومنه قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : ١].

فـ «اعلم» في النّظم و «يشهد» في الآية ـ يطلبان «أنّ» المفتوحة ، فعلّقت لام الابتداء كلا (٥) الفعلين ، ووجب كسر «أنّ».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

بعد إذا فجاءة أو قسم

لا لام بعده بوجهين نمي

مع تلو فا الجزا وذا يطّرد

في نحو خير القول إنّي أحمد (٦)

أشار في هذا إلى المواضع الّتي يجوز فيها كسر «إنّ» وفتحها ، وهي أربعة :

الأوّل : أن تقع بعد إذا الفجائية ، وإليه أشار بقوله : «بعد إذا فجاءة» ، كقوله :

__________________

(١ ـ ٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٤.

(٣) في الأصل : الثاني. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٤.

(٤) في الأصل : يأكلون. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٤.

(٥) في الأصل : لكلا.

(٦) في الأصل تقديم وتأخير في البيتين. انظر الألفية : ٤٧ ـ ٤٨ ، وعلى ترتيب الألفية جرى شرحه.

٢٤٨

٥٣ ـ وكنت أرى زيدا كما قيل سيّدا

إذا أنّه عبد القفا واللهازم

يروى : بكسر «إنّ» على القياس ، لأنّ «إذا» الفجائيّة لا يليها إلّا جملة اسميّة ، وبالفتح على تأويل «أنّ» وصلتها بمصدر محكوم عليه بأنّه مبتدأ محذوف الخبر ، والتّقدير : فإذا العبوديّة حاصلة.

الثّاني : أن تقع بعد فعل قسم ، ولا لام بعدها ، وإليه أشار بقوله : «أو قسم لا لام بعده» ، كقول رؤبة :

٥٤ ـ أو تحلفي بربّك العليّ

أنّي أبو ذيّالك الصّبيّ

__________________

٥٣ ـ من الطويل ، من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها قائل. قوله : «عبد القفا واللهازم» كناية عن الذلة والخسة. واللهازم. جمع لهزمة وهي طرف الحلقوم ، ويقال : عظم ناتئ تحت الأذن ، وقيل : هي مضغة تحت الأذن. والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف.

انظر الكتاب : ١ / ٤٧٢ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢١٨ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٢٢٤ ، المقتضب : ٢ / ٣٥٠ ، شواهد الأعلم : ١ / ٤٧٢ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٧٦ ، شرح المرادي : ١ / ٣٣٩ ، شرح ابن الناظم : ١٦٦ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٣٢ ، شرح ابن يعيش : ٤ / ٩٧ ، ٩٨ ، ٨ / ٦١ ، الخصائص : ٢ / ٣٩٩ ، الخزانة : ١ / ٢٦٥ ، شذور الذهب : ٢٠٧ ، شواهد الفيومي : ٦٩ ، شواهد الجرجاوي : ٧٢ ، المقتصد : ٢ / ١١٠٢ ، الهمع (رقم) : ٥١٦ ، الدرر اللوامع : ١ / ١١٥ ، جواهر الأدب : ٤٣٥ ، الجنى الداني : ٣٧٨ ، ٤١١ ، شواهد ابن النحاس : ٣٠٤ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٦١ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٣٤٤ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٣٥٣ ، كاشف الخصاصة : ٧٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٨٥ ، الإيضاح لابن الحاجب : ٢ / ١٦٧ ، ١٨٦ ، الأصول : ١ / ٢٦٥ ، فتح رب البرية : ٢ / ٢٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٤٠.

٥٤ ـ من الرجز في ديوان رؤبة (١٨٨) ، وقبله :

لتقعدنّ مقعد القصيّ

منّي ذي القاذورة المقلي

وقال ابن بري : «هذا الرجز لبعض العرب قدم من سفره فوجد امرأته قد ولدت غلاما فأنكره ، فقال لها : لتقعدن ... الخ». أو : بمعنى «إلى». ذيالك : مصغر «ذلك». ومعنى الأبيات الأربعة : والله لتقعدن أيتها المرأة في مكان بعيد عني حيث يقعد الشخص المكروه عند الناس لقذارته إلى أن تحلفي بربك العلي أنّي أبو هذا الغلام الصغير. والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١٩ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٢٣٢ ، ٤ / ٥٣٥ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٧٦ ، المكودي مع ابن حمدون : ١٠٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٣٢ ، شواهد الجرجاوي : ٧٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٤٠ ، شرح ابن الناظم : ١٦٦ ، ٧٩٣ ، شواهد العدوي : ٧٣ ، الجنى الداني : ٤١٣ ، اللمع : ٣٠٤ ، أوضح المسالك : ٦١.

٢٤٩

فمن كسر : جعلها جوابا للقسم ، ومن فتح : فعلى نيّة حرف الجرّ ، والتّقدير : على أنّي.

واحترز بقوله : «لا لام بعده» من الواقعة بعد فعل (١) القسم وبعده لام ، نحو : «حلفت إنّ زيدا لقائم» ، فإنّها حينئذ يجب كسرها. وفهم أنّ المراد / بالوجهين : الكسر والفتح ، من ذكرهما قبل.

الثّالث : أن تقع بعد فاء الجزاء كقوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ)(٢) غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام : ٥٤] ، قرئ بكسر «إنّ» على الأصل لأنّ الأصل في جواب الشّرط (٣) أن يكون جملة وبالفتح على تأويل «أنّ» بمصدر مجعول خبرا ، والمبتدأ محذوف تقديره : فجزاؤه الغفران ، أو العكس ، والتّقدير : فالغفران جزاؤه (٤) ، وهو المشار إليه بقوله : «مع تلو فا الجزا».

الرّابع : أن تقع خبرا عن قول ، ومخبرا عنها بقول ، والقائل للقولين شخص واحد ، وإليه أشار بقوله :

 ... وذا يطّرد

في نحو خير القول إنّي أحمد

يعني : أنّه يطّرد في هذا المثال وما أشبهه كسر «إنّ» وفتحها ، فالكسر على معنى : خير القول في هذا اللفظ الّذي أوّله «إنّي» ، فيكون (من) (٥) الإخبار بالجملة عن مبتدأ في معنى الجملة ، ولذلك لم يحتج إلى ضمير يربطها بالمبتدأ ، والفتح على معنى : خير القول حمد الله ، ويحتمل أن يكون بهذا اللفظ أو بغيره ممّا (٦) يفهم الحمد ، ويكون من باب الإخبار بالمفرد ، لأنّ «أنّ» وما بعدها مؤوّل بمفرد.

__________________

(١) في الأصل : فعل. مكرر.

(٢) في الأصل : فإنّ الله. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٥.

(٣) في الأصل : القسم. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٥.

(٤) قرأ نافع وأبو جعفر بفتح همزة «إنّ» الأولى ، وكسر الثانية ، وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب بفتح الأولى والثانية ، وقرأ الباقون بكسر الأولى والثانية.

انظر المبسوط في القراءات العشر : ١٩٤ ـ ١٩٥ ، إتحاف فضلاء البشر : ٢٠٨ ، حجة القراءات : ٢٥٢ ، إملاء ما منّ به الرحمن : ١ / ٢٤٤ ، البيان لابن الأنباري : ١ / ٣٢٢ ، إعراب النحاس : ٢ / ٦٩ ، شرح المكودي : ١ / ١٠٥.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٥.

(٦) في الأصل : بما. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٥.

٢٥٠

و «ذا» في النّظم إشارة / إلى جواز هذين الوجهين ، ولو انتفى القول الأوّل فتحت وجوبا ، نحو «عملي أنّي أحمد الله» ، و (لو انتفى) (١) القول الثاني ، أو اختلف القائل لهما ـ كسرت (وجوبا فيهما) (٢) نحو «قولي إنّي مؤمن» ، و «قولي إنّ زيدا يحمد الله».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وبعد ذات الكسر تصحب الخبر

لام ابتداء نحو (إنّي) (٣) لوزر

يعني : أنّ اللام تدخل في خبر «إنّ» المكسورة الهمزة.

وفهم من اقتصاره على المكسورة أنّها لا تزاد بعد غيرها من أخواتها خلافا لمن أجاز زيادتها بعد «أنّ» المفتوحة (٤).

وفهم من قوله : «لام ابتداء» أنّها اللام التي تدخل على المبتدأ في نحو «لزيد قائم» (٥) خلافا لمن قال : إنّها غيرها (٦) ، وإنّما أخّرت للخبر مع «إنّ» كراهة

__________________

(١ ـ ٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٢٠.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر الألفية : ٤٨.

(٤) وهو المبرد ، ومن ذلك قراءة بعض السلف : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) بفتح الهمزة ، وخرّجها الجمهور على الزيادة. وأجاز الكوفيون دخول اللام في خبر «لكن» ، واستدلوا على ذلك بالسماع والقياس. أمّا السماع : فنحو قول الشاعر :

ولكنّني من حبّها لعميد

وأمّا القياس : فلأنّ الأصل في «لكن» : «إن» زيدت عليها «لا» والكاف ، وحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال ، فصارتا حرفا واحدا.

انظر الإنصاف (مسألة : ٢٥) : ١ / ٢٠٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٩٢ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٨٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٣٠ ، شرح المرادي : ١ / ٣٤٣ ، الهمع : ٢ / ١٧٥ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، ٣٥٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٣٤.

(٥) وهو مذهب البصريين ، قالوا : وإنّما أخّرت لأنّها للتأكيد و «إنّ» للتأكيد ، فكرهوا توالي حرفين لمعنى واحد ، والعرب لا تجمع بين حرفين لمعنى واحد إلا في ضرورة ، وإذا أرادوا ذلك فصلوا بينهما. قال الأخفش : إنّما بدؤوا بـ «إن» لقوتها من حيث إنّها عاملة واللام غير عاملة ، فجعلوا الأقوى متقدما في اللفظ. وقال ابن كيسان : أخرت لئلا يبطل عمل «إنّ» لو وليتها ، لأنّها تقطع مدخولها عمّا قبله. وفائدة هذه اللام توكيد مضمون الجملة ، وكذلك «إنّ» وإنّما اجتمعا لقصد المبالغة في التوكيد ، وقال الكسائي : اللام لتوكيد و «إنّ» لتوكيد الاسم.

انظر الهمع : ٢ / ١٧٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٤٣ ، الجنى الداني : ١٣٨ ـ ١٣٩.

(٦) ذهب الفراء إلى أنّها للفرق بين الكلام الذي يكون جوابا لكلام مضى على الجحد ، نحو «ما زيد قائم» ، فتقول : «إنّ زيدا لقائم» ، وبين ما لا يكون جوابا بل مستأنف إخبار. وذهب معاذ بن مسلم الهراء وثعلب إلى أن قولك : «إن زيدا منطلق» جواب : «ما زيد منطلقا» ،

٢٥١

اجتماع حرفي تأكيد ، ولذلك تسمّى اللام المزحلفة ـ بالفاء عند أهل العالية (١) ـ ، ثمّ مثّل ذلك بقوله : «إني لوزر» ، والوزر : الحصن (٢).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ولا يلي ذا اللام ما قد نفيا

ولا من الأفعال ما كرضيا

وقد يليها مع قد كإنّ ذا

لقد سما على العدا مستحوذا

يشير إلى أنّ هذه اللام الداخلة في خبر «إنّ» المكسورة يشترط لدخولها ثلاثة شروط :

الأوّل : أن يكون الخبر مثبتا ، فلا تصحبه إذا كان (٣) منفيّا نحو «إنّ زيدا لم يقم».

الثّاني : ألّا / يكون فعلا ماضيا متصرّفا خاليا من «قد» ، وفهمت هذه الثّلاثة من تمثيله بـ «رضي» في كونه ماضيا متصرفا خاليا من «قد» ، فلا تصحبه إذا وجدت فيه هذه الشّروط نحو (إِنَّ اللهَ اصْطَفى) [البقرة : ١٣٢].

وفهم منه أيضا أنّها تصحب المفرد نحو (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) [إبراهيم : ٣٩] ، وبالجملة المصدّرة بالمضارع نحو (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ) [النمل : ٧٤] ، والجملة الاسميّة نحو (وَإِنَّا)(٤) لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ [الحجر : ٢٣] ، والجارّ والمجرور والظّرف ، إذا لم يقدّر متعلّقهما (٥) ماضيا نحو (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم : ٤] ، و «إنّ زيدا (٦) لعندك» ، والماضي غير المتصرّف ، نحو «إنّ زيدا لنعم الرّجل».

__________________

و «إن زيدا لمنطلق» جواب : «ما زيد بمنطلق» فـ «إنّ» بإزاء «ما» ، واللام بإزاء الباء. وذهب هشام والطوال إلى أنّ اللام جواب للقسم قبل «إن» محذوف ، وحكي هذا أيضا عن الفراء.

انظر : ارتشاف الضرب : ٢ / ١٤٣ ، الهمع : ٢ / ١٧٧ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٣٣.

(١) وبالقاف عند غيرهم. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٢١ ، مغني اللبيب : ٣٠٠ ، الأشموني مع الصبان : ١ / ٢٧٩.

(٢) جاء في اللسان (٦ / ٤٨٢٣ ـ وزر) : الوزر : الملجأ ، وأصل الوزر الجبل المنيع ، وكل معقل وزر». وانظر شرح المكودي : ١ / ١٠٦.

(٣) في الأصل : كا. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٦.

(٤) في الأصل : الواو. ساقط. انظر التصريح : ١ / ٢٢٢.

(٥) في الأصل : متعلقها. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٢٢.

(٦) في الأصل : زيد. انظر التصريح : ١ / ٢٢٢.

٢٥٢

وبقي من الشّروط المفهومة من تمثيله بـ «رضي» : أن لا يلي الماضي «قد» ، فنبّه عليه بقوله : «وقد يليها مع قد».

وفهم من قوله : «قد» أنّ ذلك قليل ، ثمّ مثّل ذلك بقوله :

 ... كإنّ ذا

لقد سما على العدا مستحوذا

و (١) معنى «مستحوذا» : غالب (٢).

الثّالث : أن يكون مؤخرا ، فلا تصحبه إذا تقدّم ، نحو (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) [المزمل : ١٢] ولم ينبّه النّاظم على هذا الشّرط (٣).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وتصحب الواسط معمول الخبر

والفصل واسما حلّ قبله الخبر

أي : تصحب اللام المذكورة معمول خبر «إنّ» المكسورة المتوسّط.

وشمل قوله : «الواسط» (٤) الظّرف والمجرور ، وغيرهما ، نحو «(إنّ) (٥) زيدا لعندك قاعد» ، و «إنّ عمرا لفيك راغب» ، و «إنّ بكرا لطعامك آكل» ، ولكنّ / ذلك بثلاثة (٦) شروط أيضا لم يذكرها النّاظم (٧) ، وهي :

ـ تقديمه على الخبر ، فلا يجوز «إنّ زيدا لجالس في الدّار» ، لتأخّر المعمول.

ـ وكونه غير حال ، فلا يجوز «إنّ زيدا لراكبا منطلق».

ـ وكون الخبر صالحا للّام ، فلا يجوز «إنّ زيدا لعمرا ضرب» لأنّ الخبر غير صالح للّام ، لكونه فعلا ماضيا ، خلافا للأخفش والفرّاء في هذه (٨).

__________________

(١) في الأصل : أو. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٦.

(٢) انظر اللسان : ٢ / ١٠٤١ (حوز) ، شرح المكودي : ١ / ١٠٦.

(٣) وقال في التسهيل (٦٣) : «وعلى خبرها المؤخر عن الاسم» ، وقال في شرح الكافية (١ / ٤٩٠) : «أو لخبرها المتأخر نحو «إنّ زيدا لفي الدار».

(٤) في الأصل : التوسط.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٦.

(٦) في الأصل : بلاثة. انظر التصريح : ١ / ٢٢٣.

(٧) وقال في شرح الكافية (١ / ٤٩١) : «وقد يقارن هذه اللام معمول الخبر ما لم يتأخر عن الخبر أو يكن الخبر فعلا ماضيا» ، وقال في التسهيل (٦٣) : «وعلى معموله مقدما عليه بعد الاسم».

(٨) وحجتهما أنّ المانع إنما قام بالخبر لكونه فعلا ماضيا ، فأمّا المعمول فاسم. وحجة المانعين : أنّ دخول اللام على المعمول فرع دخولها على العامل ، فكيف يتفرع فرع عن غير أصل.

٢٥٣

وقوله : «والفصل» أي : وتصحب هذه اللام ضمير الفصل نحو (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) [آل عمران : ٦٢] ، إذا لم يعرب «هو» مبتدأ ، ولم يقيّد الفصل بشيء ، لأنّه معلوم أنّه لا يكون إلّا متوسّطا بين الاسم والخبر.

وقوله : «واسما حلّ قبله الخبر» يعني : أنّ اللام تدخل أيضا على اسم «إنّ» بشرط واحد ، وهو أن يتأخّر اسمها عن الخبر ، نحو (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) [النازعات : ٢٦] ، أو عن معموله (نحو) (١) «إنّ في الدّار لزيدا جالس».

والحاصل : أنّ لام الابتداء تدخل بعد «إنّ» المكسورة على أربعة أشياء : اثنين مؤخّرين ، واثنين متوسّطين.

فالمتأخّران : خبرها إذا لم يكن منفيا ولا ماضيا متصرّفا مجرّدا من «قد» ، واسمها المؤخّر.

و (٢) المتوسّطان / : معمول الخبر ، وضمير الفصل.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ووصل ما بذي الحروف مبطل

إعمالها وقد يبقّى العمل

إذا اتّصلت «ما» بهذه الحروف كفّت عملها لزوال اختصاصها بالأسماء نحو (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) [النساء : ١٧١] ، (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) [الأنفال : ٦] ، (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [الأنبياء : ١٠٨] ، و :

٥٥ ـ ... لعلّما

أضاءت لك النّار الحمار المقيّدا

__________________

انظر شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٩١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٢٤ ، الهمع : ٢ / ١٧٥ ، شرح المرادي : ١ / ٣٤٦ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٥٦ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٣٥ ، حاشية الصبان : ١ / ٢٨٢.

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٢٤.

(٢) في الأصل : الواو. ساقط.

٥٥ ـ من الطويل للفرزدق من قصيدة له في ديوانه (٢١٣) يهجو فيها جريرا ، ويخاطب بها عمر ابن لجأ التيمي ، وتمامه :

أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما

أضاءت لك النّار الحمار المقيّدا

أعد نظرا : أي أمعن في النظر وكرره. عبد قيس : قيل : هو عدي بن الجندب العنبري.

أضاءت : أنارت. والشاهد في قوله : «لعلما» حيث لحقت «ما» «لعلّ» ، فكفتها عن العمل ، وذلك لزوال اختصاصها بالأسماء حينئذ.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٢٥ ، أبيات المغني : ٥ / ١٦٩ ، مغني اللبيب (رقم) : ٥٢٧ ، ٥٣٣ ، شواهد الفيومي : ٨٨ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٢٢ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٥٤ ،

٢٥٤

٥٦ ـ ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل

 ...

وقد سمع الإعمال في قول النّابغة (٢) :

٥٧ ـ ... ألا ليتما هذا الحمام لنا

 ...

__________________

٥٧ ، شواهد المغني : ٢ / ٦٩٣ ، أمالي ابن الشجري : ٢ / ٢٤١ ، شذور الذهب : ٢٧٩ ، الهمع (رقم) : ٥٤٤ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٥٧٣ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٨٤ ، المقتصد : ١ / ٤٦٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٣٥ ، الإرشاد للكيشي : ١٤٦ ، الأزهية : ٨٨ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٥٢.

٥٦ ـ من الطويل لامرئ القيس بن حجر الكندي ، من قصيدة له في ديوانه (٣٩) ، وعجزه :

وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي

التأثيل : التأصيل ، يقال : مجد مؤثل وأثيل. والشاهد في قوله : «ولكنّما» حيث لحقت «ما» «لكن» فكفتها عن العمل ، وذلك لزوال اختصاصها بالأسماء حينئذ.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٢٥ ، الخزانة : ١ / ٣٢٧ ، أبيات المغني : ٥ / ٣٥ ، الهمع (رقم) : ٥٤٣ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٢٢ ، شواهد ابن السيرافي : ١ / ٣٨ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٧٣ ، شواهد المغني : ١ / ٣٤٢ ، ٢ / ٦٤٢ ، شواهد الفيومي : ٢٥ ، اللسان (أثل) ، الجنى الداني : ٦١٩ ، المقتصد : ١ / ٣٤٢ ، مغني اللبيب (رقم) : ٤٥٧ ، شواهد المفصل والمتوسط : ١ / ٣٩ ، الإرشاد للكيشي : ٥٠ ، الإفصاح للفارقي : ٣١٣ ، فتح رب البرية : ٢ / ١٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٧.

(١) هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري ، ويعرف بالنابغة الذبياني ، شاعر جاهلي من أهل الحجاز ، كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ ، فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها وكان حظيا عند النعمان بن المنذر حتى شبب في قصيدة له بزوجة النعمان (المتجردة) ، فغضب النعمان عليه ، ففرّ إلى الغساسنة بالشام ، ثم عاد إليه ، له شعر كثير ، جمع بعضه في ديوان صغير ، توفي في حدود سنة ١٨ ق. ه.

انظر ترجمته في الأغاني : ١١ / ٣٨ ، المؤتلف والمختلف : ١٩١ ، الخزانة : ٢ / ١٣٥ ، شواهد المغني : ١ / ٧٨ ، الأعلام : ٣ / ٥٤ ، معجم المؤلفين : ٤ / ١٨٨.

(٥٧) ـ من البسيط للنابغة الذبياني من قصيدة له في ديوانه (٢٤) يخاطب بها النعمان بن المنذر ويعاتبه ويعتذر إليه مما اتهم به عنده ، وتمامه :

قالت : ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا ونصفه فقد

إلى : بمعنى : مع. فقد : أي : فحسب. وحديث الحمامة : أنّ زرقاء اليمامة (وهي امرأة يضرب بها المثل في حدة البصر) نظرت يوما إلى قطا تطير بين الجبلين فقالت :

ليت الحمام ليه

إلى حمامتيه

ونصفه قديه

تمّ الحمام ميه

ثم اتبع أحد تلك القطا إلى أن وردت الماء فعدّها فإذا عددها ستة وستون ، والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٢٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٢٥٤ ، الكتاب : ١ / ٢٨٢ ،

٢٥٥

فقد روي بنصب «الحمام» على الإعمال ، وبالرّفع على الإهمال.

ولم يسمع الإعمال إلّا في «ليت» (١) ، وقاس بعضهم عليها سائر أخواتها وهو مذهب النّاظم (٢) ، لإطلاقه في قوله : «وقد يبقّى العمل» تبعا للزّجاج ، وابن السّراج ، والزّمخشريّ (٣).

وقيل : يمتنع القياس مطلقا ، وإليه ذهب سيبويه والأخفش (٤).

__________________

شواهد الأعلم : ١ / ٢٨٢ ، شواهد ابن السيرافي : ١ / ٣٣ ، الخصائص : ٢ / ٤٦٠ ، الإنصاف : ٤٧٩ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٥٧٤ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٥٤ ، ٥٨ ، شذور الذهب : ٢٨٠ ، مغني اللبيب (رقم) : ٩٨ ، ٥٢٤ ، ٥٧٣ ، شواهد المغني : ١ / ٧٥ ، ٢٠٠ ، أبيات المغني : ٢ / ٤٦ ، الخزانة : ١٠ / ٢٥١ ، الدرر اللوامع : ١ / ٤٤ ، ١٢١ ، الهمع (رقم) : ١٧٦ ، ٥٤٢ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١١٠ ، شواهد ابن النحاس : ١٩٩ ، شواهد الشذور : ٨٩ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٨٤ ، شرح ابن الناظم : ١٧٤ ، الهمع : ١ / ٦٥ ، ١٤٣ ، المقتصد : ١ / ٤٦٩ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٠٧ ، المقرب : ١ / ١١٠ ، شرح دحلان : ٥٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٨٠ ، البهجة المرضية : ٥٧ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٥٢ ، توجيه اللمع : ٥١٣ ، التوطئة : ١٧٧ ، ٢٣٢ ، فتح رب البرية : ٢ / ١٣.

(١) قال ابن مالك في شرح الكافية (١ / ٤٨٠) : «وحكى ابن برهان أن الأخفش روى عن العرب : «إنّما زيدا قائم» فأعمل «إن» مع زيادة «ما» ، وحكى مثل ذلك الكسائي في كتابه». انتهى. وذهب ابن درستويه وبعض الكوفيين إلى أنّ الحروف المشبهة بالفعل لا تكف عن العمل إذا اتصلت بها «ما» ، بل هي عاملة في «ما» ، وما بعدها الخبر ، تقديره : «إن امرأ زيد قائم» ، وذلك بناء على أنّ «ما» الكافة عنده نكرة مبهمة بمنزلة ضمير الشأن ، فتكون اسما والجملة بعدها خبرها ، مخالفا بذلك للجمهور القائلين بحرفيتها.

انظر شرح الرضي : ٢ / ٣٤٨ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٣٤٦ ، شرح اللمع لابن برهان : ١ / ٧٥ ، الهمع : ٢ / ١٩١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٧.

(٢) قال ابن مالك في التسهيل (٦٥) : «وتلي «ما» «ليت» فتعمل وتهمل ، وقلّ الإعمال في «إنما» وعدم سماعه في «كأنّما» و «لعلما» و «لكنما» ، والقياس سائغ». انتهى.

(٣) والزجاجي أيضا. انظر شرح الأشموني : ١ / ٢٨٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٢٥ ، الأصول لابن السراج : ١ / ٢٣٢ ، المفصل للزمخشري : ٢٩٣ ، الهمع : ٢ / ١٩١ ، جمل الزجاجي : ٣٠٤ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١٣٣ ، شرح المكودي : ١ / ١٠٧ ، شرح المرادي : ١ / ٢٤٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٧.

(٤) ونسب للفراء أيضا في الارتشاف وذلك لأنّ «ما» أزالت اختصاصها بالأسماء بخلاف «ليت» ، فإنّها باقية على اختصاصها ، ولذلك ذهب بعض النحويين إلى وجوب الإعمال في «ليت ولعل». وقال السيوطي : وعندي جواز الوجهين في «ليت» وإن قصرا على السماع ، وتعين الإلغاء في البواقي لعدم سماع الإعمال فيها.

انظر الكتاب : ١ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، الهمع : ٢ / ١٩١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٢٥ ، شرح المرادي : ١ / ٣٤٧ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٤٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٣٣ ، شرح الأشموني : ١ / ٣٤٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٧.

٢٥٦

وقيل : يسوغ القياس في «لعلّ» (١).

وقيل : فيها (٢) ، وفي «كأنّ» (٣).

فهذه أقوال أربعة.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وجائز رفعك م ـ عطوفا على

منصوب إنّ بعد أن تستكملا

وألحقت بإنّ لكنّ وأن

من دون ليت ولعلّ وكأن /

يعني : أنّه يجوز رفع المعطوف على اسم «إنّ» بشرط أن تستكمل خبرها نحو «إنّ زيدا قائم وعمرو».

وفهم من قوله : «جائز» أنّ النّصب أيضا جائز ، وهو الأصل ، وفهم من قوله : «بعد أن تستكملا» أنّه لا يجوز الرّفع في المعطوف على اسم «إنّ» قبل أخذها الخبر نحو «إنّ زيدا وعمرو قائمان».

وقوله :

وألحقت بإنّ لكنّ و (٤) أن

يعني : أنه يجوز أيضا رفع المعطوف على اسم «أنّ» المفتوحة «ولكنّ» بالشّرط المتقدّم.

فمثاله بعد «أنّ» قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ٣] ، وبعد : «لكنّ» قوله :

__________________

(١) وإليه ذهب الفراء ، لأنّها أقرب إلى «ليت» حتى قال بعضهم في قراءة : «فاطلع» : أنّ «لعل» ضمنت معنى «ليت». انظر الهمع : ٢ / ١٩١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٢٥. وفي الارتشاف (٢ / ١٥٧) : وذهب الفراء إلى أنّه لا يجوز كف «ما» لـ «ليت» ولا لـ «لعل» بل يجب إعمالها فتقول : «ليتما زيدا قائم ، ولعلما بكرا قادم».

(٢) أي : في «لعل».

(٣) وإليه ذهب الزجاج أيضا وابن أبي الربيع ، وذلك لقربهما من «ليت» لأن الكلام معهما صار غير خبر ، ويتعين الإلغاء في «أنّ ، وإنّ ، ولكنّ» ، وعزي هذا الرأي للأخفش ، ووجه باشتراك الثلاثة الأول في تغيير الجملة الابتدائية بخلاف الآخر ، فإنّهن لا يغيرن مع الابتداء.

انظر الهمع : ٢ / ١٩١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٢٥ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٣٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٧.

(٤) في الأصل : الواو. ساقط. انظر الألفية : ٤٩.

٢٥٧

٥٨ ـ ...

ولكنّ عمّي الطّيّب الأصل والخال

وإنّما ألحقت «أنّ ، ولكنّ» بـ «إنّ» المكسورة لأنهما لا يغيّران (٢) معنى الابتداء ، بخلاف البواقي.

ثمّ تمّم البيت بقوله :

من دون ليت ولعلّ وكأن

ولو استغنى عن ذلك لم يخلّ بالمعنى. ولكنّ الرّفع هنا بالعطف على موضع اسم «إنّ» والعطف على الموضع ضعيف ، وخصوصا في مسألتنا هذه ، لأنّ الرافع فيها الابتداء ، وقد زال بدخول النّاسخ.

والمحقّقون (٣) على أنّ رفع ذلك على أنه مبتدأ حذف خبره لدلالة خبر النّاسخ عليه ، فهو / من عطف جملة على جملة ، والتّقدير في المثال الأول :

وعمرو قائم ، وفي الثاني : ورسوله بريء ، وفي الثّالث : والخال الطّيّب الأصل ، أو على أنّه بالعطف على ضمير الخبر المستتر (وذلك إذا كان بينهما فاصل) (٤) ، فهو من عطف مفرد على مفرد ، لكنّه في المثال الأول : ضعيف ، لعدم الفصل ، وفي الآخرين لا ضعف فيهما ، لوجود الفصل ، أمّا في المثال الثّاني فبالجارّ والمجرور ، وأمّا في الثّالث فبالمضاف إليه.

ولم يشترط الكسائيّ وتلميذه الفرّاء استكمال الخبر (٥).

__________________

٥٨ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله ، وصدره :

وما قصرت بي في التّسامي خؤولة

التسامي : العلو والعراقة في النسب ، ويروى : «في المعالي». خؤولة : إما جمع خال ، أو على إرادة قولهم : «بيني وبين فلان خؤولة». والمراد : أنّه حصل للشاعر السؤدد من وجهين :

الأول : من قبل نفسه وهو دوام طلبه وسبقه إلى جميع الغايات التي يطلب الناس بها الشرف.

والثاني : عراقة نسبه في جهة أبيه وأمه. والشاهد في قوله : «والخال» بالرفع عطفا على محل اسم «ولكن» وذلك حملا على «إنّ» حيث أنّها استكملت خبرها. قال العيني : «ومذهب المحققين في نحو ذلك أن يكون مرفوعا بالابتداء ، محذوف الخبر». ـ وسيذكره المؤلف ـ.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٢٧ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣١٦ ، الهمع (رقم) : ١٦٧٨ ، الدرر اللوامع : ١ / ٢٨٧ ، أوضح المسالك : ٦٣.

(١) في الأصل : لأنّها لا تغير. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٨.

(٢) في الأصل : والمحقون. انظر التصريح : ١ / ٢٢٧.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٢٧.

(٤) تمسكا بنحو قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) فعطف (الصَّابِئُونَ)

٢٥٨

والفرّاء وحده (١) : كون العامل «إنّ ، وأنّ ، ولكنّ» ، بل أجازه في سائرها (٢).

ثم قال رحمه‌الله تعالى :

وخفّفت إنّ فقلّ العمل

وتلزم اللام إذا ما تهمل

وربّما استغني عنها إن بدا

ما ناطق أراده معتمدا

يعني : أنّ «إنّ» المكسورة إذا خفّفت قلّ عملها ، وذلك لزوال اختصاصها ، نحو قوله عزوجل : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ)(٣) [هود : ١١١] ، وفهم منه أنّ

__________________

بالرفع على محل (الَّذِينَ آمَنُوا) قبل استكمال الخبر وهو «من آمن بالله واليوم الآخر» ، وقول الشاعر :

فمن يك أمسى في المدينة رحله

فإنّي وقيّار بها لغريب

فعطف «قيار» بالرفع على محل ياء المتكلم ، قبل استكمال الخبر ، وهو «لغريب». وهذا مذهب الكوفيين ، ثم إنّهم اختلفوا بعد ذلك. فذهب الكسائي إلى جوازه في كل حال سواء كان يظهر فيه عمل «إنّ» أو لم يظهر وذلك نحو قولك : «إنّ زيدا وعمرو قائمان» و «إنّك وبكر منطلقان». وذهب الفراء إلى أنّه لا يجوز ذلك إلا فيما لم يظهر فيه عمل «إنّ».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٢٨ ، الإنصاف (مسألة : ٢٣) : ١ / ١٨٥ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٨٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٥١٢ ، شرح المرادي : ١ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٥٠ ، ٤٥٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٩ ، حاشية الخضري : ١ / ١٣٧ ، الهمع : ٥ / ٢٩١.

(١) أي : ولم يشترط الفراء وحده.

(٢) تمسكا بنحو قول الشاعر :

يا ليتني وأنت يا لميس

في بلد ليس به أنيس

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٧ ، شرح المرادي : ١ / ٣٤٩ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٨٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٣٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٥١٢ ، الهمع : ٥ / ٢٩٢.

(٣) هذا مذهب البصريين ، قال سيبويه : «وحدثنا من نثق به أنّه سمع من العرب من يقول : إنّ عمرا لمنطلق». انتهى. وذهب الكوفيون إلى أنّ المشددة لا تخفف أصلا ، و «أن» المخففة إنّما هي حرف ثنائي الوضع وهي النافية ، فلا عمل لها البتة ولا توكيد فيها ، واللام بعدها للإيجاب بمعنى «إلّا» ويجيزون دخولها على الفعل الناسخ وغيره. وذهب الكسائي إلى أنّها إن دخلت على الاسم كانت مخففة من المشددة عاملة ـ كما قال البصريون ـ وإن دخلت على الفعل كانت للنفي واللام بمعنى «إلّا» ـ كما قال الكوفيون ـ. وذهب الفراء إلى أنّ «إن» المخففة بمنزلة «قد» إلا أنّ «قد» تختص بالأفعال و «إن» تدخل عليها وعلى الأسماء. قال السيوطي : وكل ذلك لا دليل عليه ، ومردود بسماع الإعمال ، نحو (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ ، إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) قرئا بالنصب ، وسمع «إنّ عمرا لمنطلق». انتهى.

انظر الهمع : ٢ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ، الكتاب : ١ / ٢٨٣ ، الإنصاف (مسألة : ٢٤) : ١ / ١٩٥ ، الجنى الداني : ٢٠٩ ، شرح المرادي : ١ / ٣٥١ ، مغني اللبيب : ٣٦ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٥٨ ، شرح

٢٥٩

إهمالها هو الكثير كقوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤].

وقوله :

وتلزم اللام إذا ما تهمل

يعني : أنّها إذا خفّفت لزم خبرها اللام ، وإنّما لزمت للفرق بينها وبين «إن» النّافية ، و «أل» في «اللام» للعهد ، وهي التي تصحب / «إنّ» المشدّدة المتقدّم ذكرها (١) ، وفهم منه أنّها ليست غيرها خلافا للفارسيّ (٢).

وقوله :

وربّما استغني عنها ...

 ... البيت

يعني : أنه قد يستغنى عن اللام بعد «إن» المخفّفة إذا أمن اللّبس بينها (٣) وبين النافية بقرينة ، إمّا لفظيّة ، بأن يكون الخبر منفيّا نحو «إن زيدا لن يقوم» ، فيجب حينئذ ترك اللام ، كما قاله في المغني (٤) ، أو معنويّة بأن يعتمد

__________________

ابن عصفور : ١ / ٤٣٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣١ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦ ، شرح ابن يعيش : ٧ / ٧٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٤٩ ، ١٥٠.

(١) وهي لام الابتداء التي كانت مع المشددة لزمت للفرق بين «إن» التي هي لتأكيد النسبة وبين «إن» النافية ، وهو مذهب سيبويه والأخفشين الأوسط والصغير ، وأكثر نحاة بغداد ، وهو اختيار ابن الأخضر ، وابن عصفور ، وابن مالك.

انظر الكتاب : ١ / ٢٧٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٤٩ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٥٩ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٨٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٣٨ ، الهمع : ٢ / ١٨١.

(٢) وابن أبي العافية ، والشلوبين ، وابن أبي الربيع ، وابن برهان ـ أيضا ـ القائلين بأنّها غير لام الابتداء التي تجامع المشددة ، بل هي لام أخرى اجتلبت للفرق ، لأن تلك منوية التأخير من تقديم وهذه بخلافها ، إذ تدخل في الجملة الفعلية بخلاف تلك ، ولأن هذه يعمل ما قبلها فيما بعدها بخلاف تلك ، لا يقال : «إنّك قتلت لمسلما» ، ولأنّها تدخل على غير المبتدأ والخبر ومعموله من الفاعل والمفعول بخلاف تلك. وقيل : إن دخلت على الجملة الاسمية كانت لام الابتداء لزمت للفرق أو على الفعلية كانت غيرها فارقة.

انظر في ذلك المسائل المشكلة للفارسي (البغداديات) : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، شرح اللمع لابن برهان : ١ / ٦٩ ، الهمع : ٢ / ١٨١ ، شرح المكودي : ١ / ١٠٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٣٨ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٥٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٢ ، مغني اللبيب : ٣٠٦ ، ٣٠٥ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٨٨ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ١٠٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٤٩.

(٣) في الأصل : بينهما. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٨.

(٤) ومنه قول الشاعر :

إن الحقّ لا يخفى على ذي بصيرة

وإن هو لم يعدم خلاف معاند

انظر مغني اللبيب : ٣٠٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣١.

٢٦٠