شرح ابن طولون - ج ١

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

النّاطق بها على ذلك كقول الطّرمّاح (١) ـ بالحاء المهملة ـ :

٥٩ ـ أنا ابن أباة الضّيم من آل مالك

وإن مالك كانت كرام المعادن

فإنّ صدر البيت للإثبات والمدح ، فعلم أنّ «إن» في عجزه ليست للنّفي ، لئلا يتناقض صدر البيت وعجزه ، فلم يحتجّ إلى اللام الفارقة.

ثم قال رحمه‌الله تعالى :

والفعل إن لم يك ناسخا فلا

تلفيه غالبا بإن ذي موصلا

يعني : أنّ الفعل إذا وقع بعد «إن» المخفّفة لا يكون إلا من نواسخ الابتداء في الغالب ، وشرط النّاسخ : كونه غير ناف ، فخرج بذلك «ليس» ، وغير (٣) منفيّ ، فخرج بذلك «زال» وأخواتها ، و «ما كان» ، وغير صلة ، فخرج بذلك : «ما دام».

وكثر كونه مضارعا (ناسخا) (٤) ، نحو (وَ (٥) إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا)

__________________

(١) هو الطرماح بن حكيم بن الحكم بن نفر بن قيس بن جحد الطائي ، أبو نفر ، أبو ضبيعة ، شاعر إسلامي فحل ، ولد في الشام ونشأ فيها ، وانتقل إلى الكوفة فكان معلما فيها ، واعتقد مذهب الشراة من الأزارقة وكان معاصرا للكميت صديقا له ، لا يكادان يفترقان ، توفي في حدود سنة ١٢٥ ه‍ ، من آثاره ديوان صغير.

انظر جمهرة الأنساب : ٣٧٨ ، كشف الظنون : ٧٩٨ ، الخزانة : ٨ / ٧٤ ، الأعلام : ٣ / ٢٢٥ ، معجم المؤلفين : ٥ / ٤٠.

٥٩ ـ من الطويل للطرمّاح بن حكيم من قصيدة له في ديوانه (١٧٣) ، وبعده :

ذوي المأثرات الأوليّات واللهى

قديما وأكفاء العدوّ المزابن

ويروى : «ونحن أباة» بدل «أنا ابن أباة». أباة : جمع آب ، من أبى : إذا امتنع. الضيم : الظلم.

مالك الأول : اسم أبي القبيلة ، ومالك الثاني : منقول منه اسم القبيلة ، ولهذا قال : كانت كرام المعادن ، بتأنيث الفعل ، وصرفه للضرورة. كرام المعادن : أي كرام الأصول. والشاهد في قوله : «وإن مالك كانت» حيث ترك فيه اللام الفارقة ، والتقدير : وإن مالك لكانت ، لأنها لا تلبتبس هنا بـ «إن» النافية لظهور المعنى المراد بسبب وجود القرينة المعنوية ، وهو كون المقام مقام مدح وإثبات لا نفي.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤١ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٢٧٦ ، الهمع (رقم) : ٥٣٢ ، الدرر اللوامع : ١ / ١١٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٨٩ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٠٨ ، شواهد الجرجاوي : ٧٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٣٨ ، شرح ابن الناظم : ١٧٩ ، شرح المرادي : ١ / ٣٥٢ ، شرح دحلان : ٥٨ ، شواهد العدوي : ٧٧ ، البهجة المرضية : ٥٨ ، الجنى الداني : ١٣٤ ، المطالع السعيدة : ٢٣٠ ، تذكرة النحاة : ٤٣ ، شواهد التوضيح لابن مالك : ٥١ ، فتح رب البرية : ٢ / ٢٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٠.

(٢) في الأصل : وغيره. انظر التصريح : ١ / ٢٣١.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٣١.

(٤) في الأصل : الواو. ساقط. انظر التوضيح : ١ / ٢٣١.

٢٦١

[القلم : ٥١] ، (وَإِنْ نَظُنُّكَ / لَمِنَ الْكاذِبِينَ) [الشعراء : ١٨٦] ، وأكثر منه كونه ماضيا ناسخا ، نحو (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) [البقرة : ١٤٣] ، (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) [الصافات : ٥٦] ، (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) [الأعراف : ١٠٢].

وفهم من قوله : «غالبا» أنه قد يكون غير ناسخ ، كقول عاتكة (١) :

(٢) ـ شلّت يمينك إن قتلت لمسلما

 ...

ولا يقاس عليه ، خلافا للأخفش (٣)

__________________

(١) هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية ، شاعرة صحابية حسناء ، ذات خلق بارع ، من المهاجرات إلى المدينة ، تزوجها عبد الله بن أبي بكر الصديق ، ومات فرثته ، وتزوجها عمر بن الخطاب ـ وهو ابن عمها ـ فاستشهد فرثته ، فتزوجها الزبير بن العوام فقتل فرثته ، وخطبها علي بن أبي طالب ، فأرسلت إليه : إني لأضن بك عن القتل ، وبقيت أيما إلى أن توفيت.

انظر ترجمتها في الإصابة (كتاب النساء) ترجمة رقم : ٦٩٥ ، الخزانة : ١٠ / ٣٧٩ ، الأعلام : ٣ / ٢٤٢ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٢٧٨.

(٦٠) ـ من الكامل لعاتكة من قصيدة لها ترثي بها زوجها الزبير بن العوام رضي‌الله‌عنه ، وتخاطب قاتله وهو عمرو بن جرموز ، وعجزه :

وجبت عليك عقوبة المتعمّد

ويروى : «بالله ربك» بدل «شلت يمينك» ، ويروى أيضا : «هبلتك أمك» ، و «تالله ربك» ، بدل «شلت يمينك». ويروى : «لفارسا» بدل «لمسلما». ويروى «كتبت» ، و «حلت» بدل «وجبت». الشلل : بطلان الحركة. والشاهد في قولها : «إن قتلت لمسلما» حيث ولي «أن» المخففة فعل غير ناسخ للابتداء ، وهو نادر ولا يقاس عليه خلافا للأخفش والكوفيين ، والكثير أن يليها فعل ناسخ له ، نحو قوله : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً.)

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣١ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٢٧٨ ، أبيات المغني : ١ / ٨٩ ، ١١٦ ، شواهد المغني : ١ / ٨٩ ، الدرر اللوامع : ١ / ١١٩ ، التوطئة : ٢٣٤ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٧١ ، ٧٢ ، ٧٦ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٣٩ ، الخزانة : ١٠ / ٣٧٣ ، شواهد الجرجاوي : ٧٧ ، الإنصاف : ٦٤١ ، مغني اللبيب (رقم) : ٢١ ، شرح ابن الناظم : ١٨٠ ، شرح المرادي : ١ / ٣٥٣ ، الهمع (رقم) : ٥٣٣ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٩٠ ، معاني الأخفش : ٢ / ٤١٩ ، الجنى الداني : ٢٠٨ ، الإرشاد للكيشي : ١٣٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٣٨ ، المحتسب : ٢ / ٢٥٥ ، المقرب : ١ / ١١٢ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٥٨٧ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٠٩ ، البهجة المرضية : ٥٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٥٠٤ ، شرح دحلان : ٥٩ ، كاشف الخصاصة : ٨١ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٣٦٣ ، التبصرة والتذكرة : ١ / ٤٥٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٠.

(٢) فإنه أجاز القياس عليه ، فأجاز «إن قام لأنا ، وإن قعد لأنت» ، ووافقه ابن مالك في التسهيل ، فقال : «ويقاس على نحو «إن قتلت لمسلما» ، وفاقا للكوفيين والأخفش». انتهى.

انظر ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٠ ، التسهيل : ٦٥ ، معاني الأخفش : ٢ / ٤١٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣١ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٣٩ ، الهمع : ٢ / ١٨٣ ، مغني اللبيب : ٣٧ ، الجنى الداني : ٢٠٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٩٠ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ١٠٩.

٢٦٢

والكوفيين (١) ، ومحلّ الخلاف : ما إذا كان ماضيا غير ناسخ.

وأمّا إذا كان لا ماضيا ، ولا ناسخا ، كقولهم : «إن يزينك لنفسك ، وإن يشينك لهيه» (٢) فلا قياس عليه اتّفاقا (٣).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وإن تخفّف أنّ فاسمها استكن

والخبر اجعل جملة من بعد أن

وإن يكن فعلا ولم يكن دعا

ولم يكن تصريفه ممتنعا

فالأحسن الفصل بقد أو نفي أو

تنفيس أو لو وقليل ذكر لو

يعني : أنّ «أنّ» المفتوحة إذا خفّفت لم تهمل كما أهملت «إنّ» ، بل يستكنّ فيها اسمها ، وفهم عدم إهمالها من قوله : «فاسمها» ، فإنّه لا يطلق عليه اسمها إلّا وهي عاملة فيه.

وتجوّز في قوله : «استكن» ، وإنّما هو محذوف ، إذ لا يستكنّ الضّمير إلّا في الفعل أو ما جرى مجراه.

__________________

(١) هذا يوهم أنهم يجيزون تخفيف «إن» المكسورة ويدخلونها على نحو «قام وقعد» ، وذلك مخالف لقاعدتهم ، فإنهم لا يجيزون تخفيف «إن» المكسورة ، ويحملون ما ورد من ذلك على أن «إن» نافية بمنزلة «ما» واللام إيجابية بمنزلة «إلا» كما تقدم. ويمكن الاعتذار بأن ذكر الكوفيين مع الأخفش نظرا إلى موافقتهم له صورة ، لقياسهم أيضا على «إن قتلت لمسلما» ، وإن كان قياسهم عليه على وجه أن «إن» نافية ، واللام بمعنى «إلا» ، وقياس الأخفش عليه على وجه أن «إن» مخففة واللام لام الابتداء. أو يكون النقل عنهم اختلف ، حيث نقل عن بعضهم أن الكوفيين يجوزون تخفيف «إن».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٥٩ ، مغني اللبيب : ٣٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٣٨ ، الهمع : ٢ / ١٨٣ ، شرح ابن يعيش : ٧ / ٧٢ ، حاشية الصبان : ١ / ٢٩٠ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥١ ، حاشية يس : ١ / ٢٣٢.

(٢) حكاه الكوفيون ، ويروى : «إن تزينك لنفسك ، وإن تشينك لهيه» ، ويروى : «إن تشنيك لنفسك ، وإن تزينك لهيه». و «يزينك» بفتح الياء ، وكذا «يشين» وهما مرفوعان بضم النون ، و «إن» فيه مخففة من الثقيلة ، واللام لام الابتداء ، و «نفسك» فاعل يزينك. والمعنى : أن الإنسان لا يزينه إلا نفسه بفعل الطاعات ، ولا يشينه إلا هي بفعل المعاصي. والشاهد في «يزينك» حيث ولي «إن» وهو فعل مضارع غير ناسخ ، وهو أندر مما قبله.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٥٠٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٢ ، شرح المرادي : ١ / ٣٥٤ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٥٩ ، شرح ابن عقيل مع الخضري : ١ / ١٣٩ ، الهمع : ٢ / ١٨٣ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٠٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٠ ، شرح ابن الناظم : ١٨٠ ، كاشف الخصاصة : ٨١ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٧٦.

(٣) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٢.

٢٦٣

وقوله :

والخبر اجعل جملة من بعد أن

يعني : أنّ خبر «أن» بعد ذلك الاسم المستكنّ لا يكون إلّا جملة / ، فشمل الجملة الاسميّة والفعليّة ، وفهم منه : أنّه لا يكون مفردا.

وقوله :

وإن يكن فعلا ...

 ... إلى آخر المقالة

يشير إلى أن الخبر الذي ذكر أنّه يكون جملة إذا كان مصدّرا بفعل غير دعاء متصرّف ، فالأحسن أن يفصل بينه وبين «أن» بـ «قد» ، أو بأداة نفي ، أو بالسّين (١) ، أو بسوف ، وإليها أشار بقوله : «أو تنفيس أو لو».

أما «قد» فيفصل بها بينها وبين الماضي ، كقوله تعالى : (وَنَعْلَمَ)(٢) أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا (٣) [المائدة : ١١٣].

وأما النّفي فيكون بـ «لا» ، و «لن» ، ويفصل بهما بين «أن» والمضارع ، كقوله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا)(٤) يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ [طه : ٨٩] ، (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه) [القيامة : ٣].

وأما السّين وسوف فيفصل بهما بينهما وبين المضارع ، كقوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠] ، ومثله قولك : «علمت (أن) (٥) سوف يقدم زيد».

وأما «لو» فيفصل بها بين «أن» والماضي ، كقوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) [الجن : ١٦]. وقوله : «وقليل ذكر لو» أي (٦) : قليل من يذكرها من النّحويين ، لأنّ الفصل بها قليل.

وفهم من قوله : «فالأحسن» أنّه يجوز أن يأتي بغير فصل ، كقوله :

__________________

(١) السين عند البصريين أصل برأسه ، وذهب الكوفيون إلى أن أصلها «سوف» حذفت منها الواو والفاء تخفيفا لكثرة الاستعمال واختاره ابن مالك. انظر الإنصاف (مسألة ٩٢) : ٢ / ٦٤٦ ، الجنى الداني : ٥٩ ـ ٦٠ ، مغني اللبيب : ١٨٤.

(٢) في الأصل : وتعلم. انظر شرح المكودي : ١ / ١٩.

(٣) في الأصل : صدقنا. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٩.

(٤) في الأصل : أن. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٩.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٠.

(٦) في الأصل : أ. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٠.

٢٦٤

٦١ ـ علموا أن يؤمّلون (٢) فجادوا

 ...

والقياس : «علموا أن سيؤمّلون».

وفهم من سكوته عن الجملة الاسميّة : أنّه لا يفصل بينها وبين «أن» ، كقوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ / رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس : ١٠].

وفهم من اشتراطه في الفعل الشّروط المذكورة : أنّه لا يفصل بينهما إذا كان الفعل دعاء ، كقوله عزوجل : (وَ)(٣) الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها [النور : ٩](٤) ، أو غير متصرّف ، كقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩].

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وخفّفت كأنّ أيضا فنوي

منصوبها وثابتا أيضا روى

يعني : أنّ «كأنّ» تخفّف أيضا ولا تهمل ، وفهم عدم إهمالها من قوله : «فنوي منصوبها» ، فهي إذن كـ «أن» المفتوحة المخفّفة ، إلّا أنّ اسم «كأن» قد يكون منويّا ، وقد يكون ثابتا ، وفهم ذلك من قوله : «وثابتا أيضا روي» ، وفهم أيضا من كونه لم يشترط في خبرها أن يكون جملة ـ كما ذكر في («أن») (٥) ـ

__________________

٦١ ـ من الخفيف ولم أعثر على قائله ، وعجزه :

قبل أن يسألوا بأعظم سؤل

يؤملون : يرجون. جاد : تكرم. والسؤل : بمعنى المسؤول ، كما في قوله تعالى : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) أي : مسؤولك. والشاهد في قوله : «أن يؤملون» حيث وقع خبر «أن» المخففة من الثقيلة جملة فعلية فعلها غير متصرف وليس بدعاء ، ولم يفصل بينهما فاصل وهو قليل ، والكثير والقياس أن يأتي بالفاصل ، ويقول : «سيؤملون».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٣ ، شواهد الجرجاوي : ٧٩ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١١٠ ، المطالع السعيدة : ٢٣٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٥٠٠ ، الجامع الصغير : ٦٥ ، فتح رب البريّة : ٢ / ٣٩ ، شواهد العدوي : ١ / ٧٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٠ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٩٢ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٢٩٤ ، الهمع : ١ / ١٤٣ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٢٠ ، شرح المرادي : ١ / ٣٥٦ ، البهجة المرضية : ٥٩ ، شرح دحلان : ٥٩.

(١) في الأصل : سيؤملون. انظر المصادر المتقدمة.

(٢) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٠.

(٣) وذلك بتخفيف النون من «أن» ، وكسر الضاد وفتح الباء من «غضب» ورفع لفظ الجلالة على الفاعلية ، ورفع «الخامسة» على الابتداء ـ في قراءة نافع.

انظر حجة القراءات : ٤٩٦ ، النشر : ٢ / ٣٣٠ ، إتحاف فضلاء البشر : ٣٢٢ ، المبسوط في القراءات العشر : ٣١٧ ، البيان لابن الأنباري : ٢ / ١٩٣ ، إملاء ما منّ به الرحمن : ٢ / ١٥٤.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٠.

٢٦٥

أنّ خبرها يكون جملة ، ويكون مفردا لكن إن كان جملة اسمية لم تحتج لفاصل ، وإن كانت فعليّة فصلت بـ «لم» (١) ، أو «قد».

مثال ما إذا كانت الجملة اسميّة ، ولم تحتج إلى فاصل ـ قوله :

٦٢ ـ ...

كأنّ ثدياه حقّان

ف «ثدياه حقّان» مبتدأ وخبر في موضع رفع خبر «كأن» (٣) ، واسمها ضمير الشّأن محذوف ، أي : كأنه.

ومثال ما إذا كانت فعلية ، وفصلت بـ «لم» ـ قوله : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس : ٢٤] ، أو «قد» قوله :

__________________

(١) في الأصل : الباء. ساقط. انظر التصريح : ١ / ٢٣٥.

٦٢ ـ من الهزج ، من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها قائل ، وصدره :

وصدر مشرق النّحر

ويروى صدره بعدة روايات هي :

وصدر مشرق اللون

ونحر مشرق اللون

ووجه مشرق اللون

ووجه مشرق النّحر

وعلى رواية «ووجه» يكون في قوله : «كان ثدياه» مضاف محذوف ، أي : كأن ثديي صاحبه ، قال العيني : قد قدرنا المضاف في رواية «ووجه» فلا محذور حينئذ ، ولكن الأولى رواية «نحر أو صدر». انتهى. ويروى : «ثدييه» بدل «ثدياه» على الإعمال في الاسم الظاهر. النحر : موضع القلادة من الصدر. المشرق : المضيء. حقان : تثنية حقة ، وهي وعاء من خشب ، وتشبيه الثديين بالحقين في الاستدارة والصغر. والاستشهاد بالبيت على أن «كأن» المخففة إذا كان خبرها جملة اسمية لم تحتج إلى فاصل.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٤ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١١٠ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٠٥ ، الكتاب : ١ / ٢٨١ ، اللسان (أنن) ، شواهد الأعلم : ١ / ٢٨١ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٨٢ ، المنصف : ٣ / ١٢٨ ، الإنصاف : ١٩٧ ، شذور الذهب : ٢٨٥ ، شرح ابن الناظم : ١٨٤ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٥٩٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٥٧ ، الهمع (رقم) : ٥٣٩ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٢٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤١ ، شواهد الجرجاوي : ٨٠ ، الجنى الداني : ٥٧٥ ، أبيات المغني : ٥ / ١٩٧ ، معاني الأخفش : ٢ / ٣٤١ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٢٣٧ ، ٢ / ٣ ، التوطئة : ٢٣٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٩٣ ، الخزانة : ١٠ ، ٣٩٨ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٥٤ ، الإفصاح للفارقي : ٣٤٧ ، الأصول : ١ / ٢٤٦ ، فتح رب البرية : ٢ / ٤٠ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٤.

(٢) في الأصل : كاد. انظر التصريح : ١ / ٢٣٤.

٢٦٦

٦٣ ـ ...

 ... فمحذورها كأن قد ألمّا

ومثاله مفردا :

٦٤ ـ ...

كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم /

__________________

٦٣ ـ من الخفيف ، ولم أعثر على قائله ، وتمامه :

لا يهولنك اصطلاء لظى الحر

ب ، فمحذورها كأن قد ألمّا

لا يهولنك : لا يفزعنك. قوله : «اصطلاء» من أصلاه بالنار : أدخله إياها وأثواه فيها (اللسان ـ صلا). لظى الحرب : نارها. ومحذور الحرب : الذي يتحرز منه ، وقد يكون المحذور الفزع بعينه. ألم : نزل. والمعنى : أنه يشجعه ويصبره على الثبات في الحرب والدخول فيها ، ويقول له : لا تفزع من دخول نار الحرب فإن الذي كنت تخافه وتحذره قد وقع ، فلا فائدة في التحرز والامتناع. والشاهد في قوله : «كأن قد ألما» ، وذلك أنه لما حذف اسم «كأن» ، وكان خبرها جملة فعلية فصلت بكلمة «قد».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٠٦ ، شذور الذهب : ٢٨٦ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٩٤ ، أوضح المسالك : ٦٧ ، الجامع الصغير : ٦٥ ، فتح رب البرية : ٢ / ٤٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٤.

٦٤ ـ من الطويل ، اختلف في نسبته لقائله ، فنسب في اللسان (قسم) لباعث (وقيل : باغت) ابن صريم اليشكري ، وقال : «ويقال : هو كعب بن أرقم اليشكري ، قاله في امرأته وهو الصحيح». ونسب في الإنصاف لزيد بن أرقم ، ونسب في الأصمعيات لعلباء بن أرقم اليشكري ، وقيل : هو لراشد بن شهاب اليشكري ، وقيل : هو لابن أصرم اليشكري وصدره :

ويوما توافينا بوجه مقسّم

ويروى : «تلاقينا» بدل «توافينا» ، ويروى : «ناضر» بدل «وارق». والناضر : الحسن. توافينا : تأتينا. مقسم : أي محسن جميل. تعطو : تتناول. قال العيني : «وكأنه ضمنه معنى «تميل» أي : تميل في مرعاها إلى كذا ، فلذلك عداه بـ «إلى». انتهى. ووارق السلم : شجر له شوك تحبه الظباء ، فإذا رأته أسرعت إليه بوجه حسن. والمعنى : ربّ يوم تأتينا فيه تلك المرأة بوجه حسن كظبية تأتي إلى هذه الشجرة وتتناول من أوراقها. والشاهد في قوله : «كأن ظبية» حيث خفف «كأن» وحذف اسمها ، وجاء خبرها مفردا.

انظر الكتاب : ١ / ٢٨١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٤ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٠١ ، ٣٨٤ ، شواهد الأعلم : ١ / ٢٨١ ، الإنصاف : ٢٠٢ ، شواهد ابن السيرافي : ١ / ٢٩٣ ، ٣ / ٢٨٦ ، شرح ابن الناظم : ١٨٣ ، الهمع (رقم) : ٥٤٠ ، الدرر اللامع : ٢ / ١٢ ، ١٢١ ، شرح المرادي : ١ / ٣٥٨ ، ٤ / ١٨١ ، جواهر الأدب : ٢٤٠ ، الجنى الداني : ٥٧٦ ، أبيات المغني : ١ / ١٥٨ ، ٥ / ١٩٧ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٨٢ ، ٨٣ ، المقرب : ١ / ١١١ ، ٢ / ٢٠٣ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٣٧ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٥٩٦ ، التوطئة : ٢٣٨ ، شواهد ابن النحاس : ٦٠ ، ١٩٨ ، المنصف : ٣ / ١٢٨ ، مغني اللبيب (رقم) : ٤١ ، شذور الذهب : ٢٨٤ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١١٠ ، البهجة المرضية : ٥٩ ، كاشف الخصاصة : ٨٣ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٥٥ ، الأصول : ١ / ٢٤٥ ، نتائج الفكر : ٢٥٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٤.

٢٦٧

وفهم من اقتصاره على «إنّ وأنّ ، وكأنّ» : أن باقيها لا يكون فيها هذا الحكم.

أما «ليت ، ولعلّ» ، فلا يخفّفان (١).

وأمّا «لكن» فتهمل (٢) وجوبا ، نحو (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ)(٣) [الأنفال : ١٧] ، وعن يونس والأخفش جواز الإعمال قياسا (٤).

__________________

(١) وقال الفارسي : تخفف «لعل» ، وتعمل في ضمير الشأن محذوفا. انظر المسائل البصرية : ١ / ٥٥٢ ، الهمع : ٢ / ١٨٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٥.

(٢) في الأصل : تهمل.

(٣) وذلك بتخفيف النون من «لكن» ورفع لفظ الجلالة «الله» ، على قراءة حمزة والكسائي وابن عامر وخلف. وقرأ الباقون بتشديد النون ونصب لفظ الجلالة.

انظر حجة القراءات : ٣٠٩ ، النشر في القراءات العشر : ٢ / ٢١٩ ، المبسوط في القراءات العشر : ١٣٤ ، إتحاف فضلاء البشر : ٢٣٦.

(٤) وردّ بأنه غير مسموع. وحكي عن يونس أنه حكاه عن العرب.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٥ ، شرح المرادي : ١ / ٣٦٠ ، مغني اللبيب : ٣٨٥ ، الجنى الداني : ٥٠٨٦ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٩٤ ، الهمع : ٢ / ١٨٩ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٦٠ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٨١ ، حاشية الخضري : ١ / ١٤١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥١.

٢٦٨

الباب الثاني عشر

«لا» التي لنفي الجنس

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

«لا» الّتي لنفي الجنس

عمل إنّ اجعل للا في نكرة

مفردة جاءتك أو مكرّره

يعني : «لا» الّتي لنفي الجنس تعمل عمل «إنّ» تنصب الاسم ، وترفع الخبر ، نحو «لا غلام سفر حاضر» (١) ، وإنّما عملت عمل «إنّ» في الإيجاب ، إذ «إنّ» توكيد للإيجاب ، و «لا» توكيد للنّفي ، ولمّا كان عملها بالحمل على «إنّ» ضعفت فلم تعمل إلّا في نكرة ، ولذلك قال : «في نكره».

وقوله : «مفردة جاءتك» مثاله ما تقدّم ، «أو مكرّره» نحو «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ، إلّا أنّ عمل المفردة واجب ، وعمل المكرّرة (٢) جائز ، وسيأتي.

ولا تعمل إلّا بشرط أن تكون نافية لا زائدة ، وأن يكون المنفيّ فيها الجنس بأسره ، وأن يكون نفيه نصّا ، وأن لا يدخل عليها جارّ ، وأن يكون اسمها نكرة متصلة بها ، وأن يكون خبرها أيضا نكرة.

فإن كانت غير نافية لم تعمل في الأسماء شيئا ، وشذّ إعمال «لا» (٣) الزائدة في قول الفرزدق :

__________________

(١) هذا مذهب الأخفش والأكثرين. وذهب سيبويه إلى أنّه خبر ابتداء ، لأنّ «لا» مع ما بعدها بمنزلة المبتدأ ، ولم تعمل فيه «لا» شيئا. قال ابن عصفور : وهو الصحيح.

انظر الكتاب : ١ / ٣٤٥ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٧٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٦٣ ، مغني اللبيب : ٣١٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٦ ، شرح الرضي : ١ / ١١١ ، شرح ابن يعيش : ١ / ١٠٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٦٥.

(٢) في الأصل : والمكررة. انظر شرح المكودي : ١ / ١١١.

(٣) في الأصل : إلّا. انظر التصريح : ١ / ٢٣٧.

٢٦٩

٦٥ ـ لو لم / تكن غطفان لا ذنوب لها

إذن للام ذوو (٢) أحسابها عمرا

ولو كانت لنفي الوحدة عملت عمل «ليس» ، نحو «لا رجل قائما ، بل رجلان» ، وكذا إن أريد بها نفى (٣) الجنس لا على سبيل التّنصيص ، بل على سبيل الظّهور نحو «لا رجل قائما» ، ويمتنع أن يقال بعده : «بل رجلان».

وإن دخل (عليها) (٤) الخافض خفض النّكرة نحو «جئت بلا زاد» ، وشذّ «جئت بلا شيء» بالفتح (٥).

وإن كان الاسم معرفة أو منفصلا منها أهملت (٦) خلافا لأبي عثمان ، فإنّه أجاز فيها أن تعمل مع فصلها ، ولكنّه لا يبني (٧) ، ووجب عند غير المبرّد وابن

__________________

٦٥ ـ من البسيط للفرزدق في ديوانه (٢٨٣) من قصيدة له يهجو بها عمر بن هبيرة الفزاري ، وكان أميرا إذ ذاك ، ثم حبس ، فمدحه في الحبس ، فقال : ما رأيت أشرف من الفرزدق هجاني أميرا ومدحني أسيرا ، وقبله (وهو أول القصيدة) :

يا أيّها النّابح العاوي لشقوته

إليك أخبرك عمّا تجهل الخبرا

ويروى : «إذن لزار» بدل «إذن للام» ، ويروى : «إلى لامت» و «إلى لام» بدل «إذن للام».

غطفان : اسم قبيلة ، وصرفها للضرورة. اللوم : العزل. الحسب : ما يعد من المآثر ، وقال الأزهري : الحسب الشرف الثابت له ولآبائه. عمرا : أراد به عمر بن هبيرة. والمعنى : لو كانت غطفان غير مسيئة إليّ لعذل أشرافها عمر بن هبيرة في تعرضه لي ، ومنعوه عني.

والشاهد في قوله : «لا ذنوب لها» فإنّ «لا» ههنا زائدة ، وعملت عمل غير الزائدة شذوذا ، فـ «ذنوب» اسمها ، و «لها» خبرها ، وأصل الكلام : لو لم تكن غطفان لها ذنوب ، وجملة «لها ذنوب» من الخبر المقدم والمبتدأ في محل نصب حال.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٧ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٢٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤ ، الخزانة : ٤ / ٣٠ ، الخصائص : ٢ / ٨٧ ، الهمع (رقم) : ٥٦٠ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٢٧ ، أوضح المسالك : ٦٧ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٥٨ ، شرح الرضي : ١ / ٢٥٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٦٨.

(١) في الأصل : ذو. انظر التصريح : ١ / ٢٣٧.

(٢) في الأصل : نفس. انظر التصريح : ١ / ٢٣٧.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٣٧.

(٤) على الإعمال والتركيب. ووجهه أنّ الجار دخل بعد التركيب نحو «لا خمسة عشر» ، وليس حرف الجر معلقا ، بل «لا» وما ركب معها في موضع جر ، لأنّهما جريا مجرى الاسم الواحد.

قاله ابن جني ، وقال في موضع آخر : إن «لا» نصبت «شيء» ولا خبر لها لأنّها صارت فضلة ، نقله عن أبي علي وأقره. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٧.

(٥) في الأصل : أعملت. انظر التصريح : ١ / ٢٣٧.

(٦) وإليه ذهب الرماني أيضا. وخلافا للكسائي ، حيث أنّه أجاز إعمالها في العلم المفرد مع البناء ، نحو «لا زيد» ، والمضاف لكنية نحو «لا أبا محمد» ، أو «لله ، أو الرحمن ، أو العزيز» ، نحو «لا عبد الله ، ولا عبد الرحمن ، ولا عبد العزيز» ، وهو مذهب الكوفيين. ووافقه الفراء في «لا عبد الله» ، قال : لأنّه حرف مستعمل ، يقال لكل أحد «عبد الله» ، وخالفه في ـ

٢٧٠

كيسان تكرارها في الصّورتين ، نحو «لا زيد في الدار ولا عمرو» ، ونحو (لا فِيها غَوْلٌ ، وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ)(١) [الصافات : ٤٧].

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

فانصب بها مضافا أو مضارعه

وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه

ووكّب المفرد (٢) فاتحا كلا

حول ولا قوّة والثّان اجعلا

مرفوعا أو منصوبا أو مركّبا

وإن رفعت أولا لا تنصبا

النّكرة التي تعمل فيها «لا» على ثلاثة أقسام : مضافة ، ومشبّهة بالمضاف ، ومفردة ، وقد أشار إلى الأوّل والثّاني بقوله :

فانصب بها مضافا او مضارعه

يعني : أنّها تنصب المضاف والمشبّه بالمضاف ، فهما معربان اتّفاقا (٣) ، والمراد بالمشبّه / بالمضاف : ما اتّصل به شيء من تمام معناه.

فمثال المضاف : «لا غلام رجل في الدّار» ، ومثال المشبّه به : «لا طالعا جبلا عندك» ، و «لا مارّا بزيد في الدّار» ، و «لا حسنا وجهه».

__________________

الأخيرين ، لأنّ الاستعمال لم يلزم فيهما ، كما لزم «عبد الله» والكسائي : قاسهما عليه. وجوز الفراء إعمالها في ضمير الغائب واسم الإشارة نحو «لا هو» و «لا هي» و «لا هذين لك ، ولا هاتين لك». وكل ذلك خطأ عند البصريين.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٦ ، الهمع : ٢ / ١٩٤ ـ ١٩٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٧٠ ـ ١٧١.

(١) أما في المعرفة فجبرا لما فاتها من نفي الجنس ، وأمّا في الانفصال فتنبيها بالتكرير على كونها لنفي الجنس ، لأن نفي الجنس تكرار للنفي في الحقيقة. وأمّا المبرد وابن كيسان فإنّهما أجازا عدم التكرار في الموضعين ، كقوله :

بكت أسفا واسترجعت ثمّ آذنت

ركائبها أن لا إلينا رجوعها

وقوله :

لا أنت شائية من شأننا شاني

وذلك عند الجمهور ضرورة.

انظر المقتضب : ٤ / ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، ٣٦١ ، الكتاب : ٢ / ٢٩٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٧ ، جواهر الأدب : ٢٩١ ، شرح الرضي : ١ / ٢٥٨ ، الهمع : ٢ / ٢٠٧ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٦٩ ، حاشية الصبان : ٢ / ٤ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٠٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٧٢.

(٢) في الأصل : بالمفرد. انظر الألفية : ٥١.

(٣) نحو «لا غلام سفر حاضر» ، و «لا طالبا علما ممقوت». وجوز البغداديون في الشبيه بالمضاف ترك تنوينه حملا له في هذا على المضاف ، كما حمل عليه في الإعراب.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٠ ، حاشية الصبان : ٢ / ٦.

٢٧١

وإنّما سمّي مشبّها بالمضاف لعمله فيما بعده كالمضاف.

وقوله :

وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه

أي : بعد نصبك الاسم اذكر الخبر حال كونك رافعا له ، مثاله : «لا ظالم رجل محمود ، و (١) لا طالب علم محروم» (٢).

وفهم من قوله : «بعد ذاك» أنّ الخبر لا يجوز تقديمه على الاسم.

ثمّ أشار إلى الثّالث بقوله : «وركّب المفرد فاتحا». المراد (بالمفرد) (٣) في هذا الباب ما ليس بمضاف ، ولا مشبّه به ، ويبنى على الفتح سواء كان مفردا لفظا ومعنى (٤) ، نحو «لا رجل» ، أو لفظا لا معنى نحو «لا قوم» ، أو جمع تكسير ، نحو «لا رجال» (٥) ، وإلى ذلك أشار بقوله : «فاتحا» ، أي : ركّب مع اسمها في حال كونك فاتحا له.

ويبنى على الفتح أو على الكسر (إن كان جمعا بألف وتاء مزيدتين) (٦) كقول سلامة (٧) :

__________________

(١) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٢.

(٢) انظر شرح المكودي : ١ / ١١٢.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر : شرح المكودي : ١ / ١١٢.

(٤) في الأصل : أو معنى. راجع التصريح : ١ / ٢٣٨.

(٥) هذا مذهب البصريين. وسبب بنائه عند سيبويه والجماعة تركيبه مع «لا» تركيب خمسة عشر. وقيل : لتضمنه معنى «من». وقيل : لتضمنه معنى اللام الاستغراقية. وذهب الكوفيون والزجاجي والجرمي والسيرافي والرماني إلى أن الاسم المفرد النكرة المنفي بـ «لا» معرب منصوب بها ، وحذف التنوين منه تخفيفا لا بناء.

انظر الإنصاف (مسألة : ٥٣) : ١ / ٣٦٦ ، الكتاب : ١ / ٣٤٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٩ ، شرح المرادي : ١ / ٣٦٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٢ ، الهمع : ٢ / ١٩٩ ، مغني اللبيب : ٣١٤ ، الجنى الداني : ٣٩٠ ـ ٢٩١ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٥٩٩ ، ٦٠٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٥٢٢ ، شرح الرضي : ١ / ٢٥٦ ، شرح ابن يعيش : ١ / ١٠٦.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٣٨. وذلك خلافا للمازني وابن عصفور في التزام فتحه. وقال ابن مالك في التسهيل : «والفتح في نحو «ولا لذات للشيب» أولى من الكسر». انتهى. وقيل : يجب فيه البناء على الكسر ، لأنّه علامة نصبه.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٩ ، التسهيل : ٦٧ ، الهمع : ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٢ ـ ١٤٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ٨ ، شرح المرادي : ١ / ٣٦٤ ، شرح الرضي : ١ / ٢٥٦ ، مغني اللبيب : ٣١٤ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٧٢.

(٧) هو سلامة بن جندل بن عبد عمرو ، من بني كعب بن سعد التميمي ، أبو بكر ، وأبو مالك ،

٢٧٢

٦٦ ـ إنّ الشّباب الّذي مجد (٢) عواقبه

فيه نلذّ ولا لذّات للشّيب

روي بكسر تاء «لذّات» وفتحها.

ويبنى (٣) على الياء إن كان مثنى أو مجموعا على حدّه (٤) ، كقوله :

٦٧ ـ تعزّ فلا إلفين بالعيش متّعا

 ...

__________________

شاعر جاهلي من الفرسان ، من أهل الحجاز ، في شعره حكمة وجودة ، يعد من طبقة المتلمس ، وهو من وصاف الخيل ، توفي في حدود سنة ٢٣ ق. ه ، وله ديوان شعر صغير. انظر ترجمته في سمط اللآلئ : ٤٩ ، ٤٥٤ ، شعراء النصرانية لشيخو : ٤٨٦ ، الخزانة : ٤ / ٢٩ ، الأعلام : ٣ / ١٠٦ ، معجم المؤلفين : ٤ / ٢٣٦.

٦٦ ـ من البسيط لسلامة في ديوانه (٧) ، وقبله :

ولّى حثيثا وهذا الشّيب يطلبه

لو كان يدركه ركض اليعاقيب

ويروى : «أودى الشباب» بدل «إنّ الشباب» ، ويروى أيضا : «ذاك الشباب». قوله : «مجد عواقبه» أي : آخر الشباب محمود ممجد إذا حل الشيب ذكر الشباب ، فحمد الشباب لذمه. والشيب : جمع أشيب ، هو المبيض الرأس. والشاهد في قوله : «ولا لذات» حيث يجوز في اسم «لا» ـ وهو «لذات» ـ البناء على الفتح والكسر جميعا ، لأنّه جمع بألف وتاء ، وذهب ابن مالك في التسهيل إلى أنّ الفتح في ذلك أشهر.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٨ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٢٦ ، الخزانة : ٤ / ٢٧ ، شذور الذهب : ٨٥ ، شواهد الفيومي : ٢٤ ، الهمع (رقم) : ٥٥٨ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٢٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٨ ، المفضليات : ١٢٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٣ ، شواهد الجرجاوي : ٨١ ، شرح المرادي : ١ / ٣٦٤ ، أوضح المسالك : ٦٨ ، شواهد العدوي : ٨١ ، المطالع السعيدة : ٧٧ ، التسهيل : ٦٧ ، فتح رب البرية : ٢ / ٥١.

(١) في الأصل : نجد. انظر التصريح : ١ / ١٣٨.

(٢) في الأصل : وبنى. فإنّه قال قبل : «ويبنى على الفتح».

(٣) وذهب المبرد إلى أنّهما معربان لأنّه لم يعهد فيهما التركيب مع شيء آخر ، بل ولم يوجد في كلام العرب مثنى وجمع مبنيان. ونقض بأنّه قال ببنائهما في النداء ، فكذا هنا.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٩ ، المقتضب : ٤ / ٣٦٦ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٧٢ ، شرح الأشموني : ١ / ٨ ، شرح المرادي : ١ / ٣٦٥ ، الهمع : ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٢ ، مغني اللبيب : ٣١٣ ـ ٣١٤.

٦٧ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله ، وعجزه :

ولكن لورّاد المنون تتابع

تعزّ : تسل وتصبر. إلفين : تثنية إلف ، وهو الذي تألفه. الورّاد : جمع وارد. المنون : الموت. والشاهد في قوله «إلفين» حيث جاء اسما لـ «لا» النافية للجنس ، وهو مثنى ، فبني على ما كان ينصب عليه ، وهو الياء.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٩ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٣٣ ، شذور الذهب : ٨٣ ، شواهد الفيومي : ٢٣ ، الهمع (رقم) : ٥٥٥ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٢٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٧ ، شرح ابن الناظم : ١٨٦ ، أوضح المسالك : ٦٨ ، الجامع الصغير : ٦٩.

٢٧٣

وقوله :

٦٨ ـ يحشر النّاس لا بنين ولا آ

باء ...

ثمّ أتى بمثال «لا» فيه مكرّرة فقال : «كلا حول ولا قوّة» ، وقد تقدّم أنّ «لا» إذا تكرّرت كان عملها جائزا / (٢) لا واجبا ، ولذلك قال :

 ...

 ... والثّان اجعلا

مرفوعا أو منصوبا او مركّبا

وإن رفعت أوّلا لا تنصبا

فهذه خمسة أوجه :

الأوّل : فتحهما معا ، وهو المستفاد من المثال.

الثّاني : فتح الأول ، ورفع الثاني ، وهو المستفاد من قوله : «والثّان اجعلا مرفوعا».

الثّالث : فتح الأوّل ، ونصب الثّاني ، وهو المستفاد من قوله : «أو منصوبا».

فهذه ثلاثة أوجه في الثّاني ، مع فتح الأوّل.

الرّابع : رفع الأوّل والثّاني.

الخامس : رفع الأول ، وبناء الثّاني على الفتح ، وهما مستفادان من قوله :

وإن رفعت أوّلا لا تنصبا

فنهى عن نصب الثّاني مع رفع الأوّل ، وبقي رفعه وبناؤه على الفتح.

ووجه (٣) فتحهما : أنّهما مبنيان مع «لا» ، ووجه نصب الثّاني : أنّه معطوف على موضع اسم «لا» ، ووجه رفعه : أنّه مبتدأ محذوف الخبر ، أو معطوف على «لا» مع اسمها ، لأنّهما في موضع رفع بالابتداء ، أو على إعمال «لا» عمل

__________________

٦٨ ـ من الخفيف ، ولم أعثر على قائله ، وتمامه :

يحشر النّاس لا بنين ولا آ

باء إلّا وقد عنتهم شؤون

الحشر : الجمع ، وصار في عرف الشرع البعث من القبور. عنتهم : أهمتهم. الشؤون : جمع شأن ، وهو الخطب. والشاهد في قوله : «لا بنين» حيث جاء اسما لـ «لا» وبنى على الياء لكونه مجموعا على حد مثناه.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣٩ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٣٤ ، شذور الذهب : ٨٤ ، شواهد الفيومي : ٢٤ ، الهمع : ١ / ١٤٦ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٢٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٧ ، شرح ابن الناظم : ١٨٧ ، أوضح المسالك : ٦٨ ، الجامع الصغير : ٦٩.

(١) في الأصل : جائز. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٢.

(٢) في الأصل : وجه. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٢.

٢٧٤

«ليس» ، ووجه رفع الأوّل والثّاني : أنّهما مبتدآن ، أو أعملت «لا» عمل «ليس» ، ووجه رفع الأوّل وفتح الثّاني : (أنّ) (١) الأوّل مبتدأ ، أو اسم «لا» إن أعملت عمل «ليس» ، والثّاني مبنيّ مع «لا».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ومفردا نعتا لمبنيّ يلي

فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل

يعني : أنّه يجوز في نعت اسم «لا» المبنيّ على الفتح ثلاثة / أوجه : فتحه ، ونصبه ، ورفعه ، وذلك بشرطين :

الأوّل : أن يكون مفردا ، وذلك مفهوم من قوله : «ومفردا».

الثّاني : أن يكون متّصلا بالمنعوت ، وذلك يفهم من قوله : «يلي» ، أي : يلي المنعوت ، فتقول : «لا رجل قائم ، وقائما ، وقائم» ، فوجه الفتح تركيب الصّفة مع الموصوف ، ووجه النّصب (الحمل) (٢) على موضع اسم «لا» ، ووجه (٣) الرّفع الحمل على موضع «لا» واسمها.

ولا فرق في النّعت بين المشتقّ ـ كما مرّ ـ والجامد المنعوت بمشتقّ ، ومنه «لا ماء ماء باردا عندنا» ، لأنّه يوصف بالاسم الجامد إذا وصف ، كـ «مررت برجل رجل عاقل» ، والقول بأنّه توكيد لفظي أو بدل ـ خطأ ، لأنّ «الماء» الثّاني لمّا وصف تقيّد بقيد خرج عن كونه مرادفا للأوّل ، فلا يصحّ كونه توكيدا (له ، ولا بدلا) (٤) منه ، لعدم مساواته للأوّل.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وغير ما يلي وغير المفرد

لا تبن وانصبه أو الرّفع اقصد

أشار في هذا البيت إلى مسألتين :

الأولى : أن يكون اسم «لا» مبنيا على الفتح ، والنّعت مفردا ، إلّا أنّه مفصول بينهما.

الثّانية : أن يكون النعت يلي المنعوت ، إلّا أنّ أحدهما غير مفرد ، أي : مضاف.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٢.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٣.

(٣) في الأصل : وجه. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٣.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٤٤.

٢٧٥

فمثال الأوّل : «لا رجل في (الدّار) (١) ظريفا ، أو ظريف» ، ولا يجوز البناء للفصل بينهما.

ومثال الثّاني : «لا غلام سفر ظريفا عندنا» ، و «لا رجل قبيحا / فعله عندنا» ، فالفتح فيه أيضا ممتنع لمكان الإضافة ولأنّه يستدعي التركيب ، وهم لا يركّبون ما زاد على كلمتين.

ووجه (٢) النّصب فيهما (الحمل) (٣) على اللفظ ، لأنّ المبنيّ هنا شبيه بالمعرب ، بل الإعراب أصله ، ووجه الرّفع حمله على موضع «لا» مع اسمها.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والعطف إن لم تتكرّر لا احكما

له بما للنّعت ذي الفصل انتمى

يعني : أنّه إذا عطفت على اسم «لا» المبنيّ ، ولم تتكرّر «لا» ـ جاز في المعطوف ما جاز في النّعت المفصول ، وهو النّصب والرّفع ، وامتنع البناء على الفتح ، لفصل العاطف ، فتقول : «لا رجل وامرأة» بالنّصب ، و «امرأة» بالرّفع.

وسكت النّاظم عن البيان والتّوكيد المعنويّ بناء على أنّهما لا يتبعان نكرة.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وأعط لا مع همزة استفهام

ما تستحقّ دون الاستفهام

يعني : أنّ حكم «لا» إذا دخلت (٤) عليها همزة الاستفهام كحكمها إذا لم تدخل عليها من عمل في اللفظ نحو «ألا غلام سفر حاضر» بنصب «غلام» لا غير ، ومن تركيب نحو «ألا رجل في الدّار» بفتح «رجل» لا غير ، وتكرار نحو «ألا رجوع ، وألا (حباء)» (٥) بالأوجه الخمسة.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٣.

(٢) في الأصل : وجه. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٣.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٣.

(٤) في الأصل : ذا خلت. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٤.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٤٤. والحباء : ما يحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به ، يقال : حبا فلانا حبوا وحبوة : أعطاه بلا جزاء ولا من ، ومنه حديث صلاة التسبيح : «ألا أمنحك ألا أحبوك».

انظر تهذيب اللغة للأزهري : ٥ / ٢٦٦ (حبو) ، تاج العروس : ١٠ / ٨١ (حبو) ، اللسان : ٢ / ٧٦٦ (حبا).

٢٧٦

وفي إطلاق النّاظم الاستحاق في جميع الوجوه نظر (١) ، لأنّه قد يحدث فيها إذا دخلت عليها الهمزة : الإنكار التّوبيخيّ ، كقوله / :

٦٩ ـ ألا ارعواء لمن ولّت شبيبته

 ...

وهو الغالب ، والتّمنّي ، (كقوله) (٣) :

٧٠ ـ ألا عمر ولّى مستطاع رجوعه

 ...

__________________

(١) تبع المؤلف في ذلك المرادي والمكودي ، قال المرادي : فاعلم أنّ كلام المصنف مناقش من وجهين : أحدهما : أنّه أطلق فشمل التي للعرض. فإن قلت : فلعله يقول بأنّها غير مركبة من الهمزة و «لا» فلم يشملها الإطلاق. قلت : قد استثناها في الكافية والتسهيل ، فدل على أنّها عنده مركبة. والآخر : أنّ مقتضى كلامه هنا موافقة المازني والمبرد في تسوية التي للتمني بالتي للتوبيخ والإنكار والتي لمجرد الاستفهام ، وهو خلاف ما ذهب إليه في غير هذا الكتاب. انتهى.

انظر شرح المرادي : ١ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١١٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٥٣٢ ـ ٥٣٣ ، التسهيل : ٦٩.

٦٩ ـ من البسيط ، ولم أعثر على قائله ، وعجزه :

وآذنت بمشيب بعده هرم

الارعواء : الانكفاف عن القبيح. ولى : ذهب. آذنت : أعلمت. قوله : «بمشيب» قيل : هو دخول الرجل في حد الشيب ولو لم يشب ، وقيل : الشيب بالفعل ، وهو بياض الشعر. هرم : كبر. والشاهد في قوله «ألا ارعواء» حيث قصد بـ «لا» التي لنفي الجنس مع الهمزة : الاستفهام التوبيخي والانكار ، مع إبقاء عملها.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٦٠ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٠٨ ، الهمع (رقم) : ٥٦٤ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٢٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٤ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٦ ، شواهد الجرجاوي : ٨٤ ، أبيات المغني : ٢ / ٩٢ ، شرح ابن الناظم : ١٩٢ ، شواهد العدوي : ٨٤ ، شواهد المغني : ١ / ٢١٢ ، شرح دحلان : ٦١ ، أوضح المسالك : ٧٠ ، المطالع السعيدة : ٢٣٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٧٧.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٤٥.

٧٠ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله ، وعجزه :

فيرأب ما أثأت يد الغفلات

ولى : أدبر. فيرأب : فيصلح. أثأت : أفسدت. والشاهد في قوله : «ألا عمر» حيث أريد بالاستفهام مع «لا» مجرد التمني ، وهذا كثير.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٦١ ، ٣ / ١٢٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٧٧ ، أوضح المسالك : ٧٠ ، الجنى الداني : ٣٨٤ ، البهجة المرضية : ٦١ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٠٩ ، ٧٠٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٥ ، أبيات المغني : ٢ / ٩٢ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٦ ، شواهد العدوي : ٨٥ ، شرح ابن الناظم : ١٩٣ ، شواهد المغني : ١ / ٢١٣ ، ٢ / ٨٠٠ ، شواهد الجرجاوي : ٨٥ ، شرح المرادي : ١ / ٣٧١ ، شرح دحلان : ٦١.

٢٧٧

وهو كثير ، وقد يبقى كلّ واحد منهما على معناه ، وذلك إذا كان الاستفهام عن النّفي ، كقول قيس بن الملوّح (١).

(٢) ـ ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد

 ...

وهو قليل ، حتّى توهّم الشّلوبين (٣) : أنّه غير واقع (٤).

__________________

(١) هو قيس بن الملوح (وقيل : قيس بن معاذ) بن مزاحم بن قيس العمري المشهور بمجنون ليلى ، شاعر غزل من المتيمين ، من أهل نجد ، لقب بالمجنون لهيامه في حب ليلى بنت سعد ، وأخباره كثيرة مشهورة توفي سنة ٦٨ ه‍ ، وقد جمع بعض شعره في ديوان.

انظر ترجمته في سمط اللآلئ : ٣٥٠ ، المؤتلف والمختلف : ١٨٨ ، فوات الوفيات : ٢ / ١٣٦ ، الأعلام : ٥ / ٢٠٨ ، معجم المؤلفين : ٨ / ١٣٥ ، الخزانة : ٤ / ٢٢٩.

٧١ ـ من البسيط ، لقيس بن الملوح في ديوانه (٢٢٨) منفردا ، وعجزه :

إذا ألاقي الّذي لاقاه أمثالي

ويروى : «لليلى» بدل «لسلمى». الاصطبار : حبس النفس عن الجزع. وقوله : «لاقاه أمثالي» كناية عن الموت. والشاهد في قوله : «ألا اصطبار» حيث أريد به مجرد الاستفهام عن النفي ، والحرفان باقيان على معنييهما ، وهو قليل ، ولذلك توهم الشلوبين أنّه غير واقع ولكن ردّ عليه بهذا.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٤ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٥٨ ، الجامع الصغير : ٢١٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٧٦ ، مغني اللبيب (رقم) : ٩ ، ١١٠ ، الهمع (رقم) : ٥٦٢ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٢٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٥ ، أبيات المغني : ١ / ٤٧ ، ٢ / ٩٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٦ ، شواهد العدوي : ٨٤ ، المطالع السعيدة : ٢٣٥ ، شواهد الجرجاوي : ٨٤ ، شرح ابن الناظم : ١٩٢ ، شواهد المغني : ١ / ٤٢ ، ٢١٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٧٠.

(٢) هو عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأزدي الأندلسي الإشبيلي المعروف بالشلوبيني (نسبة إلى حصن الشلوبين ، أو الشلوبينية من قرى إشبيلية) ومن المؤرخين من يقول : الشلوبين بغير نسبة ، ويفسره بأنّ معناها : الأبيض الأشقر ، وكنيته أبو علي ، من كبار العلماء في النحو واللغة ، ولد سنة ٥٦٢ ه‍ ، وتوفي سنة ٦٤٥ ه‍ ، من آثاره : التوطئة في النحو ، شرح المقدمة الجزولية في النحو ، تعليق على كتاب سيبويه ، وغيرها ، وله شعر.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٣٦٤ ، مرآة الجنان : ٤ / ١١٣ ، روضات الجنات : ٥٠١ ، معجم المؤلفين : ٧ / ٣١٦ ، الأعلام : ٥ / ٦٢ ، إنباه الرواة : ٢ / ٢٣٢.

(٣) ورد على الجزولي إجازته إياه. قال الشيخ خالد : والحق وقوعه في كلامهم على قلة ، كقولهم في المثل «أفلا قماص بالعير».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٥ ، أوضح المسالك : ٧٠ ، شرح الرضي : ١ / ٢٦١ ، الهمع : ٢ / ٢٠٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٥ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٤٧ / أ) ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٧٦.

٢٧٨

وظاهر كلام النّاظم : أنّه موافق فيه للمازنيّ والمبرّد ، فإنّها عندهما تجري مجراها قبل الهمزة مطلقا (١).

والمعتمد عند سيبويه والخليل أنّ «ألا» هذه ملاحظ فيها معنى الفعل والحرف ، فهي بمنزلة «أتمنّى» فلا خبر لها ، وبمنزلة «ليت» فلا يجوز مراعاة محلّها مع الاسم ، ولا إلغاؤها إذا تكرّرت فلا تعمل «ألا» عندهما إلّا في الاسم خاصّة (٢).

وأمّا «ألا» الّتي للعرض ، فلا مدخل لها في هذا الباب ، لأنّها لا تدخل إلّا على الفعل خاصّة.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر

إذا المراد مع سقوطه ظهر

يعني : أنّه إذا لم يعلم الخبر ، سواء قلنا إنّه خبر «لا» ، أو خبر المبتدأ ـ وجب ذكره للجهل به ، نحو «لا أحد أغير (من) (٣) الله» (٤) ، وإذا علم من سياق أو غيره فحذفه كثير نحو (قالُوا لا ضَيْرَ) [الشعراء : ٥٠] أي : علينا ، ولو ذكر

__________________

(١) انظر المقتضب : ٤ / ٣٨٢ ، شرح المكودي : ١ / ١١٤ ، شرح الرضي : ١ / ٢٦٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٥٣٢ ، ٥٣٤ ، شرح المرادي : ١ / ٣٧١ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٦.

(٢) قال سيبويه في الكتاب (١ / ٣٥٩) : «واعلم أنّ «لا» إذا كانت مع ألف الاستفهام ودخل فيها معنى التمني عملت فيما بعدها فنصبته ، ولا يحسن لها أن تعمل في هذا الموضع إلّا فيما تعمل فيه في الخبر ، وتسقط النون والتنوين ، كما سقطا في الخبر ، فمن ذلك : «ألا غلام لي» ، و «ألا ماء باردا». انتهى.

وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٥ ، أوضح المسالك : ٧٠ ، شرح المرادي : ١ / ٣٧٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٥٣٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٧٧.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٤٦.

(٤) روى البخاري في صحيحه (كتاب النكاح / باب الغيرة) : (٦ / ٧٢ ، ٧٤) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «لا أحد أغير من الله ولذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن».

وانظر صحيح مسلم رقم : ٣٣ ، ٣٦ ، مسند أحمد : ١ / ٤٣٦ ، فتح الباري : ٨ / ٣٠٢ ، ٢٩٦ ، سنن الترمذي رقم : ٣٥٣٠ ، الدر المنثور : ٢ / ٢٤٨ ، ٣ / ٨١. وانظر شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٥٣٦ ، الهمع : ٢ / ٢٠٣ ، مغني اللبيب : ٧٨٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٧ ، كاشف الخصاصة : ٨٨ ، شرح ابن الناظم : ١٩٣ ، البهجة المرضية : ٦١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٦.

٢٧٩

لجاز عند الحجازيّين ، وأما التّميميّون والطّائيّون فيلتزمون (١) حذفه ، هكذا نقل النّاظم (٢).

وفهم من إطلاقه في الخبر : أنّه لا فرق / بين أن يكون ظرفا أو مجرورا ، أو غيرهما.

ونقل ابن خروف عن بني تميم : أنّهم لا يظهرون خبرا مرفوعا ، ويظهرون المجرور والظّرف (٣) وهو ظاهر كلام سيبويه (٤).

وفهم من قوله : «في ذا الباب» أنّ حذف الخبر في غير هذا الباب ليس بشائع وإن علم.

__________________

(١) في الأصل : فيلتزمون. انظر التصريح : ١ / ٢٤٦.

(٢) قال الناظم في شرح الكافية (١ / ٥٣٥) : «وحذف الخبر في هذا الباب إذا كان لا يجهل يكثر عند الحجازيين ، ويلتزم عند التميميين. فإن كان يجهل عند حذفه وجب ثبوته عند جميع العرب». انتهى. وإنّما وجب الحذف عند الحجازيين ـ أو كثر عند التميميين ـ لأنّ «لا» وما دخلت عليه جواب استفهام عام ، والأجوبة يقع فيها الحذف والاختصار كثيرا ، ولهذا يكتفون فيها بـ «لا» و «نعم» ويحذفون الجملة بعدهما رأسا ، وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع «إلا» نحو «لا إله إلا الله» ، و «لا حول ولا قوة إلا بالله».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٦ ، الهمع : ٢ / ٢٠٢ ، البهجة المرضية : ٦١ ، شرح المرادي : ١ / ٣٧٣ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦١٤ ، مغني اللبيب : ٣١٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٦٧.

(٣) وبمثله قال الجزولي. قال الأندلسي : «لا أدري من أين نقله ـ يقصد الجزولي ـ ولعله قاسه ، وقال : والحق أنّ بني تميم يحذفون وجوبا إذا كان جوابا أو قامت قرينة غير السؤال عليه ، وإذا لم تقم فلا يجوز حذفه رأسا ، إذ لا دليل عليه ، وبنو تميم إذن كأهل الحجاز في إيجاب الإتيان به ، فعلى هذا القول يجب إثباته مع عدم القرينة عند بني تميم وغيرهم ، ومع وجودها يكثر الحذف عند أهل الحجاز ويجب عند بني تميم». وقال ابن مالك : «وزعم قوم منهم الزمخشري والجزولي أنّ بني تميم يحذفون خبر «لا» مطلقا على سبيل اللزوم ، إلا أنّ الزمخشري قال : وبنو تميم لا يثبتونه في كلامهم أصلا ، وقال الجزولي : ولا يلفظ بالخبر بنو تميم إلا أن يكون ظرفا. وليس بصحيح ما قالاه ، لأنّ حذف خبر لا دليل عليه يلزم منه عدم الفائدة ، والعرب مجمعون على ترك التكلم بما لا فائدة فيه». انتهى.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٥٣٧ ، شرح الرضي : ١ / ١١٢ ، الهمع : ٢ / ٢٠٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٦٦ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٧٣ ، المفصل : ٣٠.

(٤) انظر الكتاب : ١ / ٣٤٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٦.

٢٨٠