شرح ابن طولون - ج ١

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

«والإفادة» في الأصل مصدر (١) «أفاد» بمعنى : دلّ دلالة مطلقة (٢) ، والمراد به هنا ما دلّ على معنى يحسن السكوت عليه من المتكلّم (٣) على الأصحّ (٤).

وبين اللفظ والإفادة عموم وخصوص من وجه ، فيجتمعان في مثل «زيد قائم» ، (ويوجد اللفظ بدون الإفادة ، كما في المفرد) (٥) ، وتوجد الإفادة بدون اللفظ كما في الإشارة.

وكلّ شيئين كان كلّ منهما أعمّ من الآخر من وجه (٦) (يجعل أحدهما جنسا والآخر فصلا) (٧) فيحترز بكلّ (٨) واحد منهما عمّا يشارك (٩) الآخر (من غيره) (١٠).

فيحترز بـ «اللفظ» عن الإشارة والكتابة ونحوهما ، إذ كلّ منهما مفيد وليس بلفظ ، ويحترز بـ «المفيد» عن المفرد ، والمركب (١١) غير المفيد ، كالإضافي نحو «غلام زيد» ، والمزجيّ كـ «بعلبكّ» ، والإسناديّ المسمّى به كـ «برق نحره» إذ كلّ منهما لفظ وليس بمفيد.

وأمّا نحو «السّماء فوقنا ، والأرض تحتنا» (١٢) ، فالأصحّ أنه كلام ، كما أشار

__________________

(١) في الأصل : مقدار. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٠.

(٢) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٠.

(٣) في الأصل : التكلم. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٠.

(٤) ويحسنه عدّ السامع إيّاه حسنا بأن لا يحتاج في استفادة المعنى إلى لفظ آخر ، لكونه مشتملا على المحكوم به أو عليه ، وقيل : من السامع بأن لا يطلب زائدا على ما سمع ، وقيل : منهما. قال السيوطي : أرجحها الأول لأنه خلاف التكلم ، فكما أن التكلم صفة المتكلم ، كذلك السكوت صفة أيضا.

انظر الهمع : ١ / ٢٩ ، حاشية الدسوقي على المغني : ٢ / ٣٤ ، المطالع السعيدة للسيوطي : ٥٨ ، شرح الأزهرية : ١٤ ، ١٦ ، شرح الألفية لابن باديس : (١١ / أ) ، حاشية الخضري : ١ / ١٤ ، حاشية الصبان : ١ / ٢٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٠.

(٥) ما بين القوسين ساقط في الأصل. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١.

(٦) في الأصل : جه. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١.

(٧) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١.

(٨) في الأصل : يتحرز لكل. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١.

(٩) في الأصل : يشاركه. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١.

(١٠) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١.

(١١) في الأصل : الواو. ساقط. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢١.

(١٢) في الأصل : والنار تحتا. انظر شرح الهواري : (٤ / أ).

٤١

إليه أبو حيّان (١) في تذكرته ، لاشتماله على النّسبة التّامّة ، وهو يحقّق كونه كلاما (٢).

وقوله : «كاستقم» مثال للكلام بعد تمام حدّه وفاقا لابن هشام (٣) ،

__________________

(١) هو محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي الجياني الأندلسي ، أثير الدين ، أبو حيان ، من كبار العلماء في العربية والتفسير والحديث والتراجم واللغات ، ولد سنة ٦٥٤ ه‍ ، وتولى تدريس التفسير بالمنصورية ، والإقراء بجامع الأقمر ، وتوفي بالقاهرة سنة ٧٤٥ ه‍ ، له من المؤلفات : البحر المحيط في تفسير القرآن ، التذييل والتكميل في شرح التسهيل ، ارتشاف الضرب من كلام العرب ، التذكرة النحوية ، اللمحة البدرية ، النكت الحسان ، وغيرها.

انظر ترجمته في : بغية الوعاة : ١٢١ ، حسن المحاضرة : ١ / ٣٠٧ ، طبقاء القراء : ٢ / ٢٨٥ ، النجوم الزاهرة : ١ / ١١١ ، معجم المؤلفين : ١٢ / ١٣٠ ، شذرات الذهب : ٦ / ١٤٥ ، الأعلام : ٧ / ١٥٢.

(٢) لم أجد هذا الرأي لأبي حيان في الجزء الثاني من تذكرة النحاة المطبوع ، وهذا الكتاب يقع في أربعة مجلدات كبار ، يبدو أن الثلاثة الباقية منها مفقودة والمطبوع هو الثاني فقط. قال السيوطي في الهمع (١ / ٣٠) : «وهل يشترط إفادة المخاطب شيئا يجهله ، قولان :

أحدهما : نعم ، وجزم به ابن مالك ، فلا يسمى نحو «السماء فوق الأرض ، والنار حارة ، وتكلم الرجل» ـ كلاما.

والثاني : لا ، وصححه أبو حيان ، قال : وإلا كان الشيء الواحد كلاما وغير كلام ، إذا خوطب به من يجهله ، فاستفاد مضمونه ثم خوطب به ثانيا ، ومحل الخلاف ما إذا ابتدي به فيصح أن يقال : زيد قائم ، كما أن النار حارة بلا خلاف ، ذكره أبو حيان في تذكرته». انتهى. وإلى هذا ذهب أبو حيان في لمحته أيضا ، وهو في ذلك موافق للزمخشري في مفصله ، وابن الحاجب في كافيته. وإلى الرأي الأول ذهب الجزولي وابن معطي والحريري وغيرهم.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ١ / ١٥٨ ، شرح التسهيل لابن مالك : ١ / ٥ ، شرح اللمحة لابن هشام : ١ / ١٧٨ ـ ١٧٩ ، شرح اللمحة للبرماوي : ١٦ ، المفصل : ٦ ، الكافية شرح الرضي : ١ / ٧ ، شرح الهواري : (٤ / أ) ، شرح ملحمة الأعراب للحريري : ٣١ ، حاشية الصبان : ١ / ٢١ ، شرح دحلان : ٥ ، التصريح مع حاشية يس : ١ / ٢١ ، المطالع السعيدة : ٥٨ ، النكت الحسان لأبي حيان : ٣٣ ، شرح ابن يعيش : ١ / ١٨ ، ٢٠.

(٣) هو عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المعروف بابن هشام ، جمال الدين ، أبو محمد ، من أئمة العربية ، ولد سنة ٧٠٨ ه‍ ، وقرأ العربية ، وأقام بمكة ، وتوفي بمصر سنة ٧٦١ ه‍ ، قال ابن خلدون : «مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له : ابن هشام ، أنحى من سيبويه» ، من مؤلفاته الكثيرة : مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، شرح شذور الذهب ، الجامع الصغير ، شرح قطر الندا ، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، نزهة الطرف في علم الصرف ، وغيرها.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٢٩٣ ، الأعلام : ٤ / ١٤٧ ، النجوم الزاهرة : ٦ / ١٩١ ، البدر الطالع : ١ / ٤٠٠ ، معجم المؤلفين : ٦ / ١٦٣ ، هدية العارفين : ١ / ٤٦٥.

٤٢

والمراديّ (١) ، لا من تتميم الحدّ خلافا / للشّارح (٢) والمكوديّ (٣) فإنّهما قالا : «المفيد» شمل الفائدة التي يحسن السّكوت عليها ـ وهي التّركيبيّة (٤) ـ فائدة دلالة الاسم على مسمّاه كـ «زيد» ، فاحتاج النّاظم إلى إخراج الثّاني بقوله : «كاستقم» (٥).

والجواب عنه : أنّ المفيد إذا أطلق في عرفهم إنّما ينصرف إلى المفيد الفائدة التّركيبيّة (٦) لا المفيد الدّالّ على معنى مطلقا.

وقوله :

واسم وفعل ثمّ حرف الكلم

«ثمّ» هنا نائبة عن الواو التّقسيميّة (٧) ، و «الكلم» هنا بمعنى : الكلمات أي : الكلم (٨) الثّلاث المؤلّف منها الكلام : اسم وفعل وحرف ، وعلى هذا فلا

__________________

(١) انظر أوضح المسالك لابن هشام : ٥ ، شرح المرادي : ١ / ١٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٣.

(٢) هو محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الدمشقي الشافعي ، بدر الدين ، أبو عبد الله ، ابن ناظم الألفية ، عالم بالنحو واللغة والعروض والمنطق وغيرها ، ولد بدمشق ، وسكن بعلبك مدة ، ثم رجع إلى دمشق وتصدر للإقراء والتدريس وتوفي بها كهلا سنة ٦٨٦ ه‍. من مؤلفاته شرح الألفية لوالده ، كتاب في العروض ، المصباح في اختصار المفتاح.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٩٦ ، مفتاح السعادة : ١ / ١٥٦ ، معجم المؤلفين : ١١ / ٢٣٩ ، الأعلام : ٧ / ٣١ ، هدية العارفين : ٢ / ١٣٥.

(٣) في الأصل : الواو. ساقط.

والمكودي هو : عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي الفاسي المالكي ، أبو زيد ، عالم بالعربية نسبته إلى بني مكود (قبيلة قرب فاس) ، ولد بفاس وتوفي بها سنة ٨٠٧ ه‍ (وقيل : ٨٠١) من آثاره : شرح ألفية ابن مالك ، شرح مقدمة ابن آجروم ، شرح المقصور والممدود لابن مالك ، نظم المعرب والألفاظ وغيرها.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٣٠٠ ، الضوء اللامع : ٤ / ٩٧ ، شذرات الذهب : ٨ / ٤ ، الأعلام : ٣ / ٣١٨ ، هدية العارفين : ١ / ٥٢٩ ، معجم المؤلفين : ٥ / ١٥٦.

(٤) في الأصل : التركيبة. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨.

(٥) هذا كلام المكودي في شرحه للألفية (١ / ١٨) ، أما الشارح (ابن الناظم) فنص كلامه في شرح الألفية (٢٠) : «الكلام عند النحويين هو اللفظ الدال على معنى يحسن السكوت عليه ، وهذا ما أراده بقوله «مفيد كاستقم» ، كأنه قال : الكلام لفظ مفيد فائدة تامة يصح الاكتفاء بها ، كالفائدة في «استقم» فاكتفى عن تتميم الحد بالتمثيل». انتهى.

(٦) في الأصل التركيبة.

(٧) في الأصل : والتقسية.

(٨) في الأصل : الكلم على.

٤٣

حاجة إلى أنّها بمعنى : أسماء وأفعال وحروف ، كما زعم المكوديّ (١) ناظرا (٢) إلى أن ظاهر النّظم : أنّ ماهيّة الكلم تتوقّف على الأنواع الثّلاثة ، ونحن نجد الكلم قد يوجد من نوعين منها كـ «زيد قام أبوه» ، بل من نوع واحد فقط كـ «زيد جاريته ذاهبة».

و «الكلم» اسم جنس جمعيّ (٣).

أمّا كونه اسم جنس فلأنّه (٤) يدلّ على الماهيّة من حيث هي (٥) ، وليس بجمع خلافا لما وقع في (شرح) (٦) الشّذور (٧) ، ولا اسم (٨) جمع خلافا لبعضهم (٩).

__________________

(١) قال المكودي في شرحه (١ / ١٨) : «وقوله :

واسم وفعل ثمّ حرف الكلم

الكلم : مبتدأ ، والخبر مقدم عليه ، وهو اسم وفعل ثم حرف ، والمراد : أسماء وأفعال وحروف».

(٢) في الأصل : ناظر.

(٣) وأقل ما يتناول ثلاث كلمات ، وعليه ابن مالك ، وقيل : الكلم اسم جنس ولا يقال إلا على ما فوق العشرة ، وإذا قصد به ما دونها جمع بألف وتاء. وقيل : إفرادي يقع على القليل ، والكثير كـ «ما ، وتراب» وعليه الرضي.

انظر : شرح التسهيل لابن مالك : ٦ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٥ ، شرح الرضي : ١ / ٢ ، الهمع : ١ / ٣٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤ ، شرح المرادي : ١ / ١٩ ، شرح ابن الناظم : ٢٠ ، حاشية الخضري : ١ / ١٦.

(٤) في الأصل : لأنه.

(٥) وهذا مبني على أن اسم الجنس موضوع للماهية من حيث هي هي ، وهو ما مشى عليه بعض النحاة. واختار ابن الحاجب أنه موضوع للماهية مع وحدة لا بعينها ، ويسمى فردا منتشرا. انظر : حاشية يس مع التصريح : ١ / ٢٤.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤.

(٧) انظر شرح شذور الذهب لابن هشام (١١) ، وإلى ذلك ذهب السيرافي والجرجاني وجماعة ، ثم اختلف ، فقيل : جمع كثرة ، وقيل : جمع قلة. ورد بأن الغالب تذكيره ، والغالب على الجمع تأنيثه.

انظر شرح الكتاب للسيرافي : ١ / ٤٩ ، المقتصد للجرجاني : ١ / ٦٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤ ، والهمع : ١ / ٣٦ ، اللسان : ٥ / ٣٩٢٢ (كلم) ، الأشموني مع الصبان : ١ / ٢٥ ، حاشية الخضري : ١ / ١٦.

(٨) في الأصل : والاسم. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤.

(٩) وذلك لأن له واحدا من لفظه ، والغالب على اسم الجمع خلاف ذلك. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤ ، الأشموني مع الصبان : ١ / ٢٥ ، حاشية الخضري : ١ / ١٦.

٤٤

وأمّا كونه جمعيّا (١) فلأنّه يدلّ على أكثر من اثنين ، وليس بإفراديّ لعدم صدقه على القليل والكثير.

واستفيد كونه اسم جنس للأنواع (٢) الثّلاثة من قول النّاظم :

واسم وفعل ثمّ حرف الكلم /

وكونه جمعيّا (٣) من قوله : «واحده كلمة ...» الآتي.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

واحده كلمة والقول عم

وكلمة بها كلام قد يؤم

أي : واحد الكلم كلمة ، ولو قال : «واحدها» ، تبعا لابن معط (٤) لجاز (٥) ، كما أشرنا إليه عند قول الناظم : «الكلام وما يتألّف منه» (٦).

و «الكلمة» : هي القول المفرد (٧) ، وفيه ثلاث لغات : كلمة كـ «نبقة» (٨)

__________________

(١) في الأصل : جمعا. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤.

(٢) في الأصل : الأنواع. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤.

(٣) في الأصل : جمعا.

(٤) حيث قال في الدرة الألفية :

اللفظ إن يفد هو الكلام

نحو مضى القوم وهم كرام

تأليفه من كلم واحدها

كلمة أقسامها أحدها

انظر الدرة الألفية لابن معطي : ٥ ، الفصول الخمسون لابن معطي : ٤٣.

(٥) حيث أن الكلم اسم جنس يتميز واحده بالتاء ، وفيه لغتان : التذكير والتأنيث ، فقال الناظم : «واحده» على اللغة الأولى ، وقال ابن معطي : «واحدها» على الثانية. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥ ، شرح المرادي : ١ / ٢١.

(٦) انظر ص ٣٢.

(٧) قال السيوطي في الهمع : وقد اختلفت عباراتهم في حد الكلمة اصطلاحا ، وأحسن حدودها : «قول مفرد مستقل ، أو منوي معه». وفي التعريفات : وهي اللفظ الموضوع لمعنى مفرد. وتطلق الكلمة في الاصطلاح مجازا على أحد جزأي المركب نحو «امرئ القيس» فمجموعهما كلمة حقيقة ، وكل منهما كلمة مجازا.

انظر في ذلك الهمع : ١ / ٣ ـ ٤ ، التسهيل : ٣ ، شرح دحلان : ٦ ، الفصول الخمسون : ١٤٩ ، التعريفات : ١٨٥ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ٥٩ ، شرح الرضي : ١ / ٨ ، شرح ابن يعيش : ١ / ١٨ ـ ١٩ ، تاج علوم الأدب : ١ / ١٢ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٦ ، شرح المرادي : ١ / ٢١ ، أسرار النحو : ٧٥ ، معجم مصطلحات النحو : ٢٦٠ ، معجم المصطلحات النحوية : ١٩٦ ـ ١٩٧ ، شرح التسهيل لابن مالك : ١ / ٣.

(٨) النّبقة : واحدة النّبق وهو ثمر السدر. انظر اللسان : ٦ / ٤٣٢٨ (نبق).

٤٥

وهي الفصحى ، وهي لغة أهل الحجاز ، وكلمة كـ «سدرة» (١) ، وكلمة كـ «تمرة» ، وهما لغتان لبني تميم ، كذا قاله ابن هشام (٢).

وتعقّبه شعبان في عزوهما إلى بني تميم ، وإلى هذه الثّلاث لغات أشار في ألفيته بقوله (٣) :

فيها ثلاث من لغات الأمّه

كلمة وكلمة وكلمه

وقوله : «والقول عم» يعني : أنّ القول يعمّ الكلام ، لانطلاقه على المفيد وغيره ، والكلم ، لانطلاقه على المركب من كلمتين فأكثر ، والكلمة ، لانطلاقه على المفرد والمركّب ، فعلم أنّ بين القول والكلام ، والكلم والكلمة عموما وخصوصا مطلقا ، لصدقه عليهم وانفراده في مثل «غلام زيد» ، فإنّه ليس كلاما لعدم الفائدة ، ولا كلما لعدم الثلاثة ، ولا كلمة لأنّه ثنتان.

وأنّ القول على الأصحّ : عبارة عن اللفظ (المفرد أو) (٤) المركّب الدّالّ على معنى يصحّ السكوت عليه أولا (٥).

وقد يطلق القول لغة ويراد به الرأي والاعتقاد ، نحو «قال الشّافعيّ (بحلّ) (٦) كذا» أي : رأى ذلك واعتقد (٧).

وقوله :

وكلمة بها كلام قد يؤم

__________________

(١) السدرة : واحدة السدر ، وهو شجر النبق. انظر اللسان : ٣ / ١٩٧١ (سدر).

(٢) انظر شرح الشذور لابن هشام : ١١ ، شرح اللمحة لابن هشام : ١ / ١٥٨.

(٣) انظر ألفية شعبان الآثاري (كفاية الغلام في إعراب الكلام) : ٣٦.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٧.

(٥) فشمل الكلمة والكلام والكلم شمولا بدليا ، أي : أنه يصدق على كل منها أنه قول إطلاقا حقيقيا ، ويقابل القول الأصح أقوال : فقيل : القول عبارة عن اللفظ المركب المفيد ، فيكون مرادفا للكلام. وقيل : هو عبارة عن المركب خاصة مفيدا كان أو غير مفيد ، فيكون أعم مطلقا من الكلام والكلم ، ومباينا للكلمة. وقيل : إنه مرادف للكلمة. وقيل : إنه مرادف للفظ.

انظر شرح الأشموني : ١ / ٢٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٧ ، الهمع : ١ / ٣٩ ، شرح المرادي : ١ / ٢١ ، شرح دحلان : ٦ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٧ ، حاشية الصبان : ١ / ٢٦ ، حاشية يس : ١ / ٢٧ ، معجم مصطلحات النحو : ٢٥٦.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨.

(٧) وهو إطلاق مجازي إجماعا. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨ ، الهمع : ١ / ٣٥ ، شرح المرادي : ١ / ٢١.

٤٦

يعني : أنّ الكلمة لغة يقصد بها الكلام مجازا ، من باب تسمية الشّيء باسم جزئه ، نحو قوله تعالى / : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون : ١٠٠] (أي) (١) : إنّ مقالة من قال : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) [المؤمنون : ٩٩ ـ ١٠٠] ـ كلمة ، ونحو قوله عليه‌السلام : «أصدق كلمة قالها الشّاعر (كلمة لبيد) (٢) :

(٣) ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

 ...» (٤)

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح الأشموني : ١ / ٢٨.

ولبيد هو ابن ربيعة بن مالك بن جعفر العامري ، أبو عقيل ، أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية ، ومن أهل عالية نجد ، أدرك الإسلام فأسلم ، وترك الشعر فلم يقل في الإسلام إلا بيتا واحدا ، سكن الكوفة ، وعاش عمرا طويلا ، وهو أحد أصحاب المعلقات ، توفي سنة ٤١ ه‍ ، وله ديوان شعر صغير ، ترجم إلى الألمانية. انظر ترجمته في الأعلام : ٣ / ٢٤٠ ، جمهرة أشعار العرب : ٣٠ ، معجم المؤلفين : ٨ / ١٥٢ ، الخزانة : ١ / ٢٤٦ ، سمط اللآلئ للأويني : ١ / ١٣.

١ ـ من الطويل ، من قصيدة للبيد العامري في ديوانه (٢٥٦) رثى بها النعمان بن المنذر ملك الحيرة ، وعجزه :

وكلّ نعيم لا محالة زائل

أورده المؤلف شاهدا لإطلاق الكلمة على الكلام ، وهو مجاز مهمل عند النحويين مستعمل عند المتكلمين ، وهو من باب تسمية الشيء باسم جزئه على سبيل التوسع.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩ ، الشواهد الكبرى للعيني : ١ / ٥ ، ٣ / ١٣٤ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٨ ، ٢ / ١٦٤ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٧٨ ، شذور الذهب : ٢٦١ ، مغني اللبيب : ١٣٣ ، ١٩٦ ، ٢١٩ ، ٣٥٢ ، الهمع : ١ / ٨٩٢ ، الدرر اللوامع للشنقيطي : ١ / ٢ ، ١٩٣ ، ١٩٧ ، حاشية يس : ١ / ٣٥٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٢٢ ، شرح أبيات المغني للبغدادي : ٣ / ١٥٤ ، شرح شواهد المغني للسيوطي : ١ / ١٥٠ ، المطامع السعيدة : ٥٩ ، ٣٤٣ ، الدرة المضية للأنباسي (رسالة ماجستير) : ١٠٥.

(٣) الحديث بهذا اللفظ في صحيح البخاري : ٨ / ٤٣ (كتاب الأدب ـ باب ما يجوز من الشعر) ، وفتح الباري لابن حجر : ١٠ / ٥٣٧. وروي الحديث بروايات عديدة منها «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد ..» ، «أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد» ، «إن أصدق كلمة قالها الشاعر قول لبيد» ، «أشعر بيت قالته العرب قول لبيد».

انظر صحيح مسلم حديث رقم : ٢٢٥٦ ، سنن الترمذي حديث رقم : ٢٨٥٣ ، ٢٨٤٩ ، مسند أحمد : ٢ / ٣٩١ ، ٤٤٤ ، ٤ / ٤٢٧ ، تهذيب الآثار للطبري : ٢٥ ـ ٢٧.

وانظر أبيات المغني : ٣ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ، ٧ / ٣ ، الخزانة : ٢ / ٢٥٥ ، شرح القصائد السبع الطوال لابن الأنباري : ٥١٠ ، شرح ابن الناظم : ٢٢ ، شرح دحلان : ٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨ ، شرح التسهيل لابن مالك : ١ / ١٥٣.

٤٧

وقولهم : «كلمة الشهادة» ، يريدون (١) : لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، وذلك كثير لا قليل ، كما يفهم من

النّظم ، لأنّ «قد يفعل» يشعر بالتقليل في عرف المصنّفين ، كما ذكره (٢) ابن هشام (٣).

ويطلق الكلام لغة ويراد به المفرد ، نحو «زيد» في «من أنت زيد» عند سيبويه (٤).

ويطلق الكلم لغة ، ويراد به الكلام نحو «الكلم الطّيّب» ، ذكر هذه الشّيخ خالد في (شرح) (٥) التّوضيح (٦).

ثم قال :

بالجرّ والتّنوين والنّدا وأل

ومسند للاسم تمييز حصل

لمّا ذكر (أنّ) (٧) أنواع (٨) الكلم ثلاثة : اسم ، وفعل ، وحرف (٩) ـ أخذ

__________________

(١) في الأصل : يردون. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩.

(٢) في الأصل : ذكر. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩.

(٣) انظر أوضح المسالك (باب الإمالة) : ٢٩٣ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩ ، ٢ / ٣٥١.

(٤) قال سيبويه في الكتاب (١ / ١٦٢) : «ومثله قول بعض العرب : «من أنت زيد» أي : من أنت كلامك زيد». وانظر الكتاب : ١ / ١٤٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨. وقال الشيخ خالد في (١ / ١٧٧) : «من حذف المبتدأ وجوبا قولهم : «من أنت زيد» ، بالرفع ، فـ «زيد» خبر لمبتدأ محذوف وجوبا ، أي : مذكورك زيد وهذا التقدير أولى من تقدير سيبويه : «كلامك زيد» لأن المعاني لا يخبر عنها بالذوات ، ولأن زيدا ليس بكلام لعدم تركيبه.

وأجيب بأنه من باب إطلاق الكلام على المفرد ، وهو جائز لغة كما جاء في عكسه وهو إطلاق الكلمة على الكلام ، والمعنى على التقديرين : أن شخصا ذكر زيدا وهو ليس أهلا لذكره فقيل له : «من أنت زيد» يروى برفع «زيد» ، ونصبه ، فالرفع على ما مر ، والنصب بفعل محذوف وجوبا والتقدير : من أنت تذكر زيدا ، ومن ثم قال ابن طاهر في الرفع التقدير : مذكورك زيد ، فيكون المقدر في الرفع من لفظ المقدر في النصب ، والتزم حذف الرافع ، كما التزم حذف الناصب نص عليه سيبويه ، وأفاد ذلك تعظيم «زيد» وإجلاله ، وتحقير المخاطب وإذلاله». انتهى. وانظر إرشاد الطالب النبيل (١٠٥ / ب) ، أوضح المسالك : ٤٢ ، الهمع : ٣ / ٢٠ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٨٠.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٦) انظر شرح التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨.

(٧) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٨) في الأصل : الأنواع.

(٩) فالاسم ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، وهو ينقسم إلى اسم عين ، وهو الدال على معنى يقوم بذاته كـ «زيد وعمرو» ، وإلى اسم معنى وهو ما لا يقوم بذاته ، سواء كان معناه وجوديا كالعلم ، أو عدميا كالجهل. والفعل ما دل على معنى في

٤٨

يذكر لكلّ واحد منها علامة يمتاز بها عن قسيميه (١) ، فذكر للاسم خمس علامات :

الأولى (٢) : الجرّ ، وهو عبارة البصريين ، وعبارة الكوفيين (٣) : الخفض (٤) ، والمراد به : الكسرة التي يحدثها عامل الجرّ أو نائبها ، سواء كان العامل حرفا ، أم إضافة ، أم تبعيّة ، وقد اجتمعت في البسملة ، فـ «اسم» مجرور بالحرف ، و «الله» مجرور بالإضافة ، و «الرّحمن» بالتّبعيّة (٥).

هذا هو الجاري على الألسنة ، والتحقيق خلافه ، لأنّ جرّ المضاف إليه بالمضاف ، وليست التبعية العامل ، وإنّما العامل (عامل) (٦) المتبوع في غير البدل (٧) ، كما بيّنت ذلك في إعرابي للخزرجيّة.

__________________

نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، وقيل : الفعل كون الشيء مؤثرا في غيره ، كالقاطع ما دام قاطعا ، وعرفه سيبويه بقوله : الفعل أمثلة أخذت من لفظ إحداث الأسماء ، وبنيت لما مضى ولما يكون ولما هو كائن لم ينقطع ، وحده بعض النحويين بأنه ما كان صفة غير موصوف أي : يوصف به ولا يكون موصوفا ، نحو «هذا رجل يقوم» فـ «يقوم» صفة لـ «رجل» ولا يجوز أن تصف «يقوم» بشيء. والحرف : ما دل على معنى في غيره ، نحو «من ، وإلى» وما أشبه ذلك ، وعرفه بعض النحويين بقولهم : الحرف ما خلا من دليل الاسم والفعل ، وقال آخرون : الحرف ما لا يستغنى عن جملة يقوم بها ، نحو «لن يقوم زيد» ، قال الزجاجي : وهذا وصف للحرف صحيح وليس بحد له. وقد أطلقه سيبويه على الضمائر ، كما أطلقه على أفعال المقاربة وكأنه يريد بالحرف الكلمة.

انظر الإيضاح في علل النحو للزجاجي : ٥٢ ـ ٥٣ ، ٥٤ ـ ٥٥ ، تعريفات الجرجاني : ٢٤ ، ٨٥ ، ١٦٨ ، الهمع : ١ / ٧ ، الكتاب : ١ / ٢ ، ٣٩٣ ، ٤٧٩ ، الفصول الخمسون : ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، شرح الرضي : ١ / ٩ ، معجم المصطلحات النحوية : ١٧٤ ـ ١٧٥ ، ٦٣ ، معجم مصطلحات النحو : ١٠١.

(١) في الأصل : قسمية.

(٢) في الأصل : الأول.

(٣) في الأصل : الكوفيون. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠.

(٤) أما الجر فإنما سمي بذلك لأن معنى الجر الإضافة ، وذلك أن الحروف الجارة تجر ما قبلها فتوصله إلى ما بعدها ، كقولك : «مررت بزيد» فالباء أوصلت مرورك إلى زيد. وأما الخفض فهو بمعنى الجر ، تسمية أطلقها الكوفيون معللين لها بانخفاض الحنك الأسفل عند النطق به وميله إلى إحدى الجهتين.

انظر شرح ابن يعيش : ٢ / ١١٧ ، شرح المكودي : ١ / ٢٠ ، الإيضاح للزجاجي : ٩٣ ، معجم المصطلحات النحوية : ٤٣ ، ٧٦ ، مصطلحات الكوفيين النحوية (رسالة ماجستير) : ٢١٤.

(٥) والرحيم أيضا ، فهما مجروران بالتبعية لأنهما صفتان. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٠ ، شرح اللمحة لابن هشام : ١ / ٢٣٤ ، إعراب الألفية : ٣.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٠.

(٧) قال ابن هشام في شرح الشذور (٣١٧) : «وإنما لم أذكر المجرور بالتبعية ـ كما فعل

٤٩

الثّانية (١) : التنوين / وهو نون ساكنة تلحق الآخر لفظا لا خطّا لغير توكيد.

فخرج بقيد «السّكون» النّون في «رعشن» للمرتعش (٢) لتحركها وصلا ، وبقيد «الآخر» النون في «منكسر» (٣) ، لأنها لم تلحق الآخر ، وبقيد «لا خطّا» النون اللاحقة لآخر القوافي ، وبقيد «لغير توكيد» نون (لنسفعن) (٤) [العلق : ١٥] على تقدير رسمها في الخطّ ألفا.

وأنواع التنوين الخاصة بالاسم أربعة :

ـ تنوين التمكين ، كـ «زيد».

ـ والتنكير ، كـ «سيبويه» ، إذا أردت شخصا ما.

ـ والمقابلة ، كـ «مسلمات» (٥).

ـ والعوض ، كـ «جوار (٦) ، ويومئذ» (٧).

__________________

جماعة ـ لأنّ التبعية ليست عندنا هي العاملة ، وإنما العامل عامل المتبوع وذلك في غير البدل». وقال السيوطي في الهمع (٤ / ١٥٣) : الجر إما بحرف أو إضافة لا ثالث لهما ، ومن زاد التبعية فهو رأي الأخفش مرجوح عند الجمهور». وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٠ ، ٢ / ٢٤ ، أوضح المسالك : ١٣٨ ، الهمع : ٤ / ٢٦٥ ، شرح الرضي : ١ / ٢٥ ، حاشية الخضري : ١ / ١٨ ، حاشية الصبان : ١ / ٣٠ ، إرشاد الطالب النبيل (٩ / ب).

(١) في الأصل : الثاني. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٠.

(٢) انظر اللسان والصحاح (رعش) ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣١.

(٣) في الأصل : منكسرة. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣١.

(٤) (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ).

(٥) وهو اللاحق لما جمع بألف وتاء مزيدتين ، سمي بذلك لأنه قابل النون في جمع المذكر السالم ، وليس بتنوين الصرف ـ خلافا للربعي ـ بدليل ثبوته بعد التسمية كما ثبتت النون في نحو «عرفات».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٣ ، شرح الرضي : ١ / ١٣ ، شرح المرادي : ١ / ٢٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٩ ، الهمع : ٤ / ٤٠٦ ، شرح الأشموني : ١ / ٣٦.

(٦) جوار جمع جارية ، تطلق على السفينة والشمس لجريهما في البحر والفلك ، ومنه قيل للأمة : جارية على التشبيه لجريها مستسخرة في أشغال مواليها ، والأصل فيها الشابة لخفتها ، ثم توسعوا حتى سموا كل أمة جارية وإن كانت عجوزا. والتنوين في «جوار» عوض عن حرف ، وأصلها «جواري» بالضم والتنوين ، استثقلت الضمة على الياء فحذفت ، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين ، ثم حذف التنوين لوجود صيغة منتهى الجموع تقديرا ، لأن المحذوف لعلة كالثابت فخيف رجوع الياء لزوال الساكنين في غير المتصرف المستثقل لفظا بكونه منقوصا ، ومعنى بكونه فرعا ، فعوضوا التنوين من الياء ، لينقطع طمع رجوعها ـ وهذا مبني على تقديم الإعلال على منع الصرف ، وهو مذهب سيبويه والجمهور ـ أو للتخفيف بناء على حمل مذهبهم على تقديم منع الصرف على الإعلال ، فأصله بعد منع صرفه «جواري»

٥٠

الثّالثة : النّداء ، والمراد به كون الكلمة مناداة ، نحو «يا أيّها الرّجل».

وأما نحو قوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) [الأنعام : ٢٧] ، فليست «يا» للنّداء ، بل حرف تنبيه ، ولو سلّم : فالمنادى محذوف تقديره : يا قوم ليتنا نردّ (١).

الرابعة : أل ، وهي الألف واللام ، سواء كانت زائدة كـ «اليزيد» (٢) أو غير (٣) زائدة كـ «الرّجل» والمراد بها : غير الموصولة ، والاستفهامية ، فإنّ الموصولة قد تدخل على الفعل المضارع كقول الفرزدق (٤) :

(٥) ـ ما أنت بالحكم التّرضى حكومته

 ...

__________________

بإسقاط التنوين ، استثقلت الضمة على الياء فحذفت ، ثم حذفت الياء تخفيفا وعوض عنها التنوين لئلا يكون في اللفظ إخلال بالصيغة. ومذهب المبرد والزجاج أن التنوين فيه عوض عن حركة الياء ، ومنع الصرف مقدم على الإعلال ، فأصله بعد منع صرفه «جواري» بإسقاط التنوين ، استثقلت الضمة على الياء فحذفت ، وأتي بالتنوين عوضا عنها ، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين. وكذا يقال في حالة الجر على الأقوال الثلاثة.

انظر حاشية الصبان : ١ / ٣٥ ، المصباح المنير : ١ / ٩٨ (جري) ، حاشية ابن حمدون : ١ / ٢١ ، اللسان : ١ / ٦١٠ (جرا) ، حاشية الخضري : ١ / ٢٠ ، حاشية فتح الجليل على شرح ابن عقيل : ١٤ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤ ، المنصف : ٢ / ٧٠ ـ ٧١.

(٧) والتنوين فيه عوض عن الجملة التي تضاف «إذ» إليها ، فإن الأصل : يوم إذ كان كذا ، وقد يكون التنوين عوضا عن كلمة ، نحو قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) أي : كل إنسان ، ثم حذف «إنسان» المضاف إليه ، وعوض عنه التنوين.

انظر شرح الأشموني : ١ / ٣٥ ، شرح الرضي : ١ / ١٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٠ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ٢١ ، الهمع : ١ / ١٠ ، شرح المرادي : ١ / ٢٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤.

(١) في الأصل : ليت قومي. بدل : ليتنا نرد.

(٢) في الأصل : كيزيد. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٢.

(٣) في الأصل : أو غيره. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٢.

(٤) هو همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم التميمي المعروف بالفرزدق ، أبو فراس ، شاعر من النبلاء من أهل البصرة ، عظيم الأثر في اللغة ، ويشبه بزهير بن أبي سلمى ، كان شريفا في قومه عزيز الجانب وكان لا ينشد بين يدي الخلفاء والأمراء إلا قاعدا ، توفي بالبصرة سنة ١١٠ ه‍ (وقيل : ١١١ ، وقيل : ١١٢ ، وقيل : ١١٤ ه‍) ، وترك ديوان شعر له.

انظر ترجمته في معجم الأدباء : ١٩ / ٢٩٧ ، الأعلام : ٨ / ٩٢ ، معجم المؤلفين : ١٣ / ١٥٢ ، معجم الشعراء للمرزباني : ١١٦ ، ٤٨٦ ، ٤٨٧ ، الخزانة للبغدادي : ١ / ١٠٥.

٢ـ صدر بيت من البسيط للفرزدق (وليس في ديوانه) ، وعجزه : ـ ـ

٥١

والاستفهاميّة قد تدخل على الفعل الماضي ، نحو «أل فعلت» بمعنى : هل فعلت (١).

الخامسة : الإسناد إليه ، وهو أن تنسب إليه ما يحصل به الفائدة التامة ، كما في نسبة القيام إلى تاء «قمت» ، وكما / في نسبة «الإيمان» إلى «أنا» في قولك : «أنا مؤمن».

ولا فرق بين الإسناد المعنويّ ـ كما مرّ ـ واللفظيّ ، نحو «ضرب» فعل ماض ، و «من» حرف جرّ ، إذ لا يسند إلى الفعل والحرف إلّا محكوما باسميّتهما (٢) كما قاله ابن مالك في منظومته الكبرى (٣).

__________________

ولا الأصيل ولا ذي الرّأي والجدل

وهو ثاني بيتين له يهجو بهما أعرابيا من بني عذرة فضل جريرا عليه وعلى الأخطل في مجلس عبد الملك بن مروان ، وأولهما :

يا أرغم الله أنفا أنت حامله

يا ذا الخنا ومقال الزّور والخطل

الأصيل : الحسيب ، ويروى : «البليغ» بدل «الأصيل». والجدل : شدة الخصومة. والاستشهاد فيه على دخول الألف واللام في الفعل المضارع تشبيها له بالصفة ، لأنه مثلها في المعنى ، وهذا ضرورة عند النحويين ، وقال ابن مالك ليس بضرورة لتمكن الشاعر من أن يقول : ما أنت بالحكم المرضى حكومته.

انظر الشواهد الكبرى : ١ / ١١١ ، ٤٤٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٨ ، ١٤٢ ، شرح الأشموني : ١ / ١٥٦ ، ١٦٥ ، الإنصاف : ٢ / ٥٢١ ، المقرب : ١ / ٦٠ ، الخزانة : ١ / ٣٢ ، شذور الذهب : ١ / ٨٥ ، شرح شواهد الشذور للفيومي : ٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٧٨ ، شواهد الجرجاوي : ٢٣ ، تاج علوم الأدب : ١ / ١٨٦ ، الضرائر لابن عصفور : ٢٨٨ ، الهمع (رقم) : ٢٥٩ ، الدرر اللوامع : ١ / ٦١ ، المكودي مع ابن حمدون : ٦٧ ، شرح ابن الناظم : ٩٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٥ ، ٢٣٩ ، شرح دحلان : ٣٥ ، البهجة المرضية : ٣٤ ، شرح الجمل لابن عصفور : ١ / ١١٢ ، كاشف الخصاصة : ٤٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ١٦٣ ، شرح التسهيل لابن مالك : ١ / ٢٢٥ ، المطالع السعيدة : ١٦٦ ، شرح اللمحة لابن هشام : ١ / ١٦٨ ، ٢٦١ ، ٢ / ٩١ ، الجامع الصغير لابن هشام : ٣١ ، التوطئة للشلوبيني : ١٧٢.

(١) حكاه قطرب عن أبي عبيدة. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٩ ، الممتع في التصريف : ١ / ٣٥١ ، سر الصناعة لابن جني : ١ / ١٠٦.

(٢) في الأصل : باسميتها. انظر إرشاد الطالب النبيل (١٣ / أ).

(٣) فعلى الحكاية تبقيهما على ما كانا عليه من حركة أو سكون ، وعلى الإعراب ترفعهما على الابتداء ، قال ابن مالك في الكافية :

وإن نسبت لأداة حكما

فاحك أو اعرب واجعلنها اسما

وقال في شرحها : وإذا نسبت إلى حرف أو غيره حكم هو للفظه دون معناه جاز أن يحكى ، وجاز أن يعرب بما تقتضيه العوامل ، فمن الحكاية قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إيّاكم و «لو» فإنّ «لو» تفتح عمل الشّيطان» ، ومن الإعراب قول الشاعر :

٥٢

ثم قال :

بتا فعلت وأتت ويا افعلي

ونون أقبلنّ فعل ينجلي

أي : ينجلي الفعل ويتّضح عن قسيميه (١) الاسم والحرف بأربع علامات :

إحداها (٢) : «تاء» ضمير الفاعل متكلما كان كـ «قمت» ـ بضمّ التاء ـ أو مخاطبا كـ «تباركت» ـ بفتحها ـ أو مخاطبة كـ «أحسنت» (٣) ـ بكسرها ، وإلى هذا أشار النّاظم بقوله : «بتا فعلت».

الثانية : تاء التأنيث الساكنة كـ «أتت» ، ولا التفات إلى عروض الحركة ، نحو قوله (٤) تعالى : (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) [يوسف : ٥١] ، وأمّا المتحركة فتختصّ بالاسم كـ «قائمة» وقد تتصل بالحرف نحو (وَلاتَ)(٥) حِينَ مَناصٍ [ص : ٣].

الثالثة : ياء المخاطبة كـ «قومي» ، وبهذه العلامة ردّ على (قول) (٦) الزّمخشريّ (٧) : «إنّ «هات» بكسر التّاء ـ و «تعال» ـ بفتح اللام ـ اسما فعلين» (٨) ، فإنّ الصحيح أنّهما فعلا أمر ، لدلالتهما على الطّلب ، وقبولهما «ياء»

__________________

ليت شعري وأين منّي ليت

إنّ لوا وإنّ ليتا عناء

انظر الكافية وشرحها لابن مالك : ٤ / ١٧١٦ ، ١٧٢٢ ـ ١٧٢٣ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٩ ، إرشاد الطالب النبيل (١٣ / أ).

(١) في الأصل : قسميه. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٩.

(٢) في الأصل : أحدها. التصريح على التوضيح : ١ / ٣٩.

(٣) في الأصل : أحنت. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٤٠.

(٤) في الأصل : له. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٤٠.

(٥) في الأصل : الواو. ساقط.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٧) هو محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الزمخشري ، الخوارزمي ، أبو القاسم ، جار الله ، الحنفي مذهبا ، المعتزلي عقيدة ، عالم واسع المعرفة ، غاية في الذكاء وجودة القريحة ، ولد في زمخشر سنة ٤٦٧ ه‍ ، وسافر إلى مكة ، فجاور بها زمنا فلقب : جار الله ، ثم عاد إلى جرجانية فتوفي بها سنة ٥٣٨ ه‍ ، من مؤلفاته الكثيرة : المفصل في صنعة العربية ، الأمالي في النحو ، جواهر اللغة ، المستقصى في الأمثال ، تفسير القرآن المسمى بالكشاف ، شرح كتاب سيبويه ، وغيرها.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٣٨٨ ، معجم الأدباء : ١٩ / ١٢٦ ، شذرات الذهب : ٤ / ١١٨ ، النجوم الزاهرة : ٥ / ٢٧٤ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٢١٩ ، معجم المؤلفين : ١٢ / ١٨٦ ، الأعلام : ٧ / ١٧٨.

(٨) فـ «هات» اسم فعل أمر بمعنى : ناول ، و «تعال» اسم فعل أمر بمعنى : أقبل. انظر المفصل للزمخشري : ١٥١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٤١ ، شرح الشذور : ٢٢ ، حاشية الصبان : ١ / ٤١.

٥٣

المخاطبة تقول : «هاتي» ـ بكسر التاء ـ (بمعنى) (١) : ناولي ، وتعالي ـ بفتح اللام ـ بمعنى : أقبلي.

الرابعة : نون التوكيد ، شديدة كانت أو خفيفة ، ويجمعهما قوله تعالى : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً) [يوسف : ٣٢] ، وأمّا نحو قول رؤبة (٢) :

(٣) ـ أقائلنّ أحضروا الشّهودا

فأدخل نون التوكيد على «قائلنّ» مع أنّه اسم فضرورة نادرة.

ثمّ قال / :

سواهما الحرف كهل وفي ولم

 ...

أي : يعرف الحرف بأنّه لا يحسن فيه شيء من علامات الاسم ، ولا من

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٢) هو رؤبة بن عبد الله العجاج بن رؤبة التميمي السعدي ، أبو الجحاف ، أو أبو محمد ، راجز من الفصحاء المشهورين ، وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية ، أخذ عنه أعيان أهل اللغة ، وكانوا يحتجون بشعره ، ويقولون بإمامته في اللغة ، توفي في سنة ١٤٥ ه‍ ، وقد أسن ، وله ديوان رجز.

انظر ترجمته في لسان الميزان لابن حجر : ٢ / ٤٦٤ ، الأعلام : ٣ / ٣٤ ، خزانة الأدب : ١ / ٨٩ ، معجم المؤلفين : ٤ / ١٧٣ ، المؤتلف والمختلف للآمدي : ١٢١ ، الشواهد الكبرى : ١ / ٢٦.

(٣) ـ من الرجز نسب لرؤبة بن العجاج في ملحقات ديوانه (١٤٣) ، كما نسب لرجل من هذيل ، وقبله :

أرأيت إن جاءت به أملودا

مرجّلا ويلبس البرودا

ورواه صاحب الخزانة برواية «أحضري» بدل ـ «أحضروا» وقال : «ورواه العيني «أحضروا» بواو الجمع ، ولا وجه له ، كما لا وجه لنسبة الشعر إلى رؤبة بن العجاج». والأملود : الناعم ، والمرجل : المزين ، وأصله من رجلت شعره إذا سرحته ، والبرود ، جمع برد وهو نوع من الثياب. والشاهد فيه على أن نون التوكيد قد تلحق اسم الفاعل ضرورة ، تشبيها له بالمضارع ، كما في قوله : «أقائلنّ».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٤٢ ، الشواهد الكبرى : ١ / ١١٨ ، ٣ / ٦٤٨ ، ٤ / ٣٣٤ ، الخزانة : ١١ / ٤٢٠ ، المحتسب لابن جني : ١ / ١ / ١٩٣ ، الخصائص لابن جني : ١ / ١٣٦ ، الضرائر : ٣١ ، مغني اللبيب (رقم) : ٦٣٣ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٣٢٩ ، شرح الأشموني : ١ / ٤٢ ، ٣ / ٢١٢ ، شرح المرادي : ١ / ٤٣ ، الجنى الداني : ١٤١ ، شواهد المغني : ٢ / ٧٥٨ ، شرح ابن الناظم : ٤٥٨ ، ٦٢٦ ، البهجة المرضية : ٧ / ١٤٣ ، سر الصناعة : ٢ / ٤٤٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ١٤ ، ٣ / ١٤١٢ ، ارتشاف الضرب لأبي حيان : ١ / ٣٠٧.

٥٤

علامات الفعل التسع ولا غيرها ، ثمّ مثّله بقوله : «كهل وفي ولم» ، وأشار بتعداد الأمثلة إلى بيان أنواع الحرف.

فإنّ منها ما لا يختصّ بالأسماء ولا بالأفعال ، فلا يعمل شيئا (١) كـ «هل» ، تقول : «هل زيد أخوك» ، و «هل يقول» (٢).

ومنها ما يختصّ بالأسماء فيعمل فيها الجرّ كـ «في» (٣) ، نحو قوله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) [الذاريات : ٢٢].

ومنها ما يختصّ بالأفعال فيعمل فيها الجزم ، كـ «لم» ، نحو قوله تعالى : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) [الإخلاص : ٣].

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

 ...

فعل مضارع يلي لم كيشم

لمّا أتى في تعريف الفعل بالعلامات التي تخصّه على الجملة وكانت الأفعال على ثلاثة أقسام : ماض ، ومضارع ، وأمر ـ أخذ يبيّن لكل فعل علامة تختصّ به ، فذكر أنّ علامة الفعل المضارع : أن يصلح لأن يلي «لم» بأن يقع بعدها ، نحو «لم يشم» والأفصح في «يشم» فتح الشّين مضارع «شمم» بكسرها.

ومتى دلّت كلمة على معنى الفعل المضارع ، ولم تقبل «لم» فهي اسم فعل كـ «أوّه» بمعنى : أتوجّع.

ثمّ قال رحمه‌الله :

وماضي الأفعال بالتّامز ...

 ...

__________________

(١) في الأصل : شيء. انظر أوضح المسالك : ٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٤٣.

(٢) انظر أوضح المسالك : ٨ ، وفي التصريح على التوضيح (١ / ٤٣) : «فإن منها ما لا يختص بالأسماء ولا بالأفعال فلا يعمل شيئا كـ «هل» حيث لم يكن في حيزها فعل ، فإنها تدخل على الاسم تقول : «هل زيد أخوك» بخلاف ما إذا كان في حيزها فعل فتختص به : إما صريحا نحو ـ هل قام زيد وهل يقوم» ، وإما تقديرا «هل زيد قام» فـ «زيد» فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور على حد(وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) عند جمهور البصريين ، وبالفعل المذكور عند الأخفش والكوفيين ، ولاختصاص «هل» بالفعل ـ إذا كان في حيزها ـ وجب نصب الاسم بعدها في باب الاشتغال نحو «هل زيدا ضربته» ، ومنها ما لا يختص بالأسماء والأفعال ويعمل كـ «ما» ، ولات ، وإن المشبهات بـ «ليس».

(٣) في الأصل : في. زيادة. انظر التصريح : ١ / ٤٣.

٥٥

يعني أنّ الفعل الماضي يمتاز عن المضارع والأمر بصلاحيته لـ «التّاء» ، و «أل» في «التا» للعهد الذّكريّ ، وشملت التاءين المذكورتين (١) ، وهما : تاء ضمير الفاعل ، كـ «تبارك ، وعسى ، وليس» ، تقول : «تباركت يا الله ، وعسيت أنا» وتاء التأنيث الساكنة / كـ «نعم ، وبئس ، وعسى ، وليس» ، تقول : «نعمت وبئست ، وعست ، وليست».

ومتى دلّت كلمة على معنى الفعل الماضي ، ولم تقبل إحدى التاءين فهي اسم فعل كـ «هيهات» بمعنى : بعد.

ثم قال :

 .. وسم

بالنّون فعل الأمر إن أمر فهم

يعني : أنّ فعل الأمر يمتاز بشيئين :

ـ صلاحيّته لنون التوكيد ، وهي معنى قوله : «وسم بالنّون» أي : علّم.

ـ وإفهام الأمر ، وهو معنى قوله : «إن أمر فهم».

و «أل» في «النّون» للعهد الذكريّ ، وهو نون التوكيد المتقدمة.

ثمّ قال :

والأمر إن لم يك للنّون محل

فيه هو اسم نحو صه وحيّهل

يعني : أنّ اللفظ إذا أفهم الأمر ، ولم يكن صالحا لنون التوكيد فهو اسم فعل ، ولذلك مثّله بـ «صه» ومعناه : اسكت ، و «حيّهل» ومعناه : أقبل ، وإن قبلت (٢) كلمة نون التوكيد ، ولم تدلّ على الأمر فهي فعل مضارع نحو : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً) [يوسف : ٣٢] ، أو فعل تعجّب نحو : «أحسنن (٣) بزيد» فإنّه ليس أمرا (٤) على الأصحّ ، بل على صورة فعل الأمر (٥).

__________________

(١) في الأصل : المذكرتين. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٤.

(٢) في الأصل : أقبلت. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٤٥.

(٣) في الأصل : أحسن. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٤٥.

(٤) في الأصل : أمر. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٤٥.

(٥) هذا ما ذهب إليه البصريون ، وقال الفراء والزجاج والزمخشري وابنا كيسان وخروف : لفظه ومعناه الأمر. وإن دلت كلمة على الأمر ولم تقبل النون المذكورة فهي اسم : إما لمصدر نحو :

صبرا بني عبد الدّار

بمعنى : اصبروا ، أو اسم لفعل ، كـ «نزال ودراك» ، أو هي حرف نحو «كلا» بمعنى : انته.

انظر : التصريح على التوضيح : ١ / ٤٥ ، ٢ / ٨٨ ، شرح المرادي : ٣ / ٥٧ ، شرح الرضي : ٢ / ٣١٠ ، شرح الأشموني : ١ / ٤٥ ، ٣ / ١٩ ، شرح ابن يعيش : ٧ / ١٤٧ ، الهمع : ١ / ١٦ ، ٥ / ٥٨ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٨٥٢.

٥٦

الباب الثاني

المعرب والمبنيّ

ثم قال رحمه‌الله تعالى :

المعرب والمبنيّ

والاسم منه معرب ومبني

لشبه من الحروف مدني

يعني : أنّ الاسم على قسمين : منه معرب ، ومنه مبنيّ ، وقدّم المعرب ، لأنّه الأصل في الأسماء ، وإنّما كان الأصل فيها الإعراب لاختصاصها بتعاقب معان عليها كالفاعلية والمفعولية والإضافة / ، فتفتقر في التمييز بينها إلى الإعراب.

ولمّا كان المبنيّ من الأسماء على خلاف الأصل ، وأنه لا يبنى إلا لعلة ، نبّه على ذلك بلام التعليل ، فقال : «لشبه من الحروف».

ولمّا كان الشبه منه مقرّب من الحروف (١) وغير مقرّب ، نبّه على المقرّب بقوله : «مدني» ، والشّبه غير المدني : ما عارضه معارض كـ «أي» في الاستفهام والشّرط ، فإنّها أشبهت الحرف في المعنى ، لكن عارض شبه الحرف لزومها الإضافة ، لأنّ الإضافة من خواص الاسم فألغي شبه الحرف.

وما ذهب إليه بعضهم : أنّ المضاف لياء المتكلم لا معرب ولا مبنيّ وسمّوه خصيا (٢) ، ليس بشيء (٣).

__________________

(١) في الأصل : للحروف. بدل : من الحروف. انظر شرح المكودي : ٢٥.

(٢) في المضاف إلى ياء المتكلم أربعة مذاهب : أحدها : إنه معرب بحركات مقدرة في الأحوال الثلاثة ، وهو مذهب الجمهور وعليه ابن مالك في شرح الكافية. الثاني : إنه معرب في الرفع والنصب بحركة مقدرة ، وفي الجر بكسرة ظاهرة ، واختاره ابن مالك في التسهيل. الثالث : إنه مبني ، وإليه ذهب الجرجاني وابن الخشاب وابن الخباز والمطرزي. الرابع : إنه لا معرب ولا مبني وإليه ذهب ابن جني.

انظر في ذلك شرح المرادي : ٢ / ٢٩٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٨٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٩٩٩ ، شرح ابن الناظم : ٤١٣ ، المرتجل لابن الخشاب : ١٠٩ ، شرح ابن يعيش : ٣ / ٣٢ ، التسهيل : ١٦١ ، الخصائص لابن جني : ١ / ٤٧ ، ٢ / ٣٥٦ ، أمالي ابن الشجري :

٥٧

ثمّ قال رحمه‌الله :

كالشّبه الوضعيّ في اسمي جئتنا

والمعنويّ في متى وفي هنا

وكنيابة عن الفعل بلا

تأثّر وكافتقار أصّلا

نوّع شبه الحرف إلى أربعة أنواع :

الأول : الشّبه الوضعيّ ، وهو ما أشبه الحرف في كونه موضوعا على حرف أو حرفين ، وهو المشار إليه بقوله :

كالشّبه الوضعيّ في اسمي جئتنا

وهما : «التاء ونا» ، فـ «التاء» مبنية لشبهها بالحرف في وضعها على حرف واحد ، فإنّها في حال الكسر شبيهة بنحو «باء» الجرّ ، وفي حال الفتح شبيهة بنحو «واو» العطف ، وفي حال الضّمّ (١) شبيهة بنحو «م الله» (٢) في القسم (٣).

و «نا» مبنيّ أيضا لشبهه ـ في وضعه على حرفين ـ بالحرف ، نحو «قد».

وإنّما أعرب «أب وأخ» / لضعف الشّبه بكونه عارضا ، فإنّ أصلهما (٤) قبل الحذف «أبو ، وأخو» بدليل قولهم في التثنية : «أبوان وأخوان».

والثاني : الشّبه المعنويّ ، وهو ما أشبه الحرف في المعنى ، وهو المشار إليه بقوله : «والمعنويّ» أي : الشّبه المعنويّ في «متى» وفي «هنا». أمّا «متى» فأشبهت همزة الاستفهام إذا كانت استفهاما ، و «إن» الشّرطية إذا كانت شرطا ، وأمّا «هنا» فأشبهت معنى حرف لم يستعمل ، لأنّ «هنا» اسم إشارة ، والإشارة

__________________

١ / ٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٤٧ ، شرح الأزهرية مع حاشية العطار عليه : ٣٥ ، التبيين للعكبري : ١٥٠ ، شرح الألفية لابن باديس : (١٩ / أ) ، إرشاد الطالب النبيل : (١٨ / أ) ، حاشية ابن حمدون : ١ / ٢٠٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٣٥ ـ ٥٣٦.

(٣) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٤٧ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٨ / أ) ، شرح ابن باديس : (١٩ / أ) ، قال العطار في حاشيته (٣٥) : «والصحيح الذي عليه الجمهور أنه معرب بحركات مقدرة ، فهو من قسم المعرب تقديرا».

(١) في الأصل : وفي مثال الضمة. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٤٨.

(٢) في الأصل : يا لله.

(٣) في لغة من ضم الميم ، إذا لم تكن محذوفة من «ايمن». انظر : التصريح على التوضيح : ١ / ٤٨ ، الجنى الداني : ١٣٩ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٢٥ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٣٤ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٤٤١.

(٤) في الأصل : أصلها. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٤٨.

٥٨

معنى من معاني الحروف ، فحقّها أن يوضع لها حرف ، كالخطاب الموضوع له الكاف المسمّاة بـ «كاف الخطاب» ، والتّنبيه الموضوع له «ها» (١) المسمّاة بـ «ها» التّنبيه ـ بالقصر ـ.

والشّبه الثالث : الاستعماليّ ، والمراد به أنّ الاسم يبنى إذا أشبه بعض الحروف في الاستعمال ، كأسماء الأفعال ، مثل «صه» ، فإنّها أشبهت «إن» في كونها عاملة غير معمولة ، وهو المشار إليه بقوله : «وكنيابة عن الفعل» ، فعبّر عن هذا الشّبه بالنيابة عن الفعل ، لأنّ الفعل عامل غير معمول فيه ، وما ناب عنه كذلك.

واحترز بقوله : «بلا تأثّر» من المصدر النائب عن الفعل ، فإنّه متأثّر بالفعل الذي ناب عنه.

والشّبه الرابع : الافتقاريّ ، وهو أن يكون الاسم مفتقرا لغيره افتقارا مؤصّلا ، كالموصولات ، وهذا المشار إليه بقوله : «وكافتقار / أصّلا».

واحترز به من الافتقار غير المؤصّل ، كافتقار النّكرة الموصوفة بالجملة إلى ما بعدها ، فإنّه غير مؤصّل (٢) ، إذ لا يلزم ذكر الجملة بعدها.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ومعرب الأسماء ما قد سلما

من شبه الحرف كأرض وسما

إنّما أخّر المعرب وإن كان الأصل (تقديمه) (٣) ، لأنّ المبنيّ محصور فيما ذكر ، وما عداه معرب ، وقوله :

ومعرب الأسماء ما قد سلما

(يعني : أنّ ما سلم) (٤) من شبه الحرف في الأوجه المذكورة ، فهو معرب.

ولمّا كان المعرب (٥) على قسمين : ظاهر الإعراب ومقدّره ، أتى بمثال من الظّاهر الإعراب ، وهو «أرض» ، تقول : «هذه أرض» بالرفع ، «ورأيت أرضا» بالنصب ، «ومررت بأرض» بالخفض ، ومثال من المقدّر ، وهو «سما» مقصورا (٦) ،

__________________

(١) في الأصل : هما. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٤٩.

(٢) في الأصل : موصول. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٧ ، وذلك نحو «مررت برجل يكتب».

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٧.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٧.

(٥) في الأصل : العرب. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٧.

(٦) في الأصل : مقصور. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٧.

٥٩

مع ضمّ أوّله وفتح ثانيه ، وهي لغة من اللغات الستة الواردة في الاسم (١).

ثم قال رحمه‌الله تعالى :

وفعل أمر ومضيّ بنيا

 ...

لمّا فرغ من مبنيّ الأسماء ومعربها شرع في مبنيّ الأفعال ومعربها ، وبدأ بالمبنيّ منها وهو الأمر والماضي ، فالماضي مبنيّ على الفتح إذا لم يتّصل بآخره شيء ، كـ «ضرب ، ورمى» ، وعلى السّكون إن اتّصل به ضمير رفع متحرّك كـ «ضربت» ، وعلى الضّم إن اتّصل به واو الجمع كـ «ضربوا».

والأمر مبنيّ على السّكون / إن كان صحيح الآخر ولم يتّصل بآخره شيء ، نحو «اضرب» ، أو على حذف آخره إن كان معتلّ الآخر ، نحو «أغز ، وارم ، واخش» أو على حذف النون إن اتّصل بآخره ضمير تثنية أو ضمير جمع أو ضمير المؤنثة المخاطبة ، نحو «اضربا ، واضربوا ، واضربي».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

 ...

وأعربوا مضارعا إن عريا

من نون توكيد مباشر ومن

نون إناث كيرعن من فتن

يعني : أنّ الفعل المضارع يعرب بشرط أن يعرّى عن نون الإناث نحو «الهندات يرعن» ، أو نون التوكيد ، نحو «هل تقومنّ» ، ولمّا كان نون الإناث لا يكون إلا مباشرا للفعل لم يقيّده ، ولمّا كان التوكيد يوجد مباشرا للفعل وغير مباشر وأنّه لا يمنع من الإعراب إلّا إذا كان مباشرا نبّه على ذلك بقوله : «مباشر».

وفهم منه أنه إذا كان غير مباشر كان الفعل معربا سواء فصل (٢) عن الفعل

__________________

(١) في الأصل : الا. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٨.

ولغات الاسم الستة هي : «اسم» بضم الهمزة وكسرها ، و «سم» بضم السين وكسرها أيضا ، و «سما» بضم السين وكسرها. انظر شرح ابن عقيل : ١ / ٢٩ ، شرح المرادي : ١ / ٥٥ ، وقد أوصلها بعضهم إلى ثمان عشرة لغة ، جمعها من قال :

سم سمة اسم سماة كذا سما

سماء بتثليث لاوّل كلّها

انظر شرح دحلان : ١٠ ، حاشية الصبان : ١ / ٥٧ ، حاشية الخضري : ١ / ٢٩ ، وفي الأشموني (١ / ٥٧) : وفيه عشر لغات منقولة عن العرب : اسم ، وسم ، وسما ، مثلثة ، والعاشرة : سماة ، وقد جمعتها في قولي :

لغات الاسم قد حواها الحصر

في بيت شعر وهو هذا الشّعر

اسم وحذف همزة والقصر

مثلّثات مع سماة عشر

(٢) في الأصل : فضل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٨.

٦٠