شرح ابن طولون - ج ١

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

وأصله : قتل (شركائهم) (١) أولادهم ، ففصل بالمفعول بين المضاف ، والمضاف إليه ، لأنّ المضاف مصدر ، والمصدر / شبيه بالفعل.

الثّاني (٢) : اسم الفاعل ، كقوله عزوجل في قراءة (بعض السّلف) (٣) :

(فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ)(٤) [إبراهيم : ٤٧] ، ففصل بين «مخلف» ، و «رسله» بالمفعول ، وهو «وعده» (٥) ، لأنّ المضاف اسم فاعل ، واسم الفاعل شبيه بالفعل.

النّوع الثّاني : أن يكون الفصل بين المضاف والمضاف إليه بظرف معمول للمضاف ، كقوله :

١٤٣ ـ ...

كناحت يوما صخرة بعسيل

__________________

انظر حجة القراءات : ٢٧٣ ، النشر في القراءات العشر : ٢ / ٢٦٥ ، المبسوط في القراءات العشر : ٢٠٣ ، البيان لابن الأنباري : ١ / ٣٤٢ ، إعراب النحاس : ٢ / ٩٨ ، القراءات الشاذة : ٤٠ ـ ٤١ ، شرح المكودي : ١ / ٢٠٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٣٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٩٨١ ـ ٩٨٢ ، الهمع : ٤ / ٢٩٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٥٧.

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٥.

(٢) في الأصل : الثانية. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٥.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٥.

(٤) وقرأ الجمهور بجر «وعده» ونصب «رسله» ، فاسم الفاعل مضاف إلى المفعول الثاني ورسله مفعول أول.

انظر معاني الفراء : ٢ / ٨١ ، البحر المحيط لأبي حيان : ٥ / ٤٣٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٩٨٨ ، الهمع : ٤ / ٢٩٤ ، شرح المكودي : ١ / ٢٠٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٥٨.

(٥) في الأصل : عده. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٥.

١٤٣ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله ، وصدره :

فرشني بخير لا أكونن ومدحتي

رشني : أمر من راش السهم إذا ألزم عليه الريش ، ومعناه : أصلح حالي. ومدحتي : أي : مدحي ، والواو بمعنى : مع ، أي : مع مدحي. العسيل : مكنسة العطار التي يجمع فيها العطر ، ولا شك أن هذه المكنسة إذا مر بها على الصخرة لا تؤثر فيها ، وذلك كناية عن كون سعيه لا فائدة فيه مع حصول التعب. والشاهد في قوله : «يوما» فإنه ظرف فصل به بين المضاف ـ وهو «ناحت» ـ والمضاف إليه ـ وهو «صخرة» ـ والتقدير : كناحت صخرة يوما بعسيل.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٢٠٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٥٨ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٤٨١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٣٣ ، الدرة المضية (رسالة ماجستير) : ٢٦٢ ، أوضح المسالك : ١٥٣ ، الهمع (رقم) : ١٢٦٠ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٦٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٧٧ ، اللسان (عسل) ، شرح المرادي : ٢ / ٢٨٦ ، البهجة المرضية : ١٠٥ ، الضرائر : ١٩٣ ، المطالع السعيدة : ٤٣٢.

٤٨١

وهذا معنى قوله : «أو ظرفا» (١) ، وفهم منه جواز الفصل بالمجرور ، إذ الظّرف والمجرور من (واد) (٢) واحد ، ومن ذلك قوله :

١٤٤ ـ لأنت معتاد في الهيجا (٤) مصابرة

 ...

ففصل بين «معتاد» و «مصابرة» بقوله : «في الهيجا».

النّوع الثّالث : الفصل بالقسم ، ومنه ما حكى الكسائيّ : «هذا غلام والله زيد» (٥) ، ففصل بين «غلام» ، و «زيد» بالقسم ، وهذا معنى قوله : «ولم يعب فصل يمين».

ثمّ أشار إلى القسم الثّاني بقوله :

 ... واضطرارا ...

 ... إلى آخره

فجعل للاضطرار ثلاثة أنواع :

الأوّل : أن يكون الفاصل أجنبيا ، يعني : أجنبيا من المضاف ، كقوله :

__________________

(١) في الأصل : أو ظرف. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٥.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٥.

١٤٤ ـ من البسيط ، ولم أعثر على قائله ، وعجزه :

يصلى بها كلّ من عاداك نيرانا

الهيجا : الحرب. يصلى : من قولهم : «صليت الرجل نارا» إذا أدخلته فيها. والمعنى : أن عادتك الصبر في الحرب فبسببها تدخل أعداءك نارها. والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٢٠٥ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٤٨٥ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٨٦ ، الدرة المضية (رسالة ماجستير) : ٢٦٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٣٣.

(٣) في الأصل : الهجا. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٥.

(٤) وسمع أبو عبيدة : «إن الشاة لتجتر فتسمع صوت ـ والله ـ ربها». وحكى ابن الأنباري : «هذا غلام ـ إن شاء الله ـ ابن أخيك» بجر «ابن» بإضافة الغلام إليه والفصل بينهما بالشرط ، وهو «إن شاء الله». وزاد ابن مالك الفصل بـ «أما» ، كقول تأبط شرا :

هما خطّتا إمّا إسار ومنّة

وإمّا دم والقتل بالحرّ أجدر

في رواية الجر.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٩٩٣ ـ ٩٩٤ ، شرح المكودي : ١ / ٢٠٥ ، الإنصاف : ٢ / ٤٣٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٣٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٧٧ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٥٨ ، شرح الرضي : ١ / ٢٩٣ ، ابن عقيل مع الخضري : ٢ / ١٩ ، الهمع : ٤ / ٢٩٥ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٨٨.

٤٨٢

١٤٥ ـ كما خطّ الكتاب بكفّ يوما

يهوديّ يقارب أو يزيل (٢)

ففصل بين «كفّ» و «يهوديّ» بـ «يوما» ، وهو أجنبيّ من المضاف ، أي : غير معمول له.

الثّاني : أن يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالنّعت (ـ أي : بنعت) (٣) المضاف ـ كقول الشّاعر :

١٤٦ ـ نجوت وقد بلّ المراديّ سيفه

من ابن أبي شيخ الأباطح طالب

__________________

١٤٥ ـ من الوافر لأبي حية النيري (الهيثم بن الربيع) ، وبعده :

على أنّ البصير بها إذا ما

أعاد الطّرف يعجم أو يقيل

ويروى : «كتحبير الكتاب» بدل «كما خط الكتاب». الكاف في «كما» اسمية بمعنى :

مثل. يقارب : أي : اليهودي الخط ، يعني : يقارب بعض خطه من بعض. يزيل : يفرق ويباعد. وصف رسوم الدار فشبهها بالكتاب في دقتها والاستدلال بها ، وخص اليهودي لأنهم أهل كتاب ، وجعل كتابته بعضها متقارب وبعضها مفترق متباين ، لاقتضاء آثار الديار تلك الصفة والحال. والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٢٠٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٥٩ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٤٧٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٧٨ ، الكتاب مع الأعلم : ١ / ٩١ ، المقتضب : ٤ / ٣٧٧ ، الإنصاف : ٤٣٢ ، شرح ابن يعيش : ١ / ١٠٣ ، ٢ / ٢٥٠ ، الهمع (رقم) : ١٢٦٢ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٦٦ ، اللسان (عجم) ، شواهد ابن النحاس : ٤٣ ، شرح ابن الناظم : ٤١٠ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٩٠ ، شرح دحلان : ١٠٥ ، الإفصاح : ١١٥ ، الجامع الصغير : ١٤٧ ، أوضح المسالك : ١٥٤ ، الأصول : ٣ / ٤٦٧ ، التبصرة والتذكرة : ٢٨٧ ، البهجة المرضية : ١٠٥ ، الضرائر : ١٩٢ ، كاشف الخصاصة : ١٨٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٩٧٩.

(١) في الأصل : أو يزيد. انظر المصادر المتقدمة.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٥.

١٤٦ ـ من الطويل ، لمعاوية بن أبي سفيان رضي‌الله‌عنهما ، قاله لما اتفق على قتله وقتل علي بن أبي طالب وعمرو بن العاص رضي‌الله‌عنهم ، فقتل علي ونجا هو وعمرو بن العاص.

المرادي : هو عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي رضي‌الله‌عنه. والمراد من قوله : «ابن أبي شيخ الأباطح طالب» علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. الأباطح : جمع «أبطح» وهو في الأصل مسيل ماء فيه دقاق الحصى ، وأراد بها مكة شرفها الله. والشاهد فيه الفصل بين المضاف والمضاف إليه بنعت المضاف ـ وهو «شيخ الأباطح» ـ للضرورة ، وإنما جعل نعتا للمضاف نظرا إلى تبعيته له في الإعراب ، وإلا فهو في الحقيقة نعت لمجموع الكلمتين الذي هو الكنية.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٢٠٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٥٩ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٤٧٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٣٤ ، عمدة الحافظ لابن مالك : ٣٨٥ ، المطالع السعيدة : ٤٣٥ ، أوضح المسالك : ١٥٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٩٩٠ ، الهمع (رقم) : ١٢٦٥ ، الدرر الوامع : ٢ / ٦٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٧٨ ، شرح ابن عقيل :

٤٨٣

أراد : من ابن / أبي طالب شيخ الأباطح ، وهو المراد بقوله : «أو نعت».

الثّالث (١) : النّداء ، كقول الشّاعر :

١٤٧ ـ وفاق كعب بجير منقذ لك من

تعجيل تهلكة (٣) والخلد في سقرا

وهو المراد بقوله : «أو ندا» (٤).

__________________

٢ / ٢٠ ، شواهد الجرجاوي : ١٦٩ ، شرح ابن الناظم : ٤١١ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٩٣ ، شرح دحلان : ١٠٥ ، كاشف الخصاصة : ٨٦ ، التحفة المكية (رسالة ماجستير) : ١١٩.

(١) في الأصل : الثالثة. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٦.

١٤٧ ـ من البسيط لبجير بن زهير بن أبي سلمى ، أخي كعب بن زهير ، من قصيدة له يحرض بها أخاه كعبا على الإسلام. والخلد : بالجر عطف على قوله : «من تعجيل» أي : ومن الخلد في السقر ، وهو النار يوم القيامة. والمعنى : يا كعب موافقة أخيك بجير على الإسلام منجية لك من الهلاك المعجل في الدنيا ، والخلود في جهنم في الأخرى. والشاهد فيه الفصل بالمنادى ـ وهو «كعب» ـ بين المضاف ـ وهو «وفاق» ـ والمضاف إليه ـ وهو «بجير» ـ ، والتقدير : وفاق بجير يا كعب منقذ لك ، وذلك ضرورة.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٢٠٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٧٩ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٤٨٩ ، الهمع (رقم) : ١٢٦٧ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٦٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٣٤ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٢٠ ، التحفة المكية (رسالة ماجستير) : ١٢١ ، شواهد الرجاوي : ١٧٠ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٩٤ ، شواهد العدوي : ١٧٠.

(٢) في الأصل : تملكة. انظر المراجع المتقدمة.

(٣) وزاد في التسهيل : الفصل بفعل ملغى ، أنشد ابن السكيت :

بأيّ تراهم الأرضين حلّوا

أراد : بأي الأرضين تراهم. وزاد غيره الفصل بالمفعول لأجله ، نحو :

معاود جرأة وقت الهوادي

أي : معاود وقت الهوادي جرأة.

انظر التسهيل : ١٦١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٣٤ ـ ٥٣٥ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٦٠ ، الهمع : ٤ / ٢٩٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠.

٤٨٤

الباب التاسع والعشرون

المضاف إلى ياء المتكلم

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

المضاف إلى ياء المتكلّم

آخر ما أضيف لليا اكسر إذا

لم يك معتلّا كرام وقذا

أو يك كابنين وزيدين فذي

جميعها اليا بعد فتحها احتذي

إنّما أفرد هذا الباب بالذّكر ، لأنّ فيه أحكاما ليست في الّذي قبله.

فمنها أنّ آخر المضاف إلى الياء يكون مكسورا ، وإلى ذلك أشار بقوله : «آخر ما أضيف لليا اكسر» ، نحو «هذا صاحبي وصديقي» ، ويستثنى من ذلك المعتلّ الآخر ، والمثنّى ، وجمع المذكّر السّالم.

وقد أشار إلى الأوّل بقوله : «إذا لم يك معتلّا» ، يعني : اكسر ما لم يكن المضاف إلى الياء معتلّ الأخير ، وشمل المقصور والمنقوص ، ولذلك أتى بمثالين ، فقال : «كرام ، وقذا» ، فـ «رام» مثال للمنقوص ، و «قذا» مثال للمقصور ، و «القذا» ما يقع في العين (١).

ثمّ نبّه على الثّاني والثّالث بقوله : «أو يك كابنين وزيدين» يعني : أو يك مثنّى كـ «ابنين» ، أو جمعا ، كـ «زيدين».

وفهم من كلامه أنّ هذه الأشياء الّتي ذكرت (٢) لا يكون ما قبل الياء / فيها مكسورا.

وأمّا حكم الياء في نفسها فقد نبّه عليه بقوله :

 ... فذي

جميعها اليا بعد فتحها احتذي

__________________

(١) وما ترمى به ، وجمعه أقذاء وقذى. انظر اللسان : ٥ / ٣٥٦٢ (قذى) ، شرح المكودي : ١ / ٢٠٧.

(٢) في الأصل : ذكر. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٧.

٤٨٥

«ذي» إشارة إلى الأربعة المذكورة ، يعني : أنّ هذه الأشياء المذكورة تكون الياء بعدها مفتوحة ، وفهم من قوله : «احتذي» وجوب فتحها.

وفهم من تخصيصه (الياء) (١) في هذه المواضع : أنّ هذه الياء في غيرها لا يجب فتحها ، (بل يجوز فتحها) (٢) وسكونها ، نحو «غلامي ، وغلامي».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وتدغم اليا فيه والواو وإن

ما قبل واو ضمّ فاكسره يهن

وألفا سلّم وفي المقصور عن

هذيل انقلابها ياء حسن

يعني : أنّ ما قبل ياء المتكلّم إن كان ياء ـ أدغم في الياء ، وشمل المنقوص ، نحو «رواسيّ» (٣) ، والمثنّى والمجموع على حدّه في حالة الجرّ والنّصب ، نحو «مررت بزيديّ ، ورأيت (٤) زيديّ ، ومررت بمسلميّ ، ورأيت مسلميّ» في «زيدين ، ومسلمين».

(وقوله) (٥) «والواو» يعني : في جمع المذكّر السّالم في حالة الرّفع ، وفهم منه وجوب قلب الواو ياء ، لأنّ الحرف لا يدغم إلّا في مثله.

وفهم من قوله : «وإن ما قبل واو ضمّ» (٦) أنّ ما قبل الواو في الجمع (٧) يكون مضموما ، فيجب كسره بعد قلب الواو ياء ، وإدغامها في الياء ، نحو «هؤلاء مسلميّ» ، ويكون مفتوحا ، فيبقى على حاله ، نحو «هؤلاء مصطفيّ» في جمع (٨) / «مصطفى».

__________________

(١ ـ ٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٧.

(٣) الرواسي : الجبال الثوابت ، قال أبو حيان في قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) : «والمعنى : جبالا رواسي ، وفواعل الوصف لا يطرد إلا في الإناث ، إلا أن جمع التكسير من المذكر الذي لا يعقل يجري مجرى جمع الإناث ، وأيضا فقد غلب على الجبال وصفها بالرواسي ، وصارت الصفة تغني عن الموصوف ، وقيل : رواسي جمع راسية والهاء للمبالغة». انتهى. وفي اللسان : الرواسي من الجبال : الثوابت الرواسخ ، قال الأخفش واحدتها راسية.

انظر البحر المحيط : ٥ / ٣٦١ ، اللسان : ٣ / ١٦٤٧ (رسا) ، تفسير أبي السعود : ٣ / ١٤٦ (دار الفكر) ، روح المعاني للآلوسي : ١٤ / ٢٨ ، تفسير الخازن : ٤ / ٣ ، ٨٣ ، تفسير البغوي (بهامش الخازن) : ٤ / ٣ ، تاج العروس : ١٠ / ١٥٠ (رسا) ، أساس البلاغة : ١٦٣ (رسو) ، تهذيب اللغة : ١٣ / ٥٦ (رسو).

(٤) في الأصل : ووليت. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٧.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٧.

(٦) في الأصل : أن ما قبل واو ضم. مكرر.

(٧) في الأصل : الجميع. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٧.

(٨) في الأصل : جميع. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٧.

٤٨٦

وقوله : «وألفا سلّم» أي : اتركها على حالها ، وشمل المقصور ، نحو «فتاي ، وعصاي» ، والمثنّى في حالة الرّفع ، نحو «هذان غلاماي». هذه لغة جمهور العرب ، وهذيل يبدلون ألف المقصور ياء ، ويدغمونها في الياء الّتي للمتكلّم (١) ، وهو المنبّه عليه بقوله :

 ... وفي المقصور عن

هذيل انقلابها ياء حسن

وفهم من تخصيصه المقصور : أنّ ألف التّثنية لا تبدل عندهم.

وفهم منه أيضا : أنّ الياء المبدلة من الألف تدغم في ياء المتكلّم لاجتماع مثلين ، الأوّل منهما ساكن ، فتقول : «هذا فتيّ» ، ومن ذلك قول شاعرهم :

١٤٨ ـ سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم

فتفرّقوا ولكلّ جنب مصرع

و «يهن» هاؤه مضمومة من «هان يهون» إذا سهل ، ولا يصحّ كسرها ، لأنّه مضارع «وهن يهن» إذا ضعف (٣) ، لأنّ المراد (به إذا) (٤) أدغم : يسهل ويخفّ ، لا يضعف (٥).

__________________

(١) وحكى هذه اللغة عيسى بن عمر عن قريش. انظر شرح المرادي : ٢ / ٢٩٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١٠٠٤ ، شرح المكودي : ١ / ٢٠٨ ، التسهيل : ١٦١ ـ ١٦٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٦١ ، الهمع : ٤ / ٢٩٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٨١ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٢١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٣٧.

١٤٨ ـ من الكامل لأبي ذؤيب الهذلي في ديوان الهذليين (١ / ٢) ، من قصيدة له يرثي بها أبناءه الخمسة الذين ماتوا بالطاعون في سنة واحدة ، أولها :

أمن المنون وريبه تتوجّع

والدّهر ليس بمعتب من يجزع

ويروى : «تركوا» بدل «سبقوا» ، ويروى : «لسبيلهم» بدل «لهواهم» ، ويروى : «ففقدتهم» بدل «فتفرقوا» ، كما يروى أيضا «فتجزموا» أي : انقطعوا ، ويروى كذلك : «فتخرموا» أي : ماتوا واحدا واحدا. أعنقوا : أي : تبع بعضهم بعضا. ولكل جنب مصرع : معناه كل إنسان يموت. والشاهد في قوله : «هوي» حيث قلب فيه ألف المقصور ياء وأدغمت الياء في الياء ، فإن أصله «هواي» ، وهذا لغة هذيل ، فإنهم يفعلون ذلك في كل مقصور.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٢٠٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٦١ ، المفضليات : ٤٢١ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٤٩٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١٠٠٤ ، المطالع السعيدة : ٤٣٦ ، المسائل العسكرية : ١٦٠ ، أمالي المرتضى : ١ / ٢٩٣ ، شرح ابن يعيش : ٣ / ٣١ ، شواهد الجرجاوي : ١٧١ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٦٨ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٢٨١ ، المحتسب : ٤٣٦ ، جواهر الأدب : ٢١٦ ، المقرب : ١ / ٢١٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٨٢ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٢١ ، شواهد المفصل والمتوسط : ١ / ٢٢٧ ، الهمع (رقم) : ١٢٧٢ ، التوطئة : ٢٥٣ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٧٨٦ ، شرح ابن الناظم : ٤١٥ ، كاشف الخصاصة : ٨٧ ، إعراب النحاس : ١ / ٢١٦ ، ٢ / ١١١.

(٢) في الأصل : أضيف. انظر شرح المكودي : ١ / ١٠٨.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٨.

(٤) انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٨ ، إعراب الألفية : ٧١ ، اللسان : ٦ / ٤٧٢٤ (هون) ، ٤٩٣٥ (وهن).

٤٨٧

الباب الثلاثون

إعمال المصدر

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

إعمال المصدر

بفعله المصدر ألحق في العمل

مضافا أو مجرورا أو مع أل

إن كان فعل مع أن أو ما يحلّ

محلّه ولاسم مصدر عمل

يعني : أنّ المصدر (١) يلحق في العمل بفعله (٢) الّذي اشتقّ منه في رفع

__________________

(١) المصدر ـ كما في التعريفات ـ «هو الاسم الذي اشتق منه الفعل وصدر عنه». هذا عند البصريين. وذهب الكوفيون إلى أن المصدر مشتق من الفعل وفرع عليه ، وقد تقدم الخلاف في الاشتقاق في المفعول المطلق. وحده ابن الحاجب بقوله : «المصدر اسم الحدث الجاري على الفعل».

انظر التعريفات : ٢١٦ ، شرح الكافية للرضي : ٢ / ١٩١ ، الإنصاف : ١ / ٢٣٥ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ١٨٩ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٨٩٦ ، معجم المصطلحات النحوية : ١٢٣ ، معجم مصطلحات النحو : ١٧٧ ، معجم النحو : ٣٤٣.

(٢) عمل المصدر لا يتقدر بزمان ، بل يعمل ماضيا ، وحالا ، ومستقبلا ، خلافا لابن أبي العافية في قوله : «لا يعمل في الماضي». قال أبو حيان : ولعله لا يصح عنه. ولعمله شروط :

الأول : أن يكون مظهرا ، فلو أضمر لم يعمل ، وأجاز الكوفيون إعماله مضمرا ، وأجازوا : «مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح» وأجاز الرماني وابن ملكون ، وابن جني ، ونقل عن الفارسي : جواز إعماله مضمرا في المجرور لا في المفعول الصريح ، وقياسه في الظرف.

الثاني : أن يكون مفردا ، فإن ثني لم يجز إعماله ، وإن كان مجموعا جمع تكسير فأجازه قوم وهو اختيار ابن هشام اللخمي وابن عصفور وابن مالك ، وسمع من كلامهم : «تركته بملاحس البقر أولادها» وذهب أبو الحسن بن سيده إلى أنه لا يجوز إعماله ، واختاره أبو حيان.

الثالث : أن يكون مكبرا ، فلا يجوز أن تقول : «عجبت من ضريبك زيدا».

الرابع : ألا يكون محدودا ، فلا يجوز «عجبت من ضربتك زيدا».

الخامس : ألا يتبع بتابع قبل أخذه متعلقاته ، فلا يجوز «عجبت من ضربك الشديد زيدا» ، ولا «من شربك وأكلك الماء» ، ولا «من ضربك نفسه زيدا» ، ولا «من إتيانك مشيك زيدا» ، فلو أخذت هذه التوابع بعد أخذ المصدر متعلقاته جاز ، وما جاء من إعماله متبوعا بتابع قبل أخذه متعلقاته فشاذ لا يقاس عليه.

٤٨٨

الفاعل إن كان لازما ، نحو «عجبت من قيام زيد» ، وفي رفع الفاعل ونصب المفعول إن كان متعدّيا لواحد (١) / ، نحو (٢) «عجبت من ضرب زيد عمرا» ، ويتعدّى بحرف الجرّ إن كان فعله يتعدّى بذلك الحرف ، نحو «أعجبني مرور بزيد» ، ويتعدّى إلى مفعولين (٣) إن كان الفعل يتعدّى إليهما ، نحو «عجبت من إعطاء زيد عمرا درهما» ، وكذلك المتعدّي إلى ثلاثة ، نحو «عجبت من إعلام زيد عمرا بكرا شاخصا».

وهذا كلّه مستفاد من قوله :

بفعله المصدر ألحق في العمل

وهذا سواء كان مضافا أو مجرّدا من الإضافة أو مقترنا بـ «أل» (٤) ، وإلى ذلك أشار بقوله :

مضافا أو مجرّدا أو مع أل

لكن إعماله مضافا أكثر من إعماله مجرّدا ، وإعماله مجرّدا أكثر من إعماله مقترنا بـ «أل».

وإلحاقه بفعله في العمل المذكور ليس مطلقا ، بل بشرط نبّه عليه بقوله :

إن كان فعل مع أن أو ما يحلّ

محلّه ...

__________________

انظر ارتشاف الضرب : ٣ / ١٧٣ ـ ١٧٤ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ٢٢٦ ـ ٢٢٩ ، الهمع : ٥ / ٦٥ ـ ٦٦ ، ٧٠ ، شرح المرادي : ٣ / ٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٨٦.

(١) في الأصل : بالواحد. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٩.

(٢) في الأصل : عجبت من قيام زيد وفي رفع الفاعل ونصب المفعول إن كان متعديا لواحد نحو. مكرر.

(٣) في الأصل : المفعولين. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٩.

(٤) لا خلاف في إعمال المضاف ، وفي بعضهم ما يشعر بالخلاف. أما المجرد فقد أجازه البصريون ، ومنعه الكوفيون ، فإن وقع بعده مرفوع أو منصوب فهو عندهم بفعل مضمر. وأما المقترن بـ «أل» فأجازه سيبويه ومن وافقه ، ومنعه الكوفيون ، والبغداديون ، وبعض البصريين ، كابن السراج ونقل عن الفراء ، وأجازه الفارسي على قبح ، ونقل عن سيبويه وكافة البصريين ، وقال ابن الطراوة وابن طلحة : إن عاقبت «أل» الضمير جاز إعماله ، نحو «يا زيد عجبت من الضرب عمرا» ، تريد : من ضربك ، وإن لم تعاقبه لم يجز ، نحو «عجبت من الضرب زيد عمرا».

انظر شرح الأشموني : ٢ / ٢٨٤ ، شرح المرادي : ٣ / ٥ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ٢٣٥ ، الكتاب : ١ / ٩٩ ، الهمع : ٥ / ٧١ ـ ٧٢ ، الأصول : ١ / ١٣٧ ، ارتشاف الضرب : ٣ / ١٧٦.

٤٨٩

يعني : أنّه لا يعمل العمل المذكور إلّا إذا صحّ أن يحلّ محلّه (١) الفعل و «أن» أو «ما» المصدريّتان (٢) ، نحو «أعجبني قيامك» أي : أن تقوم ، و «عجبت من قيامك الآن» أي : ممّا تقوم الآن.

وشمل قوله : «أن» النّاصبة / والمخفّفة (٣)(٤).

وفهم منه : أنّ المصدر إذا لم يحلّ محلّه «أن» أو «ما» ، لا يعمل عمل الفعل ، نحو «له صوت صوت حمار» ولذلك جعل «صوت حمار» معمولا لفعل محذوف تقديره : يصوّت.

ثمّ قال :

 ...

 ... ولاسم مصدر عمل

اسم المصدر : هو ما في أوّله ميم مزيدة لغير المفاعلة ، نحو «المحمل ، والمضرب» ، أو كان لغير الثّلاثيّ (٥) بوزن ما للثّلاثيّ (٦) ، نحو «الوضوء ، والغسل» فإنّ فعلهما «توضّأ ، واغتسل» (٧).

وإنّما فصل النّاظم هذا النّوع من المصدر لقلّة عمله (٨) ، وفي تنكير «عمل» تنبيه على ذلك ـ كما ذكر الشّارح (٩) ـ.

__________________

(١) في الأصل : محل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٩.

(٢) انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٩. وقال الأشموني (٢ / ٢٨٥) : «فيقدر بـ «أن» إذا أريد المضي أو الاستقبال ، نحو «عجبت من ضربك زيدا أمس ، أو غدا» ، والتقدير : من أن ضربت زيدا أمس ، أو من أن تضربه غدا ، ويقدر بـ «ما» إذا أريد الحال ، نحو «عجبت من ضربك زيدا الآن» أي : مما تضربه». انتهى. وانظر شرح المرادي : ٢ / ٥ ، الهمع : ٥ / ٦٧.

(٣) في الأصل : والمخففة. مكرر.

(٤) ذكر السيوطي في الهمع (٥ / ٦٧) : أن المصدر يقدر بـ «أن» المخففة والفعل إذا أريد به المضي أو الحال أو الاستقبال ، وأنه يقدر بـ «ما» إذا أريد به المضي أو الحال. وانظر ارتشاف الضرب : ٣ / ١٧٣.

(٥ ـ ٦) في الأصل : الثاني. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٠.

(٧) وقال ابن مالك في التسهيل (١٤٢) : «هو ما دل على معناه ـ يقصد معنى المصدر ـ وخالفه بخلوه لفظا وتقديرا دون عوض من بعض ما في فعله». انتهى.

وانظر شرح المكودي : ١ / ٢١٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٨٧ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٢٣ ، معجم المصطلحات النحوية : ١٢٣ ، معجم النحو : ٣٢.

(٨) واختلف في إعمال اسم المصدر : فأجازه الكوفيون والبغداديون إلحاقا له بالمصدر ، كقوله :

وبعد عطائك المائة الرّتاعا

وقال الكسائي : إلا ثلاثة ألفاظ ، فلا يقال : «عجبت من خبزك الخبز» ، ولا «من دهنك رأسك» ، ولا «من قوتك عيالك». وأجاز الفراء ذلك ، وحكى عن العرب مثل «أعجبني

٤٩٠

ومن إعماله قول عائشة رضي الله تعالى عنها : «من قبلة الرّجل امرأته الوضوء» (١) ، فأعمل «قبلة» وهو اسم مصدر ، لأنّ فعله «قبل».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وبعد جرّه الّذي أضيف له

كمّل بنصب أو برفع عمله

قد تقدّم أنّ المصدر يكون مضافا ، ومجرّدا ، ومقرونا بـ «أل».

فالمصدر إن كان مضافا إلى الفاعل ، كمّل بنصب مفعوله ، وهذا هو المراد بقوله : «كمّل بنصب» ، نحو «أعجبني أكل زيد الخبز» ، ومنه قوله سبحانه وتعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) [البقرة : ٢٥١] ، وإن كان مضافا إلى المفعول كمّل برفع فاعله ، وهذا هو المراد بقوله : «أو برفع» ، نحو «أعجبني أكل الخبز (٢)

__________________

دهن زيد لحيته». ومنعه البصريون وتأولوا ما ورد منه على إضمار فعل. وذهب الصيمري إلى أن إعماله من النوادر. هذا إذا لم يكن علما ، فإن كان علما لم يعمل اتفاقا ، وذلك لتعريفه بالعلمية ، والإعلام لا تعمل. وإن كان ميميا فكالمصدر في العمل اتفاقا ، لأنه مصدر حقيقة ، نحو :

أظلوم إنّ مصابكم رجلا

فـ «مصاب» مصدر ميمي مضاف إلى فاعله ، و «رجلا» مفعوله.

انظر الهمع : ٥ / ٧٧ ، شرح المرادي : ٣ / ٩ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٢٤ ، التبصرة والتذكرة : ١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٨٨ ، الأصول : ١ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٦٣ ـ ٦٤ ، شرح الرضي : ٢ / ١٩٨ ، شرح الشذور : ٤١٠.

قال ابن الناظم في شرحه (٤١٨) : «ولاسم مصدر عمل» بتنكير «عمل» لقصد التقليل ، إشارة إلى أن اسم المصدر قد يعطي حكم المصدر ، فيعمل عمل فعله ، كقول الشاعر :

أكفرا بعد ردّ الموت عنّي

وبعد عطائك المائة الرّتاعا»

انتهى. وانظر شرح المكودي : ١ / ٢١٠.

(١) وفي موطأ الإمام مالك (١ / ٤٤ ـ حديث رقم : ٦٥) : «وحدثني ـ يقصد يحيى ـ عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول : «من قبلة الرّجل امرأته الوضوء». وانظر حديث رقم : ٦٦ ، شرح الموطأ للزرقاني : ١ / ٨١ ، تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك للسيوطي : ١ / ٦٥ ، المسوي شرح مالك للدهلوي : ١ / ٧٣ ، المنتقى شرح موطأ مالك للباجي : ١ / ٩٣ ، أوجز المسالك إلى موطأ مالك للكاندهلوي : ١ / ٢٧٨ ، و «الوضوء» ـ بالرفع ـ مبتدأ مؤخر ، و «من قبلة» خبر مقدم ، و «قبلة» اسم مصدر «قبل» ، وقياس مصدره «التقبيل» ، و «الرجل» مضاف إليه من إضافة اسم المصدر إلى فاعله ، و «امرأته» ـ بالنصب ـ مفعوله. ونسب إلى عائشة رضي‌الله‌عنها في شرح المكودي : ١ / ٢١٠ ، شرح ابن الناظم : ٤١٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٨٨ (وفيه : «زوجته» بدل «امرأته») ، ابن عقيل مع الخضري : ٢ / ٢٣ ، شرح المرادي : ٣ / ٩ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ٢٣٨.

(٢) في الأصل : زيد الخبز. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٠.

٤٩١

عمرو» ، ومنه قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ / اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [عمران : ٩٧] في أحد التّأويلات (١).

وإضافته إلى الفاعل ونصب المفعول ـ أكثر من إضافته إلى المفعول ورفع الفاعل.

وقوله : «كمّل» (٢) لا يريد أنّ ذلك واجب ، بل جائز ، لأنّه يجوز أن يضاف إلى الفاعل ولا يذكر معه مفعول ، نحو «أعجبني أكل زيد» ، وإلى المفعول ولا يذكر معه فاعل ، نحو «أعجبني أكل الخبز» ، ومنه قوله عزوجل : (بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) [ص : ٢٤].

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وجرّ ما يتبع ما جرّ ومن

راعى في الاتباع المحلّ فحسن

قد تقدّم أنّ المصدر يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول ، فإن أضيف إلى الفاعل فلفظه مجرور ، وموضعه مرفوع ، وإن أضيف إلى المفعول فلفظه مجرور وموضعه منصوب إن قدّر بـ «أن» وفعل الفاعل ، ومرفوع إن قدّرناه بـ «أن» وفعل المفعول ، فيجوز في تابع المضاف إليه إذا كان فاعلا ـ الجرّ على اللّفظ والرّفع على الموضع.

__________________

(١) فـ «حج» مصدر مضاف إلى المفعول ، وكمل برفع الفاعل ، قال ابن هشام : «قول ابن السيد في قوله تعالى (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) أن «من» فاعل بالمصدر ، ويرده : أن المعنى حينئذ «ولله على الناس أن يحج المستطيع ، فيلزم تأثيم جميع الناس إذا تخلف مستطيع عن الحج ، وفيه مع فساد المعنى ضعف من جهة الصناعة ، لأن الإتيان بالفاعل بعد إضافة المصدر إلى المفعول شاذ». انتهى. وأجيب عنه : بأن الفساد مبني على كون «أل» في الناس للاستغراق ، وليس كذلك ، بل للعهد الذكري ، لأن «حج» مبتدأ ، ورتبة المبتدأ مع متعلقاته التقديم ، فالمعنى : حج المستطيعين البيت واجب لله على هؤلاء المستطيعين.

التأويل الثاني : أن «من» بدل من «الناس» بدل بعض من كل ، وحذف رابطه لفهمه ، أي : من استطاع منهم.

الثالث : أن «من» مبتدأ ، والخبر محذوف أي : فعليه أن يحج.

الرابع : أن «من» شرطية جوابها محذوف. أي : فليحج.

انظر مغني اللبيب : ٦٩٤ ، حاشية الصبان : ٢ / ٢٨٩ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٢٤ ، البيان لابن الأنباري : ١ / ٢١٣ ـ ٢١٤ ، إملاء ما من به الرحمن : ١ / ١٤٤ ، الأصول : ٢ / ٤٧ ، الهمع : ٥ / ٢١٣ ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ٢١٠ ، ارتشاف الضرب : ٣ / ١٧٩.

(٢) في الأصل : وكمل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٠ ، الألفية : ٩٣.

٤٩٢

وشمل قوله : «ما يتبع» جميع التّوابع (١) ، فتقول : «أعجبني أكل زيد الظّريف» ، ـ بالجرّ ـ حملا على اللّفظ و «الظّريف» ـ وبالرّفع ـ حملا على الموضع ، وكذلك تقول : «أعجبني أكل زيد وعمرو ، وعمرو» ، و «أعجبني أكل اللّحم والخبز» بالجرّ ، حملا على اللّفظ ، وبالنّصب حملا على (الموضع ، على) (٢) تقدير المصدر بـ «أن» وفعل الفاعل ، وبالرّفع أيضا على الموضع / على تقدير المصدر بـ «أن» وفعل المفعول ، والتّقدير : (أن) (٣) أكل الخبز واللّحم.

وقوله : «المحلّ» شاملا للأوجه المذكورة كلّها ، والأحسن في ذلك الحمل على اللّفظ ، ولذلك بدأ به.

__________________

(١) هذا مذهب الكوفيين وطائفة من البصريين ، وذهب سيبويه ومن وافقه من أهل البصرة إلى أنه لا يجوز الإتباع على المحل ، وفصل الجرمي فأجاز في العطف والبدل ، ومنع في التوكيد والنعت. قال المرادي : والظاهر الجواز لورود السماع ، والتأويل خلاف الظاهر.

انظر شرح المرادي : ٣ / ١٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٩١ ، ارتشاف الضرب : ٣ / ١٧٧ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٦٤ ـ ٦٥.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٠.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١١.

٤٩٣

الباب الحادي والثلاثون

إعمال اسم الفاعل

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

إعمال اسم الفاعل

كفعله اسم فاعل في العمل

إن كان عن مضيّه بمعزل

المراد باسم الفاعل : ما دلّ على حدث وفاعله ، جار مجرى الفعل في الحدوث (١) والصّلاحيّة للاستعمال بمعنى الماضي والحال والاستقبال (٢). وقوله :

كفعله اسم فاعل في العمل

يعني : أنّ اسم الفاعل يعمل عمل فعله (٣) ، فيرفع الفاعل إن كان فعله

__________________

(١) في الأصل : الحدث. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١١.

(٢) وحده في التسهيل : هو الصفة الدالة على فاعل جارية في التذكير والتأنيث على المضارع من أفعالها لمعناه أو معنى الماضي. وقال ابن الحاجب : اسم الفاعل ما اشتق من فعل لمن قام به بمعنى الحدوث. وفي شرح الكافية لابن مالك : اسم الفاعل ما صيغ من مصدر موازنا للمضارع ليدل على فاعله غير صالح للإضافة إليه كـ «ضارب» و «مكرم» ، و «مستخرج».

انظر في ذلك شرح المكودي : ١ / ٢١١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٦٥ ، التسهيل : ١٣٦ ، شرح الرضي : ٢ / ١٩٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٩٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١٠٢٨ ، شرح المرادي : ٣ / ١٤ ، حاشية الخضري : ٢ / ٢٤ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٨٦٣ ، التعريفات : ٢٦ ، الهمع : ٥ / ٧٩ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ١٩٥ ، معجم المصطلحات النحوية : ١٧٦ ، معجم النحو : ١٦.

(٣) يعمل اسم الفاعل عمل فعله بشروط ، منها :

أولا : أن يكون مكبرا ، فلا يجوز «هذا ضويرب زيدا». هذا مذهب البصريين والفراء ، وذهب الكسائي وباقي الكوفيين إلى جواز إعماله مصغرا ، وتابعهم أبو جعفر النحاس. وقال ابن عصفور : إذا كان الوصف لا يستعمل إلا مصغرا ولم يلفظ به مكبرا جاز إعماله ، قال الشاعر :

فما طعم راح في الزجاج مدامة

ترقرق في الأيدي كميت عصيرها

في رواية من جر «كميت».

ثانيا : أن لا يوصف قبل العمل ، فلا يجوز «هذا ضارب عاقل زيدا». هذا مذهب البصريين والفراء ، وذهب الكسائي وباقي الكوفيين إلى جواز إعماله وإن تأخر معموله عن الوصف ، فإن ـ ـ تقدم معموله على الوصف جاز بلا خلاف ، نحو «هذا ضارب زيدا عاقل».

انظر ارتشاف الضرب : ٣ / ١٨١ ـ ١٨٢ ، الهمع : ٥ / ٨١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٩٤ ، شرح المرادي : ٣ / ١٦ ـ ١٧ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ١٩١ ـ ١٩٢ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٠٣ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٥٤.

٤٩٤

لازما ، نحو : «أقائم زيد» ، وينصب المفعول إن كان فعله متعدّيا لواحد ، نحو «أضارب زيد عمرا» وينصب مفعولين إن كان فعله متعدّيا لاثنين ، نحو «أمعط زيد عمرا درهما» ، وينصب ثلاثة مفاعيل إن كان فعله متعدّيا لثلاثة ، نحو «أمعلم زيد عمرا بكرا منطلقا» ، وهذه كلّها مستفادة من قوله :

كفعله اسم فاعل في العمل

لكن لا يعمل العمل المذكور إلّا بشرطين :

أشار إلى الأوّل منهما بقوله :

إن كان عن مضيّه بمعزل

يعني : أنّ اسم الفاعل لا يعمل عمل فعله إلّا إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، لأنّه أشبه فعله في الحركات ، والسّكنات ، وعدد الحروف ، نحو «أنا ضارب زيدا غدا / ، أو الآن» ، فلو كان بمعنى المضيّ لم يعمل ، لأنّه لم يشبه فعله فيما ذكر (١).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وولي استفهاما أو حرف ندا

أو نفيا أو جا صفة أو مسندا

هذه إشارة إلى الشّرط الثّاني من شرطي إعمال اسم الفاعل ، وهو أن يعتمد على شيء قبله ، وذكر من ذلك خمسة مواضع :

__________________

(١) وأجاز عمله الكسائي ، وتبعه هشام وابن مضاء وجماعة ، مستدلين بقوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ.) وردّ بأنه حكاية حال. وهذا الخلاف في عمل الماضي دون «أل» بالنسبة إلى المفعول به ، فأما بالنسبة إلى الفاعل : فذهب بعضهم إلى أنه لا يرفع الظاهر ، وبه قال ابن جني والشلوبين. وذهب قوم إلى أنه يرفعه ، وهو ظاهر كلام سيبويه ، واختاره ابن عصفور.

وأما المضمر : فحكى ابن عصفور الاتفاق على أنه يرفعه ، وحكى غيره عن ابن طاهر وابن خروف أنه لا يرفعه ولا يتحمله.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١٠٤٣ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٦٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٥٠ ، شرح المرادي : ٣ / ١٤ ـ ١٥ ، الهمع : ٥ / ٨١ ـ ٨٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، ارتشاف الضرب : ٣ / ١٨٤ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ١٩٧ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٠١.

٤٩٥

الأوّل : أن يلي الاستفهام ، نحو «أضارب أنت عمرا».

الثّاني : أن يلي حرف النّداء ، نحو «يا طالعا جبلا» ، والظّاهر أنّ هذا اسم اعتمد على موصوف ، لأنّ التّقدير : يا رجلا طالعا جبلا ، وليس حرف النّداء ممّا (١) يقرّب من الفعل ، لأنّه خاص بالاسم (٢).

الثّالث : أن يلي نفيا ، نحو «ما ضارب أنت زيدا».

الرّابع : أن يكون (٣) صفة لموصوف ، نحو «مررت برجل ضارب عمرا» ، وفي ضمن ذلك : الحال ، لأنّها صفة في المعنى ، نحو «جاء زيد راكبا فرسا».

الخامس : أن يكون مسندا ، وشمل : الخبر ، وما أصله الخبر ، نحو «زيد ضارب عمرا» ، و «إنّ زيدا ضارب عمرا» ، و «كان زيد ضاربا عمرا» ، و «ظننت زيدا ضاربا عمرا» ، لأنّ اسم الفاعل في هذه المثل كلّها مسند (٤).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وقد يكون نعت محذوف عرف

فيستحقّ العمل الّذي وصف /

يعني : أنّ اسم الفاعل يأتي معتمدا على موصوف محذوف ، فيستحقّ العمل ، كما يستحقّه ما هو صفة لمذكور (٥) ، كقول الشّاعر :

١٤٩ ـ كناطح صخرة يوما ليوهنها

فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

__________________

(١) في الأصل : من. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١١.

(٢) انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٦٦ ، شرح المكودي : ١ / ٢١١ ، ارتشاف الضرب : ٣ / ١٨٣.

(٣) في الأصل : تكون. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١١.

(٤) واعتماد اسم الفاعل على ما ذكر شرط في صحة عمله عند جمهور البصريين ، وذهب الأخفش والكوفيون إلى أنه لا يشترط ذلك.

انظر ارتشاف الضرب : ٣ / ١٨٤ ، شرح المرادي : ٣ / ١٦ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ١٩٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٩٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٦٦ ، الهمع : ٥ / ٨١ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٥٣.

(٥) في الأصل : لمذكر. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٢.

١٤٩ ـ من البسيط للأعشى ميمون من قصيدته المشهورة في ديوانه (٤٦) ، التي أولها :

ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل

وهل تطيق وداعا أيّها الرّجل

ويروي : «ليوهيها» بدل «ليوهنها» كما يروى : «ليفلقها» بدل «ليوهنها» ، والوعل : تيس الجبل. والمراد بالبيت : أنك تكلف نفسك ما لا تصل إليه ويرجع ضرره عليك. والشاهد في قوله : «كناطح» فإنه اسم فاعل عمل عمل فعله لاعتماده على موصوف مقدر ، والتقدير : كوعل ناطح ، والاعتماد على الموصوف المقدر كالاعتماد على الموصوف الظاهر.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٢١٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٦٦ ، شرح الكافية ـ

٤٩٦

أي : كوعل ناطح.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وإن يكن صلة أل ففي المضيّ

وغيره إعماله قد ارتضي

يعني : أنّ اسم الفاعل إذا وقع صلة لـ «أل» ـ عمل العمل المذكور مطلقا ، حالا كان أو مستقبلا أو ماضيا (١) ، وإنّما عمل مطلقا ، لأنّه صار بمنزلة الفعل.

قال الشّارح : «لأنّه لمّا كان صلة للموصول ، وأغنى بمرفوعه عن الجملة الفعليّة ، أشبه الفعل معنى واستعمالا ، فأعطي حكمه في العمل ، كما أعطي حكمه في صحّة عطف الفعل عليه ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ)(٢) الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً [الحديد : ١٨] ، وقوله تعالى : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً ، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) [العاديات : ٣ ـ ٤]». انتهى (٣).

قال المكوديّ : «جعله (٤) واقعا صلة «أل» مسوّغا لعطف الفعل عليه فيه نظر ، فإنّه قد جاء عطف الفعل على اسم الفاعل غير الواقع صلة لـ «أل» نحو قوله عزوجل : (أَوَلَمْ (٥) يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) (٦) [الملك : ١٩].

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

فعّال أو مفعال أو فعول

في كثرة عن فاعل بديل /

فيستحقّ ما له من عمل

وفي فعيل قلّ ذا وفعل

__________________

لابن مالك : ٢ / ١٠٣٠ ، القصائد العشر : ٤٣٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٩٥ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٥٢٩ ، شذور الذهب : ٣٩٠ ، شواهد الفيومي : ١٢٠ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٢٦ ، شواهد الجرجاوي : ١٧٩ ، أوضح المسالك : ١٥٨ ، فتح رب البرية : ٢ / ٣٥٩ ، شواهد العدوي : ١٧٩ ، شرح ابن الناظم : ٤٢٤.

(١) هذا مذهب الجمهور. وقال الأخفش : لا يعمل الماضي بحال ، و «أل» فيه معرفة كهي في «الرجل» ، لا موصولة ، والنصب بعده على التشبيه بالمفعول به. وقال الفارسي والرماني وجماعة : يعمل ماضيا فقط ، لا حالا ، ولا مستقبلا. وردّ بأن العمل حينئذ أولى. وقيل : لا عمل له ، والمنصوب بعده منصوب بفعل مضمر ، ونقل عن المازني.

انظر ارتشاف الضرب : ٣ / ١٨٥ ، الهمع : ٥ / ٨٢ ـ ٨٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٩٦ ، شرح المرادي : ٣ / ١٨ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ١٩٨ ـ ١٩٩ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٠١.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٢ ، شرح ابن الناظم : ٤٢٥.

(٣) انظر شرح ابن الناظم : ٤٢٥ ، شرح المكودي : ١ / ٢١٢.

(٤) في الأصل : جملة. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٢.

(٥) في الأصل : ألم. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٢.

(٦) انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٢.

٤٩٧

يعني : أنّ هذه الأمثلة الخمسة الّتي هي : «فعّال ، ومفعال ، وفعول ، وفعيل ، وفعل» مستوية في أنّها تعمل عمل اسم الفاعل بالشّروط المتقدّمة فيه (١).

وقوله : «في كثرة» أي : مرادا به الكثرة ، أي : التّكثير ، وهي : الزّيادة في العمل ، ولذلك تسمّى : أمثلة المبالغة ، ويؤيّد حمل كلامه على هذا المعنى ـ قوله في الكافية :

وقد يصير فاعل فعّالا

تكثيرا أو فعولا (٢) أو مفعالا (٣)

قال المكودي (٤) : ويحتمل عندي أن يكون أراد بـ «كثرة» أنّ هذه الأمثلة الثّلاثة المذكورة ـ يكثر فيها العمل المذكور ، ويؤيّده قوله بعد :

وفي فعيل قلّ ذا وفعل

ويدلّ على صحّة هذا التّأويل قوله في شرح الكافية : «وأكثرها استعمالا «فعّال» و «فعول» (٥) ، ثمّ «مفعال» ، ثمّ «فعيل» ، ثمّ «فعل» (٦).

أمّا (إعمال) (٧) «فعّال» فنحو «ما حكى (سيبويه من قولهم : «أمّا العسل فأنا شرّاب») (٨)(٩).

__________________

(١) إلا أن إعمال «فعيل وفعل» قليل. هذا مذهب سيبويه. ومنع أكثر البصريين ، منهم المازني والزيادي والمبرد إعمال «فعيل وفعل». ومنع الكوفيون إعمال الخمسة ، لأنها لما جاءت للمبالغة زادت على الفعل ، فلم تعمل عندهم لذلك. وأجاز الجرمي إعمال «فعل» دون «فعيل» ، وذلك لأن «فعل» على وزن الفعل. وفي الارتشاف والهمع : وأجاز الجرمي إعمال «فعيل» دون «فعل». واختار أبو حيان جواز القياس في «فعول ، وفعال ، ومفعال» ، والاقتصار في «فعيل وفعل» على المسموع.

انظر الكتاب : ١ / ٥٦ ـ ٥٨ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ١٩٣ ، شرح المرادي : ٣ / ١٩ ، ارتشاف الضرب : ٣ / ١٩٢ ، الهمع : ٥ / ٨٧ ـ ٨٨ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٠٢ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٦١ ، المقتضب : ٢ / ١١٣ ـ ١١٤.

(٢) في الأصل : مفعولا. انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١٠٣١.

(٣) انظر شرح الكافية لابن مالك : (٢ / ١٠٣١) ، وعلى هذا شرح ابن الناظم ، قال : كثيرا ما يبنى اسم الفاعل لقصد المبالغة والتكثير على «فعال» كـ «علام» ، أو «فعول» كـ «غفور» ، أو «مفعال» ، كـ «منحار» ، فيستحق ما لاسم الفاعل من العمل ، لأنه نائب عنه ، ويفيد ما يفيده مكررا. انتهى.

انظر شرح ابن الناظم : ٤٢٦ ، شرح المكودي : ١ / ٢١٣.

(٤) انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٣.

(٥) في الأصل : فعالا أو فعول. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١٠٣١.

(٦) انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١٠٣١ ، شرح المكودي : ١ / ٢١٣.

(٧ ـ ٨) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٣.

(٩) انظر الكتاب : ١ / ٥٧ ، شرح المكودي : ١ / ٢١٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١٠٣٢ ، شرح المرادي : ٣ / ١٩ ، شرح ابن الناظم : ٤٢٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٩٧.

٤٩٨

(وأمّا إعمال «مفعال» فنحو (١) «إنّه لمنحار بوائكها» (٢).

وأمّا إعمال «فعول» فنحو قول الشّاعر :

١٥٠ ـ ضروب بنصل السّيف سوق سمانها

إذا عدموا زادا فإنّك عاقر

وأمّا (إعمال) (٤) «فعيل» فنحو «إنّ الله سميع دعاء من دعاه».

وأمّا إعمال «فعل» ، فنحو قوله :

١٥١ ـ حذر أمورا لا تضير (٦) وآمن

(ما ليس) (٧) منجيه من الأقدار

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٣.

(٢) منحار : مبالغة في ناحر ، وفاعله عائد على اسم «إن» و «بوائكها» ـ بالنصب ـ مفعول «منحار» جمع «بائكة» ، وهي السمينة الحسناء من النوق ، وهذا مبالغة في مدحه بكونه لا يذبح إلا الإبل السمينة للأضياف.

انظر الكتاب : ١ / ٥٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١٠٣٢ ، شرح المكودي : ١ / ٢١٣ ، شرح المرادي : ٣ / ٢٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٩٧ ، الهمع : ٥ / ٨٦ ، شرح ابن الناظم : ٤٢٦ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٠٢ ، اللسان : ١ / ٣٨٩ (بوك) ، المصباح المنير : ١ / ٦٦ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ٢١٣.

١٥٠ ـ من الطويل لأبي طالب عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قصيدة له في ديوانه (٣٥) يرثي بها أبا أمية بن المغيرة المخزومي (زوج أخته عاتكة) ، وكان خرج إلى الشام فمات في الطريق ، أولها :

أرقت ودمع العين في العين غائر

وجادت بما فيها الشّؤون الأعاور

ويروى عجزه :

إذا أرملوا زادا فإني لعاقر

نصل السيف : شفرته. عاقر : ذابح. يقول : يضرب بسيفه سوق السمان من الإبل للأضياف إذا عدموا الزاد ولم يظفروا بجواد لشدة الزمان وكلبه ، وكانوا إذا أرادوا نحر الناقة ضربوا ساقها بالسيف فخرت ثم نحروها. والشاهد في قوله : «ضروب» فإنه مبالغة في «ضارب» وقد عمل عمله.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٢١٣ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٦٨ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٥٣٩ ، الكتاب مع الأعلم : ١ / ٥٧ ، شواهد ابن السيرافي : ١ / ٧٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٩٧ ، الخزانة : ٤ / ٢٤٢ ، ٨ / ١٤٦ ، شرح ابن يعيش : ٦ / ٧٠ ، الحلل : ١٢٧ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٣٠ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٤٤٧ ، أمالي ابن الشجري : ٢ / ١٠٦ ، المقتضب : ٢ / ١١٣ ، شرح المرادي : ٣ / ٢١ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٦٠ ، شواهد ابن النحاس : ٣ / ٢١ ، الهمع (رقم) : ١٤٨٢ ، أوضح المسالك : ١٥٨ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٩٣ ، الإفصاح : ٢٥٧ ، الأصول : ١ / ١٢٤.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٣.

١٥١ ـ من الكامل ، وهو مصنوع ليس بعربي ، واختلف في صانعه ، فقيل : ابن المقفع ، وقيل : أبو يحيى اللاحقي. ويروى : «لا تخاف» بدل «لا تضير». حذر : خائف. تضير : تضر ، والظاهر من البيت أنه ذم ، حيث يصف إنسانا بالجهل وقلة المعرفة وأنه يضع الأمور في غير موضعها ، فيحذر من لا ينبغي أن يحذر ، ويؤمن من لا ينبغي أن يؤمن ، ويحتمل أن يكون مدحا ،

٤٩٩

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وما سوى المفرد مثله جعل

في الحكم والشّروط حيثما عمل /

ما سوى المفرد هو المثنّى والمجموع ، وشمل الجمع الّذي على حدّ التّثنية ، وجمع التّكسير (١).

فالتّثنية نحو «هذان ضاربان زيدا» (٢) ، والجمع نحو «هؤلاء ضاربون عمرا ، وضرّاب زيدا» ، فتعمل كلّها عمل اسم الفاعل بالشّروط المتقدّمة في اسم الفاعل.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وانصب بذي الإعمال تلوا واخفض

وهو لنصب ما سواه مقتضي

يعني بـ «ذي (٣) الإعمال» : ما توفّرت فيه الشّروط المذكورة ، وشمل اسم الفاعل ، وأمثلة المبالغة ، و «التّلو» التّابع.

وفهم من تقديمه النّصب : أنّه هو الأصل ، والخفض جائز (٤) ، وإن كان على

__________________

ويمدحه بكثرة الحذر. والشاهد في قوله : «حذر» فإنه مبالغة في «حاذر» ، وقد عمل عمله.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٢١٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٩٨ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٥٤٣ ، الكتاب مع الأعلم : ١ / ٥٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١٠٣٨ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٩٥ ، إصلاح الخلل : ٢٠٦ ، التبصرة والتذكرة : ٢٢٧ ، المقتضب : ٢ / ١١٥ ، أمالي ابن الشجري : ٢ / ٥٤٣ ، الحلل : ١٣١ ، شرح ابن يعيش : ٦ / ٧١ ، الخزانة : ٨ / ١٦٩ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٢٧ ، شواهد الجرجاوي : ١٨٢ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٨٧٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٦٢ ، شواهد ابن السيرافي : ١ / ٤٠٩ ، شرح ابن الناظم : ٤٢٨ ، شرح المرادي : ٣ / ٢٣ ، كاشف الخصاصة : ١٩٣ ، شرح الجمل لابن هشام : ١٧٧ ، إعراب النحاس : ٢ / ٢٥ ، ٢٢٥.

(٤) في الأصل : لا تقي. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٣.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر المراجع الآتية.

(١) ومنع قوم عمل المكسر. ونقل عن سيبويه والخليل وجماعة من النحويين منع إعمال المثنى والجمع الصحيح المسند للظاهر ، لأنه في موضع يفرد فيه الفعل ، فخالفه ، فلا يقال : «مررت برجل ضاربين غلمانه زيدا» ، وأجاز المبرد إعماله ، لأن لحاقه حينئذ بالفعل قويّ من حيث لحقه ما يلحقه. انظر ارتشاف الضرب : ٣ / ١٨١ ، الهمع : ٥ / ٧٩.

(٢) في الأصل : زيد. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٤.

(٣) في الأصل : أن بذي. انظر شرح المكودي : ١ / ٢١٤.

(٤) قال المرادي (٣ / ٢٦) : «وفهم من تقديمه النصب أنه أولى ، وهو ظاهر كلام سيبويه ، وقال الكسائي : هما سواء ، قيل : والذي يظهر أن الإضافة أولى ، بالوجهين قرئ قوله تعالى : (إِنَ

٥٠٠