أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]
المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
وإليها أشار هنا ، فذكر أنّ الجملة تقع في موضع الحال ، فيحكم عليها أنّها في موضع نصب.
وشمل قوله : «جمله» الاسميّة ، والفعليّة.
ثمّ مثّل لذلك بقوله :
كجاء زيد وهو ناو رحله
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وذات بدء بمضارع ثبت |
|
حوت ضميرا ومن الواو خلت |
يعني : أنّ الجملة الواقعة في موضع الحال إذا كانت فعليّة مبدوءة بفعل مضارع مثبت ، فإنّها تحتوي على ضمير عائد على صاحب الحال ، وتخلو من الواو ، نحو «جاء زيد تقاد الجنائب بين يديه» (١).
وإنّما لم يقترن الفعل المضارع المذكور بالواو ، لأنّه (٢) بمنزلة المفرد ، لشبه المضارع به ، فكما لا تدخل الواو على المفرد ، فتقول : «قام زيد وضاحكا» ، فكذلك لا تدخل على ما أشبهه ، وهو المضارع.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وذات واو بعدها انو مبتدا |
|
له المضارع اجعلنّ مسندا |
يعني : أنّ الجملة المصدّرة بالفعل المضارع المثبت ، إذا وردت من كلام العرب مقترنة بالواو ـ فليست الجملة حينئذ فعليّة ، بل تنوي بعد الواو مبتدأ ، وتجعل الفعل المضارع خبرا عن ذلك المبتدأ ، فتصير الجملة اسميّة ، وممّا ورد من ذلك قول العرب : «قمت وأصكّ عينه» (٣) ، ومعنى «أصكّ» : أضرب (٤) ، قال الله تعالى : (فَصَكَّتْ وَجْهَها) [الذاريات : ٢٩] أي : ضربته.
__________________
(١) الجنائب : جمع جنيبة وهي الفرس التي تساق بين يدي الأمير بلا ركوب.
انظر ابن عقيل مع الخضري : ١ / ٢٢١ ، شرح المكودي : ١ / ١٧٥ ، اللسان : ١ / ٦٩١ (جنب) ، شرح الأشموني : ٢ / ١٨٧.
(٢) في الأصل : لأنها. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٥.
(٣) حكاه الأصمعي ، تقديره : قمت وأنا أصك عينه ، وقيل : الواو عاطفة وليست للحال ، والفعل بمعنى الماضي.
انظر شرح ابن الناظم : ٣٣٧ ، شرح دحلان : ٩٣ ، شرح المكودي : ٢ / ١٧٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٢١ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٨٧ ، شرح المرادي : ٢ / ١٦٧ ، التحفة المكية للمقري (رسالة ماجستير) : ٢٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٦٧.
(٤) انظر اللسان : ٤ / ٤٧٤ (صكك) ، المصباح المنير : ١ / ٣٤٥ (صكك) ، شرح المكودي : ١ / ١٧٥.
ثمّ قال رحمهالله / تعالى :
وجملة الحال سوى ما قدما |
|
بواو أو بمضمر أو بهما |
يعني : أنّ الجملة الواقعة حالا إذا كانت سوى ما تقدّم يجوز أن تأتي فيها بالواو (١) وحدها ، نحو «جاء زيد والشّمس طالعة» ، أو بالمضمر دون الواو (٢) ، نحو «جاء زيد يده على رأسه» (أو بالمضمر والواو معا ، نحو «جاء زيد ويده على رأسه) (٣).
إلّا أنّ قوله : «سوى ما قدّما» شامل للجملة الاسميّة ، مثبتة ومنفيّة ، والفعليّة المصدّرة بالماضي (مثبتة ومنفيّة) (٤) كذلك ، والجملة الفعليّة (٥) المبدوءة بالمضارع المنفيّ ، وليس على إطلاقه ، بل فيه تفصيل مذكور في المطوّلات (٦).
__________________
(١) في الأصل : بها الواو. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٥.
(٢) في الأصل : واو. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٥.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٥.
(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٥.
(٥) في الأصل : الفعلة. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٥.
(٦) فإن كانت الجملة الفعلية مصدرة بمضارع منفي ، فالنافي إما «لا» أو «لم» ، فإن كان «لا» فالأكثر مجيئها بالضمير ، وترك الواو ، كما في قوله تعالى : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ ،) وقد يجئ بالواو والضمير كقول الشاعر :
أماتوا من دمي وتوعّدوني |
|
وكنت لا ينهنهنى الوعيد |
وإن كان النافي «لم» أكثر أفراد الضمير ، نحو قوله تعالى : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ،) والاستغناء عنه بالواو ، نحو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ،) والجمع بينهما ، نحو قول الشاعر :
سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه |
|
فتناولته واتّقتنا باليد |
وإن كانت مصدرة بفعل ماض : فإن كان بعد «إلا» أو قبل «أو» لزم الضمير ، وترك الواو ، كقوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ، وإن لم يكن بعد «إلا» ولا قبل «أو» فالأكثر اقترانه في الإثبات بالواو و «قد» مع الضمير ودونه ، فالأول نحو قوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) ، والثّاني كقولك : «جاء زيد وقد طلعت الشمس» ، ويقل تجريده من الواو و «قد» كما في قوله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) ، قالوا : وأقل منه تجريده من «قد» وحدها ، كقوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا) ، وأقل من تجريده من «قد» تجريده من الواو وحدها ، كقول الشاعر :
وقفت بريع الدّار قد غير البلى |
|
معارفها والسّاريات الهواطل |
وإن كانت الجملة اسمية فإن لم تكن مؤكدة فالأكثر مجيئها بالواو مع الضمير ودونه ، فالأول كقوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ،) والثاني كقوله : (كَما أَخْرَجَكَ
والعذر له في إطلاقه : أنّ أكثر (هذه) (١) الأقسام يجوز فيه الأوجه الثّلاثة فاعتمد في ذلك على الأكثر.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
والحال قد يحذف ما فيها عمل |
|
وبعض ما يحذف ذكره حظل |
العامل في الحال قد يحذف ، وحذفه على نوعين : جائز وواجب ، وإلى النّوعين أشار هنا.
فيحذف جوازا إذا دلّ عليه دليل لفظيّ أو حاليّ ، فاللّفظيّ : كما إذا تقدّم ذكره ، كقولك : «راكبا» لمن قال لك : «كيف جئت» والحالىّ : كقولك للقادم من سفر الحجّ : «مبرورا مأجورا» أي : قدمت ، ولك في هذين ونحوهما أن تذكر العامل ، فتقول : «جئت راكبا» ، و «قدمت مبرورا».
ويحذف وجوبا إذا ضرب مثلا ، كقول العرب : «حظيّين بنات صلفين كنّات» (٢) ، فـ «حظيّين ، وصلفين» / حالان ، والعامل فيهما : عرفتهم ، و «الحظيّين» اسم فاعل من «حظي» المشتقّ من «الحظوة» (٣) ، و «صلفين» من «الصّلف» ، وهو عدم الحظوة ، يقال : صلفت المرأة صلفا ، إذا لم تحظ عند زوجها (٤) ، و «البنات» جمع «بنت» ، و «الكنّات» جمع «كنّة» وهي زوجه الابن (٥) ، و «بنات» و «كنات» منصوبان (٦) على التّمييز (٧).
__________________
رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ ،) وقد يستغنى بالضمير عن الواو كقوله تعالى : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ.) وإن كانت الجملة الاسمية مؤكدة لزم الضمير وترك الواو ، نحو «هو الحق لا شبهة فيه» ، وكقوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ.)
انظر شرح ابن الناظم : ٣٣٨ ـ ٣٤٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٩٠ ـ ٣٩٢ ، شرح المرادي : ٢ / ١٦٨ ـ ١٧١ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٨٩ ، ١٩١ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٢١.
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٥.
(٢) هذا مثل يضرب للرجل عند الحاجة يطلبها ، يصيب بعضها ويعسر عليه بعض.
انظر مجمع الأمثال : ١ / ٣٧٢ ، فرائد اللآل : ١ / ١٧٣ ، همع الهوامع : ٤ / ٦٠ ، اللسان : ٢ / ٩٢١ (حظا) ، الدرة المضية للأنباسي (رسالة ماجستير) : ١٦٠ ، شرح المكودي : ١ / ١٧٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٦٠.
(٣) والحظوة : المكانة والمنزلة للرجل من ذي سلطان ونحوه.
انظر اللسان : ٢ / ٩٢٠ (حظا) ، شرح المكودي : ١ / ١٧٦ ، مجمع الأمثال : ١ / ٣٧٢.
(٤) انظر اللسان : ٤ / ٢٤٨٣ (صلف) ، شرح المكودي : ١ / ١٧٦ ، مجمع الأمثال : ١ / ٣٧٢.
(٥) وزوجة الأخ أيضا. انظر اللسان : ٥ / ٣٩٤٣ (كنن) ، شرح المكودي : ١ / ١٧٦ ، مجمع الأمثال : ١ / ٣٧٢.
(٦) في الأصل : منصوبات. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٦.
(٧) انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٦ ، فرائد اللآل : ١ / ١٧٣ ، مجمع الأمثال : ١ / ٣٧٢.
الباب السادس والعشرون
التمييز
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
التّمييز (١)
اسم بمعنى من مبين نكره |
|
ينصب تمييزا بما قد فسّره |
يقال في الاصطلاح : تمييز ومميّز ، وتفسير ومفسّر (٢).
وقوله : «اسم» جنس ، و «بمعنى من» يشمل التّمييز واسم «لا» ، والمفعول الثّاني من نحو «استغفرت الله ذنبا» ، والمشبّه به ، نحو «الحسن الوجه».
و «مبين» مخرج لما سوى التّمييز ، إلّا المشبّه بالمفعول به.
و «نكره» مخرج للمشبّه بالمفعول به (٣).
__________________
(١) التمييز في الأصل مصدر «ميز» إذا خلّص شيئا من شيء ، وفرق بين متشابهين ، وقولهم في الاسم المميز : تمييز ـ مجاز ، من إطلاق المصدر على اسم الفاعل كالطلع والنجم ، بمعنى : الطالع والناجم. واصطلاحا ـ كما في التعريفات ـ ما يرفع الإبهام المستقر عن ذات مذكورة نحو «منوان سمنا» ، أو مقدرة نحو «لله دره فارسا» ، فإن «فارسا» تمييز عن الضمير في «دره» ، وهو لا يرجع إلى سابق معين. وقال ابن الناظم : هو كل اسم نكرة مضمن معنى «من» لبيان ما قبله من إبهام في اسم مجمل الحقيقة ، أو إجمال في نسبة العامل إلى فاعله أو مفعوله.
انظر التعريفات : ٦٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٩٣ ، شرح ابن الناظم : ٣٤٦ ، الهمع : ٤ / ٦٢ ، شرح الرضي : ١ / ٢١٥ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٨١ ، الفوائد الضيائية : ١ / ٣٩٨ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٧٣٩ ، حاشية الخضري : ١ / ٢٢١ ، معجم المصطلحات النحوية : ٢١٥ ، معجم مصطلحات النحو : ٢٧٥ ، معجم النحو : ١١٢.
(٢) وتبيين ومبين أيضا. انظر شرح الأشموني : ٢ / ١٩٤ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٢٢ ، الهمع : ٤ / ٦٢ ، شرح المكودي : ١ / ١٧٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٧٧.
(٣) نحو «زيد حسن وجهه» بالنصب على التشبيه بالمفعول به ، وذهب الكوفيون وابن الطراوة إلى جواز تعريف التمييز متمسكين بقول رشيد اليشكري :
وحكم التّمييز النّصب ، وهو المنبّه عليه بقوله : «ينصب».
وفهم من قوله : «بما قد فسّره» أنّ النّاصب له ما قبله من الاسم المجمل الحقيقة أو الجملة المجملة النّسبة.
أمّا الاسم المجمل فلا إشكال في أنّه هو النّاصب له ، وهو متّفق عليه (١).
وأمّا الجملة ففيها خلاف :
فقيل : النّاصب له الفعل ، نحو «طاب زيد نفسا» ، أو ما أشبهه (٢) ، نحو «زيد طيّب نفسا» (٣).
وقيل : النّاصب له الجملة ، وهو اختيار ابن عصفور (٤).
ولا ينبغي أن يحمل / كلام النّاظم على ظاهره ، فإنّه قد نصّ بعد : أنّ العامل في هذا النّوع الفعل ، أو ما أشبهه (٥).
__________________
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا |
|
صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو |
وهو محمول على زيادة «أل» عند البصريين ، كما زيدت في قوله :
باعد أم العمرو عن أسيرها
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٩٤ ، شرح المرادي : ٢ / ١٧٥.
(١) واختلف في صحة إعماله مع أنه جامد : فقيل : شبهه باسم الفاعل ، لأنه طالب له في المعنى كـ «عشرين درهما» فإنه شبيه بـ «ضاربين زيدا» ، و «رطل زيتا» فإنه شبيه بـ «ضارب عمرا» في الاسمية ، والطلب المعنوي هو وجود ما به التمام وهو التنوين والنون. وقيل : شبهه بـ «أفعل من» في طلبه اسما بعده على طريق التبيين ملتزما فيه التنكير. قال أبو حيان : وهو أقوى ، لأن اسم الفاعل لا يعمل إلا معتمدا ويعمل في النكرة وغيرها.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٩٥ ، شرح المكودي : ١ / ١٧٧ ، شرح المرادي : ٢ / ١٧٥ ، الهمع : ٤ / ٦٤ ، الأشموني مع الصبان : ٢ / ١٩٦ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٧٢ ، حاشية الخضري : ١ / ٢٢٣.
(٢) في الأصل : شبهه. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٧.
(٣) وهو مذهب سيبويه والمازني والمبرد والزجاج والفارسي.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٩٥ ، شرح المرادي : ٢ / ١٧٥ ، الهمع : ٤ / ٦٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٩٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٧٧.
(٤) لا الفعل ولا الاسم الذي جرى مجراه ، كما أن تمييز المفرد ناصبه نفس الاسم الذي انتصب عن تمامه ، ونسبه إلى المحققين.
انظر ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٧٧ ، شرح المكودي : ١ / ١٧٧ ، شرح المرادي : ٢ / ١٧٦ ، الهمع : ٤ / ٦٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٩٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٩٥ ، حاشية الخضري : ١ / ٢٢٣.
(٥) وذلك في قوله في آخر الباب :
والعذر له : أنّ التّمييز في هذا النّوع لمّا كان رافعا لإبهام نسبة العامل إلى فاعله أو مفعوله ـ فكأنّه قد رفع الإبهام عنه.
ثمّ مثّل ذلك فقال رحمهالله تعالى :
كشبر ارضا وقفيز برّا |
|
ومنوين عسلا وتمرا |
فأتى (١) بثلاثة مثل :
الأوّل : للممسوح ، وهو «شبر أرضا».
والثّاني : للمكيل ، وهو «قفيز برّا».
والثّالث : للموزون ، وهو قوله : «ومنوين عسلا وتمرا».
وبقي عليه من تمييز المفرد : (تمييز) (٢) العدد ، وسيذكره في بابه إن شاء الله تعالى :
و «المنوان» تثنية «منا» ، وهو الرّطل (٣).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وبعد ذي ونحوها (٤) اجرره إذا |
|
أضفتها كمدّ حنطة غذا |
__________________
والفاعل المعنى انصبن بأفعلا |
|
... |
وفي قوله :
... |
|
والفعل ذو التّصريف نزرا سبقا |
وذلك يدل على أن العامل الفعل أو شبهه ، فهو مخصص لما هنا. وقد نص على ذلك في التسهيل.
قال الشيخ خالد : ولو لا أن الناظم صرح في غير هذا الموضع وفي آخر الباب بأن ناصبه الفعل لحملت كلامه هنا على ما اختاره ابن عصفور.
انظر الألفية : ٨١ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ١٧٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٩٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٩٥ ، التسهيل : ١١٥.
(١) في الأصل : أتى. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٧.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٧.
(٣) في الأصل : الرصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٧. والرطل : الذي يوزن به ويكال ، قال ابن الأعرابي : الرطل : ثنتا عشرة أوقية بأواقي العرب ، والأوقية أربعون درهما ، فذلك أربعمائة وثمانون درهما ، وجمعه أرطال. انظر اللسان : ٣ / ١٦٦٥ (رطل) ، وانظر شرح المكودي : ١ / ١٧٧.
(٤) في الألفية : (٨٠) «وشبهها» بدل «ونحوها».
الإشارة بـ «ذي» إلى ما دلّ على مساحة ، أو كيل ، أو وزن ، ففهم من ذلك أنّ التّمييز بعد العدد لا يجيء بالوجهين.
وقوله : «إذا أضفتها» أي : إذا أضفتها إلى التّمييز المنصوب ، فتقول : «شبر أرض ، وقفيز برّ ، ومنوا (١) عسل».
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
والنّصب بعد ما أضيف وجبا |
|
إن كان مثل ملء الأرض ذهبا |
يعني : أنّ المميّز إذا أضيف وجب نصب التّمييز.
وفهم من / قوله :
إن كان مثل ملء الأرض ذهبا
أنّه لا يجب نصبه إلّا إذا كان كالمثال المذكور في كونه لا يصحّ إغناؤه عن المضاف إليه ، إذ لا يجوز «ملء ذهب» ، فلو صحّ إغناؤه عنه ـ لم يكن النّصب واجبا ، نحو «هو أحسن النّاس رجلا» ، إذ يجوز (٢) أن تقول : «هو أحسن رجل» على أنّ هذا المثال الثّاني ينتصب فيه التّمييز ما دام المميّز مضافا ، لكنّه صلح للجرّ بالإضافة عند حذف المضاف إليه ، بخلاف الأوّل.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
والفاعل المعنى انصبن بأفعلا |
|
مفضّلا كأنت أعلى منزلا |
يعني : أنّ الاسم النّكرة إذا وقع بعد أفعل التّفضيل ، وكان فاعلا في المعنى ، وجب نصبه على التّمييز ، وعلامة كونه فاعلا في المعنى أنّك إذا صغت من أفعل التّفضيل فعلا ـ جعلت ذلك التّمييز فاعلا به ، نحو «أنت أعلى منزلا» أي : علا (٣) منزلك.
وفهم منه : أنّ الواقع بعد أفعل التّفضيل ، إذا لم يكن فاعلا في المعنى ، لم ينتصب على التّمييز ، نحو «أنت أفضل رجل» ، بل يجب جرّه بالإضافة إلّا إذا أضيف أفعل إلى غيره ، فإنّه ينتصب حينئذ ، نحو «أنت أفضل النّاس رجلا».
__________________
(١) في الأصل : منواي. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٧.
(٢) في الأصل : لا يجوز. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٧.
(٣) في الأصل : أعلى. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٧.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وبعد كلّ ما اقتضى تعجّبا |
|
ميّز كأكرم بأبي بكر أبا / |
يعني : أنّ التّمييز ينتصب بعد ما دلّ على تعجّب ، ومثّل ذلك بقوله : «كأكرم بأبي بكر أبا» ، قال في شرح الكافية : «هو صاحب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رضياللهعنه» (١).
وفهم من قوله :
وبعد (٢) كلّ ما اقتضى تعجّبا
أنّ ذلك غير خاصّ بالصّيغتين الموضوعتين للتّعجّب ، وهما : «ما أفعله» و «أفعل به» ، فدخل في ذلك ما أفهم التّعجّب من (٣) غير الصّيغتين المذكورتين ، نحو «ويله رجلا» ، و «ويحه إنسانا» ، و «لله درّه فارسا» ، و «حسبك به كافلا» ، ونحو ذلك.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد |
|
والفاعل المعنى كطب نفسا تفد |
قد تقدّم أنّ التّمييز على معنى «من» ، لكن منه ما يصلح لمباشرتها (٤) ، ومنه ما لا يصلح ، وكلّه صالح لمباشرتها (٥) إلا نوعين : تمييز العدد ، وما هو فاعل في المعنى ، وقد استثناهما ، فلا يقال في «عندي عشرون درهما» : «عشرون من درهم» ولا في «طاب (زيد) (٦) نفسا» : «طاب زيد من نفس».
ثمّ أتى بمثال من الفاعل في المعنى ، فقال : «كطب نفسا تفد» ، فـ «نفسا» تمييز ، وهو فاعل في المعنى ، لأنّ التّقدير : لتطب (٧) نفسك.
__________________
(١) قال ابن مالك في شرح الكافية (٢ / ٧٧٣) : «والمراد بـ «أبي بكر» صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم رضياللهعنه وأرضاه». وانظر شرح المكودي : ١ / ١٧٨.
(٢) في الأصل : الواو ساقط. انظر الألفية : ٨١.
(٣) في الأصل : في. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٨.
(٤) في الأصل : لمشارتها. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٩.
(٥) في الأصل : لمشارتها. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٩.
(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٩.
(٧) في الأصل : ولتطب. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٩.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وعامل التّمييز قدّم مطلقا |
|
والفعل ذو التّصريف نزرا سبقا / |
يعني : أنّ العامل في التّمييز يجب تقديمه عليه ، فيلزم تأخير التّمييز ، وقوله : «مطلقا» ، أي : سواء كان اسما ، أو فعلا.
أمّا إذا كان اسما ، فلا يتقدّم عليه بإجماع ، نحو «عندي عشرون درهما» فالعامل في «درهما» : «عشرون» ، فلا يجوز «عندي درهما عشرون» (١).
وأمّا إذا كان فعلا : فإن كان الفعل غير متصرّف ـ فلا يجوز أيضا تقديمه عليه ، نحو «ما أكرمك أبا ، ونعم رجلا زيد» ، وإن كان متصرّفا ـ ففى تقديم التّمييز عليه خلاف :
والمشهور منع تقديمه ، وهو مذهب سيبويه (٢).
وأجاز قوم تقديمه ، منهم المازنيّ والمبرّد (٣) ، وتبعهم النّاظم في غير هذا النّظم (٤).
__________________
(١) انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٧٥ ، شرح الرضي : ١ / ٢٢٣ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٨٣ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٧٤٣ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٧٣.
(٢) والفراء والجمهور أيضا ، لأن الغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف أن يكون فاعلا في الأصل ، وقد حول الإسناد عنه إلى غيره لقصد المبالغة ، فلا يغير عما كان يستحقه من وجوب التأخير لما فيه من الإخلال بالأصل. وقيل : لأن التمييز كالنعت في الإيضاح ، والنعت لا يتقدم على عامله فكذلك ما أشبهه ، قاله الفارسي واستحسنه ابن خروف.
انظر الكتاب : ١ / ١٠٥ ، شرح المكودي : ١ / ١٧٩ ، الهمع : ٤ / ٧١ ، شرح المرادي : ٢ / ١٨٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٤٠٠ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٨٥ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٧٣ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٧٤٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٧٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠٠ ، الإنصاف : ٢ / ٨٢٨ ـ ٨٣٠ ، المفصل : ٦٦ ، المقتصد : ٢ / ٦٩٣ ، ٦٩٥.
(٣) والكسائي والجرمي وطائفة من الكوفيين وصححه أبو حيان ، واحتجوا بالسماع والقياس :
أما السماع فقد جاء ذلك في كلامهم ، قال الشاعر :
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها |
|
وما كان نفسا بالفراق تطيب |
وأما القياس ، فلأن هذا العامل فعل متصرف فجاز تقديم معموله عليه كسائر الأفعال المتصرفة.
انظر المقتضب : ٣ / ٣٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٧٦ ، شرح المكودي : ١ / ١٧٩ ،
وظاهر قوله : «نزرا سبقا» أنّ له مذهبا ثالثا ، وهو جواز تقديمه بقلّة ، ولم يقل به أحد.
ومن شواهد تقديمه :
١٠٨ ـ ولست إذا ذرعا أضيق بضارع |
|
ولا يائس (٢) عند التّعسّر من يسر |
__________________
شرح المرادي : ٢ / ١٨٦ ، شرح الرضي : ١ / ٢٢٣ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٤٠٠ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٧٤٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٨٥ ، الإنصاف : ٢ / ٨٢٨ ـ ٨٣٠ ، الهمع : ٤ / ٧١ ، التسهيل : ١١٥ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٨٣ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٧٤ ، المفصل : ٦٦.
وذلك لوروده ، وقياسا على سائر الفضلات. قال في التسهيل : «ولا يمنع تقديم المميز على عامله إن كان فعلا متصرفا وفاقا للكسائي والمازني ويمنع إن لم يكنه بإجماع ، وقد يستباح في الضرورة». انتهى.
انظر التسهيل : ٤ / ٧١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٤٠٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠٢ ، شرح المرادي : ٢ / ١٨٦ ، الإنصاف : ٢ / ٨٢٨ ، الهمع : ٤ / ٧١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٨٥.
١٠٨ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله. قوله : «ذرعا» : يقال : ضقت بالأمر ذرعا إذا لم تطقه ولم تقو عليه. الضارع : الدليل المتضرع. يائس : قانط. والشاهد في تقديم التمييز «ذرعا» على عامله المتصرف الذي هو «أضيق» على رأي ابن مالك ومن وافقهم. وقال الجمهور : إن «ذرعا» معمول لمحذوف تقديره : إذا أضيق ذرعا أضيق.
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٧٧ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٧٩ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٢٣٣ ، شرح ابن الناظم : ٣٥٢ ، كاشف الخصاصة : ١٥٨ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٩١.
(١) في الأصل : تايس. انظر شرح المكودي : ١ / ١٧٩.
الباب السابع والعشرون
حروف الجر
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
حروف الجرّ
هاك حروف الجرّ وهي من إلى |
|
حتّى خلا حاشا عدا في عن على |
مذ منذ ربّ الّلام كي واو وتا |
|
والكاف والبا ولعلّ ومتى |
ذكر في هذين البيتين عشرين حرفا ، وهي كلّها متساوية في جرّ الاسم ، وقد ذكر بعد : معنى كلّ واحد منها وما يختصّ بها / ، إلّا «خلا» ، و «حاشا» و «عدا» ، فإنّه تقدّم الكلام فيها في باب الاستثناء ، وإلّا «كي» ، و «لعلّ» ، و «متى» ، فإنّه لم يذكرها البتّة ، لغرابة الجرّ بها.
أمّا «كي» فتجرّ «ما» الاستفهاميّة ، قالوا : «كيمه» بمعنى : لمه ، و «ما» المصدريّة مع صلتها ، نحو قوله :
١٠٩ ـ إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنّما |
|
يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع |
__________________
١٠٩ ـ من الطويل ، لقيس بن الخطيم في ملحقات ديوانه (١٧٠) ، وقيل : هو للنابغة الذبياني ، وقيل : للنابغة الجعدي ، قال العيني (٣ / ٢٤٥) : «والأصح أن قائله قيس بن الخطيم». ويروى : «كنت» بدل «أنت» ، ويروى : «يراد» بدل «يرجى». والمعنى : إذا أنت لم تنفع من استحق النفع ، فضر من يستحق الضرر ، فإنما يرجى الفتى لنفع من يستحق النفع ، ولضر من يستحق الضرر. والشاهد في «كيما» حيث جرت «كي» : «ما» المصدرية مع صلتها. وقيل : «ما» كافة لـ «كي» عن عملها الجر ، مثلها في «ربما». ويروى : «كيما يضر وينفعا» بنصبهما ، وعليه فتكون «ما» زائدة ، و «يضر» منصوب بـ «كي» ، واللام مقدرة ، و «ينفعا» معطوف عليه.
انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٢٤٥ ، ٤ / ٣٧٩ ، الخزانة : ٨ / ٤٩٨ ، مغني اللبيب (رقم) : ٣٣١ ، أبيات المغني : ٤ / ١٥٢ ، الهمع (رقم) : ١٠٠٤ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠٤ ، ٣ / ٢٧٩ ، حاشية الخضري : ١ / ٢٢٦ ، شرح ابن الناظم : ٣٥٥ ، شواهد المغني : ١ / ٥٠٧ ، شرح المرادي : ٢ / ١٩٠ ، ٤ / ١٧٥ ، الجنى الداني : ٢٦٢ ، معاني الأخفش : ١٢٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٨٢ ، المطالع السعيدة : ٤٠٥ ، تذكرة النحاة : ٦٠٩ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٢٤٧ ، فتح رب البرية : ٢ / ٢٧٧.
و «أن» المصدريّة في قوله :
١١٠ ـ ... أكلّ النّاس أصبحت مانحا |
|
لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا |
وهي في هذه المواضع كلّها بمعنى : اللام.
ويطّرد جرّها لـ «أن» المصدريّة ، ولذلك أجازوا في نحو «جئتك كي تكرمني» أن تكون «كي» حرف جرّ ، و «أن» مقدّرة بعدها ، وأن تكون مصدريّة ، واللام مقدرة قبلها.
وأمّا «لعلّ» فإنّ الجرّ بها وارد في كلام العرب ، خلافا لمن أنكره (٢) ، كقوله :
١١١ ـ لعلّ الله فضّلكم علينا |
|
بشيء أنّ أمّكم شريم |
__________________
١١٠ ـ من الطويل ، لجميل بن معمر العذري من قصيدة له في ديوانه (٢٥) ، وتمامه ، فقالت :
أكلّ النّاس أصبحت مانحا |
|
لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا |
وقيل : هو لحسان بن ثابت (وليس في ديوانه). ويروى : «مائحا» ـ بالهمز ـ بدل «مانحا» ، والمائح الذي يملأ الدلو من أسفل البئر (اللسان ـ متح) ، ويروى : «ماتحا» بالتاء المثناة ، وهو من متح الماء من البئر إذا استقى منها. ويروى عجزه :
لسانك هذا كي تغرّ وتخدعا
و «مانحا» من المنح وهو الإعطاء ، يتعدى لمفعولين ، ومنح اللسان عبارة عن التلطف والتودد. والشاهد في قوله : «كيما أن» حيث جرت «كي» المصدر المنسبك من «أن» وما بعدها ، و «ما» زائدة ، وإظهار «أن» بعد «كي» ضرورة ، لأن «أن» بعد «كي» لا تظهر.
انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣ ، ٢٣٠ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٢٤٤ ، ٤ / ٣٧٩ ، شرح ابن يعيش : ٩ / ١٤ ، ١٦ ، الخزانة : ٨ / ٤٨١ ، شواهد المغني : ١ / ٥٠٨ ، أبيات المغني : ٤ / ١٥٧ ، شواهد الشذور : ٨٩ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٥ ، مغني اللبيب (رقم) : ٣٣٣ ، شذور الذهب : ٢٨٩ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٦٣٧ ، الهمع (رقم) : ١٠٠٦ ، شرح ابن الناظم : ٣٥٥ ، ٦٦٧ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٧٩ ، ٢ / ٢٠٤ ، جواهر الأدب : ٢٨٣ ، الجنى الداني : ٢٦٢ ، الضرائر : ٦٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٨٢ ، توجيه اللمع : ٣٠١.
(١) الجر بـ «لعل» لغة حكاها أبو عبيدة والأخفش والفراء وأبو زيد ، وقال : إنها لغة عقيل ، وقد أنكرها قوم منهم الفارسي ، وهم محجوجون بنقل هؤلاء.
انظر ارتشاف الضرب : ٢ / ١٥٥ ، ٤٦٩ ، الهمع : ٤ / ٢٠٧ ، مغني اللبيب : ٣٧٧ ، عمدة الحافظ لابن مالك : ١٦٧ ، نوادر أبي زيد : ٢١٨ ، أبيات المغني : ٥ / ١٦٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠٤ ، التوطئة : ٢٣٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٨٣ ، الخزانة : ١٠ / ٤٢٦ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٢٤٦ ، النكت الحسان : ١١٠ ، الإفصاح : ١١١ ، المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل : ٢ / ٢٩٤.
١١١ ـ من الوافر ، ولم أعثر على قائله. ويروى : «لعاء» بدل «لعل» ، وهي لغة في «لعل». الشريم : المرأة المفضاة التي صار مسلكاها واحدا ، أي : اختلط قبلها بدبرها حتى صارا مخرجا
وأمّا «متى» فهي في لغة هذيل بمعنى «من» ، ومنه قولهم : «أخرجها متى كمّه» (١) أي : من كمّه (٢).
و «هاك» اسم فعل بمعنى : خذ ، ولم يذكر الجوهريّ والزّبيديّ في «ها» إلّا التّنبيه (٣) ، وقد ذكرها ابن مالك في التّسهيل من أسماء الأفعال (٤).
__________________
واحدا. والبيت تهكم واستهزاء. والشاهد في قوله : «لعل» حيث عملت الجر فيما بعدها وهو لفظ الجلالة «الله» ، وهو في محل رفع بالابتداء منع رفعه حركة الجر ، وجملة «فضلكم» خبر المبتدأ.
انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٢٤٧ ، الخزانة : ١٠ / ٤٢٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠٤ ، المقرب : ١ / ١٩٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٢٦ ، شواهد العدوي : ١٤٠ ، شرح ابن الناظم : ٣٥٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٢٧ ، ٤٧١ ، الجنى الداني : ٥٨٤ ، شواهد الجرجاوي : ١٤٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٨٣ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٢٤٦ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٦١ ، النكت الحسان : ١١٠.
(١) انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٠ ، الجنى الداني : ٥٠٥ ، جواهر الأدب : ٤٦٦ ، شرح ابن الناظم : ٣٥٦ ، شرح الألفية للهواري (١٠٧ / ب) ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢ ، شرح المرادي : ٢ / ١٩١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠٥ ، عمدة الحافظ لابن مالك : ١٦٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٦٥.
(٢) وعد بعضهم من حروف الجر «ها» التنبيه ، وهمزة الاستفهام ، وهمزة القطع ، إذا جعلت عوضا من حرف الجر في القسم. قال في التسهيل : وليس في الجر في التعويض بالعوض ، خلافا للأخفش ومن وافقه. انتهى. وذهب الزجاج والرماني إلى أن «ايمن» في القسم حرف جر ، قال المرادي : وشذ في ذلك. وعد بعضهم منها الميم مثلثة في القسم ، نحو «م الله» وجعلها في التسهيل بقية «ايمن». وذكر الفراء أن «لات» قد تجر الزمان ، وقرئ : ولآت حين مناص بالجر. وزعم الأخفش أن «بله» حرف جر بمعنى «من» والصحيح أنها اسم.
وذهب سيبويه إلى أن «لو لا» حرف جر إذا وليها ضمير متصل ، نحو «لولاك ، ولولاي ، ولولاه».
ومذهب الأخفش والكوفيين أن الضمير بعدها مرفوع الموضع ، استعير ضمير الجر للرفع.
انظر شرح المرادي : ٢ / ١٩١ ـ ١٩٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، التسهيل : ١٥١ ، المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ / ٣٠٨ ، الكتاب : ١ / ٣٨٨.
(٣) قال الجوهري في الصحاح : «و «ها» حرف تنبيه ، قال النابغة :
ها إنّ تا عذرة إن لم تكن نفعت |
|
فإنّ صاحبها قد تاه في البلد |
وزاد فيها الزجر ، فقال : و «ها» زجر للإبل ، وهو مبني على الكسر إذا مدت وقد تقصر ، تقول : «ها هيت بالإبل» إذا دعوتها. انتهى. قال المكودي : «فهي عندهما حرف فقط».
انظر الصحاح : ٦ / ٢٥٥٧ ، ٢٥٥٩ (ها) ، شرح المكودي : ١ / ١٨٠.
(٤) وفي «ها» اسم الفعل لغتان : القصر والمد ، وتستعمل مجردة من كاف الخطاب فتقول : «ها يا زيد ، ويا هند ، ويا زيدان ، ويا هندان ، ويا زيدون ، ويا هندات» ، وكذلك «هاء» بالمد ، كما تستعمل متلوة بكاف الخطاب بحسب المعنى ، نحو «هاك ، هاك ، هاكما ، هاكم ،
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
بالظّاهر اخصص منذ مذ وحتّى |
|
والكاف والواو وربّ والتّا / |
يعني : أنّ هذه الأحرف السّبعة لا تدخل على ضمير ، بل على الظّاهر فقط ، نحو «مذ يومين» ، و (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر : ٥] ، و «زيد كعمر» و («وحياتك») (١) و «ربّ رجل» ، و «تا الله».
وفهم منه : أنّ ما عدا هذه السّبعة من حروف الجرّ يدخل على الظّاهر والمضمر.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
واخصص بمذ ومنذ وقتا وبربّ |
|
منكّرا والتّاء لله وربّ |
يعني : أنّ الأحرف السّبعة المتقدّمة منها ما يختصّ اختصاصا آخر زائدا على الاختصاص بالظّاهر ، وهى أربعة ، وقد أشار إليها هنا ، وذكر أنّ «مذ ومنذ» لا يكون الظّاهر الّذي يدخلان عليه إلّا وقتا ، يعني : اسم زمان ، نحو «مذ يومنا» ، و «منذ يوم الجمعة» ، وأنّ «ربّ» (٢) لا يكون الظّاهر الّذي (٣) تدخل عليه (إلّا) (٤)
__________________
هاكن» وكذلك «هاء» بالمد أيضا. قال الفراء وإلحاق الكاف لغة بني ذبيان. وتخلف الكاف الهمزة مصرفة تصريف الكاف بحسب المعنى ، نحو «هاء ، هاء ، هاؤما ، هاؤم ، هاؤن» ، وهي أفصح اللغات ، وبها جاء القرآن ، قال تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ.)
انظر التسهيل : ٢١٠ ، المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل : ٢ / ٦٤٣ ـ ٦٤٤ ، الهمع : ٥ / ١٢٢ ، شرح المكودي : ١ / ١٨٠.
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر : شرح المكودي : ١ / ١٨١.
(٢) «ربّ» : حرف جر كما ذهب إليه البصريون ، وذهب الكوفيون والأخفش في أحد قوليه إلى أن «رب» اسم يحكم على موضعه بالإعراب ، ووافقهم ابن الطراوة ، واستدلوا على اسميتها بالإخبار عنها في قول الشاهر :
إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن |
|
عارا عليك وربّ قتل عار |
ومما يدل على حرفيتها أنها مبنية ولو كانت اسما لكان حقها الإعراب.
انظر الإنصاف (مسألة : ١٢١) : ٢ / ٨٣٢ ، الكتاب : ٢ / ٢٩٣ ، الجنى الداني : ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ، الهمع : ٤ / ١٧٣ ، جواهر الأدب : ٤٥٢ ، مغني اللبيب : ١٧٩ ، المقتضب : ٣ / ٥٧ ، ٦٥ ، حاشية الصبان : ٢ / ٢٠٣ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٤٢٢ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، شرح الفريد : ٢٤٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٥٥.
(٣) في الأصل : التي. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨١.
(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨١.
منكّرا ، نحو «ربّ رجل» ، وأنّ «التّاء» لا يكون الظّاهر الّذي (١) تدخل عليه إلّا لفظ «الله» (ولفظ ربّ) (٢) ، نحو «تالله» (٣) ، وحكي : «تربّ الكعبة» (٤) ، إلّا أنّ دخولها على لفظ «الله» أكثر من دخولها على «ربّ».
وفهم منه أنّ ما بقي من الأحرف السّبعة المختصّة بالظّاهر تدخل على الظّاهر مطلقا.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وما رووا من نحو ربّه فتى |
|
نزر كذا كها ونحوه أتى |
قد تقدّم أنّ «ربّ» والكاف ـ من الحروف المختصة بالظّاهر ، فأشار في هذا البيت إلى أنّهما (٥) قد يدخلان على الضّمير قليلا ، ومنه قول / العرب : «ربّه رجلا» (٦) ، وقول الرّاجز :
١١٢ ـ وأمّ أوعال كها أو أقربا
__________________
(١) في الأصل : التي. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨١.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨١.
(٣) في الأصل : الله. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨١.
(٤) حكاه الأخفش من قول بعضهم ، وقالوا أيضا : «تالرحمن ، وتحياتك» ، وهو شاذ.
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٩٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠٧ ، شرح المرادي : ٢ / ١٩٤ ، شرح المكودي : ١ / ١٨١ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٢٧ ، الجنى الداني : ٥٧ ، مغني اللبيب : ١٥٧.
(٥) في الأصل : أنها. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨١.
(٦) انظر شرح المكودي : ١ / ١٨١ ، وقال ابن مالك في شرح الكافية (٢ / ٧٩٤) : وأنشد ثعلب شاهدا على «ربه رجلا».
واه رأبت وشيكا صدع أعظمه |
|
وربّه عطبا أنقذت من عطبه |
وأشرت بقوله : «وقس عليه إن شئت» إلى أن هذا الضمير لا بد من إفراده وتذكيره وتفسيره بمميز بعده على حسب قصد المتكلم ، فيقال : «ربه رجلا» وربه امرأة ، وربه رجلين ورجالا ، وربه امرأتين ونساء» ، فيختلف المميز ولا يختلف الضمير ، هذا هو المشهور.
وذكر ابن الأنباري أن تطابقهما في التأنيث والتثنية والجمع جائز. انتهى. وقال المرادي (٢ / ١٩٥) : «و» روي : «وربه عطب» بالجر على نية «من» وهو شاذ».
وانظر المطالع السعيدة : ٣٩٩ ، الهمع : ٤ / ٧٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠٨ ، شرح ابن الناظم : ٣٥٨ ، شرح دحلان : ٩٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٦٢.
١١٢ ـ من الرجز للعجاج ، من أرجوزة له في ملحقات ديوانه (٧٤) وقبله :
خلّى الذّنابات شمالا كثبا
الذنابات : اسم موضع. كثبا : أي : قريب. أم أوعال : اسم هضبة. والشاهد في قوله : «كها»
وفهم من المثال : أنّ الضّمير الّذي يدخلان عليه لا يكون إلّا ضميرا غائبا.
وقوله : «ونحوه أتى» ، أي : ونحو «كها» ، ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد : ونحوه من ضمير الغائب ، وهو «هو ، وهنّ» ، كقوله :
١١٣ ـ فلا ترى بعلا ولا حلائلا |
|
كهو ولا كهنّ إلّا حاظلا |
فيكون الضّمير عائدا على «ها».
__________________
حيث دخلت كاف التشبيه على المضمر وهو قليل.
انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣ ، الخزانة : ١٠ / ٢٠٢ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٢٥٣ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ١٦ ، ٤٢ ، ٤٤ ، الكتاب : ١ / ٣٩٢ ، شواهد ابن السيرافي : ٢ / ٩٥ ، شواهد الأعلم : ١ / ٣٩٢ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٥٦٣ ، شواهد العدوي : ١٤٤ ، شواهد الشافية للبغدادي : ٤ / ٣٤٥ ، شواهد الجرجاوي : ١٤٤ ، اللسان (وعل) ، شرح ابن الناظم : ٣٧ ، ٣٥٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٢٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠٨ ، شرح المرادي : ٢ / ١٩٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٧٤ ، الضرائر : ٣٠٨ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٤٣٤ ، شرح دحلان : ٩٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٩٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٣٦.
١١٣ ـ من الرجز ، لرؤبة بن العجاج يصف حمارا وأتنه في ديوانه (١٢٨) ، وقيل : هما للعجاج ، وقبلهما :
تحسبه إذا استتبّ دائلا |
|
كأنّما ينحي هجارا مائلا |
ويروى : «ولا» بدل «فلا». ترى : بمعنى : تعلم متعد إلى مفعولين أولهما «بعلا» وثانيهما ما بعد «إلا». البعل : الزوج. الحلائل : جمع حليلة وهي الزوجة. كهو : أي الحمار ، والكاف للتشبيه ، وهو صفة لـ «بعل» أي : لا ترى بعلا كهذا الحمار ولا حلائل كهذه الأتن إلا مانعا عن أن يقربها غيره من الفحول ، لأن الحمار يمنع أتنه من حمار آخر ، «ولا كهن» : أي : ولا كالأتن. حاظلا : أي : مانع من التزويج. والشاهد في قوله : «كهو ولا كهن» حيث دخلت كاف التشبيه على ضميري الغائب «هو وهنّ» وهو قليل.
انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٤ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٢٥٦ ، الخزانة : ١٠ / ١٩٥ ، الضرائر : ٣٠٨ ، المقرب : ١ / ١٨٨ ، الكتاب : ١ / ٣٩٢ ، شواهد ابن النحاس : ٢٦٣ ، شواهد ابن السيرافي : ٢ / ١٦٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٢٨ ، الهمع (رقم) : ١٠٩٩ ، شرح ابن الناظم : ٣٥٨ ، شرح المرادي : ٢ / ١٩٩ ، شواهد الجرجاوي : ١٤٤ ، شرح دحلان : ٩٦ ، البهجة المرضية : ٩٥ ، كاشف الاخصاصة : ١٦١ ، جواهر الأدب : ١٤٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٩١ ، تذكرة النحاة : ٢٦٣ ، المسائل العسكرية : ١٣٧ ، الأصول : ٢ / ١٢٣ ، توجيه اللمع : ١٨٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠٩.
والثّاني : أن يكون المراد : ونحو ذلك أتى ، من دخول الأحرف المختصّة بالظّاهر على الضّمير ، كقوله :
١١٤ ـ فلا والله لا يلقى أناس |
|
فتى حتّاك يا بن أبي زياد |
فأدخل «حتّى» على الضّمير ، وهي من الأحرف المختصّة بالظّاهر.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
بعّض وبيّن وابتدئ في الأمكنه |
|
بمن وقد تأتي لبدء الأزمنه |
وزيد في نفي وشبهه فجر |
|
نكرة كما لباغ من مفر |
شرع في معاني حروف الجرّ ، وبدأ بـ «من» ، فذكر لها خمسة معان :
الأوّل : التّبعيض (٢) ، كقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) [البقرة : ٢٥٣].
الثّاني : التّبيين (٣) ، كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج :
__________________
١١٤ ـ من الوافر ، ولم أعثر على قائله. ويروى : «لا يلقاه ناس» بدل «لا يلقى أناس» ، ويروى : «لا يلفى» بدل «لا يلقى». ويروى : «أبي يزيد» بدل «أبي زياد». والشاهد في قوله : «حتاك» حيث جر «حتى» الضمير شذوذا لأن «حتى» من الأحرف المختصة بالظاهر.
انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٢ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٢٦٥ ، الهمع (رقم) : ١٠٦٠ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢١٠ ، الخزانة : ٩ / ٤٧٤ ، المقرب : ١ / ١٩٤ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٢٧ ، شواهد العدوي : ١٤٣ ، الضرائر : ٣٠٩ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٤١١ ، شواهد الجرجاوي : ١٤٣ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٠٠ ، البهجة المرضية : ٩٥ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٧٤ ، الجنى الداني : ٥٤٤ ، تذكرة النحاة : ٢٦٣ ، النكت الحسان : ١١٢.
(١) واختلف فيه ، فذهب إليه الجمهور والفارسي ، وصححه ابن عصفور ونفاه المبرد والأخفش وابن السراج والزمخشري وطائفة من الحذاق والسهيلي ، وقالوا : إنما هي لابتداء الغاية ، وإن سائر المعاني التي ذكروها راجع إلى هذا المعنى.
انظر الكتاب : ٢ / ٣٠٧ ، المقتضب : ١ / ٨٢ ، الأصول : ١ / ٤٠٩ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٠٢ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٤٠٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٧ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٢٢ ، الهمع : ٤ / ٢١٣ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ١٢ ، التسهيل : ١٤٤ ، جواهر الأدب : ٣٣٨ ، شرح الفريد : ٢٤٢ ، مغني اللبيب : ٤٢٠ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٤٢.
(٢) قال به جماعة من المتقدمين والمتأخرين منهم النحاس وابن بابشاذ وعبد الدائم القيرواني وابن مضاء ، وأنكر ذلك أكثر المغاربة منهم ابن عصفور.
انظر ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٤٢ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٩١ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٠٢ ،
٣٠] ، وعلامته أن يصحّ تقدير «الّذي» في موضعها ، أي : فاجتنبوا الرّجس الّذي هو الأوثان.
الثّالث : ابتداء الغاية في المكان ، نحو «خرجت / من المسجد».
الرّابع : ابتداء الغاية في الزّمان ، كقوله تعالى : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) [التوبة : ١٠٨].
وفهم من قوله : «وقد تأتي» أنّ إتيانها لابتداء الغاية في الزّمان قليل ، وهو مختلف فيه ، فمذهب الأخفش والكوفيين : أنّها تكون لابتداء الغاية مطلقا (١) ، وهو اختيار النّاظم ، (قال) (٢) في شرح الكافية : «وهو الصّحيح لصحّة السّماع بذلك» (٣).
الخامس : الزّيادة ، ويشترط في زيادتها :
أن تكون بعد نفي أو شبهه ، وهو المنبّه عليه بقوله : «وزيد في نفي وشبهه» وشبه النّفي : الاستفهام ، نحو (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [فاطر : ٣] ، والنّهي ، نحو «لا (يقم) (٤) من أحد».
وأن يكون مجرورها نكرة ، وهو المنبّه عليه بقوله : «فجرّ نكرة».
ثمّ أتى بمثال زيادتها بعد النّفي فقال : «كما لباغ من مفرّ» ، فـ «ما» نفيّ ، و «من» زائدة على المبتدأ ، و (٥) «لباغ» خبره (٦).
__________________
التصريح على التوضيح : ٢ / ٨ ، الهمع : ٢ / ٢١٣ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٤٠٦ ، جواهر الأدب : ٣٣٨ ، مغني اللبيب : ٤٢٠ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ١٠ ، الجنى الداني : ٣٠٨.
(١) وإليه ذهب المبرد وابن درستويه أيضا. والمشهور من قول البصريين إلا الأخفش ، إن «من» لا تكون لابتداء الغاية في الزمان ، بل يخصونها بالمكان.
انظر الإنصاف (مسألة : ٥٤) : ١ / ٣٧٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٩٧ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٠١ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٢٠ ـ ٣٢١ ، الهمع : ٤ / ٢١٢ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٤٠٣ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٨ ، التسهيل : ١٤٤ ، جواهر الأدب : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ، شرح الفريد : ٢٤١ ، مغني اللبيب : ٤١٩ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٨٨ ، الجنى الداني : ٣٠٨.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٢.
(٣) انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٩٧ ، شرح المكودي : ١ / ١٨٢ ، التسهيل : ١٤٤ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٠٢ ، الهمع : ٤ / ٢١٢ ، الجنى الداني : ٣٠٨.
(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٢.
(٥) في الأصل : أو. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٢.
(٦) هذان الشرطان لزيادتها عند جمهور البصريين ، وأجاز بعض الكوفيين زيادتها بشرط تنكير مجرورها منفيا كان أو موجبا ، نحو ، «قد كان من مطر». وقال قوم منهم الفارسي : بشرط
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
للانتها حتّى ولام وإلى |
|
ومن وباء يفهمان بدلا |
يعني : أنّ «حتّى» و «الّلام» ، و «إلى» مستوية في الدّلالة على الانتهاء ، إلّا أنّ دلالة «إلى» على الانتهاء أكثر ، ثمّ «حتّى» ، ثمّ «الّلام».
فمثال «إلى» : (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [لقمان : ٢٩] ، ومثال «حتّى» : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) [الصافات : ١٧٤] ، ومثال «الّلام» : (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) [الرعد : ٢].
وقوله :
ومن وباء يفهمان بدلا
يعني : أنّ «من» و «الباء» مستويان في الدّلالة على البدل /.
فمثال «من» : قوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ) [الزخرف : ٦٠] ، ومثال «الباء» : قوله صلىاللهعليهوسلم في عائشة رضياللهعنها : «لا يسرّني بها (١) حمر النّعم» (٢) أي : بدلها.
__________________
تنكير مجرورها فقط ، كقوله :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة |
|
وإن خالها تخفى على النّاس تعلم |
وأجازها الأخفش والكسائي وهشام بلا شرط ، ووافقهم في التسهيل ، وقال في شرحه : لثبوت السماع بذلك نشرا ونظما. وقد ذكروا معاني أخر لـ «من» منها : التعليل : نحو (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ) ، والبدل : نحو (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) أي : بدلكم ، والمجاوزة : فتكون بمعنى «عن» نحو («أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) أي : عن جوع ، والانتهاء نحو «رأيت الهلال من داري من خلل السحاب» ، والاستعلاء : نحو (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) أي : على القوم ، والفصل : نحو «والله يعلم المفسد من المصلح» ، وتعرف بدخولها على ثاني المتضادين ، وموافقة الباء : نحو «ينظرون من طرف خفي» ، وبمعنى : «في» : نحو (ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) ، أي : في الأرض ، وموافقة لـ «رب» : قاله السيرافي ، وللقسم : ولا تدخل إلا على «الرب» ، فيقال : «من ربي لأفعلن» بكسر الميم وضمها.
انظر شرح المرادي : ٢ / ٢٠٣ ، التسهيل : ١٤٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٤٢ ـ ٤٤٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢١٣ ، الهمع : ٤ / ٢١٦ ، شرح الرضي ٢ / ٣٢٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٩٦ ـ ٨٠٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٨٤ ، الجنى الداني : ٣١٠ ـ ٣١٨ ، مغني اللبيب : ٤١٩ ـ ٤٢٦ ، جواهر الأدب : ٣٣٦ ـ ٣٤٧ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ١٠ ، ١٣٧.
(١) في الأصل : عنها. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٣.
(٢) لم أجد الحديث بهذا اللفظ فيما أطلعت عليه من كتب الحديث المعتمدة ، وفي السيرة النبوية لابن هشام (١ / ١٤١ ـ ١٤٢) ، في معرض حديثه عن حلف الفضول ذكر أنه صلىاللهعليهوسلم
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
والّلام للملك وشبهه وفي |
|
تعدية أيضا وتعليل قفي |
وزيد ... |
|
... |
قد تقدّم أنّ اللام تكون للانتهاء وقد ذكر لها هنا خمسة معان :
الأوّل : الملك ، نحو «المال لزيد».
الثّاني : شبه الملك ، وهو الاستحقاق ، نحو «السّرج للفرس».
الثّالث : التّعدية ، نحو («فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)(١) [مريم : ٥]».
الرّابع : التّعليل ، نحو «جئت لإكرامك».
الخامس : الزّيادة وزيادتها لتقوية العامل ، لضعفه بالتّأخير (نحو) (٢)(سِمانٍ
__________________
قال : «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أدعى به في الإسلام لأحببت». والحديث برواية المؤلف في شرح المكودي : ١ / ١٨٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٨٠١ ، شرح ابن الناظم : ٣٦٤ ، كاشف الخصاصة : ١٦٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٣٠ ، شرح دحلان : ٩٦ ، الدرر المضية للأنباسي (رسالة ماجستير) : ١٨٥ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٠٧ ، وفي الجنى الداني (٤١) برواية : «ما يسرني» بدل «لا يسرني» ، وكذا في التحفة المكية (رسالة ماجستير) : ٦٣.
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر المكودي بحاشية الملوي : ٩٦.
(٢) تبع ابن طولون في التمثيل بهذه الآية الناظم في شرح الكافية وابنه في شرح الألفية ، والمكودي والمرادي. ومثل ابن هشام في التوضيح لهذا المعنى بنحو «ما أضرب زيدا لعمرو» متعد في الأصل ، ولكنه لما بنى منه فعل التعجب نقل إلى «فعل» ـ بضم العين ـ فصار قاصرا ، فعدى بالهمزة إلى «زيد» وباللام إلى «عمرو» وهذا مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى أن الفعل باق على تعديته ، ولم ينقل ، وأن اللام ليست للتعدية ، وإنما هي مقوية للعامل لما ضعف باستعماله في التعجب ، وهذا الخلاف مبني على أن فعل إذا صيغ من متعد : هل يبقى على تعديته أو لا؟ ذهب الكوفيون إلى الأول ، والبصريون إلى الثاني.
وقال ابن هشام في المغني : «والأولى عندي أن يمثل للتعدية بنحو «ما أضرب زيدا لعمرو ، وما أحبه لبكر». انتهى. قال الأزهري : «ووجه الأولوية أن ابن مالك مثل لشبه التمثيل في شرح التسهيل فصار المثال محتملا». انتهى. وقال : «وقد علمت أن مثال الموضح ليس متفقا عليه ، فكيف يكون أولى ، ولم أقف لهذا المعنى على مثال سالم من الطعن ، فالأولى إسقاطه ، كما أسقطه في التسهيل وشرحه». انتهى. قال ابن حمدون : «وما ذكره في التصريح من أن مثال الموضح نقل عن الكوفيين أن اللام ليست للتعدية فيه ، وإنما هي مقوية للعامل لما ضعف باستعماله في التعجب مردود بعدم صحة إسقاطها ، فتعين أنها للتعدية المجردة كما قال البصريون». انتهى.
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٨٠٢ ، شرح ابن الناظم : ٣٦٤ ، شرح المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٣ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠ ـ ١١ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٠٨ ، مغني اللبيب : ٢٨٤ ، شرح الأشموني مع الصبان : ٢ / ٢١٥.