شرح ابن طولون - ج ١

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

الباب السابع عشر

اشتغال العامل عن المعمول

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

اشتغال العامل عن المعمول

إن مضمر اسم سابق فعلا شغل

عنه بنصب لفظه أو المحل

فالسّابق انصبه بفعل أضمرا

حتما موافق لما قد أظهرا /

المراد بالعامل في هذا الباب المفسّر للعامل في الاسم السّابق ، ومن شرطه صلاحيّته (١) للعمل.

فوجب ألّا يكون إلّا فعلا متصرّفا ، أو اسم فاعل ، أو اسم مفعول ، ولا يجوز أن يكون فعلا غير متصرّف ، ولا صفة مشبّهة ، ولا حرفا ، لأنّ هذه (لا) (٢) تعمل فيما قبلها ، فلا تفسّر عاملا. وقوله :

إن مضمر اسم ...

 ... إلى آخره

يعني : أنّ الفعل إذا اشتغل (٣) بنصب ضمير عائد على اسم سابق عن نصب لفظ ذلك الاسم السّابق أو (عن نصب محلّه) (٤) ـ انصب ذلك الاسم السّابق بفعل لازم الإضمار ، موافق للفعل المشتغل بالضّمير ، وما بعده لا محلّ له ، لأنّه مفسّر للفعل المحذوف ، والجملة المفسّرة لا محلّ لها على الأصحّ (٥).

__________________

(١) في الأصل : صلاحية. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٤.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٤.

(٣) في الأصل : بضمير. زيادة. ولا معنى لها. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٤.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٤.

(٥) وخالف الشلوبين فزعم أنها بحسب ما تفسره ، فهي في نحو «زيدا ضربته» لا محل لها ، وفي نحو (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) ، ونحو «زيد الخبز يأكله» ـ بنصب «الخبز» ـ في محل رفع ، ولهذا يظهر الرّفع إذا قلت : «أكله».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٧ ، مغني اللبيب : ٥٢٦ ، حاشية الصبان : ٢ / ٧٣.

٣٤١

وقال في المغني : إنّ جملة الاشتغال ليست من الجمل التي تسمّى في الاصطلاح : جملة تفسيرية ، وإن حصل بها تفسير (١). انتهى.

فمثال المشتغل بالضّمير عن نصب لفظه : «زيدا ضربته» ، ومثال المشتغل عن نصب محلّه : «عمرا مررت به» (٢).

وفهم من قوله : «موافق» مطلق الموافقة ، فشمل الموافق في اللّفظ والمعنى ، كالمثال الأوّل ، والموافق في المعنى دون اللّفظ ، كالمثال الثّاني ، والتّقدير : ضربت زيدا ضربته ، وجاوزت عمرا مررت به ، وهذا التقدير لا ينطق به ، لأنّ الفعل الثّاني عوض عنه ، فلا يجمع بينهما.

ويشترط في المفسّر : أن لا يفصل بينه وبين الاسم / السّابق ، فلو قلت : «زيدا أنت ضربته» لم يجز النّصب للفصل بـ «أنت» ، والأصل في الاسم السّابق الرّفع ، وهو الرّاجح لسلامته من التّقدير.

وزعم الكسائيّ أنّ نصب الاسم المتقدّم بالفعل المتأخّر ، وألغي (٣) الضّمير (٤).

وزعم تلميذه الفراء : أنّهما منصوبان بالفعل المذكور (٥).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والنّصب حتم إن تلا السّابق ما

يختصّ بالفعل كإن وحيثما

__________________

(١) انظر مغني اللبيب : ٥٢٦ ، أوضح المسالك : ٩١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٧.

(٢) انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٥. قال ابن حمدون في حاشيته على المكودي (١ / ١٣٥) : «وقوله : «عمرا مررت به» هذا لا يلائم تقديره وإعرابه مع اختياره ، وإنما يلائم الاحتمال الثاني الآتي في إعرابه ، والصواب أن يمثل بنحو «هذا ضربته». انتهى.

(٣) في الأصل : والمعنى. انظر التصريح : ١ / ٢٩٧.

(٤) ورد بأن الأسماء لا تلغى بعد اتصالها بالعوامل ، وبأن الضمير قد لا يتعدى إليه الفعل إلا بالحرف ، فكيف يلغى مع وجود الحرف المعدى ، وأيضا لا يمكن الإلغاء في السببي لأنه مطلوب الفعل في الحقيقة كـ «زيدا ضربت غلام رجل يحبه».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٧٤ ، حاشية الخضري : ١ / ١٧٤.

(٥) وهذا مذهب الكوفيين ونسب للكسائي والفراء في شرح الرضي. ورد بأنه لا يعمل عامل واحد في ضمير اسم ومظهره ، وبأنه يلزم كون المتعدي لواحد متعديا لاثنين ، وهو خرم للقاعدة.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٧٣ ـ ١٧٤ ، حاشية الخضري : ١ / ١٧٤ ، الإنصاف (مسألة : ١٢) : ١ / ٨٢ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٣٠ ـ ٣١ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٨٧ ، شرح الرضي : ١ / ١٦٣.

٣٤٢

يعني : قد يعرض لهذا الاسم المتقدّم ما يوجب نصبه ، وما يوجب رفعه ، وما يرجّح النّصب على الرّفع ، وما يسوّي فيه الأمرين ، وما يرجّح الرّفع على النّصب ، فهذه خمسة أقسام ، أشار إلى الأوّل منها بقوله :

والنّصب حتم ...

 ... البيت

يعني : أنّ الاسم السّابق إذا تبع ما يختصّ بالفعل ـ تحتّم نصبه ، والمختصّ بالفعل أدوات الشّرط ، وأدوات التّخصيص ، وأدوات الاستفهام ـ غير الهمزة ـ وذكر منها «إن ، وحيثما».

لكن الاشتغال بعد «إن» إن كان الفعل المشتغل ماضيا لفظا أو معنى ـ يقع في الكلام والشّعر ، وإن كان مضارعا فمختصّ بالشّعر.

وأمّا حيثما ، فلا يقع إلّا في الشّعر.

فتقول : «إنّ زيدا لقيته فأجمل إكرامه» ، و (لا يجوز أن تقول) (١) «حيثما زيدا لقيته يكرمك» ، ومثله : «هلّا زيدا كلّمته» (٢) ، و «متى زيدا تأتيه» (٣).

ثم قال رحمه‌الله تعالى :

وإن تلا السّابق ما بالابتدا

يختصّ فالرّفع التزمه أبدا

كذا إذا الفعل تلا ما لن (٤) يرد

ما قبله (٥) معمولا لما (٦) بعد وجد /

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع التصريح : ١ / ٢٩٨.

(٢) في الأصل : كلمة. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٥.

(٣) قال الأشموني في شرحه (٢ / ٧٥) : «لا يقع الاشتغال بعد أدوات الشرط والاستفهام إلا في الشعر ، وأما في الكلام فلا يليهما إلا صريح الفعل ، إلا إذا كانت أداة الشرط «إذا» مطلقا ، أو «إن» والفعل ماض ، فيقع في الكلام ، فتسوية الناظم بين «إن» و «حيثما» مردودة». انتهى. وقال الصبان (٢ / ٧٥) : «وأجيب : بأن التسوية بينهما في وجوب النصب ، وفي مطلق الاختصاص بالفعل ، وإن كان أحدهما أقوى من الآخر ، وعبارة الناظم لا تقتضي غير ذلك». انتهى.

(٤) «لن». هكذا في إعراب الألفية للأزهري ، وهو حرف نفي ونصب واستقبال ، وفي بعض النسخ «لم» وهي حرف نفي وجزم وقلب ، تقلب المضارع ماضيا ، و «يرد» فعل مضارع منصوب على النسخة الأولى ، ومجزوم على الثانية. قاله الأزهري. انظر إعراب الألفية : ٤٧ ، الألفية : ٦٢ ، شرح المكودي : ١ / ١٣٥.

(٥) «ما قبله». هكذا في شرح المكودي وإعراب الألفية ، وعليه فـ «ما» موصولة فاعلة بـ «يرد» و «قبله» صلة «ما» ، والهاء فيه عائدة على الفاعل. قاله المكودي. وقال الأزهري : «وفي بعض النسخ «قبل» بالبناء على الضم». انتهى. ولعل هذا هو المتعين لأن زيادة الهاء فيه مخلة بالوزن.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٦ مع هامش (١) ، إعراب الألفية : ٤٧ مع هامش (١) ، الألفية : ٦٢.

(٦) في الأصل : معمول ما. انظر الألفية : ٦٢.

٣٤٣

هذا هو القسم الثّاني ، وهو ما يجب رفعه وقد ذكر له سببين (١) :

أحدهما : ما اشتمل عليه البيت الأوّل ، وهو أن يتبع الاسم السّابق شيئا يختصّ بالابتداء ، كـ «إذا» التي للمفاجأة ، و «ليتما» (الابتدائيّة) (٢) ، لصحّة الابتداء به ، نحو «خرجت فإذا زيد يضربه عمرو» ، و «ليتما زيد أكرمته».

والثاني : أن يفصل بين الاسم السّابق والفعل بما لا يصحّ أن يعمل ما بعده فيما قبله ، كـ «أدوات الصّدر» ، نحو «زيد ما أكرمته ، وعمرو لأكرمنّه».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

واختير نصب قبل فعل ذي طلب

وبعد ما إيلائه الفعل غلب

وبعد عاطف بلا فصل على

معمول فعل مستقرّ أوّلا

هذا هو القسم الثّالث ، وهو ما يترجّح النّصب فيه على الرّفع ، وذكر لذلك ثلاثة أسباب اشتمل (٣) البيت الأوّل على سببين :

الأوّل : أن يكون الاسم السّابق قبل فعل يقتضي الطّلب ، كالأمر ، نحو «زيدا اضربه» ، والدعاء ، نحو «زيدا اللهمّ ارحمه» ، والنّهي (٤) نحو «زيدا لا تهنه».

الثّاني : أن يقع الاسم السّابق بعد شيء يغلب دخوله على الفعل نحو «ما» و «إنّ» النّافيتين ، وهمزة الاستفهام ، نحو «ما زيدا ضربته ، وإن (٥) عمرا أكرمته ، وأزيدا رأيته».

واشتمل البيت الثّاني على سبب واحد : وهو أن يكون الاسم السّابق معطوفا على جملة مصدّرة بالفعل ، نحو «قام زيد وعمرا كلّمته».

واحترز بقوله / : «بلا فصل» من أن يقع بين حرف العطف والمعطوف فاصل ، نحو «قام زيد ، وأمّا عمرو فكلّمته» ، لأنّ حكم المعطوف في ذلك حكم المستأنف.

وإنّما اختير النّصب قبل الطّلب ، لأنّه طالب للفعل ، وبعد الحروف

__________________

(١) في الأصل : شيئين. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٦.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٦.

(٣) في الأصل : اشتما. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٦.

(٤) في الأصل : والهني. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٦.

(٥) في الأصل : ون. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٦.

٣٤٤

المذكورة ، لأنّ الغالب فيها أن يليها الفعل ، ومع العطف على الجملة الفعليّة ليناسب المعطوف المعطوف (١) عليه (٢).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا

به عن اسم فاعطفن مخيّرا

هذا هو القسم الرّابع ، وهو ما يستوي الرّفع والنّصب فيه ، وذكر له سببا واحدا : وهو أن يكون الاسم السّابق معطوفا على جملة ذات وجهين ، وهي التي (٣) صدرها مبتدأ ، وخبرها فعل ، كقولك : «زيد قام ، وعمرو كلّمته» ، فالنّصب مراعاة لعجزها ، والرّفع مراعاة لصدرها ، ولا ترجيح لواحد من الوجهين على الآخر.

وتجوّز في تسمية الاسم السّابق : «معطوفا» ، والمعطوف (في) (٤) الحقيقة إنّما هو (٥) الجملة التي هو (٦) جزؤها.

والعذر له : أنّه لمّا ولي حرف العطف أطلق عليه معطوفا.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

والرّفع في غير الذي مرّ رجح

فما أبيح افعل ودع ما لم يبح

هذا هو القسم الخامس ، وهو ما يكون الرّفع فيه راجحا (٧) على النّصب ، فذكر أنّ الرّفع راجح فيما (٨) خلا من موجب النّصب ومرجّحه ، وموجب الرّفع وتساوي (٩) الوجهين ، ومثال ذلك : «زيد ضربته».

وإنّما كان الرّفع راجحا لعدم الحذف ، بخلاف (١٠) النّصب ، فإنّه على حذف الفعل.

__________________

(١) في الأصل : للمعطوف.

(٢) قال ابن مالك في شرح الكافية (٢ / ٦٢٠) : «وإنما رجح النصب هنا لأن المتكلم عاطف جملة فعلية على جملة فعلية». وانظر التصريح : ١ / ٣٠١.

(٣) في الأصل : وهو الذي. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٦.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

(٥) في الأصل : هي. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

(٦) في الأصل : هي. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

(٧) في الأصل : راجح.

(٨) في الأصل : فيها. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

(٩) في الأصل : مساو. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

(١٠) في الأصل : خلاف. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

٣٤٥

ثمّ تمّم البيت (١) فقال :

فما أبيح افعل ودع ما لم يبح

لأنّه مستغنى (٢) عنه.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وفصل مشغول بحرف جرّ

أو بإضافة كوصل يجري

يعني : أنّ الفعل المشغول بالضّمير المفصول بينه وبين الفعل بحرف الجرّ ، أو الإضافة (٣) ـ يجري مجرى الفعل المشغول بالضّمير المباشر في جميع الأقسام المذكورة ، فنحو «إن زيدا مررت به ، وإن زيدا رأيت (٤) أخاه» ـ يجري مجرى «إن زيدا ضربته» في وجوب النّصب ، ونحو «أزيدا (٥) مرّ به ، ومرّ بأخيه» يجري مجرى «زيدا اضربه» فيترجّع النّصب ، وكذلك سائر المسائل.

وفهم من قوله : «أو بإضافة» أنّ نحو «زيدا (٦) ضربت غلام أخيه ، وصاحب غلام أخيه» ، ونحوهما ممّا يتعدّد فيه المضاف ـ يجري مجرى «زيدا / ضرب غلامه» لأنّ قوله : «أو بإضافة» أعمّ من أن يكون المضاف واحدا (٧) أو أكثر ، وفي ذلك أيضا إشعار بأنّ الفصل بحرف الجرّ نحو «زيدا مررت به» يجري مجرى ما

كان المجرور فيه مضافا ، متعدّدا كان أو منفردا ، نحو «زيدا مررت بأخيه ، ومررت بغلام أخيه».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وسوّ في ذا الباب وصفا ذا عمل

بالفعل إن لم يك مانع حصل

يعني : أنّ الذي يعمل عمل الفعل يساوي الفعل في جواز تفسير العامل في الاسم السّابق.

والمراد بالوصف المذكور : اسم الفاعل واسم المفعول ، دون الصّفة

__________________

(١) قال ابن حمدون في حاشيته (١ / ١٣٧) : «بل رفع به توهم أن الراجح من هذه الأقسام مقيس والمرجوح موقوف على السماع». انتهى.

(٢) في الأصل : استغنى. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

(٣) في الأصل : والإضافة. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

(٤) في الأصل : رت. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

(٥) في الأصل : زيدا. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

(٦) في الأصل : زيد. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

(٧) في الأصل : واحد. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

٣٤٦

المشبّهة وأفعل التّفضيل ، لأنّهما لا يعملان فيما قبلهما ، فلا يفسّران عاملا ، فنحو «أزيدا أنت ضاربه» كقولك : «أزيدا تضربه».

واحترز بـ «الوصف» ممّا (١) يعمل عمل الفعل ، وليس بوصف ، كاسم الفعل ، والمصدر ، وبقوله : «ذا عمل» من اسم الفاعل بمعنى الماضي ، فإنّه لا يعمل ، وبقوله : «إن لم يك مانع حصل» من اسم الفاعل ، العامل ، المقترن بـ «أل» الموصولة نحو «زيد أنا الضّاربه غدا».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وعلقة حاصلة بتابع

كعلقة بنفس الاسم الواقع /

يعني أنّ الشّاغل للعامل إذا كان أجنبيّا ، متبوعا بسببيّ (٢) ـ جرى مجرى السّببي (٣).

والمراد بـ «العلقة» : الضّمير العائد على الاسم السّابق.

والمراد بـ «التّابع» هنا : النّعت ، كقولك : زيدا ضربت رجلا يحبّه» أو عطف البيان ، كقولك : «زيدا ضربت رجلا أخاه» (٤) ، أو عطف النّسق ، كقولك : «زيدا ضربت عمرا وأخاه».

وإطلاقه في «التّابع» يوهم أنّ ذلك جائز في جميع التّوابع ، وليس كذلك ، بل هو مخصوص بما ذكر.

والمراد بـ «الواقع» : السّببيّ المعمول للمفسّر.

__________________

(١) في الأصل : ما. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٧.

(٢) المراد بـ «السببي» : التابع المتحمل لضمير الاسم السابق ، وهو «تحبه» في المثال الأول ، و «أخاه» في المثالين بعده. انظر حاشية ابن حمدون : ١ / ١٣٨.

(٣) قال ابن حمدون في حاشيته (١ / ١٣٨) : «أي : الذي لم يقع فيه فصل بين العامل والضمير إلا بالاسم الواقع شاغلا فقط نحو «زيدا ضربت أخاه» ، كما مرّ في قوله : «أو بإضافة» فلا يكون فيه تشبيه الشيء بنفسه كما قيل به في النظم». انتهى.

(٤) وفي شرح المكودي (١ / ١٣٨) : «زيدا ضربت عمرا أخاه». قال الملوي في حاشيته على المكودي (٦٧) : «يوجد في بعض النسخ : «... ضربت رجلا أخاه» وهو تصحيف شائع ، لأنه يشترط في عطف البيان التطابق في التعريف والتنكير ، فلا يصح أن يكون أحدهما معرفة والآخر نكرة». انتهى.

٣٤٧

الباب الثامن عشر تعدّي الفعل ولزومه

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

تعدّي الفعل ولزومه

علامة الفعل المعدّى أن تصل

ها غير مصدر به نحو عمل

الفعل ثلاثة أنواع :

أحدهما : ما لا يوصف بتعدّ ولا لزوم ، وهو «كان» وأخواتها في (حال) (١) نقصها ، وقد تقدّمت.

والثّاني : المتعدّي ، وذكر أنّ علامته : جواز اتّصال ضمير (٢) غير المصدر به على وجه لا يكون خبرا ، نحو «زيد ضربه عمرو».

واحترز بـ «هاء» غير المصدر ، من «هاء» المصدر ، فإنّها تتّصل بالمتعدّي واللّازم ، فليست علامة لواحد منهما (٣).

واحترزنا بقولنا : «على وجه لا يكون خبرا» (من) (٤) نحو «الصّديق كنته» ، فإنّه يصدق على «كان» أنّه اتّصل به «هاء» ضمير (٥) غير المصدر ، ومع هذا لا يكون متعدّيا ، ـ كما مرّ ـ.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى ونفع به :

فانصب به مفعوله إن لم ينب

عن فاعل نحو تدبّرت الكتب /

يعني : أنّ الفعل المتعدّي ينصب المفعول به إذا لم ينب عن الفاعل ، فإذا ناب عن الفاعل ، كان مرفوعا ـ كما تقدّم في بابه ـ ، وقد مثّل لنصبه المفعول به بقوله : «تدبّرت الكتب» ، أي : تأمّلتها (٦).

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٣٠٨.

(٢) في الأصل : الضمير. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٩.

(٣) في الأصل : منها. انظر المكودي : ١ / ١٣٩.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٥) في الأصل : الضمير. انظر التصريح : ١ / ٣٠٩.

(٦) والتدبر : التأمل. انظر اللسان : ٢ / ١٣٢١ (دبر) ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٠٩.

٣٤٨

وفهم من قوله : «فانصب به» أنّ النّاصب للمفعول به الفعل وحده ، وهو قول البصريّين (١) ، واختلف قول الكوفيّين :

فقال هشام (٢) : النّاصب له الفاعل (٣).

وقال الفرّاء : كلاهما (٤).

وقال خلف (٥) معنى المفعوليّة (٦).

__________________

(١) وحجتهم أن أصل العمل للأفعال. وهو الصحيح.

انظر الإنصاف (مسألة : ١١) : ١ / ٧٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٠٩ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١٦٦ ، شرح الرضي : ١ / ١٢٨ ، الهمع : ٣ / ٧ ، شرح المرادي : ٢ / ٤٩ ، شرح المكودي : ١ / ١٣٩ ، أسرار العربية : ٨٥.

(٢) في الأصل : هشا. انظر التصريح : ١ / ٣٠٩. وهو هشام بن معاوية الضرير الكوفي ، أبو عبد الله ، نحوي ، صحب الكسائي وأخذ عنه كثيرا من النحو ، توفي سنة ٢٠٩ ه‍ ، من آثاره : المختصر ، القياس ، الحدود ، وكلها في النحو.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٤٠٩ ، نزهة الألباء : ٢٢٢ ، معجم الأدباء : ١٩ / ٢٩٢ ، هدية العارفين : ٢ / ٥٠٩ ، معجم المؤلفين : ١٣ / ١٥٠.

(٣) ومذهبه أنك إذا قلت : «ظننت زيدا قائما» تنصب «زيدا» بالتاء ، و «قائما» بالظن. وحجته أن نصب المفعول به يدور مع الفاعل وجودا وعدما والدوران يفيد العلية.

انظر الإنصاف : ١ / ٧٨ ـ ٧٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٠٩ ، شرح الرضي : ١ / ١٢٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١٦٦ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٧٤ ، الهمع : ٣ / ٧ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ١٣٩.

(٤) ونسب في الإنصاف لجمهور الكوفيين ، وحجتهم أن الفعل والفاعل كالشيء الواحد ولا يعمل بعض الكلمة دون بعضها الآخر.

انظر الإنصاف : ١ / ٧٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٠٩ ، شرح الرضي : ١ / ١٢٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١٧٩ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٧٣ ، الهمع : ٣ / ٧ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ١٣٩.

(٥) هو خلف بن حيان بن محرز البصري ، المعروف بالأحمر ، أبو محرز ، راوية عالم بالأدب والنحو ، شاعر ، من أهل البصرة ، كان يضع الشعر وينسبه إلى العرب ، وتتلمذ عليه أبو نواس ، توفي في حدود سنة ١٨٠ ه‍ وله ديوان شعر ، وكتاب جبال العرب ، ومقدمة في النحو ، وغيرها.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٢٤٢ ، إنباه الرواة : ١ / ٣٤٨ ، معجم الأدباء : ١١ / ٦٦ ، كشف الظنون : ٧٢٧ ، ٧٨٨ ، روضات الجنات : ٢٧٠ ، سمط اللآلئ : ٤١٢ ، معجم المؤلفين : ٤ / ١٠٤ ، الأعلام : ٢ / ٣١٠.

(٦) وحجته أن المفعولية صفة قائمة بذات المفعول ، ولفظ الفعل غير قائم به ، وإسناد الحكم إلى العلة القائمة بذات الشيء أولى من غيرها.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٠٩ ، الإنصاف : ١ / ٧٩ ، شرح الرضي : ١ / ١٢٨ ، الهمع : ٣ / ٧ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ١٣٩.

٣٤٩

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ولازم غير المعدّى وحتم

لزوم أفعال السّجايا كنهم

كذا افعللّ والمضاهي اقعنسسا

وما اقتضى نظافة أو دنسا

أو عرضا أو طاوع المعدّى

لواحد كمدّه فامتدّا

يعني : أنّ ما لا يصلح أن يتّصل به ضمير غير المصدر ، فهو لازم ، ويقال فيه : غير متعدّ وقاصر.

ثمّ إنّ من اللازم ما يستدلّ على لزومه بمعناه ، ومنه ما يستدلّ عليه بوزنه ، وقد شرع في بيان ذلك بقوله :

 ... وحتم

لزوم أفعال السّجايا ...

هذا ما يستدلّ على لزومه بمعناه ، وهو أن يكون دالّا على السّجايا ـ أي :

الطّبائع ـ وهو ما دلّ على معنى قائم بالفاعل ، لازم له ، ثمّ مثّل ذلك بـ «نهم» ، ومعناه : كثر أكله (١) ، ومثله : «حمق» بكسر الميم وضمّها (٢) ـ.

ثمّ قال :

كذا افعللّ والمضاهي اقعنسسا

هذا ممّا يستدلّ على لزومه بوزنه ، وهو «افعللّ» كـ «اقشعرّ» (٣) ، و «اطمأنّ» و «افعنلل» ، كـ «احرنجم» (٤) و «اقعنسس» (٥).

والمضاهي / : المشابه (٦) ، واصطلاحه في هذا النّظم : أنّه إذا علّق الحكم على شبه شيء ، فالمراد به ذلك اللّفظ وشبهه ، فكأنّه قال : «واقعنسس ، ومضاهيه».

ثمّ قال :

__________________

(١) جاء في اللسان : «النهم ـ بالتحريك ـ والنهامة : إفراط الشهوة في الطعام وألا تمتلئ عين الأكل ولا تشبع ، وقد نهم في الطعام ـ بالكسر ـ ينهم نهما إذا كان لا يشبع».

انظر اللسان : ٦ / ٤٥٦٣ (نهم) ، وانظر شرح المكودي : ١ / ١٤٠.

(٢) قال ابن منظور : «الحمق ضد العقل ، وقيل : قلة العقل ، حمق ـ بضم الميم ـ يحمق حمقا وحمقا ـ بضمتين ـ وحماقة ، و «حمق» ـ بكسر الميم ـ وانحمق واستحمق الرجل إذا فعل فعل الحمقى». انظر اللسان : ٢ / ٩٩٩ (حمق).

(٣) في الأصل : كأشعر. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٠.

(٤) يقال : احرنجم القوم اجتمع بعضهم إلى بعض ، واحرنجمت الإبل اجتمعت وبركت.

انظر اللسان : ٢ / ٨٢٤ (حرجم).

(٥) قعس وتقاعس واقعنسس : تأخّر ورجع إلى الخلف. انظر اللسان : ٥ / ٣٦٩٢ (قعس).

(٦) انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٠ ، اللسان : ٤ / ٢٦١٧ (ضها).

٣٥٠

وما اقتضى نظافة أو دنسا

نحو «وضؤ ، وطهر» في النّظافة ، و «نجس ، وقذر» في الدّنس.

ثمّ قال : «أو عرضا» ـ بفتح العين والرّاء المهملتين ـ ، وهو ما ليس حركة جسم من (١) معنى قائم بالفاعل غير لازم ، نحو «مرض ، وكسل» (٢).

ثمّ قال :

 ... أو طاوع المعدّى

لواحد كمدّه فامتدّا

يعني : أنّ من علامة لزوم الفعل أن يكون مطاوعا لفعل متعدّ إلى واحد.

ومعنى المطاوعة : قبول أثر الفعل المطاوع ، نحو «مددت الثّوب فامتدّ» ، و «دحرجته فتدحرج» (٣).

واحترز بقوله : «لواحد» من المطاوع المتعدّي لاثنين ، فإنّه متعدّ إلى واحد ، كقولك : «علّمت زيدا الحساب فتعلّمه».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وعدّ لازما بحرف جرّ

وإن حذف فالنّصب للمنجرّ

نقلا وفي أنّ وأن يطّرد

مع أمن لبس كعجبت أن يدوا

يعني : أنّ الفعل اللازم إذا طلب مفعولا من جهة المعنى ، ولم يصل إليه بنفسه ، لضعفه عنه ـ عدّي إليه بحرف الجرّ ، نحو «مررت بزيد» ، و «آليت على عمرو». وقوله :

__________________

(١) في الأصل : في. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٠.

(٢) انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٠ ، وفي التصريح (١ / ٣١٠) : «وهو ـ أي العرض ـ ما ليس حركة جسم من وصف غير ثابت دائما كـ «مرض» ، و «كسل» و «نهم» إذا شبع بكسر العين فيهن ، بخلاف «نهم» إذا صار أكولا فليس لازما».

وانظر شرح المرادي : ٢ / ٥١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٨٩ ، شرح دحلان : ٧٥.

(٣) في الأصل : فقد حرج. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٠. وقال الخضري : «المطاوعة قبول الأثر ، أي : حصوله من فاعل فعل ذي علاج محسوس إلى فاعل فعل آخر يلاقيه اشتقاقا ، فإن حصل الأثر بلا ملاقاة فليس مطاوعا كـ «ضربته فتألم» ، وخرج بالمحسوس غيره ، فلا يقال : «علمت المسألة فانعلمت» ولا «ظننت كذا فانظنّ» لعدم العلاج المحسوس ، ويجوز «قلت هذا الكلام فانقال» إذا عينت الألفاظ المسموعة لإحساس علاجها بتحريك اللسان والشفتين ، فإن أردت المعنى المفهوم من القول بلا نظر للفظ امتنع». انتهى.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٠ ، حاشية الخضري : ١ / ١٧٩ ، حاشية الصبان : ٢ / ٨٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣١٠ ، البهجة المرضية : ٧٥ ، شرح المرادي : ٢ / ٥ ، معجم المصطلحات النحوية : ١٤١.

٣٥١

وإن حذف فالنّصب للمنجرّ

يعني : أنّ حرف الجرّ إذا حذف انتصب المجرور بالفعل وذلك على نوعين : موقوف على السّماع ومطّرد.

وقد أشار إلى الأوّل بقوله : «نقلا» أي : سماعا ، كقوله / :

٩٩ ـ آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه

 ...

أي : آليت على حبّ العراق ، فحذف حرف الجرّ ، وانتصب المجرور.

وظاهر قوله : «نقلا» أنّ النّقل راجع للنّصب ، وليس كذلك ، بل هو راجع لحذف حرف الجرّ ، وأما النّصب فليس بنقل (٢).

__________________

٩٩ ـ من البسيط للمتلمس (جرير بن عبد المسيح الضبعي) من قصيدة له في ديوانه (٥) ، وعجزه :

والحبّ يأكله في القرية السّوس

قيل : إنه يخاطب بها عمرو بن هند ملك الحيرة ، وكان المتلمس قد هجاه وبلغه ذلك فخاف على نفسه ففر إلى الشام ومدح ملوكها ، فحلف عمرو أنه لا يطعم المتلمس بعدها حب العراق ـ أي : لا يقدر بعدها على المقام بالعراق فلا سبيل له إلى أكل حبها ـ فقال المتلمس ذلك ، والمعنى : حلفت يا عمرو لا تتركني أقيم بالعراق ، والطعام لا يبقى ـ وإن استبقيته ـ بل يسرع إليه الفساد ويأكله السوس ـ وهو قمل القمح ـ فالبخل به قبيح.

وقيل : «آليت» بضم التاء ، فيكون إخبارا عن نفسه. ويروى : «آكله» بدل «أطعمه». وقوله : «أطعمه» أي : لا أطعمه ، فحذفت منه «لا» النافية وهو من طعمت الشيء : إذا أكلته.

والشاهد في نصب «حب» على إسقاط الخافض ، أي : على حب العراق ، ولا يصح أن يكون مفعولا بفعل محذوف يفسره «أطعمه» ، لأن «لا» النافية وإن كانت محذوفة ـ لها صدر الكلام تمنع ما بعدها من أن يعمل فيما قبلها ، وما لا يعمل لا يفسر عاملا.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣١٢ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٤٠ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٥٤٨ ، الكتاب : ١ / ١٧ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٣٦٥ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٤٨ ، ٤٤٥ ، ١٠٠٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ٩٠ ، أبيات المغني : ٢ / ٢٥٩ ، ٣ / ١٥٠ ، ٧ / ٢٤٦ ، شواهد الأعلم : ١ / ١٧ ، حاشية الخضري : ١ / ١٧٥ ، شرح ابن الناظم : ٢٤٧ ، الجنى الداني : ٤٧٣ ، شواهد المغني : ١ / ٢٩٤ ، أصول ابن السراج : ١ / ١٧٩ ، الإفصاح : ٢٤٣ ، توجيه اللمع : ٤١٣.

(١) انظر شرح المكودي : ١ / ١٤١ ، قال الخضري في حاشيته (١ / ١٧٩) : قوله : «نقلا» راجع في المعنى للحذف فقط كما يقتضيه صنيع الشارح بقرينة قول المصنف : «وفي أن وإن يطرد» فهو متعلق بمحذوف من مادته أي : ويحذف نقلا كما قدره الأشموني وليس راجعا للنصب كما قد يتوهم لتبعيته للحذف في السماع فلا يوصف به استقلالا ، ولئلا يقتضي أن عدم النصب مع الحذف ليس سماعيا فيصدق بقياسته ، وليس كذلك ، وبهذا يبطل رجوعه لهما معا وإن استوجهه شيخ الإسلام». وانظر حاشية الصبان مع الأشموني : ٢ / ٩٠ ، ٩١ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ٤١٤.

٣٥٢

وأشار إلى الثّاني بقوله :

 ... وفي أنّ وأن يطّرد

مع أمن لبس كعجبت أن يدوا

يعني : أنّ حذف حرف الجرّ مع «أنّ ، وأن» المصدريتين مطّرد ، إذا أمن اللّبس ، فتقول : «عجبت من أنّك تقوم : (و «عجبت أنّك تقوم») (١) ، و «عجبت من أن تقوم» ، و «عجبت أن تقوم» ، و «عجبت أن يدوا» (٢) ، أي : من أن يعطوا الدّية (٣).

واحترز بقوله : «مع أمن لبس» من نحو «رغبت في أن تقوم ، ورغبت عن أن تقوم» ، فلا يجوز حذف حرف الجرّ هنا ، لئلّا يلتبس.

وإنّما اطّرد حذف حرف الجرّ مع «أنّ ، وأن» لطولهما بالصّلة.

واختلف في موضعهما بعد الحذف :

فقيل : في موضع جرّ (٤).

وقيل : في موضع نصب (٥) ، وهو أقيس (٦)(٧).

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤١.

(٢) يدوا : مضارع «ودى» كـ «وعد» وأصل المضارع قبل الإسناد «يودي» ، كـ «يوعد» ، فأسند إلى واو الجماعة ، فصار «يوديون» فحذفت الواو الأولى فاء الكلمة عملا بقول الناظم :

فا أمر أو مضارع من كوعد

احذف ...

فصار «يديون» استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الدال بعد سلب حركتها ، فالتقى ساكنان الياء والواو ، فحذفت الياء لسبقها ، ثم دخل الناصب فحذف النون لقوله :

وحذفها للجزم والنّصب سمه

فهو معرب منصوب بحذف النون. انظر في ذلك حاشية ابن حمدون : ١ / ١٤١.

(٣) انظر شرح المكودي : ١ / ١٤١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٩١ ، اللسان : ٦ / ٤٨٠٢ (ودى) ، البهجة المرضية : ٧٥ ، شرح دحلان : ٧٥.

(٤) نسب ابن مالك هذا الرأي للخليل والكسائي ، ونسبه ابن عقيل للأخفش ، وقيل : هو مذهب سيبويه. ورد بأنه ليس في كلام سيبويه تعيين الجر حتى يجعل مذهبا له.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٣٤ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٨٠ ، الأشموني مع الصبان : ٢ / ٩٢ ، التسهيل : ٨٣ ، البهجة المرضية : ٧٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣١٣ ، شرح المكودي : ١ / ١٤١.

(٥) وهو مذهب الخليل والكسائي. انظر الكتاب : ١ / ٤٦٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣١٣ ، ابن عقيل مع الخضري : ١ / ١٨٠. ونسبه ابن مالك وغيره لسيبويه والفراء. انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٣٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٩٢ ، البهجة المرضية : ٧٥. ونسب ابن عقيل لسيبويه جواز الوجهين ، فقال الخضري : «فإنّه قال ـ يقصد سيبويه ـ بعد أن ذكر أمثلة من ذلك ـ : «ولو قيل إن الموضع جر لكان قويا ، ولذلك نظائر كقولهم : «لاه» أبوك

٣٥٣

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والأصل سبق فاعل معنى كمن

من ألبسن من زاركم نسج اليمن

ويلزم الأصل لموجب عرا

وترك ذاك الأصل حتما قد يرى

يعني : إذا كان الفعل متعدّيا لاثنين من غير باب «ظنّ» ، فلا بدّ أن يكون أحدهما فاعلا في المعنى ، وأصله أن يتقدّم على ما ليس فاعلا في المعنى ، كقولك : «أعطيت زيدا درهما» ، فـ «زيد» هو الفاعل في المعنى ، لأنّه هو الذي أخذ الدّرهم ، وكقوله : «ألبسن من زارك نسج اليمن» ، فـ «من زاركم» مفعول أوّل لـ «ألبسن» ، و «نسج اليمن» مفعول ثان ، والأوّل / هو الفاعل في المعنى ، لأنّه هو الذي لبس نسج اليمن (١).

ثمّ إنّ المفعول الأوّل في ذلك على ثلاثة أقسام :

قسم يجب فيه تقديم ما هو فاعل في المعنى ، وقسم يجب فيه تأخيره ، وقسم يجوز فيه الوجهان.

وقد أشار إلى الأوّل بقوله :

ويلزم الأصل لموجب عرا

أي : لموجب غشي وجاء (٢) ، والموجب الذي يوجب تقديمه هو اللّبس ،

__________________

«أي : لله أبوك» ثم نقل النصب عن الخليل ، فعلم أنه يجوز الأمرين ، وأما نسبة الجر إلى الخليل والنصب إلى سيبويه كما في الأشموني تبعا للتسهيل وكذا في البيضاوي عند(إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي) فسهو». انتهى.

انظر الكتاب : ١ / ٤٦٤ ـ ٤٦٥ ، ابن عقيل مع الخضري : ١ / ١٨٠ ـ ١٨١ ، التسهيل : ٨٣ ، الأشموني مع الصبان : ٢ / ٩٢ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣١٣.

في الأصل : قيس. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤١.

وأقيس : أي : أقوى قياسا ، لأن قائله قاس على ما إذا كان المجرور غير «أنّ وأن» فإنه ينتصب لضعف حرف الجر عن أن يعمل محذوفا. وقائل القول الأول قاس على مجرور «رب» مع أن من النحاة من يجعل الجر عند حذف «رب» بواو «رب» لا بـ «رب» فأفعل التفضيل على بابه.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٤١ ، الأشموني مع الصبان : ٢ / ٩٢ ، حاشية الخضري : ١ / ١٨٠ ـ ١٨١.

(١) ونسج : مصدر بمعنى اسم المفعول ، أي : منسوج. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤١ ، إعراب الألفية : ٤٩.

(٢) انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٢ ، وفي اللسان (٤ / ٢٩٢٢ ـ عرا) : «وعرى إلى الشيء عروا باعه ثم استوحش إليه». وفي شرح المرادي (٢ / ٥٥) : «وقوله : «عرا» أي : وجد». وانظر

٣٥٤

نحو «أعطيت زيدا عمرا» ، أو الحصر (١) ، نحو «ما أعطيت زيدا إلّا درهما» ، أو يكون الأوّل ضميرا متّصلا بالفعل ، نحو «أعطيتك درهما».

ثمّ أشار إلى القسم الثّاني بقوله :

وترك ذاك الأصل حتما قد يرى

يعني : أنّه يجب تأخير ما هو فاعل في المعنى لموجب أيضا ، وذلك الموجب كونه محصورا ، نحو «ما أعطيت درهما إلا زيدا» ، أو يكون الثّاني ضميرا متّصلا ، نحو «الدّرهم أعطيته زيدا» ، أو متلبّسا بضمير يعود على الأوّل نحو «أسكنت الدّار ربّها».

وأما القسم الثالث ، وهو : ما يجوز فيه الوجهان ، فهو مستفاد من قوله : «والأصل سبق فاعل معنى».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وحذف فضلة أجز إن لم يضر

كحذف ما سيق جوابا أو حصر

يعني : أنّه يجوز حذف الفضلة ، وهو المفعول ، وشمل ذلك : (مفعول) (٢) المتعدّي إلى واحد نحو «ضربت» ، والأوّل من المتعدّي لاثنين ، كقوله عزوجل : (وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) [النجم : ٣٤] ، والثّاني ، نحو قوله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) [الضحى : ٥] ، والأوّل والثّاني معا ، نحو (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) [الليل : ٥].

وقوله : «إن لم يضر» أي : إن لم يضرّ حذفه ، وذلك إذا كان جوابا ، نحو «ضربت زيدا» لمن قال : «من ضربت» ، أو كان محصورا ، نحو «ما ضربت إلّا زيدا» ، ففي هذين الموضعين لا يجوز حذفهما (٣).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ويحذف النّاصبها إن علما

وقد يكون حذفه ملتزما

__________________

شرح الأشموني : ٢ / ٩٢ ، البهجة المرضية : ٧٥ ، وفي حاشية الخضري (١ / ١٨١) : «عرا» ، أي : نزل ووجد ، ومضارعه «يعرو» كـ «غزا يغزو» وأما «عرى يعري» كـ «تعب يتعب» فبمعنى : خلا ، ولا يصح هنا». وفي إعراب الألفية (٤٩) : «عرا : بمعنى عرض».

(١) في الأصل : والحصر. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٢.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٢.

(٣) سواء كان الحذف اختصارا أم اقتصارا. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٢.

٣٥٥

يعني : أنّه يحذف الفعل النّاصب للفضلة إذا علم جوازا ، كقولك لمن قال : «ما ضربت أحدا» ، «بل زيدا» ، ووجوبا في باب الاستغال ، والنّداء ، والتّحذير ، والإغراء (١) ، وهذا هو الوجه الثّاني ، وإليه أشار بقوله :

وقد يكون حذفه ملتزما

وفهم منه : أنّ قوله :

ويحذف النّاصبها إن علما

على جهة الجواز ، لأنه في مقابلة الحذف على جهة اللّزوم.

__________________

(١) وما كان مثلا أو جاريا مجرى المثل ، والفرق بين المثل وما جرى مجراه : أن المثل تقدم له سبب ضرب لأجله في الأصل ، وأما ما جرى مجراه فلا سبب له لكنه لكثرة استعماله نزل منزلة المثل. انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٤٣.

٣٥٦

الباب التاسع عشر

التنازع في العمل

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

التّنازع في العمل

إن عاملان اقتضيا في اسم عمل

قبل فللواحد منهما العمل

التّنازع : هو أن يتقدّم عاملان ، ويتأخّر عنهما معمول واحد من العاملين ، (وكلّ واحد) (١) من العاملين يطلبه من جهة المعنى (٢) ، وقد بيّن ذلك بقوله :

إن عاملان ...

 ... البيت

والمراد بالعامل هنا : الفعل ، أو ما جرى (٣) مجراه ، ولا مدخل للحرف في هذا الباب.

وشمل قوله : «عاملان» / : الفعلين ، كقوله عزوجل : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف : ٩٦] فـ «آتوني» يطلب «قطرا» على أنّه مفعول ثان له ، و «أفرغ» يطلبه على أنّه مفعوله ، وأعمل الثّاني ـ وهو «أفرغ» ـ في «قطرا» ، وأعمل «آتوني» في ضميره ، وحذفه لأنّه فضلة ، والأصل : آتونيه ، ولو أعمل الأوّل لقيل : أفرغه.

والاسمين ، كقول الشّاعر (٤) :

١٠٠ ـ عهدت مغيثا مغنيا من أجرته

 ...

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٣.

(٢) وهو لغة التجاذب. ويسمى هذا الباب أيضا باب الإكمال ـ بكسر الهمزة ـ عند الكوفيين.

انظر في ذلك شرح المكودي : ١ / ١٤٣ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣١٥ ، شرح دحلان : ٧٦ ، ابن عقيل مع الخضري : ١ / ١٨٢ ـ ١٨٣ ، البهجة المرضية : ٧٦ ، معجم مصطلحات النحو : ٢٧٩ ، معجم المصطلحات النحوية : ٢٢٠ ، معجم النحو : ١١٥.

(٣) في الأصل : أو مجرى. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٣.

(٤) في الأصل : الشاعرة. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٣.

١٠٠ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله ، وعجزه :

فلم أتّخذ إلّا فناءك موئلا

عهدت : من العهد ، بمعنى : معرفة الشيء على ما كان عليه. قوله : «من أجرته» من أجاره

٣٥٧

فـ «مغيثا» ـ من الإغاثة ، بالمثلّثة (١) ـ ، و «مغنيا» ـ من الإغناء ، ضدّ الافتقار (٢) ـ تنازعا «من» الموصولة ، فكلّ منهما يطلبها من جهة المعنى على المفعوليّة ، وأعمل الثّاني لقربه ، وأعمل الأوّل في ضميره وحذفه ، والأصل : مغيثه.

والمختلفين ، كقوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] ، فـ «ها» اسم فعل بمعنى «خذ» ، و «الميم» حرف يدلّ على الجمع ، و «اقرؤوا» فعل أمر ، تنازعا «كتابيه» ، وأعمل الثّاني لقربه ، وحذف من الأوّل ضمير المفعول ، والأصل : هاؤموه.

ومعنى «اقتضيا» : طلبا ، فخرج به نوعان :

أحدهما : أن يكون أحد العاملين لا يقتضي عملا في المتنازع (٣) فيه ، كقول امرئ القيس (٤) :

١٠١ ـ فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

كفاني ولم أطلب قليل من المال

__________________

يجيره من فلان إذا استجاره وأنقذه منه. قوله : «إلا فناءك» أي : إلا كنفك وجوارك ، وأصل «الفناء» ما امتد من الدار من جوانبها. موئلا : ملجأ. والشاهد على أن «مغيثا مفنيا» اسمان تنازعا في قوله «من أجرته» ، لأن كلا منهما يستدعي أن يعمل فيه.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣١٦ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٩٩ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٤٣ ، حاشية الخضري : ١ / ١٨٢ ، شرح ابن الناظم : ٢٥٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٤٢ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ١١٨ ، أوضح المسالك : ٩٨ ، فتح رب البرية : ٢ / ٨٦ ، الدرة المضية للأنباسي (رسالة ماجستير) : ٢٦.

(١) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣١٦ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٢ ، اللسان : ٥ / ٢٣١٢ (غوث). والاستغاثة طلب الغوث وهو التخليص من الشدة والنقمة والعون على الفكاك من الشدائد. انظر تاج العروس : ١ / ٦٣٦ (غوث).

(٢) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣١٦ ، اللسان : ٥ / ٣٣٠٨ (غنى) ، وفي الشواهد الكبرى (٣ / ٢) : و «مغنيا» من أغناه عن الشيء إذا كفاه همه عنه.

(٣) في الأصل : التنازع. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٤.

(٤) هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، من بني آكل المرار ، أشهر شعراء العرب ، يماني الأصل ، ولد في حدود سنة ١٣٠ ق. ه ، اشتهر بلقبه ، واختلف في اسمه ، فقيل : حندج ، وقيل : مليكة ، وقيل : عدي ، وكان أبوه ملك أسد وغطفان ، وأمه أخت المهلهل الشاعر ، ومعلقته أشهر من أن يعرف بها ، أخباره كثيرة ، توفي في أنقرة سنة ٨٠ ق. ه ، وجمع بعض شعره في ديوان صغير.

انظر ترجمته في الأغاني : ٩ / ٧٧ ، الأعلام : ٢ / ١٢ ، معجم المؤلفين : ٢ / ٣٢٠ ، الخزانة : ١ / ٣٢٩ ، ٨ / ٥٤٦ ، شواهد المغني : ١ / ٢١ ، ٣٤٤ ، ٢ / ٧١٥.

١٠١ ـ من الطويل لامرئ القيس من قصيدة له في ديوانه (٣٩) ، وبعده :

ولكنما أسعى لمجد مؤثل

وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

ويروى : «ولو أن» بدل «فلو أن» قال العيني : «والرواية الصحيحة «ولو» بالواو». والشاهد

٣٥٨

فإنّ «أطلب» غير طالب لـ «قليل».

الثّاني : أن يؤتى بالعامل الثّاني توكيدا للأوّل ، كقوله :

١٠٢ ـ ... /

أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس

__________________

فيه على إعمال الفعل الأول ـ وهو كفاني ـ في «قليل» ولذلك رفعه ، ولم يعمل «أطلب» ، فكأنه قال : كفاني قليل من المال ولم أطلب ما فوقه من المملكة ونحوها ، وعلى هذا يصح المعنى. ولو نصب «قليل» على إعمال «أطلب» لفسد المعنى ، لأنه يجعل القليل من المال كافيا له لو طلبه وسعى له ، وهو لم يرد ذلك ، وإنما طلبه الملك ، يدل عليه قوله بعد :

ولكنّما أسعى ...

 ... البيت

وتقدير الكلام : فلو أن سعيي لأدنى معيشة كفاني قليل من المال ولم أطلب الرياسة والملك ، فعلق الفعل في البيت وفسره بالبيت الثاني. وعلى ما تقدم يكون البيت الذي نحن بصدده ليس من باب التنازع. وذهب الكوفيون إلى أنه من باب التنازع ، واستدلوا به على اختيار إعمال الأول.

انظر الكتاب : ١ / ٤١ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٣٥ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٤٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٩٨ ، ٤ / ٤٠ ، شواهد الأعلم : ١ / ٤١ ، المقتضب : ٤ / ٧٦ ، شواهد المفصل والمتوسط : ١ / ٣٩ ، الخصائص : ٢ / ٣٨٧ ، الإنصاف : ٨٣ ، ٩٢ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٧٨ ، ٧٩ ، المقرب : ١ / ١٦١ ، الخزانة : ١ / ٣٢٧ ، شذور الذهب : ٢٢٧ ، مغني اللبيب (رقم) : ٤٥٧ ، ٤٨١ ، الهمع (رقم) : ١٥٢٦ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٤٤ ، شواهد ابن السيرافي : ١ / ٣٨ ، الإرشاد للكيشي : ٤٩ ، أبيات المغني : ٥ / ٣٥ ، ٧ / ٩٧ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٦٢٢ ، شواهد المغني : ١ / ٣٤٢ ، ٢ / ٦٤٢ ، ٨٨٠ ، شواهد الفيومي : ٧٣ ، المقتصد : ١ / ٣٤٢ ، شواهد ابن النحاس : ٣٥ ، حاشية الخضري : ١ / ١٨٣ ، شرح الرضي : ١ / ٨١ ، فتح رب البرية : ٢ / ١٦ ، الإفصاح : ٣١٣.

١٠٢ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله ، وصدره :

فأين إلى أين النّجاء ببلغلتي

النجاء : الإسراع. ويروى : «النجاة» بمعنى : الخلاص. احبس احبس : محكي بقول مقدر أى : قائلين احبس احبس. والشاهد فيه على أن «أتاك» الثاني جاء توكيدا للأول ، وليس فيه تنازع ، إذ لو كان فيه تنازع لقال : «أتوك أتاك» على إعمال الثاني ، أو «أتاك أتوك» على إعمال الأول.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣١٨ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٩ ، الخزانة : ٥ / ١٥٨ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٢٤٣ ، الهمع (رقم) : ١٥٢٧ ، ١٥٦٦ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٤٥ ، ١٥٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ٩٨ ، شرح المرادي : ٢ / ٦١ ، شرح ابن الناظم : ٢٥٣ ، كاشف الخصاصة : ١٢٠ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٤٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٤٢ ، تذكرة النحاة : ٣٤٢ ، الجامع الصغير : ١٨٨ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥٨ ، شواهد الجرجاوي : ٢٠٣ ، شرح الرضي : ١ / ٣٣٢ ، توجيه اللمع : ٢١٤ ، شواهد العدوي : ٢٠٣ ، فتح رب البرية : ٢ / ٨٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦١٦.

٣٥٩

فـ «أتاك» الثّاني غير طالب لـ «اللاحقين» لأنّه أتى به توكيدا لـ «أتاك» الأوّل.

وفهم من قوله : «في اسم» أنّ المتنازع (١) فيه لا يكون أكثر من اسم واحد.

وفهم من قوله : «قبل» أنّ المتنازع فيه لا يتقدّم على العاملين ولا على أحدهما ، وفي ذلك خلاف (٢).

وفهم من قوله : «فللواحد منهما العمل» جواز إعمال كلّ منهما ، ولا خلاف في ذلك ، وإنّما الخلاف في الاختيار ـ وسيأتي ـ.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والثّان (٣) أولى عند أهل البصره

واختار عكسا غيرهم ذا أسره

اختار البصريّون إعمال الثّاني ، لقربه من المعمول (٤) ، واختار (٥) الكوفيّون إعمال الأوّل ، لسبقه (٦) ، والصّحيح (٧) مذهب البصريّين ، لأنّ إعمال الثّاني

__________________

(١) في الأصل : التنازع. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٤.

(٢) فذهب الأكثرون إلى أنه لا يكون مطلوب المتنازعين إلا متأخرا. وذهب بعض المغاربة إلى إجازة التنازع في المتقدم ، مستدلين بقوله تعالى : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ، وإليه ذهب الرضي في شرح الكافية. قال الأزهري : ولا حجة له لأن الثاني لم يجئ حتى استوفاه الأول ، ومعمول الثاني محذوف لدلالة معمول الأول عليه. وذهب الفارسي إلى إجازة التنازع مع توسط المعمول نحو «ضربت زيدا وأكرمت».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣١٧ ـ ٣١٨ ، شرح المرادي : ٢ / ٦٤ ـ ٦٥ ، شرح الرضي : ١ / ٧٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٤٣.

(٣) في الأصل : والثاني. انظر الألفية : ٦٦.

(٤) انظر الإنصاف : ١ / ٨٣ ـ ٩٢ ، شرح المكودي : ١ / ١٤٤ ، شرح المرادي : ٢ / ٦٥ ، الهمع : ٥ / ١٣٧ ، شرح الرضي : ١ / ٧٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٤٤ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٧٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٠١ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٢٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٦١٣.

(٥) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٤.

(٦) وقال بعض النحويين : يتساويان ، لأن لكل منهما مرجحا ، حكاه ابن العلج في البسيط.

وقال الفراء : كلاهما يعملان فيه إن اتفقا في الإعراب المطلوب ، نحو «قام وقعد زيد» فجعله مرفوعا بالفعلين. وفصل أبو ذر الخشني فقال : إن كان إعمال الثاني يؤدي إلى الإضمار في الأول فيختار إعمال الأول ، وإلا فيختار إعمال الثاني. وإذا تنازع ثلاثة فالحكم كذلك بالنسبة إلى الأول والثالث ، قاله المرادي. وقال الشيخ خالد : «وسكتوا عن المتوسط ، فهل يلتحق بالأول لسبقه على الثالث ، أو بالثاني لقربه من المعمول بالنسبة إلى الأول ، أو يستوي فيه. لم أر في ذلك نقلا». وقال الأشموني : «سكتوا عن الأوسط عند تنازع ثلاثة ، وحكى بعضهم الإجماع على جواز إعمال كل منها».

انظر في ذلك الإنصاف (مسألة : ١٣) : ١ / ٨٣ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٦١٣ ، شرح المرادي : ٢ / ٦٥ ، الهمع : ٥ / ١٣٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٢٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٠٢ ، شرح الرضي : ١ / ٧٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٤٤ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٢٩ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ١٦٣.

(٧) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ١٤٤.

٣٦٠