شرح ابن طولون - ج ١

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

ثمّ قسّم الظّرف إلى زمان ، وإلى مكان.

وشمل قوله : «وقت أو مكان» الظّرف ، وغير الظّرف.

وأخرج بقوله : «ضمّنا في» ما ليس بظرف من الزّمان والمكان ، نحو «يوم الجمعة مبارك ، وأعجبني موضع جلوسك».

وأخرج بقوله : «باطّراد» المكان المختصّ المنصوب بـ «دخل» نحو «دخلت المسجد والدّار» فإنّه غير ظرف ، لأنّه يطّرد نصبه مع سائر الأفعال ، فلا تقول : «صلّيت المسجد ، وجلست الدّار» ، وفهم من ذلك أنّ «المسجد» من نحو «دخلت المسجد» ليس بظرف ، وفيه (١) ثلاثة أقوال :

قيل : تشبيها بالمفعول به (٢).

وقيل : على الظّرف (٣).

وقيل : مفعول ، و «دخلت متعدّ» (٤).

__________________

(١) أي : في نصبه.

(٢) وذلك بعد إسقاط الخافض على وجه التوسع والمجاز ، وإليه ذهب الناظم حيث قال : فإن كان الفعل المتعلق بالمكان المختص «دخل» جاز أن يتعدى إليه بنفسه لا على أنه ظرف ، بل على أنه مفعول به متعد إليه بحرف ، ثم حذف حرف الجر تخفيفا لكثرة الاستعمال ، فوقع الفعل عليه ونصبه ، كما يتفق لغيره. انتهى وهو مذهب الفارسي ونسبه ابن مالك لسيبويه.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٨٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٢٦ ، شرح المرادي : ٢ / ٩٠ ، شرح ابن يعيش : ١ / ١٩٦ ، شرح ابن الناظم : ٢٧٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٩٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٥٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٣٩.

(٣) وأجرى مجرى المبهم من ظروف المكان ، ونسبه الشلوبين والرضي وأبو حيان إلى سيبويه ، ونسبه غيرهم إلى الجمهور. قال ابن مالك : ولو كان انتصاب المكان بعد «دخل» على الظرفية لجار أن يقع ذلك المنتصب خبر مبتدأ ، إذ ليس في الكلام ما يكون ظرفا لفعل ، ولا يكون ظرفا لمبتدأ.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٤ ، شرح الرضي : ١ / ١٨٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٨٤ ، شرح المرادي : ٢ / ٩٠ ـ ٩١ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٢٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٥٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤٠.

(٤) بنفسه : وهو مذهب الأخفش والمبرد والجرمي. وقال ابن مالك : ولا يجوز الحكم على «دخل» بأنه متعد بنفسه إلى المكان المختص ، لأنه لو تعدى بنفسه إلى المكان على أنه مفعول به لتعدى إلى غير المكان ، ولم يحتج معه إلى حرف جر في نحو قولهم «دخلت في الأمر».

انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٤ ، شرح المرادي : ٢ / ٩١ ، المقتضب : ٤ / ٦٠ ، ٣٣٧ ، شرح الرضي : ١ / ١٨٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٨٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٢٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٢٨ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٤٤.

٣٨١

ثمّ مثّل بظرفين :

أحدهما : مكان ، وهو «هنا».

والآخر : زمان ، وهو «أزمنا» جمع «زمان».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

فانصبه بالواقع فيه مظهرا

كان وإلّا فانوه مقدّرا

بيّن في هذا البيت أنّ حكم الظّرف النّصب ، وأنّ النّاصب له الواقع فيه من فعل ، أو ما في معناه ، نحو «قعدت أمامك ، وسرّني قدومك يوم الجمعة ، وأنت سائر غدا» ، وأنّ العامل فيه يكون ظاهرا ، ويكون مقدّرا /.

وأطلق في المقدّر ، فشمل المقدّر جوازا نحو «يوم الجمعة» لمن قال : «متى (قدمت) (١)» ، ووجوبا إذا وقع خبرا لذي خبر ، كـ «زيد عندك» ، أو صلة ، كـ «سار الذّي هنا» ، أو صفة ، كـ «رأيت طائرا فوق غصن» ، أو حالا ، كـ «شاهدت الهلال بين السّحاب».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وكلّ وقت قابل ذاك وما

يقبله المكان إلّا مبهما

نحو الجهات والمقادير وما

صيغ من الفعل كمرمى من رمى

وشرط كون ذا مقيسا أن يقع

ظرفا لما في أصله معه اجتمع

يعني : أنّ أسماء الزّمان كلّها قابلة للظرفية مبهمها ، ومختصّها.

فالمبهم منها : ما دلّ على زمان غير معيّن ، نحو «وقت ، وحين».

والمختصّ : ما ليس بمبهم ، كأسماء الشّهور والأيّام ، وما عرّف بـ «أل» ، والمعدود.

وفهم أنّ مراده بكلّ وقت ـ المبهم والمختصّ من قوله :

 ... وما

يقبله (٢) المكان إلّا مبهما

إذ ليس في مقابلة المبهم إلا المختصّ.

يعني : أنّ أسماء المكان لا يقبل الظّرفية منها إلا المبهم.

وفهم منه : أنّ المختصّ لا يقبلها.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٤.

(٢) في الأصل : يقبلى. انظر الألفية : ٧١.

٣٨٢

والمختصّ من أسماء المكان : ما له صورة ، وحدود محصورة ، نحو «الدّار ، والمسجد ، والجبل» ، والمبهم : ما ليس كذلك.

وإنّما استأثرت أسماء الزّمان بصلاحية المبهم منها والمختصّ للظّرفية (١) على أسماء المكان ، لأنّ أصل (٢) العوامل / الفعل ، ودلالته على الزّمان أقوى من دلالته على المكان ، لأنّه يدلّ على الزّمان بصيغته وبالالتزام ، وعلى المكان بالالتزام فقط.

ثمّ شرع في بيان المبهم ، فذكر ثلاثة أنواع :

الأوّل : الجهات الستّ ، نحو «أمام ، وخلف ، وفوق ، وتحت ، ويمين ، وشمال».

الثاني : المقادير ، نحو «فرسخ ، وميل ، وبريد» (٣).

الثالث : ما صيغ من الفعل ، كـ «مرمى ، ومذهب».

وظاهر قوله : «كمرمى من رمى» أنّ «مرمى» صيغ من لفظ «رمى» ، وليس كذلك (٤).

ولا يصحّ أن يحمل الفعل هنا على الفعل الاصطلاحيّ ، بل على الفعل اللّغويّ ، وهو المصدر ، فيكون قوله : «من رمى» على حذف مضاف ، أي : مصدر «رمى» (٥).

__________________

(١) في الأصل : بالظرفية. انظر التصريح : ١ / ٣٤٢.

(٢) في الأصل : الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٥.

(٣) الفرسخ : ثلاثة أميال أو ستة ، سمي بذلك لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح من ذلك ، فكأنه سكن ، وهو واحد الفراسخ ، فارسي معرب. والميل من الأرض : قدر منتهى مد البصر ، والجمع أميال وميول ، وقيل للأعلام المبنية في طريق مكة أميال ، لأنها بنيت على مقادير مد البصر من الميل إلى الميل ، وكل ثلاثة أميال فرسخ. والبريد : فرسخان ، وقيل : ما بين كل منزلين بريد.

انظر اللسان : ٥ / ٣٣٨١ (فرسخ) ، ٦ / ٤٣١١ (ميل) ، ١ / ٢٥٠ (برد).

(٤) انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٥ ، وفي شرح المرادي (٢ / ٩٣) : فإن قلت : ما يعني بالفعل في قوله : «وما صيغ من الفعل». قلت : ظاهر كلامه أنه الفعل الصناعي ، كقوله : «مرمى» من «رمى» ، وليس ذلك بجيد ، لأنه لم يصغ من الفعل ، وإنما صيغ من المصدر ، وإن حمل على الفعل اللغوي وهو المصدر فهو صحيح ، لولا أن قوله : «من رمى» يبعده.

(٥) انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٥ ، شرح المرادي : ٢ / ٩٣ ، قال الأزهري في إعراب الألفية (٥٥) : «ومن رمى» : متعلق بحال محذوفة على تقدير مضاف بين «من» ومجرورها على عادته ، والتقدير : الذي صيغ من الفعل الحقيقي كـ «مرمى» حال كونه مشتقا من مصدر

٣٨٣

وما صيغ من الفعل لا ينصبه إلّا ما اجتمع معه في الأصل ، وإلى ذلك أشار بقوله :

وشرط كون ذا مقيسا ...

 ... البيت

يعني : أنّ شرط القياس في نصب هذا النّوع ـ وهو المشتقّ ـ أن ينصبه عامل اجتمع معه في الأصل المشتقّ منه ، نحو «رميت مرمى».

وشمل قوله : «لما في أصله» الفعل ، وغيره ممّا اشتقّ من المصدر ، نحو «أنا رام مرمى ، وأعجبني جلوسك مجلسا».

وفهم من قوله : «وشرط كون ذا مقيسا» أنّ العامل فيه قد يكون غير مجتمع معه في الأصل المشتقّ منه ، وأنّ ما نصبه عامل من غير (ما) (١) ذكر غير مقيس ، وذلك نحو قولهم : «زيد منّي مزجر الكلب ، ومقعد القابلة ، ومناط الثّريّا» ، والعامل في هذه الاستقرار ، وليس ممّا / اجتمع معه في الأصل ، ولو عمل في «مزجر» : «زجر» وفي «مقعد» : «قعد» ، وفي «مناط» : «ناط» لكان مقيسا.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وما يرى ظرفا وغير ظرف

فذاك ذو تصرّف في العرف

وغير ذي التّصرّف الذّي لزم

ظرفيّة أو شبهها من الكلم

يعني : أنّ ما يستعمل من أسماء الزّمان والمكان ظرفا تارة ، وغير ظرف أخرى ، فإنّه يسمّى في عرف النّحويين واصطلاحهم : متصرّفا ، نحو «يوم ، ومكان» فيستعمل (٢) ظرفا نحو «خرجت يوم الجمعة» ، «وجلست مكانك» ، وغير ظرف نحو «أعجبني يوم الجمعة ، ونظرت إلى مكانك».

وأمّا ما يلزم الظّرفية ولا يخرج عنها البتّة ، نحو «سحر» من يوم بعينه و «قط» (٣) ، أو لا يخرج عنها إلّا إلى شبهها ـ (والمراد بشبهها) (٤) : الجرّ بـ «من» نحو «عند» (٥) ـ ، فإنّه لا يستعمل إلّا ظرفا نحو «جلست عندك» ، أو مجرورا بـ «من» نحو «خرجت من عندك» فإنّه يسمّى في الاصطلاح غير متصرّف.

__________________

«رمى». وقال السيوطي في البهجة (٨٢) : كـ «مرمى» من رمى «أي : مادته». وانظر شرح دحلان : ٨٣ ، شرح الأشموني ٢ / ١٢٩.

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٦.

(٢) في الأصل : يستعمل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٦.

(٣) في الأصل : فقط. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٦.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٦.

(٥) في الأصل : بيت عند. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٦.

٣٨٤

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وقد ينوب عن مكان مصدر

وذاك في ظرف الزّمان يكثر

يعني : أنّ المصدر ينوب عن ظرف المكان وظرف الزّمان ، إلّا أنّ نيابته عن ظرف المكان قليلة ، وفهم ذلك من قوله : «وقد ينوب» ، ونيابته عن ظرف الزّمان (١) كثيرة ، وصرّح بذلك في قوله : «يكثر» ، ونيابته عنهما هي (٢) من باب حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه.

فمن نيابته / عن ظرف المكان قولهم : «جلست قرب زيد» أي : مكان قرب (٣) زيد ، ومن نيابته عن ظرف الزّمان قولهم : «أتيتك طلوع الشّمس ، وخفوق النّجم» أي : وقت طلوع الشّمس ، ووقت خفوق النّجم.

__________________

(١) في الأصل : المكان. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٧.

(٢) في الأصل : هو. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٧.

(٣) في الأصل : قريب. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٧.

٣٨٥

الباب الثالث والعشرون

المفعول معه

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

المفعول معه

ينصب تالي الواو مفعولا معه

في نحو سيري والطّريق مسرعه

المفعول معه : هو الاسم المنتصب المذكور بعد الواو الّتي بمعنى : «مع» أي : الدّالة على المصاحبة من غير تشريك في الحكم (١).

وقد استغنى النّاظم عن الحدّ بالمثال ، وذكر أنّ حكم المفعول معه النّصب ، ثمّ مثّله بقوله : «سيري والطّريق» أي : مع الطّريق.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

بما من الفعل وشبهه سبق

ذا النّصب لا بالواو في القول الأحق

لمّا ذكر في البيت الذّي قبله أنّ المفعول معه ينصب ـ بيّن هنا النّاصب له (٢).

__________________

(١) وقال ابن هشام : وهو اسم فضلة تال لواو بمعنى «مع» تالية لجملة ذات فعل أو اسم فيه معنى الفعل وحروفه ، كـ «سرت والنيل» ، و «أنا سائر والنيل». وفي التعريفات : هو المذكور بعد الواو المصاحبة معمول فعل لفظا نحو : «استوى الماء والخشبة» أو معنى نحو «ما شأنك وزيدا».

انظر في ذلك شرح المكودي : ١ / ١٥٧ ، أوضح المسالك : ١٠٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٣٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤٢ ، شرح الرضي : ١ / ١٩٤ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٠٠ ، الهمع : ٣ / ٢٣٥ ، شرح المرادي : ٢ / ٩٧ ، تعريفات الجرجاني : ٢٢٥ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٧٠٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٨٧ ، الفوائد الضيائية : ١ / ٣٧٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٨٥ ، معجم المصطلحات النحوية : ١٧٨ ، معجم مصطلحات النحو : ٢٤٤ ، معجم النحو : ٣٦٥.

(٢) وفي ناصبه أقوال :

أحدها : وهو الأصح أنه ما تقدمه من فعل أو شبهه ، وبه قال جمهور البصريين وطائفة من الكوفيين.

٣٨٦

وفهم من قوله : «بما من الفعل وشبهه» أنّه لا يعمل فيه العامل المعنويّ ، كاسم الإشارة ، وهو مذهب سيبويه (١) والجمهور (٢).

والمراد بـ «شبه الفعل» : اسم الفاعل ، واسم المفعول ، والمصدر.

فمثال الفعل : «استوى الماء والخشبة» ، ومثال شبهه : «الماء مستو والخشبة» ، و «أعجبني استواء الماء والخشبة».

وفهم من قوله : «سبق» أنّ المفعول معه لا يتقدّم على عامله (٣) ، وقوله : «بالواو» إشارة إلى مذهب عبد القاهر / الجرجانيّ : أنّ النّاصب للمفعول معه ـ الواو (٤).

__________________

الثاني : أن ناصبه الواو ، وعليه عبد القاهر الجرجاني ، وذلك لاختصاصها بما دخلت عليه من الاسم فعملت فيه.

الثالث : أن ناصبه فعل مضمر بعد الواو ، وعليه الزجاج ، فإذا قلت : «ما صنعت وأباك» ، فالتقدير : ولابست أباك.

الرابع : أن نصبه بالخلاف ، ونسبه ابن مالك للكوفيين.

وفي الارتشاف : وذهب الأخفش ومعظم الكوفيين إلى أن الواو مهيئة لما بعدها أن ينتصب انتصاب الظرف ، وذهب بعض الكوفيين إلى أن الناصب هو الخلاف لما لم يشرك الأول في الإعراب الذي له.

انظر في ذلك التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٣٥ ـ ١٣٦ ، شرح الرضي : ١ / ١٩٥ ، الجمل للجرجاني : ٢٠ ، الإنصاف : ١ / ٢٤٨ ، شرح المرادي : ٢ / ٩٨ ، حاشية الصبان : ٢ / ١٣٦ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٧٠٧ ـ ٧٠٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٤٩.

(١) قال سيبويه في الكتاب (١ / ١٥٦) : «وأما» هذا لك وأباك «فقبيح أن تنصب» الأب «لأنه لم يذكر فعلا ولا حرفا فيه معنى فعل حتى يصير كأنه قد تكلم بالفعل».

وانظر شرح المكودي : ١ / ١٥٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤٣ ، شرح المرادي ٢ / ٩٧ ، الهمع : ٣ / ٢٣٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٨٥.

(٢) وأجاز أبو علي في قول الشاعر :

هذا ردائي مطويّا وسربالا

أن يكون العامل فيه «هذا». وأجاز بعضهم إعمال الظرف وحرف الجر.

انظر شرح المرادي : ٢ / ٩٧ ـ ٩٨ ، شرح المكودي : ١ / ١٥٧ ، الهمع : ٣ / ٢٣٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، حاشية الصبان : ٢ / ١٣٧.

(٣) هذا متفق عليه ، وأما تقديمه على مصاحبه فهو ممتنع أيضا عند الجمهور ، وأجازه ابن جني ، فيقال : «استوى والخشبة الماء» لوروده في العطف ، قال الشاعر :

عليك ورحمة الله السّلام

انظر الهمع : ٣ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ، شرح المرادي : ٢ / ٩٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٨٧.

(٤) قال عبد القاهر الجرجاني في الجمل (٢٠) في أقسام الحرف : ما ينصب فقط وهي سبعة :

٣٨٧

وردّ : بأنّ الواو لو كانت عاملة لاتّصل بها ، إذا كان ضميرا ، كما في سائر الحروف النّاصبة (١).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وبعد ما استفهام أو كيف نصب

بفعل كون مضمر بعض العرب

يعني : أنّه يجوز نصب ما بعد الواو إذا تقدّمها «كيف» ، أو «ما» الاستفهاميّة على تقدير (٢) «تكون» ، نحو «كيف أنت وقصعة من ثريد» ، و «ما أنت وزيدا» ، التّقدير : كيف تكون وقصعة ، وما تكون وزيدا (٣) ، و «كان» المقدّرة ناقصة ، و «كيف» و «ما» خبر مقدّم.

وفهم من قوله : «بعض العرب» أنّ بعضهم لا ينصب بعد هذه الواو ، بل يرفع عطفا على ما قبلها ، وهو أفصح اللّغتين لعدم الحذف (٤).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق

والنّصب مختار لدى ضعف النّسق

والنّصب إن لم يجز العطف يجب

أو اعتقد إضمار عامل تصب

الاسم الصّالح لكونه مفعولا معه على ثلاثة أقسام : قسم يترجّح عطفه على النّصب على المعيّة ، وقسم يترجّح نصبه على المعيّة على العطف ، وقسم يمتنع فيه العطف.

وقد أشار إلى القسم الأوّل بقوله :

__________________

الأول : بالواو ، بمعنى : مع ، نحو قولك : «استوى الماء والخشبة ، وجاء البرد والطيالسة ، ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها ، وكنت وزيدا كالأخوين» ، ولا تنصب الواو بمعنى : «مع» إلا وقبلها فعل نحو «استوى» من قولك : «استوى الماء والخشبة» ، انتهى.

وانظر الهمع : ٣ / ٢٣٨ ، شرح المرادي : ٢ / ٩٨ ، شرح الرضي : ١ / ١٩٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٣٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤٤ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٧٠٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٨٦.

(١) وبأنه لا نظير لها ، إذ لا يعمل الحرف نصبا إلا وهو مشبه الفعل. انظر الهمع : ٣ / ٢٣٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤٤ ، شرح الرضي : ١ / ١٩٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٣٥.

(٢) في الأصل : تقديره. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٨.

(٣) في الأصل : الواو ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٨.

(٤) انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤٣ ، المطالع السعيدة : ٣٣٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٣٨ ، شرح الرضي : ١ / ١٩٧ ، شرح دحلان : ٨٤. ومنع بعض المتأخرين ـ كابن الحاجب ـ النصب في هذا ، ورد بالسماع ، كقوله :

فما أنت والسّير في متلف

ونحو «ما أنت وزيدا ، وكيف أنت وزيدا ، وكيف أنت وقصعة من ثريد».

انظر الهمع : ٣ / ٢٤٢ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٧٠٦ ، شرح الكافية للرضي : ١ / ١٩٦ ـ ١٩٧.

٣٨٨

والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق

يعني : إن أمكن العطف بلا ضعف كان راجحا على النّصب على المعيّة ، نحو / «قام زيد وعمرو» ، الأرجح عطف «عمرو» على «زيد» ، لأنّه لا ضعف فيه ، ويجوز النّصب.

ثمّ أشار إلى القسم الثّاني بقوله :

والنّصب مختار لدى ضعف النّسق

يعني : أنّ النّصب على المعيّة أرجح من العطف عند ضعف عطف النّسق ، نحو «قمت وزيدا» ، لأنّ العطف على ضمير الرّفع المتّصل بغير توكيد ولا فصل ضعيف ، فلو قلت : «قمت أنا وزيد» ، كان العطف أحقّ لعدم الضّعف.

ثمّ أشار إلى القسم الثّالث بقوله :

والنّصب إن لم يجز العطف يجب

يعني : أنّ نصب ما بعد الواو حيث لا يجوز العطف واجب ، وشمل صورتين :

إحداهما (١) : ما لا يجوز فيه العطف لمانع (٢) لفظيّ ، نحو «مالك وزيدا» لأنّ العطف على الضّمير المجرور من إعادة الجارّ ممتنع عند الجمهور (٣).

والأخرى : لا يجوز العطف لمانع معنويّ ، نحو «جلست والحائط» ، ومنه : «سيري والطّريق».

ثمّ إنّ ما لا يجوز فيه على قسمين : قسم يتعيّن أن يكون مفعولا معه ـ كما تقدّم ـ ، وقسم يمتنع أن يكون مفعولا معه ، فيجب اعتقاد عامل مضمر ، وإلى ذلك أشار بقوله :

أو اعتقد (٤) إضمار عامل تصب

__________________

(١) في الأصل : أحديهما. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٩.

(٢) في الأصل : المانع. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٩.

(٣) أي : جمهور البصريين ، لا النحويين ، لأن الكوفيين وبعض البصريين ـ كالأخفش ووافقه الناظم ـ لا يوجبون إعادة الجار. كذا قال البعض. وقيل : إن أهل الأمصار انضموا في المنع إلى أكثر البصريين ، فصار المجموع أكثر من الكوفيين وبعض البصريين ، فصحت إرادة جمهور النحويين.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٩ ، شرح المرادي : ٢ / ١٠٠ ، ٣ / ٢٣١ ، الأشموني مع الصبان : ٢ / ١٤٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٢٤٦ ، التسهيل : ١٧٧ ـ ١٧٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، الإنصاف : ٢ / ٤٦٣ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٥١.

(٤) في الأصل : واعتقد. انظر الألفية : ٧٣.

٣٨٩

أي : إذا لم يصح عطفه ، ولا نصبه على المعيّة فيعتقد أنّ ناصبه مضمر ، وذلك كقول (١) الشّاعر :

(٢) ـ علفتها تبنا وماء باردا

فهذا ونحوه لا يجوز / فيه العطف ، ولا النّصب على المعيّة ، فيكون «ماء» مفعولا بفعل مضمر تقديره : وسقيتها.

ويحتمل أن يكون قوله :

أو اعتقد إضمار عامل تصب

فيما يمتنع عطفه ، وينصب على المعيّة ، كقوله عزوجل : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) [يونس : ٧١] (فيمتنع عطف «شركاءكم») (٣) على «أمركم» ، لأنّ «أجمع» بمعنى : عزم ، لا ينصب إلّا الأمر ونحوه ، ويجوز نصبه على المعيّة ، أي : مع شركائكم ، أو يكون مفعولا بفعل مضمر تقديره : واجمعوا شركاءكم (٤).

__________________

(١) في الأصل : قول. انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٩.

(١٠٥) ـ من الرجز لذى الرمة غيلان في ملحقات ديوانه (٧٤٦ ـ المكتب الإسلامي) ، وقبله :

لمّا حططت الرّحل عنها واردا

والمشهور أن له عجزا ، وهو :

حتّى شتت همّالة عيناها

الضمير في «علفتها» يرجع إلى الدابة التي يريدها الراجز ، ويروى : «بدت» بدل «شتت» ومعناها واحد كما في العيني ، وقال البغدادي : وشتت بمعنى أقامت شتاء و «همالة» أي : كثيرة الجريان. والشاهد في قوله : «وماء» حيث أنه لا يصح فيه العطف على «تبنا» ، لأن الماء لا يعلف ، ولا يصح النصب على المعية أيضا لأن العلف والماء لا يكونان دفعة واحدة ، ولكن هو معمول لعامل محذوف تقديره : وسقيتها. وذهب بعضهم إلى أنه لا حذف فيه ، وأن العامل المذكور يؤول بعامل يصح تسليطه عليهما معا ، فيؤول «علفتها» بـ «ناولتها».

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٥٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٦٥ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ١٠١ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٨ ، الخزانة : ٣ / ١٣٩ ، مغنى اللبيب (رقم) : ١٠٧٠ ، شواهد المغني : ١ / ٥٨ ، ٢ / ٩٢٩ ، أبيات المغني : ٧ / ٣٢٣ ، شواهد المفصل والمتوسط : ١ / ٨٦ ، الخصائص : ٢ / ٤٣١ ، الإنصاف : ٦١٣ ، الهمع (رقم) : ١٥٩٢ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٦٩ ، شذور الذهب : ٢٤٠ ، شواهد الفيومي : ٧٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٤٠ ، اللسان (قلد) ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٠٢ ، شواهد الجرجاوي : ١١٩ ، شرح ابن الناظم : ٢٨٦ ، شرح المرادي : ٢ / ١٠١ ، ٣ / ٢٣٧ ، شرح دحلان : ٨٥ ، البهجة المرضية : ٨٤ ، كاشف الخصاصة : ١٣٧ ، الكوكب الدري للأسنوي : ٢ / ٦٦٩ ، معاني الفراء : ١ / ١٤ ، ٣ / ١٢٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٩٠.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع شرح المكودي : ١ / ١٥٩.

(٣) من «جمع». انظر شرح المكودي : ١ / ١٥٩.

٣٩٠

الباب الرابع والعشرون

الاستثناء

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

الاستثناء

ما استثنت الّا مع تمام ينتصب

وبعد نفي أو كنفي انتخب

إتباع ما اتّصل وانصب ما انقطع

وعن تميم فيه إبدال وقع

الاستثناه : الإخراج بـ «إلّا» أو بإحدى أخواتها (١).

وأدوات الاستثناء أربعة أقسام : حرف ، واسم ، وفعل ، ومشترك بين الفعل والحرف.

فالحرف : «إلّا» وهي الأصل في أدوات الاستثناء لأنّ غيرها يقدّر بها ، ولذا بدأ بها فقال :

ما استثنت إلّا مع تمام ينتصب

يعني : أنّ المستثنى بـ «إلّا» ينتصب (٢) إذا كان تامّا.

__________________

(١) وفي التعريفات : هو إخراج الشيء من الشيء لو لا الإخراج لوجب دخوله فيه ، وهذا يتناول المتصل حقيقة وحكما ، ويتناول المنفصل حكما فقط. وفي التسهيل : هو المخرج تحقيقا أو تقديرا من مذكور أو متروك بـ «إلا» أو ما بمعناها بشرط الفائدة. وقال أبو حيان : وهو المنسوب إليه خلاف المسند للاسم الذي قبله بواسطة «إلا» أو ما في معناها. وهو لغة : استفعال من الثني بمعنى العطف ، لأن المستثنى معطوف عليه بإخراجه من الحكم أو بمعنى الصرف لأنه مصروف عن حكم المستثنى منه.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٠ ، التسهيل : ١٠١ ، التعريفات : ٢٣ ، الهمع : ٣ / ٢٤٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤٦ ، الاستغناء في أحكام الاستثناء للقرافي : ٩٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٠٠ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٤٨ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٧٥ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٧٥٢ ، الخضري مع ابن عقيل : ١ / ٢٠٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٩٤ ، معجم مصطلحات النحو : ٦٦ ، معجم المصطلحات النحوية : ٣٨ ، معجم النحو : ٣٤١.

(٢) في ناصب المستثنى أقوال :

فذهب البصريون إلى أن العامل هو الفعل أو شبهه بتوسط «إلا» ، وعليه السيرافي وابن الباذش ، وعزاه ابن عصفور وغيره إلى سيبويه والفارسي ، وقال الشلوبين هو مذهب المحققين.

٣٩١

واحترز بـ «المستثنى بإلّا» من المستثنى بغيرها من أدوات الاستثناء.

احترز بـ «التّام» من المفرّغ (١).

و «التّام» : هو ما ذكر فيه المستثنى منه (٢) ، وشمل الموجب نحو «قام

__________________

وذهب ابن خروف إلى أن العامل هو الفعل أو شبهه من غير تقوية «إلا». وقيل : إن المستثنى منصوب بفعل مقدر ، وهو «استثنيت» ، ونسبه السيرافي للزجاج والمبرد.

واختلف الكوفيون في ذلك : فذهب بعضهم إلى أن العامل فيه «إلا» ، وإليه ذهب المبرد والزجاج من البصريين وهو اختيار الناظم في التسهيل ـ وعزاه لسيبويه والمبرد ـ وابنه والهواري في شرحيهما ، وغيرهم. قال المرادي : وقد خفي كون هذا مذهب سيبويه على كثير من شراح كتابه. وذهب الفراء ومن تابعه من الكوفيين ـ وهو المشهور من مذهبهم ـ إلى أن «إلا» مركبة من «إن» و «لا» ، ثم خففت «إن» وأدغمت في «لا» فنصبوا بها في الإيجاب ، اعتبارا بـ «إن» وعطفوا بها في النفي اعتبارا بـ «لا». وذهب الكسائي ـ فيما نقله السيرافي عنه ـ إلى أنه منصوب بـ «إن» مقدرة بعد «إلا» والتقدير في «قام القوم إلا زيدا» : قام القوم إلا أن زيدا لم يقم. وحكي عنه أيضا أن انتصاب المستثنى لأنه مشبه بالمفعول ، وحكي عنه كذلك أنه منصوب لمخالفة الأول لأن المستثنى موجب له قيام بعد نفيه عن الأول أو عكسه ، نقله عنه ابن عصفور. وذكر بعض المتأخرين : أن المستثنى ينتصب عن تمام الكلام ، فالعامل فيه ما قبله من الكلام بدليل قولهم : «القوم إخوتك إلا زيدا» ، وليس ههنا فعل ولا ما يعمل عمله ، وهو مذهب الخليل وسيبويه ، قال ابن عصفور : وهو الصحيح ، وهو في ذلك بمنزلة التمييز.

انظر في ذلك : الإنصاف (مسألة : ٣٤) : ١ / ٢٦٠ ، التسهيل : ١٠١ ، شرح الأشموني مع الصبان : ٢ / ١٤٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٠٣ ، شرح ابن الناظم : ٢٩٢ ، شرح الألفية للهواري (٩٠ / ب) ، الهمع : ٣ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٧٥٣ ـ ٧٥٤ ، الاستغناء : ٤٤ ـ ١٤٦ ، شرح الرضي : ١ / ٢٢٦ ، الجنى الداني : ٥١٦ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٥٢ ـ ٢٥٤ ، الكتاب : ١ / ٣٦٩ ، شرح المرادي : ٢ / ١٠٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٠٠.

(١) وهو أن يفرغ ما قبل «إلا» للعمل فيما بعدها ، فيزول بذلك ما كنت تستثنى منه ، ولا يتأتى التفريغ إلا مع نفي أو شبهه ، وقد اجتمع النفي والنهي والاستفهام المشبه للنفي في قول ابن مالك في كافيته :

كلا تزر إلّا فتى لا يتّبع

إلّا الهدى وهل زكا إلّا الورع

وفي شرح ابن الناظم : والاستثناء المفرغ هو أن يكون المخرج منه مقدرا في قوة المنطوق ، نحو «ما قام إلا زيدا» ، التقدير : ما قام أحد إلا زيد.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤٨ ، التسهيل : ١٠١ ، المقرب : ١ / ١٦٧ ، الاستغناء : ٢٣٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٠٧ ، شرح ابن الناظم : ٢٨٨ ، الجنى الداني : ٥١٤.

(٢) قال ابن مالك : المراد بالتمام هنا أن يكون المستثنى منه مذكورا ليتم به مطلوب العامل الذي قبل «إلا» نحو «انطلقوا إلا ابن ذا».

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٠٢ ـ ٧٠٣ ، شرح المكودي : ١ / ١٦٠ ، شرح المرادي : ٢ / ١٠٣ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤٨ ، الجنى الداني : ٥١٤.

٣٩٢

القوم إلا زيدا» ، والمنفيّ نحو «ما قام أحد / إلا زيدا» إلّا أنّ الأوّل واجب النّصب ، والثّاني فيه تفصيل ، وإليه أشار بقوله :

 ...

وبعد نفي أو كنفي انتخب

إتباع ما اتّصل ...

 ...

يعني : أنّ المستثنى بعد النّفي أو ما أشبهه ـ وهو الاستفهام والنّهي ـ إذا كان متّصلا اختير إتباعه على نصبه على الاستثناء ، فنحو «ما قام أحد إلّا زيد» ـ بالرّفع ـ ، و «ما مررت بأحد إلّا زيد» ـ بالجر ـ أحسن من «ما قام أحد إلّا زيدا» و «ما مررت بأحد إلّا زيدا» ـ بالنّصب فيهما ـ ، والمتّصل : ما كان المستثنى (١) بعض الأوّل (٢).

فإذا كان منقطعا ـ فلغة أهل الحجاز وجوب النّصب على الاستثناء (٣) ، وهذه اللّغة أشار إليها بقوله : «وانصب ما انقطع» ، المنقطع : ما كان المستثنى (فيه) (٤) من غير جنس المستثنى منه (٥) ، نحو «ما في الدّار أحد إلّا وتدا».

__________________

(١) في الأصل : المتصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٠.

(٢) وقال ابن الحاجب : فالمتصل هو المخرج من تعدد لفظا أو تقديرا بـ «إلا» أو إحدى أخواتها.

واعترض الرضي على كون المتصل مخرجا من متعدد ، فقال : «قلنا : لا نسلم أن كون المتصل مخرجا من متعدد من أجزاء ماهيته ، بل حقيقة المستثنى متصلا كان أو منقطعا هو المذكور بعد «إلا» وأخواتها ، مخالفا لما قبلها نفيا أو إثباتا ، ثم نقول : كون المتصل داخلا في متعدد لفظا أو تقديرا من شرطه لا من تمام ماهيته ، فعلى هذا المنقطع داخل في هذا الحد ، كما في جاءني القوم إلا حمارا» لمخالفة الحمار القوم في المجيء». انتهى.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٠٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٤٩ ، شرح الكافية للرضي : ١ / ٢٢٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٤٢ ، الجنى الداني : ٥١٢ ، التسهيل : ١٠١ ، المقرب : ١ / ١٦٧ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٧٥٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٠١ ، الفوائد الضيائية : ١ / ٤١٣ ، شرح ابن الناظم : ٢٨٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٩٦ ، معجم المصطلحات النحوية : ٣٨ ، معجم مصطلحات النحو : ٦٧.

(٣) وذلك لأنه لا يصح فيه الإبدال حقيقة من جهة أن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه ، وعليه قراءة السبعة : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) بنصب «اتباع» وفي الأشموني : أنها لغة جميع العرب سوى تميم.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٤٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٥٣ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٦٦ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٠٥ ، شرح المرادي : ٢ / ١٠٥.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٠.

(٥) وفي الاستغناء : هو عبارة عن أن تحكم على غير جنس ما حكمت عليه أولا بخلاف أو نقيض ما حكمت به أولا.

٣٩٣

وأمّا بنو تميم فيجوز فيه عند هم التّصب ـ وهو أرجح ـ والإتباع (١) ، وإلى ذلك أشار بقوله :

وعن تميم فيه إبدال وقع

يعني : أنّ بني تميم يجيزون في المنقطع الإبدال ، فيقولون : «ما فيها أحد إلّا وتد.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وغير نصب سابق في النّفي قد

يأتي ، ولكن نصبه اختر إن ورد

يعني : أنّ المستثنى إذا كان مقدّما على المستثنى منه ، بعد / نفي ـ قد يأتي غير منصوب ، فيكون مفرّغا له العامل الّذي قبل «إلّا» ، ويعرب هو بدلا منه.

قال سيبويه : «حدّثني يونس : أنّ قوما ممّن يوثق بعربيّتهم يقولون : «مالي إلّا أخوك ناصر» ، فيجعلون (٢) «ناصرا» بدلا (٣).

__________________

وقال ابن الحاجب : «والمنقطع المذكور بعدها ـ بقصد بعد» إلا «أو إحدى أخواتها ـ غير مخرج» ، أي : غير مخرج من متعدد. والمنقطع يقدر عند البصريين بـ «لكن» المشددة ، لأنه في حكم جملة منفصلة عن الأولى ، فقولك : «ما في الدار أحد إلا حمارا» في تقدير : لكن فيها حمارا ، على أنه استدراك مخالف لما بعد «لكن» فيه ما قبلها ، غير أنهم اتسعوا فأجروا «إلا» مجرى «لكن». والكوفيون يقدرونه بـ «سوى». وزعم بعض النحويين ومنهم ابن يسعون أن «إلا» في الاستثناء المنقطع تكون مع ما بعدها ، كلاما مستأنفا.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٠٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٥٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٩٦ ، الجنى الداني : ٥١٢ ، شرح ابن الناظم : ٢٨٨ ، التسهيل : ١٠١ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٤٣ ، الهمع : ٣ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، الاستغناء : ٤٤٧ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٧٥٢ ، المقرب : ١ / ١٦٧ ، شرح الرضي : ١ / ٢٢٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧٠١ ، الفوائد الضيائية : ١ / ٤١٣ ، معجم المصطلحات النحوية : ٣٨ ، معجم مصطلحات النحو : ٦٧.

(١) على البدل ، لأنهم جعلوا «الحمار» في قولك : «ما في الدار أحد إلا حمارا» كأنه أحد.

انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٤٧ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٦٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٥٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٢٩٧ ، شرح المرادي : ٢ / ١٠٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٠٥.

(٢) في الأصل : فيجعو. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٠.

(٣) قال سيبويه في الكتاب (١ / ٣٧٢) : «وحدثنا يونس أن بعض العرب الموثوق بهم يقولون : «مالي إلا أبوك أحد» فيجعلون «أحدا» بدلا». انتهى.

ووجهه أن العامل وهو الابتداء في المثال فرغ لما بعد «إلا» ، وهو «أبوك» وأن المؤخر وهو

٣٩٤

وفهم من قوله : «قد يأتي» أنّ غير النّصب قليل ، وقد صرّح بهذا المفهوم بقوله : «ولكن نصبه اختر إن ورد».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وإن يفرّغ سابق إلّا لما

بعد يكن كما لو الّا عدما

يعني : أنّ ما قبل «إلّا» إذا كان مفرّغا لما بعدها ـ فلا حكم لـ «إلّا» ، فتكون كأنّها لم تذكر ، ولا يكون ذلك إلّا في نفي أو شبهه ، وكان حقّه أن ينبه على ذلك ، وإنّما ترك التّنبيه عليه لوضوحه.

وشمل قوله : «سابق» ما كان السّابق فيه عاملا نحو «ما قام إلّا زيد» ، وما كان غير عامل فيه نحو «ما في الدّار إلّا زيد».

ويكون التّفريغ في جميع المعمولات إلّا مع المصدر المؤكّد ، فلا يجوز «ما ضربت إلّا ضربا».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وألغ إلّا ذات توكيد كلا

تمرر بهم إلّا الفتى إلّا العلا

يعنى : إذا كرّرت «إلّا» للتوكيد ألغيت ، وإلغاؤها هو أن لا تنصب. وتلغى مع البدل ، نحو «ما قام إلّا أخوك إلّا زيد» ، فلو أسقطت «إلّا» لصحّ الكلام ، فتقول : «ما قام إلّا أخوك زيد» ، ومثّله بقوله : «إلّا الفتى إلّا العلا» ، (فـ «العلا) (١) بدل من «الفتى» / والتّقدير : لا تمرر بهم إلّا الفتى العلا ، فـ «العلا» هو «الفتى».

ومع عطف النّسق ، نحو «ما قام إلّا أخوك ، وإلّا زيد» ، فلو قلت : «ما قام إلّا أخوك وزيد» ، لصحّ الكلام.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وإن تكرّر لا لتوكيد فمع

تفريغ التّأثير بالعامل دع

في واحد ممّا بإلّا استثني

وليس عن نصب سواه مغني

__________________

«أحد» عام لوقوعه في سياق النفي أريد به خاص ، فصح إبداله من المستثنى ، لكنه بدل كل من كل لا بدل بعض.

انظر في ذلك التصريح : ١ / ٣٥٥ ، شرح المكودي : ١ / ١٦١ ، الهمع : ٣ / ٢٥٦ ، شرح المرادي : ٢ / ١٠٦ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٠٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٤٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٠٧.

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٢.

٣٩٥

قد تقدّم أنّ التفريغ هو أن يكون ما قبل «إلّا» طالبا لما بعدها ، فإذا كرّرت «إلّا» في التّفريغ ـ فإنّه يترك تأثير العامل الّذي هو «إلّا» في واحد من المستثنيين أو المستثنيات ، ويكون بحسب ما يطلب ما قبل «إلّا» وما عداه منصوب.

وفهم من قوله : «في واحد» أنّ ترك العمل بـ «إلّا» ليس مخصوصا بواحد دون واحد ، بل يجوز إلغاء «إلّا» في الأوّل دون الثّاني والثّالث ، وفي الثّاني (١) دون الأوّل والثّالث ، وفي الثّالث دون الأوّل والثّاني ، فنقول : «ما قام إلّا زيد ، إلّا عمرا ، إلّا خالدا» ، و «ما قام إلّا زيدا ، إلّا عمرو ، إلّا خالدا» و «ما قام إلّا زيدا ، إلّا عمرا ، إلّا خالد». وقوله :

وليس عن نصب سواه مغني

يعني : أنّ (ما سوى) (٢) المستثنى الّذي تلغى «إلّا» معه ـ ينصب ، ونصبه بالعامل الّذي هو «إلّا» ، وعلى (٣) هذا حمل المراديّ العامل (٤).

وحمله ابن عقيل (٥) على أنّه العامل الّذي قبل «إلّا» وجعل «دع» بمعنى : «اجعل» (٦).

واستصوب / الأوّل المكوديّ (٧).

__________________

(١) في الأصل : الثا. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٢.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٢.

(٣) في الأصل : الواو ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٢.

(٤) قال المرادي في شرحه (٢ / ١٠٩) : «وقد فهم من عبارته فوائد :

الأولى : أن الناصب للمستثنى هو «إلا» لقوله : «بالعامل» ونسبه في التسهيل إلى سيبويه والمبرد». وانظر شرح المكودي : ١ / ١٦٢ ، التسهيل : ١٠١.

(٥) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد القرشي الهاشمي ، المشهور بابن عقيل ، بهاء الدين ، أبو محمد ، من أئمة النحو ، فقيه مفسر ، من نسل عقيل بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، ولد بالقاهرة سنة ٦٩٨ ه‍ (وقيل : ٧٠٠ ه‍) وتولى قضاء الديار المصرية ، وتوفي فيها سنة ٧٦٩ ه‍ ، من مؤلفاته : شرح ألفية ابن مالك ، شرح التسهيل لابن مالك وسماه المساعد ، الجامع النفيس في فقه الشافعية ، وغيرها.

انظر ترجمته في بغية الرعاة : ٢٨٤ ، البدر الطالع : ١ / ٣٨٦ ، مفتاح السعادة : ١ / ٤٣٩ ، معجم المؤلفين : ٦ / ٧٠ ، الأعلام : ٤ / ٩٦ ، هدية العارفين : ١ / ٤٦٧ ، شذرات الذهب : ٦ / ٢١٥.

(٦) انظر شرح ابن عقيل : ١ / ٢٠٧ ، شرح المكودي : ١ / ١٦٢.

(٧) قال المكودي : في شرحه (١ / ١٦٢) : «وما ذكره المرادي أصوب من ثلاثة أوجه :

الأول : أن فيه التنبيه على أن «إلا» هي العامل في المستثنى ، وهو موافق لتصريح الناظم به في غير هذا النظم.

الثاني : أن «دع» بمعنى «اجعل» غير معهود في اللغة ، وإنما يكون بمعنى : اترك.

الثالث : أن ما قبل «إلا» في التفريغ قد يكون غير عامل ، نحو «ما في الدار إلا زيد». انتهى.

٣٩٦

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ودون تفريغ مع التّقدّم

نصب الجميع احكم به والتزم

وانصب لتأخير وجئ بواحد

منها كما لو كان دون زائد

كلم يفوا إلّا امرؤ إلّا علي

وحكمها في القصد حكم الأوّل

تكرار «إلّا» لغير التّوكيد في غير التفريغ على قسمين :

الأوّل : أن يكون المستثنى مقدّما على المستثنى منه.

والآخر : أن يكون متأخّرا عنه.

وقد أشار إلى الأوّل بقوله :

ودون تفريغ ...

 ... البيت

يعني : أنّ الاستثناء التّامّ إذا كررّت فيه «إلّا» لغير توكيد ، وكان المستثنى مقدّما على المستثنى منه ـ نصب جميع المستثنيات ، نحو «ما قام إلّا خالدا ، إلّا عمرا ، القوم».

ثمّ أشار إلى الثّاني بقوله :

وانصب لتأخير ...

 ... البيت

يعني : أنّ المستثنيات إذا كانت متأخّرة عن المستثنى منه ـ ينصب جميعها إلّا واحدا منها ، فإنّه يحكم له بحكم ما لم تكرّر فيه «إلّا» ، فينصب وجوبا إذا كان الاستثناء موجبا ، نحو «قام القوم إلّا خالدا ، إلّا عمرا» ، ويترجّح إتباعه على نصبه إذا كان منفيّا.

وفهم من قوله : «وجئ بواحد منها» أنّ الواحد الّذي يجاء به يجوز أن يكون الأوّل والثّاني والثّالث ، فنقول : «ما قام أحد إلّا زيد ، إلّا عمرا ، إلّا خالدا» ، (و «ما قام أحد إلّا زيدا ، إلّا عمرو ، إلّا خالدا») (١) ، و «ما قام أحد إلّا زيدا ، إلّا عمرا ، إلّا خالد» ، إلّا أنّ الأولى أنّ ذلك / الواحد هو الأوّل ، ثمّ مثّل ذلك بقوله :

كلم يفوا إلّا امرؤ إلّا عليّ

يجوز في هذا المثال رفع الأوّل بدلا من «الواو» في «يفوا» ، ونصب «عليّ» ، وهو الأجود ، ويجوز نصب «امرؤ» ، ورفع «عليّ».

ثمّ نبّه أنّ الزائد على المستثنى الأوّل من المستثنيات ـ حكمه في

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٣.

٣٩٧

المعنى حكم الأوّل ، فإن كان مخرجا ـ كان ما زاد عليه كذلك ، وإن كان مدخلا ـ كان ما زاد عليه كذلك ، وبيان ذلك :

أنّك إذا قلت : «قام القوم إلّا زيدا ، إلّا عمرا ، إلّا خالدا» هي كلّها مخرجة من «القوم» ، وإن قلت : «ما قام أحد إلّا زيدا (١) ، إلّا عمرا ، إلّا خالدا» فهي مدخلة ، والمراد بها : إخراج الأوّل من المستثنى منه ، ثمّ إخراج الثّاني ممّا بقي بعد إخراج الأوّل ، ثمّ إخراج الثّالث ممّا بقي بعد إخراج الأوّل والثّاني.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

واستثن مجرورا بغير معربا

بما لمستثنى بإلّا نسبا

يعني : أنّ «غيرا» (٢) يستثنى بها مجرور (٣) بإضافتها إليه ، وتكون هي معربة بما يستحقّه الاسم الواقع بعد «إلّا» من وجوب النّصب ، أو رجحانه ، أو رجحان التّبعيّة ، فتقول : «قام القوم غير زيد» ، بوجوب النّصب ، لأنّك تقول : «قام القوم إلّا زيدا» ، و «ما فيها أحد غير فرس» برجحان النّصب ، و «ما قام أحد غير زيد» / برجحان التّبعيّة.

وأصل «غير» أن تكون صفة واجبة الإضافة لمخالف موصوفها ، وقد تقطع عن الإضافة لفظا ، لا معنى ، فتبنى على الضّمّ ، وتستعمل بمعنى «إلّا» ، كما ذكر في هذا الباب (٤).

__________________

(١) في الأصل : زيد. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٤.

(٢) في الأصل : غير. انظر المكودي بحاشية الملوي : ٨٤.

(٣) في الأصل : مجرورا. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٤.

(٤) وذهب البصريون إلى أن «غير» إذا أضيفت إلى اسم غير متمكن يجوز بناؤها على الفتح ، بخلاف ما إذا أضيفت إلى اسم متمكن. وذهب الكوفيون إلى جواز بنائها على الفتح في كل موضع يحسن فيه «إلا» سواء أضيفت إلى متمكن أو غير متمكن ، وذلك نحو قولهم «ما نفعني غير قيام زيد ، وما نفعني غير أن قام زيد». واختلف في ناصب غير : فذهب الناظم إلى أن ناصبها العامل الذي قبلها على الحال ، وفيها معنى الاستثناء ، وقال : «وهو الظاهر من قول سيبويه». وإليه ذهب الفارسي في التذكرة. وعند المغاربة انتصابها كانتصاب الاسم بعد «إلا» عندهم واختاره ابن عصفور. وعند جماعة على التشبيه بظرف المكان واختاره ابن الباذش. ونسب صاحب الارتشاف للسيرافي وابن الباذش القول بأنها منصوبة بالفعل السابق. والمشهور أن انتصابها على حد انتصاب ما بعد «إلا».

انظر في ذلك الإنصاف (مسألة : ٣٨) : ١ / ٢٨٧ ، شرح المرادي : ٢ / ١١٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧١٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٢٢ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٦١ ، مغني اللبيب : ٢١١ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٥٧ ، التسهيل : ١٠٦ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٥٩ ، الهمع : ٣ / ٢٧٨ ، حاشية الخضري : ١ / ٢٠٩.

٣٩٨

وهذا هو أوّل القسم الثّاني من أدوات الاستثناء ، وهو الاسم.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ولسوى سوى سواء اجعلا

على الأصحّ ما لغير جعلا

ذكر أنّ في «سوى» ثلاث لغات : القصر مع كسر السّين ، وضمّها ، والمدّ مع فتح السّين (١) ، وأنّها كلّها يستثنى بها (٢) ، كما يستثنى بـ «غير» ، وتعرب (٣) بما يعرب به «غير» ، إلّا أنّه يقدّر في المقصورة (٤) الإعراب (٥).

وأشار بقوله : «على الأصحّ» إلى مخالفة سيبويه ، والخليل فيها ، فإنّها عندهما ظرف غير متصرّف ، ولا تخرج عن الظّرفية إلّا في الشّعر (٦) ، كقول الأعشى :

١٠٦ ـ ...

وما قصدت من أهلها لسوائنا

__________________

(١) وحكى ابن الخباز ، وابن العلج ، وابن عطية ، والفاسي في شرح الشاطبية : كسر السين والمد.

انظر المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل : ١ / ٥٩٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ١٦٠ ، شرح المرادي : ٢ / ١١٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٢٦.

(٢) وهو ظاهر كلام الأخفش ، ولم يمثل سيبويه إلا بالمكسورة ، قال سيبويه : «أتاني القوم سواك». وقال ابن عصفور في الشرح الصغير : ولم يشرب منها معنى الاستثناء إلا سوى المكسورة السين ، فإن استثني بما عداها فبالقياس عليها. انتهى.

انظر شرح المرادي : ٢ / ١١٥ ، الكتاب : ١ / ٣٧٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٢٦.

(٣) في الأصل : ويعرب. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٤.

(٤) في الأصل : المصور. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٤.

(٥) هذا مذهب ابن مالك والزجاجي ، ويؤيدهما حكاية الفراء : «أتاني سواك» ، وقوله :

فسواك بائعها وأنت المشتري

وما ذهبا إليه هو مذهب الكوفيين.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٦٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٧١٦ ـ ٧١٧ ، شرح المكودي : ١ / ١٦٥ ، جمل الزجاجي : ٢٣٢ ، شرح الرضي : ١ / ٢٤٨ ، مغني اللبيب : ١٨٨ ، الإنصاف : ١ / ٢٩٤ ـ ٢٩٦ ، شرح ابن يعيش ٢ / ٨٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٢٦.

(٦) وهو مذهب الفراء وجمهور البصريين. وذهب بعضهم إلى أنها تستعمل ظرفا كثيرا وغير ظرف قليلا ، وهو قول الرماني والعكبري وابن عصفور فيما حكاه ابن الضائع.

انظر الكتاب : ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ، التبصرة والتذكرة : ١ / ٣١٣ ، مغنى اللبيب : ١٨٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٢٦ ، شرح المكودي : ١ / ١٦٤ ـ ١٦٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٦٢ ، الإنصاف : ١ / ٢٩٤ ، ٢٩٦ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٨٤ ، شرح الرضي : ١ / ٢٤٨ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٧٥٩.

١٠٦ ـ من الطويل للأعش في ديوانه (٦٥) من قصيدة له يمدح فيها هوذة بن علي الحنفي ، وصدره :

٣٩٩

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

واستثن ناصبا بليس وخلا

وبعدا وبيكون بعد لا

واجرر بسابقي يكون إن ترد

وبعد ما انصب وانجرار قد يرد (١)

هذا شروع في القسم الثّالث والرّابع ، فذكر في البيت الأوّل من أدوات الاستثناء أربعة :

منها ما لا يستعمل إلّا فعلا ، وهو «ليس ولا يكون» ، والمستثنى بهما واجب النّصب ، نحو «قام القوم ليس (زيدا ولا يكون عمرا» ، و «ما قام أحد ليس زيدا ، ولا يكون عمرا ، وهو خبر لهما ، واسمهما ضمير مستتر) (٢) عائد على البعض المفهوم (٣) من الكلام (٤).

__________________

تجانب عن أهل اليمامة ناقتي

ويروى : «تجانف» بدل «تجانب» من الجنف وهو الميل ، ويروى : «عن جو» و «عن جل» بدل «عن أهل» ، و «جو» اسم لليمامة في الجاهلية وفي هاتين الروايتين حذف مضاف ، الأول : عن أهل جو اليمامة ، والثاني : عن جل أهل اليمامة ، أي : معظم أهلها. ويروى : «كما عمدت» بدل «وما قصدت». وروي في جميع المصادر الآتية عدا المكودي «لسوائكا» بدل «لسوائنا» وهو الأولى بل الصواب لأن قافية أبيات القصيدة كلها كافية ، كما أن المعنى يؤيد ذلك ، وهو أن الشاعر لم يقصد سوى هوذه من أهل اليمامة.

تجانب : أصله «تتجانب» فحذفت إحدى التاءين تخفيفا ، بمعنى : تبتعد. والمعنى ـ كما في حاشية ابن حمدون على المكودي ـ أن ناقتي تتجانب عن كل أحد ولا تقصد من أهلها وموضعها : إلا لنا لا لغيرنا.

والشاهد فيه على أن خروج «سواء» عن الظرفية خاص بالشعر على مذهب الخليل وجمهور البصريين ، خلافا لابن مالك والزجاجي والكوفيين.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٦٥ ، الكتاب : ١ / ١٣ ، ٢٠٣ ، المقتضب : ٤ / ٣٤٩ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٢٣٥ ، ٢ / ٤٥ ، ١١٩ ، ١٢٤ ، شواهد الأعلم : ١ / ١٣ ، الإنصاف : ٢٩٥ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٤٤ ، ٨٤ ، الخزانة : ٣ / ٤٣٥ ، الهمع (رقم) : ٧٨٥ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٧١ ، شواهد ابن السيرافي : ١ / ١٣٧ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٧٦٠ ، اللسان (سوى ، جنف) ، التبصرة والتذكرة : ٣١٣ ، الاستغناء : ١٠٤ ، ١١٦ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ٣١٩ ، توجيه اللمع : ١٧١.

(١) في الأصل : تقديم وتأخير في البيتين ، وما أثبته أولى ليوافق الشرح النظم ، وهو كما في الألفية : ٧٥.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٥.

(٣) في الأصل : والمفهوم. انظر شرح المكودي : ١ / ١٦٥.

(٤) والمعنى : ليس هو. أي : بعضهم زيدا ، هذا عند البصريين ، وقيل : ضمير عائد على اسم الفاعل المفهوم من الفعل السابق.

٤٠٠