شرح ابن طولون - ج ١

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

و (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) [آل عمران : ١٠٣] ، و :

٣٣ ـ أمست خلاء ...

 ...

و «صار السعر رخيصا» ، و (لَيْسَ مَصْرُوفاً) [هود : ٨].

وقسم يعمل بشرط تقدّم نفي أو شبهه ، وهو النّهي ، وذلك «زال ، وانفكّ» وما بينهما ، وإلى ذلك أشار بقوله :

 ... وهذي (٢) الأربعه

لشبه نفي أو لنفي متبعه

نحو (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود : ١١٨] ، (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) [طه : ٩١] ، (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) [يوسف : ٨٥].

__________________

(كما في القطر) :

أضحى يمزّق أثوابي ويضربني

أبعد شيبي يبغي عندي الأدبا

والشاهد فيه إعمال «أضحى» عمل كان في رفعها الاسم ونصبها الخبر بلا شرط. وروي في شرح ابن عصفور :

أضحى يمزق أثوابي ويشتمني

أبعد سنين عندي تبتغي الأدبا

وروي في شرح الحماسة للمرزوقي :

أنشا يمزق أثوابي يؤدبني

أبعد شيبي عندي تبتغي الأدبا

وروي في شرح الأعلم برواية المرزوقي ولكن «ويضربني» بدل «يؤدبني» وعلى الروايتين الأخيرتين فلا شاهد فيه هنا.

انظر شرح القطر : ١٨٨ ، شرح الحماسة للمرزوقي : ٧٥٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤١٥ ، شرح الحماسة للأعلم : ٢ / ٤٦١ (رسالة دكتوراه) ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٨.

٣٣ ـ قطعة بيت من البسيط للنابغة الذبياني من قصيدة له في ديوانه (١٧) مدح بها النعمان بن المنذر ، واعتذر إليه مما بلغه عنه ، وهي من الاعتذاريات ، وقد ألحقوها لجودتها بالمعلقات السبع ، وتمامه :

أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا

أخنى عليها الذي أخنى على لبد

ويروى صدره :

أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا

الخلاء : المكان الذي لا شيء فيه. احتملوا : ارتحلوا. وأخنى عليه الدهر : أتى عليه وأهلكه. ولبد : اسم آخر نسور لقمان بن عاد ، سماه بذلك لأنه لبد فبقي لا يذهب ولا يموت ، وهو مصروف ، لأنه ليس بمعدول ، وفي المثل : «طال الأبد على لبد». والشاهد فيه على أن «أمسى» تعمل الرفع في الاسم والنصب في الخبر دون شرط.

انظر الأشموني مع الصبان : ١ / ٢٣٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٥ ، الخزانة : ٤ / ٥ ، الهمع (رقم) : ٣٧٢ ، الدرر اللوامع : ١ / ٨٤ ، اللسان (لبد) ، تذكرة النحاة : ٢٦٧ ، إصلاح الخلل للبطليوسي : ١٤٦ ، شرح قصيدة بانت سعاد لابن هشام : ١٦٨ ، فتح رب البرية : ١ / ٣٣٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٨.

(١) في الأصل : وهذه. انظر الألفية : ٣٨.

٢٠١

٣٤ ـ ليس ينفكّ ذا غني واعتزاز

 ...

وهذه أمثلتها بعد النّفي ، ومن أمثلتها بعد النّهي (٢) :

٣٥ ـ ... ولا تزل (٤) ذاكر المو

ت ...

وقسم يعمل بشرط تقدّم «ما» المصدرية الظرفية وإلى هذا أشار بقوله :

ومثل كان دام مسبوقا بما

وفهم أنّ «ما» مصدرية ظرفية من المثال ، وهو :

كأعط ما دمت مصيبا درهما

إذ التقدير : أعط درهما مدّة دوامك مصيبا ، فلو كانت «ما» مصدريّة غير ظرفية لم تعمل «دام» بعدها العمل المذكور ، فإن ولي مرفوعها منصوب ، فهو حال نحو «يعجبني ما دمت صحيحا» أي : يعجبني دوامك صحيحا ، ولو لم تذكر «ما» أصلا ، فأحرى بعدم العمل نحو «دام زيد صحيحا» ، فـ «دام» فعل ماض تامّ بمعنى : بقي ، و «زيد» فاعله ، و «صحيحا» حال من زيد.

وفهم من اشتراطه تقدّم النّفي أو شبهه في «زال» وأخواتها ، وتقدّم «ما»

__________________

٣٤ ـ من الخفيف ، لم أعثر على قائله ، وعجزه :

كلّ ذي عفّة مقلّ قنوع

ويروى : «اغترار» بدل «اعتزاز». والمعنى : لم يزل كل ذي عفاف وإقلال وقناعة غنيا وعزيزا.

والاستشهاد فيه على إعمال «ينفك» عمل «كان» لتقدم النفي عليها ، وإن كان بالفعل «ليس».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٧٣ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٢٧ ، الهمع (رقم) : ٣٥٠ ، الدرر اللوامع : ١ / ٨٠ ، شرح ابن الناظم : ١٣٠ ، المطالع السعيدة : ١٩٩.

(١) في الأصل : النفي. انظر التصريح : ١ / ١٨٥.

٣٥ ـ قطعة بيت من الخفيف ، لم أعثر على قائله ، وتمامه :

صاح شمر ولا تزل ذاكر المو

ت ، فنسيانه ضلال مبين

صاح : مرخم صاحب على غير قياس ، وقيل : هو لغة في «صاحب». شمر : اجتهد. والشاهد في قوله : «ولا تزل» فإنه أجرى فيه «زال» مجرى «كان» لتقدم شبه النفي ـ وهو النهي ـ عليها ، إذ شرط عملها كأخواتها أن لا تفارق النفي أو شبهه.

انظر التصريح على التوضيح : ١٨٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ١٤ ، الهمع (رقم) : ٣٥٢ ، الدرر اللوامع : ١ / ٨١ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٢٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١١ ، شواهد الجرجاوي : ٤٤ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٨٩ ، شواهد العدوي : ٤٤ ، شرح ابن الناظم : ١٣١.

(٢) في الأصل : ولا تزال. انظر التصريح : ١ / ١٨٥.

٢٠٢

المصدريّة الظّرفية في (١) «دام» ـ أنّ ما بقي من الأفعال لا يشترط (٢) فيه شيء.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

وغير ماض مثله قد عملا

إن كان غير الماض منه استعملا

أشار إلى أنّ هذه الأفعال المتقدّمة ـ وهي ثلاثة عشر ـ في التّصرف وعدمه على ثلاثة أقسام :

ما (لا) (٣) يتصرّف بحال ، وهو «ليس» باتّفاق (٤) ، و «دام» عند الفرّاء وكثير من المتأخرين (٥) ، وأما «يدوم ، ودم ، ودائم ، ودوام» فمن تصرّفات التّامة.

وما يتصرّف تصرّفا ناقصا ، وهو «زال ، وبرح ، وفتئ ، وانفكّ» ، فإنّها (٦) لا يستعمل منها أمر.

وما يتصرّف تصرفا تاما ، وهو الباقي.

وللتّصاريف في (٧) هذين القسمين ما للماضي من العمل ، فالمضارع نحو (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) [مريم : ٢٠] ، والأمر نحو (كُونُوا حِجارَةً) [الإسراء : ٥٠] ، والمصدر ، كقوله :

٣٦ ـ ...

وكونك إيّاه عليك يسير (٩)

__________________

(١) في الأصل : وفي. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٠.

(٢) في الأصل : لا يشترط. مكرر.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٨٦.

(٤) انظر : التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٦ ، الهمع : ٢ / ٧٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٢ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٨٣.

(٥) وذلك لأنها صلة لـ «ما» الظرفية ، وكل فعل وقع صلة لـ «ما» التزم مضيه. وبه جزم ابن مالك في شرح الكافية ، وصححه المرادي. وذهب الأقدمون وقليل من المتأخرين إلى أن لها مضارعا وهو «يدوم» ، فهي متصرفة عندهم تصرفا ناقصا ، قال الصبان : بل الصحيح عندي أن لها مصدرا أيضا.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٦ ، الهمع : ٢ / ٧٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٨٦ ، التسهيل : ٥٣ ، شرح المرادي : ١ / ٢٩٧ ، حاشية الصبان مع الأشموني : ١ / ٢٣٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٨٤ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٢.

(٦) في الأصل : فلأنها. انظر التصريح : ١ / ١٨٦.

(٧) في الأصل : في. مكرر

٣٦ ـ من الطويل ، لم أعثر على قائله : وصدره :

ببذل وحلم ساد في قومه الفتى

ساد : أي اتصف بالسيادة والشرف. والضمير في «إياه» يعود إلى الفتى ، وكذا الضمير في

٢٠٣

واسم الفاعل ، كقوله :

(١) ـ وما كلّ من يبدي البشاشة كائنا

أخاك ...

واسم المفعول ، كقول سيبويه في الظرف : «مكون فيه» (٢) ، قاله أبو حيّان (٣).

ثم قال رحمه‌الله تعالى :

وفي جميعها توسّط الخبر

أجز وكلّ سبقه دام حظر

كذاك سبق خبر ما النّافيه

فجئ بها متلوّة لا تاليه

__________________

قوله «في قومه» لأنه وإن كان متأخرا لفظا فهو متقدم رتبة ، ونظيره قوله تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) والشاهد في قولك «وكونك إياه» حيث أعمل فيه مصدر «كان» كعمل «كان».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٧ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ١٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٢ ، الهمع (رقم) : ٣٧٠ ، الدرر اللوامع : ١ / ٨٣ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣١ ، شرح المكودي : ١ / ٩١ ، شواهد الجرجاوي : ٤٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٥ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٢١ ، شواهد العدوي : ٤٦ ، البهجة المرضية : ٤٨ ، شرح ابن الناظم : ١٣٢ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٢٨٧ ، شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٥٥ ـ مخطوط) ، أوضح المسالك : ٤٥.

(٨) في الأصل : عسير. انظر التصريح : ١ / ١٨٧.

٣٧ ـ من الطويل ، لم أعثر له على قائل ، وتمامه :

وما كلّ من يبدي البشاشة كائنا

أخاك إذا لم تلفه لك منجدا

يبدي : يظهر. البشاشة : طلاقة الوجه. ألفى : وجد. منجدا : من أنجده : إذا أعانه. والشاهد في قوله : «كائنا أخاك» ، فإنّ «كائنا» اسم فاعل من «كان» وعمل عمل فعله ، وفيه أيضا : إعمال «ما» النافية عمل «ليس».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٧ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ١٧ ، المطالع السعيدة : ٢٠١ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٢٠ ، الهمع (رقم) : ٣٧٤ ، الدرر اللوامع : ١ / ٨٤ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣١ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٢ ، شواهد الجرجاوي : ٤٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٨٧ ، شواهد العدوي : ٤٥ ، شرح ابن الناظم : ١٣٢ ، البهجة المرضية : ٤٨ ، أوضح المسالك : ٤٥.

(١) انظر الكتاب : ١ / ٢١ ، ٢٠١. قال ابن هشام في شرح اللمحة (٢ / ٢١) : فأما قول سيبويه رحمه‌الله : «فهو مكون فيه» فسأل أبو الفتح أبا علي عنه ، فقال : «ما كل داء يعالجه الطبيب». وانظر حاشية الخضري مع ابن عقيل : ١ / ١١٢.

(٢) قال أبو حيان في النكت الحسان (٦٩) : «وكثيرا ما يقول سيبويه عن الأحوال والظروف : «فهي مكون فيها». وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٧.

٢٠٤

ومنع سبق خبر ليس اصطفي

 ...

اعلم أنّ خبر هذه الأفعال أصله التّأخير عن الاسم ، ويجوز تقديمه.

فأمّا تقديمه على اسمها / فجائز في جميعها ، وإلى ذلك أشار بقوله :

وفي جميعها توسّط الخبر

أجز ...

ومنه قوله عزوجل : (وَ)(١) كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم : ٤٧].

وأما تقديمه عليها ، فهي في ذلك على ثلاثة أقسام :

ـ قسم يمتنع تقديمه عليه باتّفاق ، وهو «ما دام» وما اقترن منها بـ «ما» النّافية ، وإلى ذلك أشار بقوله :

 ...

وكلّ سبقه دام حظر

كذاك سبق (خبر) (٢) ما النافيه

 ...

يعني : أنّ كلّ النحويين منعوا أن يسبق الخبر «دام» ، ولذلك صورتان :

الأولى : أن يسبق «ما» المقترنة بـ «دام» نحو «قائما ما دام زيد» ، فهذا ممتنع اتّفاقا ، لأنّ معمول صلة الحرف المصدريّ لا يتقدّم عليه (٣).

الثّانية : أن يسبق «دام» ويتأخّر عن «ما» (نحو «ما) (٤) قائما دام زيد» ، وفي هذا خلاف ، والصواب المنع (٥) ، وظاهر كلام الناظم : أنّ منع هذا مجمع عليه (٦) ، فإنّه أتى بـ «دام» مجرّدة من «ما» فشمل الصّورتين.

__________________

(١) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٠.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر الألفية : ٣٩.

(٣) انظر الهمع : ٢ / ٨٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٨ ، شرح المكودي : ١ / ٩٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٨٨ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٧ ، الإنصاف : ١ / ١٥٥.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٠.

(٥) وذلك لأن الموصول الحرفي لا يفصل بينه وبين صلته بمعمولها ، وبه قال الرضي ، وابن هشام الخضراوي. وقال ابن عقيل : والذي يظهر أنّه لا يمتنع تقديم خبر «دام» على «دام» وحدها فتقول : «لا أصحبك ما قائما دام زيد» ، كما تقول : «لا أصحبك ما زيدا كلمت». وصححه الخضري. وقال أبو حيان : والقياس يقتضي الجواز قياسا على ما أجازوه من قولك : «عجبت مما زيد تضرب» إلا إن ثبت أنّ «دام» لا يتصرف فيتجه المنع.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٨ ، الهمع : ٢ / ٨٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٣ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٨٧ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٣ ـ ١١٤.

(٦) قال الناظم في التسهيل : «ولا يتقدّم خبر «دام» اتفاقا». وقال المرادي : «وفيه نظر ، لأنّ المنع

٢٠٥

وكذلك أيضا يمتنع أن يسبق الخبر «ما» النافية الداخلة على هذه الأفعال ، فلا يجوز «قائما ما كان زيد» ، ونحوه ، لأنّ «ما» لها صدر الكلام ، وهذا عند البصريين والفرّاء (١) ، وأجازه (٢) بقيّة الكوفيين بناء على أنّها لا تستحقّ التّصدير (٣).

قوله :

فجئ بها (٤) متلوّة لا تاليه

تصريح بما (٥) فهم من وجوب تأخير الخبر عن «ما» المقترنة بالفعل ، وفهم من تخصيص الحكم / بها : أنّه لا يمتنع التقديم إذا كان النّفي بغيرها (٦).

وفهم منه أيضا : أنّه يجوز أن يتوسّط الخبر بين «ما» والفعل نحو «ما قائما كان زيد».

__________________

معلل بعلتين : إحداهما ـ عدم تصرفها ، وهذا بعد تسليمه لا ينهض مانعا باتفاق ، بدليل اختلافهم في «ليس» ، مع الإجماع على عدم تصرفها. والأخرى : أنّ «ما» موصول حرفي ، ولا يفصل بينه وبين صلته ، وهذا أيضا مختلف فيه ، وقد أجاز كثير من النحويين الفصل بين الموصول الحرفي وبين صلته إذا كان غير عامل كـ «ما» المصدرية. انتهى.

انظر التسهيل : ٥٤ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٧ ، شرح المكودي : ١ / ٩٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٣.

(١) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٩ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٧ ، الهمع : ٢ / ٨٨ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٤ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٣ ،

(٢) في الأصل : وأجاز. انظر التصريح : ١ / ١٨٩.

(٣) قياسا على سائر أخواتها. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٨ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٠ ، الهمع : ٢ / ٨٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٣ ، شرح ابن عقيل مع الخضري : ١ / ١١٤ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٧.

(٤) بها. كذا في الألفية وأكثر نسخ شروحها ، ولعل الصواب هنا أن تكون روايتها «بما» ، حتى يستقيم نص الكلام مع ما ذكر بعد من قول المؤلف : «وفي بعض النسخ «بها» وهي عائدة على «ما». وقد روي النظم برواية «بما» في شرح الألفية للهواري (٤٦ / بـ ـ ٤٧ / أ).

(٥) في الأصل : بها. انظر شرح المكودي : ١ / ٩١.

(٦) نحو «قائما لم يكن زيد» ، و «مقيما لن يزال عمرو» ، ونص الرضي على أنّ «إن» النافية مثل «ما» في المنع. وأما «لا» فالذي تقتضيه عبارة ابن مالك أنّها لا صدارة لها ، وهو الذي درج عليه في التسهيل والكافية ، وقيل : لها الصدارة ، وهو الذي مرّ عليه في قوله (في باب ظن وأخواتها) :

 ...

والتزم التّعليق قبل نفي ما

وإن ولا ...

 ...

فسواها بـ «ما» ، و «إن» في التعليق ، قالوا : وهذا القول الثاني هو الذي يقتضيه القياس.

٢٠٦

وفهم من إطلاقه : أنّ ذلك في جميع الأفعال سواء كان النّفي غير مشروط (١) في العمل أم مشروطا (٢) ، نحو «ما كان زيد قائما ، وما زال عمرو مقيما». وفي هذا الأخير (٣) خلاف :

فذهب الفرّاء إلى عموم المنع (٤) ، وهو المشهور.

وخصّ ابن كيسان (٥) من الكوفيين المنع بغير «زال» وأخواتها ، لأنّ نفيها إيجاب (٦).

و «متلوّة» حال من «ما» (٧) ، وفي بعض النّسخ «بها» ، وهي عائدة على «ما» و «متلوّة» حال منها.

__________________

انظر شرح الرضي : ٢ / ٢٩٧ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ٩١ ، التسهيل : ٥٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٣ ، الألفية : ٥٣.

(١) في الأصل : المشروط.

(٢) في الأصل : مشروط.

(٣) وهو قوله : «ما زال عمرو مقيما». أي : في تقديم خبر هذه الأفعال التي النفي فيها شرط في عملها ـ وهي «زال» وأخواتها ـ على النافي خلاف.

(٤) فمنع تقدم الخبر على «زال» وأخواتها سواء نفيت بـ «ما» أو بغيرها. وذهب سائر الكوفيين إلى الجواز مطلقا ، لأنّ «ما» عندهم ليس لها الصدر كغيرها. وذهب البصريون ـ قال السيوطي : وهو الأصح ـ إلى المنع إن نفيت بـ «ما» ، لأن لها الصدر ، والجواز إن نفيت بغيرها ، كـ «لا ، ولم ، ولن ، ولمّا ، وإن» ، والحق درود «لم ولن» بـ «ما» ، فمنع التقديم إن نفي بهما.

انظر الهمع : ٢ / ٨٩ ، التسهيل : ٥٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٨٧ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠١ ، المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل : ١ / ٢٦١ ـ ٢٦٢.

(٥) هو محمد بن أحمد بن إبراهيم (وقيل : محمد بن إبراهيم) بن كيسان ، أبو الحسن ، المعروف بابن كيسان ، عالم بالعربيّة نحوا ولغة ، من أهل بغداد ، أخذ عن المبرد وثعلب وتوفي سنة ٢٩٩ ه‍ ، من مؤلفاته : المهذب في النحو ، المختار في علل النحو ، معاني القرآن ، غريب الحديث ، وغيرها.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٨ ، نزهة الألباء : ٣٠١ ، شذرات الذهب : ٢ / ٢٣٢ ، معجم المطبوعات : ٢٢٩ ، طبقات النحويين واللغويين : ١٧٠ ، الأعلام : ٥ / ٣٠٨ ، معجم المؤلفين : ٨ / ٢١٣ ، ٣١١.

(٦) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٩ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٨ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٠ ، التسهيل : ٥٤ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٤ ، الإنصاف : ١ / ١٥٥ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٤ ، شرح اللمع لابن برهان : ١ / ٥٤ ، التوطئة للشلوبين : ٢٢٨. قال أبو حيان في نكته (٧١) : «وأما «زال» وأخواتها فمنهم من أجاز تقديم خبرها عليها مطلقا ، ومنهم من منع مطلقا ، ومنهم من فصل ، فإن نفيت بـ «ما» منع ، أو بغير «ما» جاز ، وهو الصحيح.

(٧) في الأصل : «وما». انظر شرح المكودي : ١ / ٩١.

٢٠٧

ـ القسم الثّاني : ما في تقديمه خلاف ، وهو «ليس» ، وإلى ذلك أشار بقوله :

ومنع سبق خبر ليس اصطفي

يعني : أنّ في تقديم خبر «ليس» عليها خلافا ، والمختار عند جمهور البصريين (١) والنّاظم : المنع (٢) ، قاسوه على «عسى» ، وخبر «عسى» لا يتقدّم عليها اتّفاقا ، والجامع بينهما الجمود.

ـ القسم الثّالث : ما يجوز تقديم الخبر عليه من غير خلاف ، وهو ما بقي.

وفهم هذا القسم من سكوته عنه ، فإنّه لمّا ذكر ما يمتنع تقديمه ، وما في تقديمه خلاف علم أنّ (ما) (٣) بقي يجوز تقديمه.

ثم قال رحمه‌الله تعالى :

 ... /

وذو تمام ما برفع يكتفي

وما سواه ناقص والنّقص في

فتئ ليس زال دائما قفي

يعني : أنّ ما اكتفى من هذه الأفعال بالمرفوع عن (٤) المنصوب يسمّى

__________________

(١) من متأخريهم. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٨.

(٢) وإليه ذهب المبرد ، والسيرافي ، والزجاج ، وابن السراج ، والجرجاني وجمهور الكوفيين ، وذلك لضعفها بعدم تصرفها ، وشبهها بـ «ما» النافية. وذهب قدماء البصريين (ونسبه ابن جني للجمهور) ، والفراء ، وابن برهان ، والفارسي ، والزمخشري والشلوبين وابن عصفور من المتأخرين إلى جواز التقديم واحتجوا بنحو قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ.) وذلك أنّ (يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) معمول لـ «مصروفا» ، وقد تقدم على «ليس» ، واسمها ضمير مستتر فيها يعود على «العذاب» و «مصروفا» خبرها ، وتقديم المعمول لا يصح إلّا حيث يصح تقديم عامله ، فلو لا أنّ الخبر ـ وهو «مصروفا» ـ يجوز تقديمه على «ليس» ، لما جاز تقديم معموله عليها.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، الإنصاف (مسألة : ١٨) : ١ / ١٦٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٧ ، التسهيل : ٥٤ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٤ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٨٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٤ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠١ ـ ٣٠٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٨٧ ، شرح الرضي : ١ / ٢٩٧ ، الهمع : ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ ، الإيضاح بشرح الجرجاني (المقتصد) : ١ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، شرح اللمع لابن برهان : ١ / ٥٨ ، التوطئة للشلوبين : ٢٢٨.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٩١.

(٤) في الأصل : من. انظر شرح المكودي : ١ / ٩١.

٢٠٨

تامّا ، وما لم يكتف (١) بالمرفوع يسمّى ناقصا ، هذا هو الصّحيح عند النّاظم (٢) ، وإليه أشار بقوله :

 ...

وذو تمام ما برفع يكتفي

وما سواه ناقص ...

 ...

وهو مخالف لمذهب سيبويه وأكثر البصريين من أنّ معنى تمامها دلالتها على الحدث والزّمان (٣).

وكذا الخلاف في تسمية ما ينصب الخبر : ناقصا ، لم سمّي (٤) ناقصا؟.

فعلى الأوّل : لكونه لم يكتف بالمرفوع.

وعلى قول الأكثرين : لكونه سلب الدّلالة على الحدث ، وتجرّد للدّلالة على الزّمان (٥).

واستدلّ ابن مالك على بطلان مذهب الأكثرين بعشرة أوجه مذكورة في شرحه (على) (٦) التّسهيل (٧).

__________________

(١) في الأصل : يكتفي. انظر شرح المكودي : ١ / ٩١.

(٢) وإليه ذهب أبو حيان. انظر شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٠٨ ، شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٥٥ ـ أ ـ مخطوط) ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٠.

(٣) وهو مذهب المبرد وابن السراج والفارسي وابن جني والجرجاني وابن برهان.

انظر الكتاب : ١ / ٢١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٥ ، شرح اللمع لابن برهان : ١ / ٤٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٠ ، شرح ابن الناظم : ١٣٧ ، حاشية الصبان : ١ / ٢٣٥ ، شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٥٥ ـ مخطوط).

(٤) في الأصل : يسمى. انظر التصريح : ١ / ١٩٠.

(٥) قال ابن الناظم (١٣٧) : «وهو باطل». وقال الرضي (٢ / ٢٩٠) : «ليس بشيء».

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٩٠.

(٧) الأول : أنّ مدعي ذلك معترف بفعلية هذه العوامل والفعلية تستلزم الدلالة على الحدث والزمان معا ، إذ الدال على الحدث مصدر ، والدال على الزمان وحده اسم زمان ، والعوامل المذكورة ليست بمصادر ولا أسماء زمان ، فبطل كونها دالة على أحد المعنيين دون الآخر.

الثاني : أنّ مدعي ذلك معترف بأنّ الأصل في كل فعل الدلالة على المعنيين ، فكون العوامل المذكورة تدل على أحدهما ـ إخراج لها عن الأصل فلا يقبل إلا بدليل. الثالث : أنّ العوامل المذكورة لو كانت دلالتها مخصوصة بالزمان لجاز أن تنعقد جملة تامة من بعضها ومن اسم معنى ، كما تنعقد منه ومن اسم زمان ، وفي عدم جواز ذلك دليل على بطلان دعواه. الرابع : أنّ الأفعال كلها إذا كانت على صيغة مختصة بزمان معين فلا يمتاز بعضها من بعض إلا بالحدث ، كقولنا : «أهان وأكرم» فإنهما متساويان بالنسبة إلى الزمان مفترقان بالنسبة إلى

٢٠٩

وإذا استعملت تامّة كانت بمعنى فعل لازم ، فـ «كان» بمعنى : حصل ، نحو (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) [البقرة : ٢٨٠] أي : حصل ، و «أمسى» بمعنى : دخل في المساء ، و «أصبح» بمعنى : دخل (١) في الصّباح ، نحو (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ ، وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم : ١٧] أي : حين تدخلون في المساء ، وحين تدخلون (٢) في الصّباح ، و «دام» بمعنى : بقي ، نحو (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ

__________________

الحدث ، فإذا فرض زوال ما به الافتراق وبقاء ما به التساوي لزم ألّا يكون بين الأفعال المذكورة فرق ما دامت على صيغة واحدة ، ولو كان الأمر كذلك لم يكن فرق بين «كان زيد غنيا» ، و «صار غنيا» ، والفرق حاصل فبطل ما يوجب خلافه. الخامس : أنّ من جملة العوامل المذكورة : «ما انفك» ، ولا بد معها من ناف ، فلو كانت لا تدل على الحدث الذي هو الانفكاك بل على زمن الخبر ـ لزم أن يكون معنى «ما انفك زيد غنيا» : ما زيد غنيا في وقت من الأوقات الماضية ، وفي ذلك نقيض المراد فوجب بطلان ما أفضى إليه. السادس : أنّ من جملة العوامل المذكورة «دام» ومن شرط إعمالها عمل «كان» كونها صلة لـ «ما» المصدرية ، ومن لوازم ذلك صحة تقدير المصدر في موضعها ، كقولك : «جد ما دامت واجدا» أي : جد مدة دوامك واجدا ، فلو كانت «دام» مجردة عن الحدث لم يقم مقامها اسم الحدث. السابع : أنّ هذه الأفعال لو لم يكن لها مصادر لم تدخل عليها «أن» ، كقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) ، لأن «أن» هذه وما وصلت به في تأويل المصدر ، وقد جاء مصدرها صريحا في قول الشاعر :

ببذل وحلم ساد في قومه الفتى

وكونك إيّاه عليك يسير

وقد حكى أبو زيد مصدر «فتئ» مستعملا ، وحكى غيره «ظللت أفعل كذا ظلولا» ، وجاؤوا بمصدر «كاد» في قولهم : «ذلك ولا كيدا» أي : ولا أكاد كيدا ، وكاد فعل ناقص من باب «كان» إلا أنّها أضعف من «كان» ، إذ لا يستعمل لها اسم فاعل ، واسم فاعل «كان» مستعمل ، ولا يستعمل منها أمر ، والأمر من «كان» مستعمل ، وإذا لم يمتنع استعمال مصدر «كاد» وهي أضعف من «كان» فلئن لا يمتنع استعمال مصدر «كان» أحق وأولى. الثامن : أنّ هذه الأفعال لو كانت لمجرد الزمان لم يغن عنها اسم الفاعل ، كما جاء في الحديث : «إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا ، وكائن عليكم وزرا» ، لأنّ اسم الفاعل لا دلالة فيه على الزمان ، بل هو دال على الحدث ، وما هو به قائم ، أو ما هو عنه صادر. التاسع : أنّ دلالة الفعل على الحدث أقوى من دلالته على الزمان ، لأنّ دلالته على الحدث لا تتغير بقرائن ، ودلالته على الزمان تتغير بالقرائن ، فدلالته على الحدث أولى بالبقاء من دلالته على الزمان. العاشر : أنّ هذه الأفعال لو كانت مجردة عن الحدث مخلصة للزمان ، لم يبن منها أمر ، كقوله تعالى : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) ، لأنّ الأمر لا يبنى مما لا دلالة فيه على الحدث. فإذا قد ثبت بالدلائل المذكورة أنّ هذه الأفعال ـ غير ليس ـ دالة على الحدث والزمان كغيرها من الأفعال فليعلم أنّ سبب تسميتها نواقص إنّما هو لعدم اكتفائها بمرفوع.

انظر ذلك في شرح التسهيل لابن مالك : الجزء الأول (ورقة : ٥٥).

(١ ـ ٢) في الأصل : تدخلون. انظر التصريح : ١ / ١٩٠.

٢١٠

السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [هود : ١٠٧] أي : ما بقيت ، و «بات» بمعنى : عرّس ، وهو النّزول ليلا ، نحو قول عمر رضي‌الله‌عنه : «أمّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد / بات بمنى (١)» (٢) ، أي : عرّس بها ، و «ظلّ» بمعنى : استمرّ (٣) ، نحو «ظلّ اليوم» ـ بالرّفع ـ أي : استمرّ ظلّه ، و «أضحى» بمعنى : دخل في الضحي ، نحو «أضحينا» أيّ : دخلنا في الضحى ، و «صار» بمعنى : انتقل ، نحو «صار الأمر إليك» أي : انتقل ، و «برح» بمعنى : ذهب ، نحو (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ) [الكهف : ٦٠] أي : لا أذهب ، و «انفكّ» بمعنى : انفصل نحو «فككت الخاتم فانفكّ» أي : انفصل.

وتكون هذه الأفعال التّامة لمعان أخر غير ما ذكر (٤).

وجميع أفعال هذا الباب استعملت تامة وناقصة ، إلا ثلاثة أفعال ، فإنّها ألزمت النّقص ، ولم تستعمل تامّة ، وهي «فتئ ، وزال ، وليس» ، وإلى ذلك أشار بقوله :

 ... والنّقص في

فتئ ليس زال دائما (٥) قفي

__________________

(١) في الأصل : بمعنى. انظر التصريح : ١ / ١٩١.

(٢) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ، وفي سنن أبي داود حديث رقم : (١٩٥٨) عن ابن عمر رضي‌الله‌عنه أنّه قال : «أما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبات بمنى وظلّ». وقالوا : «بات القوم» أي : نزل بهم ليلا. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٧ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٦ ، البهجة المرضية : ٤٩.

(٣) هذا رأي ابن مالك وغيره ، وذهب المهابذي وأبو محمد بن عبد العزيز بن زيدان وابن الحكم ابن رختاط إلى أنّها لا تكون إلا ناقصة بمعنى : طال ، وبمعنى : أقام نهارا. انظر شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٠٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٧ ، النكت الحسان : ٧٠ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٥.

(٤) فتأتي «صار» بمعنى : رجع ، نحو (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ،) وبمعنى : ضم وقطع ، نحو (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ،) ونحو «صار فلان الشيء يصير ويصوره» أي : ضمه وقطعه. وتأتي ـ «انفك» بمعنى : خلص ، نحو «انفك الأسير». وتأتي «برح» بمعنى : ظهر ، نحو «برح الخفاء». وتأتي «كان» بمعنى : حضر ، يحكى من كلامهم «أكان لبن»؟ بمعنى : حضر شيء من هذا الجنس ، وحكي أنّها تكون بمعنى : غزل ، وأنّه يقال : كان زيد الصوف ، بمعنى : غزل زيد الصوف. وتأتي «أصبح» بمعنى صار ، كقوله :

أصبحت لا أحمل السّلاح ولا

أملك رأس البعير إن نفرا

انظر الهمع : ٢ / ٨٣ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤١٣ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٨١٧ ، حاشية الصبان مع الأشموني : ١ / ٢٣٦ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٥.

(٥) في الأصل : ديما. انظر الألفية : ٤٠.

٢١١

وذهب أبو حيّان في (١) نكته : إلى أنّ «فتئ» تكون تامة بمعنى : سكن (٢) ، وأبو عليّ : إلى أنّ «زال» تكون تامّة نحو «(ما) (٣) زال زيد عن مكانه» أي :

(لم) (٤) ينتقل عنه (٥) ، والكوفيون : إلى أنّ (ليس) (٦) تكون عاطفة ، لا اسم (لها) (٧) ولا خبر (٨) ، نحو :

٣٨ ـ ...

إنّما يجزي الفتى ليس الجمل

__________________

(١) في الأصل : وفي. انظر التصريح : ١ / ١٩١.

(٢) قال أبو حيان في النكت الحسان (٧٠) : «وذكر بعض أصحابنا أنّ «فتئ» لا تكون أيضا إلا ناقصة ، وليست بشيء ، إذ حكى بعض النحويين واللغويين : فتئ ، بمعنى : سكن وبمعنى : أطفأ». وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ، الهمع : ٢ / ٨٣.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٩١.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٩١.

(٥) قال أبو علي في المسائل الحلبيات (٢٧٣) : «فأصل «زال» البراح الذي ذكره (أي : سيبويه) ، ولا يمنع عندي أن يجوز الاقتصار على الفاعل فيه كما يجوز في «كان» إذا أريد به «وقع». انتهى.

وانظر الهمع : ٢ / ٨٢ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٤ ، النكت الحسان : ٧٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤١٠.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٩١.

(٧) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٩١.

(٨) وممن نقل ذلك عن الكوفيين ابن بابشاذ والنحاس وابن مالك ، وحكاه ابن عصفور عن البغداديين. ولم يثبت كونها عاطفة عند البصريين.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ، الجنى الداني : ٤٩٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٢٥ ، مغني اللبيب : ٣٩٠ ، الخزانة : ١١ / ١٩١ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ١٧٧ ـ ١٧٨ ، الهمع : ٥ / ٢٦٣.

٣٨ ـ من الرمل ، للبيد بن ربيعة العامري من قصيدة طويلة له في ديوانه (١٩٧) ، وصدره :

وإذا أقرضت قرضا فاجزه

ويروى : «وإذا قورضت» بدل «وإذا أقرضت» وكلاهما بمعنى واحد ، ويروى : «وإذا جوزيت» ، ويروى : «إذا أوليت» ، ويروى : «غير الجمل» بدل «ليس الجمل» ، وعليها فلا شاهد فيه. القرض : ما تعطيه من المال لتقضاه ، وهو هنا : ما أسلف من إحسان وإساءة. والشاهد فيه قوله : «ليس الجمل» حيث ذهب الكوفيون إلى أنّ «ليس» فيه عاطفة ، وهي محمولة في ذلك على «لا». وأجيب عن ذلك بأمرين : الأول : أنّ «الجمل» اسمها ، والخبر محذوف ، أي : ليس الجمل جازيا ، أو ليس الجمل يجزي ، والعرب قد تحذف خبر «ليس» في الشعر. الثاني : أن يكون الجمل خبر «ليس» ، وسكن للقافية ، واسمها ضمير اسم الفاعل المفهوم من «يجزي» ، أي : ليس الجازي الجمل. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ،

٢١٢

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ولا يلي العامل معمول الخبر

إلّا إذا ظرفا أتى أو حرف جرّ

مراده بالعامل هنا «كان» وأخواتها ، يعني : أنّ معمول الخبر لا يلي «كان» وأخواتها عند جمهور البصريين ، فلا تقول / : «كان طعامك زيد آكلا» ، فإن كان المعمول ظرفا أو مجرورا جاز أن يليها عندهم ، نحو «كان عندك زيد مقيما» ، و «كان في الدّار عمرو جالسا».

والكوفيّون يجيزون مطلقا (١).

وفصّل ابن السّراج ، والفارسيّ ، وابن عصفور فأجازوه إن تقدّم الخبر معه ، نحو «كان طعامك آكلا زيد» ، لأنّ المعمول من كمال الخبر ، وكالجزء (٢) منه ، ومنعوه إن تقدّم وحده ، نحو «كان طعامك زيد آكلا» ، إذ لا يفصل بين الفعل ومرفوعه بأجنبيّ (٣).

واحتجّ الكوفيّون بنحو قول الفرزدق :

٣٩ ـ ...

بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا

__________________

٢ / ١٣٥ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ١٧٦ ، الخزانة : ٩ / ٢٩٦ ، ١١ / ١٩٠ ، مجالس ثعلب : ٢ / ٤٤٧ ، الكتاب : ١ / ٣٧٠ ، المقتضب : ٤ / ٤١٠ ، شواهد الأعلم : ١ / ٣٧٠ ، الأصول : ١ / ٢٨٦ ، ٣٠١ ، شرح الفريد : ٤٧٦ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٠٠ ، ٣٧٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٢٥ ، مجمع الأمثال للميداني : ١ / ٣٩ ، النكت الحسان : ٦٩ ، أوضح المسالك : ١٨٦.

(١) لأن معمول معمولها في معنى معمولها.

انظر في ذلك التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٩ ، الهمع : ٢ / ٩٢ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٠٢ ، ٤٠٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٤ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٥.

(٢) في الأصل : والجزء. انظر التصريح : ١ / ١٨٩.

(٣) انظر الأصول لابن السراج : ١ / ٨٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٩٢ ، ٣٩٣ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٩ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٧ ، الهمع : ٢ / ٩٢ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٥. وكلام الفارسي في الإيضاح (١ / ١٠٧) موافق لمذهب البصريين ، ولم يذكر في هذه المسألة التفصيل المذكور. وانظر المقتصد للجرجاني : ١ / ٤٢٥.

٣٩ ـ من الطويل للفرزدق من قصيدة له في ديوانه (٢١٤) يهجو بها جريرا وقومه ، وصدره :

قنافذ هدّاجون حول بيوتهم

القنافذ : جمع «قنفذ» وهو حيوان معروف ينام نهارا ويصحو ليلا ليبحث عما يقتاته ،

٢١٣

وجه الحجّة منه : أنّ «إيّاهم» معمول «عوّد» ، و «عوّد» خبر «كان» ، فقد ولي «كان» معمول خبرها ، وليس ظرفا ولا جارّا.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ومضمر الشّان اسما انو إن وقع

موهم ما استبان أنّه امتنع

هذا يشير إلى الجواب عمّا احتجّ به الكوفيّون من تقديم معمول الخبر مطلقا ، ونحوه ـ ممّا إذا ورد في كلام العرب ما يوهم تقديم معمول خبر «كان» على اسمها ، وهو غير ظرف أو مجرور (١) ـ ، وهو أن يؤوّل على أن ينوى في «كان» ضمير الشّأن ، وهو اسمها ، والجملة بعدها في موضع خبرها ، ففي «كان» من قول الفرزدق المتقدّم :

 ...

بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا

ضمير الشّأن ، وهو اسمها ، و «عطيّة» / مبتدأ ، و «عوّد» في موضع خبره ، و «إيّاهم» مفعول بـ «عوّد» مقدّما (٢) على المبتدأ ، وجملة المبتدأ والخبر في موضع نصب خبر «كان» ، وعلى هذا الجواب اقتصر النّاظم (٣).

وقد يجاب : بأنّ «كان» زائدة ، أو التّقديم للضّرورة.

__________________

ويضرب به المثل في سرى الليل يقال : «أسرى من قنفذ». هدّاجون : من الهدجان وهو مشية الشيخ الضعيف. ويروى : «دراجون» من درج الصبي والشيخ. وعطية : أبو جرير. والشاهد في قوله : «كان إياهم عطية عودا» حيث ولي «كان» معمول خبرها ، وهو ليس بظرف ولا جار ومجرور على رأي الكوفيين ، لأنهم يجيزون «كان طعامك زيد آكلا» حيث أن معمول المعمول عندهم معمول للعامل ، فليس بأجنبي منه حتى يلزم عليه الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٠ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٢٤ ، الخزانة : ٩ / ٢٦٨ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٠٣٠ ، المقتضب : ٤ / ١٠١ ، أبيات المغني : ٥ / ١٧٠ ، الهمع (رقم) : ٣٩١ ، الدرر اللوامع : ١ / ٨٧ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٧ ، شواهد الجرجاوي : ٤٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٥ ، شواهد العدوي : ٤٨ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٩٢ ، البهجة المرضية : ٥٠ ، التبصرة والتذكرة : ١٩٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٠٣ ، أوضح المسالك : ٤٦ ، إصلاح الخلل : ١٥٢ ، الجامع الصغير : ٥٤.

(١) في الأصل : ومجرور. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٢.

(٢) في الأصل : مقدم. انظر المكودي بحاشية الملوي : ٣٩.

(٣) وقال في شرح الكافية (١ / ٤٠٣) بعد أن أورد البيت المتقدم : «ووجه البصريون هذا وأمثاله على أن يجعل اسم «كان» ضمير الشأن. ويجوز جعل «كان» في هذا البيت زائدة.

ويجوز أيضا جعل «ما» بمعنى «الذي» واسم «كان» ضميرها ، و «عطية» مبتدأ ، خبره «عودا» والتقدير : بالذي كان إياهم عطية عودا ، فحذف الهاء ونواها.

٢١٤

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وقد تزاد كان في حشو كما

كان أصحّ علم من تقدّما

فهم من قوله : «قد تزاد» قلّة زيادتها بالنسبة إلى عدم الزّيادة.

وفهم من قوله : «كان» أنّها إنّما تزاد بلفظ الماضي ، وأنّه لا يزاد غيرها من أخواتها.

وفهم من قوله : «في حشو» أنّها لا تزاد أوّلا ولا آخرا.

ثمّ مثّل لزيادتها بقوله :

 ... كما

كان أصحّ علم من تقدّما

ف «ما» تعجّبيّة ، وهي تامّة في موضع رفع بالابتداء ، و «كان» زائدة ، و «أصحّ» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر عائد على «ما» ، و «علم» مفعول بـ «أصحّ» ، والجملة في موضع رفع خبر «ما» فـ «كان» على هذا زائدة بين «ما» و «أصحّ» (١).

ثمّ قال :

ويحذفونها ويبقون الخبر

وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر

وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب

كمثل أمّا أنت برّا فاقترب

يعني : أنّ العرب يحذفون («كان») (٢) ، وفهم من قوله : «ويبقون الخبر» أنّها تحذف مع اسمها ، ويطّرد حذفها في ثلاثة مواضع :

الأوّل : بعد «إن» الشّرطيّة.

الثاني : بعد «لو».

والثّالث : بعد «أن» / المصدريّة.

وقد أشار إلى الأوّل والثّاني بقوله :

وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر

فمثال حذفها بعد «إن» قولهم : «المرء مقتول بما قتل به ، إن سيفا فسيف ، وإن خنجرا (٣) فخنجر» (٤) أي : إن كان المقتول به سيفا ، وإن كان المقتول به خنجرا.

__________________

(١) انظر شرح المكودي : ١ / ٩٣ ، شرح الهواري : (٤٨ / أ) ، إعراب الألفية : ٣١.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٣.

(٣) في الأصل : خنجر. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٣.

(٤) انظر هذا القول في الكتاب : ١ / ١٣٠ ، الهمع : ٢ / ١٠٣ ، شرح المكودي : ١ / ٩٣ ، شرح ابن الناظم : ١٤٢ ، المفصل : ٧٢ ، وفي الكتاب : «إنّ خنجرا فخنجر وإن سيفا فسيف» على التقديم والتأخير.

٢١٥

ومنه قولهم : «النّاس مجزيّون بأعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ» (١) أي : إن كان عملهم خيرا فجزاؤهم خير ، وإن كان عملهم شرّا فجزاؤهم شرّ.

ويجوز : «إن خير فخيرا» ، برفع الأوّل على أنّه اسم لـ «كان» المحذوفة مع خبرها ، ونصب الثّاني على أنّه مفعول ثان لفعل محذوف ، أي : إن كان في عملهم خير فيجزون خيرا.

ويجوز نصبهما معا بتقدير : إن كان عملهم خيرا فيجزون خيرا ، ورفعهما معا بتقدير : إن كان في عملهم خير فجزاؤهم خير.

والوجه الأوّل أرجحها ، والثّاني أضعفها ، والأخيران متوسّطان (٢)(٣).

ومثال حذفها بعد «لو» قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «احفظوا عنّي ولو آية» (٤) أي : ولو كان المحفوظ آية.

__________________

(١) وذكر ابن مالك هذا القول في شرح الكافية وشواهد التوضيح بلفظ «المرء مجزيّ بعمله إن خيرا ...» وعدّه حديثا ، ولم أجده فيما اطلعت عليه من كتب الحديث المعتمدة. وقال الصبان : قال شيخنا السيد : «المرء مجزيّ بعمله» ليس حديثا وإن صح معناه ـ قاله القليوبي ، ولذلك حكاه الحافظ في الهمع بلفظ «قيل» وكذا غيره ، وهذا يفيد أنّه لم يرد مطلقا ، ويؤيده تعبير صاحب التوضيح بقوله : «وقولهم : الناس مجزيون ... الخ وكذا في همع السيوطي». انتهى. وروي في المسائل العضديات : «المرء مجزيّ بفعله إن ... الخ».

انظر الكتاب : ١ / ١٣٠ ، الهمع : ٢ / ١٠٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٣ ، الأشموني مع الصبان : ١ / ٢٤٢ ، شرح الهواري : (٤٨ / أ) ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤١٨ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٧ ، شواهد التوضيح لابن مالك : ٧١ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ٣٨٠ ، الخزانة : ٤ / ١٠ ، البهجة المرضية : ٥٠ ، شرح ابن الناظم : ١٤٢ ، المسائل العضديات : ١٨١ ، المفصل : ٧٢.

(٢) في الأصل : متوسطا. انظر التصريح : ١ / ١٩٣.

(٣) أما الأول : فلأن فيه إضمار «كان» واسمها بعد «إن» وإضمار المبتدأ بعد فاء الجزاء ، وكلاهما كثير مطرد. وأما الثاني : فلأن فيه حذف «كان» وخبرها بعد «إن» ، وحذف فعل ناصب بعد الفاء ، وكلاهما قليل غير مطرد. وأما الأخيران : فلأن في كل منهما الأقوى والأضعف ، ففي نصبهما قوة نصب الأول ، وضعف نصب الثاني ، وفي رفعهما قوة رفع الثاني وضعف رفع الأول ، فتساويا قاله ابن الضائع.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٣ ، الهمع : ٢ / ١٠٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٧ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤١٩ ، شرح الهواري (٤٨ / أ).

(٤) الحديث برواية : «بلّغوا عنّي ولو آية» في صحيح البخاري : ٤ / ٢٠٧ (كتاب الأنبياء / باب ما ذكر عن بني إسرائيل) ، مسند أحمد : ٢ / ١٥٩ ، سنن الترمذي حديث رقم : ٢٦٦٩ ، الدر المنثور : ٣ / ٧ ، كنز العمال رقم : ٢٩١٧٥ ، فتح الباري : ٦ / ٤٩٦. وهو برواية المؤلف في شرح المكودي : ١ / ٩٣.

٢١٦

وفهم من قوله : «اشتهر» أنّ حذفها مع اسمها في غير ما ذكر قليل ، ومنه ما أنشده (١) سيبويه من قول الرّبيع :

٤٠ ـ من لد شولا فإلى إتلائها

أي : من لدن أن كانت شولا.

ثمّ أشار إلى الثّالث بقوله / :

وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب

يعني : أنّ «كان» تحذف (بعد) (٣) «أن» المصدريّة ، ويعوّض عنها «ما».

وفهم من قوله : «تعويض ما عنها» أنّها لا يحذف اسمها معها.

ثمّ مثّل ذلك بقوله : «أمّا أنت برّا فاقترب» ، والتّقدير : اقترب لأن كنت برّأ ، فحذفت «كان» وعوّض عنها «ما» فانفصل الضّمير الذي كان متّصلا بها ، وحذفت لام الجرّ ، لأنّ حذفها مع «أن» مطّرد ، فـ «أنت» في قوله : «أمّا (٤) أنت» اسم «كان» المحذوفة ، و «برّا» خبرها (٥).

__________________

(١) في الأصل : ما أنشد. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٣.

٤٠ ـ من الرجز ، انفرد المؤلف من المصادر التي رجعت إليها بنسبته للربيع ، ولم أعرف أي ربيع يقصد ، وفي الخزانة : «وهو من الشواهد الخمسين التي لا يعرف قائلها ولا تتمتها. والله أعلم». وهذا تقوله العرب فيما بينهم مثل المثل. لد : لغة في «لدن». الشول : جمع شائلة على غير قياس ، والقياس : شوائل ، وهي الناقة التي جف لبنها وارتفع ضرعها وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية. إتلائها : مصدر أتلت الناقة إذا تبعها ولدها. والشاهد في قوله : «من لد شولا» حيث حذف «كان» مع اسمها بعد «لد» ، وهو قليل ، لأن «كان» تحذف كثيرا بعد «أن ولو» وحذفها بعد غيرهما قليل.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٤ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٥١ ، الكتاب : ١ / ١٣٤ ، شواهد ابن النحاس : ١٢٤ ، شواهد الأعلم : ١ / ٣٤ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٢٢٢ ، شرح ابن يعيش : ٤ / ١٠١ ، ٨ / ٣٥ ، الخزانة : ٤ / ٢٤ ، مغني اللبيب (رقم) : ٧٨١ ، الهمع (رقم) : ٤١١ ، الدرر اللوامع : ١ / ٩١ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٤٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٧ ، شواهد العدوي : ٥٤ ، شرح ابن الناظم : ١٤٢ ، شواهد الجرجاوي : ٥٤ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٩ ، شواهد المغني : ٢ / ٨٣٦ ، سر الصناعة : ٢ / ٥٤٦ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٩٣ ، الجامع الصغير : ٥٦ ، شواهد التوضيح لابن مالك : ١٣٠ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٩٩ ، ٢٦٦.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٣.

(٣) في الأصل : ما. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٤.

(٤) انظر شرح المكودي : ١ / ٩٣ ، شرح الهواري : (٤٨ / ب) ، إعراب الألفية : ٣١.

٢١٧

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ومن مضارع لكان منجزم

تحذف نون وهو حذف ما التزم

إذا دخل الجازم على مضارع (١) «كان» ـ وهو «يكون» ـ سكنت نونه ، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين ، فتقول : «لم يكن».

ويجوز بعد ذلك أن تحذف نونه تخفيفا وصلا (٢) لا وقفا ، نصّ على ذلك ابن خروف (٣) وذلك بشرط كونه مجزوما بالسكون غير متّصل بضمير نصب ولا بساكن ، نحو (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)(٤) [مريم : ٢٠].

بخلاف (مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) [الأنعام : ١٣٥] ، (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) [يونس : ٧٨] لانتفاء الجزم فيهما ، لأنّ الأوّل مرفوع ، والثّاني منصوب.

وبخلاف (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) [يوسف : ٩] ، لأنّ جزمه بحذف النّون.

وبخلاف نحو «إن يكنه فلن تسلّط (٥) عليه» (٦) ، لاتّصاله بالضّمير المنصوب.

__________________

(١) في الأصل : المضارع. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٤.

(٢) في الأصل : تحقيقا أوصلا. انظر التصريح : ١ / ١٩٦.

(٣) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٦ ، إرشاد الطالب النبيل : (١١٧ / ب). وابن خروف هو علي بن محمد بن علي بن محمد الحضرمي الرندي الإشبيلي الأندلسي المعروف بابن خروف النحوي ، أبو الحسن ، عالم بالعربية ، ولد سنة ٥٢١ ه‍ ، وتوفي بإشبيلية سنة ٦٠٦ ه‍ (وقيل : ٦٠٥ ، وقيل : ٦٠٣ ، وقيل غير ذلك) من مؤلفاته : شرح كتاب سيبويه ، شرح جمل الزجاجي ، تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب ، وغيرها.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٣٥٤ ، معجم الأدباء : ١ / ٧٥ ، فوات الوفيات : ٢ / ٧٩ ، مرآة الجنان : ٤ / ٢١ ، الأعلام : ٤ / ٣٣٠ ، هدية العارفين : ١ / ٧١٤ ، معجم المؤلفين : ٧ / ٢٢١.

(٤) (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ ، وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ.)

(٥) في الأصل : يسلط. انظر التصريح : ١ / ١٩٦.

(٦) روى البخاريّ في صحيحه (٢ / ١١٧ ، ٤ / ٨٦) أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعمر رضي‌الله‌عنه في ابن صيّاد : «إن يكنه فلن تسلّط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله». وانظر فتح الباري : ٣ / ٢١٨ ، صحيح مسلم رقم : ٢٩٣٠. وروي في فتح الباري (٦ / ١٧٣) : «إن يكنه فلن تسلّط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله» ، وروي في سنن الترمذي (٤ / ٥١٩) : «إن يك حقّا فلن تسلّط عليه وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله» ، وفي مسند أحمد (٢ / ١٤٨) : «إن يكن هو فلن تسلّط عليه وإلّا يكن هو فلا خير لك في قتله». والحديث برواية المؤلف في شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٢٣١ ، الهمع : ٢ / ١٠٧ ، البهجة المرضية : ٢٤ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٤٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٨ ، شواهد التوضيح لابن مالك : ٢٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٦.

٢١٨

وبخلاف (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) [النساء : ١٣٧] ، لاتّصاله / بالسّاكن ، وهو لام التّعريف.

وخالف في هذا الأخير يونس بن حبيب ، فأجاز الحذف ، ولم يعتدّ بالحركة العارضة لالتقاء السّاكنين (١).

وفهم من إطلاق النّاظم أنّه موافق (لمذهب يونس) (٢).

وقوله : «وهو حذف ما التزم» أي : لا يلزم حذفها ، بل هو جائز.

__________________

(١) وأنشد عليه :

فإن لم تك المرآة أبدت وسامة

فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم

فحذف النون مع ملاقاة الساكن. ومذهب سيبويه أنه لا يجوز حذفها قبل الساكن ، وشرط أن يكون بعدها متحرك.

انظر الكتاب : ١ / ١٣ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٦ ، شرح المرادي : ١ / ٣١١ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٤٥ ، شرح الهواري : (٤٩ / أ) ، شرح المكودي : ١ / ٩٤ ، الهمع : ٢ / ١٠٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٢٣ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٠٠.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٤. قال ابن مالك في التسهيل : «ويجوز حذف لامها الساكن جزما ، ولا يمنع ذلك ملاقاة ساكن ، وفاقا ليونس». انظر التسهيل : ٥٦ ، الهمع : ٢ / ١٠٨ ، شرح المرادي : ١ / ٣١٢ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٤٥.

٢١٩

ثمّ قال :

فصل في «ما (١) ، ولا ، ولات ، وإن» المشبّهات بـ «ليس»

إعمال ليس أعملت ما دون إن

مع بقا (٢) النّفي وترتيب زكن

وسبق حرف جرّ أو ظرف كما

بي أنت معنيّا أجاز العلما

إنّما فصل هذه الأحرف من باب «كان» وإن كان عملها كلّها واحدا ، لأنّ هذه أحرف ، وتلك أفعال.

وبدأ بـ «ما» النّافية ، وهي من الحروف المشتركة بين الأسماء والأفعال ، فأصلها أن لا تعمل ، ولذلك أهملها بنو تميم ، قال سيبويه : «وهو القياس» (٣) ، كما أهملوا «ليس» حملا عليها ، فقالوا : «ليس الطّيب إلّا المسك» (٤) بالرّفع ، قاله في المغني (٥).

وأمّا أهل الحجاز فاعملوها عمل «ليس» لشبهها بها في نفي الحال ، ثمّ اختلف النّحاة :

فقال البصريّون : عملت في الجزأين.

__________________

(١) في الأصل : وما. و : «فصل في» ساقط من الأصل. انظر الألفية : ٤٢.

(٢) في الأصل : بقاء. انظر الألفية : ٤٢.

(٣) قال سيبويه في الكتاب (١ / ٢٨) : «وأما بنو تميم فيجرونها مجرى «أما» و «هل» ، أي : لا يعملونها في شيء ، وهو القياس ، لأنه ليس بفعل ، وليس «ما» كـ «ليس» ولا يكون فيها إضمار». وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٣٥.

(٤) انظر هذا القول في مغني اللبيب : ٣٨٧ ، المسائل المشكلة (البغداديات) للفارسي : ٣٨٣ ، شواهد التوضيح لابن مالك : ١٤١ ، الأشباه والنظائر للسيوطي : ٣ / ٧٢ ، تذكرة النحاة لأبي حيان : ١٦٦ ، الأمالي النحوية لابن الحاجب : ٤ / ١٣٨.

(٥) فإن «إلّا» عندهم تبطل عمل «ليس» ، كما تبطل عمل «ما» الحجازية ، حكى ذلك عنهم أبو عمرو بن العلاء. انظر مغني اللبيب : ٣٨٧ ـ ٣٨٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٦ ، وانظر الجنى الداني : ٤٩٥ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٩ ، التسهيل : ٥٧.

٢٢٠