أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]
المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
مع مبتدأ غير الوصف المذكور ، فلا يكون «الزّيدان» خبرا ، بل فاعلا سدّ مسدّ الخبر.
وبهذين القيدين سلم الحدّ للخبر (١) ، بخلاف ما قال النّاظم (٢) ، فإنّه يرد عليه فاعل الفعل ، وفاعل الوصف (٣).
وإنّما خصّ الخبر بكونه متمّ الفائدة ، وإن كانت الفائدة حصلت بمجموع الجزأين ، لأنّ الخبر (٤) هو الأخير من الجزأين فيه تمّت الفائدة ، ولأنه (٥) الجزء المستفاد من الجملة ، ولذلك كان أصله أن يكون نكرة /.
وأتى بمثالين : «الله برّ» أي : الله عزوجل يبرّ عباده ، و «الأيادي شاهده» والأيادي : هي النّعم ، وهي جمع «أيد» ، وأيد : جمع «يد» ، فهو جمع الجمع (٦).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ومفردا يأتي ويأتي جمله |
|
حاوية معنى الّذي سيقت له |
يعني : أنّ خبر المبتدأ يأتي مفردا ـ وهو الأصل ـ ، ويأتي جملة ، والمفرد في هذا الباب : ما ليس بجملة ، فيشمل المثنى والمجموع ، نحو «زيد قائم ، والزّيدان قائمان ، والزّيدون قائمون» ، وشملت الجملة : الاسميّة ، نحو «زيد أبوه قائم» ، والفعليّة نحو «زيد قام أبوه» ، وقوله :
__________________
(١) في الأصل : الخبر. انظر التصريح : ١ / ١٦٠.
(٢) وقوله هو :
والخبر الجزء المتمّ الفائده
(٣) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٠ ، وقال المرادي في شرحه (١ / ٢٧٣) : «فإن قلت : هذا ليس بحد صحيح ، لأنّه صادق على الفعل وعلى الفاعل ، والحرف أيضا. قلت : ليس مراده بالجزء جزء الكلام مطلقا فيلزمه ما ذكرت ، وإنما المراد جزء الجملة الاسمية ، ويدل على ذلك أمران : أحدهما ـ أنّ الباب موضوع لها. والثاني ـ تمثيله بقوله :
كالله برّ والأيادي شاهده
فلم يدخل تحت كلامه الفعل ولا الفاعل ولا الحرف أيضا ، لأنّه لا يكون أحد جزئي الجملة الاسمية». وانظر شرح الأشموني : ١ / ١٩٥.
(٤) في الأصل : الجر. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٨.
(٥) في الأصل : ولأن. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٨.
(٦) قال ابن جني : أكثر ما تستعمل الأيادي في النعم لا في الأعضاء.
انظر اللسان : ٦ / ٤٩٥٠ ـ ٤٩٥١ (يدي) ، شرح المكودي : ١ / ٧٨ ، حاشية الخضري : ١ / ٩٢ ، حاشية الصبان : ١ / ١٩٥ ، إعراب الألفية : ٢٥.
حاوية معنى الّذي سيقت له
يعني : أنّ الجملة تكون مشتملة على رابط يربطها بالمبتدأ ، وإنّما قال :
حاوية معنى الذي سيقت له
ولم يقل : «حاوية ضمير ...» ، ليشمل الضمير ـ سواء كان مذكورا (١) ، نحو «زيد قام أبوه» ، أو مقدرا ، وهو إمّا مجرور (٢) ، نحو «السّمن منوان بدرهم» أي : منه ، أو منصوب نحو قراءة (ابن) (٣) عامر (٤) وكل وعد الله الحسنى [الحديد : ١٠] برفع «كلّ» (٥) ، أي : وعده الله ـ ، وغير (٦) الضّمير ممّا يقع به الرّبط ، وهو اسم الإشارة نحو (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف : ٢٦] ، إذا قدّر «ذلك» مبتدأ ثانيا ، لا تابعا لـ «لباس» ، وتكرار اللفظ بعينه ، كقوله تعالى : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١ ، ٢] ، واسم أعمّ من المبتدأ ، نحو «زيد نعم الرّجل».
ثم قال رحمهالله تعالى :
وإن تكن (٧) إيّاه معنى اكتفى |
|
بها كنطقي الله حسبي وكفى |
أشار بهذا إلى الجملة الواقعة خبرا ، ولا تحتاج إلى رابط ، فذكر أنّ الجملة
__________________
(١) في الأصل : مذكرا. انظر التصريح : ١ / ١٦٤.
(٢) في الأصل : مجردا. انظر التصريح : ١ / ١٦٤.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٦٤.
(٤) هو عبد الله بن عامر بن يزيد ، أبو عمران اليحصبي الشامي ، أحد القراء السبعة ، ولد في البلقاء سنة ٨ ه ، وانتقل إلى دمشق بعد فتحها وولي قضاء دمشق في خلافة الوليد بن عبد الملك ، وتوفي فيها سنة ١١٨ ه. انظر ترجمته في طبقات القراء : ١ / ٤٢٣ ، ميزان الاعتدال : ٢ / ٥١ ، الأعلام : ٤ / ٩٥ ، النشر في القراءات العشر : ١ / ١٤٤.
(٥) على جعل «كل» ابتداء ، وتعدية الفعل إلى ضميره ، ويحتمل أن يكون «كل» خبر مبتدأ محذوف تقديره : أولئك كل وعد الله ، و «وعد» صفة لـ «كل» ، ولهذا لم يجز أن يعمل في «كل» ، لأن الصفة لا تعمل في الموصوف. وذهب قوم إلى أنّه لا يجوز أن يكون «وعد» صفة لـ «كل» ، لأنه معرفة ، لأنّ تقديره : كلهم وعد الله. وقرأ الباقون بنصب «كل» على أنّه مفعول به لـ «وعد» ، و «الحسنى» منصوب لأنّه المفعول الثاني لـ «وعد».
انظر حجة القراءات : ٦٩٨ ، النشر : ٢ / ٣٨٤ ، إتحاف فضلاء البشر : ٤٠٩ ، إعراب النحاس : ٤ / ٣٥٣ ، البيان لابن الأنباري : ٢ / ٤٢٠ ، المبسوط في القراءات العشر : ٤٢٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٤٥.
(٦) في الأصل : وغيره.
(٧) في الأصل : يكن. انظر الألفية : ٣٢.
المخبر بها إذا / كانت هي (نفس) (١) المبتدأ في المعنى اكتفي بها عن الرّابط ، ثمّ مثّل ذلك بقوله «كنطقي الله حسبي» ، فـ «نطقي» مبتدأ ، و «الله حسبي» جملة في موضع الخبر ، وليس فيه ضمير ، لأنّ «الله حسبي» هو «نطقي» ، و «نطقي» هو «الله حسبي» (٢).
ومثل ذلك «هجّيرى أبي بكر لا إله إلّا الله» (٣) ، وقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] ، إذا قدّر «هو» ضمير الشّأن.
والتّحقيق : أنّ مثل هذا ليس من الإخبار بالجملة ، بل بالمفرد على إرادة اللفظ ، (كما) (٤) في عكسه ، نحو «لا حول ولا قوّة إلّا بالله كنز من كنوز الجنّة» (٥) قاله (٦) الدّمامينيّ (٧) والمراديّ (٨) ، وغيرهما (٩).
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٩.
(٢) والمراد بالنطق : المنطوق ، وحسبي : بمعنى : كافي ، لا اسم فعل بمعنى : يكفيني ، لتأثره بالمبتدأ ، وأسماء الأفعال لا تدخل عليها العوامل اللفظية باتفاق. وقول الناظم «وكفى» فاعله ضمير مستتر ، وهو من باب الحذف والإيصال. والأصل : وكفى به حسيبا ، لأن الأكثر في فاعل «كفى» أن يجر بالباء الزائدة.
انظر شرح المكودي : ١ / ٧٩ ، إعراب الألفية : ٢٥ ، شرح الهواري (٣٩ / أ) ، الأشموني مع الصبان : ١ / ١٩٧ ، حاشية الخضري : ١ / ٩٢ ، ٩٣.
(٣) «هجّيرى» : وزنه «فعّيلى» مقصورا ، وألفه للتأنيث كـ «حثّيثى» ، ومعناه : دأبه وعادته في وقت المهاجرة ـ وهي اشتداد الحر ـ : لا إله إلا الله. انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٧٩ ، شرح المرادي : ١ / ٢٧٧ ، اللسان : ٦ / ٤٦١٩ (هجر) ، مغني اللبيب : ٦٥٢.
(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٦٤.
(٥) أخرج الإمام أحمد في مسنده (٥ / ١٥٦) عن أبي ذر رضياللهعنه ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة». وانظر مصابيح السنة للبغوي : ٢ / ١٥٨ رقم (١٦٤٨) ، كنز العمال رقم (١٧٧١) ، جمع الجوامع للسيوطي : ١ / ٩١٠ ، الدر المنثور : ٤ / ٢٢٣ ، إتحاف السادة المتقين : ٤ / ٤٦٦. وروى البخاري في صحيحه (٨ / ١٠٢) أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يا عبد الله بن قيس قل : لا حول ولا قوة إلا بالله فإنّها كنز من كنوز الجنة» أو قال : «ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة : لا حول ولا قوة إلا بالله». وانظر : ٨ / ١٠٨ ، ١٥٦ ، ٩ / ١٤٤ ، فتح الباري : ١١ / ٢١٤ ، الدر المنثور : ١ / ٣٥٣. وانظر الحديث بلفظ المؤلف في التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٤ ، شرح المرادي : ١ / ٢٧٧ ، مغني اللبيب : ٥٢٥ ، ٥٥٩ ، الهمع : ١ / ١١ ـ ١٢.
(٦) في الأصل : وقال. انظر التصريح : ١ / ١٦٤.
(٧) انظر تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد للدماميني (رسالة دكتوراه) : ٢ / ٧٩٢ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٤. والدماميني هو محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن محمد ابن سليمان بن جعفر القرشي المخزومي الإسكندري المالكي ، ويعرف بابن الدماميني ، بدر ـ
ثم قال رحمهالله :
والمفرد الجامد فارغ وإن |
|
يشتقّ فهو ذو ضمير مستكن |
قسّم الخبر المفرد إلى جامد ، وهو ما لم يشعر بمعنى الفعل الموافق له في المادّة بالنظر إلى القياس الاستعمالي ، كـ «زيد» فإنّه لا يدلّ على معنى «زاد زيادة» ، ومشتقّ ، وهو بخلافه ، كـ «قائم» فإنّه دالّ على معنى «قام».
ثمّ ذكر أنّ الجامد فارغ ، يعني : من الضّمير ، نحو «أنت زيد ، وهذا أسد» إلا إن أوّل الجامد بالمشتقّ فيتحمّل ضمير المبتدأ ، نحو «زيد / أسد» ، إذا أريد به : شجاع (١).
وذهب الكسائيّ من (الكوفيين) (٢) ، والرّمّانيّ من البصريين إلى أنّ الجامد يتحمّل ضمير المبتدأ مطلقا ، سواء أوّل بمشتق أم لا (٣).
وأنّ المشتقّ يتحمّل ضميرا مستكنّا ، أي : لا يظهر نحو «زيد قائم» ففي «قائم» ضمير مستكنّ ، تقديره : هو ، والمشتقّ هنا : هو اسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصّفة المشبّهة ، وأمثلة المبالغة ، وأفعل (٤) التّفضيل.
__________________
الدين عالم بالعربية والشريعة وفنون الأدب ، ولد في الإسكندرية سنة ٧٦٣ ه ، واستوطن القاهرة ، ولازم ابن خلدون ، ثم تولى فيها قضاء المالكية ، ثم رحل إلى اليمن ومنها إلى الهند فمات في كلبرجا سنة ٨٢٧ ه من مؤلفاته شرح مغني اللبيب ، شرح التسهيل ، جواهر البحور في العروض ، وغيرها.
انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٢٧ ، الضوء اللامع : ٧ / ١٨٤ ، شذرات الذهب : ٧ / ١٨١ ، البدر الطالع : ٢ / ١٥٠ ، هدية العارفين : ٢ / ١٨٥ ، معجم المؤلفين : ٩ / ١١٥ ، الأعلام : ٦ / ٥٧.
(٧) انظر شرح المرادي : ١ / ٢٧٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٤.
(٨) كابن هشام في المغني : ٥٢٥.
(١) هذا مذهب البصريين. انظر الإنصاف : ١ / ٥٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٣٩ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٨٨.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٦٠.
(٣) وهو مذهب الكوفيين. ورد بأن الجامد لو تحمل ضميرا لجاز العطف عليه مؤكدا فيقال : «هذا أخوك هو وزيد» ، كما تقول : «زيد قائم هو وعمرو».
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٠ ، شرح المرادي : ١ / ٢٧٧ ، شرح الرضي : ١ / ٩٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٣٩ ، الهمع : ٣ / ١٠ ، الإنصاف : ١ / ٥٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٥٠ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٨٨.
(٤) في الأصل : وأفعال. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٩.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وأبرزنه مطلقا حيث تلا |
|
ما ليس معناه له محصّلا |
يعني : أنّ الخبر المفرد المشتقّ إذا تلا غير من هو له ـ وجب إبراز الضمير العائد على المبتدأ ، وشمل صورتين :
إحداهما : أن يكون المرفوع ظاهرا ، نحو «زيد قائم أبوه» ، فالضّمير في المضاف إليه عائد على المبتدأ ، وهو بارز.
والأخرى : أن يكون المرفوع ضميرا (١).
وقوله : «مطلقا» يعني : سواء خيف اللبس ، أو لم يخف ، فشمل صورتين :
إحداهما : ما يعرض فيه اللبس نحو «زيد عمرو / ضاربه هو» إذا أردت أنّ الضّارب هو زيد ، والمضروب هو عمرو ، فلو لم يبرز الضمير المستتر في «ضاربه» ، لتوهّم (٢) السّامع أنّ «عمرا» بحسب الظّاهر من الإسناد إليه هو الضّارب لزيد ، وانقلب المعنى ، وهذه الصّورة متّفق على إبراز الضمير فيها.
والأخرى : ما ليس فيها ، نحو «زيد هند ضاربها (٣) هو» ، وهذه مختلف فيها :
فمذهب البصريين : أنّه يجب فيها الإبراز ، كالّتي قبلها ، وتبعهم النّاظم (٤) ، ومذهب الكوفيين : أنه يجوز فيها الإبراز ، والاستتار (٥).
__________________
(١) نحو «زيد قائم أنت إليه». انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٦١.
(٢) في الأصل : لقولهم أن. انظر التصريح : ١ / ١٦١.
(٣) في الأصل : ضاربهما. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٠.
(٤) في هذا النظم ووافق الكوفيين في التسهيل حيث قال : «وقد يستكن إن أمن اللبس وفاقا للكوفيين».
انظر في ذلك شرح المكودي : ١ / ٨٠ ، التسهيل : ١ / ٤٨ ، شرح الأشموني : ١ / ١٩٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٩٤ ، الهمع : ٢ / ١٢ ، شرح المرادي : ١ / ٢٧٩ ، الإنصاف : ١ / ٥٧.
(٥) واستدلوا لذلك بقول الشاعر :
قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت |
|
بكنه ذلك عدنان وقحطان |
فذكر «بانوها» بدون إبراز الضمير ، حيث لم يقل : «بانوها هم» ، لأن إبراز الضمير إنّما يكون عند خوف اللبس ولا لبس هنا. كما استدلوا بما حكاه الفراء عن العرب : «كل ذي عين ناظرة إليك» أي : هي.
انظر الإنصاف : ١ / ٥٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٢ ، شرح المرادي : ١ / ٢٧٩ ، التسهيل : ٤٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩ ، شرح الأشموني مع الصبان : ١ / ١٩٩ ، شرح الرضي : ١ / ٩٧ ، الهمع : ٢ / ١١ ـ ١٢ ، البهجة المرضية : ٤٢ ، شرح دحلان : ٤٢.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وأخبروا بظرف او بحرف جر |
|
ناوين معنى كائن أو استقر |
من أقسام الخبر أن يكون ظرفا أو جارا ومجرورا (١) ، وهو راجع بالتقدير إلى المفرد والجملة ، ولذلك قال :
ناوين معنى كائن أو استقر
فإن قلت : «زيد عندك ، أو زيد في الدّار» فالتقدير : كائن أو مستقرّ في الدّار ، وإنّما جعلوا هذا النوع قسما ثالثا زائدا (٢) على المفرد والجملة ، لأنّه عوض عن الخبر ، ولذلك لا يجمع بينهما ، فإنّ / الصحيح عند ابن هشام وغيره : أنّ الخبر في الحقيقة هو متعلّقهما المحذوف (٣) ، لا هما (٤) ، ولا مع متعلّقهما (٥) ، واختلف في تقديره :
__________________
(١) واختلف في عامل الظرف والمجرور الواقعين خبرا : فالأصح أنّه كون مقدر.
وقيل : المبتدأ ، وعليه ابن خروف ، وعمل فيه النصب لا الرفع لأنه ليس الأول في المعنى.
ورد بأنه مخالف للمشهور من غير دليل ، وبأنه يلزم منه تركيب كلام من ناصب ومنصوب بدون ثالث. وقيل : بالمخالفة ، وعليه الكوفيون ، فإذا قلت : «زيد أخوك» فـ «الأخ» هو «زيد» ، أو «زيد خلفك» فـ «الخلف» ليس بـ «زيد» فمخالفته له عملت النصب. ورد بأن المخالفة معنى لا يختص بالأسماء دون الأفعال ، فلا يصح أن يكون عامله ، لأن العامل اللفظي شرطه : أن يكون مختصا ، فالمعنوي الأضعف أولى.
انظر : الهمع : ٢ / ٢١ ، شرح الرضي : ١ / ٩٢ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٩١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٤.
(٢) في الأصل : زائد. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٠.
(٣) وإنّ تسمية الظرف خبرا مجاز. وهو مذهب ابن كيسان وتابعه ابن مالك. قال السيوطي : هذا هو التحقيق. والقائل بهذا نظر إلى أنّ العامل أولى بالاعتبار ، وإن كان معموله قيدا لا بد منه.
انظر أوضح المسالك : ٣٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٤٩ ، الهمع : ٢ / ٢٢ ، شرح المرادي : ١ / ٢٧٩ ، حاشية فتح الجليل : ٨٢ ، شرح الرضي : ١ / ٩٢ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٩٠ ، حاشية الخضري : ١ / ٩٥.
(٤) كما ذهب الفارسي وابن جني ، حيث ذهبا إلى أن الظرف هو الخبر حقيقة ، وأن العامل صار نسيا منسيا. والقائل بهذا نظر إلى الظاهر.
انظر الهمع : ٢ / ٢٢ ، حاشية الصبان : ١ / ٢٠٠ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، حاشية الخضري : ١ / ٩٥.
(٥) والمتعلق ـ بكسر اللام ـ : جزء من الخبر ، واختاره الرضي وابن الهمام ، والقائل بهذا نظر إلى توقف مقصود المخبر على كل منهما. انظر شرح الرضي : ١ / ٩٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٦ ، حاشية الصبان : ١ / ٢٠٠ ، حاشية الخضري : ١ / ٩٥ ، حاشية فتح الجليل : ٨٢ ، إرشاد الطالب النبيل (٩٣ / أ).
فقال الأخفش ، والفارسيّ ، والزّمخشريّ : يقدّر فعلا لأنّه الأصل في العمل (١).
والصّحيح عند جمهور البصريين ، واختاره النّاظم : أن يقدّر مفردا ، ولذا قدّمه ، لأنّ أصل الخبر الإفراد (٢).
و (٣) على القول بأنّ لهما متعلّقا محذوفا ، فالصّحيح : أنّ الضمير الّذي كان فيه انتقل إلى الظّرف والمجرور (٤).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
__________________
(١) وبه قال ابن الحاجب وصححه عبد القاهر. وحجتهم أنّ المحذوف عامل النصب في لفظ الظرف ومحل المجرور ، والأصل في العامل أن يكون فعلا ـ كما ذكر ـ.
انظر الإيضاح للفارسي : ١ / ٤٣ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ١٨٨ ، المقتصد لعبد القاهر الجرجاني : ١ / ٢٧٣ ، ٢٧٥ ، المفصل للزمخشري : ٢٤ ، الأنموذج للزمخشري : ٨٤ ، شرح المكودي : ١ / ٨٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٦ ، شرح المرادي : ١ / ٢٨٠ ، شرح الرضي : ١ / ٩٣ ، الهمع : ٢ / ٢٢ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٩٠.
(٢) وهو مذهب سيبويه ، قال ابن مالك في شرح الكافية : «وكونه اسم فاعل أولى لوجهين :
أحدهما : أنّ تقدير اسم الفاعل لا يحوج إلى تقدير آخر ، لأنه واف بما يحتاج إليه في المحل من تقدير خبر مرفوع ، وتقدير الفعل يحوج إلى تقدير اسم الفاعل ، إذ لا بد من الحكم بالرفع على محل الفعل إذا ظهر في موضع الخبر ، والرفع المحكوم به لا يظهر إلا في اسم الفاعل.
الثاني : أنّ كل موضع كان فيه الظرف خبرا وقدر تعلقه بفعل ـ أمكن تعلقه باسم الفاعل». انتهى.
انظر الكتاب : ١ / ٢٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٤٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٦ ، شرح المرادي : ١ / ٢٨٠ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ٨٨ ، شرح المكودي : ١ / ٨٠ ، شرح الرضي : ١ / ٩٣ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٠١ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٩٠ ، الهمع : ٢ / ٢٢.
(٣) في الأصل : الواو. ساقط. انظر التصريح : ١ / ١٦٦.
(٤) وسكن فيهما ، وهو مذهب أبي علي ومن تابعه ، وذلك لأنّه يؤكد ، كقول جميل :
فإن يك جثماني بأرض سواكم |
|
فإنّ فؤادي عندك الدّهر أجمع |
وقيل : لا ضمير في الظرف والمجرور مطلقا ، تقدم أو تأخر ، وإن الضمير حذف مع المتعلق ، وإليه ذهب السيرافي. وزعم ابن خروف أن الخبر إذا كان ظرفا أو مجرورا لا ضمير فيه عند سيبويه والفراء ، إلّا إذا تأخر عن المبتدأ ، أما إذا تقدم عليه فلا ضمير فيه ، واستدل على ذلك بأنّه لو كان فيه ضمير إذا تقدم لجاز أن يؤكد وأن يعطف عليه ، وأن يبدل منه كما يفعل ذلك مع المتأخر.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٩٠ ، شرح الرضي : ١ / ٩٣ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ١٨٨ ، الهمع : ٢ / ٢٢ ـ ٢٣.
ولا يكون اسم زمان خبرا |
|
عن جثّة وإن يفد فأخبرا |
يعني : أنّ اسم الزّمان لا يخبر به عن الجثّة ، فلا يقال : «زيد اليوم».
وفهم منه أنّ الجثّة يخبر عنها باسم المكان نحو «زيد أمامك» ، وأنّ اسم الزّمان (١) يخبر به عن المعنى ، نحو «القتال يوم الجمعة».
وقوله : «وإن يفد فأخبرا» أي : وإن يفد الإخبار عن الجثّة باسم الزّمان فأجز الإخبار به ، ومنه قولهم : «الهلال الليلة» ، وهو في المعنى راجع إلى الإخبار باسم الزّمان عن المعنى ، لأنّ التّقدير : «حدوث الهلال اللّيلة».
والتّفصيل بين حصول الفائدة وعدمها اختيار ابن الطّراوة (٢) وجماعة ، ووافقهم النّاظم (٣).
والصّحيح : المنع مطلقا ، وما ورد من ذلك يؤوّل (٤).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ولا يجوز الابتدا بالنّكره |
|
ما لم تفد (٥) كعند زيد نمره |
وهل فتى فيكم فما خلّ لنا |
|
ورجل من الكرام عندنا |
ورغبة في الخير خير وعمل |
|
برّ يزين وليقس ما لم يقل / |
__________________
(١) في الأصل : المكان. انظر شرح المكودي : ١ / ٨١.
(٢) قال : لأن الهلال يكون ظاهرا ثم يستسرّ ثم يظهر ، فلمّا اختلفت به الأحوال جرى مجرى الأحداث التي تقع مرة وتزول أخرى ، فجاز جعل الزمان خبرا عنه.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٨ ، إرشاد الطالب النبيل (٩٤ / أ) ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٦ ، المقتصد : ١ / ٢٩٠.
(٣) في هذا النظم ، فقال :
ولا يكون اسم زمان خبرا |
|
عن جثّة وإن يفد فأخبرا |
كما وافقهم في التسهيل وشرح الكافية.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٨ ، التسهيل : ٤٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٥١ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٩٦ ، شرح المرادي : ١ / ٣٥١ ، الهمع : ٢ / ٢٣ ، إرشاد الطالب النبيل (٩٤ / أ) ، شرح الأشموني : ١ / ٢٠٣ ، شرح الرضي : ١ / ٩٤.
(٤) ويؤول نحو ذلك على تقدير مضاف كما قال الفارسي ، فنحو «الهلال الليلة» أي : حدوث الهلال ، وهو مذهب البصريين. انظر الإيضاح بشرح الجرجاني (المقتصد) : ١ / ٢٨٩ ـ ٢٩٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٥ ، ابن عقيل مع الخضري : ١ / ٩٧ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٠٣.
(٥) في الأصل : يفد. انظر الألفية : ٣٤.
الغالب في المبتدأ أن يكون معرفة ، وقد يكون نكرة بشرط حصول الفائدة ، وقد ذكر النّحويون للابتداء بالنكرة ـ إذا (١) حصلت منها فائدة ـ مسوّغات كثيرة ، وأنهاها بعض المتأخّرين إلى خمسين (٢) ، واقتصر الناظم منها على ستّة :
الأوّل : أن يتقدم عليها الخبر ، وهو ظرف أو مجرور ، وهو المشار إليه بقوله : «كعند زيد نمره».
الثّاني : أن يتقدّم عليها أداة الاستفهام ، وهو المشار إليه بقوله : «و (٣) هل فتى فيكم».
الثّالث : أن يتقدّم عليها أداة نفي ، وهو المشار إليه بقوله : «فما خلّ لنا».
الرابع : أن تكون موصوفة ، وهو (٤) المشار إليه بقوله : «ورجل من الكرام عندنا».
الخامس : أن تكون (٥) عاملة فيما بعدها ، وهو المشار إليه بقوله : «ورغبة في الخير خير».
السّادس : أن تكون مضافة (٦) إلى نكرة ، وهو المشار إليه بقوله : «وعمل برّ يزين».
ثمّ قال : «وليقس ما لم يقل» أي : يقاس على هذه المسوّغات ما أشبهها في المعنى ، ففهم منه أنه لم يستوف المسوّغات (٧).
__________________
(١) في الأصل : ذا.
(٢) انظر شرح المكودي : ١ / ٨١ ، شرح ابن باديس : (٨٦ / ب). وعدها في المغني عشرة ، واختار الأشموني أنها خمسة عشر ، وقيل : إنها تسعة وعشرون ، وقيل : اثنان وثلاثون ، وقيل : نيف وأربعون.
انظر مغني اللبيب : ٦٠٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٠٤ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ٨١ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٩٨.
(٣) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ٨١.
(٤) في الأصل : وهي. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٢.
(٥) في الأصل : يكون. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٢.
(٦) في الأصل : يكون مضافا. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٢ ، وبذلك يكون اللام على نسق واحد.
(٧) ومن مسوغات الابتداء بالنكرة : ١ ـ أن تكون شرطا نحو «من يقم أقم معه». ٢ ـ أن تكون جوابا نحو أن يقال : «من عندك» فتقول : «رجل» ، والتقدير : رجل عندي. ٣ ـ أن تكون عامة نحو «كل يموت». ٤ ـ أن يقصد بها التنويع ، كقوله :
ولم يشترط سيبويه بالابتداء بالنكرة إلّا حصول الفائدة ، وحكى من كلام العرب : «أمت ـ أي : ميل (١) ـ في الحجر لا فيك» (٢) ، وليس فيه شيء من المسوّغات الّتي ذكروها.
__________________
ـ ـ
فأقبلت زحفا على الركبتين |
|
فثوب لبست وثوب أجرّ |
فقوله : «ثوب» مبتدأ ، و «لبست» خبره ، وكذلك «أجر». ٥ ـ أن تكون دعاء ، نحو «سلام على آل ياسين». ٦ ـ أن تكون فيها معنى التعجب ، نحو «ما أحسن زيدا». ٧ ـ أن تكون مصغرة نحو «رجيل عندنا» لأن التصغير فيه فائدة معنى الوصف ، تقديره : رجل حقير عندنا. ٨ ـ أن تكون في معنى المحصور ، نحو «شر أهر ذا ناب» ، و «شيء جاء بك» ، التقدير : ما أهر ذا ناب إلا شر ، وما جاء بك إلا شيء على أحد القولين ، والقول الآخر : أنّ التقدير : شر عظيم ، أهر ذا ناب ، وشيء عظيم جاء بك ، فيكون داخلا في قسم ما جاز الابتداء به لكونه موصوفا ، لأنّ الوصف أعم من أن يكون ظاهرا أو مقدرا ، وهو هنا مقدر. ٩ ـ أن يقع قبلها واو الحال ، كقول الشاعر :
سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا |
|
محيّاك أخفى ضوءه كلّ شارق |
١٠ ـ أن تكون معطوفة على معرفة ، نحو «زيد ورجل قائمان». ١١ ـ أن تكون معطوفة على وصف نحو «تميمي ورجل في الدار». ١٢ ـ أن يعطف عليها موصوف نحو «رجل وامرأة طويلة في الدار». ١٣ ـ أن تقع بعد فاء الجزاء ، كقولهم : «إن ذهب عير فعير في الرهط». ١٤ ـ أن تدخل على النكرة لام الابتداء ، نحو «لرجل قائم». ١٥ ـ أن تكون بعد «كم» الخبرية ، نحو قوله :
كم عمّة لك يا جرير وخالة |
|
فدعاء قد حلبت عليّ عشاري |
وزاد أهل الكوفة في شروط الابتداء بالنكرة : أن تكون خلفا من موصوفها ، أي : صفة في الأصل قد خلفت موصوفها ، نحو «مؤمن خير من مشرك» ، لأنّه في معنى : «عبد مؤمن خير من عبد مشرك».
وزاد الأخفش أن تكون في معنى الفعل ، نحو «قائم زيد» على أن يكون «قائم» مبتدأ و «زيد» فاعل ، وقد سد الفاعل مسد الخبر ، ويكون على هذا مفردا في كل حال ، فتقول : «قائم الزيدان ، وقائم الزيدون».
انظر شرح ابن عقيل : ١ / ٩٨ ـ ٩٩ ، الهمع : ٢ / ٢٩ ـ ٣٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٤٠ ـ ٣٤١ ، شرح الرضي : ١ / ٨٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٤٣ ـ ٦٤٧ ، الكتاب : ١ / ١٦٥ ـ ١٦٦ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٨٦ ـ ٨٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ١٨٤ ـ ١٨٦ ، البهجة المرضية : ٤٣.
(١) في الأصل : نبل.
(٢) انظر الكتاب : ١ / ١٦٦ ، شرح المكودي : ١ / ٨٢ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٤٣ ، شرح المرادي : ١ / ٢٨١ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٩٧ ـ ٩٨ ، شرح الهواري : (٤١ / أ). ومعنى «الأمت» العوج. أي : ليكن الاعوجاج في الحجر لا فيك ، ومعناه : أبقاك الله بعد فناء الحجارة ، وهي مما توصف بالخلود والبقاء. قال السيرافي : وجعله سيبويه إخبارا محضا ،
ولم يذكر النّاظم مسوّغ الإخبار بالنكرة غير المفيدة ومن ذلك : التّسويغ بالنّعت ، نحو قوله تعالى : (بَلْ)(١) أَنْتُمْ قَوْمٌ (٢) تُفْتَنُونَ [النمل : ٤٧] ، ذكره (٣) ابن (٤) هشام (٥).
ثمّ قال :
والأصل في الأخبار أن تؤخّرا |
|
وجوّزوا التّقديم إذ لا ضررا / |
إنّما كان الأصل في الخبر أن يتأخّر عن المبتدأ ، لأنّه وصف (له) (٦) في المعنى ، وحقّ الوصف أن يكون متأخرا عن الموصوف ، والخبر بالنسبة إلى تقديمه على المبتدأ وتأخيره عنه على ثلاثة أقسام :
الأوّل : جواز تقديمه (٧) ، وهو المشار إليه بقوله : «وجوّزوا التّقديم».
وقوله : «إذ لا ضررا» أي : إن لم يعرض عارض يمنع من تقديمه ـ كما سيأتي ـ.
__________________
وقال المبرد : إنّه خبر مراد به الدعاء كأنهم قالوا : جعل الله في حجر أمتا. وقال ابن سيده : رفعوه وإن كان فيه معنى الدعاء لأنّه ليس بجار على الفعل ، وصار كقولك : التراب له ، وحسن الابتداء بالنكرة لأنه في قوة الدعاء.
انظر الكتاب مع هامش السيرافي عليه : ١ / ١٦٦ ، اللسان : ١ / ١٢٤ (أمت) ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ١٨٦ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٨٧ ، شرح ابن باديس (٨٨ / أ) ، شرح الرضي : ١ / ٩٩ ، تاج العروس : ١ / ٥٢٢ (أمت) ، التوطئة للشلوبين : ٢١٧ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٨٢.
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٧٠.
(٢) في الأصل : تقوم. انظر التصريح : ١ / ١٧٠.
(٣) في الأصل : ذكر. انظر التصريح : ١ / ١٧٠.
(٤) في الأصل : ابن. مكرر.
(٥) انظر شرح قصيدة كعب بن زهير (بانت سعاد) لابن هشام : ١٢٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٧٠.
(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٢.
(٧) سواء كان الخبر مفردا أم جملة ، وهذا مذهب البصريين ، وذهب الكوفيون إلى منع تقديمه مفردا كان أو جملة ، نحو «قائم زيد» ، و «أبوه قائم زيد» ، إلا في نحو «في داره زيد» ، وذلك لأنه يؤدي إلى تقديم ضمير الاسم على ظاهره ، وإنّما جاز في نحو «في داره زيد» ، لأن الضمير غير معتمد عليه ، ألا ترى أن المقصود : في الدار زيد ، وحصل هذا الضمير بالعرض.
انظر : الإنصاف (مسألة : ٩) : ١ / ٦٥ ، شرح الرضي : ١ / ٩٤ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ١٩٠ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٩٢ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٥١ ، شرح المرادي : ١ / ٢٨٢ ، الهمع : ٢ / ٣٧.
ومن تقديم الخبر على المبتدأ (١) جوازا قولهم : «تميميّ أنا» (٢).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
فامنعه حين يستوي الجزآن |
|
عرفا ونكرا عادمي بيان |
كذا إذا ما الفعل كان الخبرا (٣) |
|
أو قصد استعماله منحصرا |
أو كان مسندا لذي لام ابتدا (٤) |
|
أو لازم الصّدر كمن لي منجدا |
هذا هو القسم الثّاني من أقسام الخبر ، وهو ما يجب تأخيره ، وذلك في خمسة مواضع :
الأوّل : أن يستوي المبتدأ والخبر في التعريف والتنكير وهو المشار إليه بقوله :
فامنعه حين يستوي الجزآن |
|
عرفا ونكرا ... |
فمثال استوائهما في التّعريف : «زيد أخوك» ، ومثال استوائهما في التّنكير : «أفضل منّي أفضل منك».
وقوله : «عادمي بيان» ، يعني : أنّه لا يمتنع تقديم الخبر على المبتدأ إذا كانا متساويين في التعريف والتنكير ، إلّا مع عدم البيان كالمثالين المذكورين.
وفهم منه أنّه إذا كان في الكلام ما يبيّن المبتدأ من الخبر جاز تقديم الخبر على المبتدأ ، وذلك بأن يكون هناك قرينة لفظية أو معنوية :
فالأوّل : نحو «رجل صالح حاضر» ، فإنّ القرينة اللفظية ـ وهي الصّفة ـ قاضية على النكرة الموصوفة بالابتدائية (٥) ، تقدّمت أو تأخّرت.
__________________
(١) في الأصل : المبتدأ على الخبر. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٢.
(٢) هذا مثال لتقديم الخبر مفردا ، والأصل : «أنا تميميّ» ، ونحو ذلك قوله : «مشنوء من يشنؤك». ومثال تقديم الخبر جملة قوله :
إلى ملك ما أمّه من محارب |
|
أبوه ولا كانت كليب تصاهره |
تقديره : أبوه ما أمه من محارب.
انظر شرح المكودي : ١ / ٨٢ ، الكتاب : ١ / ٢٧٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ١٩٠ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٩٢ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٥٠ ، الهمع : ٢ / ٣٧ ـ ٣٨.
(٣) في الأصل : خبرا. انظر الألفية : ٣٥.
(٤) في الأصل : الابتدا. انظر الألفية : ٣٥.
(٥) في الأصل : بابتدائية. انظر التصريح : ١ / ١٧٣.
والثّاني : نحو «أبو يوسف أبو حنيفة» فإنّ / القرينة المعنوية ـ وهي التّشبيه الحقيقيّ ـ قاضية بأنّ «أبو يوسف» مبتدأ ، لأنه مشبّه ، و «أبو حنيفة» خبر ، لأنّه مشبّه به ، تقدّم أو تأخّر.
الثّاني : ممّا يجب (فيه) (١) تأخير الخبر ـ أن يكون فعلا مسندا إلى ضمير (٢) المبتدأ ، مع كون المبتدأ مفردا ، وهو المشار إليه بقوله :
كذا إذا ما الفعل كان الخبرا (٣)
يعني : يمتنع أيضا تقديم الخبر على المبتدأ إذا كان فعلا ، فأطلق ، وهو مقيّد بما تقدّم ، فإنّه لا يمتنع (٤) تقديمه في نحو «الزيدان قاما ، وزيد قام أبوه» ، وإنّما يمتنع تقديمه في نحو «زيد قام ، وهند قامت».
الثّالث : أن يكون الخبر محصورا بـ «إلّا» ، أو بـ «إنّما» ، وهو المشار إليه بقوله :
أو قصد استعماله منحصرا
نحو «ما زيد إلّا قائم ، وإنما زيد قائم».
الرّابع : أن يكون الخبر مسندا لمبتدأ مقرون بـ «لام» الابتداء ، وهو المشار إليه بقوله :
أو (٥) كان مسندا لذي لام (ابتدا) (٦)
يعني : أنّه يمتنع تقديم الخبر إذا كان مسندا لمبتدأ ذي لام ابتداء ، نحو «لزيد قائم».
الخامس : أن يكون مسندا لمبتدأ (٧) من أدوات الصّدر ، وهو المشار إليه بقوله : «أو لازم الصّدر» ، وذلك نحو : أدوات الاستفهام ، وأدوات الشّرط ، ومثّل للاستفهام بقوله : «من لي (منجدا) (٨)» ، ومثال الشّرط «من يقم أقم معه».
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٧٣.
(٢) في الأصل : الضمير. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٣.
(٣) في الأصل : خبرا. انظر الألفية : ٣٥.
(٤) في الأصل : يمنع. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٣.
(٥) في الأصل : أو. ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٣.
(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٣.
(٧) في الأصل : لشيء. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٣.
(٨) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٣.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ونحو عندي درهم ولي وطر |
|
ملتزم فيه تقدّم الخبر |
كذا إذا عاد عليه مضمر |
|
ممّا به عنه مبينا يخبر |
كذا إذا يستوجب التّصديرا |
|
كأين من علمته نصيرا |
وخبر المحصور قدّم أبدا |
|
كما لنا إلّا اتّباع أحمدا |
هذا هو القسم الثّالث من أقسام الخبر ، وهو ما يجب تقديمه ، وذلك في أربعة مواضع / :
الأوّل : أن يكون ظرفا أو مجرورا ، مع كون المبتدأ نكرة ، وهو المشار إليه بقوله :
ونحو عندي درهم ولي وطر |
|
ملتزم فيه تقدّم الخبر |
الثّاني : أن يعود على الخبر (١) ضمير من المبتدأ ، وهو المشار إليه بقوله :
كذا إذا عاد عليه مضمر |
|
ممّا به عنه مبينا يخبر |
أي : كذلك يلزم تقديم الخبر إذا عاد عليه مضمر من مبتدأ ، وهذا على حذف مضاف ، أي : على ملابسه ، والتقدير : كذلك يلزم تقديم الخبر إذا عاد على ملابسه ضمير من المبتدأ الذي يخبر بالخبر عنه ، نحو «على التّمرة مثلها زبدا» (٢) ، فلا يجوز «مثلها على التّمرة» ، لئلّا يعود الضمير من «مثلها» على (٣) «التّمرة» ، وهو متأخّر لفظا ورتبة.
الثّالث : أن يكون الخبر من ذوات (٤) الصّدور ، وهو المشار إليه بقوله :
كذا إذا يستوجب التّصديرا |
|
كأين من علمته نصيرا |
يعني : أنّه يلزم تقديمه إذا كان صدرا ، مثل قولك : «أين من علمته
__________________
(١) في الأصل : الضمير. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٣.
(٢) قوله : «على التمرة» خبر مقدم عن «مثلها» ، و «زبدا» تمييز لـ «مثل» ، أو حال منه ، ويجوز رفعه بيانا أو بدلا من «مثل» ، أو هو المبتدأ و «مثلها» حال منه وإن كان نكرة ، لتقدمها عليه.
انظر شرح المكودي : ١ / ٨٤ ، الأشموني مع الصبان : ١ / ٢١٣ ، ابن عقيل مع الخضري : ١ / ١٠٤ ، شرح دحلان : ٤٥ ، شرح الرضي : ١ / ٩٨ ، شرح الفريد : ٣٤٤ ، الاستغناء في أحكام الاستثناء : ١١٢ ، ١٥٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٨١.
(٣) في الأصل : على. مكرر.
(٤) في الأصل : أدوات. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٤.
(نصيرا) (١)» ، فـ «أين» ظرف مكان مضمّن معنى همزة الاستفهام ، خبر مقدّم ، و «من علمته» مبتدأ مؤخّر.
الرّابع : أن يكون المبتدأ محصورا بـ «إلّا» ، أو بـ «إنّما» ، وهو المشار إليه بقوله :
وخبر المحصور قدّم أبدا
ومثّل ذلك بقوله :
كما لنا إلّا اتّباع أحمدا
فـ «لنا» (٢) خبر واجب التقديم ، لأنّ المبتدأ ، وهو «اتّباع أحمد» محصور بـ «إلّا».
ومثاله محصورا (٣) بـ «إنّما» : «إنّما في الدّار زيد».
ثمّ قال :
وحذف ما يعلم جائز كما |
|
تقول زيد بعد من عندكما |
وفي جواب كيف زيد قل دنف |
|
فزيد استغني عنه إذ عرف |
يعني : أنّه يجوز حذف كلّ واحد من / المبتدأ والخبر ، إذا علم ، ثمّ مثّل حذف الخبر للعلم به (بقوله) (٤) :
تقول زيد بعد من عندكما
فـ «زيد» مبتدأ ، والخبر محذوف للعلم به ، وتقديره : زيد عندنا.
ثمّ مثّل حذف المبتدأ للعلم به بقوله :
وفي جواب كيف زيد قل دنف
فـ «دنف» (خبر) (٥) ، والمبتدأ محذوف تقديره : زيد دنف.
وفهم من قوله : «وحذف ما يعلم جائز» أنّه يجوز أن يحذف المبتدأ والخبر معا إذا علما ، ومنه قوله عزوجل : (وَاللَّائِي)(٦) لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق : ٤] أي :
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٤.
(٢) في الأصل : قلنا. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٥.
(٣) في الأصل : محصور. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٥.
(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٥.
(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٥.
(٦) في الأصل : والذي. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٥.
فعدّتهنّ ثلاثة أشهر ، فحذف المبتدأ والخبر ، لدلالة ما تقدّم عليه. وقوله :
فزيد استغني عنه إذ عرف
تتميم للبيت ، مستغنى (عنه) (١).
ثمّ قال :
وبعد لو لا غالبا حذف الخبر |
|
حتم وفي نصّ يمين ذا استقر |
الخبر يحذف وجوبا في أربعة مواضع :
الأوّل : بعد «لو لا» الامتناعية ، وإليه أشار بقوله :
وبعد لو لا غالبا حذف الخبر |
|
حتم ... |
وفهم من قوله : «غالبا» أنّ لـ «لو لا» استعمالين : غالبا ، وغير غالب (٢) ، وأنّه لا يجب الحذف إلّا بعد الاستعمال الغالب.
(والاستعمال الغالب) (٣) فيها : أن يعلّق الامتناع على نفس المبتدأ نحو «لو لا زيد لأكرمتك» ، ففي مثل هذا يجب حذف الخبر لسدّ الجواب مسدّه.
وغير الغالب : أن يعلّق الامتناع على صفة في المبتدأ ، نحو «لو لا زيد باك لضحكت» ، فالامتناع في هذه الصّورة (٤) معلّق على بكاء زيد ، لا على زيد ، ففي مثل هذا لا يجب حذف الخبر ، بل يجوز إذا دلّ عليه دليل.
الثّاني : بعد مبتدأ (هو) (٥) نصّ في القسم ، وهو المشار إليه بقوله : «وفي / نصّ يمين ذا استقر» ، وذلك نحو «لعمرك (لأفعلنّ) (٦)» ، فالخبر واجب الحذف تقديره : قسمي ، ووجب حذفه ، لسدّ جواب القسم مسدّه.
و «ذا» إشارة لتحتّم (٧) حذف الخبر.
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٢) في الأصل : الغالب. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٦.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٦.
(٤) في الأصل : الضرورة. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٦.
(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٦.
(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٦.
(٧) في الأصل : أشار لحتم. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٦.
ثمّ قال :
وبعد واو عيّنت مفهوم مع |
|
كمثل كلّ صانع وما صنع |
وقبل حال لا يكون خبرا |
|
عن الّذي خبره قد أضمرا |
كضربي العبد مسيئا وأتم |
|
تبييني الحقّ منوطا بالحكم |
الثّالث : ممّا يجب حذف الخبر فيه وجوبا ـ أن يقع بعد واو المعيّة ، وهو المشار إليه بقوله :
وبعد واو عيّنت مفهوم مع
أي : يجب حذف الخبر بعد الواو التي بمعنى : مع ، ومثّل ذلك بقوله :
كمثل كلّ صانع وما صنع
فـ «كلّ صانع» مبتدأ ، و «ما» معطوف عليه ، والخبر محذوف وجوبا تقديره : مقترنان.
الرّابع : أن يقع المبتدأ بعد حال لا يصحّ جعلها خبرا عن المبتدأ ، وهو المشار إليه بقوله :
وقبل حال لا يكون خبرا |
|
عن الّذي خبره قد أضمرا |
أي : ويجب حذف الخبر أيضا قبل الحال الممتنع جعلها خبرا عن المبتدأ المذكور قبلها ، وشرط هذا أن يكون مصدرا عاملا في نفس صاحب الحال المذكورة ، أو «أفعل تفضيل» مضافا إلى المصدر المذكور.
وقد مثّل الأوّل بقوله : «كضربي العبد مسيئا» ، والتّقدير : ضربي العبد إذا كان مسيئا ، فـ «ضربي» مبتدأ ، وهو مبتدأ مصدر عامل في «العبد» ، و «العبد» مفسّر للضّمير المستتر في «كان» المحذوفة ، و «كان» المحذوفة (١) : تامة ، و «مسيئا» اسم فاعل من «أساء» ، وهو حال من الضّمير المذكور ، فالخبر على هذا «الاستقرار» العامل في «إذا» / المحذوفة ، أي : ضربي كائن إذا كان مسيئا (٢).
ثمّ مثّل الثّاني أيضا بقوله : «وأتم تبييني الحقّ منوطا» ، فـ «أتم» أفعل تفضيل ، وهو مبتدأ مضاف إلى «تبييني» ، و «الحقّ» مفعول «تبييني» ،
__________________
(١) في الأصل : المحذفة. انظر شرح المكودي : ١ / ٨٧.
(٢) انظر شرح المكودي : ١ / ٨٧ ، إعراب الألفية : ٢٩.
و «منوطا» حال من الضّمير المستتر في «كان» المقدّرة ، ومعنى «منوط» : متعلّق (١).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وأخبروا باثنين أو بأكثرا |
|
عن واحد كهم سراة شعرا |
يعني : أنّ المبتدأ الواحد قد يتعدد خبره ، فيكون أكثر من واحد ، وذلك على وجهين :
أحدهما : أن يتعدّد لفظا لا معنى ، نحو «الرّمان حلو حامض» ، لأنّ معنى الخبرين راجع إلى شيء واحد إذ معناهما : مزّ ، فهذا يمتنع فيه عطف أحد الخبرين على الآخر ، لأنّهما بمنزلة اسم واحد على الأصحّ ، خلافا للفارسيّ في أحد قوليه (٢).
والثّاني : أن يتعدّد لفظا ومعنى ، نحو «زيد كاتب ـ أي : ناثر (٣) ـ ، شاعر ـ أي : ناظم ـ» ، بمعنى : أنّه ينظم الكلام وينثره ، وهذا يجوز أن يعطف الثّاني على الأوّل ، وألّا يعطف ، وإلى هذا النوع أشار بقوله : «كهم سراة شعرا» ، فـ «هم» مبتدأ ، و «سراة» خبر أوّل ، و «شعرا» خبر بعد خبر ، و «سراة» : جمع «سريّ» على غير قياس (٤)(٥).
__________________
(١) انظر شرح المكودي : ١ / ٨٧ ، إعراب الألفية : ٢٩ ، اللسان : ٦ / ٤٥٧٧ (نوط).
(٢) فإنه أجاز العطف نظرا إلى تغاير اللفظ. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٢ ، شرح ابن الناظم : ١٢٦ ، شرح المرادي : ١ / ٢٩٤ ، الهمع : ٢ / ٥٤ ، الأشموني مع الصبان : ١ / ٢٢٢.
(٣) في الأصل : ناير. انظر التصريح : ١ / ١٨٢.
(٤) وإنّما كان على غير قياس لأن قياس المعل اللام كـ «سرى» أن يجمع على «أفعلاء» عملا بقول النّاظم :
وناب عنه أفعلاء في المعل |
|
لاما ... |
وفي اللسان : والسراة اسم للجمع وليس بجمع عند سيبويه ، قال : ودليل ذلك قولهم : سروات. والسراة : ـ بفتح السين وقد تضم ـ أصله : سرية ، والسري : الشريف. انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٨٨ ، حاشية الصبان : ١ / ٢٢١ ، إعراب الألفية : ٢٩ ، اللسان : ٣ / ٢٠٠١ (سرا) ، حاشية الخضري : ١ / ١٠٩.
(٥) واقتصر الناظم على هذين النوعين في شرح الكافية ، وزاد ابنه نوعا ثالثا يجب فيه العطف ، وهو أن يتعدد الخبر لتعدد ما هو له : إما حقيقة نحو «بنوك كاتب وصانع وفقيه» ، وإمّا حكما كقوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) [الحديد : ٢٠].
انظر شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣ ، شرح ابن الناظم : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، شرح المرادي : ١ / ٢٩٤ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٢٣.
الباب التّاسع
كان وأخواتها
ثمّ قال :
كان وأخواتها
ترفع كان المبتدا اسما والخبر |
|
تنصبه ككان سيّدا عمر |
لمّا فرغ من المبتدأ والخبر شرع في نواسخ الابتداء ، وسمّيت : نواسخ الابتداء ، لأنّ الابتداء رفع المبتدأ ، فلمّا دخلت عليه النواسخ نسخت عمله ، وصار العمل لها.
وبدأ بـ «كان» وأخواتها (١) ، فذكر أنّها ترفع ما كان قبل دخولها مبتدأ على أنّه اسمها حقيقة ، وفاعلها مجازا ، لكن بشرط أن لا يلزم المبتدأ التّصدير ، ولا الحذف ، ولا عدم التّصرّف ، ولا الابتدائيّة بنفسه (٢) أو بغيره.
فالأوّل : كاسم الشّرط.
والثّاني : كالمخبر (٣) عنه بنعت مقطوع (٤).
والثّالث : نحو «طوبى للمؤمن» (٥).
والرّابع : نحو «أقلّ رجل يقول ذلك إلّا زيدا».
والخامس : كمصحوب «إذا» الفجائية.
وتنصب ما كان قبل دخولها خبرا على أنّه خبرها حقيقة ، ومفعولها مجازا ، وهذا مذهب البصريّين.
__________________
(١) وهي : ما وضع ليفيد تقرير الفاعل على صفة ، مثل «كان زيد قائما» فأفاد «كان» كون «زيد» على صفة القيام. انظر شرح الرضي : ٢ / ٢٩٠ ، شرح الفريد : ٣٠٨ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٨٠٠ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ٢٨٦.
(٢) في الأصل : بنفيه. انظر التصريح : ١ / ١٨٣.
(٣) في الأصل : المخبر. انظر التصريح : ١ / ١٨٤.
(٤) في الأصل : معطوف. انظر التصريح : ١ / ١٨٤.
(٥) هذا جزء من حديث أورده الدّيلمي في الفردوس بمأثور الخطاب (٢ / ٤٤٨) رقم (٣٩٣٥) ، وتمامه : «طوبى للمؤمن إذا أحسن قبل منه ، وإذا أساء غفر له».
وذهب جمهور الكوفيين إلى : أنّها لا تعمل في المرفوع شيئا ، وإنّما هو مرفوع بما كان مرفوعا (١) به قبل دخولها (٢).
ثمّ مثّل ذلك بقوله : «ككان سيّدا عمر» ، وفهم من تمثيله جواز تقديم خبرها على اسمها ، وسينصّ عليه بعد.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ككان ظلّ بات أضحى أصبحا |
|
أمسى وصار ليس زال برحا |
فتئ وانفكّ وهذي (٣) الأربعه |
|
لشبه نفي أو لنفي متبعه |
ومثل كان دام مسبوقا بما |
|
كأعط ما دمت مصيبا درهما |
يعني : أنّ «ظلّ» وما بعدها مثل «كان» في رفعها الاسم ونصبها الخبر ، ثمّ إنّ هذه الأفعال على ثلاثة أقسام :
قسم يعمل بلا شرط وهو (٤) ثمانية : «كان ، وليس» وما بينهما ، نحو (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) [الفرقان : ٥٤] ، و (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) [النحل : ٥٨] ، و «أبيت ريّان الجفون» (٥) ، و :
٣٢ ـ أضحى يمزّق أثوابي .. |
|
... |
__________________
(١) في الأصل : مرفوع. انظر التصريح : ١ / ١٨٤.
(٢) وردّ بأنّه يلزم عليه أنّ الفعل ناصب غير رافع ، ولا نظير له. وخالفهم الفراء فذهب إلى أنها عملت فيه الرفع تشبيها بالفاعل. واتفقوا في نصبها الجزء الثاني ، ثم اختلفوا في نصبه ، فقال الفراء تشبيها بالحال ، لأنها شبيهة بـ «قام» ، وقال بقية الكوفيين منصوب على الحال.
والصحيح مذهب البصريين لوروده مضمرا ومعرفة وجامدا ، ولكونه لا يستغنى عنه ، وليس كذلك الشأن في الحال.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٤ ، الإنصاف (مسألة : ١١٩) : ٢ / ٨٢١ ، شرح المرادي : ١ / ٢٩٥ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤١٨ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٨٠٢ ، الهمع : ٢ / ٦٣ ، ٦٤ ، الأشموني مع الصبان : ١ / ٢٢٦ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٠.
(٣) في الأصل : وهذه. انظر الألفية : ٣٨.
(٤) في الأصل : وفي. انظر التصريح : ١٨٤.
(٥) لعلّ هذا إشارة إلى قول الشريف الرضيّ :
أتبيت ريّان الجفون من الكرى |
|
وأبيت منك بليلة الملسوع؟ |
وهو من الكامل من قصيدة له في ديوانه (١ / ٤٩٧) ، وانظر مغني اللبيب : ٦٦٨ ، الهمع : ٢ / ١٣ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٠٢ ، شرح الأشموني : ٣ / ٣٠٧ ، حاشية يس : ١ / ١٨٤ ، شرح أبيات المغني : ٨ / ٣١.
٣٢ ـ قطعة بيت من البسيط لامرأة من بني هزّان من أبيات لها قالتها في ابن لها عقّها ، وتمامه