شرح ابن طولون - ج ١

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

إلا أنّ حذفه مع الفعل أكثر من حذفه مع الوصف (١) ، ولم ينبّه النّاظم على ذلك لكن تقديم الفعل على الوصف يرشد إليه (٢).

واحترز بقوله : «متّصل» من المنفصل ، نحو «جاء الّذي إيّاه ضربت» ، فلا يجوز حذفه ، وبقوله : «إن انتصب بفعل أو وصف» من المنتصب بالحرف ، نحو «جاء الّذي إنّه قائم» ، فلا يجوز حذفه أيضا.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

كذاك حذف ما بوصف خفضا

كأنت قاض بعد أمر من قضى

يعني : أنّ حذف الضمير العائد من الصّلة إلى الموصول إذا كان مخفوضا بالوصف مثل الضمير المنصوب في جواز حذفه بكثرة (٣) ، فالإشارة بقوله : «كذاك» إلى حذف الضمير المنصوب المتقدّم ذكره.

ثمّ مثّل بقوله : «كأنت قاض» ، وأشار (به) (٤) إلى قوله عزوجل : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) [طه : ٧٢] ، أي : ما أنت قاضيه ، فحذف العائد / على «ما».

لكن يشترط في هذا الوصف أن يكون غير ماض خلافا للكسائيّ (٥) ،

__________________

(١) قال الشيخ خالد في التصريح (١ / ١٤٦) : «وحذف منصوب الفعل كثير ، لأن الأصل في العمل للفعل فكثر تصرفهم في معموله بالحذف ، وحذف منصوب الوصف قليل جدا بل قال الفارسي لا يكاد يسمع من العرب ، وقال ابن السراج : أجازوه على قبح ، وقال المبرد : رديء جدا». وانظر ارتشاف الضرب : ١ / ٥٣٥ ، شرح ابن الناظم : ٩٦ ـ ٩٧.

(٢) انظر شرح المكودي : ١ / ٦٩ ، وفي الأشموني (١ / ١٧١) : «ولعله إنما لم ينبه عليه للعلم بأصالة الفعل في ذلك وفرعية الوصف فيه مع إرشاده إلى ذلك بتقديم الفعل وتأخير الوصف».

(٣) وفي الهمع (١ / ٣١٠) : «وزعم ابن عصفور : أن حذفه ضعيف جدا. ورده أبو حيان بوروده في القرآن وبأنه منصوب في المعنى». وانظر شرح ابن عصفور : ١ / ١٨٤ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٥٣٥.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٠.

(٥) فإنه أجاز حذف العائد المجرور بإضافة وصف ماض غير عامل ، أو بإضافة غير وصف ، محتجا بقول الشاعر :

أعوذ بالله وآياته

من باب من يغلق من خارج

والتقدير : من باب من يغلق بابه ، فحذف الضمير المجرور بغير وصف ، وحذف معه المضاف إليه.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٦ ، الهمع : ١ / ٣١٠ ، الدرر اللوامع : ١ / ٦٨ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٥٣٥.

١٦١

فلا يجوز «جاء الّذي أنا أمس ضارب» ، أي : ضاربه ، بل يتعيّن ذكره (١).

واحترز بقوله : «ما بوصف» من الضمير المجرور بغير وصف ، فإنّه لا يجوز حذفه نحو «جاء الّذي أبوه ذاهب».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

كذا الّذي جرّ بما الموصول جر

كمرّ بالّذي مررت فهو بر

يعني : أنّ حذف الضمير العائد إلى الموصول إذا كان مجرورا بحرف الجرّ يكثر ، لكن بشروط :

الأوّل : أن يكون الموصول مجرورا بمثل ذلك الحرف الّذي جرّ به الضّمير لفظا ومعنى ، أو معنى فقط ، ولذا شذّ قول حاتم الطّائيّ (٢) :

(٣) ـ ...

وأيّ الدّهر ذو لم يحسدوني

فـ «أيّ» : استفهاميّة ، مبتدأ ، و «ذو» خبره ، وهي موصولة ، وجملة «لم يحسدوني» صلتها ، والعائد محذوف أي : فيه ، مع انتفاء خفض الموصول بـ «في».

__________________

(١) وذلك لأن المضاف وصف ماض ، وهو لا يعمل على الأصح ، وإذا كان لا يعمل فلا يجوز حذف العائد المجرور بإضافته إليه ، وذلك لأن الحذف إنما هو الكون المجرور منصوبا محلا ، وهو فيما ذكر غير منصوب محلا.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٨٢ ، الهمع : ١ / ٣١٠ ، حاشية الصبان : ١ / ١٧٢ ، شرح المرادي : ١ / ٢٥٤.

(٢) هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي ، أبو عدي ، وأبو سفانة ، شاعر فارس جواد جاهلي ، يضرب به المثل بجوده ، من أهل نجد ، زار الشام فتزوج ماوية بنت حجر الغسانية ، ومات في عوارض (جبل في بلاد طيء) سنة ٤٦ ق. ه ، له ديوان شعر ضاع معظمه.

انظر ترجمته في الأعلام : ٢ / ١٥١ ، نزهة الجليس : ١ / ٢٨٤ ، الخزانة : ٣ / ١٢٧ ، شواهد المغني : ١ / ٢٠٨ ، معجم المؤلفين : ٣ / ١٧٣.

٢٦ ـ عجز بيت من الوافر لحاتم (وليس في ديوانه) ، وصدره :

ومن حسد يجور عليّ قومي

الحسد : تمني زوال نعمة المحسود ، والجور : الظلم ، و «ذو» بمعنى «الذي» ، وهي «ذو» الطائية. والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٧ ، شرح الأشموني : ١ / ١٧٤ ، الشواهد الكبرى : ١ / ٤٥١ ، شرح المرادي : ١ / ٢٥٦ ، شرح التسهيل لابن مالك : ١ / ٢٣١ ، تفسير البحر المحيط : ٤ / ٤٤٧ ، أوضح المسالك : ٣٣.

١٦٢

الثّاني : أن يكون العامل في المجرورين متّفقا لفظا ومعنى ، ولذا شذّ قوله :

(١) ـ ...

وهو على من صبّه الله علقم

فالعائد محذوف ، أي : عليه ، مع اختلاف المتعلّق ، وهما : «صبّ ، وعلقم».

الثّالث : أن يكون العائد المجرور غير محصور ، فلا يحذف من نحو «مررت بالّذي ما مررت إلّا به».

الرّابع : ألّا (٢) يكون العائد المجرور نائبا عن الفاعل ، فلا يحذف من نحو «مررت بالّذي مرّ به».

الخامس : أن يكون العائد المجرور / متعينا للرّبط ، فلا يحذف من نحو «مررت بالّذي مررت به في داره».

السادس : ألّا يكون العائد المجرور حذفه ملبسا ، فلا يحذف من نحو «رغبت فيما رغبت فيه» لأنّه لا يعلم أنّ أصله : فيه ، أو عنه.

وقد نبّه على الشّرط الأوّل بقوله :

كذا الّذي جرّ بما الموصول جر

و (٣) على (الثّاني والثّالث) (٤) بالمثال ، وهو قوله :

 ...

كمرّ بالّذي ... البيت

__________________

(٢٧) ـ من الطويل ، يقال : إنه لرجل من همدان ، وصدره :

وإنّ لساني شهدة يشتفى بها

شهدة : بضم الشين ، العسل المشمع. قوله : «علقم» ـ بفتح العين ـ وهو الحنظل. يعني : إن لساني مثل العسل إذا تكلمت في حق من أحبه ، ولكنه مثل الحنظل على من أبغضه ، لأني أقدح فيه بالكلام. والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف ، وفيه شذوذ من وجه آخر وهو اختلاف متعلق الحرفين فإن «على» الظاهر يتعلق بقوله «علقم» ـ كما ذكر ـ ، و «على» المقدر يتعلق بقوله : «صبه».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٨ ، الشواهد الكبرى : ١ / ٤٥١ ، شرح ابن يعيش : ٣ / ٩٦ ، الخزانة : ٤ / ٢٦٦ ، مغني اللبيب (رقم) : ٧٩٧ ، الهمع (رقم) : ١٥٠ ، ١٧٣١ ، الدرر اللوامع : ١ / ٣٧ ، ٢ / ٢١٦ ، شرح الأشموني : ١ / ١٧٤ ، تاج علوم الأدب : ١ / ١٤٦ ، شرح التسهيل لابن مالك : ١ / ٢٣٢ ، شواهد المغني : ٢ / ٨٤٣ ، تفسير البحر المحيط : ٤ / ٤٤٦ ، شرح ابن الناظم : ٩٨ ، الجامع الصغير : ٣٥.

(١) في الأصل : أن. راجع التصريح : ١١ / ١٤٨.

(٢) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٠.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٠.

١٦٣

الباب السابع

المعرف بأداة التعريف

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

المعرّف بأداة التّعريف

أل حرف تعريف أو اللام فقط

فنمط عرّفت قل فيه النّمط

هذا هو النوع الخامس من المعارف ، والمراد بأداة التعريف : الألف واللام ، وهي على أربعة أقسام : للتّعريف ، وزائدة ، و (١) للمح الصّفة ، وللغلبة.

وقد أشار إلى الأوّل بقوله : «أل حرف تعريف» ، واختلف في آلة التّعريف :

فقيل : «أل» ، وهمزتها همزة قطع ، وحذفت في الوصل لكثرة الاستعمال وهو مذهب الخليل (٢).

وقيل : «أل» ، إلّا أنّ همزتها همزة وصل.

وقيل : اللام وحدها للتعريف ، فاجتلبت همزة الوصل للابتداء بالسّاكن.

وهذان القولان عن سيبويه (٣).

__________________

(١) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٠.

(٢) قال ابن مالك في شرح التسهيل (١ / ٢٨٥) : «على أن الصحيح عندي قول الخليل لسلامته من وجوه كثيرة مخالفة للأصل وموجبة لعدم النظائر : أحدها : تصدير الزيادة فيما لا أهلية فيه للزيادة وهو الحرف. الثاني : وضع كلمة مستحقة للتصدير على حرف واحد ساكن ، ولا نظير لذلك. الثالث : افتتاح حرف بهمزة وصل ، ولا نظير لذلك أيضا. الرابع : لزوم فتح همزة وصل بلا سبب ، ولا نظير لذلك أيضا». انتهى.

وانظر الكتاب : ٢ / ٦٣ ، ٦٤ ، ٢٧٣ ، شرح المكودي : ١ / ٧٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٨ ، المقتضب : ١ / ٢٢١ ، شرح الرضي : ٢ / ١٣١ ، شرح دحلان : ٣٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣١٩ ، المفصل : ٣٢٦ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٥٣٩ ، الهمع : ١ / ٢٧٢ ، جواهر الأدب : ٣٧٩ ، شرح التسهيل : ١ / ٢٨٤ ، التسهيل : ٤٢ ، البهجة المرضية : ٣٧.

وقد نقل ابن عصفور هذا القول عن ابن كيسان. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٨.

(٣) فعلى القول الأول يكون مذهب سيبويه كمذهب الخليل في كون حرف التعريف «أل» إلّا أن الخلاف بينهما في الهمزة ، فعند الخليل همزة قطع ، وعند سيبويه همزة وصل. قال سيبويه في الكتاب (٢ / ٣٠٨) : «وأل» تعرف الاسم في قولك : «القوم والرجل». وقال في

١٦٤

فقوله : «أل حرف تعريف» يفهم منه الأوّل والثّاني ، أي : هي حرف تعريف بجملتها مع كون الهمزة أصليّة أو زائدة.

وقوله : «أو اللام فقط» هذا هو القول الثّالث.

وأسقط مذهبا رابعا ، وهو أنّ المعرّف : الهمزة وحدها ، واللام زائدة للفرق / بينها (١) وبين همزة الاستفهام ، وهو قول المبرّد (٢). وقوله :

فنمط عرّفت قل فيه النّمط

أي : إذا أردت تعريف «نمط» (٣) أدخلت عليه «أل» فقلت : «النّمط» ،

__________________

(٢ / ٦٣) : «وزعم الخليل أن الألف واللام اللتين يعرفون بهما حرف واحد كـ «قد» وأن ليست واحدة منهما منفصلة من الأخرى كانفصال ألف الاستفهام في قوله : «أأريد» ، ولكن الألف كألف «أيم» في «أيم الله» وهي موصولة ، كما أن ألف «أيم» موصولة».

وانظر القول الأول من قولي سيبويه في التسهيل : ٤٢ ، شرح التسهيل لابن مالك : ١ / ٢٨٤ ، شرح دحلان : ٣٧ ، أوضح المسالك : ٣٣ ، البهجة المرضية : ٣٧ ، جواهر الأدب : ٣٧٩ ، شرح المكودي : ١ / ٧٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٨.

أما القول الثاني من قولي سيبويه فظاهر كلامه المتقدم يدل على أن هذا القول ليس له ، وقد نسب في شرح الأشموني : ١ / ١٧٧ لبعض النحاة ، ونسب في اللسان (لوم) لابن السكيت ، وفي التصريح : ١ / ١٤٨ ، «ونقله بعضهم عن الأخفش» وممن نسب هذا القول لسيبويه الزمخشري في مفصله : ٣٢٦ ، وابن يعيش في شرحه : ٩ / ١٧ ، والعصام في شرح الفريد : ٤٩٧ ، وابن مالك في شرح الكافية : ١ / ٣١٩ ، والمرتضى في التاج : ٢ / ٥٣٨ ، والرضي في شرحه : ٢ / ١٣٠ ، والسيوطي في الهمع : ١ / ٢٧٢ ، ودحلان في شرحه : ٣٨ ، وفيه : نسبة هذا القول لسيبويه وبعض المتأخرين ، وقال : «ونقل عن سيبويه قول آخر موافق لقول الخليل».

وانظر البهجة المرضية : ٣٨ ، شرح المكودي : ١ / ٧١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٨.

(١) في الأصل : بينهما. انظر التصريح : ١ / ١٤٨.

(٢) قال السيوطي في الأشباه والنظائر (٣ / ٥٦) : «ذكر المبرد في كتابه المسمى بالشافي : «أنّ حرف التعريف الهمزة المفتوحة وحدها ، وضم إليها اللام لئلا يشتبه التعريف بالاستفهام». انتهى.

وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٨ ، شرح الرضي : ٢ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، شرح الأشموني : ١ / ١٧٦ ـ ١٧٧ ، شرح دحلان : ٣٧.

وفي المقتضب قال المبرد (١ / ٨٣) : «ومن ألفات الوصل : الألف التي تلحق اللام للتعريف». وعلى هذا يكون مذهبه أقرب ما يكون إلى مذهب سيبويه المتقدم ، حيث جعل الألف للوصل.

(٣) في الأصل : بنمط. انظر شرح المكودي : ١ / ٧١.

١٦٥

والنّمط : قال الجوهريّ : ضرب من البسط (١) ، وقيل : جماعة من النّاس أمرهم واحد (٢) ، وقيل : الطّريق (٣).

قال الزّجّاج (٤) في حواشيه على ديوان الأدب : «وحمير يقلبون اللام ميما إذا كانت مظهرة ، كالحديث المرويّ ، إلّا أنّ المحدّثين أبدلوا في «الصّوم ، والسّفر» ، وإنّما الإبدال في «البرّ» فقط ، وربّما وقع في أشعارهم قلب اللام المدغمة :

(٥) ـ ...

يرمي ورائي بأمسهم وأمسلمه»

انتهى (٦).

__________________

(١) في الأصل : البط. انظر الصحاح : ٣ / ١١٦٥ (نمط) ، اللسان : ٦ / ٤٥٤٩ (نمط).

(٢) انظر الصحاح : ٣ / ١١٦٥ (نمط) ، اللسان : ٦ / ٤٥٤٩ (نمط).

(٣) انظر اللسان : ٦ / ٤٥٤٩ (نمط) ، شرح المكودي : ١ / ٧١.

(٤) في الأصل : الزجاجي. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٩ ، إرشاد الطالب النبيل (٨٠ / أ).

٢٨ ـ من المنسرح ، لبجير بن عنمة الطائي الجاهلي ، وصدره :

ذاك خليلي وذو يعاتبني

ويروى : «يواصلني» بدل «يعاتبني». والخليل : الصاحب. «ذو يعاتبني» أي : الذي يعاتبني ، والمعاتبة : مخاطبة الإدلال ، والاسم العتاب ، قال الشاعر :

ويبقى الودّ ما بقي العتاب

«بأمسهم» أي : بالسهم. «وأمسلمة» أي : والسلمة ، والسلمة ـ بكسر اللام ـ واحدة السّلام ، وهي الحجارة. والمعنى : هذا الرجل يعاتبني ، ويسلك طريق بقاء الود ، يدافع عنه مرة بالسهام ومرة بالسلام. قال العيني : «وركب ابن الناظم وأبوه أيضا صدر البيت على عجز بيت آخر ، فإن الرواية فيه :

وإنّ مولاي ذو يعيّرني

لا إحنة بيننا ولا جرمه

ينصرني منك غير معتذر

يرمي ورائي بأمسهم وأمسلمه

انتهى. ويروى أولهما : «يعاتبني» بدل «يعيرني» ، و «عنده» بدل «بيننا» ، وقال البغدادي عن روايته بـ «يعيرني» : «وهو غير مناسب». والمولى : ابن العم ، والناصر ، والحليف ، والمعتق ، والعتيق ، قال البغدادي : «والظاهر أن المراد أحد الثلاثة الأول». الإحنة : الضغينة والحقد. الجرمه : الجرم والذنب. وراء : من الأضداد ، بمعنى : قدام وخلف ، ويحتمل المعنيين هنا. والشاهد في قوله : «بأمسهم وأمسلمه» حيث أتى بالميم مكان لام التعريف على لغة حمير ، ويروى : «بالسهم والسلمة» ، وعليه فلا شاهد فيه هنا.

انظر شرح ابن يعيش : ٩ / ١٧ ، ٢٠ ، شواهد الشافية : ٤٥١ ، الشواهد الكبرى : ١ / ٤٦٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ١٦٥ ، شرح ابن الناظم : ٨٨ ، مغني اللبيب (رقم) : ٦٨ ، أبيات المغني : ١ / ٢٨٧ ، شواهد المغني : ١ / ١٥٩ ، الهمع (رقم) : ٢٢٠ ، الصحاح واللسان (سلم) ، الدرر اللوامع : ١ / ٥٣ ، شرح الأشموني : ١ / ١٥٧ ، الجنى الداني : ١٤٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٩ ، إرشاد الطالب النبيل : (٨٠ / ب).

(٥) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٩ ، إرشاد الطالب النبيل : (٨٠ / أ).

١٦٦

وأراد بالحديث المرويّ قوله عليه‌السلام : «ليس من البرّ الصّيام في السّفر» (١) أخرجه أحمد (٢) في مسنده ، وغيره.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وقد تزاد لازما كاللات

والآن والّذين ثمّ اللات

ولاضطرار كبنات الأوبر (٣)

كذا وطبت النّفس يا قيس السّرى

أشار بهذا إلى القسم الثّاني ، وهي الزائدة ، وذكر أنّ زيادتها على قسمين :

(الأوّل : زائدة) (٤) لازمة ، وذكر من ذلك أربعة مواضع :

ـ اللّات : وهو اسم صنم لثقيف بالطّائف (٥) ، وعن مجاهد (٦) : كان

__________________

(١) الحديث في مسند أحمد : ٣ / ٣١٩ ، سنن النسائي : ٤ / ١٧٦ ، ١٧٧ ، فتح الباري : ٤ / ١٨٤ ، سنن الدارمي : ١ / ٣٤٢ ، شرح السنة للبغوي : ٦ / ٣٠٨ ، سنن ابن ماجة رقم : ١٦٦٤ ، ١٦٦٥ ، سنن الترمذي : رقم : ٧١٠ ، مجمع الزوائد : ٣ / ١٦٤ ، تلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني : ٢ / ٥٠ ، ٢٠٤ ، كنز العمال رقم : ٢٣٨٤٣ ، ٢٣٨٤٥ ، وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٤٩. وروي : «ليس من امبر امصيام في امسفر» في مسند أحمد : ٥ / ٤٢٤ ، مجمع الزوائد : ٣ / ١٦٤ ، وأكثر ما اطلعت عليه من كتب النحو مروي فيها بهذه الرواية.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ١ / ١٦٤ ، الهمع : ١ / ٢٧٣ ، الإيضاح لابن الحاجب : ٢ / ٤٠٦ ، الجنى الداني : ١٤٠ ، سر الصناعة : ١ / ٤٢٣ ، المقرب : ٢ / ١٧٨ ، الإرشاد للكيشي : ٦ ، مغني اللبيب : ٧١ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ٢٠ ، قطر الندى : ١٥٨ ، شرح الرضي : ٢ / ١٣١.

(٢) هو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله حيان بن عبد الله الشيباني الوائلي المروزي البغدادي ، أبو عبد الله ، إمام المذهب الحنبلي وأحد الأئمة الأربعة المشهورين ، ولد في بغداد سنة ١٦٤ ، وتوفي فيها سنة ٢٤١ ه‍ ، له من الكتب : المسند (يحوي على نيف وأربعين ألف حديث) ، الناسخ والمنسوخ ، كتاب الزهد ، وغيرها.

(٣) في الأصل : الأبر. انظر الألفية : ٢٩.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر المكودي : ١ / ٧١.

(٥) قال الكلبي في كتاب الأصنام (١٦) : «واللات بالطائف وهي أحدث من مناة ، فكانت صخرة مربعة ، وكان يهودي يلت عندها السويق». وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٠ ، تفسير القرطبي : ١٧ / ٩٩ ، معاني الفراء : ٣ / ٩٨ ، تفسير البغوي : ٤ / ٢٤٩.

(٦) هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي ، مولى بني مخزوم ، تابعي ، مفسر ، من أهل مكة ، شيخ القراء والمفسرين ، ولد سنة ٢١ ه‍ ، وأخذ التفسير عن ابن عباس وتنقل في الأسفار واستقر بالكوفة ، وتوفي سنة ١٠٤ ه‍ (وقيل : ١٠٠ ه‍ ، وقيل : ١٠٢ ه‍) وقيل إنّه مات وهو ساجد.

انظر ترجمته في طبقات الفقهاء : ٤٥ ، طبقات القراء : ٢ / ٤١ ، صفة الصفوة : ٢ / ١١٧ ، ميزان الاعتدال : ٣ / ٩ ، الأعلام : ٥ / ٢٨٧ ، حلية الأولياء : ٣ / ٢٧٩.

١٦٧

رجلا (١) يلتّ السّويق بالطّائف ، وكانوا يعكفون على قبره ، فجعلوه وثنا (٢) ، وكانت / تاؤه مشدّدة فخفّفت ، فـ «أل» فيه زائدة لازمة ، لأنّه علم.

ـ والآن : علم على الزّمان الحاضر ، و «أل» فيه زائدة لازمة ، لم يستعمل في كلام العرب مجرّدا منها ، وهو (٣) مبنيّ لتضمنه معنى «أل» التي تعرّف بها. قال المكوديّ : وهذا من الغريب لكونهم جعلوه مضمّنا معنى «أل» ، وجعلوا «أل» الموجودة فيه زائدة (٤). انتهى. وهو قول الفارسيّ (٥).

وقيل : بني لتضمّنه معنى حرف الإشارة الّذي كان (٦) يستحقّ الوضع. قاله ابن مالك (٧).

__________________

(١) في الأصل : كا رجل. انظر التصريح : ١ / ١٥٠.

(٢) قال البغوي في تفسيره : وقرأ ابن عباس ومجاهد وأبو صالح : «اللات» ـ بتشديد التاء وقالوا : كان رجلا يلتّ السويق للحاج ، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه ، وقال مجاهد : كان في رأس جبل له غنيمة يسلأ منها السمن ويأخذ منها الأقط ، ويجمع رسلها ، ثم يتخذ منها حيسا. وقال الكلبي : كان رجلا من ثقيف يقال له : صرمه بن غنم ، وكان يسلأ السمن فيضعها على صخرة ثم تأتيه العرب فتلت به أسوقتهم ، فلما مات الرجل حولتها ثقيف إلى منازلها فعبدتها فعمدت الطائف على موضع اللات.

انظر تفسير البغوي : ٤ / ٢٤٩ ، تفسير الخازن : ٦ / ٢٦٢ ، كتاب الأصنام للكلبي : ١٦ ، تفسير القرطبي : ١٧ / ٩٩ ـ ١٠٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٠ ، معاني الفراء : ٣ / ٩٧ ـ ٩٨.

(٣) في الأصل : وهي. انظر شرح المكودي : ١ / ٧١.

(٤) زائدة لازمة. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٢ ، وانظر شرح دحلان : ٣٧ ، البهجة المرضية : ٣٧.

(٥) فاللام المضمنة عنده غير الموجودة ، أما الموجودة فزائدة ، إذ شرط اللام المعرفة أن تدخل على النكرات فتعرفها ، ولم يسمع «الآن» مجردا عنها ، وتابعه ابن الحاجب في الإيضاح ، وفي ابن يعيش (٤ / ١٠٤) : نسب هذا القول إلى جماعة ممن ينتمون إلى التحقيق والحذق بهذه الصناعة. وضعفه ابن مالك بأن تضمن اسم معنى حرف اختصارا ينافي زيادة ما لا يعتد به ، هذا مع كون المزيد غير المضمن معناه فكيف إذا كان إياه.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥١ ، الإنصاف : ٢ / ٥٢٣ ، اللسان (أين) ، شرح الرضي : ٢ / ١٢٦ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ٥١٥ ، الهمع : ٣ / ١٨٥ ، شرح دحلان : ٣٧ ، البهجة المرضية : ٣٧ ، جواهر الأدب : ٣٨٦.

(٦) في الأصل : كانا. انظر التصريح : ١ / ١٥١.

(٧) في التسهيل (٩٥) ، وهو قول الزجّاج ، ونسب للبصريين في الإنصاف ، ومعناه هذا الوقت.

ورد : بأن تضمين معنى الإشارة بمنزلة اسم الإشارة ، وهو لا تدخله «أل».

وانظر الإنصاف : ٢ / ٥٢١ ، الهمع : ٢ / ١٨٥ ، شرح ابن يعيش : ٤ / ١٠٣ ، شرح الرضي : ٢ / ١٢٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٥١ ، شرح الأشموني : ١ / ١٨١ ، تاج علوم الأدب : ١ / ٢٢٠ ، شرح دحلان : ٣٧ ، جواهر الأدب : ٣٨٥.

١٦٨

ـ والّذين : من الموصولات ، و «أل» فيه زائدة لازمة ، لأنّ تعريفه بالصّلة.

وقيل : «أل» فيه للتعريف ، وهو مذهب الفرّاء (١).

ـ واللاتي : جمع «الّتي» ، وهي مثل «الّذين» في أنّ «أل» فيه زائدة لازمة ، وتعريفه بالصّلة.

الثّاني : زائدة لضرورة الشّعر ، وذكر (من) (٢) ذلك لفظين :

الأوّل : بنات الأوبر ، وأشار بذلك إلى قول الشّاعر :

٢٢ ـ ...

ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

أراد : بنات أوبر ، وهو علم على نوع من الكمأة ، وهو كمأة صغار مزغبة رديئة الطّعم ، وهي أوّل الكمأة (٤).

وقيل : مثل الكمأة ، وليست كمأة (٥).

__________________

(١) انظر شرح المكودي : ١ / ٧٢ ، الأزهية : ٢٩١ ، وانظر شرح الرضي : ٢ / ٣٩ ـ ٤٠.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٢.

٢٩ ـ من الكامل ، لم يعرف له قائل ، وصدره :

ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا

جنيتك : أي : جنيت لك. عساقلا : جمع عسقول وعسقل وعسقولة ، وهو ضرب من الكمأة بيض. وقيل : هي الكمأة التي بين البياض والحمرة ، وقيل : هي أكبر من الفقع وأشد بياضا واسترخاء. والشاهد في قوله : «الأوبر» حيث أدخل «أل» عليه ضرورة ، ووجه احتياج الشاعر إلى «أل» أنّ الراء في جميع قوافي القصيدة مكسورة ، ولو حذف «أل» من الأوبر لفتحت راؤه لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والوزن ، فإن جزء العلم علم على الأصح فتختل القافية.

وقال المبرد : إنه ليس بعلم بل هو نكرة ، فالألف واللام عنده غير زائدة بل معرفة فحينئذ لا شاهد فيه.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥١ ، الشواهد الكبرى : ١ / ٤٩٨ ، المقتضب : ٤ / ٤٨ ، الخصائص : ٣ / ٥٨ ، المنصف : ٣ / ١٣٤ ، المحتسب : ٢ / ٢٢٤ ، الإنصاف : ٣١٩ ، ٧٢٦ ، شرح ابن يعيش : ٥ / ٧١ ، مغني اللبيب (رقم) : ٧٥ ، ٤٠٢ ، شرح الأشموني : ١ / ١٧٢ ، أبيات المغني : ١ / ٣٠٠ ، ٤ / ٣٢٨ ، اللسان : (وبر ، عسقل) ، شرح ابن عقيل : ١ / ٨٦ ، شواهد الجرجاوي : ٢٧ ، المكودي مع ابن حمدون : ٧٢ ، شواهد العدوي : ٢٧ ، مجالس ثعلب : ٢ / ٥٥٦ ، شرح ابن الناظم : ١٠١ ، شرح المرادي : ١ / ٢٦٣ ، شواهد المغني : ١ / ١٦٦ ، البهجة المرضية : ٣٨ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ١٣٩ ، كاشف الخصاصة : ٤٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٢٥ ، شرح التسهيل لابن مالك : ١ / ٢٩١ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ٨٦ ، فتح رب البرية : ١ / ١٥٤.

(٣) انظر اللسان : ٦ / ٤٧٥٢ (وبر) ، شرح ابن الناظم : ١٠١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٥١ ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ٧٢.

(٤) انظر اللسان : ٦ / ٤٧٥٢ (وبر) ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٥١ ، حاشية ابن حمدون ٢ / ٧٢.

١٦٩

والثّاني : طبت النّفس ، وأشار بذلك إلى قول رشيد اليشكريّ (١) :

(٢) ـ ...

 ... وطبت النّفس يا قيس عن عمرو

أراد : وطبت نفسا ، فأدخل «أل» على التمييز ضرورة ، لأنّ التمييز لا يكون إلّا نكرة عند البصريين (٣) /.

وتمّم البيت بـ «السّريّ» ، وهو الشّريف (٤).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

__________________

(١) ذكر هذا الشاعر في بعض المراجع باسم «رشيد» ، وفي بعضها الآخر باسم «راشد» ، ولعل هذا الأخير هو الصواب والأول تحريف ، حيث أن كل من ترجم له ذكره باسم راشد. وهو راشد بن شهاب بن عبدة بن عصم بن عامر بن يشكر بن بكر بن وائل ، شاعر جاهلي ، كان سيد قبيلته ، عاش في أواخر القرن السادس الميلادي ، وأوائل القرن الأول الهجري السابع الميلادي.

انظر ترجمته في تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين (المجلد الثاني ، الجزء الثاني) : ٩٣ ، جمهرة النسب للكلبي : ٥٦٢ ، الأعلام : ٣ / ١٢ ، هامش المفضليات : ٣٠٧.

(٣٠) ـ من الطويل لراشد (أو رشيد) اليشكري من قصيدة له يخاطب بها قيس بن مسعود بن قيس ابن خالد اليشكري ، وتمامه :

رأيتك لمّا أن عرفت وجوهنا

صددت وطبت النّفس يا قيس عن عمرو

ويروى :

رأيتك لمّا أن عرفت جلادنا

رضيت وطبت النّفس يا بكر عن عمرو

أراد بالوجوه الأنفس والذوات من قبيل إطلاق اسم جزء الشيء على كله ، ويجوز أن يكون المراد من الوجوه : الأعيان منهم. صددت : أعرضت. طبت : رضيت. والمعنى : أبصرتك يا قيس حين عرفت أعياننا أعرضت عنا وطابت نفسك من قبلنا عن عمرو صديقك الذي قتلناه ، أي : تسليت عن قتله. والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف.

انظر المفضليات : ٣١٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٥١ ، ٣٩٤ ، الشواهد الكبرى : ١ / ٥٠٢ ، ٣ / ٢٢٥ ، الهمع (رقم) : ٢٢٣ ، الدرر اللوامع : ١ / ٥٣ ، ٢٠٩ ، شرح الأشموني : ١ / ١٨٢ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٨٦ ، شواهد الجرجاوي : ٢٧ ، البهجة المرضية : ٣٨ ، ٩٣ ، توجيه اللمع : ٣٨٤ ، شواهد العدوي : ٢٧ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٧٢ ، شرح ابن الناظم : ١٠٢ ، شرح المرادي : ١ / ٢٦٤ ، كاشف الخصاصة : ٤٨ ، جواهر الأدب : ٣٩٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٢٤ ، شرح التسهيل لابن مالك : ١ / ٢٩٢ ، الجامع الصغير : ٤٠ ، شرح قصيدة بانت سعاد لابن هشام : ٢٧٣ ، فتح رب البرية : ١ / ١٥٥ ، ٢ / ١٨٩.

(٢) وذهب الكوفيون وابن الطراوة إلى جواز تعريف التمييز متمسكين بنحو ذلك.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٩٤ ، الهمع : ٤ / ٧٢ ، شرح المرادي : ٢ / ١٧٥ ، شرح الرضي : ١ / ٢٢٣ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٨١.

(٣) انظر اللسان : ٣ / ٢٠٠١ (سرا) ، شرح المكودي : ١ / ٧٢.

١٧٠

وبعض الأعلام عليه دخلا

للمح ما قد كان عنه نقلا

كالفضل (١) والحارث والنّعمان

فذكر ذا وحذفه سيّان

أشار بهذا إلى القسم الثّالث من أقسام «أل» ، وهي الّتي للمح الصّفة فذكر أنّ «أل» دخلت على بعض الأعلام للمح الأصل الذي كانت عليه قبل نقلها للعلمية ، وذكر لذلك ثلاثة أمثلة :

الأوّل : الفضل ، وهو منقول من المصدر ، فإنّه في الأصل : «فضل يفضل فضلا» ، إذا صار ذا فضل (٢).

والثّاني : الحارث ، وهو منقول من اسم الفاعل.

والثالث : النّعمان ـ بضمّ النّون ـ ، فإنّه في الأصل اسم للدّم ـ بتخفيف الميم ـ ، ومنه سمّيت (٣) شقائق النّعمان ، لشبه لونها في حمرته بالدّم (٤). وقوله :

فذكر ذا وحذفه سيّان

يعني : أنّه يجوز أن تأتي بهذه الأسماء التي ذكرت (٥) مقترنة بـ «أل» ومجرّدة منها.

وفهم من قوله : «وبعض الأعلام» أنّ ذلك لا يكون في جميع الأعلام ، لأنّ هذا الباب سماعيّ ، فلا يجوز في «محمّد» أن يقال : (المحمّد) (٦) حال العلمية ، لأنّه لم يسمع (٧) ، واللغة لا تثبت (٨) بالقياس.

وفهم من قوله : «نقلا» أنّ ذلك لا يكون في الأعلام المرتجلة.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وقد يصير علما بالغلبه

مضاف أو مصحوب أل كالعقبه

__________________

(١) في الأصل : فالفضل. انظر الألفية : ٣٠.

(٢) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٢ ، اللسان : ٥ / ٣٤٢٨ (فضل).

(٣) في الأصل : سمعت. انظر التصريح : ١ / ١٥٢.

(٤) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٢ ، اللسان : ٦ / ٤٤٨٤ (نعم).

(٥) في الأصل : ذكر. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٣.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٥٢.

(٧) في الأصل : يستمع. انظر التصريح : ١ / ١٥٢.

(٨) في الأصل : ثبت. انظر التصريح : ١ / ١٥٢.

١٧١

أشار بهذا إلى القسم الرّابع من أقسام «أل» ، وهي الّتي للغلبة ، وذو الغلبة : هو كلّ اسم اشتهر (به) (١) بعض ما له معناه ، وهو على ضربين :

مضاف : كـ «ابن عمر» ، والمراد به : عبد الله بن عمر بن الخطّاب (٢) ، و «ابن الزّبير» ، والمراد به : عبد الله بن الزّبير (٣).

وذو الأداة : كـ «العقبة» ، وهي في الأصل اسم لكلّ طريق صاعد في الجبل ، ثمّ اختصّ بـ «عقبة منى» (٤) التي تضاف إليها الجمرة (فيقال : جمرة) (٥) العقبة (٦) ، قاله الشّاطبيّ (٧). وقيل : عقبة أيلة (٨).

وك «الأعشى» ، فإنّه في الأصل لكلّ ما لا يبصر ليلا ، ثمّ غلب على «أعشى همدان» (٩) ونحوه.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٣.

(٢) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي ، أبو عبد الرحمن ، صحابي جليل ، ولد سنة ١٠ ق. ه ، ونشأ في الإسلام وهاجر إلى المدينة مع أبيه ، وشهد فتح مكة ، وغزا إفريقية مرتين ، وكف بصره في آخر حياته وتوفي سنة ٧٣ ه‍ ، وله في كتب الحديث ٢٦٣٠ حديثا.

(٣) هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي ، أبو بكر ، فارس قريش في زمنه ، ولد في السنة الأولى للهجرة وشهد فتح إفريقية في زمن عثمان ، وبويع له بالخلافة سنة ٦٤ ه‍ ، وكانت له مع الأمويين وقائع انتهت بقتله سنة ٧٣ ه‍ ، له في كتب الحديث ٣٣ حديثا.

(٤) منى : في درج الوادي الذي ينزله الحاج ويرمي فيه الجمار من الحرم ، سمي بذلك لما يمني فيه من الدماء ، أي : يراق ، وهي في داخل الحرم ، وفيه أبنية ومنازل تسكن أيام الموسم ، فتصير كالبلدة ، وتخلو بقية أيام السنة إلا ممن يحفظها فتصير كالقرية. انظر معجم البلدان : ٥ / ١٩٨ ، مراصد الاطلاع : ٣ / ١٣١٢.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٥٣.

(٦) وهي الجمرة الكبرى ، وهي موضع رمي الجمار بمنى ، قال الداودي : وجمرة العقبة في آخر منى مما يلي مكة ، وليست العقبة التي نسبت إليها الجمرة من منى. انظر معجم ما استعجم : ٢ / ٣٩٢ ، معجم البلدان : ٢ / ١٦٢.

(٧) قال الشاطبي في شرح الألفية (١ / ١٣٥ ـ أ) : «ومثال الثاني : العقبة ، وهو مثاله ، فإن العقبة اسم لكل طريق صاعد في الجبل ، ثم اختصت بعقبة منى التي تضاف إليها الجمرة ، فيقال : جمرة العقبة». وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٣.

(٨) أيلة : موضع بـ «رضوى» وهو جبل ينبع بين مكة والمدينة. وأيلة أيضا : مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام.

انظر معجم البلدان : ١ / ٢٩٢ ، تقويم البلدان : ٨٧ ، مراصد الاطلاع : ١ / ١٣٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٣.

(٩) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث بن نظام بن جشم الهمداني ، شاعر اليمانيين بالكوفة وفارسهم في عصره ، ويعد من شعراء الدولة الأموية ، وهو أحد الفقهاء القراء ، قاتل الحجاج

١٧٢

وهذا النوع معرّف قبل الغلبة بالإضافة و «أل» ، ثمّ غلبت عليه الشّهرة ، فصار علما ، وألغي التّعريف السّابق.

وإنّما ذكر النّاظم المضاف في هذا الفصل ، وليس من الباب ، لاشتراكه في الغلبة مع ذي الأداة.

وفهم من قوله : «وقد يصير علما» أنّ العلمية طرأت عليه ، وأنّ التّعريف بالإضافة والأداة سابق للعلمية.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وحذف أل ذي إن تناد أو تضف

أوجب وفي غيرهما قد تنحذف

يعني : أنّ «أل» الّتي للغلبة إن نودي ما هي فيه ، أو أضيف إلى ما بعده ـ وجب حذفها ، فمثال المنادى : «يا أعشى» ، ومثال / المضاف : «يا أعشى (١) باهلة» (٢) ـ بموحّدة ـ : قبيلة من قيس عيلان ـ بعين مهملة (٣) ـ.

وقوله : «وفي غيرهما قد تنحذف» يعني : أنّ «أل» المذكورة تحذف في غير النّداء والإضافة ، وفهم من قوله : «قد» (٤) قلّة ذلك ، ومن حذفها في غيرهما قولهم : «هذا يوم اثنين مباركا فيه» ، حكاه سيبويه (٥).

__________________

بعد استيلائه على سجستان ، فوقع أسيرا فقدم إلى الحجاج فأمر بضرب عنقه سنة ٨٣ ه‍ ، وأخباره كثيرة.

انظر ترجمته في الأغاني : ٥ / ١٣٨ ، المؤتلف والمختلف : ١٤ ، الأعلام : ٣ / ٣١٢.

(١) في الأصل : يا ساقطة. انظر التصريح : ١ / ١٥٤.

(٢) هو عامر بن الحارث بن رياح الباهلي من همدان ، شاعر جاهلي ، يكنى أبا قحطان ، أشهر شعر له رائية في رثاء أخيه لأمه المنتشر بن وهب ، أوردها البغدادي في الخزانة.

انظر ترجمته في الأعلام : ٣ / ٢٥٠ ، الخزانة : ١ / ١٨٧ ، سمط اللآلئ : ٧٥ ، المؤتلف والمختلف : ١٤.

(٣) من العدنانية ، وهم بنو سعد مناة بن مالك بن أعسر ، واسمه منبه بن سعد بن قيس عيلان ، وكانوا يقطنون باليمامة. وباهلة : أم سعد مناة ، عرفوا بها ، وهي باهلة بنت صعب بن سعد العشيرة من مذحج.

انظر معجم قبائل العرب : ١ / ٦٠ ، صبح الأعشى : ١ / ٣٤٣ ، نهاية الأرب للقلقشندي : ١٧٠.

(٤) في الأصل : وقد. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٢.

(٥) أصله : «يوم الإثنين» وهو من إضافة المسمى إلى الاسم.

انظر الكتاب : ٢ / ٤٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٤ ، شرح الرضي : ٢ / ١٣٦ ، شرح المرادي : ١ / ٢٦٧ ، شرح دحلان : ٣٩ ، شرح ابن الناظم : ١٠٤ ، حاشية الصبان : ١ / ١٨٦.

١٧٣

ومجيء الحال منه في الفصيح يوضّح فساد قول المبرّد في جعله (١) «أل» في «الاثنين» وسائر الأيام للتعريف ، فإذا زالت صارت نكرات (٢).

والصّحيح عند الجمهور : أنّ أسماء الأيّام أعلام (٣) توهّمت فيها الصّفة ، فدخلت عليها «أل» ، كـ «الحارث» ، ثمّ غلبت ، فصارت كـ «الدّبران» (٤).

__________________

(١) في الأصل : جملة. انظر التصريح : ١ / ١٥٤.

(٢) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٤ ، شرح المرادي : ١ / ٢٧٦ ، الهمع : ١ / ٢٥٥ ، إرشاد الطالب النبيل (٨٤ / أ) ، شرح الرضي : ٢ / ١٣٦.

(٣) فـ «السبت» مشتق من معنى : القطع ، و «الجمعة» من الاجتماع ، وباقيهما من الواحد والثاني والثالث والرابع والخامس. انظر الهمع : ١ / ٢٥٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٤.

(٤) والدّبران : خمسة كواكب من الثور ، ويقال : إنه سنامه ، وهو من منازل القمر ، وقيل : نجم بين الثريا والجوزاء ، ولزمته اللام لأنهم أرادوا فيها معنى الصفة ، فهو مأخوذ من «دبر» إذا تأخر بمعنى : الدابر ، والعرب تزعم أن «الدبران» يتبع الثريا خاطبا لها.

انظر اللسان (دبر) ، الكتاب : ١ / ٢٦٧ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٤٢.

١٧٤

الباب الثامن

المبتدأ والخبر

ثمّ قال (١) رحمه‌الله تعالى :

المبتدأ والخبر

مبتدأ زيد وعاذر خبر

إن قلت زيد عاذر من اعتذر

المبتدأ هو الاسم ، صريحا أو مؤوّلا ، مجرّدا عن العوامل اللفظيّة غير المزيدة ، مخبرا عنه ، أو وصفا رافعا لمكتفى به (٢).

فالاسم الصريح نحو «الله ربّنا ، ومحمّد نبيّنا» ، والمؤوّل نحو (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٤] ، أي : وصيامكم خير لكم.

وخرج بقولنا : «مجرّدا عن العوامل اللّفظيّة» اسم «كان» وأخواتها ، وما أشبهه ، ولمّا كان شاملا لما دخل عليه حرف زائد ، أخرجناه بقولنا / : «غير المزيدة» (٣) نحو (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [فاطر : ٣] ، فـ «خالق» مبتدأ ، وإن كان مجرورا بـ «من» ، لأنّ وجود الحرف الزّائد كلا وجود.

وخرج بقولنا : «مخبرا عنه أو وصفا» نحو «نزال» من أسماء (٤) الأفعال ،

__________________

(١) في الأصل : ثم قال. مكرر.

(٢) وفي التعريفات : المبتدأ هو الاسم المجرد عن العوامل اللفظية مسندا إليه ، أو الصفة الواقعة بعد ألف الاستفهام أو حرف النفي رافعة لظاهر ، نحو «زيد قائم ، وأقائم الزيدان ، وما قائم الزيدان». وعرفه الناظم في الكافية بقوله :

المبتدا مرفوع معنى ذو خبر

أو وصف استغنى بفاعل ظهر

وفي شرح ابن عصفور : الابتداء هو جعل الاسم أول الكلام لفظا أو تقديرا ، معرى عن العوامل اللفظية لتخبر عنه.

انظر في ذلك شرح المكودي : ١ / ٧٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٤ ، شرح الرضي : ١ / ٨٥ ، شرح الأشموني : ١ / ١٨٨ ، التعريفات للجرجاني : ١٩٧ ، شرح المرادي : ١ / ٢٦٨ ، معجم مصطلحات النحو : ٥٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٣٠ ، الهمع : ٢ / ٥ ، حاشية الخضري : ١ / ٨٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٤٠.

(٣) في الأصل : المزيد.

(٤) في الأصل : السما. انظر التصريح : ١ / ١٥٦.

١٧٥

فإنّه لا مخبر عنه ولا وصف ، فلا يكون مبتدأ ، بناء على أنّ اسم الفعل لا محلّ له من الإعراب ، وهو الأصحّ (١).

وخرج بقولنا : «رافعا لمكتفى به» نحو «أقائم أبواه زيد» ، فإنّ المرفوع بالوصف ـ وهو أبواه ـ غير مكتفى به في حصول الفائدة ، مع قطع النّظر عن «زيد» ، فيكون «زيد» مبتدأ مؤخّرا ، والوصف خبرا مقدّما (٢) ، و «أبواه» فاعله.

وقد فهم من هذا الحدّ أنّ المبتدأ على قسمين : ذو خبر ، ووصف رافع لما يغني عن الخبر ، وقد أشار إلى الأوّل بقوله :

مبتدأ زيد ...

 ... البيت

فاكتفى عن الحدّ بالمثال.

فـ «زيد» من قولك : «زيد عاذر من اعتذر» مبتدأ ، و «عاذر» من المثال المذكور خبره ، و «من اعتذر» تتميم للبيت.

ثمّ قال رحمه‌الله :

وأوّل مبتدأ والثّاني

فاعل اغنى في أسار ذان

وقس وكاستفهام النّفي وقد

يجوز نحو فائز أولو الرّشد

أشار بهذا إلى النّوع الثّاني من المبتدأ ، يعني : أنّك إذا قلت : «أسار ذان» ، فالأوّل الذي هو «سار» مبتدأ ، والثّاني الذي / هو «ذان» فاعل أغنى عن الخبر ، فـ «سار» اسم فاعل من «سرى» ، و «ذان» تثنية «ذا» (٣).

__________________

(١) وهذا بناء على القول بأن أسماء الأفعال أسماء لألفاظ الأفعال أو بأنها أفعال حقيقة ، وهو قول الأخفش وطائفة واختاره ابن مالك. وعلى القول بأنها أسماء لمعاني الأفعال ، فموضعها رفع بالابتداء ، وأغنى مرفوعها عن الخبر ، وهو مذهب بعض النحويين. وعلى القول بأنها أسماء للمصادر النائبة عن الأفعال فموضعها نصب بأفعالها النائبة عنها ، لوقوعها موقع ما هو في موضع نصب ، وهو قول المازني وطائفة. قال الأزهري : والصحيح أنّ كلا منها اسم لفعل وأنه لا موضع لها من الإعراب. ومن ذهب إلى أن أسماء الأفعال أسماء للألفاظ النائبة عن الأفعال هم جمهور البصريين ، ومن ذهب إلى أنها أسماء لمعاني الأفعال من الحدث والزمان هو صاحب البسيط ، ونسبه لظاهر قول سيبويه والجماعة ، ومن ذهب إلى أنها أسماء للمصادر النائبة عن الأفعال هم طائفة من البصريين ، ومن ذهب إلى أنها أفعال حقيقة هم الكوفيون.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٧ ، ٢ / ١٩٥ ، شرح المرادي : ٤ / ٧٥ ، شرح الأشموني : ٣ / ١٩٥ ـ ١٩٦ ، حاشية الخضري : ٢ / ٨٩ ، الهمع : ٥ / ١٢١ ، شرح الرضي : ٢ / ٦٧ ، شرح ابن يعيش : ٤ / ٢٥.

(٢) في الأصل : فيكون زيد مبتدأ مؤخر ، والوصف خبر مقدم.

(٣) في الأصل : ذان. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٥.

١٧٦

وإنّما (لم) (١) يحتج هذا النّوع من المبتدأ إلى الخبر ، لأنّه بمنزلة الفعل ، واكتفى بمرفوعه.

وقوله : «وقس» أي : على هذين المثالين ، وهما : «زيد عاذر» و «أسار ذان» ، لكن قياسك على الثّاني لا بدّ أن تراعي فيه تقدّم الاستفهام.

وقوله : «وكاستفهام النّفي» يعني : أنّ النّفي مثل الاستفهام في وقوع الوصف المذكور بعده.

ودخل في الاستفهام : الاستفهام بالحرف ، كما مثّله النّاظم بقوله : «أسار ذان» ، والاستفهام بالاسم نحو «كيف جالس العمران».

وفي النّفي : (النّفي) (٢) بالحرف نحو قوله :

٣١ ـ خليليّ ما واف بعهدي أنتما

 ...

وبالفعل ، نحو «ليس قائم الزّيدان» ، وبالاسم ، نحو «غير قائم الزّيدان».

وقوله :

 ... وقد

يجوز (نحو) (٤) فائز أولو الرّشد

يعني : أنّ هذا الوصف المذكور قد يأتي غير معتمد على نفي ولا استفهام.

وفهم من قوله : «قد يجوز» قلّة ذلك ، وهو مذهب الأخفش والكوفيّين (٥) ، ثمّ مثّل ذلك بقوله : «فائز أولو الرّشد».

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٥.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

٣١ ـ من الطويل ، لم أعثر على قائله ، وعجزه :

إذا لم تكونا لي على من أقاطع

واف : اسم فاعل من وفى. أقاطع : أهجر. والشاهد في قوله : «واف» حيث رفع «أنتما» وقد اعتمد على النفي ، وإنما اشترط تقدم الاستفهام أو النفي على الوصف لأنه فرع في العمل عن الفعل ، والفرع لا يقوى قوة الأصل ، فاحتاج إلى ما يزيده قربا من الفعل ، فأتى بالاستفهام أو النفي ، لأن الغالب فيهما أن يدخلا على الفعل.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٧ ، الشواهد الكبرى : ١ / ٥١٦ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٧٥ ، مغني اللبيب (رقم) : ٩٥٨ ، شذور الذهب : ١٨٠ ، شواهد الفيومي : ٦١ ، الهمع (رقم) : ٣١١ ، الدرر اللوامع : ١ / ٧١ ، شرح الأشموني : ١ / ١٩١ ، شرح ابن الناظم : ١٠٦ ، شواهد المغني : ٢ / ٨٩٨.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر الألفية : ٣١.

(٤) ويكون المسوغ للابتداء به مع أنه نكرة ـ عمله في المرفوع بعده ، لاعتماده على المسند إليه ، وهو المرفوع ، كما قال الصبان. قال ابن مالك : ومن شواهد استعمال ذلك قول بعض الطائيين :

١٧٧

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والثّان مبتدأ وذا الوصف خبر

إن في سوى الإفراد طبقا استقر

يعني : أنّ الوصف المذكور إذا كان مطابقا لمرفوعه في غير الإفراد ـ وهو التثنية والجمع ـ جعل الثّاني ـ وهو الذي كان مرفوعا بالوصف / ـ مبتدأ ، وجعل الوصف خبرا مقدما ، وذلك نحو «أقائمان (١) الزّيدان ، وأقائمون (٢) الزّيدون» ، فـ «الزّيدان ، والزّيدون» مبتدآن خبرهما «قائمان ، وقائمون» ، ولا يجوز أن يكون الوصف المذكور مبتدأ في هذين المثالين لتحمله ضمير الاسم الذي بعده ، وهذا الوصف جار مجرى الفعل ، فلا يثنّى ولا يجمع.

وفهم من قوله : «في (٣) سوى الإفراد» أنّ المطابق (٤) في الإفراد لا يتعيّن فيه كون الثّاني مبتدأ والوصف خبرا ، بل يجوز فيه الوجهان ، وذلك نحو (أَراغِبٌ)(٥) أَنْتَ [مريم : ٤٦] ، فيجوز في «راغب» أن يكون خبرا مقدما ، وأن يكون مبتدأ ، «وأنت» فاعل سدّ مسدّ الخبر ، فإن رجح الأول بأنّ الأصل في المقدّم الابتداء ، عورض بأنّ الأصل في الوصف الخبريّة ، فلمّا تعارض الأصلان تساقطا.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ورفعوا مبتدأ بالابتدا

كذاك رفع خبر بالمبتدا

يعني : أنّ الرّافع للمبتدأ هو الابتداء (٦) ، و (٧) هو التّجرّد عن العوامل اللفظية للإسناد (٨).

__________________

خبير بنو لهب فلا تك ملغيا

مقالة لهبيّ إذا الطّير مرّت

وأجيب بأن «خبير» خبر مقدم ، ولم يطابق ، لأن باب «فعيل» لا يلزم فيه المطابقة.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٧ ، شرح الأشموني : ١ / ١٩٢ ، حاشية الصبان : ١ / ١٩٢ ، شرح الرضي : ١ / ٨٧ ، شرح المرادي : ١ / ٢٧١ ، الهمع : ٢ / ٦ ـ ٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٣٣.

(١) في الأصل : قائمان. انظر المكودي بحاشية الملوي : ٣١.

(٢) في الأصل : قائمون. انظر المكودي بحاشية الملوي : ٣١.

(٣) في الأصل : من. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٦.

(٤) في الأصل : الطابق. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٦.

(٥) في الأصل : راغب. انظر شرح المكودي : ١ / ٧٦.

(٦) هذا مذهب سيبويه وأكثر البصريين. وذهب الكوفيون إلى أنّ الرافع له الخبر وأنّ المبتدأ والخبر يترافعان. وقيل : الرافع له التهمم والاعتناء ، وتهممك واعتناؤك به هو جعلك له أولا لفظا أو نية. وقيل : الرافع له شبهه بالفاعل من أنه مخبر عنه كالفاعل ، ولا يستغنى عن الخبر ،

١٧٨

واحترز بهذا القيد عن الأعداد المسرودة ، نحو «واحد ، اثنان ، ثلاثة» ، فإنّها وإن تجرّدت فلا إسناد معها ، فليست مبتدآت ، وإثبات الألف في «اثنان» من استعمال الشّيء في أول أحواله.

والرّافع للخبر هو المبتدأ عند سيبويه (١) ، وإليه ذهب النّاظم (٢) ، لا الابتداء كما قال ابن السّرّاج ، وصحّحه أبو البقاء (٣) ، ولا هما ، كما / ذهب إليه بعض

__________________

كما لا يستغني الفاعل عن خبره وهو الفعل. وقيل : إنّه ارتفع لتعريه من العوامل اللفظية.

انظر الكتاب : ١ / ٢٧٨ ، الإنصاف : ١ / ٤٤ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، شرح الرضي : ١ / ٨٧ ، الهمع : ٢ / ٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٥٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٩١ ، شرح الأشموني : ١ / ١٩٣ ، الأصول لابن السراج : ١ / ٥٨ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٤١ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٨٤.

(٧) في الأصل : الواو. ساقط. انظر التصريح : ١ / ١٥٨.

(٨) وفسره الجزولي بجعل الاسم في صدر الكلام لفظا أو تقديرا للإسناد إليه ، أو لإسناده حتى يسلم من الاعتراض بأن التجريد أمر عدمي فلا يؤثر. انظر شرح الرضي : ١ / ٨٧ ، الهمع : ٢ / ٩.

(١) وهو مذهب ابن جني والأخفش والرماني ، وذلك لأن أصل العمل للطالب ، والمبتدأ طالب للخبر ـ من حيث كونه محكوما به له ـ طلبا لازما ، كما أنّ فعل الشرط لما كان طالبا للجواب عمل فيه عند طائفة وإن كان الفعل لا يعمل في الفعل.

انظر الكتاب : ١ / ٢٧٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٨ ، الإنصاف : ١ / ٤٤ ، الهمع : ١ / ٨ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٤٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٣٤ ، شرح دحلان : ٤٠ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٨٥ ، البهجة المرضية : ٤٠.

(٢) واختاره المرادي وابن عقيل. انظر شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٣٤ ، شرح المرادي : ١ / ٢٧٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٩١ ، ٩٢.

(٣) وهو مذهب الصيمري ، وبه قال الزمخشري والجزولي ، وحجة من قال به : أنّ الابتداء رفع المبتدأ ، فيجب أن يرفع الخبر ، لأنه مقتضي لهما ، فهو كالفعل لما عمل في الفاعل ـ عمل في المفعول.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٩ ، إرشاد الطالب النبيل (٨٨ / ب) ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٥٧ ، التبصرة والتذكرة : ١ / ١٠٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٩١ ، الهمع : ٢ / ٨ ، الإنصاف : ١ / ٤٤ ، شرح الرضي : ١ / ٨٧ ، شرح دحلان : ٤٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٣٤ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٨٥ ، البهجة المرضية : ٤٠.

وأبو البقاء هو عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين العكبري البغدادي النحوي الضرير ، عالم بالنحو واللغة ، ولد سنة ٥٣٨ ه‍ (وقيل : ٥٣٩ ه‍) ، وأخذ عن ابن الخشاب وغيره ، وتوفي سنة ٦١٦ ه‍ ، من آثاره : إعراب القرآن (إملاء ما منّ به الرحمن) ، إعراب الحديث ، وغيرهما.

انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٢٨١ ، الأعلام : ٤ / ٨٠ ، معجم المؤلفين : ٦ / ٤٦.

١٧٩

البصريّين (١) ، وعن الكوفيّين أنّ المبتدأ والخبر كلّ منهما رفع الآخر (٢) ، وهذه (٣) الأقوال كلّها ضعيفة ووجه ضعفها مذكور في المطوّلات (٤).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والخبر الجزء المتمّ الفائده

كالله برّ والأيادي شاهده

يعني : أنّ الخبر هو الجزء الذي تمّت به أو بمتعلّقه (٥) الفائدة التّامة ، مع مبتدأ غير الوصف المذكور.

فخرج بذكر المبتدأ فاعل الفعل نحو «زيد» من قولك : «قام زيد» ، فإنّه وإن حصلت به الفائدة ، لكنّه ليس (مع) (٦) المبتدأ ، بل مع الفعل.

وخرج بقولنا : «غير الوصف المذكور» فاعل الوصف المذكور ، نحو «الزّيدان» من قولك «أقائم (٧) الزّيدان» ، فإنّه وإن حصلت به الفائدة ، لكنّه ليس

__________________

(١) وعليه المبرد ، وإليه ذهب ابن السراج في الأصول ، وحجة القائلين به : أن الابتداء عامل ضعيف فقوي بالمبتدأ ، كما قوي حرف الشرط بفعله حين عملا جميعا في الجزاء عند طائفة. وعلى هذا هل العامل مجموع الأمرين أو الابتداء بواسطة المبتدأ ، قولان : وإلى الثاني ذهب ابن الخباز.

انظر الأصول : ١ / ٥٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٩١ ـ ٩٢ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٨٥ ، المقتضب : ٤ / ١٢٦ ، شرح دحلان : ٤٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٥٧ ، الإنصاف : ١ / ٤٤ ، الهمع : ٢ / ٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٣٤ ، البهجة المرضية : ٤٠ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٤٢.

(٢) وحجتهم أنّ كل واحد منهما مفتقر إلى الآخر فكان كل منهما عاملا في صاحبه ، كما أنّ «أيا» الشرطية عاملة في الفعل بعدها ، وهو عامل فيها في نحو «أيا ما تدعوا».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٩٢ ، الإنصاف : ١ / ٤٤ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٨٤ ، الهمع : ٢ / ٨ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٤٢ ، شرح دحلان : ٤٠ ، البهجة المرضية : ٤٠.

(٣) في الأصل : وهذا. انظر التصريح : ١ / ١٥٩.

(٤) أما الأول : فلأن الخبر قد يكون نفس المبتدأ في المعنى نحو «زيد أخوك» ، فلو رفع «الأخ» بـ «زيد» كان رافعا لنفسه بنفسه. وأما الثاني : فلأن الابتداء عامل ضعيف لا يرفع شيئين.

وأما الثالث : فلأن اجتماع عاملين : معنوي ولفظي لا يعهد. وأما الرابع : فلأن العمل تأثير ، والمؤثر أقوى من المؤثر فيه ، فيلزم أن يكون الشيء الواحد قويا ضعيفا من وجه واحد ، إذا كان مؤثرا فيما أثر فيه من ذلك الوجه ، وهو الرفع.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٥٩ ، الهمع : ٢ / ٨.

(٥) في الأصل : وبمتعلقه. وقد أخرت هذه الكلمة في الأصل إلى ما بعد قوله : «الفائدة التامة».

انظر التصريح : ١ / ١٥٩.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٥٩.

(٧) في الأصل : قائم. انظر التصريح : ١ / ١٥٩.

١٨٠