أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]
المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
ومذهب / جمهور البصريين : أنّه كواحده ، يلزم فيه التّاء (١).
وأما جمع المذكّر السّالم ـ فيجب تذكيره خلافا للكوفيين فقط ، فإنّهم أجازوا التّذكير والتأنيث (٢).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
والحذف في نعم الفتاة استحسنوا |
|
لأنّ قصد الجنس فيه بيّن |
يعني : أنّ العرب استحسنوا الحذف في «نعم الفتاة هند» ، وفهم منه أنّ «بئس» مثلها ، إذ لا فرق ، فتقول : «بئس المرأة هند» ، وإنّما استحسنوا في هذا الحذف ، لما ذكر من قصد الجنس ، كأنّه في معنى «نعم جنس الفتاة».
ولا يفهم من قوله : «استحسنوا» أنّه استحسن من الإثبات ، بل هو مستحسن ، وإن كان الإثبات أحسن.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
والأصل في الفاعل أن يتّصلا |
|
والأصل في المفعول أن ينفصلا |
وقد يجاء بخلاف الأصل |
|
وقد يجي المفعول قبل الفعل |
يعني : أن الأصل أن يتقدّم الفاعل على المفعول ، لأنّ الفاعل كالجزء من فعله ، بخلاف المفعول ، نحو (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) [النمل : ١٦]. ثمّ قال :
وقد يجاء بخلاف الأصل
يعني : أنّ المفعول قد يتقدّم على الفاعل ، فتقول : «ضرب عمرا زيد».
و «قد» في قوله : «وقد يجاء» للتّحقيق ، لا للتّقليل ، فإنّ تقديم المفعول على الفاعل كثير ، إلّا أن يراد بالنسبة إلى تقديم الفاعل على المفعول ، فتكون للتّقليل.
ثم قال :
وقد يجي المفعول / قبل الفعل
__________________
(١) انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٩٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٤ ، شرح المرادي : ٢ / ١٤ ، الهمع : ٦ / ٦٦ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٣٩٣ ، شرح ابن يعيش : ٥ / ١٠٤ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٤.
(٢) واحتجوا بنحو (إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) فأنث الفعل مع جمع تصحيح المذكر.
وأجيب : بأنّ «البنين» لم يسلم فيه نظم الواحد.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٠ ، شرح المرادي : ٢ / ١٤ ، الهمع : ٦ / ٦٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٤ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٣٩٣ ، شرح ابن يعيش : ٥ / ١٠٤.
يعني : أنّ المفعول قد يأتي متقدّما على الفعل ، وشمل ما تقديمه جائز ، نحو قوله تعالى : (فَرِيقاً هَدى) [الأعراف : ٣٠] ، وما تقديمه واجب نحو (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : ٥].
وظاهر «قد» هنا أنّها للتّقليل ، لأنّ تقديم المفعول على الفعل أقلّ من تقديمه على الفاعل.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وأخّر المفعول إن لبس حذر |
|
أو أضمر الفاعل غير منحصر |
أشار هنا إلى موضعين يجب فيهما تأخير المفعول عن الفاعل :
الأوّل : أن يخاف اللّبس ، وذلك بأن يكون الإعراب خفيّا في الفاعل والمفعول معا ، نحو «ضرب موسى عيسى» ، فالأوّل هو (١) الفاعل ، محافظة على الرّتبة ، قاله ابن السّرّاج (٢) وغيره (٣)(٤) ، وخالفهم ابن الحاجّ (٥) في نقده على المقرّب لابن عصفور ، فقال : «لا يوجد في كتاب سيبويه شيء من هذه الأغراض الواهية» (٦).
__________________
(١) في الأصل : وهو. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٧.
(٢) قال ابن السراج في الأصول (٢ / ٢٤٥) : «الثاني عشر ـ التقديم إذا ألبس على السامع أنّه مقدم : وذلك نحو قولك : «ضرب عيسى موسى» ، إذا كان «عيسى الفاعل لم يجز أن يقدم «موسى» عليه ، لأنّه ملبس لا يبين فيه إعراب».
وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨١ ، الهمع : ٢ / ٢٥٩ ، شرح المرادي : ٢ / ١٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٦ ، إرشاد الطالب النبيل (١٥٦ / ب).
(٣) في الأصل : وعدة. انظر التصريح : ١ / ٢٨١.
(٤) وقاله غير ابن السراج كالجزولي وابن عصفور وابن مالك في النظم وغيره ، وتضافرت على ذلك نصوص المتأخرين ، وهو مذهب الجمهور.
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٨٩ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١٦٣ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨١ ، شرح المرادي : ٢ / ١٦ ، الهمع : ٢ / ٢٥٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٥ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٥٦ / ب).
(٥) هو أحمد بن محمد بن أحمد الأزدي الإشبيلي ، ويعرف بابن الحاج ، أبو العباس ، من علماء العربية وعالم في بعض العلوم ، توفي سنة ٦٤٧ ه ، (وقيل : ٦٥١ ه) ، من آثاره : شرح كتاب سيبويه ، إيرادات على المقرب ، لابن عصفور ، حاشية على سر الصناعة ، كتاب السماع وأحكامه ، مختصر المستصفى في أصول الفقه للغزالي ، وغيرها.
انظر ترجمته في بغية الوعاة : ١٥٦ ، معجم المؤلفين : ٢ / ٦٤ ، البلغة في أئمة اللغة : ٣١.
(٦) محتجا بأنّ العرب تجيز تصغير «عمرو وعمر» على «عمير» مع وجود اللبس ، وبأنّ الإجمال من مقاصد العقلاء ، فإنّ لهم غرضا في الإجمال ، كما أنّ لهم غرضا في البيان ، وبأنّه يجوز أن
والثّاني : أن يكون الفاعل ضميرا متّصلا ، نحو «ضربت زيدا».
واحترز بقوله : «غير منحصر» عن الفاعل إذا كان منحصرا ، فإنّه يجب انفصاله وتأخيره ، ويكون حينئذ المفعول واجب التّقديم ، نحو «ما ضرب زيدا إلّا أنا» ، وسيأتي الإشارة إلى هذا.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وما بإلّا أو بإنّما انحصر |
|
أخّر ، وقد يسبق إن قصد ظهر |
يعني : أنّه يجب تأخير المنحصر بـ «إلّا» ، أو بـ «إنّما» فاعلا كان أو مفعولا / ، فإذا قصد حصر المفعول ـ وجب تأخيره ، وتقديم الفاعل ، نحو «ما ضرب زيد إلّا عمرا» (وإنّما ضرب زيد عمرا» (١) ، وإذا قصد حصر الفاعل وجب تأخيره وتقديم المفعول ، فتقول : «ما ضرب عمرا إلّا زيد ، و «إنّما ضرب عمرا زيد».
وهذا الحكم مع «إنّما» اتّفاقيّ (٢) ، وأما مع «إلّا» فإنّما هو عند الجزوليّ (٣) ، وجماعة (٤).
__________________
يقال : «زيد وعمرو ضرب أحدهما الآخر» إذ لا يبعد أن يقصد قاصد ضرب أحدهما من غير تعيين ، فيأتي باللفظ المحتمل ، وبأنّ تأخير البيان لوقت الحاجة بها جائز عقلا باتفاق عند الأصوليين ، ولغة عند النحويين ، فلا يمتنع أن يتكلم بالمجمل ويتأخر البيان إلى وقت الحاجة ، كـ «مختار ، ومنقاد» فإنّهما مجملان لترددهما بين الفاعل والمفعول بقلب عينهما المكسورة أو المفتوحة ألفا ، وجائز شرعا على الأصح خلافا للمعتزلة وكثير من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الظاهر وأبي إسحاق المروزي وأبي بكر الصيرفي ، لأنّ المراد بالبيان حصول تمكن المكلف من امتثال الأمر ولا حاجة لذلك إلّا عند تعيين الامتثال ، فأما قبل ذلك فلا ، وبأنّ الزجاج نقل في معانيه أنّه لا خلاف بين النحويين في أنّه يجوز في نحو (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) كون (تِلْكَ) اسم «زال» و (دَعْواهُمْ) الخبر وبالعكس.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨١ ، أوضح المسالك : ٨٤ ، الهمع : ٢ / ٢٥٩ ، شرح المرادي : ٢ / ١٦ ، ابن عقيل مع الخضري : ١ / ١٦٥ ، إرشاد الطالب النبيل (١٥٦ / ب) ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٦ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج : ٣ / ٣٨٦.
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٨.
(٢) لأنّه لو أخر انقلب ، وذلك لأنّ معنى قولنا : «إنّما ضرب زيد عمرا» انحصار ضرب «زيد» في «عمرو» مع جواز أن يكون «عمرو» مضروبا لشخص آخر ، فإذا أخّر وقيل : «إنّما ضرب عمرا زيد» جاز أن يكون «زيد» ضاربا لشخص آخر ، ولم يجز أن يكون «عمرو» مضروبا لشخص.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٢ ، شرح المرادي : ٢ / ١٨ ، الهمع : ٢ / ٢٦٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٩٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٦.
(٣) والشلوبين أيضا. فإنّهما أوجبا تأخير المفعول المحصور بـ «إلا» نحو «ما ضرب زيد إلا عمرا». انظر المقدمة الجزولية للجزولي : ٥٠ ـ ٥١ ، التوطئة للشلوبين : ١٦٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٨.
(٤) من المتأخرين. انظر التصريح : ١ / ٢٨٢.
وأجاز البصريّون (١) ، والكسائيّ ، والفرّاء ، وابن الأنباريّ : تقديمه مع «إلّا» على الفاعل (٢) ، كقول (٣) مجنون بني عامر :
(٤) ـ تزوّدت من ليلى بتكليم ساعة |
|
فما زاد إلّا ضعف ما بي كلامها |
فقدّم (٥) المفعول المحصور بـ «إلّا» ، وهو «ضعف» على الفاعل ، وهو «كلامها».
وقوله : «وقد يسبق إن قصد ظهر» أشار بذلك إلى نحو قوله :
(٦) ـ فلم يدر إلّا الله ما هيّجت لنا |
|
عشيّة إنآء (٧) الدّيار وشامها |
__________________
(١) في الأصل : البصريين. انظر التصريح : ١ / ٢٨٢.
(٢) ونقل ابن مالك أنّه يجب تأخير المفعول المحصور بـ «إلّا» خلافا للكسائي فإنّه أجاز تقديمه فاعلا كان أو مفعولا ، ووافقه ابن الأنباري على جواز تقديم المفعول بخلاف الفاعل.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٩٠ ـ ٥٩١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٨ ، الهمع : ٢ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، شرح المرادي : ٢ / ١٨ ـ ١٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٦ ، شرح ابن الناظم : ٢٢٨ ، البهجة المرضية : ٦٨.
(٣) في الأصل : كقوله.
(٩٦) ـ من الطويل ، لمجنون بني عامر في ديوانه (٢٥٠) منفردا ، ونحوه في ديوان ذي الرمة (٧١٥ ـ المكتب الإسلامي) من قصيدة له ، وهو :
تداويت من ميّ بتكليمة لها |
|
فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها |
والشاهد في قوله : «إلا ضعف ما بي كلامها» حيث احتج به البصريون والكسائي والفراء وابن الأنباري على جواز تقديم المفعول المحصور بـ «إلا» على فاعله.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٢ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٨١ ، المطالع السعيدة : ٢٥٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٩١ ، الهمع (رقم) : ٦٣٣ ، ٩٠٢ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٤٣ ، ١٩٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٦ ، شواهد العدوي : ١٠٧ ، شرح ابن الناظم : ٢٢٨ ، البهجة المرضية : ٦٨ ، شواهد الجرجاوي : ١٠٧ ، أوضح المسالك : ٨٥ ، الجامع الصغير : ١٣٢ ، فتح رب البرية : ٢ / ٦٨.
(٤) في الأصل : تقدم. انظر التصريح : ١ / ٢٨٢.
(٩٧) ـ من الطويل لذي الرمة (غيلان بن عقبة) ، من قصيدة له في ديوانه (٧١٤ ـ المكتب الإسلامي) ، وقبله (وهو أول القصيدة) :
مررنا على دار لميّة مرّة |
|
وجاراتها قد كاد يعفو مقامها |
ويروى : «أهلة» بدل «عشية». هيجت : أثارت. لنا : بمعنى فينا. إنآء : ـ بكسر الهمزة وسكون النون وفتح الهمزة الممدودة ـ : كالإبعاد وزنا ومعنى ، وهو مضاف إلى «الديار» على حذف مضاف ، أي : أهل الديار ، أو هو مجاز مرسل من إطلاق المحل على الحال.
الوشام : جمع وشم ، من وشم اليد وشما : إذا غرزها بإبرة ، ثم ذر عليها النؤر ، وهو النيلج.
والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف.
فقدّم الفاعل ـ وهو محصور ـ على المفعول.
ولا (يظهر) (١) القصد إلّا في المحصور بـ «إلّا» ، وأما المحصور بـ «إنّما» فلا (٢) يعلم حصره إلّا بتأخيره.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وشاع نحو خاف ربّه عمر |
|
وشذّ نحو زان نوره الشّجر |
يعني : أنّ تقديم المفعول المتلبّس بضمير الفاعل على الفاعل كثير ، نحو قوله : «خاف ربّه عمر» ، فـ «عمر» فاعل ، و «ربّه» مفعول مقدّم متلبّس بضمير الفاعل ، وإنّما كثر ذلك ، لأنّ الضّمير وإن كان عائدا على ما بعده ، فإنّ المفسّر (٣) للضّمير مقدّم في النّيّة ، لأنّ تقديمه / هو الأصل. وقوله :
وشذّ نحو زان نوره الشّجر
يعني : أنّ تقديم الفاعل المتلبّس بضمير المفعول على المفعول قليل ، نحو «زان نوره الشجر» ، وإنّما قلّ ذلك لأنّ الضّمير المتلبس به عائد على متأخّر لفظا ورتبة ، لأنّ المفعول في نيّة التأخير.
وأكثر النحويين لا يجيز هذا لا في نثر ولا في شعر ، وأجازه فيهما الأخفش ، وابن جنّي ، والطّوال (٤) (٥) ـ بضمّ الطّاء ، وتخفيف الواو (٦) ـ ، وابن
__________________
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٤ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٩٣ ، المقرب : ١ / ٥٥ ، الهمع (رقم) : ٦٣٥ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٤٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٦ ، شواهد الجرجاوي : ١٠٦ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٢٨ ، أوضح المسالك : ٨٦ ، شواهد العدوي : ١٠٦ ، المطالع السعيدة : ٢٦٠ ، فتح رب البرية : ٢ / ٧٣.
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٨.
(٢) في الأصل : لا. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٨.
(٣) في الأصل : المفسره. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٨.
(٤) في الأصل : والطول. انظر التصريح : ١ / ٢٨٣.
(٥) احتجاجا في النثر بقولهم : «ضربوني وضربت قومك» بإعمال الثاني ، وفي الشعر بنحو قوله :
جزى ربّه عنّي عديّ بن حاتم |
|
جزاء الكلاب العاويات وقد فعل |
ف «ربه» فاعل ، وهو متصل بضمير عائد إلى «عدي» وهو مفعول ، ورتبته التأخير ، و «جزاء الكلاب» مفعول مطلق.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٣ ، الهمع : ١ / ٢٣٠ ، أوضح المسالك : ٨٥ ، شرح الرضي : ١ / ٧٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٩ ، شرح ابن يعيش : ١ / ٧٦ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٧.
(٦) في الأصل : الراء. انظر التصريح : ١ / ٢٨٣. والطوال هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله
مالك في التّسهيل (١) ، والصّحيح جوازه في الشّعر فقط للضّرورة (٢).
والأكثر في مثل هذا توسّط المفعول بين الفعل وفاعله ، نحو (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ)(٣) [البقرة : ١٢٤].
__________________
الطوال النحوي من أهل الكوفة ، وأحد أصحاب الكسائي ، كان حاذقا بإلقاء العربية ، قدم بغداد وسمع منه أبو عمرو الدوري المقرئ ، وحدث عن الأصمعي ، ولم يشتهر له تصنيف ، توفي سنة ٢٤٣ ه. انظر ترجمته في بغية الوعاة : ١ / ٥٠ ، دائرة المعارف للأعلمي : ٢٦ / ١٥١.
(١) انظر التسهيل : ٢٨. وانظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٨٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٣ ، أوضح المسالك : ٨٥ ، الهمع : ١ / ٣٢٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٨ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ١٦٧.
(٢) قال الأزهري : وهو الإنصاف لأنّ ذلك إنّما ورد في الشعر ، فلا يقاس عليه.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٣ ، أوضح المسالك : ٨٥ ، جمل الزجاجي : ١١٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٨.
(٣) فـ «إبراهيم» مفعول مقدم ، و «ربه» فاعل مؤخر وجوبا ، وذلك لاتصال الفاعل بضمير المفعول. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٣.
الباب السادس عشر
النائب عن الفاعل
ثمّ قال رحمه الله تعالى :
النّائب عن الفاعل
ينوب مفعول به عن فاعل |
|
فيما له كنيل خير نائل |
قال أبو حيّان : لم أر مثل هذه التّرجمة لغير ابن مالك ، والمعروف : باب المفعول الذي لم يسمّ (١) فاعله (٢).
يعني : قد يحذف الفاعل للجهل به ، كـ «سرق المتاع» ، أو لغرض لفظيّ ، كإصلاح السّجع ، نحو «من طابت سريرته حمدت سيرته» (٣) ، أو معنويّ ، كأن لا يتعلّق بذكره (٤) غرض ، نحو (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) [البقرة : ١٩٦] ، ثمّ ينوب عنه المفعول فيما له ، أي : فيما استقرّ له من الأحكام ، كوجوب الرّفع ، والتّأخير ،
__________________
(١) في الأصل : يسمى. انظر التصريح : ١ / ٢٨٦.
(٢) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٦ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٥٨ / بـ ـ ٥٩ / أ) ، الكواكب الدرية للأهدل : ٧٢ ، شرح الألفية لابن باديس : (١٦١ / أ). وفي شرح لمحة أبي حيان لابن هشام (١ / ٣٠٩ ـ ٣١٠) : «والأولى أن يقال : «النائب عن الفاعل» كما ذكرنا ، وأما قول المصنف وغيره «المفعول الذي لم يسمّ فاعله» ، ففيه خدوش ، لأن المفعول إنما يتبادر الذهن منه عند الإطلاق إلى المفعول به ، والمرفوع في هذا الباب لا يختص به ، ولأنه يصدق على المنصوب في نحو «أعطي زيد درهما» ، أنه مفعول لم يسمّ فاعله ، وعلى نحو «يتيما» في قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) وكل ذلك بمعزل عما نحن فيه». انتهى.
وانظر مغني اللبيب : ٨٧١ ، موصل الطلاب للشيخ خالد : ١٣٠ ، ١٣١ ، حاشية الخضري : ١ / ١٦٧ ، حاشية الصبان : ٢ / ٦١ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٥٩ / أ) ، البهجة المرضية.
(٣) فإنّه لو قيل «حمد الناس سيرته» اختلت السجعة وطالت. قاله ابن هشام في شرح القطر وشرح اللمحة وغيرهما. انظر شرح القطر : ٢٦١ ، شرح اللمحة : ١ / ٣١١ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٦ ، وانظر المطالع السعيدة : ٢٦١ ، الهمع : ٢ / ٢٦٣ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٥٩ / أ).
(٤) في الأصل : بذكر. انظر التصريح : ١ / ٢٨٦.
وعدم الحذف ، وتسكين آخر الفعل الماضي معه ، ولحاق / تاء التّأنيث في الماضي إذا كان مؤنّثا ، ثمّ مثّل ذلك بقوله : «كنيل خير نائل» أصله : نلت خير نائل ، فلمّا حذف (١) الفاعل ارتفع المفعول به لنيابته عنه.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
فأوّل الفعل اضممن والمتّصل |
|
بالآخر اكسر في مضيّ كوصل |
واجعله من مضارع منفتحا |
|
كينتحي المقول فيه ينتحى |
نبّه بهذا على أنّ نيابة المفعول به عن الفاعل مشروط بتغيير (٢) فعل الفاعل عن بنيته إلى بنية تدلّ على النّيابة ، فقال : إنّ أول الفعل المبنيّ للمفعول يضمّ ، وشمل الماضي والمضارع ، فإنّهما يشتركان في ضمّ الأوّل ، فإن كان ماضيا كسر ما قبل الآخر ، وإلى ذلك (أشار) (٣) بقوله : «والمتّصل بالآخر اكسر في مضيّ» ، ثمّ مثّل ذلك بقوله : «كوصل» وأصله : وصلت الشّيء ، فحذف الفاعل وأقيم المفعول به مقامه فتغيّر (٤) الفعل إلى «فعل».
وإن كان مضارعا فتح ما قبل الآخر ، وإلى ذلك أشار بقوله :
واجعله من مضارع منفتحا (٥)
أي : مفتتحا (٦) ، أي : اجعل ما قبل الآخر من المضارع مفتتحا ، ثمّ مثّل ذلك بقوله :
كينتحي المقول فيه ينتحى
بضمّ أوله ، وفتح ما قبل الآخر.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
والثّاني التّالي تا المطاوعه |
|
كالأوّل اجعله بلا منازعه |
وثالث الّذي بهمز الوصل |
|
كالأوّل اجعلنه كاستحلي / |
أشار بهذا إلى أنّ ضمّ الأوّل في الماضي والمضارع ، وكسر ما قبل الآخر
__________________
(١) في الأصل : نحذف. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٩.
(٢) في الأصل : بتغير. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٠.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٠.
(٤) في الأصل : يتغير. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٠.
(٥) في الأصل : مفتتحا. انظر الألفية : ٥٩.
(٦) بمعنى : مفتوح ، يقال : فتحه يفتحه فتحا وافتتحه وفتّحه فانفتح وتفتّح.
انظر : اللسان : ٥ / ٣٣٣٧ (فتح) ، تاج العروس : ٢ / ١٩٤ (فتح).
في الماضي ، وفتحه في المضارع ـ مطّرد في جميع الأفعال المبنيّة للمفعول ، وقد يضمّ إلى ذلك في بعض الأفعال تغيير (١) آخر ، وذلك في نوعين :
الأوّل : أن يكون أوّل الفعل الماضي تاء المطاوعة ، وإلى ذلك أشار بقوله :
والثّاني التّالي تا المطاوعه |
|
... البيت |
يعني : أنّ الحرف الثّاني من الفعل الماضي المفتتح بتاء المطاوعة يضمّ أيضا كالأوّل ، فتقول في «تعلّمت الحساب» : «تعلّم الحساب» ـ بضمّ الأوّل والثّاني ـ.
وفهم من قوله : «تا المطاوعه» أنّ المراد بالفعل هنا : الماضي ، لأنّ المضارع لا يفتتح بتاء المطاوعة ، بل بحروف (٢) المضارعة.
والثّاني : أن يكون الفعل الماضي مفتتحا بالهمزة ، وإلى ذلك أشار بقوله :
وثالث الّذي بهمز الوصل |
|
كالأوّل اجعلنّه ... |
يعني : أنّ الفعل إذا افتتح بهمزة الوصل جعل ثالثه مضموما كالأوّل ، ثمّ مثّل ذلك بقوله : «كاستحلي» ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الفعل متعدّيا ـ كما مثّل ـ ، أو لازما ، كـ «انطلق».
وفي جمل الزّجّاجيّ (٣) : «لا يجوز أن يبنى الفعل اللازم للمفعول عند أكثر النّحويين» (٤). انتهى (٥).
__________________
(١) في الأصل : تغير. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٠.
(٢) في الأصل : حروف. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٠.
(٣) في الأصل : الزجاج. وما أثبته الصواب. والزجاجي : هو عبد الرحمن بن إسحاق البغدادي النهاوندي الزجاجي ، أبو القاسم ، شيخ العربية في عصره ، ولد في نهاوند ونشأ في بغداد ، وتتلمذ على إبراهيم الزجاج فنسب إليه ، وسكن دمشق وتوفي بها سنة ٣٣٧ ه (وقيل : توفي في طبرية) ، من آثاره : الجمل الكبرى في النحو ، اللامات في اللغة ، الإيضاح في علل النحو ، شرح مقدمة أدب الكاتب وغيرها.
انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٢٩٧ ، إنباه الرواة : ٢ / ١٦٠ ، نزهة الألباء : ٣٧٩ ، مرآة الجنان : ٢ / ٣٣٢ ، شذرات الذهب : ٢ / ٣٥٧ ، روضات الجنات : ٤٢٥ ، البداية والنهاية : ١١ / ٢٢٥ ، الأعلام : ٣ / ٢٩٩ ، معجم المؤلفين : ٥ / ١٢٤ ، ١٣ / ٣٩٥.
(٤) انظر جمل الزجاجي : ٧٧ ، وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٤ ، الهمع : ٢ / ٢٧١ ، شرح ابن يعيش : ٧ / ٧٢ ، المقتصد : ١ / ٣٤٤.
(٥) وإذا بني الفعل اللازم للمفعول ، ففي النائب أقوال : أحدها : ضمير المصدر كـ «جلس» أي : الجلوس ، وعليه الزجاجي ، وابن السيد. الثاني : ضمير المجهول ، وعليه الكسائي وهشام ، لأنّه لما حذف الفاعل أسند الفعل إلى أحد ما يعمل فيه المصدر أو الوقت أو المكان ، فلم ـ
وخصّه أبو البقاء بما لا يتعدّى بحرف جرّ ، ومثّله بـ «قام ، وجلس» (١) ، وعلّله بأنّه لو بني / للمفعول لبقي الفعل خبرا (٢) بغير مخبر عنه ، وذلك محال (٣).
وفهم من قوله : «بهمز الوصل» أنّ ذلك الفعل لا يكون أيضا إلّا ماضيا ، لأنّ المضارع لا يفتتح بها.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
واكسر أو اشمم فا ثلاثيّ أعل |
|
عينا وضمّ جا كبوع فاحتمل |
يعني : أنّ في فاء الفعل الماضي الثّلاثيّ المعتلّ العين ثلاث لغات :
الأولى (٤) : إخلاص الكسر ، وهي المشار إليها بقوله : «واكسر» ، وهي لغة قريش ومن جاورهم (٥).
الثّانية : الإشمام ، وهي المشار إليها بقوله : «أو اشمم» وهي (٦) لغة كثير من قيس وأكثر بني أسد (٧).
وحقيقة الإشمام : ما حرّره بعض المتأخّرين ، فقال : كيفيّة النّطق به أن تلفظ على فاء الكلمة بحركة تامّة مركّبة من حركتين إفرازا لا شيوعا ، جزء الضّمّة مقدّم ، وهو الأقلّ ، يليه جزء الكسرة ، وهو الأكثر ، ومن ثمّ تمحضت الياء ، قاله المراديّ (٨).
__________________
يعلم أيها المقصود ، فأضمر ضمير مجهول. الثالث : أنّه فارغ لا ضمير فيه ، وعليه الفراء.
انظر الهمع : ٢ / ٢٧١ ، جمل الزجاجي : ٧٧ ، حاشية يس : ١ / ٢٩٤.
(١) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٤. وقال يس في حاشيته (١ / ٢٩٤) : «فيه نظر لأنّهما يتعديان بحرف الجر ، فتقول : «قمت إلى زيد» و «جلست في المسجد» كيف والتعدية بحرف الجر مطردة». انتهى.
(٢) في الأصل : خبر. انظر التصريح : ١ / ٢٩٤.
(٣) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٤ ، وفي حاشية يس (١ / ٢٩٤) : «لا نسلم ذلك تقول : «جلس في الدار ، وجلس الجلوس المعهود». انتهى.
(٤) في الأصل : الأول. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣١.
(٥) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٤.
(٦) في الأصل : وهو.
(٧) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٤.
(٨) انظر شرح المرادي : ٢ / ٢٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٤. وفي التصريح (١ / ٢٩٤) : «قال الشاطبي وفي كيفية الإشمام ثلاثة مذاهب : أحدها : ضم الشفتين مع النطق بالفاء فتكون حركتها بين حركتي الضم والكسر. هذا هو المعروف المشهور المقروء به. والثاني : ضمّ الشفتين مع إخلاص كسرة الفاء. والثالث : ضم الشفتين قبيل النطق بها ، لأن أول
وهاتان اللّغتان فصيحتان ، وقرئ بهما في المتواتر.
الثّالثة : إخلاص الضّمّة ، وهي المشار إليها بقوله : «وضمّ جا كبوع» ، ومنه قول رؤبة :
٩٨ ـ ليت شبابا بوع فاشتريت
وهي قليلة موجودة في كلام هذيل ، و (٢) تعزى لفقعس ، ودبير (٣) ، وغيرهما (٤).
وشمل قوله : «فا ثلاثيّ» المفتوح العين ، نحو «باع» ، والمكسور / ، كـ «خاف».
وشمل قوله : «أعل» ما عينه ياء ، كـ «باع» ، وما عينه واو ، كـ «قال».
(والأصل) (٥) في هذه اللغات «فعل» ـ بضمّ الفاء ، وكسر العين ـ كالصّحيح.
__________________
الكلمة مقابل لآخرها ، فكما أنّ الإشمام في الأواخر بعد الفراغ من إسكان الحرف فكذلك يكون الإشمام في أولها قبيل النطق بكسر الحرف». وانظر إرشاد الطالب النبيل : (١٦٠ / ب).
٩٨ ـ من الرجز في ملحقات ديوان رؤبة (١٧١ ـ منشورات دار الآفاق) من أبيات أربعة ، وقبله :
ليت وهل ينفع شيئا ليت
والشاهد في قوله : «بوع» حيث أتى بالضمة خالصة في فائه ، وذلك لأنّه فعل ثلاثي معتل العين مبني للمجهول ، وهو لغة بني دبير وبني فقعس وغيرهما.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٥٢٤ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٢٢٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٦٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٨ ، شواهد العدوي : ١١١ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٣١ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٣٠٤ ، شواهد الجرجاوي : ١١١ ، شرح ابن الناظم : ٢٣٣ ، البهجة المرضية : ٦٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٠٥ ، شواهد المغني : ٢ / ٨١٩ ، أوضح المسالك : ٩٠ ، شرح ابن يعيش : ٧ / ٧٠ ، مغني اللبيب (رقم) : ٧٣١ ، الهمع (رقم) : ٩٦١ ، ١٧٦٠.
(١) في الأصل : الواو. ساقط. انظر التصريح : ١ / ٢٩٥.
(٢) وهما من فصحاء بني أسد. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٦٩١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٦٣ ، المعجم الكامل في لهجات الفصحى : ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٦٠ / ب).
(٣) قال الشاطبي : «حكيت عن بني ضبة». وقال الموضح : «حكيت عن بعض تميم». وعزيت هذه اللغة إلى قيس وعقيل ومن جاورهم وعامة بني أسد. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٦٠ / ب) ، المعجم الكامل في لهجات الفصحى : ٣٤٣.
(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣١.
فالأصل في «بيع» بإخلاص (١) الكسر : («بيع») (٢) فاستثقلت الكسرة في الياء ، فنقلت إلى الفاء ، وذهبت حركة الفاء ، وسكنت العين ، لزوال حركتها.
والأصل في «قيل» : «قول» ، فاستثقلت الكسرة أيضا في الواو ، فنقلت إلى الفاء ، وبقيت الواو ساكنة ، فقلبت ياء ، لسكونها ، وكسر ما قبلها.
وأمّا على لغة «قول ، وبوع» فإنّ الكسرة (٣) حذفت من حرف العلّة ، فسلمت الواو ، وقلبت الياء واوا لسكونها ، وضمّ ما قبلها.
وأمّا على لغة الإشمام ، فهي مركبة من اللغتين.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وإن بشكل خيف لبس يجتنب |
|
وما (٤) لباع قد يرى لنحو حب |
يعني : أنّه إذا خيف لبس النّائب عن الفاعل بالفاعل بسبب شكل ـ ترك ذلك الشّكل الموقع في اللّبس ، واستعمل الشّكل الّذي لا لبس فيه.
وذلك نحو «بيع العبد» إذا أسندته إلى ضمير المخاطب ، فقلت : «بعت يا عبد» ـ بالكسر ـ لم يعلم (٥) : هل هو فعل وفاعل ، أو فعل ومفعول ، فيترك الكسر ، ويرجع (٦) إلى الضّمّ أو الإشمام (٧).
وكذلك «طيل زيد» إذا أسندته / إلى ضمير المخاطب ، فقلت : («طلت») (٨) ـ بالضّمّ ـ التبس بفعل الفاعل ، فيرجع إلى الإشمام أو الكسر ، إذ لا لبس فيهما.
وهذا الامتناع دعوى ابن مالك (٩) ، وجعله المغاربة مرجوحا لا
__________________
(١) في الأصل : إخلاص. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣١.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣١.
(٣) في الأصل : المكسورة. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣١.
(٤) في الأصل : ولما. انظر الألفية : ٦٠.
(٥) في الأصل : لم يعمل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣١.
(٦) في الأصل : ورجع. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣١.
(٧) في الأصل : والاشمام. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣١.
(٨) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٢.
(٩) قال ابن مالك في شرح الكافية (٢ / ٦٠٦) : «وقد يعرض بالكسرة أو الضمة التباس فعل المفعول بفعل الفاعل ، فيجب حينئذ إخلاص الضمة نحو «خفت» مقصودا به «خشيت» ، والإشمام وإخلاص الكسرة في «طلت» مقصودا به «غلبت» في المطاوعة».
وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٦٣ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٧ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٦١ / أ) ، الهمع : ٦ / ٣٨.
ممنوعا (١) ، ولهذا لم يلتفت سيبويه في ذلك للإلباس ، بل أجاز الأوجه الثّلاثة مطلقا ، اكتفاء بالفرق التقديريّ (٢). وقوله :
وما (٣) لباع قد يرى لنحو حب
يعني : أنّه يجوز في فاء الفعل الثلاثيّ المضاعف ، نحو «حبّ ، وردّ» ما جاز في فاء «باع» من كسر وضمّ وإشمام ، وقرأ علقمة (٤) ويحيى بن وثّاب (٥) : (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) [يوسف : ٦٥] ـ بكسر الرّاء (٦) ـ والكسر لغة بني ضبّة (٧) ـ بضاد معجمة مفتوحة ، فموحّدة مشدّدة ، كما قال الدّمامينيّ (٨) ،
__________________
(١) فقالوا : إنّ العرب تختار الكسر في الفاء إذا كانت ـ فيما سمّي فاعله ـ مضمومة ، وتختار الضم في الفاء إذا كانت ـ فيما سمي فاعله ـ مكسورة ، فرقا بينهما. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٦١ / ب).
(٢) انظر الكتاب : ٢ / ٣٦٠ ، أوضح المسالك : ٩٠ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٦١ / أ) ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٦٣ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٧.
(٣) في الأصل : وأما. انظر الألفية : ٦٠.
(٤) هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي الهمداني ، أبو شبل ، تابعي كان فقيه العراق ، يشبه ابن مسعود في هديه وسمته وفضله ، ولد في حياة النبي صلىاللهعليهوسلم وروى الحديث عن الصحابة ، ورواه عنه كثيرون ، وأخذ القرآن عرضا عن ابن مسعود ، وسمع من علي وعمرو وأبي الدرداء وعائشة ، وعرض عليه القرآن إبراهيم النخعي وغيره ، شهد صفين وغزا خراسان ، وسكن الكوفة فتوفي بها سنة ٦٢ ه وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في طبقات القراء : ١ / ٥٣٤ ، حلية الأولياء : ٢ / ٩٨ ، تاريخ بغداد : ١٢ / ٢٩٦ ، الأعلام : ٤ / ٢٤٨.
(٥) هو يحيى بن وثاب الأسدي بالولاء الكوفي ، من أكابر القراء ، إمام أهل الكوفة في القرآن ، تابعي ثقة ، قليل الحديث ، له خبر طريف مع الحجاج ، توفي سنة ١٠٣ ه.
انظر ترجمته في طبقات القراء : ٢ / ٢٨٠ ، النجوم الزاهرة : ١ / ٢٥٢ ، تهذيب التهذيب : ١١ / ٢٩٤ ، الأعلام : ٨ / ١٧٦.
(٦) وقرأ الجمهور بضم الراء ، وهو الأصل.
انظر القراءات الشاذة : ٦٤ ، إتحاف فضلاء البشر : ٢٦٦ ، إملاء ما من به الرحمن : ٢ / ٥٥ ، إعراب النحاس : ٢ / ٣٣٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٠٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٦٤ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٦١ / ب).
(٧) في الأصل : ضنة. انظر التصريح : ١ / ٢٩٥.
(٨) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥ ، وفي تعليق الفرائد للدماميني (١٥٠ / أ ـ مخطوط) ذكر أنّ ذلك لغة لبعض العرب. وضبة ابن أدعم بني مرة ، من طابخة من العدنانية. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥ ، نهاية الأرب للقلقشندي : ٣١٨ ، معجم قبائل العرب : ٢ / ٦٦١ ، الأنساب للسمعاني : ٨ / ٣٨١ ، اللباب في علم الأنساب للجزري : ٢ / ٢٦١ ، الإيناس بعلم الأنساب لابن المغربي : ١٣٥.
أو نون ، كما قال ابن السّيد (١) ـ وبعض بني تميم (٢).
وفهم من قوله : «قد يرى» أنّ ذلك قليل ، ولم يقرأ بها في المتواتر.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وما لفا باع لما العين تلي |
|
في اختار وانقاد وشبه ينجلي |
يعني : أنّ ما كان من (الفعل) (٣) المعتلّ العين على وزن «افتعل» ، نحو «اختار» ، أو على وزن «انفعل» ، نحو «انقاد» ، وما أشبههما ـ يجوز في الحرف الذي تليه العين ما جاز في فاء «باع» من الأوجه الثلاثة المذكورة ، فتقول : «اختير ، واختور» ، وبالإشمام / ، وادّعى ابن عذرة (٤) ، (وطائفة) (٥) من متأخّري المغاربة : امتناع الضّمّ (٦) ، والمشهور الأوّل ، وهو قول ابن عصفور والأبّديّ (٧).
__________________
(١) وبنو ضنة : بطن من قضاعة ينسب إليها جماعة. قال الأزهري : ويمكن أن يكونا قبيلتين ضبط كل منهما واحدة.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥ ، نهاية الأرب للقلقشندي : ٣٢١ ، معجم قبائل العرب : ٢ / ٦٦٩ ، الإيناس بعلم الأنساب : ١٣٥ ، الأنساب للسمعاني : ٨ / ٣٩٩ ، اللباب في علم الأنساب : ٢ / ٢٦٥.
وابن السيد هو عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي ، أبو محمد ، من علماء النحو واللغة والأدب ، ولد في بطليوس بالأندلس سنة ٤٤٤ ه ، ونشأ فيها ، وانتقل إلى بلنسية فسكنها ، وتوفي بها سنة ٥٢١ ه ، من آثاره : الاقتضاب في شرح أدب الكتاب لابن قتيبة ، المثلث في اللغة ، شرح سقط الزند لأبي العلاء المعري ، الحلل شرح أبيات الجمل ، وغيرها.
انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٢٨٨ ، إنباه الرواة : ٢ / ١٤١ ، شذرات الذهب : ٤ / ٦٤ ، مرآة الجنان : ٣ / ٣٢٨ ، هدية العارفين : ١ / ٤٥٤ ، البداية والنهاية : ١٢ / ١٩٨ ، الأعلام : ٤ / ١٢٣ ، معجم المؤلفين : ٥ / ١٢١.
(٢) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٢.
(٤) هو الحسن بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عمر بن عبد الرحمن بن عذرة الأنصاري الأوسي الخضراوي ، أبو الحكم ، كان نحويا نبيلا حاذقا ثابت الذهن وقاد الفكر ، ولد سنة ٦٢٢ ه ، وأخذ عن أبي العلاء وابن عصفور وغيرهما ، كان حيا سنة ٦٤٤ ه ، من آثاره : الإعراب عن أسرار الحركات في لسان الأعراب ، المفيد في أوزان الرجز والقصيد ، منتهى السول في مدح الرسول ، وغيرها.
انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٢٢٣ ، كشف الظنون : ١٢٥ ، ١٧٧٧ ، إيضاح المكنون : ٢ / ٥٧٣ ، معجم المؤلفين : ٣ / ٢٣٥.
(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٩٥.
(٦) انظر أوضح المسالك : ٩٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥ ، الهمع : ٦ / ٣٩.
(٧) وابن مالك أيضا. انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٠٦ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥ ،
وتنطق بالهمزة في «اختار ، وانقاد» ، ونحوه ، على حسب ما تنطق بالحرف الثّالث ، قاله ابن مالك (١).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وقابل من ظرف أو من مصدر |
|
أو حرف جرّ بنيابة حري |
الذي ينوب عن الفاعل أحد أربعة أشياء : المفعول به ، والظّرف ، والمصدر ، والجارّ والمجرور.
وقد أشار في أوّل الباب إلى المفعول به ، وأشار (٢) هنا إلى بقيّتها الثّلاثة ، وهي :
الظّرف : وشمل ظرف الزّمان وظرف المكان ، ويشترط في نيابتهما أن لا يكونا مبهمين ، فلا يجوز «سير وقت» ولا «جلس مكان» ، وأن يكونا متصرّفين فلا يجوز : («سير سحر» ولا «جلس عندك».
والمصدر : ويشترط في نيابته ألّا يكون مؤكّدا) (٣) نحو «سير سير» ، وألّا (٤) يكون غير متصرّف ، فلا يجوز «نزّه سبحان».
وحرف الجرّ : ـ يعني : مع مجروره ـ ويشترط في نيابته ألّا (٥) يلزم طريقة واحدة ، كحروف القسم والاستثناء ، و «مذ» و «منذ».
__________________
أوضح المسالك : ٩٠ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٨ ، الهمع : ٦ / ٣٩. والأبّدي هو علي بن محمد ابن محمد بن عبد الرحمن (وقيل : عبد الرحيم) الخشني ، المعروف بالأبدي (نسبة إلى «أبّدة» ـ بضم الهمزة وتشديد الباء وبالدال المهملة ـ وهي مدينة بالأندلس من كورة جيان ، ويقال له أيضا : الآبدي والأبذي والآبذي) ، كان نحويا ماهرا ذاكرا للخلاف ، وكان من أحفظ أهل زمانه لخلاف النحاة ، وعلى معرفة بكتاب سيبويه واقفا على غوامضه ، أخذ عن الشلوبين والدباح اللذين لازمهما كثيرا ، وانتقل إلى غرناطة وأقرأ بها ، وكان على غاية من الفقر على إمامته بالعلم ، توفي بها سنة ٦٨٠ ه ، وله مصنفات عدة منها : إملاء على كتاب سيبويه ، وآخر على إيضاح الفارسي ، وثالث على جمل الزجاجي ، وله شرح على المقدمة الجزولية.
انظر ترجمته في البلغة في أئمة اللغة للفيروزآبادي : ١٦٨ ، الذيل والتكملة لابن عبد الملك (السفر الخامس) : ٣٩١ ، بغية الوعاة : ٢ / ١٩٩ ، دائرة المعارف للأعلمي : ٢٢ / ٣١٦ ، وانظر معجم البلدان : ١ / ٦٤ ، مراصد الاطلاع : ١ / ١٠٠ ، المغرب في حلي المغرب : ٢ / ٧٥ ، تقويم البلدان : ١٧٧.
(١) انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٠٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٥.
(٢) في الأصل : وأشا.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع شرح المكودي : ١ / ١٣٢.
(٤) في الأصل : وإن. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٣.
(٥) في الأصل : أم لا. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٣.
وهذه الشّروط كلّها مستفادة من قوله : «وقابل» فإنّك إذا رمت إسناد الفعل إلى أحد هذه الأشياء تعذّر ذلك.
فمثال ما توفّرت فيه شروط النّيابة / : «سير بزيد يومين فرسخين سيرا شديدا» إن أقمت المجرور (١) ، و «سير بزيد يومان فرسخين سيرا شديدا» إن أقمت ظرف (الزّمان ، و «سير بزيد يومين فرسخان سيرا شديدا» إن أقمت ظرف) (٢) المكان ، و «سير بزيد يومين فرسخين سير شديد» إن أقمت المصدر.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ولا ينوب بعض هذي إن وجد |
|
في اللّفظ مفعول به وقد يرد |
اعلم أنّه إذا اجتمع مع المفعول به أحد هذه الأربعة المذكورة ـ فلا ينوب أحد منها بحضرته ، هذا هو مذهب البصريين ، ومذهب الكوفيين : أنّه يجوز أن ينوب كلّ واحد منها بحضرة المفعول به (٣) ، وبه أخذ النّاظم (٤) ، وإلى ذلك أشار بقوله : «وقد يرد» ، وفهم منه أنّ ذلك قليل ، سواء تأخّر النّائب عن المفعول به أو تقدّم.
فالأوّل : كقراءة أبي جعفر (٥) : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٦)
__________________
(١) في الأصل : أل المجرورة. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٣.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٣.
(٣) انظر الخلاف في التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٠ ، التسهيل : ٧٧ ، الهمع : ٢ / ٢٦٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٠٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ٦٧ ، شرح المرادي : ٢ / ٣٢ ، شرح المكودي : ١ / ١٣٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٧١ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٦٣٥ ـ ٦٣٦ ، شرح الرضي : ١ / ٨٤ ـ ٨٥.
(٤) قال ابن مالك في التسهيل (٧٧) : «ولا تمنع نيابة المنصوب لسقوط الجار مع وجود المنصوب بنفس الفعل ، ولا نيابة غير المفعول به وهو موجود وفاقا للأخفش والكوفيين».
وانظر شرح المرادي : ٢ / ٣٢ ، شرح المكودي : ١ / ١٣٣ ، الهمع : ٢ / ٢٦٥.
(٥) هو يزيد بن القعقاع المخزومي بالولاء المدني ، أبو جعفر ، أحد القراء العشرة ، روى القراءة عن نافع ، وهو من التابعين ، كان إمام أهل المدينة في القراءة ، وعرف بالقارئ ، وكان من المفتين المجتهدين ، توفي بالمدينة سنة ١٣٢ ه (وقيل : ١٣٠ ه على الأصح).
انظر ترجمته في طبقات القراء : ٢ / ٣٨٢ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ٥ / ١٨٨ ، النشر في القراءات العشر : ١ / ١٧٨ ، الأعلام : ٨ / ١٨٦.
(٦) وهي بضم الياء وفتح الزاي من «ليجزى» وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ، وخلف «لنجزي» بالنون وكسر الزاي وفتح الياء على إخبار الله عن نفسه ، أي : نحن نجزي. وقرأ الباقون بالياء وبالبناء للفاعل أي : ليجزي الله. وقرأ بعضهم : «ليجزينّ» بفتح الياء ، وكسر الزاي. وقال أبو إسحاق في قراءة أبي جعفر «ليجزى» بالبناء للمفعول ، هو لحن عند الخليل وسيبويه وجميع
[الجاثية : ١٤] ، فأناب المجرور بالباء عن الفاعل مع وجود المفعول به ـ وهو «قوما» ـ مقدّما على النّائب.
والثّاني : نحو «ضرب في الدّار زيدا».
وأجازه الأخفش بشرط تقدّم النّائب على المفعول به ، كالمثال الثّاني (١).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وباتّفاق قد ينوب الثّان من |
|
باب كسا فيما التباسه أمن |
يعني : أنّ النحويين اتّفقوا (٢) على جواز نيابة المفعول الثاني من باب «كسا» ويعبّر / أيضا عن هذا النّوع بباب «أعطى» ، وهو ما كان المفعول الثّاني فيه غير الأول ـ واحترز به من المفعول الثّاني في باب «ظنّ» ، وسيأتي حكمه ـ وذلك مع أمن اللّبس ، سواء اعتقد القلب أم لا ، وسواء كان الثّاني نكرة ، والأوّل معرفة ، أم لا (٣).
__________________
البصريين ، وقال الفراء : وإنّما أجازه الكسائي على شذوذ بمعنى : ليجزى الجزاء قوما ، فأضمر الجزاء ، ولو أظهره ما جاز ، فكيف وقد أضمره ، وقد أجمع النحويون على أنّه لا يجوز «ضرب الضرب زيدا».
انظر في ذلك المبسوط في القراءات العشر : ٤٠٣ ، البيان لابن الأنباري : ٢ / ٣٦٥ ، النشر في القراءات العشر : ٢ / ٣٧٢ ، إتحاف فضلاء البشر : ٣٩٠ ، إملاء ما منّ به الرحمن : ٢ / ٢٣٢ ، إعراب النحاس : ٤ / ١٤٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٣٦ ، الهمع : ٢ / ٢٦٥.
(١) وكقوله :
لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا |
|
ولا شفى ذا الغيّ إلا ذو هدى |
ف «يعن» مضارع مبني للمفعول من «عني بكذا» ، و «بالعلياء» نائب فاعل و «سيدا» مفعول به مؤخرا. ونقل ابن مالك عن الأخفش جواز ذلك مطلقا.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٦٨ ، الهمع : ٢ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦٠٩ ، التسهيل : ٧٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٧١ ، شرح المرادي : ٢ / ٣٢ ، شرح الرضي : ١ / ٨٥.
(٢) نقل الناظم الاتفاق على أنّ الثاني من هذا الباب يجوز إقامته عند أمن اللبس ، وفيما نقله من الاتفاق نظر ، فقد قيل بالمنع إن كان نكرة والأول معرفة ـ حكي ذلك عن الكوفيين ، كما عزي إلى الفارسي ـ وقيل : بالمنع مطلقا. ولعل الناظم لم يعتد بهذا الخلاف ، وقد صرح بنفيه في شرح الكافية حيث قال : «نيابة المفعول الأول من كل باب جائزة بلا خلاف ، وكذا نيابة الثاني من باب «كسا». انتهى. أو يكون مراده : اتفاق جمهور البصريين ما عدا الفارسي فيما عزي إليه.
انظر شرح الأشموني : ٢ / ٦٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦١٠ ، البهجة المرضية : ٧١ ، الخضري مع ابن عقيل : ١ / ١٧٢.
(٣) نحو «أعطيت زيدا درهما» ، لأنّ زيدا آخذ أبدا ، ودرهما مأخوذ أبدا. وقيل : يمتنع مطلقا ـ ـ طردا للباب ، فيتعين نيابة الأول ، لأنّه فاعل معنى.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٦٩ ، البهجة المرضية : ٧١ ، أوضح المسالك : ٨٩ ، حاشية الخضري : ١ / ١٧٢.
وقيل : يمتنع إن لم يعتقد القلب في الإعراب (١) ، كقولهم : «خرق الثّوب المسمار» (٢).
وقال الفارسيّ : يمتنع إن كان نكرة ، والأوّل معرفة ، فلا يقال : («أعطي درهم زيدا» ، ويتعيّن) (٣) «أعطي زيد درهما» (٤).
وحيث قيل بالجواز في الثّاني ، فقال البصريون : إقامة الأوّل أولى (٥).
وقيل : إن كان الثّاني نكرة ، والأوّل معرفة ، فإقامته (٦) قبيحة ، وإن كانا معرفتين استويا في الحسن (٧).
وفهم من قوله : «فيما التباسه أمن» أنّه إذا وجد لبس ـ وجب إقامة الأوّل ، كقولك : «أعطي زيد عمرا».
(وفهم أيضا من سكوته عن الأوّل أنّه يجوز نيابته باتفاق ، لدخوله تحت عبارته في قوله أول الباب :
ينوب مفعول به عن فاعل
و «قد» إمّا للتحقيق ، لأنه جائز اتّفاقا ، وإمّا للتقليل بالنظر إلى نيابة الأول ، فإنّه أكثر) (٨).
__________________
(١) وهو كون المرفوع منصوبا والمنصوب مرفوعا ، فإن اعتقد القلب جاز ، والنائب في الحقيقة هو الأول ، لأنّ نيابة الثاني مع اعتقاد القلب مجاز صوري ، ورفعه مجاز ، كما أنّ نصب الأول مجاز ، فهو من إعطاء المرفوع إعراب المنصوب وعكسه عند أمن اللبس.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٢ ، أوضح المسالك : ٨٩.
(٢) في الأصل : السمار. انظر التصريح : ١ / ٢٩٢. وخرق الثوب المسمار : إذا أحدث فيه شقا.
انظر اللسان : ٢ / ١١٤١ (خرق).
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٩٢.
(٤) وعزي هذا الرأي للكوفيين ، وذلك لأنّ المعرفة بالرفع أولى ، قياسا على باب «كان».
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٢ ، الهمع : ٢ / ٢٦٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٧٢ ، أوضح المسالك : ٨٩ ، شرح المرادي : ٢ / ٣٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٦٩.
(٥) وذلك لأنّه فاعل معنى. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٢ ، البهجة المرضية : ٧١ ، أوضح المسالك : ٨٩ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٣٨.
(٦) في الأصل : فإقامة. انظر التصريح : ٢ / ٢٩٢.
(٧) وعزي هذا الرأي للكوفيين. انظر التصريح : ١ / ٢٩٢ ، الهمع : ٢ / ٢٦٣ ، أوضح المسالك : ٨٩.
(٨) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١٣٣. ومما يرجح سقط هذه العبارة من الناسخ ، قول الشارح بعد : «وفهم من سكوته عن المفعول الأول من باب «ظن» ...
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
في باب ظنّ وأرى المنع اشتهر |
|
ولا أرى منعا إذا القصد ظهر |
يعني : أنّ نيابة المفعول الثّاني من باب «ظنّ» ـ وهو ما هو خبر في الأصل ـ والمفعول الثّاني من باب «أعلم» ـ وأصله المبتدأ ـ اشتهر عند النّحويين منعه. ووجه منعه في «ظنّ» أنّه خبر في الأصل ، والنّائب عن الفاعل مخبر عنه ، فتنافيا ، ووجه منعه في «أعلم» أنّ المفعول الأوّل مفعول به حقيقة ، فينزّل المفعول الثّاني والثّالث مع الأوّل منزلة الظّرف والمجرور مع وجود المفعول به.
وذهب بعضهم إلى إجازة نيابتهما ، وهو اختيار النّاظم (١) ، وإلى ذلك أشار بقوله :
ولا أرى منعا إذا القصد ظهر
وظهور القصد : هو عدم اللّبس ، فيجوز عنده : «ظنّ زيدا قائم» ، و «أعلم زيدا (٢) فرسه مسرجا».
وفهم من سكوته عن المفعول الأوّل من باب «ظنّ ، وأعلم» أنّه يجوز نيابتهما بلا خلاف ، ومن ذكره الخلاف في نيابة الثّاني من باب «أرى» أنّه لا يجوز نيابة الثّالث ، كما قاله ابن النّاظم ، تبعا للخضراويّ (٣) ، والصّحيح جواز
__________________
(١) وفاقا لابن طلحة وابن عصفور في المفعول الثاني من باب «ظن» ، ولقوم في المفعول الثاني من باب «أرى» وذلك إذا أمن اللبس ، ولم يكن جملة ولا ظرفا ، مع أنّ الأحسن إقامة الأول نحو «ظننت طالعة الشمس» ، و «اعلم زيدا كبشك سمينا» والمنع إن ألبس ، نحو «ظننت صديقك زيدا» ، و «اعلم بشرا زيد قائما» أو كان جملة أو ظرفا نحو «ظن في الدار زيدا» ، و «ظن زيدا أبوه قائم» ، و «اعلم زيدا غلامك في الدار» ، و «اعلم زيدا غلامك أخوه سائر».
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٦١٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٦٩ ، شرح المكودي : ١ / ١٣٤ ، الهمع : ٢ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، شرح المرادي : ٢ / ٣٤ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٣٨.
(٢) في الأصل : زيد. انظر شرح المكودي : ١ / ١٣٤.
(٣) وابن أبي الربيع أيضا. وبه قال ابن عصفور. قال ابن الناظم في شرحه (٢٣٦) : «وإذا بني فعل ما لم يسمّ فاعله من متعد إلى ثلاثة مفاعيل ناب الأول منها عن الفاعل ، نحو «أرى زيد أخاك مقيما» ، ولم يجز نيابة الثالث باتفاق». انتهى. وحجتهم في ذلك بأنّ المفعول الأول صريح والآخران مبتدأ وخبر ، شبها بمفعولي «أعطى» ، وبأنّ السماع إنّما جاء بإنابة الأول ، كقوله :
ونبّئت عبد الله بالجوّ أصبحت |
|
كراما مواليها لئيما صميمها |
وعبارة التسهيل ـ «ولا يمنع نيابة غير الأول من المفعولات مطلقا إن أمن اللبس ولم يكن جملة أو شبهها ـ تقتضي جوازه.
إقامته اتّفاقا (١) ، كما قاله ابن هشام (٢) ، وفي هذا الموضع تفصيل محلّه المطوّلات (٣).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وما سوى النّائب ممّا علّقا |
|
بالرّافع النّصب له محقّقا |
يعني : أنه يجب نصب ما تعلّق بالفعل المسند إلى النّائب ، مع رفع النّائب.
وشمل قوله : «ما سوى النّائب» جميع المنصوبات : ظرف الزّمان ، وظرف المكان ، والمصدر ، والحال ، والتّمييز ، والمفعول له ، أو فيه ، أو معه ، فتقول : «أعطي زيد درهما يوم الجمعة أمام الخطيب إعطاء».
__________________
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩١ ، ٢٩٢ ، الهمع : ٢ / ٢٦٥ ، أوضح المسالك : ٨٩ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩ ، شرح المرادي : ٢ / ٣٤ ـ ٣٥ ، التسهيل : ٧٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٧٠.
والخضراوي هو أبو عبد الله محمد بن يحيى بن هشام الخضراوي الأنصاري الخزرجي ، الأندلسي ، ويعرف بابن البرذعي ، كان إماما في العربية عاكفا على التعليم ، وكان شاعرا ناثرا متصرفا بالأدب ، ولد سنة ٥٧٥ ه ، وتوفي بتونس سنة ٦٤٦ ه ، من آثاره : فصل المقال في أبنية الأفعال ، الإفصاح بفوائد الإيضاح ، الاقتراح في تلخيص الإيضاح ، النقض على الممتع لابن عصفور ، وله نظم.
انظر ترجمته في بغية الوعاة : ١١٥ ، إيضاح المكنون : ١ / ١١٠ ، ١٢٠ ، كشف الظنون : ٢١٢ ، ١٢٦١ ، هدية العارفين : ٢ / ١٢٤ ، الأعلام : ٧ / ١٣٨ ، معجم المؤلفين : ١٢ / ١١٣ ، البلغة في أئمة اللغة : ٢٥٠.
(١) لم يدع ابن هشام الاتفاق في جواز ذلك ، وإنّما قال في أوضح المسالك (٨٩) : والصواب أنّ بعضهم أجازه إن لم يلبس نحو «أعلمت زيدا كبشك سمينا». انتهى.
(٢) وذلك بشرط ألّا يكون جملة وإلا يلبس ، قال ابن هشام في الجامع الصغير (٧٩) : «ولا يقام المفعول الثاني أو الثالث إلّا إن كانا مفردين ولا إلباس». انتهى. وذلك نحو «أعلمت زيدا كبشك سمينا» ، فتقول : «اعلم زيدا كبشك سمين».
وانظر أوضح المسالك : ٨٩ ، الهمع : ٢ / ٢٦٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٦٩.
(٣) ونقل عن الشاطبي أنّ بعض المتأخرين أجاز إقامة الثالث من باب «أعلم» لكن مع حذف الأول ، وأجرى فيه الخلاف في الثاني ، وألزم ابن الحاج من قال بإقامة الثاني أن يقول : بإقامة الثالث ، إذ لا فرق بينهما ، قال الشاطبي : وهو إلزام صحيح. وقال ابن عصفور : ومن الناس من أجاز إقامة كل واحد من المفعولات الثلاث.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٩٢ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٣٩.