دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ١

دكتور محمد بيومي مهران

دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

دكتور محمد بيومي مهران


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
المطبعة: دار النهضة العربية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٠

(١٣٠٨ ـ ١١٨٤ ق. م) وفيما بعد ، في بعض الأحايين ، كمرادف لكلمة «جلالته» ، ومن هذا الوقت أصبحنا نقرأ : «خرج فرعون» و «قال فرعون ... وهكذا (١).

ومن ثم ، فإن القرآن الكريم ـ فيما يبدو لي ـ أراد أن يفرق بين حاكم مصر الأجنبي على أيام يوسف الصديق في عهد الهكسوس (٢) فأطلق عليه لقب «ملك» ، وبين حاكم مصر الوطني على أيام موسى ـ مثلا ـ الذي أطلق عليه لقب «فرعون» ، وهو اللقب الذي كان يطلق على ملوك مصر منذ عهد إخناتون ، هذا فضلا عن أن ذلك من إعجاز القرآن ، الذي لا إعجاز بعده ، وإذا ما عدنا إلى التوراة ، لوجدنا أن الحقائق التاريخية تقف ضد ما أوردته التوراة بشأن استعمال لقب فرعون ، إذ أنها تستعمله حين يجب أن تستعمل لقب ملك ، وذلك قبل الأسرة الثامنة عشرة ، وتستعمل لقب ملك حين يجب أن تستعمل لقب فرعون ، وذلك منذ عهد الأسرة الثامنة عشرة (١٥٧٥ ـ ١٣٠٨ ق. م) ، وفيما بعدها.

ولعل من الأهمية بمكان الاشارة إلى أن هناك اشياء ذكرتها التوراة لم يذكرها القرآن الكريم ، وهي في أمور تتفق في بعضها وخلق يهود ـ كاتبي التوراة ـ وتبتعد في بعضها الآخر عن الحقائق التاريخية ، وأما هذه الأمور ، فأهمها (أولا) أن التوراة في عرضها لقصة الصديق ـ بعكس القرآن

__________________

(١) A. H. Gardiner, Egypt of The Pharaohs, Oxford, ٤٦٩١, P. ٢٥ وكذاA.H.Gardiner ,Eyptian Grammar ,Oxford ,٦٦٩١ ,P.٥٧

(٢) حوالي (١٧٢٥ ـ ١٥٧٥ ق. م.) ، وانظر آراء أخرى في كتابنا «حركات التحرير في مصر القديمة» دار المعارف ١٩٧٥ ص ١٣٧ ـ ١٣٨ ، وكذاD.B.Redford ,The Hyksos J.Bottero ,The وكذا Invasion in History and Tradition, ٠٧٩١, P. ٣٢ J. A. Wilson, وكذا Near Easr, The Arly Civilization, ٧٦٩١, P. ٣٩٣ A. H. Gardiner, Egypt of the Pharaohs, P. ٥٦١ وكذاop - cu ,P.٩٥١

٨١

الكريم ـ إنما تعطي تأكيدا يكشف عن مطامع يهود في مصر ، ولنقرأ هذا النص «خذوا أباكم وبيوتكم وتعالوا إليّ فأعطيكم خيرات أرض مصر ، وتأكلون دسم الأرض ... خذوا لكم من أرض مصر عجلات لأولادكم ونسائكم واحملوا أباكم وتعالوا ، ولا تحزن عيونكم على أثاثكم ، لأن خيرات جميع أرض مصر لكم» (١) ، كما لم تهمل التوراة كذلك أن تؤكد أن رحلة هؤلاء المجهدين الجياع إلى مصر ، إنما كانت للقوت ، ولكنها تؤكد أيضا أنها لتحقيق مؤامرة على الأرض التي استضافتهم (٢).

ومنها (ثانيا) أن التوراة تزعم أن يوسف قد اشترى كل أرض مصر ـ من عليها وما عليها ـ للفرعون (وهو اصطلاح لم يكن قد استعمل في مصر بعد ، كما أشرنا آنفا) بعد أن امتلأت الأرض جوعا (٣) ، الأمر الذي لم يثبت تاريخيا ، فضلا عن أنني ـ علم الله ـ لست أدري : لما ذا تريد التوراة ـ أو بالأحرى يريد كاتبوها ـ أن يصوروا النبي الكريم في صورة صوت عذاب على المصريين ، يستغل حاجتهم للمعونات الضرورية للحياة نفسها ، فيستولي على أرض مصر كلها ـ باستثناء أرض الكهانة ـ لمصلحة الملك الهكسوسي؟. ثم وهل كان ملك مصر على أيام الهكسوس ـ وهو العصر الذي نرجح فيه دخول بني إسرائيل إلى أرض الكنانة (٤) ـ يسيطر على مصر كلها ، حتى يستولي له يوسف ـ عليه‌السلام ـ على كل أراضيها؟

إن جمهرة المؤرخين ، إنما ترى أن الهكوس لم يمدوا نفوذهم أبدا إلى أبعد من القوصية (٥) جنوبا ، اللهم إلا في احتلال مؤقت قصير لإقليم (بي

__________________

(١) تكوين ٤٥ : ١٨ ـ ٢٠

(٢) تكوين ٤٦ : ١ ـ ٤

(٣) تكوين ٤٧ : ١٣ ـ ٢٦

(٤) راجع كتابنا «إسرائيل» ص ٢٣٧ ـ ٢٤٥ ، وانظر

(٥).Pahor Labib, Die Herrschaft der Hyksos in Aegypten und ihr Sturz, P. ٨١ FF.

٨٢

حتحور) ، قام به «أبو فيس» ـ ربما آخر من حمل هذا اللقب ـ وليس هناك من دليل حقيقي على أن غيره من الهكسوس قد تم له هذا الأمر (١) ، أما أمر جبايتهم للضرائب من مصر العليا والسفلى على السواء ، فموضع شك على الأقل ، ذلك لأن وجهة النظر التي ترى احتلال الهكسوس للبلاد كلها ، ليست سوى وهم قضى عليه النص الكبير للملك «كاموزا» الذي يتضمن في وضوح أن الغزاة لم يتقدموا إطلاقا فيما وراء جبلين ، والذي يشير إلى أنهم اضطروا بعد قليل إلى إرساء حدهم عند «خمون» (الاشمونين مركزملوي) (٢).

ومنها (ثالثا) أن التوراة تصور لنا شعور المصريين تجاه الإسرائيليين بأنه شعور عدائي ، أو على الأقل غير ودي ، منذ اللحظة الأولى التي قدم الإسرائيليون فيها بأخيهم بنيامين ، إذ نرى يوسف يولم وليمة تكريم لأخيه ، ولكنه يضطر إلى أن تكون له وليمة خاصة ، وثانية لإخوته ، وثالثة للمصريين ، وذلك «لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعاما مع العبرانيين ، لأنه رجس عند المصريين» (٣) ، وهكذا تبدو نظرة المصريين للعبرانيين واضحة لنا منذ أول لقاء بينهما ، وفي ضيافة يوسف العبراني نفسه ، وهي نظرة لا تدل بحال من الأحوال على احترام المصريين للعبرانيين ، وإنما تدل على أنفة المصريين وتأبيهم عن مخالطة العبرانيين ، وعدم استعدادهم حتى للأكل معهم ، رغم أنهم يعرفون أنهم إخوة يوسف عزيز مصر وقت ذاك ، والأمين على خزائنها ، والأثير عند مليكها ، وليس من شك أن هذا إن دلّ على شيء ، فإنما يدل على أن القطيعة بين الفريقين كانت واضحة لا تحتاج إلى بيان (٤).

__________________

(١) A.H.Gardiner ,op - cit ,P.٨٦١

(٢) Ibid ,P.٨٦١ , وكذا كتابنا «حركات التحرير في مصر القديمة» ص ١٤٣ ـ ١٤٥

(٣) تكوين ٤٣ : ٣٢ ، قارن : الظاهرة القرآنية ص ٣٠٥

(٤) كتابنا «اسرائيل» ص ٢٤٣

٨٣

ومنها (رابعا) أن التوراة قد حددت اسم من اشترى يوسف ووظيفته ، وأنه «فوطيفار خصي فرعون رئيس الشرطة» (١) وبدهي أن القرآن الكريم لم يفعل ذلك ، لأنه ـ كما قلنا من قبل ـ ليس كتاب حوادث وتواريخ ، وإنما قصصه للعبرة والعظة ، وإن لقّبه «بالعزيز» ، ولا شأن للقرآن بروايات المفسرين عن اسمه واسم ملك مصر في عهده واسم امرأة العزيز ، فتلك اجتهادات ، وفوق كل ذي علم عليم (٢).

وهنا لنا أن نتساءل عن وصف التوراة لفوطيفار بأنه «خصي فرعون (٣)»؟ وهل يتزوج الخصيان؟ والحق أنني لست أدرى كيف دار في خلد كاتب التوراة أن رئيس الشرطة المصري كان خصيا (٤)؟ أو لم يكن شافعا له في دحض هذه الفرية بأنه كان زوج أجمل سيدة في البلاد ، ولكن ما الحيلة وصاحب سفر التكوين ـ أول أسفار التوراة ـ يرى أن حاشية القصر كلها من الخصيان ، ومنهم رئيس السقاة ورئيس الخبازين (٥) ، وهو أمر ما اعتدناه في مصر الفراعنة ، وما حدثنا به تاريخها ، وإنما ذلك رأي يهود الأسر البابلي ، حين كتبوا توراتهم على ضفاف الفرات ، متأثرين بكل الحضارات القديمة التي شاهدوها ـ أو التي عاشوا في ظلالها ـ من ناحية ، وبحقدهم الأعمى على مصر من ناحية أخرى ، حتى أعماهم هذا الحقد عن حقائق التاريخ ، فجعلوا كل رجال البلاط المصري من الخصيان.

__________________

(١) تكوين ٣٩ : ١

(٢) تفسير الطبري ١٢ / ١٧٤ ـ ١٧٦ تفسير المنار ١٢ / ٢٧٢ ، تفسير ابن كثير ٤ / ١٧

(٣) تكوين ٣٩ : ١

(٤) من عجب أن هذه الأكاذيب قد انتقلت إلى بعض كتب التفسير (الطبري ١٢ / ١٧٥ ، القرطبي ٩ / ١٦٠) ، وان رفضتهما جمهرة المفسرين (تفسير البيضاوي ١ / ٤٩١ ، تفسير المنار ١٢ / ٢٧٢ ، تفسير الألوسي ١٢ / ٢٠٧ ، مؤتمر تفسير سورة يوسف ١ / ٤٣٤ ، ٥٠٣ ، ٥٠٤ ، قارن ١ / ٥٢٥ ، ٥٢٦ ، ٢ / ٨٧٣)

(٥) تكوين ٤٠ : ٢

٨٤

ولعل من المفيد أن نشير هنا إلى أن الآية الكريمة (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً» قد تفيد أن الرجل كان عقيما ، لم يكن له ولد ، وما كان يرجو أن يكون له ، ولكنها لن تفيد أنه كان خصيا (١).

ومنها (خامسا) ما تردده التوراة من أن يوسف إنما كان يتهم إخوته بأنهم «جواسيس جاءوا ليروا عورة الأرض ،» فضلا عن أن يوسف إنما كان يكرر القسم بحياة فرعون (٢) ، الأمر الذي لا يتفق ومكانه النبوة بحال من الأحوال.

بقيت نقطة أخيرة تتصل بذلك الاضطراب الواضح في قصة التوراة ، ففي سفر التكوين (٣٧ : ٢٦ ـ ٢٨) نجد أن يهوذا هو صاحب الكلمة ، وقد اقترح على إخوته أن يبيعوا يوسف للإسماعيليين بعشرين مثقالا ، في حين نرى في نفس السفر (٣٧ : ٢١ ـ ٢٤) أن راوئين هو صاحب الصوت الأعلى ، يقترح القاءه في الجب فيوافق الجميع ، حيث يأخذه التجار المديانيون ، كما في (تكوين ٣٧ : ٢٨) والأمر كذلك بالنسبة إلى بيعه إلى فوطيفار ، ففي أول القصة عن قوم من مدين (٣) ، بينما هم في آخرها من الإسماعيليين (٤).

وبعد : فهذه نظرة سريعة إلى الفروق بين قصص القرآن وروايات التوراة ، فإذا ما تذكرنا أن القرآن الكريم ـ كما هو معروف ـ جاء به محمد النبي الأمي ، الذي لا يكتب ولا يقرأ ، كما قال تعالى (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ

__________________

(١) تفسير المنار ١٢ / ٢٧٢ ، تفسير البيضاوي ١ / ٤٩١ ، روح المعاني ١٢ / ٢٠٧ ، تفسير القرطبي ٩ / ١٦٠

(٢) تكوين ٤٢ : ٩ ـ ١٦

(٣) تكوين ٣٧ : ٣٦

(٤) تكوين ٣٩ : ١

٨٥

قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (١) ، مما يدل بوضوح لا لبس فيه ولا غموض ـ أن هذا القرآن من عند الله ، وأنه وإن اتفق مع التوراة في القليل ، فإنه يختلف معها في أكثر الكثير ، كما يدل كذلك على أن هذا النوع من العلم ما كان عند العرب ، وليس لهم به دراية ، وأخيرا فهو يدل على أن هذا القرآن ليس حديثا يفترى ، وليس أساطير الأولين اكتتبها ، ولا يمكن أن تملى عليه ، وإذا كان بعض المشركين قد ادعوا أنه تلقاها من بعض الناس في مكة ـ كما يقول بعض المستشرقين الآن ـ فهو لم يثبت اتصاله به ، ولسانه أعجمي ، وهذا كتاب عربي مبين ، وفوق ذلك في القرآن من صادق الأخبار ، ما لم يكن في كتب أهل الكتاب المسطورة ، ولا يأتيه الباطل فيما يقول (٢) ، ولست أدري إعجازا بعد هذا الإعجاز (٣).

__________________

(١) سورة العنكبوت : آية ٤٨

(٢) محمد أبو زهرة : القرآن ص ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ، الباقلاني : إعجاز القرآن ص ٥٣ ـ ٥٤

(٣) من إعجاز القرآن كذلك إخباره بأمور حدثت في المستقبل ، منها إخباره بانتصار الروم على الفرس بعد أن كانت الهزيمة من نصيب الأولين (الروم ١ ـ ٢) ومنها إخباره بنصر المسلمين في بدر قبل الموقعة الكبرى (الأنفال : آية ٧) وأن ذلك سوف يقع في نفس الوقت الذي سيهزم فيه الفرس امام الروم (الروم ٣ ـ ٥) ، وغير ذلك من أمور لا يمكن أن تكون حدسا أو تقديرا شخصيا ، وانما هي من عند علام الغيوب ، كقيام دولة الاسلام الفتية على الارض (النور ٥٥) وعجز كل القوى عن القضاء عليها (الانفال ٣٦) والانشقاق بين المسيحيين إلى يوم القيامة (المائدة ١٤) والشتات الاسرائيلي (آل عمران ١١٢) والتفوق المسيحي على اليهود حتى يوم القيامة (آل عمران ٥٥) [انظر : الباقلاني : إعجاز القرآن ص ٧٧ ـ ٧٩ ، تفسير القرطبي ١ / ٧٣ ـ ٧٨ ، الكشاف ٣ / ٢٥٢ ، ٤ / ٤٤٠ ، ٤٤٥ ، مناهل العرفان للزرقاني ٢ / ٢٧٣ ، تفسير الطبري ٢١ / ١٦ ـ ٢١ ، ٢٥ / ١١١ ـ ١١٥ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٢١٥ ـ ٢١٦ ، ٤٣٩ ، تفسير الجلالين ص ٢١٥ ـ ٢١٦ (نسخة على هامش البيضاوي) تفسير الآلوسي ٢١ / ١٦ ـ ٢٢ ، تفسير الطبرسي ٢١ / ٥ ـ ٩ ، تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٩٥ ـ ٩٨ ، تفسير روح المعاني ٦ / ٩٥ ـ ٩٧ ، تفسير الطبري ٦ / ٤٤٥ ـ ٤٦٤ ، ٧ / ١١٦ ـ ١١٨ ، ١٠ / ١٣٥ ـ ١٤٠ ، ١٣ / ٣٩٨ ـ ٤٠٧ ، ٥٢٩ ـ ٥٣٤ (دار المعارف بمصر) ، تفسير مجمع البيان ٣ / ٩٤ ـ ٩٦ ، ٤ / ١٦٦ ـ ١٦٩ ، ٦ / ٥٤ ـ ٥٥ (دار مكتبة الحياة ،

٨٦

وهكذا يبدو بوضوح أن القرآن الكريم مصدر لا يرقى إليه الشك بحال من الأحوال ، يحدثنا عن أقوام بادت ، وعن أحداث جرت في عصور ما قبل الإسلام ، ثم إنه مرآة صادقة للحياة في الجاهلية ، حيث يصور لنا الحياة الدينية والاقتصادية والاجتماعية والعقلية أصدق تصوير (١) ، ففي القرآن الكريم ذكر لبعض أصنام أهل الحجاز ، وذكر لجدلهم مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الإسلام ، وفي الحياة ، وفي المثل الجاهلية ، كما تعرض القرآن الكريم لنواح اقتصادية وسياسية عندهم فضلا عن أمور جاهلية ، تتصل بمعارضة قريش للقرآن والإسلام.

وقد تعرض الإسلام للقانون الجاهلي ، وبعبارة اخرى لعرف العرب وتقاليدهم في الجاهلية ، وأقر بعضا ، وأنكر بعضا ، وعدّل بعضا ، ومثال ما عدّله الإسلام بعض شريعة الجاهلية في الحج والزواج والطلاق والمهر والخلع والايلاء ، وألغى نظام التبني المعروف في الجاهلية وغير ذلك (٢) ، وكل تلك أمور يستطيع المؤرخ عن طريق دراستها أن يتعرف ما كان عليه القوم في جاهليتهم ، ومن ثم يستطيع التعرف على كثير من أحوالهم الاجتماعية.

وبدهي أننا لا نستطيع الافادة من القرآن الكريم على الوجه الصحيح ،

__________________

بيروت ١٩٦١) : في ظلال القرآن ٢١ / ٢٧٥٣ ـ ٢٧٥٩ ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٥ / ١٥٠ ـ ١٥٣ ، تفسير النسفى ٣ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧ (طبعة الحلبي) ، تفسير أبي السعود ٤ / ١٧٩ ـ ١٨٠ ، تفسير الطبرسي ٢١ / ٥ ـ ٩ ، تيسير العلي القدير ٣ / ٣٠٤ ـ ٣٠٦ ، تفسير المنار ٤ / ٤٧ ـ ٥٨ ، تفسير القرطبي ص ١٤١٦ ـ ١٤١٧ (دار الشعب) تفسير ابن كثير ٢ / ٧٧ ـ ٨٦ (دار الشعب) ، تفسير الكشاف ١ / ٣٦٦ ؛ ٤٠١ ـ ٤٠٢ ، ٦١٦ (دار الكاتب العربي ـ بيروت) ، ٣ / ٢١٣ ـ ٢١٥ مدخل الى القرآن الكريم ص ١٧٧ ـ ١٨١ ، القصص القرآني ص ٤٩ ـ ٥٠ ، التبيان في علوم القرآن ص ١٢١ ـ ١٢٧

(١) احمد إبراهيم الشريف : مكة والمدينة في الجاهلية وعصر الرسول ص وـ ط.

(٢) احمد أمين : فجر الإسلام ص ٢٢٧

٨٧

إلا إذا استعنا بمصدرين أساسيين آخرين ، وأعني بهما : حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتفسير القرآن الكريم.

٨٨

الفصل الثاني

الحديث

٨٩
٩٠

الحديث هو ما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قول أو فعل أو تقرير (١) ، وللحديث الشريف مكانة كبرى في الدين تلي مرتبة القرآن الكريم مباشرة ، وصدق رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث يقول «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما بعدي أبدا ، كتاب الله وسنتي» (٢) ، ذلك أن كثيرا من آيات القرآن الكريم مجملة أو مطلقة أو عامة ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبيّنها أو قيدها أو خصصها (٣) ، قال تعالى «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» (٤). وقال تعالى «لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ، وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» (٥) ، وقال تعالى «وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (٦).

هذا وقد فرض الله على المؤمنين طاعة رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ في غير آية من القرآن الكريم ، يقول تعالى : «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (٧) ويقول «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (٨) ، كما قرن سبحانه وتعالى طاعة النبي بطاعته عزوجل ، يقول تعالى «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ» (٩) ويقول «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ

__________________

(١) أنظر تعريفات أخرى : مصطفى السباعي : السنة ومكانتها في التشريع ص ٥٩ ـ ٦٠

(٢) الحديث رواه أصحاب السنن

(٣) فتاوى ابن تيمية ١٥ / ٤٤٣ ، ١٣ / ٢٩ ، ١٧ / ٤٣١ ـ ٤٣٢

(٤) سورة النحل : آية ٤٤

(٥) سورة آل عمران : آية ١٦٤

(٦) سورة الشورى : آية ٥٢

(٧) سورة الحشر : آية ٧

(٨) سورة النور : آية ٦٣

(٩) سورة النساء : آية ٨٠

٩١

لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً» (١) ، وذلك لأن السنة ـ كما يقول الامام احمد بن حنبل ـ تفسر الكتاب وتبيّنه (٢) ، ويقول الإمام الشافعي إن الله سبحانه وتعالى ، يقول في كتابه الكريم : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ» ويقول : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» ، ثم بيّن على لسان نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عدد ما فرض من الصلوات ومواقيتها وسننها ، وعدد الزكاة ومواقيتها ، وكيفية أداء الحج والعمرة ... وهكذا (٣) ، ومن هنا كان الحديث الشريف هو المصدر الثاني للشريعة الاسلامية ، ثم هو أصدق المصادر التاريخية ـ بعد القرآن الكريم ـ لمعرفة التاريخ العربي القديم فى عصوره القريبة من الإسلام بالذات.

غير أن الحديث الشريف لم يدون على أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما دون القرآن الكريم ، حتى لا يتخذ المسلمون مع القرآن كتابا يضاهى به ، وحتى لا يعتمد الصحابة على الكتابة ، فينصرفوا عن حفظ الحديث (٤) ، ومن ثم وجدنا أحاديث تنهى عن تدوين الحديث ، منها ما رواه مسلم ـ عن أبي سعيد الخدري ـ من أن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «لا تكتبوا عني ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ، وحدثوا عني فلا حرج ، ومن كذب علي متعمدا ، فليتبوأ مقعده من النار» (٥).

__________________

(١) سورة الأحزاب : آية ٣٦

(٢) تفسير القرطبي ١ / ٣٩

(٣) محمد يوسف محمد : منزله السنة من الكتاب ، ص ٢٠ ـ ٢٣ من كتاب دفاع عن الحديث النبوي

(٤) ابن عبد البر : جامع بيان العلم وفضله ١ / ٦٨ ، وانظر : سنن الدارمي ٢ / ٩١ طبع الهند ، تذكرة الحفاظ للذهبي ١ / ٣ ، ٥ ، تقييد العلم ص ٢٧ ، محمود ابو رية : المرجع السابق ص ٤٦ ـ ٥٣

(٥) ابن كثير ١ / ٦ ، صحيح مسلم ٤ / ٢٩٨ ، تفسير القرطبي ١ / ٨٠ ، فتاوى ابن تيمية ١٣ / ٣٦٦ ، قارن : تأويل مختلف الحديث ص ٤٩ ، مشكل الآثار للطحاوي ١ / ١٧١ ، ابن سعد ٢ / ٧٤ ، ٧٥ ، بحوث في تاريخ السنة ص ١٤٢ ، أبو رية : المرجع السابق ص ٥٩ ـ ٦٥

٩٢

ومع ذلك فهناك ما يدل على أن صحفا من الحديث قد كتبت على عهد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منها ما كتبه رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأهل نجران عند ما صالحهم ، وما كتبه لثقيف ولأهل دومة الجندل ولأهل هجر (١) ، فضلا عن الرسائل التي ارسلها للملوك والأمراء ، والوثيقة التي بيّن فيها حقوق المسلمين والمشركين واليهود في المدينة عند ما قدمها (٢) ، وما روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص من أنه كان يكتب كل ما سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) ، بل إن هناك من يذهب إلى أن أبا هريرة قد كتب كذلك ، ورغم أنه نفسه لا يكتب ، فإنهم يعللون ذلك بأنه قد تعلم الكتابة بعد ذلك (٤)

هذا إلى جانب أن هناك ما يشير إلى أن عبد الله بن مسعود ، وسعد بن عبادة كانا يكتبان (٥) ، فضلا عن خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي كتبت لأبي شاه اليمني (٦) ، وما كتبه الرسول لبعض عماله من كتب حدد فيها مقادير الزكاة في الإبل والغنم ، وأخيرا فإن الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ كانت عنده صحيفة فيها أحكام الدية ، كما كان عند أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتاب فيه استفتاح الصلاة ، بالإضافة إلى صحف سمرة بن جندب ، وجابر بن عبد الله (٧) ، ويعلل بعض العلماء لهذا الخلاف في أن

__________________

(١) أنظر : الأموال لأبي عبد الله ص ٢٧٢ ، ٢٧٦ ، ٢٨٢ ، ٢٨٧

(٢) نهاية الارب ١٨ / ١٥٩ ـ ١٦٩

(٣) صحيح البخارى ١ / ٣٤ ، جامع بيان العلم ١ / ٧٠ ـ ٧١ ، ابن سعد ٧ / ١٨٩ أسد الغابة ٣ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤

(٤) دفاع عن الحديث ص ١٦ ، فتح الباري ٢ / ١٦٧ ، جامع بيان العلم ١ / ٧٠.

(٥) ابن عبد البر ١ / ٧٢ ، مسند الإمام احمد ٥ / ٢٨٥ ، قارن : مقدمة ابن الصلاح ص ١٧٠ ، الباعث الحثيث ص ١٤٨ ، دفاع عن الحديث ص ١٥

(٦) صحيح البخارى ٣ / ١١٠

(٧) بحوث في تاريخ السنة ص ١٤٧ ، دفاع عن الحديث ص ٥٠

٩٣

النهي عن الكتابة ، إنما كان وقت نزول القرآن ، خشية التباس القرآن بالحديث (١).

وهناك ما يشير إلى أن تدوين الحديث ، إنما بدأ التفكير فيه على أيام الفاروق عمر بن الخطاب (١٣ ـ ٢٣ ه‍ ـ ٦٣٤ ـ ٦٤٤ م) ، ولكن الخليفة الراشد سرعان ما عدل عن ذلك ، حتى لا ينصرف الناس عن كتاب الله (٢) ، ثم تجددت الفكرة على أيام عمر بن عبد العزيز (٩٩ ـ ١٠١ ه‍ ـ ٧١٧ ـ ٧١٩ م) ، وكما يروي أبو نعيم ـ في تاريخ اصفهان ـ أن الخليفة قد كتب إلى أهل الآفاق : أنظروا إلى حديث رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأجمعوه ، وطبقا لرواية الإمام البخاري ، فإن عمر قد كتب إلى أبي بكر بن حزم ـ نائبه في الامارة والقضاء على المدينة ـ أن «أنظر ما كان من سنة أو حديث فأكبته ، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء» ، غير أن الأمر لم يتم بسبب موت الخليفة ، وتنحية ابن حزم عن إمارة المدينة ، على أيام يزيد بن عبد الملك ، وبقي الأمر كذلك إلى أن تولى هشام بن عبد الملك (١٠٥ ـ ١٢٥ ه‍ ـ ٧٢٤ ـ ٧٤٣ م) ، فجدّ في ذلك الأمر «ابن شهاب الزهري» (ت ١٢٤ ه‍) ، وإن كان هناك ما يشير الى أنه قد أكره على ذلك في أول الأمر ، غير أن هذه الكراهية ما لبثت أن صارت رضا (٣).

وبقي الأمر كذلك ، حتى جاء أبو جعفر المنصور العباسي

__________________

(١) أحمد أمين : فجر الإسلام ص ٢٠٩ ، قارن : تأويل مختلف الحديث ص ٣٩٦ ، وأنظر المسند ١٠ / ٧٦٦

(٢) ابن عبد البر ١ / ٦٤ ـ ٦٥ ، تقييد العلم ص ٥٢ ، أضواء على السنة المحمدية ص ٤٧

(٣) نفس المرجع السابق ص ٢٥٨ ـ ٢٦٢ ، إرشاد الساري شرح القسطلاني ١ / ٧ ، تقييد العلم للخطيب البغدادي ص ١٠٧ ، ابن عبد البر ١ / ٧٧ ، صحيح البخاري : باب العلم ، الأحياء للغزالي ١ / ٧٩ ، مقدمة المصحح لكتاب معرفة علوم الحديث ص ي ، صبحي الصالح : مباحث في علوم الحديث : ص ٣٨ ـ ٤٠ ، محمد الصباغ : الحديث النبوي ص ١٢٠ ـ ١٢٢

٩٤

(١٣٦ ـ ١٥٨ ه‍ ـ ٧٥٤ ـ ٧٧٥ م) ، الذي أراد أن ينسخ من موطأ مالك ، الذي كتبه عام ١٤٨ ه‍ ، نسخا توزع على الأمصار ، ليعمل الناس بها دون غيرها ، إلا أن الإمام مالك قد رفض الفكرة من المنصور ، كما رفضها من الرشيد (١٧٠ ـ ١٩٣ ه‍ ـ ٧٨٦ ـ ٨٠٩ م) من بعده ، وذلك حين شاوره في أن يعلق الموطأ في الكعبة ، ويحمل الناس على ما فيه ، فأبى الإمام مالك ، لأن أصحاب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد اختلفوا في الفروع ، وتفرقوا في البلدان ، وكل مصيب (١).

وعلى أي حال ، فلقد تمّ تدوين الحديث في القرن الثاني الهجري ، ويروي ابن حجر في شرح البخاري أن أول من جمع ذلك الربيع بن صبيح (ت ١٦٠ ه‍) وسعيد بن أبي عروبة (١٥٦ ه‍) ، إلى أن انتهى الأمر إلى كبار الطبقة الثالثة ، من أمثال الإمام مالك (٩٣ ـ ١٧٩ ه‍) بالمدينة ، وعبد الملك بن جريح (ت ١٥٠ ه‍) بمكة ، والأوزاعي (ت ١٥٦ أو ١٥٧ ه‍) بالشام ، وسفيان بن الثوري (ت ١٦١ ه‍) بالكوفة ، وحماد بن سلمة بن دينار (ت ١٦٧ ه‍) بالبصرة ، والليث بن سعد (ت ١٧٥ ه‍) بمصر ، وهيثم (ت ١٨٨ ه‍) بواسط ، ومعمر باليمن (ت ١٥٣ ه‍) وابن المبارك (ت ١٨١ ه‍) بخراسان ، وجرير بن عبد الحميد بالري ، وكل هؤلاء من رجال القرن الثاني ، وكانت مجموعات الحديث لهم مختلطة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ، ثم تلاهم كثير من الأئمة في التصنيف كل على حسب ما سنح له وانتهى إليه علمه (٢).

__________________

(١) احمد امين : المرجع السابق ص ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، حياة محمد ص ٦٦ ـ ٦٧ ، محمود ابو رية : المرجع السابق ص ٢٩٨ ، الحافظ بن عبد البر : كتاب الانتقاد ص ٤١ ، مباحث في تدوين السنة المطهرة ص ١٨٦

(٢) فجر الاسلام ص ٢٢٢ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٠١ ، النجوم الزاهرة ١ / ٣٥١ ، دفاع عن الحديث ص ٧٣ ـ ٧٤ ، كتاب معرفة علوم الحديث ص ي ـ يا

٩٥

وعلى أي حال ، فإنه من المتفق عليه ـ أو يكاد ـ تدوين الحديث إنما بصفة عامة ورسمية في نهاية القرن الأول الهجري ، ولم يكد ينتهي القرن الثالث حتى كانت السنة كلها مدونة في الكتب من صحاح وسنن ومسانيد (١) ، وأن بعض الصحابة والتابعين كانوا يدونون في القرن الأول الهجري ، لا سيما بعد وفاة النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (٢).

وقد اتبع المسلمون الدقة ـ كل الدقة ـ في تدوين الحديث ، إذ كانت الأحاديث تروى عن طريق سلسلة الحفاظ ، أو ما يعرف «بالسند» أو «الإسناد» ، حتى تصل إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو إلى السلف الأول من الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين (٣) ، هذا إلى جانب تقويم الرواة وتعديلهم أو تجريحهم ، ووضعهم في درجات متفاوتة من الثقة فيما يروون (٤) ، ويروي الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أنهم لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة قالوا «سموا لنا رجالكم» (٥).

وقد أبدعت الثقافة الإسلامية في هذا فنا قائما بذاته هو «الجرح

__________________

(١) المسانيد : هي كتب الحديث التي ألفت في القرن الثاني الهجري ، وأشهرها : مسند معمر بن راشد (ت ١٥٢ ه‍) ومسند الطيالسي (ت ٢٠٤ ه‍) ومسند الحميدي (ت ٢١٩ ه‍) ومسند الإمام احمد بن حنبل (١٦٤ ـ ٢٤١ ه‍) ومسند الديلمي والشافعي وغيرها.

(٢) دفاع عن الحديث ص ١٢٢ ، مفتاح السنة ص ١٨

(٣) مقدمة ابن خلدون ص ٤٥٢ ، حاجي خليفة : كشف الظنون ١ / ٤٢٣ ، مباحث في تدوين السنة ص ٨٨ ـ ١٠٣ ، النيسابوري : كتاب معرفة علوم الحديث ص ٥ ـ ١٢ ، وكذاEI ,٢ ,P.١٠٢

(٤) عبد الستار الحلوجي : مقدمة لدراسة المراجع ص ٦٢ ، وانظر : النيسابوري : المرجع السابق ص ١٤ ـ ٢٧

(٥) احمد امين : فجر الإسلام ص ٢١٦ ، محمود أبو رية : المرجع السابق ص ٧٢ ـ ٧٣ ، ٣٣١ ، مباحث في تدوين السنة ص ٨٩ ـ ٩٢ ، وانظر صحيح مسلم ، سنن الترمذي

٩٦

والتعديل» (١) ، لا نشك في أن من أعظم ما مهد لنشأته كذب الوضاعين (٢) ، وافتراء أهل الأهواء ، ونسبتهم إلى القرآن والسنة أقوالا يدعمون بها زيفهم ويحاربون بها الاتجاه الحق في العقيدة وفي الشريعة ، وقد كان المسلمون يأخذون الأخبار من أفواه الرجال ، ومما قيدوه في نسخهم ، ناظرين دائما إلى هيئة الرجل وصلاحه ، فهم لم يكونوا يفصلون بين علم الفرد وسلوكه ، فالفرد ـ في نظرهم الصائب ـ وحدة متكاملة ، يؤثر فيها سلوكه على علمه ، أو العكس ، ولا مناص من بحث

__________________

(١) انظر عن الجرح والتعديل : فجر الاسلام ص ٢١٦ ـ ٢١٨ ، أضواء على السنة المحمدية ص ٣٣١ ـ ٣٤١ ، محمد الصباغ : الحديث النبوي ص ١٤٣ ـ ١٤٦ ، محب الدين الخطيب وآخرون : دفاع عن الحديث النبوي ص ٩٠ ـ ٩٦ ، مباحث في تدوين السنة المطهرة ص ١٢٣ ـ ١٦٠ ، النيسابوري : كتاب معرفة علوم الحديث ص ٥٢ ـ ٥٨.

(٢) ترجع نشأة الاختراع في الرواية ووضع الحديث على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى آخريات أيام الخليفة عثمان بن عفان ، وبعد الفتنة التي أودت بحياته ، ثم اشتد الاختراع واستفاض بعد ذلك ، وأما أسباب الوضع فتتلخص في نقاط ، منها الخلافات السياسية ، ومنها نصرة المذاهب في أصول الدين وفروعه ، ومنها الزنادقة اللابسون لباس الإسلام غشا ونفاقا وقصدهم بذلك إفساد الدين وإيقاع الخلاف بين المسلمين ، ومنها الغفلة عن الحفظ ، اشتغالا عنه بالزهد والانقطاع للعبادة ، ومنها التعصب للجنس والقبيلة والبلد ، ومنها التقرب إلى أصحاب السلطان من الملوك والأمراء ، ومنها الرغبة في إرضاء الناس وابتغاء القبول عندهم ، ومنهم الوعاظ والقصاص الذين لا يهمهم إلا أن يبكي الناس في مجالسهم ، ومنها الرغبة في الإتيان بغريب الحديث من متن وإسناد ، ومنها الانتصار للفتيا ، ومنها الترويج لنوع من المأكل أو الطيب أو الثياب ، ومنها غفلة المحدث واختلاط عقله في أخريات أيام حياته ، ومنها الرغبة في الخبر ، ولكن مع جهل بالدين [أنظر : اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي ٢ / ٢٣٢ ، ٣٤٦ ، الباعث الحثيث ص ٨٢ ، ٨٦ ، ٩٣ ، ٩٤ اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ص ٢٠٨ ، رسالة التوحيد ص ٧ ، ٨ ، تاريخ بغداد ٥ / ٣٠٨ ، ١٣ / ٣٣٥ ، مجلة المنار ٢٧ / ٧٤٧ ـ ٧٥٤ ، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ١ / ١٣ ، ٥ / ٧ ، فتح الباري ١ / ١٦١ ، ميزان الاعتدال للذهبي ٣ / ٣٣٨ ، ٤٣٠ ، الموضوعات لابن الجوزي ١ / ٤٢ ، وانظر امثلة للأحاديث الموضوعة في كتب : الحديث والمحدثون ، تنزيه الشريعة لابن عراق ، الاصابة في تمييز الصحابة ، الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب]

٩٧

حاله بحثا متقصيا ، يتناول أدق تفاصيل حياته الذهنية والسلوكية ليمكن قبول نقله أو رفضه ، وما نظن أن ثقافة في الأرض قامت على مثل هذا الأساس النقدي المنهجي النزيه ، فذلك شيء تفرد به المسلمون (١).

وليس من شك في أن كتب الحديث (٢) وشروحها ـ رغم أنها مصدر فقهي أكثر منه تاريخي (٣) ـ مورد غني من الموارد الأساسية لتدوين أخبار الجاهلية فيما قبيل الإسلام ، على أن الغريب من الأمر ، أن مؤرخي تلك الفترة قد تجاهلوا هذا المنهل الغزير ، وبخاصة فيما يتصل بتاريخ عرب الحجاز ، إلى حد كبير ، ومن ثم فقد خسروا واحدا من أهم مصادر التاريخ العربي القديم.

__________________

(١) عبد الصبور شاهين : تاريخ القرآن ص ٨٢ ـ ٨٣

(٢) أشهر مجاميع الحديث : موطأ مالك ومسند ابن حنبل وسنن الدارميّ (ت ٢٥٥ ه‍) وصحيح البخارى (١٩٤ ـ ٢٥٦ ه‍) وصحيح مسلم (٢٠٤ ـ ٢٦٨ ه‍) وسنن أبي داود (٢٠٢ ـ ٢٧٥ ه‍) وسنن الترمذي (٢٠٩ ـ ٢٧٩ ه‍) وسنن النسائي (٢١٥ ـ ٣٠٣ ه‍) وسنن ابن ماجة (٢٠٩ ـ ٢٧٣ أو ٢٧٥ ه‍)

(٣) R. Biachera, Le Probleme de Mahomei, Paris, ٢٥٩١, P. ٧

٩٨

الفصل الثّالث

التفسير

٩٩
١٠٠