دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ١

دكتور محمد بيومي مهران

دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

دكتور محمد بيومي مهران


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
المطبعة: دار النهضة العربية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٠

وإذا صدقت وجهة النظر هذه ، فإننا نستطيع أن ندعمها بعدة أدلة ، منها تلك الآيات الكريمة التي جعلتهم خلفاء لقوم نوح (١) ، ومنها ورود قصة هود بعد قصة نوح ، عليهما‌السلام ، في كثير من المرات في القرآن الكريم (٢) ، هذا فضلا عن ذكر عاد وثمود ، بين قوم نوح وقوم إبراهيم (٣) ، ومنها قوله تعالى «أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ ، وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ» (٤) ، وقد اتخذ البعض من هذه الآية الكريمة ، والتي قبلها ، دليلا على أن هذه الأقوام ، إنما سبقت عهد موسى ـ أي القرن الثالث عشر ق. م. (٥) على أساس أن الخطاب هنا موجه إلى قوم موسى (٦).

غير أن ابن كثير ، إنما يرى أن الخبر مستأنف من الله لهذه الأمة ـ أي أمة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ـ لأن قصة عاد وثمود ليست في التوراة ، فلو كان هذا من قول موسى لقومه وقصصه عليهم ، فلا شك أن تكون هاتان القصتان في التوراة (٧) ، وتوسط البيضاوي بين أن يكون من كلام موسى ، أو كلام مبتدأ من الله (٨) ، أضف إلى ذلك أننا نرى الترتيب يختلف في سورة الشعراء ، إذ تسبق قصة موسى (١٠ ـ ٦٨) قصة إبراهيم (٦٩ ـ ٨٩) ثم تأتي بعد ذلك قصة نوح (١٠٥ ـ ١٢١) فقصة هود (١٢٤ ـ ١٤٠) ثم قصة صالح (١٤١ ـ ١٥٩) فقصة لوط (١٦٠ ـ ١٧٥) ثم قصة شعيب

__________________

(١) سورة الأعراف : آية ٦٩ ، سورة إبراهيم : آية ٩ ، سورة غافر : آية ٣١

(٢) أنظر مثلا سور : هود والأعراف والمؤمنون والشعراء

(٣) سورة التوبة : آية ٧٠

(٤) سورة إبراهيم : آية ٩ ، وانظر سورة غافر : آية ٣١

(٥) راجع عن عصر موسى : كتابنا إسرائيل ص ٢٦٨ ـ ٣٠٣

(٦) تفسير الطبري ١٣ / ١٨٧ (طبعة الحلبي ١٩٥٤)

(٧) تفسير ابن كثير ٤ / ١١١

(٨) تفسير البيضاوي ١ / ٥٢٥ ـ ٥٢٦

٢٦١

(١٧٦ ـ ١٩١) ، بل إن ثمودا إنما تتقدم عاد في سورة «ق» حيث يقول سبحانه وتعالى : «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ، وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ» (١).

__________________

(١) سورة ق : آية ١٢ ـ ١٣

٢٦٢

الفصل السّابع

الثموديون

«قوم صالح»

٢٦٣
٢٦٤

(١) أصل الثموديين

ينسب الثموديون إلى «ثمود بن جاثر بن إرم بن سام (١)» ، ويذهب البعض إلى أن ثمودا ، إنما هو أخو «جديس وطسم» وأنهم أبناء «عابر بن إرم بن سام بن نوح (٢)» ، ويكتفي البعض بارجاع نسبهم إلى عاد ، على أنهم بقية من عاد (٣)

وأما النبي الكريم ، صالح عليه‌السلام ، فهو في رأي البعض ـ «صالح بن عبيد بن آسف بن ماسخ (أو ماشج) بن عبيد بن حاذر (أو حاجر) بن ثمود» وهو ـ في رأي البعض الآخر ـ صالح بن آسف بن كما شج بن إرم بن ثمود ، وهو ـ في رأي فريق ثالث ـ صالح بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود ، إلى غير ذلك من سلسلة أنساب (٤).

ويجمع المؤرخون الإسلاميون على أن الثموديين عرب ، بل ويكادون يتفقون على أنهم من العرب العاربة (٥) ، ثم يذهبون بعد ذلك مذاهب شتى ، حيث يرى فريق منهم أنهم بقية من قوم عاد ، ومن ثم فإنهم يرون

__________________

(١) ابن الأثير ١ / ٨٩ ، صبح الأعشى ١ / ٣١٣ ، المحبر ص ٣٩٥ ، المعارف ص ١٣ ، المقدسي ٣ / ٣٧ ، نهاية الأرب للقلقشندي ص ٢٠٠ ، تفسير الطبري ١٢ / ٥٢٤ (دار المعارف)

(٢) ابن كثير ١ / ١٣٠ ، مروج الذهب ٢ / ١٤ ، قارن : تفسير المنار ٨ / ٥٠١ ، تفسير الطبري ١٢ / ٥٢٤

(٣) تاج العروس ٢ / ٣١٢ ، لسان العرب ٣ / ١٠٥

(٤) تاريخ الطبري ١ / ٢٢٦ ، ابن كثير ١ / ١٣٠ ـ ١٣١ ، أبو الفداء ١ / ١٢ ، ابن الأثير ١ / ٨٩ ، تفسير المنار ٨ / ٥٠١ ، روح المعاني ٨ / ١٦٢ ، المحبر ص ٣٨٥ ، المعارف ص ١٤ ، الاكليل ٢ / ٢٩١ ، المقدسي ٣ / ٣٧ ، قصص الأنبياء ص ٥٨

(٥) ابن كثير ١ / ١٣

٢٦٥

أنهم إنما نشئوا في اليمن ، ثم غلبهم الحميريون فأجلوهم إلى الشمال ، فسكنوا منطقة الحجر (١) ، وتلك رواية يناقضها (أولا) ما ذهبنا إليه من قبل ، من أن عادا إنما كانت في شمال شبه الجزيرة العربية وليس في جنوبها ويناقضها (ثانيا) دعواهم بأنهم من العرب العاربة ، وأنهم كانوا قبل عهد إبراهيم عليه‌السلام ، والخليل ـ كما أشرنا من قبل ـ إنما كان يعيش في الفترة (حوالي ١٩٤٠ ـ ١٧٦٥ ق. م.) ، بينما بدأ الحميريون ـ كما هو معروف ـ سيادتهم في اليمن في فترة تقرب من الميلاد بقليل أو كثير (٢) ، ومن ثم فالفرق بينهما جد شاسع.

وهناك فريق آخر ، يذهب إلى أنهم بقية من العماليق ، ولعل هذا هو الذي دفع بعضها من المؤرخين المحدثين إلى القول بأن ثمودا ، إنما هم شرذمة من الهكسوس ، الذين طردهم احمس الأول في حوالي عام ١٥٧٥ ق. م. ، من مصر (٣) ، وأنهم سكنوا منطقة الحجر ، حيث نحتوا من الجبال بيوتا على غرار المقابر المصرية القديمة التي شاهدوها أثناء إقامتهم في مصر (٤).

وليس لهذا الرأي من دليل ، سوى أن أصحابه قد افترضوا أن الهكسوس من العماليق ـ الأمر الذي رفضناه في دراستنا عن الهكسوس (٥) ـ وأن الثموديين بقية من هؤلاء العماليق ، فإذا كان ذلك كذلك ، فكيف سكت «احمس» عليهم ، وهو الذي حاصر الهكسوس في «شاروهين» ـ وهو موقع في

__________________

(١) أبو الفداء ١ / ٧٠ ، اللسان ٣ / ١٠٥ ، تاج العروس ٢ / ٣١٢

(٢) عن مبدأ التقويم الحميري : أنظرLe Museon, ٤٦٩١, ٣ ـ ٤, P. P. ٧٠٤ ـ ٩٢٤ F F. Hommel, Geschichte Sudarabiens, I, ٧٣٩١, P. ٦٩ G. Ryckmans, Chronologie Sabeenne

(٣) أنظر كتابنا «حركات التحرير في مصر القديمة» ـ الباب الثاني ـ

(٤) محمد مبروك نافع : المرجع السابق ص ٣٦

(٥) محمد بيومي مهران : المرجع السابق ص ١٣١ ـ ١٣٧

٢٦٦

جنوب غرب فلسطين ـ ثلاثة أعوام ، حتى أجلاهم عنها (١) ، بل كيف يترك أحمس بقية منهم يقيمون دويلة ـ أو حتى إمارة صغيرة ـ على تخوم دولته ، وهو الرجل الذي حدثتنا النصوص التاريخية من أيامه ، على أنه قد طارد الهكسوس حتى «زاهي» ، ومعنى هذا أنه لم يطهر مصر منهم فحسب بل طهر كذلك فلسطين ولبنان ، ثم كيف سكت الفراعين على أيام الامبراطورية المصرية (١٥٧٥ ـ ١٠٨٧ ق. م.) على هذه الجيوب المعادية في جنوب الإمبراطورية على حدود فلسطين ـ أو قل على حدود الإمبراطورية مباشرة ـ وفي منطقة تسيطر على طريق القوافل بين مصر وجنوب شبه الجزيرة العربية ، وهي جد هامة.

وأما النحت الذي تعلموه من مصر ، فلا أظن أن ذلك يستدعي اقامتهم في أرض الكنانة ، فوسائل الاتصال بينهم وبين مصر جد كثيرة ، ولعلها قد تسربت عبر البحر الأحمر ضمن المؤثرات المصرية في الحضارة العربية القديمة (٢)

وهناك فريق ثالث يذهب إلى أن الثموديين عرب جنوبيون (٣) ، هاجروا إلى شمال غرب الجزيرة العربية ، كدأب كثير من القبائل الجنوبية التي اشتهرت بكثرة تنقلاتها (٤) ، ولا أظن أن هذا الفريق من المؤرخين المحدثين قد أصاب كثيرا في رأيه هذا ، لأن العادة أن يهاجر الناس من

__________________

(١) أنظر : نفس المرجع السابق ، احمد فخري : مصر الفرعونية ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧ وكذاG. Steindorjf and K. Seele, When Egypt Ruled the East, P. ٢٣

(٢) أنظر مقالنا «العرب وعلاقاتهم الدولية في العصور القديمة»

(٣) أنظرE. Glaser, Skizze der Geschichteumd Georgraphie Arabiens von den altesten Zeiten biscum Propheten Muhammed, ٢, P. ٣٢١ F R. Dussaud, la Penetration des Arabes en Syrie avant L\'Islam, P. ٢٣١ O. Blan, ZDMG, ٢٢, ٨٦٨١, P. P. ٩٥٦ ـ ٣٧٦

٢٦٧

مواطن القحط إلى الخصب والنماء ، وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى اليمن وشمال غرب الجزيرة العربية ، ثم إن الهجرات العربية الجنوبية ، إنما حدثت في وقت متأخر عن ذلك ، ولعل أشهرها تلك الهجرات التي حدثت بعد التصدع الخطير الذي أصاب سد مأرب في القرن السادس الميلادي ، وأن كنا نعرف هجرات يمنية متعددة إلى السواحل الإفريقية ، بدأت منذ الألف الثاني ق. م. ، واستمرت حتى القرن الثالث الميلادي ، بل إن بعض الباحثين يرى أن الأحباش أنفسهم ، إنما كانوا من غرب اليمن (١).

وأيا ما كان الأمر ، فهناك ما يدل على أن الثموديين إنما كانوا من القبائل العربية التي سكنت شمال شبه الجزيرة العربية ، هذا فضلا عن أن قبيلة ثمود هذه لم تكن مملكة بالمفهوم الحضاري ، ولم تتوطن بشكل دائم في منطقة من المناطق إلا إذا اخذنا في الاعتبار ما يقوله بعض المؤرخين من أن النبطيين واللحيانيين أصولهم ثمودية ، وعندئذ يمكن أن نقول أن هذه الممالك ممالك ثمودية باعتبار أصولها ، وإن كانت قد اتخذت اسما جديدا (٢).

(٢) ثمود في الكتابات القديمة

ليس من شك في أن قصة ثمود اوضح بكثير من قصة عاد ، فمنذ القرن الثامن قبل الميلاد ، والكتابات الأشورية تتحدث عن الثموديين هؤلاء ،

__________________

(١) راجع مقالنا الآنف الذكر ، ثم أنظر : فضلو حوراني : المرجع السابق ص ٥٤ ، موسكاتي : المرجع السابق ص ٢١٣ ، C. Peters, The Eldorado of the Ancient, P. P. ١٧٢ ـ ٤٧ وكذاDie Araber ,p.٦٢١ وكذاA.Graehmann ,op - cit ,p.٥٢

(٢) عبد الرحمن الانصاري : المرجع السابق ص ٨٩

٢٦٨

فالملك سرجون الثاني (٧٢٢ ـ ٧٠٥ ق. م.) يتحدث عنهم ، من بين من تحدث عنهم من قبائل خاض غمار الحرب ضدها ، وقد دعاهم باسم «تامودي Tamudi» (Thamudi) ) ، بل إنه ليذكر كذلك أنه هجرهم إلى السامرة من بين من هجر من شعوب (٢) ، يقول العاهل الأشوري في حوليات السنة السابعة «طبقات لوحي صادق من آشور إلهي ، قضيت على قبائل تامودي ومورسيمانوا وخيابا (٣) ، والعرب الذين يعيشون بعيدا في الصحراء ، والذين لا يعترفون برؤساء أو موظفين ، والذين لم يكونوا قد جاءوا بجزاهم لأي ملك ، سبيت الأحياء منهم ونقلتهم إلى السامرة (٤)».

وقصة التهجير هذه بدأت بعد أن كتب للملك الأشوري نجحا بعيد المدى في القضاء على اسرائيل ، واحتلال العاصمة (السامرة) في أخريات عام ٧٢٢ ق. م. ، ثم تهجير سكانها ـ وربما النبلاء والأغنياء فحسب ـ إلى أنحاء مختلفة من الامبراطورية الآشورية ـ وهو ما عرف في التاريخ بالسبي الآشوري ـ وسرعان ما أتى بقوم آخرين من بلاد كان قد استولى عليها (٥) ، ومن بين هؤلاء الآخرين بعض من ثمود.

وأيا ما كان السبب في هذه التهجيرات التي شملت الثموديين ، وسواء أكان الأشوريون يهدفون من ورائها إلى كسر التحالفات القديمة بإدخال أجانب في البلاد ، كبداية لظروف جديدة أكثر ملائمة للامبراطورية

__________________

(١) Rawlinson, Cuneiform Inscriptions, I, Pl. ٦٣ A. L. Oppenheim, in ANET, P. ٦٨٢ A. G. Lie, The Inscriptions of Sargon II, Part, I, The annals, ٩٢٩١, P. ٥

(٢) A. Musil, Northern Hegas, P. ٩٨٢ A. Musil, In the Arabian Desert, P. ٩٧٤

(٣) راجع عن هذه الشعوب : الويس موسل : شمال الحجاز ص ٨٩ ـ ٩٥

(٤) A.L.Oppenheim ,in ANET ,P.٦٨٢

(٥) أنظر كتابنا اسرائيل ص ٥٠٩ ـ ٥١٢ ، وكذا J. Finegan, Light from the Ancient Past, I, P. P. ٨٠٢ ـ ٠١٢ A. T Olmstead, Western Asia in the days of Sargon of Assyria, P. ٥٤ P. ٢٨٢

٢٦٩

الأشورية الطموح ، أو أن الهدف لا يعدو أن يكون تعمير مناطق مر بها الآشوريون إلى السامرة ، إنما قد عادوا في زمن لا حق لا نستطيع تحديده على وجه اليقين ، وأنهم قد أسكنوا في مدين (١).

هذا وقد جاء ذكر الثموديين في النقوش السبئية ، ومن ذلك نقش ، يرجع إلى نهاية القرن السادس أو بداية القرن الخامس ق. م. ، ويحكي قصة اثنين من قبيلة ثمود كانا يباشران العمل في ري نخيلهما ، ورغم أننا لا نعرف من أي مكان جاء هذا النقش ، على وجه اليقين ، فأغلب الظن أنه من بلاد سبأ (٢). هذا وقد عثر في «نجران» على نقشين سبئيين كذلك ، ورد فيهما اسم الإله (صلم) ، الذي كان معبودا ثموديا في منطقة تيماء في العقد الذي استوطن فيه الملك البابلي «بنونيد» هذه المدينة ـ أي في الفترة (٥٥٥ ـ ٥٤٦ ق. م.) ، بعد حملته المشهورة التي احتل فيها تيماء وديدان وخيبر ويثرب (٣) ، ويبدو ـ على أي حال ـ أن النقش ، الآنف الذكر ، من عمل مهاجرين ثموديين (٤) والأمر كذلك بالنسبة إلى نقشين سبئيين يذكران كذلك اسم ثمود ، وقد عثر على الواحد منها في وادي «ثوبا» ـ على مبعدة ٢٠٠ كيلومتر إلى الشمال الشرقي من عدن ، بينما عثر على الآخر في سابق ، بوادي ميفعة جنوب عدن (٥).

وقد تحدث الكتاب القدامى من الأغارقة والرومان عن الثموديين كذلك ، فقد جاء في «استرابو» (٦٦ ـ ٢٤ م) أن

__________________

(١) E.Glaser ,op - cit ,P.٢٠١

(٢) Repertoire d\'Epigraphie Semitique, ٢٠٩٣, bis, N. ٠٣١ وكذاVan den Branden ,Histoire de Thamoud ,P.٦١

(٣) A. Gardiner, op - cit, P. ٣٦٣ A. R. Burn, Persia and The Greeks, P. ٨٣ R. P. Dougherty, Nabonidus and Belshazzor, P. ٧٠١

(٤) J. B. Philby, and A. S. Tritton, Najran Inscriptions, JRAS, ٤٤٩١, P. P. ٩١١ ـ ٩٢,

(٥) Repertoire d\'Epigraphie Semitique ,٤٥٠٥

٢٧٠

«ERATOSTHENES» (٢٧٦ ـ ١٩٤ ق. م.) قد قسم بلاد العرب إلى قسمين ، الواحد شمالي ويسكنه الأنباط ، والآخر جنوبي ، ويسكنه المعينيون والفيتانيون والحضارمة ، وبين الاثنين منطقة وسط ـ هي الحجاز وعسير ـ يسكنها «عرب يقتفون الأثر ويرعون الإبل» (١)» ، وأكبر الظن أن الرجل قد قصد بذلك الثموديين الذين شاهدهم «ارستون» الذي قام برحلته على سواحل البحر الأحمر الشرقية على أيام بطليموس الثاني (٢٨٤ ـ ٢٤٦ ق. م.) وأنهم كانوا ـ طبقا لتقريره ـ يسكنون أراض من الحجاز تقع إلى الجنوب من الأنباط (٢).

وفي القرن الثاني الميلادي نرى «اجاثر شيدس «Agatharchiedes» (١٢٠ م) يشير إلى أن الثموديين إنما كانوا يحتلون وقت ذاك شواطئ البحر الأحمر ، بين الوجه المويلح ، ويصف «ديودور» هذه الشواطئ بأنها تمتد مائة ستاد ، وأنها صخرية شديدة الإنحدار ، وأما «أورانيوس» فثمود ، إنما تقع في رأية على حدود المقاطعة النبطية (٣).

ويبدو أن صاحب كتاب «الطواف حول البحر الأرتيري (٤)» كان يعتمد على موارد أكثر قدما ، فهو يرى أن «Thamundeni» كانوا يقيمون على ساحل صخري طويل ، لا يصلح للملاحة ، فلا خلجان تأوي إليه القوارب اتقاء العواصف من الرياح ، ولا موانئ ترسوا فيها ، أو جزر

__________________

(١)A. Van den Branden, Essai de Solution du Probleme Thamoudeens, BIOR, IS, P. P. ٧ ـ ٨

(٢) فضلو حوراني : المرجع السابق ص ٥٣ ـ ٥٤ ، إبراهيم نصحي : دراسات في تاريخ مصر ص ١٢١ وكذاW.Tarn ,in JEA ,IS ,P.٤١

(٣) الويس موسل : شمال الحجاز ص ٩٢ ، وكذاW. Vincent, The Periplus of the Erythraean Sea, II, P. ٢٦٢

(٤) يحدد البعض تاريخ هذا الكتاب بالفترة (٥٠ ـ ٦٠ م) (فضلو حوراني ص ٥٤) ، ويحدده آخرون لعام ٧٥ م (موسكاتي ص ٧٨) ، أما جاكلين بيرين فتحده يعام ١٠٦ م (Le Royaume Sud - Arabe de Qataban et sa dation P. P. ٧٦١ ـ ٣٩١)

٢٧١

تحتمي بها من الأخطار ، ومن ثم فربما كان ما يعنيه أن مواطن الثموديين ، إنما كانت في الحجاز على سواحل البحر الأحمر (١).

أما موسوعة «Historia Naturalis» ـ ل «بليني الأكبر» (٣٢ ـ ٧٩ م) فتضع «Tamudaei» بين «Domata» و «Haegra» ومدينة دعتها «Badanatha» (Bachanza) ) ، أما الحجر ، فهي الخريبة الحالية (العلا) على رأي ، ومدائن صالح ، على رأي آخر ، وأما «دوماتا» فهي دومة الجندل في الجوف جنوب وادي السرحان ، أما المدينة الثالثة ، فيعتقد «ادوارد جلازر» أنها «بيشة» الحالية في عسير (٣) ، وهكذا نرى «بليني» إنما أسكن الثموديين في الداخل ، فربما لأن الساحل في ذلك الوقت إنما كان يحتله اللحيانيون ، الذين يعتبرون فرعا من الثموديين (٤) ، كما أشرنا آنفا.

ولعل «كلوديوس بتولمايس» (١٣٨ ـ ١٦٥ م) ، أقرب إلى المصادر العربية منه إلى المصادر الكلاسيكية ، فهو يضع الثموديين بين أل «Sarakenai» وبين «APATAE» ، أي في الجزء الشمالي الغربي من بلاد العرب (٥) ، على شواطئ مدين ، وربما امتد نفوذهم إلى ما وراء

__________________

(١) جواد علي ١ / ٣٢٥ ، وكذا «وكذا «كتابنا بلاد العرب» ، وكذاA.Musil ,op - cit ,P.٢٠٣ W.Vkncent ,op - cit ,P.٢٦٢

(٢).Pling, Natural History (Translated by, H. Rackham) , ٢, P. P. ٦٥٤ ـ ٧٥, ٦, P. ٢٣.

(٣).E.Glaser.op - cit ,P.٦٢١.

(٤).E.Glaser ,op - cit ,P.٤٠١.

(٥) الويس موسل : شمال الحجاز ص ٩٢ ، جواد علي ١ / ٣٢٥ ، وكذا Ptolemy, VI, ٧ : ٤, VI, ٧ : ٢, V, ٩١ : ٧ J. Hastings, op - cit, P. ٠٦٣.

٢٧٢

خليج العقبة (١) ، بل إن نفس المؤلف ليشير إلى أنهم إنما سكنوا في المناطق الداخلية كذلك ، وبخاصة حول جبل «زاماتوس» ، والذي يرى فيه «جلازر» جبل عريض (٢).

وهكذا يبدو من جغرافية بطليموس أن ديار ثمود كانت غير بعيدة عن ديار عاد ، لا يفصل بينهما إلا ديار «Sarakenoi» وكلها في أعالي الحجاز ، في منطقة الطرق التجارية التي تصل بين الشام ومصر من ناحية ، واليمن والحجاز من ناحية أخرى ، فإذا كانت «الحجر» وما والاها مواطن ثمود ، وجب أن تكون ديار عاد على مقربة منها (٣).

وعلى أي حال ، فإن المصادر الكلاسيكية ، إنما تدلنا على أن الثموديين قد احتلوا المناطق التي سبق للجيوش الآشورية أن احتلتها منذ قرون مضت ، وهي مناطق الجوف وموصري (٤) ، حتى «باداناثاBadanatha» في الجنوب ، إذا صح ما افترضه «جلازر» ، ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الأماكن التي خصصتها المصادر المختلفة كمواطن لقبيلة ثمود ، إنما كانت عرضة للاحتلال أو الإخلاء من جانب الثموديين ، تبعا للظروف السياسية السائدة في ذلك الوقت ، غير أنه يجب

__________________

(١) J.Hastings ,op - cit ,P.٠٦٣ ، ويشير الزميل الدكتور خالد الدسوقي في بحثه (قوم ثمود : بين روايات المؤرخين ومحتويات النقوش) (في مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية ـ العدد السادس ـ ١٩٧٦ ص ٢٥١ ـ ٢٩٦) إلى أن النقوش والرسومات التي عثر عليها في النقب تؤكد المعلومات التي أوردها بطليموس ، قارن E. Anati, Ancient Rock - Drawings in the Central Negev, PEQ,! , ٥٥٩١, P. P. ٩٤ ـ ٧٥

(٢) E.Glaser ,op - cit ,P.٨٠١

(٣) جواد علي ١ / ٣٢٥

(٤) أنظر ما كتبناه عن «موصري» هذه ، في كتابنا «بلاد العرب» ، ثم في كتابنا «إسرائيل» ص ٢٢٥ ـ ٢٣٧ ، وانظر كذلك :A. Lods, op - cit, P. P. ٧٩١ ـ ٩٩١ H. Winckler, op - cit, P. ٥ W. O. E. Oesterley, op - cit, P. ٨٢٢ A. Musill, op - cit; وكذا مادةExodus في p.٥٩٢ The Jewish Encyclopeadia

٢٧٣

ألا نطبق ذلك كحقيقة مطلقة على الثموديين ، آخذين في الاعتبار طبيعتهم كقبيلة بدوية ، كما يجب ألا نأخذ كذلك المعلومات التي امدتنا بها المصادر الكلاسيكية كما هي ، لأن الصورة التي ترسمها لمواطن الثموديين ليست كاملة ، ففي الوقت الذي يتجاهل فيه «استرابون» ـ اعتمادا على مصدر من القرن الثالث ق. م. ـ وجود قبيلة ثمود ، فإن معاصره «ديودور الصقلي» يذهب إلى أن ثمود ، إنما كانت تسكن شواطئ البحر الأحمر ، ثم يأتي «بليني» فيذهب إلى أن الثموديين إنما اتخذوا مواطنهم في الداخل ، وليس على ساحل البحر الأحمر ، ذلك لأن الرجل لم يكن ـ فيما يبدو ـ على علم باللحيانيين الذين كانوا يقطنون وقت ذاك سواحل مدين ، والذين اعتبروا فرعا من ثمود ، وتمضي ثلاثة أرباع القرن ، ويأتي بطليموس فيجدد مواضع ثمود على شاطئ مدين ، ثم يمتد بها حتى داخل الحجاز (١).

وهكذا يمكن القول بأن الثموديين إنما كانوا يسكنون في القرن الثاني ق. م. ، وحتى نهاية القرن الثاني الميلادي في بلاد مدين ، فضلا عن أننا نجدهم منذ بداية القرن الأول الميلادي في الحجاز والجوف ووسط الجزيرة العربية ، وأنهم قد بقوا في هذه المناطق حتى نهاية القرن الثاني الميلادي ، فاذا أضفنا إلى ذلك ما يمكن استنتاجه من المصادر الآشورية وإشارات المؤرخين العرب ، لأمكن القول ، أنه منذ بداية القرن الثاني الميلادي ، فإن المنطقة التي سكنها الثموديون قد اتسعت تدريجيا حتى شملت بلاد العرب الشمالية والوسطى ، من الحدود السورية شمالا ، إلى مسافة قريبة

__________________

(١) خالد الدسوقي : المرجع السابق ص ٢٦٩ ـ ٢٧٠

٢٧٤

من حدود سبأ جنوبا (١)

وأما المصادر العربية ، فتكاد تجمع على أن ثمودا إنما كان مقامها بالحجر إلى وادي القرى بين الحجاز والشام (٢). على أن ارتباطها بعاد (٣) إنما يقتضي تقاربهما في المكان ، ومن ثم فقد ذهب البعض إلى أن ثمودا إنما كانت بين الشام والحجاز ، إلى ساحل البحر الحبشي (البحر الأحمر) ، وديارهم بفج الناقة ، وأن بيوتهم منحوتة في الجبال ، وأن رممهم كانت حتى أيامه (توفي ٣٤٦ ه‍) باقية ، وآثارهم بادية ، وذلك في طريق الحجّ لمن ورد الشام في وادي القرى (٤)

وعلى أى حال ، فوفقا للنقوش الموجودة على معبد الغوافة الذي بنته قبيلة ثمود ، فيما بين نهاية عام ١٦٦ م ، وبداية عام ١٦٩ (٥) ، فإن ثمود كانت

__________________

(١) نفس المرجع السابق ص ٢٨١ ـ ٢٨٢

(٢) ابن كثير ١ / ١٣٠ ، أبو الفداء ١ / ١٢ ، البكري ٢ / ٤٢٦ ، الطبري ١ / ٢٢٦ ، ـ ٢٢٧ ، ابن الاثير ١ / ٨٩ ، تفسير المنار ٨ / ٥٠١ ، ١٢ / ١٢٠ ، تفسير الألوسي ٨ / ١٦٢ ، ١٤ / ٧٦ ، تفسير البيضاوي ١ / ٥٤٥ ، تفسير ابن كثير ٤ / ١٧١ ، تفسير الطبري ١٢ / ٥٢٤ ، ٥٢٨ (دار المعارف) ، روح المعاني ٣٠ / ١٢٤ ، تفسير القرطبي ١٠ / ٤٦ (دار الكاتب العربي ١٩٦٧) ، ٢٠ / ٤٨ (دار الكتب المصرية ١٩٥٠) ، تفسير النسفي ٢ / ٢٧٧ ، تفسير الطبري ١٤ / ٤٩ ـ ٥٠ (دار المعارف) ، تفسير الجلالين ١ / ٥٤٥ (نسخة على هامش البيضاوي) ، تاريخ الخميس ص ٨٤ ، ياقوت ٢ / ٢٢١ ، المعارف ص ١٤ ، المحبر ص ٣٨٤ ، نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص ١٩ ، ٢٠٠ ، قصص الأنبياء ص ٥٨ ـ ٥٩

(٣) كثيرا ما يقرن القرآن الكريم ذكر عاد بثمود ، كما في التوبة وإبراهيم والفرقان وق والنجم والفجر ، بل ان هناك تشابها بين القصتين في الوقائع وفي المصير ، بل وفي كثير من التعابير

(٤) مروج الذهب ٢ / ١٤ ، نهاية الأرب ١٣ / ٧١ ، جواد علي ١ / ٣٢٤ ، جرجي زيدان : المرجع السابق ص ٦٧ ، ميرول نافع ص ٣٦

(٥)J. B. Phiby, The Land of Midian, MEJ, ٩, ٥٥٩١, P. ٧٢١ F, Van den Branden, BIOR, ٥١, ٨٥٩١, P. P ٨ ـ ٩, Histoire de Thamoud, P. ٥١, M. H. Seyring, in Syria, ٤٣, ٧٥٩١, P. ٠٦٢

٢٧٥

في منتصف القرن الثاني الميلادي تملك حرة العوارض وحرة الرحا (١) (الأرحاء) ، وإن كان «دوتي» يذهب إلى أن الحجر التي كان يسكنها الثموديون ، إنما هي في موضع الخريبة (العلا) ، وليس في مدائن صالح ، التي يرى أنها حجر الانباط ، والتي تقع على مبعدة عشرة أميال من الخريبة (٢)

هذا وليس هناك في المصادر الإسلامية ما يفيد بوجود قبائل ثمودية عند ظهور الإسلام ، أو حتى قبيل ظهوره ، وكل ما نعرفه هو محاولة البعض نسب «ثقيف» إلى ثمود ، ربما نكاية في الحجاج الثقفي (٣) ، ورواية «دوتي» التي يذهب فيها إلى أن بدو «نجد» يذكرون أن قبيلة بني هلال من نسل عاد وثمود (٤).

ويروى أن رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مرّ بقرية ثمود ـ وهو في طريقه إلى تبوك ـ وأنه قال لأصحابه «لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائهم» ثم أراهم مرتقي الفصيل في الجبل ، والفج الذي كانت الناقة ترد منه ، وأنه ـ (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ـ قال لهم : لا تدخلن على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، أن يصيبكم ما أصابهم (٥)

__________________

(١) A.Musit ,the Northern Hegaz ,P.١٩٢

(٢) C.M.Doughty ,Travels in Arabia Deserta ,P.٩٢٢

(٣) جواد علي ١ / ٣٢٦ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٢٤ ، ياقوت ٣ / ٥٤ ، نهاية الأرب للقلقشندي ص ١٩٨ ، ٢٠٠ ، وكذاJ.Montgomery ,op - cit ,P.٧٣١

(٤) C.M.Doughty ,op - cit ,P.٣٦

(٥) ابن الاثير ١ / ٩٣ ، ابن كثير ١ / ١٣٨ ـ ١٣٩ ، تفسير ابن كثير ٤ / ١٧١ ، تاريخ الطبري ١ / ٢٣١ ، تفسير الطبري ١٢ / ٥٢٤ ، ٥٣٩ ، روح المعاني ٨ / ١٦٨ ، ١٤ / ٧٦ ، تفسير القرطبي ١٠ / ٤٦ ـ ٤٨ ، تفسير المنار ٨ / ٥٠٣ ، صحيح البخارى ٦ / ٢٧٠ ، ٨ / ٩٥ ، صحيح مسلم ١٨ / ١١١ تفسير الطبري ١٤ / ٥٠

٢٧٦

(٣) ثمود في القرآن الكريم

تحدث القرآن الكريم في كثير من سوره عن قوم ثمود (١) ، هذا إلى جانب أن كثيرا ما يقرن الله في كتابه العزيز بين ذكر عاد وثمود ، كما في سورة التوبة وإبراهيم والفرقان وص وق والنجم والفجر (٢) ـ كما أشرنا من قبل ـ وفي كل هذه الآيات الكريمة نرى قوم ثمود (٣) يعبدون آلهة غير الله ، ويعيثون في الأرض فسادا ، وينحتون من الجبال بيوتا فارهين ، فأرسل الله إليهم أخاهم صالحا ، يدعوهم إلى عبادة الله الواحد القهار ، وينهاهم عن عبادة الأوثان ، وينذرهم عذاب يوم عظيم ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل (٤).

ونجح صالح عليه‌السلام في دعوته مع نفر قليل من قومه ، إلا أن الغالبية العظمى منهم قد كفروا برسالته ، وعتوا في طغيانهم عتوا كبيرا ، وطلبوا منه أن يجيء بآية ، إن كان من الصادقين ، فقال لهم : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ ، فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٥).

غير أن النفوس العاتية التي لا تسمع موعظة ، ولا تقبل نصيحة ،

__________________

(١) سورة الأعراف (٧٣ ـ ٧٩) وهود (٦١ ـ ٦٨) والحجر (٨٠ ـ ٨٤) والاسراء (٥٩) والشعراء (١٤١ ـ ١٥٩) والنمل (٤٥ ـ ٥٣) وص (١٣) وفصلت (١٧ ـ ١٨) والذاريات (٤٣ ـ ٤٥) والنجم (٥٠ ـ ٥١) والقمر (٢٣ ـ ٣٢) (٤ ـ ٥) والفجر (٩) والشمس (١١ ـ ١٥)

(٢) ابن كثير ١ / ١٣٢ ، وانظر : التوبة (٧٠) وإبراهيم (٩) والفرقان (٣٨) وق (١٢ ـ ١٣) والنجم (٥٠ ـ ٥١) والفجر (٦ ـ ٩)

(٣) هناك خلاف في النسبة إلى ثمود ، فهي إما إلى جد القبيلة ثمود ، وإما لقلة مائهم ، فهو من ثمد الماء إذا قلّ ، والثمد الماء القليل (تفسير روح المعاني ٨ / ١٦٢ ، تفسير المنار ٨ / ٥٠١)

(٤) سورة النساء : آية ١٦٥

(٥) سورة الأعراف : آية ٧٣

٢٧٧

والتي قد أعماها حب التمرد والطغيان ، وأصم آذانها عن قبول دعوة الله ، قد أبت إلا الإجرام ، فاقدموا على عقر الناقة بغيّا وعتوا (١) ، «فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ، وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ» (٢) ، وهكذا هلك الكافرون بصالح ، إلا رجلا واحدا ـ دعوه أبا رغال ـ كان في حرم الله ، فمنعه حرم الله من عذاب الله (٣) ، وإن أضافت رواية أخرى ، أنه ما أن خرج من الحرم حتى أصابه ما أصاب قومه (٤).

هذه عجالة نلخص بها قصة ثمود ـ كما اوردها ربي جل جلاله في القرآن الكريم ـ إلا أن المؤرخين والمفسرين قد اضافوا إليها كثيرا من أخبار تتعلق بمصير الذين آمنوا مع صالح ، عليه‌السلام ، فذهب فريق إلى أنهم إنما سكنوا ناحية الرفلة من فلسطين ، لأنها أقرب بلاد الخصب إليهم ، والعربي إنما يطلب الكلأ لرعي ماشيته ، والأرض ذات الماء ، وذهب فريق آخر إلى أنهم إنما سكنوا مكة ، وأن صالحا إنما توفي بها ، وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، بينما ذهب فريق ثالث إلى أن موطن المؤمنين الجديد ، إنما كان في حضرموت ، بل وزعم هذا الفريق أن قبر النبي الكريم هناك كذلك (٥).

وهناك من يرى أن ثمودا ، إنما أصيبوا بكارثة عظيمة ، من ثوران براكين ، أو من هزات أرضية ، معتمدا في ذلك على ما ورد في القرآن

__________________

(١) محمد علي الصابوني : المرجع السابق ص ٢٤٥ ، تفسير الطبري ١٢ / ٥٢٨ ـ ٥٣٤ (دار المعارف) ، مروج الذهب ٢ / ١٥ ـ ١٨

(٢) سورة الأعراف : آية ٧٧ ـ ٧٨

(٣) تفسير الطبري ١٢ / ٦٨ ـ ١٤ / ٥٠

(٤) تفسير المنار ٨ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦ ، تفسير الطبري ١٢ / ٥٣٨ ، البداية والنهاية ١ / ١٣٧

(٥) تفسير الطبري ١٢ / ٥٣٦ ، روح المعاني ٨ / ١٦٢ ، ١٦٨ ، المقدس ٣ / ٤١ ، مبروك نافع : المرجع السابق ص ٣٦ ، تاريخ الطبري ١ / ٢٣٢

٢٧٨

الكريم من كلمات «رجفة» و «صيحة» ، وربما كان الأمر كذلك ، فمنطقة إقامتهم ، إنما هي واحدة من مناطق الحرار في شبه الجزيرة العربية (١).

ولعل مصير عاد وثمود ، كثيرا ما يشبه مصير سدوم وعمورة ، وبقية مدن الدائرة الخمس في عمق السديم (٢) ، والتي تقع ـ فيما يرى علماء التوراة ـ في جنوب البحر الميت ، ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل على هذه المدن كبريتا ونارا ، وأنه جعل عاليها سافلها (٣) ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ، فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (٤) ، فإذا ما تذكرنا أن سكان هذه المدن هم قوم (٥) لوط ـ عليه‌السلام ـ سهل علينا أن نفهم السبب في أن الله ، جل وعلا ، قد ربط بين هذه الأقوام جميعا في القرآن الكريم ، حيث يقول سبحانه وتعالى «وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ» (٦)

__________________

(١) انظر : تفسير المنار ٨ / ٥٠٦ ـ ٥٠٧ ، روح المعاني ٨ / ١٦٥ ، ١٢ / ٩٢ ، ١٤ / ٧٦ ، تفسير الطبري ١٢ / ٥٤٤ ـ ٥٤٦ وكذا J. Hastings, op - cit, P. ٤٣٧ J. A. Montgomery, op - cit, P. ١٩ Ency of Islam, I, P ٦٣٧

(٢) جواد علي ١ / ٣٣٢ ، قاموس الكتاب المقدس ١ / ٥٥١ ، ٢ / ١١٩ ، ٣٠٠ ، وكذا B. Moritz, Arabien, ٣٢٩١, P. ٨٢ EB, I, ٩٩٨١, P. ٠٩٧٣ J. Hastings, op - cit, P. ٤٣٧ J. A. Montgomery, op - cit, P. ١٩

(٣) تكوين ١٩ : ٢٣ ـ ٢٦

(٤) سورة الحجر : آية ٧٣ ـ ٧٤

(٥) جاء ذكر قوم لوط في سورة كثيرة من القرآن الكريم (أنظر : الاعراف (٨٠ ـ ٨٤) وهود (٧٧ ـ ٨٣) والحجر (٦١ ـ ٧٥) والشعراء (١٦٠ ـ ١٧٥) والنمل (٥٤ ـ ٥٨) والتحريم (١٠) ، ثم أنظر القصة في : تاريخ الطبري ١ / ٢٩٢ ـ ٣٠٧ ، ابن الأثير ١ / ١١٨ ـ ١٢٢ ، ابن كثير ١ / ١٧٥ ـ ١٨٣ ، مروج الذهب ١ / ٥٧ ـ ٥٨ ، اليعقوبي ١ / ٢٥ ـ ٢٦ ، قصص الأنبياء للنجار : ص ١١٢ ـ ١١٨ ، قصص الأنبياء للثعالبي ص ١٠٣ وما بعدها.

(٦) سورة ص : آية ١٣

٢٧٩

هذا ويرى «دي برسيفال» أن هناك ثمة تقارب بين الثموديين ، وبين الحوريين (١) سكان بلاد سعير ، حتى برية فاران ، وأن الخلط في الأخبار بينهما ، يرجع إلى أن الثموديين ، إنما كانوا يسكنون في مجاورات الحوريين (٢).

(٤) عصر قوم صالح عليه‌السلام

يتجه بعض المؤرخين الاسلاميين إلى أن عصر صالح عليه‌السلام ، إنما كان على أيام إبراهيم عليه‌السلام ، وأن الفترة بين هلاك عاد وهلاك ثمود كانت خمسمائة عام (٣) ، غير أن هناك من يرى أن عادا إنما هلكوا بعد عهد إبراهيم الخليل وبناء الكعبة ، وقبل زمن موسى عليه‌السلام (٤) ، وإذا كان صحيحا ما ذهبنا إليه في كتابنا إسرائيل ـ وسبق أن اشرنا إليه هنا ـ من أن إبراهيم الخليل قد عاش في الفترة (١٩٤٠ ـ ١٧٦٥ ق. م.) ، وأن

__________________

(١) اختلف المؤرخون في الحوريين ، فمنهم من يرى أنهم شعب ما زال أصله مجهولا ، ومن يرى أنهم شعب هندو أوربي ، ولكنهم يجمعون على أنهم جاءوا من المرتفعات الواقعة بين بحيرة أورمية وجبال زاجروس ، وقد غزوا شمال بلاد النهرين وسورية الشمالية ، ثم كانوا مملكة «ميتاني» التي امتد سلطانها من مرتفعات ميديا إلى البحر المتوسط ، وكانت عاصمتها «واشوكاني» التي يظن أنها مكان «الفخارية» على الخابور شرق تل حلف وحاران ، وقد عرفت في النصوص المصرية باسم «تهارينا») ، ثم انتشر الحوريون في سورية المخفضة الخصيبة ، ووصلوا الى فلسطين فنزلوا البقاع الواسعة بين نهر الحسا وخليج العقبة ، وقد بلغ انتشارهم في بلاد الشام درجة دعت المصريين إلى أن يطلقوا اسم «خورو» (خارو) على بلاد كنعان ، ويبدو أنهم هم الحوريين حكام شكيم على أيام يعقوب (أنظر كتابنا إسرائيل ص ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ؛ فيليب حتى : المرجع السابق ص ١٦١ ـ ١٦٥)

(٢) عبد العزيز سالم : المرجع السابق ص ٩٥ ـ ٩٦ ، وكذاCaussin de Perceval, Essai, Sur l\'Histoire des Arabes, Paris, ٧٤٨١, P. ٦٢

(٣) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٧

(٤) عبد الوهاب النجار : قصص الأنبياء ص ٥٠ ، ٥٩

٢٨٠