دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ١

دكتور محمد بيومي مهران

دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

دكتور محمد بيومي مهران


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
المطبعة: دار النهضة العربية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٠

الذي لا موصد عليه؟ إن كان أحد الطرفين مفتوحا أمامه ، فليس هو طريق بيت المقدس ، بل طريق الحجاز.

ورغم ذلك كله ، يأتي المستشرق الإنجليزى «سير وليم موير» ، وينفي القصة من أساسها في كتابه «حياة محمد» (١) ويذهب ـ فيما يروي عنه الدكتور هيكل (٢) ـ أنها بعض الإسرائيليات ابتدعها اليهود قبل الإسلام بأجيال ، ليربطوا بها بينهم وبين العرب ، بالاشتراك في أبوة إبراهيم لهم جميعا ، فلئن كان إسحاق أبا لليهود ، وإذا كان أخوه إسماعيل أبا للعرب ، فهم إذن أبناء عمومة توجب على العرب حسن معاملة النازلين بينهم من اليهود ، وتيسر لتجارة اليهود في شبه الجزيرة العربية.

ويستند المؤرخ الانجليزي في ذلك إلى أن أوضاع العبادة في بلاد العرب لا صلة بينها وبين دين إبراهيم ، لأنها وثنية مغرقة في الوثنية ، وكان إبراهيم حنيفا مسلما ، غير أن وثنية العرب ـ فيما يرى الدكتور هيكل ـ بعد موت إبراهيم وإسماعيل بقرون كثيرة لا تدل أنهم كانوا كذلك ، حين جاء إبراهيم إلى الحجاز ، حين اشترك مع إسماعيل في بناء الكعبة ، ولو أنها كانت وثنية يومئذ لما أيّد ذلك رأي «موير» ، فقد كان قوم إبراهيم يعبدون الأصنام ، وحاول هو هدايتهم فلم ينجح ، فإذا دعا العرب الى مثل ما دعا إليه قومه فلم ينجح وبقي العرب على عبادة الأوثان ، لم يطعن ذلك في ذهاب إبراهيم وإسماعيل إلى مكة ، بل إن المنطق ليؤيد رواية التاريخ ، فإبراهيم الذي خرج من العراق فارا من أهله إلى فلسطين ومصر ، رجل ألف الارتحال وألف اجتياز الصحارى ، والطريق ما بين

__________________

(١) Sir William Muir, The Life of Mohammad, Edinburgh, ٣٢٩١

(٢) محمد حسين هيكل : حياة محمد ص ٩٠ ـ ٩١ (طبعة ١٩٦٥)

١٤١

فلسطين ومكة كان مطروقا من القوافل منذ أقدم العصور ، فلا محل إذن للريبة في واقعة تاريخية انعقد الإجماع على جملتها (١).

هذا فضلا عن أنه إن كانت وثنية العرب هي دليل «وليم موير» على عدم انتسابهم إلى إبراهيم ، فإن الإسرائيليين لم يكونوا خيرا منهم في ذلك ، فقد بقيت عبادة الأوثان فيهم ، بعد دعوة إبراهيم ، وحتى ظهور الأنبياء من بعده ، حدث ذلك أثناء عهد يعقوب (٢) ـ أو إسرائيل كما يكنى ـ وفي أثناء إقامتهم بمصر (٣) ، وفي أثناء الخروج بقيادة موسى ، وفي التيه في صحراوات سيناء (٤) ، بل إن التراث الديني اليهودي ليزخر بأدلة لا تقبل الشك ، على أن اليهود الذين رافقوا موسى إلى سيناء ، لم يكونوا كفؤا لعبء حمل التوحيد وفلسفته التجريدية الروحية الرفيعة ، ولم يجدوا فيما تقدمه الديانة الجديدة ما يشبع حاجتهم إلى الاعتبارات المادية ، بل إنه لا يفهم من حادث واحد من حوادث الرحلة ، أن القوم كانوا يؤثرون الفرار حرصا على عقيدة دينية ، فإنهم أسفوا على ما تعوده من المراسيم الدينية في مصر ، وودوا لو أنهم يعودون إليها ، أو يعبدونها ممسوخة منسوخة في الصحراء (٥) ، وأبلغ دليل على ذلك قصة عبادة العجل التي وردت في القرآن الكريم (٦) ـ وكذا في التوراة (٧) ـ إذ عبد القوم عجل الذهب ، وموسى ما يزال بين ظهرانيهم يتلقى الوحي من ربه على جبال سيناء.

__________________

(١) نفس المرجع السابق ص ١٠٦ ـ ١٠٧ (طبعة ١٩٧١)

(٢) تكوين ٣٥ : ٢ ، ٤

(٣) لاويون ١٧ : ٧ ، يشوع ٢٤ : ١٤ ، حزقيال ٢٠ : ٧ ـ ٨ ، إرمياء ٤٤ : ٨ ـ ١٩

(٤) خروج ٢٢ : ٢٧ ـ ٢٨ ، ٩ : ١٥ ، ٢٠ : ٧ ـ ٢٦ ، تثنية ٩ : ٧

(٥) مطلع النور ص ١٠٧

(٦) سورة البقرة آية ٩٢ ، الاعراف : آية ١٤٢ ـ ١٥٢ ، طه : آية ٨٣ ـ ٩٨

(٧) خروج ٢٢ : ٧ ـ ٢٨

١٤٢

وليس من شك في أن هذا كان من نتيجة تأثير الديانة المصرية عليهم ، تلك الديانة التي تمكنت من نفوسهم إبان إقامتهم الطويلة في مصر ، لدرجة أنهم ما كانوا بمستطيعين الإيمان بدعوة موسى ، إما خوفا من فرعون ، وإما خوفا من شيوخ بني إسرائيل ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم (فَما آمَنَ لِمُوسى ، إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ» (١) ، باعتبار الضمير في «ملئهم» راجعا إلى قوم موسى ، بل إن القوم برموا بموسى وضجروا به ، وقالوا (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا» (٢).

وهكذا بقيت الوثنية راسخة في قلوبهم ، حتى بعد انغلاق البحر لهم ، وحتى بعد أن جاوزوه على يبس (٣) ، وحتى بعد أن منّ الله عليهم بالمن والسلوى ، وحتى بعد أن استسقوا موسى ، فضرب الحجر بعصاه فانبجست منه اثنتا عشرة عينا لكل سبط من الأسباط مشربهم (٤) ، حتى بعد أن نزلت عليهم شريعة السماء تحذرهم من اتخاذ آلهة أخرى غير الله ، حتى بعد هذا كله ، فإنهم سرعان ما زاغوا عن الطريق المستقيم ، وكفروا بالله الواحد الأحد ، «وصنعوا لهم عجلا مسبوكا وسجدوا له وذبحوا له وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر» (٥).

ولم تكن أيام يشوع ، بأفضل من أيام موسى ، بالنسبة للوثنية الإسرائيلية (٦) ، هذا فضلا عن أن السمة المميزة لعصر القضاة ، إنما

__________________

(١) سورة يونس : آية ٨٣

(٢) الاعراف : آية ١٢٩

(٣) سورة البقرة : آية ٥٠ ، يونس : آية ٩١ ـ ٩٢ ، طه : آية ٧٧ ، الشعراء : آية ٦١ ـ ٦٨

(٤) سورة البقرة : آية ٦٠ ـ ٦١ ، الاعراف : آية ١٦٠ وطه : آية ٨٠ ـ ٨١

(٥) خروج ٣٢ : ٨

(٦) يشوع ٢٤ : ١٤ ، ٢٣

١٤٣

كانت هي الردة وعبادة الأوثان (١) ، كما بقيت عبادة العجل تتجدد في حياة بني إسرائيل من حين إلى حين ، حتى إذا ما حدث الانقسام إلى مملكتين ، تبنى ملوك إسرائيل ديانات الشرك ، بالإضافة إلى دين يهوه وأقاموا عجولا من الذهب وضعوها في مبان كالمعابد (٢) ، كما فعل يربعام الأول (٩٢٢ ـ ٩٠١ ق. م.) في مدينتي دان وبيت إيل (٣) ، وكما فعل «أخاب» (٨٦٩ ـ ٨٥٠ ق. م.) حين أقام الهياكل للبعل (٤) ، وتروي التوراة ان «حزقيا» (٧١٥ ـ ٦٨٧ ق. م.) ملك يهوذا ، قد «أزال المرتفعات وكسر التماثيل وقطع السوراي ، وسحق حية النحاس التي حملها موسى ، لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها» (٥).

وهكذا بقي بنو إسرائيل ـ كالعرب تماما ـ يعبدون الأصنام إلى ما بعد إبراهيم بمئات السنين ، ومن هنا فإن عبادة الأوثان لا تدل على انتماء العرب أو اليهود إلى إبراهيم ، أو عدم انتمائهم ، ثم أليس إبراهيم يرجع في أصوله الأولى إلى جزيرة العرب وأن أسلافه قدموا إلى منطقة الهلال الخصيب كغيرهم من الكتل البشرية السامية ، التي قذفت بها صحراء

__________________

(١) قضاة ٢ : ٨ ـ ٢٣ ، ٣ : ٥ ـ ٩ ، ٢ : ١٩ ، ٤ : ١ ، ٦ : ٢٥ ، ٢٨ ، ٣٠ ، ٨ : ٢٤ ـ ٢٧ ، ٨ : ٣٣ ، ١٠ : ٦ ، ١٠ ، ١٣ ـ ١٦ ، ١٣ : ١ ، ١٧ : ٤ ـ ١٣ ، ١٨ : ١٧ ، ٢٤ ، ٣٠ ، صموئيل ٣ ، ٤

(٢) عن الوثنية الإسرائيلية في عصر الملكية ، أنظر التوراة : صموئيل أول (١٥ : ٢٣) (٢٩ : ١٣) ملوك أول ١١ : ٤ ـ ٨ ، ٣٣) (١٤ : ٢٣ ، ٣٢) (١٥ : ٣ ، ١٢) ملوك ثان (٨ : ٢٦) (٢١ : ١١ ـ ١٢) (٢٣ : ١٠) (٢٤ : ١٨ ـ ٢١) (١٤ : ٤) (٢٥ : ١٤ ـ ١٦ ، ٢٠) (١٦ : ٣ ـ ٤) (٢٨ : ٢ ـ ٤ ، ٦) (٢٣ : ٢٥) (٢ : ٢ ـ ١٦) (٢١ : ٢١) (٢٢ : ٧) (٢٣ : ٤ ـ ٢٦ ، ٣٧) (٢٤ : ٢ ـ ٣) أخبار ثان (٣٣ : ٢ ـ ١١) (٣٤ : ٣ ـ ٧) (٢٦ : ١٢ ـ ١٧) حزقيال (١٤ : ٢٢ ـ ٢٣)

(٣) ملوك أول ١٢ : ٢٦ ـ ٣٦

(٤) ملوك أول ١٦ : ٣١ ـ ٣٣

(٥) ملوك ثان ١٨ : ٤

١٤٤

العرب إلى تلك المنطقة الخصيبة ، فما المانع إذن أن يكون إبراهيم قد فكر ، لا نقول في العودة إلى موطن الأجداد ، بل في زيارته فحسب ، وهو الرجل الذي قضى حياته وهو يعيش حياة أشبه بحياة البدو وأبناء الصحراء العربية.

ثم هناك البينة الكبرى التي تأتي من مباحث اللغة ، وهي التقارب الشديد بين لغة الحجاز ولغة النبط أو النباتيين ، الذين ينتمون إلى «نبات بن إسماعيل بن إبراهيم ، ذلك لأن لغة الحجاز لم تتطور من اللغة اليمنية مباشرة ، وإنما جاء التطور من العربية القديمة (١) إلى الأشورية إلى الآرامية إلى النبطية إلى القرشية ، فتقارب لغة النبط ولغة قريش من هذا السبيل ، وكان التقارب بينهما في الزمان والمكان ، أو في درجات التطور ، ولم يكن تقاربا يقاس بالفراسخ والأميال ، وكانت هذه هي البينة الكبرى من مباحث اللغة على قرابة أهل الحجاز من النبطيين أو النباتيين أبناء إسماعيل ، ولم تكن هذه القرابة من اختراع النسابين أو فقهاء الإسلام ، ولكنها كانت قرابة الواقع التي حفظتها أسانيد اللغة والثقافة ، واستخرجتها من حجارة الأحافير والكشوف الحديثة (٢) ، ومما يدعو إلى

__________________

(١) راجع عن الصلات اللغوية بين العرب ومصر ، ومدى أثر الهيروغليفية المصرية في الكتابة السامية الجنوبية (مقالنا : العرب وعلاقاتهم الدولية ، وكذاH.Jensen ,Sign. وكذاSvmbol and Script, andAcdount of Man\'s Etforts to Write P. ٠٥٣ I. Leibovitch, Les Inscriptions Protosimaitiques, MIE, ٤٢, ٤٣٩١, P. ١٢ FF وكذاM. Sprengling, The Alpahabet, its Rise and Development from The Sinali Inscrip Tions, P. ٤٦

وكذا : عبد المنعم عبد الحليم : دراسة تاريخية للصلات والمؤثرات الحضارية بين حضارة مصر الفرعونية وحضارات البحر الاحمر ص ١١٨ ـ ١٢٢

(٢) يتجه العلماء إلى أن الأنباط عرب ، بل وأقرب في عروبتهم إلى قريش وعرب الحجاز من عرب الجنوب ، لأن أسماءهم عربية ، ولأن أسماء ملوكهم وملكاتهم عربية كذلك ، ولأنهم يعبدون آلهة عربية ، ولأن لغتهم لم تكن أرامية وانما عربية ، وان استعملوا الآرامية في نقوشهم ، ولأن الكتاب الكلاسيكيين ـ وكذا اليهود ـ إنما كانوا يطلقون عليهم لفظ العرب (أنظر : كتابنا «بلاد العرب» ، بلاشير : تاريخ الأدب العربي ـ العصر الجاهلي ص ٥٥ ـ ٥٦ ، جرجي زيدان : المرجع السابق ص ٨١ : وكذاCIS ,P.٢٤٢ ,٠٦٢ وكذاJaussen and Savignac, Mission Archeologique en Arabic, PP. ٢٧١ ـ ٦

١٤٥

احترام روايات النسابين في هذا الباب أنهم عرفوا الحقيقة التي كشفها علماء الأحافير ، فقال ابن عباس «نحن معاشر قريش من النبط» (١).

هذا وقد أشار «مارتن شبرنجلنج» في العصر الحديث إلى ظاهرة انتقال الكتابة النبطية إلى الحجاز ، والى تطور الخط العربي عن الخط النبطي (٢) ، كما ذهب «سوزمين» إلى أن اليهود إنما كانوا ينظرون إلى العرب الذين يقطنون إلى الشرق من الحد العربي ، على أنهم من نسل إسماعيل بن إبراهيم.

ويضيف الدكتور «إسرائيل ولفنسون» إلى ذلك حججا ، منها أنه إذا وجد الميل عند بعض المستشرقين إلى إنكار وجود الآباء الأقدمين من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، فإنهم لا يستطيعون أن ينكروا وجود قبائل بني إسرائيل وبني إسماعيل ، لأن التوراة نصت على وجودها في طور سيناء والحجاز ، بما ذكرته من الحوادث التي وقعت بين بطون إسماعيلية وأدومية وإسرائيلية ولا شك أن هذا كاف لإثبات العلاقة الدموية المتينة بين اليهود وعرب طور سيناء والحجاز ، ثم يؤيد ذلك بترجمة جديدة لنص سفر التكوين (٢٥ : ١٨) ، «ونزلت (بطون بني إسماعيل) مع نشأتها بين أخواتها ، واستوطنت البلاد من الحولة إلى

__________________

(١) عباس العقاد : المرجع السابق ص ١٣٦ ـ ١٣٧ ، سفر التكوين ٢٥ : ١٣ ، اللسان ٧ / ٤١١ ، عبد الرحمن الانصاري : لمحات عن القبائل البائدة في الجزيرة العربية ص ٨٩ ، مقالنا عن «العرب وعلاقاتهم الدولية في العصور القديمة ، مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية ، العدد السادس ، ١٩٧٦ م ص ٣١٣ ـ ٣١٦ ، حسن ظاظا : الساميون ولغاتهم ص ١١٤ ، وانظر :

Martin Sprengling, The Alphabet, its Rise and Development From the Sinai Inscrip - tions, ١٣٩١, P. ٢٥. Martin Sprengling, op - cit, P. ٢٥

١٤٦

طريق القوافل بين مصر والعراق» (١).

ومنها ما جاء في ترجمة التوراة السامرية (٢) التي صدرت في ١٨٥١ م ، من أن إسماعيل قد «سكن برية فاران بالحجاز ، وأخذت له أمه امرأة من أرض مصر» ، وأن سفر العدد يفرق بين سيناء وفاران ، إذ جاء فيه أن بني إسرائيل ارتحلوا «من برية سيناء ، فحلت السحابة في برية فاران» ، ولم يسكن أبناء إسماعيل قط في غرب سيناء ، فيقال أن جبل فاران واقع إلى غربها ، وإنما تدل الشواهد القديمة جميعا على وجود فاران في مكة ، أو هي أرض التلال التي بين مكة والمدينة ، ويذهب المؤرخ جيروم واللاهوتي يوسبيوس إلى أن فاران بلد عند بلاد العرب على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشرق من أيله (٣).

ومنها ما يراه علماء الإفرنج من أن علاقة بطون اسرائيل الجنوبية بعرب الحجاز وطور سيناء ، أقرب منها إلى قبائل بني إسرائيل الشمالية ، ومنها أن اليهود لو كانوا يريدون استغلال هذه القرابة للتزلف إلى قريش أو العدنانيين ، لكان الأليق والأجدر أن يخترعوا تلك القرابة بينهم وبين الأوس والخزرج الذين يتاخمونهم ويشاركونهم في المواطن والمرافق ، ويرتبطون معهم برباط المعاملة والجوار ، ومنها أن التوراة قد ترجمت إلى اليونانية في عهد بطليموس الثاني (٢٨٥ ـ ٢٤٦ ق. م.) ، وفي صلبها كل النصوص التي تربط العرب الاسماعيلية بالقرابة النسبية مع اليهود ، وذلك قبل رحيل يهود يثرب إلى الحجاز بما يقرب من أربعة قرون (٤).

وهكذا فإن القرائن المتجمعة يجب أن تستوقف نظر الباحث المنزه

__________________

(١) اسرائيل ولفنسون : تاريخ اليهود في بلاد العرب ص ٧٥ ـ ٧٦

(٢) راجع الفرق بين التوراة السامرية والعبرية في كتابنا إسرائيل ص ٢٠

(٣) عباس العقاد : مطلع النور ص ١٤ ـ ١٦

(٤) اسرائيل ولفنسون : المرجع السابق ص ٧٦ ـ ٧٨

١٤٧

عن الغرض ، وأيسر ما فيها أنها تدفع الغرابة عن رحلة إبراهيم إلى الحجاز ، وإنها هي وحدها تحقق له صفة العمل على الدعوة الدينية ، وقد جاء الإسلام مثبتا رحلة إبراهيم إلى الحجاز ، وأثبتها ولا شك بعد أن ثبتت مع الزمن المتطاول ، لأن انتساب أناس من العرب إلى إبراهيم قد سبق فيه التاريخ كل اختراع مفروض ، ولو تمهل به التاريخ المتواتر حتى يجوز الاختراع فيه ، لأنكرت إسرائيل انتساب العرب إلى إبراهيم ، وأنكر العرب أنهم أبناء إبراهيم من جارية مطرودة ، وليس هذا غاية ما يدعيه المنتسب عند الاختراع (١).

ومع ذلك ، فهناك اتجاه آخر ، إنما ينسب انتساب العرب إلى إبراهيم ، لا إلى اليهود ، وإنما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد جاء في دائرة المعارف الاسلامية ـ نقلا عن فنسنك ـ أن «شبر نجر» كان أول من لاحظ أن شخصية إبراهيم ـ كما في القرآن الكريم ـ قد مرت بأطوار قبل أن تصبح في نهاية الأمر مؤسسة للكعبة ، ثم جاء «هرجروني» وزعم أن إبراهيم في أقدم ما نزل من الوحي هو رسول من الله أنذر قومه كما تنذر الرسل (٢) ، ولم يذكر لإسماعيل صلة به ، كما لم يذكر قط أن إبراهيم هو واضع البيت ، ولا أنه أول المسلمين ، أما السور المدنية فالأمر فيها على غير ذلك ، فإبراهيم يدعى حنيفا مسلما ، وهو واضع ملة إبراهيم ، وقد رفع مع إسماعيل قواعد البيت المحرم (الكعبة).

وأما سر هذا ـ في زعم هؤلاء المستشرقين ـ فهو أن محمدا ـ صلوات

__________________

(١) عباس العقاد : إبراهيم أبو الانبياء ص ١٩٦ ، مع ملاحظة أننا لا نوافق على أن هاجر جارية انظر كتابنا اسرائيل ص ٢١٠ ـ ٢١٣

(٢) يشير «هرجوني» هنا إلى الآيات الكريمة (الذاريات : آية ٢٤ ـ ٣٧ ، الحجر : آية ٥١ ـ ٥٩ ، سورة الصافات : آية ٨٣ ـ ١١٣ ، سورة الأنعام : آية ٧٤ ـ ٨٣ ، سورة هود : آية ٦٩ ـ ٧٦ سورة مريم : آية ٤١ ـ ٥٠ ، سورة الأنبياء : آية ٥١ ـ ٧٣ ، سورة العنكبوت : آية ١٦ ـ ٢٧) وهي آيات مكية تحدثت عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

١٤٨

الله وسلامه عليه ـ كان قد اعتمد على اليهود في مكة ، فما لبثوا أن اتخذوا حياله خطة عداء ، فلم يكن له بد من أن يلتمس غيرهم ناصرا ، هناك هداه ذكاء مسدد إلى شأن جديد لأبي العرب إبراهيم ، وبذا استطاع أن يخلص من يهودية عصره ، ليصل حبله بيهودية إبراهيم التي كانت ممهدة للإسلام ، ولما أخذت مكة تشغل جلّ تفكير الرسول ، أصبح إبراهيم أيضا المشيد لبيت هذه المدينة المقدس ، رغم أنه لا يوجد أي دليل تاريخي على أن إبراهيم وإسماعيل كانا أبدا بمكة (١).

هذه هي وجهة النظر الكذوب التي يقدمها المستشرقون من أعداء الإسلام ، وكان من الممكن أن نكتفي بما سبق أن ذكرنا من قبل ، إذ نسب الفكرة آخرون إلى اليهود ، وليس إلى رسول الله ، غير أننا سوف نقدم أدلة جديدة ضد هذا الإتجاه ؛ منها (أولا) أن القرآن الكريم لم يقل أبدا أن اليهود كانوا من مؤيدي الإسلام ، بل إنه لينص صراحة أنهم أشد أعدائه ، يقول سبحانه وتعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ، ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» (٢).

ومنها (ثانيا) روايات التوراة التي نصت على أن إسماعيل وإسحاق أخوان من أب واحد ، وإن اختلفت الأمهات ، فاسماعيل من هاجر ،

__________________

(١) T. Andrae, Mahomet, Sa Vie et Sa Doctrine, Paris, ٥٤٩١, P. P. ٧٣١ ـ ٩, Pere Lam - mens, L\'Islam, Croyance et Insititutions, ٦٢٩١. P. P. ٨٢, ٣٣. Alfred Guillaume, Islam, P. P. ١٦ ـ ٢

وأنظر : ج. ديمومبين : النظم الاسلامية ، ترجمة الشماع والسامر ، بغداد ١٩٥٢ ص ٦٦ ـ ٦٨ ، وكذا طه حسين : في الأدب الجاهلي ص ٢٦ ، ٢٩ ، مدخل إلى القرآن الكريم ص ١٥٥ ـ ١٥٦ ، دائرة المعارف الاسلامية ١ / ١٤٦

(٢) سورة المائدة : آية ٨٢ وانظر : تفسير الطبرسي ٦ / ١٧١ ـ ١٧٦ ، الجواهر في تفسير القرآن الكريم ٣ / ٢٠٢ ، تفسير الكشاف ١ / ٦٦٨ ـ ٦٦٩ ، تفسير الطبري ١٠ / ٤٩٨ ـ ٥٠٦ ، تفسير النسفي ٢ / ٣ ـ ٤ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٢٣ ، في ظلال القرآن ٧ / ٩٥٩ ـ ٩٦٦

١٤٩

وإسحاق من سارة (١) ، ثم هناك رواية سفر التكوين ـ الآنفة الذكر ـ التي تجعل أبناء إسماعيل إنما يسكنون بين مصر والعراق ، «سكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر» (٢) ، وحويلة هي خولان ، وخولان قبيلة يمنية تسكن سراة اليمن مما يلي الحجاز ، مما يدل على أن مكة تشملها مساكن إسماعيل وبنيه ـ كما أشرنا من قبل ـ ومنها (ثالثا) أن الإسلام لم يعتز قط بالانتساب إلى يهودية إبراهيم ، بل إنه لينفي عنه اليهودية أصلا ، (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا ، وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً» (٣).

ومنها (رابعا) ، ففيما يختص بالكعبة ، فقد ثبت بنص القرآن الكريم ـ وكذا التوراة ـ أن إبراهيم قد أوصل ابنه إسماعيل إلى مكة ، وإذا كان من المتعين أن يقيم له فيها بنية يجعلها متعبدا على مثال الصوامع ، ولم ينازع أحد إلى اليوم إبراهيم في أنه باني ذلك المصلى ، حتى يصح أن يقال ، أن محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) نسبه إليه تعظيما لشأنه ، ولم تختص الكعبة وحدها بأنها بيت الله ، فكل المساجد بيوت الله عند المسلمين ، وإنما عظمت الكعبة لأنها أول بيت لله وضع للناس ببكة ، ومما يدل على أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لم يتخذ بناء الكعبة أساسا من أسس دعوته أنه أمر أصحابه أن يولوا وجوههم في صلاتهم شطر بيت المقدس طوال مقامه بمكة (٤) ، ثم ألم يؤمن أصحاب هذا الاتجاه ـ مسيحيون كانوا أم يهودا ـ بما جاء في التوراة من أن إبراهيم قد أقام مذابح للرب عند شكيم

__________________

(١) تكوين ١٦ : ١٥ ـ ١٦ ، ٢١ : ٢١

(٢) تكوين ٢٥ : ١٨

(٣) سورة آل عمران : آية ٦٧ وانظر : تفسير الكشاف / ٣٧٠ ـ ٣٧١ ، تفسير مجمع البيان ٣ / ١٠٩ ـ ١١١ ، تفسير العلى القدير ١ / ٢٨٠ ـ ٢٨١ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٥٤ ـ ٥٥ ، في ظلال القرآن ٣ / ٤٠٧ ـ ٤١٢ ، الدرر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٤١ ، تفسير القرطبي ٤ / ١٠٩ ، تفسير الطبري ٦ / ٤٩٣ ـ ٤٩٦.

(٤) دائرة المعارف الاسلامية ١ / ١٤٦ ـ ١٤٧.

١٥٠

وبيت إيل ، وعند بلوطات ممر التي في حبرون وغيرها (١) ، فاذا كانوا يؤمنون بذلك ، فلم ينكرون بناء إبراهيم للكعبة.

ومنها (خامسا) أن الاتجاه الذي يذهب إلى أن محمدا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ظل بعيدا عن صلة العرب بابراهيم واسماعيل إلى أن هاجر إلى المدينة ، فبدت له فكرة أن يصل حبل العرب الذين هو منهم باليهود عن طريق إبراهيم وإسماعيل ، إنما هو اتجاه يهدم التوراة ، قبل أن يثير أي شكوك حول القرآن الكريم ، لأن التوراة ذكرت صلة إبراهيم بإسماعيل ، وأنه جدّ عدة قبائل في بلاد العرب (٢).

ومنها (سادسا) أن «فنسنك» حين عدّ السور المكية عمد إلى التي يذكر فيها إبراهيم مجردا عن الصلة باسماعيل والعرب ، ولذا فهو قد تخطى سورة إبراهيم ـ وهي مكية ـ وقد شهدت بعكس ما يقول ، وآياتها شاهدة بأن إبراهيم وإسماعيل بنيا البيت ، وأنهما كانا يدعوان الله تعالى بالهداية وأن يجنبهما وبنيّهما عبادة الأصنام ، وإبراهيم يذكر أنه أسكن من ذريته بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم ، ويدعو الله أن يرزقهم من الثمرات ، ويحمد الله أن وهب له إسماعيل وإسحاق ، ولنقرأ هذه الآيات الكريمة ، «وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ، رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي

__________________

(١) تكوين ١٢ : ٧ ـ ٨ ، ١٣ : ١٨

(٢) تكوين ٢٥ : ١٢ ـ ١٨.

١٥١

وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ ، رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ، رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ ، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ» (١).

ومنها (سابعا) أن القول بأن القرآن الكريم لم يذكر إلا في السور المدنية أن إبراهيم كان حنيفا ، فذلك ـ مرة أخرى ـ غير صحيح ، ذلك لأن القرآن الكريم ، إنما ذكر ذلك في سورتي الأنعام والنحل ـ وهما مكيتان ـ ولنقرأ هذه الآيات الكريمة ، «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (٢) و «قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (٣) و «إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (٤) ، «ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (٥) ، وهكذا يتخطى فنسنك ـ كما يقول الأستاذ النجار ـ هذه الآيات عمدا ، غاضا النظر عما تقضي به الأمانة في سبيل تأييد نظريته (٦).

ومنها (ثامنا) تلك الدعوة التي تذهب إلى أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) جاء إلى المدينة ، وكله أمل أن يؤمن اليهود به ويظاهروه على أمره ، فلما أخلفوا ما أمله وكذبوه ، أراد أن يتصل بهم عن طريق إبراهيم ، وعبّر عن ذلك بيهودية إبراهيم ، فذلك غير صحيح كذلك ، ذلك لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لم يكن يعتز باليهود أبدا ، وإنما كان يتوقع أن

__________________

(١) سورة إبراهيم : آية ٣٥ ـ ٤١

(٢) سورة الإنعام : آية ٧٩

(٣) سورة الإنعام : آية ١٦١

(٤) سورة النحل : آية ١٢٠

(٥) سورة النحل : آية ١٢٣

(٦) عبد الوهاب النجار : المرجع السابق ص ٧٥

١٥٢

يؤمنوا به لأنهم أهل توحيد ـ في الأصل ـ يجانبون الاصنام ، ويعادون أهلها ، ولأن النبي مذكور في توراتهم ، ذلك لأن بني إسرائيل كانوا قد وعدوا في توراتهم ـ كما جاء في سفري التثنية وأشعياء (١) ـ بنبي يقوم من بين إخوتهم ـ وهم العرب الاسماعيلية ، فلما مجدوا ذلك كله كانوا عنده بمثابة غيرهم فقط.

ومنها (تاسعا) أننا لا نعرف شعبا آخر له ما للعرب من شغف بالأنساب ، حيث يحرصون على الاحتفاظ في ذاكرتهم بسلسلة أجدادهم ، حتى يصلوا بها إلى الجيل العشرين (٢) ، فهل من المحتمل أن يبقى هذا الشعب في جهالة تامة بأصله حتى آخر لحظة (٣) ، ومنها (عاشرا) أن وجود الكعبة بينهم ـ وفيها بعض الأماكن المعروفة تحمل اسم إبراهيم واسماعيل ـ ألا يذكرهم ذلك كله بعلاقتهم بهذه الأسماء المجيدة (٤) ، ومنها (حادي عشر) سكوت كفار قريش ـ وهم أعلم الناس بأنسابهم ـ عن قوله تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ» (٥) ، فلو لم يكن العرب يعلمون قبل محمد أنهم من سلالة إبراهيم ـ عن طريق ولده إسماعيل ـ لما سكتوا لمحمد ، وفيهم أشد أعدائه ، وأكثر الناس حرصا على تكذيب دعواه.

ومنها (ثاني عشر) ذكره «زيد بن عمرو بن نفيل» ـ وهو قبل

__________________

(١) سفر التثنية ١٨ : ١٥ ـ ١٩ ، سفر أشعياء ٤٢ : ١٠ ـ ١٣

(٢) ما زلنا نحتفظ بهذه العادة في قرانا بصعيد مصر ، حيث يعلم الآباء الأبناء سلسلة نسبهم حتى الجد الأعلى الذي يتشرفون بالانتساب إليه

(٣) عبد الرحمن الانصاري : المرجع السابق ص ٩١ ، محمد عبد الله دراز : مدخل إلى القرآن الكريم ص ١٥٧.

(٤) نفس المرجع السابق من ١٥٧

(٥) سورة الحج : آية ٧٨

١٥٣

المصطفى ـ لإبراهيم الخليل ، حيث يقول : «يا معشر قريش : والذي نفس زيد بن عمرو بيده ما أصبح منكم على دين إبراهيم غيري» (١) ، وزيد هذا ـ كما هو معروف ـ من الحنفاء ، والذين كانوا على ملة إبراهيم ، ولم يكونوا يهودا ولا نصارى (٢) ، وأن مجموعة من هؤلاء الحنفاء أو المتحنفين ـ ومنهم زيد بن عمرو وورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث وعبد الله بن جحش ـ قد حضروا قريشا عند وثن لهم ، فلما اجتمعوا خلا أولئك النفر إلى بعض ، فقال قائلهم : «تعلمون والله ما قومكم على شيء ، لقد اخطئوا دين أبيهم إبراهيم» (٣).

ومنها (ثالث عشر) ذكر إبراهيم الخليل في شعر عبد المطلب ـ جدّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) إبان غزو الحبشة للكعبة ، ـ والمعروفة بغزوة الفيل (٤) ـ

__________________

(١) ابن كثير ٢ / ٢٣٧ ـ ٢٤١ ، الذهبي : تاريخ الإسلام ١ / ٥٤ ، الاشتقاق ص ٨٤ ، ١٠٣ ، جواد علي ٦ / ٤٧٢ ـ ٤٧٣

(٢) انظر عن الحنفاء : تفسير القرطبي ٢ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ، تفسير المنار ١ / ٤٨٠ ـ ٤٨٢ ، تفسير الطبري ٣ / ١٠٤ ـ ١٠٨ ، مجمع البيان ١ / ٢١٥ وما بعدها ، التفسير الكبير للفخر الرازي ٤ / ٨٩ وما بعدها ، جواد علي ٦ / ٤٥٢ ـ ٤٥٣ ، مدخل الى القرآن الكريم ص ١٣١ ـ ١٣٢ ، ريجيس بلاشير : المرجع السابق ص ٦٨ وكذاJ.Halevy ,JA ,٥٠٩١ ,P.٤٤١ وكذاC. Lyall, Thhe Word Hanif and Muslim, JRAS, ٣٠٩١, P. ٣٧٧ وكذاEI ,II ,P.٩٥٢

(٣) ابن كثير ٢ / ٢٣٨ ، مطلع النور ص ٦٨ ، جواد علي ٦ / ٤٧٦

(٤) أنظر عن غزوة الفيل : ابن الاثير ١ / ٤٤٢ ـ ٤٤٧ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٣٠ ـ ١٣٩ ، تفسير الطبري ٢٠ / ١٨٨ ، ٣٠ / ١٩٣ ـ ١٩٤ ، تفسير القرطبي ص ٧٢٧٧ ـ ٧٢٩٠ (طبعة الشعب) ، تفسير ابن كثير ٨ / ٥٠٣ ـ ٥١١ (طبعة الشعب) ، في ظلال القرآن ٨ / ٦٦٤ ـ ٦٧٥ ، تفسير الألوسي ٣٠ / ٢٣٢ ـ ٢٣٧ ، البيهقي : دلائل النبوة ١ / ٥٦ ـ ٥٧ ، صحيح الأخبار ٤ / ٢١ ـ ٢٢ ، البداية والنهاية ٢ / ١٧٠ ـ ١٧٦ ، تاريخ الخميس ص ٢١٢ ـ ٢١٧ نهاية الارب ١ / ٢٥١ ـ ٢٦٤ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٥٧٦ ، الكشاف ٣ / ٢٨٨ ، أعلام النبوة ص ١٤٩ ، احمد إبراهيم الشريف : المرجع السابق ص ١٥٤ ـ ١٥٥ ، وكذا S. Smith, Events in Arabia in The ٦ th Century A. D. P. ٥٣٤ le Museon, ٣٥٩١, ٣ ـ ٤, PP. ٧٧٢ ـ ٩٧ وكذاle Museon ,٤٦٩١ ,٦٦ ,P.٥٧٢ وكذاProcopius ,I ,P.٠٨١

١٥٤

حيث يقول (نحن أهل الله في بلدته : لم يزل ذاك عهد إبرهم) (١) ثم تلقيب عبد المطلب بعد فشل الحملة الغشوم بلقب «إبراهيم الثاني» ، نسبة إلى جده الأعظم إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام (٢).

ومنها (رابع عشر) صورة إبراهيم الخليل التي وجدت على جدران الكعبة فيما قبل الإسلام ، حيث صوره القوم في يده الأزلام ، ويقابلها صورة ابنه على فرس يجيز الناس مقبضا ، ثم مجموعة صور لكثير من أولادهما ، حتى قصى بن كلاب (٣). وأخيرا (خامس عشر) فإن العرب كانوا ـ قبل أن يبعث محمد رسولا من رب العالمين ـ إنما يعتقدون أنهم من ولد إبراهيم وها هو أبو طالب عم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يقول في خطبة له يوم زواج المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خديجة : «الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل ، وجعل لنا بلدا حراما وبنيانا محجوجا ، وجعلنا الحكام على الناس».

ثم (سادس عشر) ما عرف عند العرب القرشيين في الجاهلية بنظام (الخمس) والذي كان شعاره «نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت وقاطنو مكة وساكنوها ، ليس لأحد من العرب مثل حقنا ، ولا تعرف له العرب ما تعرف لنا» ، فضلا عن أن عبد المطلب يقول لرسول أبرهة حين جاء يعلمه ان القائد الحبشي لم يأت لحربهم وانما لهدم البيت ، يقول له «هذا بيت الله الحرام ، وبيت إبراهيم خليله» (٤).

__________________

(١) الازرقي ١ / ١٤٦

(٢) أنظر مقالنا : العرب وعلاقاتهم الدولية في العصور القديمة ـ مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية العدد السادس.

(٣) المسعودي ٢ / ٢٧٢ ، الازرقي ٢ / ١٦٨ ـ ١٧٠.

(٤) تفسير الطبري ذ / ١٨٨ ، محمد الخضري : تاريخ الأمم الاسلامية ١ / ٥٦ ـ ٥٧ ، ابن هشام ١ / ٢٠١ ، وانظر مقالنا «العرب وعلاقاتهم الدولية في العصور القديمة» مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية ـ العدد السادس ـ الرياض ١٩٧٦ ص ٤٠٨ الازرقي ١ / ٤٣ ، ١٧٦ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٣٣.

١٥٥

وأخيرا منها (سابع عشر) ما أشار اليه المسعودي من أن العرب قبل الاسلام انما كانوا يؤرخون بتواريخ كثيرة ، ومنها التأريخ بوفاة إبراهيم واسماعيل عليهما‌السلام (١)

(٥) اسكان اسماعيل الحجاز

وهكذا يبدو واضحا أن رحلة الخليل ـ عليه‌السلام ـ إلى الحجاز أمر مؤكد ، وأنه ترك هناك ولده إسماعيل ، وزوجته هاجر ، ولعل السبب المباشر في انتقال إسماعيل وأمه هاجر إلى الحجاز ، وسكناهم هناك ، يرجع إلى القصة المشهورة عن سارة التي أرادت أن تبعد إسماعيل عن أبيه ، بعد أن رأته يملأ حياة الشيخ الجليل ، والذي كان قد حرم الولد ، وقد قارب التسعين من عمره.

وهنا غضبت سارة واكتأبت ، ولزمها همّ مقيم ، فلم تعد تطيق هاجر أو ولدها ، وأبدت رغبتها في التخلص منهما ، وارسالهما إلى مكان سحيق ، إذ لم يعد عيش يطيب بجوارهما ، ولم يبق للإسعاد من أثر في بيت يضمهما معا ، وهذا أمر طبيعي ، فالغيرة بين النساء من ألصق الصفات بهن ، فليست هناك امرأة ـ كائنة من كانت ـ لا تريد أن تكون صاحبة الحظوة وحدها عند بعلها ، وليست هناك امرأة تقبل راضية ، أن تشاركها في حب زوجها ضرة لها ، وبخاصة إن كانت هذه الضرة في ريعان الشباب ، بينما هي على أبواب الشيخوخة ، وأن الضرة قد أعطت الزوج العظيم الولد ، بينما هي قد حرمت منه ، وحرمت الزوج منه ،

__________________

(١) ابو الحسن علي بن الحسين المسعودي : التنبه والاشراف ، القاهرة ١٩٣٨ ص ١٧٢ ـ ١٨١ ، انظر كتابنا «دراسات في تاريخ العرب القديم». المطابع الاهلية للأوفست ، الرياض ١٩٧٧ ص ٢٨ ـ ٢٩ (جامعة الامام محمد بن مسعود الاسلامية).

١٥٦

تلك أمور عادية تحدث في كل بيت تتعدد فيه الزوجات ، أيا كان هذا البيت ، وسواء أكان صاحب هذا البيت ملكا يحكم الناس ، أو زعيما تصفق له الملايين ، أو حتى فقيرا يكد ليله ونهاره من أجل لقمة العيش ، بل إن ذلك أمر ، عرفناه في بيوت أنبياء بني إسرائيل وملوكهم من بعد ، عرفناه في بيت يعقوب بين زوجاته الأربعة ، كما عرفنا آثاره في قصة يوسف عليه‌السلام ، وعرفناه في بيت داود ، ممثلا في قصة أمنون وإبشالوم (١) ، وفي النزاع بين أدونيا وسليمان (٢) ، كما عرفناه في بيت سليمان بين نسائه الكثيرات ، بل إن قصة غيرة السيدة عائشة من السيدة خديجة ـ رضي‌الله‌عنهما ـ وقد انتقلت الأخيرة إلى جوار ربها الكريم ، أمر معروف.

ومن هنا فإن غيرة السيدة سارة ـ فيما أعتقد ـ ليست من خوارق العادات أو شواذ الأمور ، ومن ثم فإنّا لا نوافق رواية التوراة من أن «سارة رأت ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم يمزح ، فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها» ، ذلك لأن العداوة بين المرأتين بدأت حتى قبل أن ترزق هاجر بوليدها ، وذلك حين أذلتهما سارة ، فهربت منها إلى الصحراء المقفرة ، ولم تعد إليها إلا بأمر ملاك الرب الذي بشرها بأنها ستلد ابنا تدعوه إسماعيل (٣).

وهكذا يبدو واضحا أن تعليل التوراة لطرد هاجر بأن إسماعيل كان يمزح يوم فطام إسحاق تعليل غير كاف ، ففي حديث البخاري أن إسماعيل كان رضيعا يوم أبعد هو وأمه إلى مكة ، ومحال أن يكون من رضيع مزح ولا غيره ، وإنما هي غيرة سارة من أن يكون لإبراهيم ولد من

__________________

(١) صموئيل ثان ١٣ : ١ ـ ٣٩

(٢) ملوك أول ١ : ٥ ـ ٥٣

(٣) تكوين ١٦ : ٥ ـ ١٥ ، ٢١ : ٩ ـ ١٠

١٥٧

غيرها تراه معهما في البيت ، وتحريف اليهود لكتابهم أشهر من نار على علم (١).

وهكذا يبدو بوضوح ما ذهبنا إليه ، وهو أن الأمر لم يكن مزاح صبي ، وإنما كان غيرة امرأة من ابن ضرتها ، وخوفا منها على مكانتها عند زوجها ، ورغبتها في أن لا ينصرف حبّ هذا الزوج إلى غيرها من النساء ، وفي أن لا ينال ابن ضرتها ـ وهو بكر أبيه (٢) ـ شيئا من ميراث أبيه ، ذلك لأن حب المرأة لأبنائها أمر معلوم ، ومن هنا بدأت تفكر في إزاحة إسماعيل وأمه من مكانتهما ، فكان التبرير من كاتب التوراة أن إسماعيل كان يمزح في وليمة فطام إسحاق ـ كما أشرنا آنفا ـ وانطلاقا من هذا فقد استجاب إسماعيل وأمه لإبراهيم فيما ارتآه من أن يجنبهما النزاع الذي قد يتفاقم بين الزوجتين ، والغيرة التي قد تقتل سارة ، وتزعج أمن إبراهيم واستقراره.

وأيا ما كان الأمر ، فإن القرآن الكريم لم يشر الى سبب هذا الحادث ، وانما يروي البخارى عن ابن عباس أن هاجر سألت إبراهيم حين وضعها وابنها هناك في مكة عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، ثم قفى منطلقا ، «أألله أمرك بهذا؟ فقال نعم : قالت : إذا لا يضيعنا» (٣).

__________________

(١) عبد الوهاب النجار : المرجع السابق ص ١٠٤

(٢) أنظر عن البكورية وأهميتها عند بني إسرائيل : مقالنا «قصة أرض الميعاد بين الحقيقة والأسطورة» وكذا : صبري جرجس : التراث اليهودي الصهيوني ص ٦٧ ، تكوين ٢٥ : ٢٧ ـ ٣٣ ، كتابنا إسرائيل ص ٧٥

(٣) ابن كثير ١ / ١٥٤ ، تفسير القرطبي ٩ / ٣٦٩ ، تفسير الطبري ١٣ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠ (طبعة ١٩٥٤) ، تفسير الألوسي ١٣ / ٢٣٦ ، المقدسي ٣ / ٦٠ ، الازرقي ١ / ٥٤ ، ٢ / ٣٩ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٣٦ ، تاريخ الخميس ص ١٠٦ ، ابن الأثير ١ / ١٠٣ ، شفاء الغرام ٢ / ٣ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٥.

١٥٨

ومن هذا المنطلق كان اعتقادنا ، أن الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد أقدم على ما أقدم عليه من رحلته إلى الحجاز بزوجه وولده ، امتثالا لأمر الله ، ورغبة في نشر الإيمان بالله في بيئة جديدة ، وفي مناخ جديد ، بعد أن قام بذلك في العراق وفي سورية وفي مصر ، وليربط ولده وبكره بما ارتبط به هو من قبل ، فإبراهيم ـ كما أشرنا من قبل ـ يرجع في نسبه الأول إلى العرب العاربة ، والتي هاجرت من جزيرة العرب ، وإبراهيم قد ولد ونشأ في العراق ، وإبراهيم هاجر إلى الشام ثم إلى مصر ، ومن مصر إلى فلسطين ثانية ، ثم من فلسطين إلى الحجاز ، ومن الحجاز الى فلسطين ، وأما إسماعيل ـ عليه‌السلام ـ فقد كان نصف مصري ، نصف عراقي ، واسماعيل قد ولد في الشام ، وعاش في الحجاز ، وتزوج من يمنية ـ أو مصرية طبقا لرواية التوراة (١) ـ وتخريجا من هذا ، فإن إسماعيل رمز العروبة كلها ، رمز لعروبة العراق ، ورمز لعروبة الشام ، ورمز لعروبة مصر ، ورمز لعروبة الجزيرة العربية ، ولعل هذا ما يميزه على أخيه إسحاق ، الذي اقتصرت حياته ومماته على جزء من الشام فحسب ، ولم يتصل بقرابة من دم ، أو صلة من نسب ، بغير عشيرة أمه ، حيث تزوج من ابنة خاله لابان (٢).

(٦) قصة الذبيح

لم يترك الأب الحنون والشيخ الجليل ابنه في ذلك المكان الموحش القفر بصحراء مكة ، دون أن يحن إليه ويذكره ، ودون أن يزوره بين الحين والحين ، وفي إحدى هذه الزيارات ، وكان الغلام قد شبّ وارتحل ، وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل ، رأى الخليل ـ عليه الصلاة

__________________

(١) تكوين ٢١ : ٢١

(٢) تكوين ٢٨ : ١ ـ ٢

١٥٩

والسلام ـ أنه يؤمر بذبح ولده هذا ، ولما كانت أنبياء الله تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ، فإن «رؤيا الأنبياء وحي» (١) ، ولهذا صمم الخليل على تنفيذ أمر ربه ، ولم يثنه عن عزمه هذا ، أن إسماعيل وحيده ، وأنه قد رزق به وهو شيخ كبير ، على رأس ست وثمانين سنة من عمره ، وبعد أن ظل يرجوه أعواما وأعواما ، رغم ذلك كله ، فإن خليل الله قد عقد العزم على إنجاز ما أمر به ، بإيمان المؤمنين ، واستسلام المسلمين لله وحده ، مما يدل على منتهى الطاعة والامتثال لأمر الله ، وهذا هو الإسلام بعينه ، إذ أن الإسلام هو الطاعة والامتثال لله ، وهو دين الأولين والآخرين (٢) ، ولهذا فقد وصف الله سبحانه وتعالى هذا الأمر بقوله تعالى : «إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ» (٣) ، على أن الخليل إنما رأى أن يعرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرا ويذبحه قهرا (٤).

ولنقرأ هذه الآيات الكريمة : «وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ، رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ، فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى ، قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ، فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ، وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ، وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ، وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ، سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ ، كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا

__________________

(١) تفسير ابن كثير ٤ / ٩ ، البداية والنهاية ١ / ١٥٧ ، قارن : تفسير البيضاوي ٢ / ٢٩٧ روح المعاني ٢٣ / ١٢٨

(٢) انظر : تفسير الطبري ٢ / ٥١٠ ـ ٥١١ ، ٣ / ٧٤ (طبعة دار المعارف)

(٣) سورة الصافات : آية ١٠٦

(٤) انظر : تفسير القرطبي ١٥ / ١٠١ ـ ١٠٤ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٢٩٧ ، تفسير الطبري ١٥ / ٧٨ ـ ٧٩

١٦٠