دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ١

دكتور محمد بيومي مهران

دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

دكتور محمد بيومي مهران


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
المطبعة: دار النهضة العربية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٠

فأعطوه صنما يقال له «هبل» ، فقدم به إلى مكة ووضعه عند الكعبة (١) ، ويميل بعض المؤرخين المحدثين إلى هذا الرأي ، معتمدين في ذلك على أن اسم هبل ، إنما هو مشتق من لفظ أرامي بمعنى الروح ، هذا ويميل بعض المستشرقين إلى أن هبل إنما هو رمز إله القمر ، وأن قريشا من شدة تعظيمها له ، إنما وضعته في جوف الكعبة (٢) ، بينما يذهب فريق ثالث إلى أن صورة الحية أو تمثالها ، إنما يشير إلى هبل ، أو إلى هبل وود (٣) ، وأخيرا فهناك ما يشير إلى أن هبل إنما كان من معبودات العرب الشماليين ، بدليل أن اسمه قد ورد ـ بجانب ذي الشري ومناة ـ في نقوش نبطية من الحجر ، كما أن هناك أشخاصا من قبيلة كلب قد حملوا اسمه (٤).

وأيا ما كان الأمر ، فإذا صدقت الرواية التي تذهب إلى أن الذي جاء به إلى مكة ، إنما هو عمرو بن لحي (٥) ، فربما كانت تلك وسيلة من وسائل عمرو هذا ، لتعظيم شأن الكعبة عند أهل الشمال ، وإيناسهم بها كلما دخلوا إلى الحجاز ، وتقريب ما بينهم وبين شعائر البيت الحرام ، وهم جميعا حريصون على تقريب هذه الشقة ، وحماية روادها من كل قبيل ، ومن ثم فقد عمل الحجازيون على تعظيم شأن الحجاز عند الأنباط ، فوضعوا في

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٢٩ ـ ٣٠ ، ٢٢٧ ، الأزرقي ١ / ٨٨ ، ١١٧ ـ ١١٨ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٥٤ ، تاريخ الخميس ص ١١٣ ، بلوغ الأرب ٢ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، ابن كثير ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، ابن هشام ١ / ٦٤ ، تاج العروس ٨ / ١٦٨

(٢) جواد علي ٦ / ٢٥٣ وكذاA.Grohmann ,Arabien ,P.٧٨

(٣) A.Grohmann ,op - cit ,P.٧٨

(٤) J. Hastings, Encyclopaedia of Religion and Ethics, I. P. ٤٦٦

(٥) هناك رواية تذهب إلى أن الذي جاء بهبل إنما هو «خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر» ولذا قيل لهبل «هبل خزيمة» [أنظر : الأصنام ص ٢٨ ، ابن سعد ١ / ٣٩ ، نهاية الأرب ١٦ / ١٢]

٢٠١

الكعبة تماثيل أرباب يعبدها النبط ، يعدّ منها الرواة (١) هبل واللات (٢) ومناة ، التي قيل أنها من المنية بمعنى «القدر المقدور» معبود النبطيين ، وقولهم حانت منيته وحان قدره ، بمعنى واحد عند عباد مناة (٣) ، وربما كان للكلمة صلة بالكلمة الآرامية «مناتا» والعبرية «منا» ، وبكلمة «منية» وجمعها «منايا» في عربية القرآن الكريم ، وهي بذلك تمثل الحظوظ الأماني ـ وبخاصة الموت ـ ومن ثم فهي آلهة القضاء والقدر (٤) ، أضف إلى ذلك أن ارتباط «مني Meni» بـ «جدGad» في العهد القديم ، قد يشير إلى ذلك أيضا ، لأن كلا منهما إنما يعني المستقبل ، وإن كان الأول إنما يعنيه بمعناه الضار في أغلب الأحايين ، على عكس الثاني ، الذي قد يعني الحظ السعيد والمستقبل المشرق (٥).

__________________

(١) الازرقي ١ / ١٢٤ ـ ١٢٨ ، كتاب الأصنام ص ٢٨.

(٢) اللات : من الأصنام القديمة المشهورة عند العرب ، ويبدو أنها قد انتقلت إلى الحجاز على يد عمرو بن لحي من الأنباط والقبائل العربية الشمالية ، وقد كانت صخرة مربعة بيضاء بنت عليها ثقيف بيتا تضاهي به الكعبة المشرفة ، وكانت تخصها بما تخص به قريش العزى ، كما كانت العرب كلها تعظمها كذلك وكانت تحت صخرة اللات حفرة يقال لها «غبغب» حفظت فيها الهدايا والنذور والأموال التي كانت تقدم إلى الصنم ، ولما أسلمت ثقيف بعث رسول الله ، (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار ، ثم أخذ الأموال التي كانت بالغبغب ، وسلمها إلى أبي سفيان ، امتثالا لأمر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ هذا وقد جاء ذكر اللات ـ بجانب العزى ومناة ـ في القرآن الكريم (سورة النجم : آية ١٩ ـ ٢٣ ، وأنظر : كتاب الأصنام ص ١٦ ، ١٩ ، ٢٧ ، ٤٣ ، ياقوت ٥ / ٤ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢٥٣ ، محمد عبد المعين خان : الأساطير العربية قبل الإسلام ص ١١٩ ، اللسان ٢ / ٣٨٨ ، جواد علي ٦ / ٢٢٩ ، تاريخ الطبري ٣ / ٩٩ ، البداية والنهاية ١ / ١٤٩ ، ابن هشام ٢ / ٣٢٦ ، موسكاتي : الحضارات السامية القديمة ص ٣٦٠ ، تفسير الطبري ٢٣ / ٦٧ ـ ٦٩ ، روح المعاني ٢٣ / ١٣٥).

(٣) عباس العقاد : المرجع السابق ص ٥٩.

(٤) J. Starcky, Palmyreniens, Nabateens et Arades du Nord avant \' Islam P. P ٤١٢ ـ ٥١٢ J. Wellhausen, Reste Arabischen Heidentums, P. P. ٥٢ ـ ٩٢

(٥) J.Hastings ,op - cit ,P.P.٥٧٢ ,٤٠٦

٢٠٢

على أن هناك من يرى أن «مناة» لا تمثل القدر ، الذي تمثله مناتو البابلية ، و «منا» العبرية ، ذلك لأن الدهر في تصور العرب والشعراء الجاهليين رجل ، لا امرأة ، وقد يفسر هذا استقسام العرب عند هبل وذي الخلصة بالأزلام ، وحلفهم فقط أمام مناة ، ويؤكد صفة مناة كذلك أن سيفي الحارث الغساني (مخذوم ورسوب) عثر عليهما على بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه عند مناة حينما هدمت ، لأن السيف رمز العدالة ، والإنصاف عند أهل البادية (١).

وأيا ما كان الأمر ، فلقد لعبت أيدي الوثنية الخبيثة بدين إبراهيم الحنيف ، وأصابت النكسة عقيدته السمحاء ـ التي قضى عمره يرفع لواءها في كفاح طويل وجهاد موصول ، فحطم الأصنام وتحدى الجبابرة ـ وهكذا انقلب القوم إلى عبادة الأصنام ، وجهلوا سر الفداء ، وسر البقاء ، وبدأ عصر الوثنية وتقديس الأصنام ، إلى درجة أن الرجل منهم كان يأخذ معه في أسفاره أي حجر من أحجار الكعبة ، يصلى إليه ، ويستأذنه في الإقامة والسفر ، ويؤدي إليه كل ما يؤدي للنجوم وخالق النجوم من طقوس العبادة ، ومن ثم فقد استقرت الوثنية وقدست التماثيل وقدم العرب لها القرابين (٢).

ويروي الأخباريون أن الجاهليين كانوا قد وضعوا «أسافا» و «نائلة» داخل المسجد الحرام ، وضعوا كل واحد منهما على ركن من أركان البيت ، فكان الطائف إذا طاف بدأ بأساف فقبله وختم به ، وإن كانت هناك رواية أخرى تذهب إلى أنهما قد وضعا على الصفا والمروة ، وأن عمرو بن لحي هو الذي نقلهما إلى الكعبة ، ونصبهما على زمزم ، وعلى أي حال ، فيبدو أن

__________________

(١) عبد العزيز سالم : دراسات في تاريخ العرب ١ / ٦٤٠

(٢) ابن كثير ٢ / ١٩١ ـ ١٩٢ ، الأزرقي ١ / ١٢٣ ، كتاب الاصنام ص ٣٢ ، حياة محمد ص ١٠٠

٢٠٣

قداسة هذين الصنمين ، إنما كانت مقصورة على قريش ، وأن القبائل الأخرى لم تكن تشاركها في تقديسهما ، وربما كان هذا هو السبب في الروايات التي دارت حولهما ، وأنهما صنمان استوردهما القوم من الشام ، وإن ذهبت روايات إلى أنهما من اليمن ، من جرهم ، هذا وقد نصب القرشيون كذلك على جبل الصفا صنما يقال له «مجاور الريح» ، وآخر على جبل المروة ، دعوه «مطعم الطير» (١).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن القوم لم يكونوا شديدي الإيمان بأصنامهم ؛ حتى أن العرب كانت إذا حجت إلى الكعبة ، سألت قريشا عن تلك الأصنام ، فكانوا يقولون لهم ، إنما نعبدها لتقربنا إلى الله زلفى ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى» (٢) ، وفي هذا إشارة إلى أن القوم إنما كانوا يعتقدون بوجود الله ، ولكنهم يخلطون إيمانهم هذا بعبادة الأصنام واتخاذ الأولياء والشفعاء لتقربهم إلى الله زلفى (٣) ، هذا إلى أن قريشا إنما كانت تلبيتها عند الكعبة «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك» (٤) ، هذا فضلا عن قلة احتفاء الجاهلين بتلك الأوثان والأصنام التي لا نجد لها ذكرا ، إلا في مناسبات معينة ، كما أنها لم تحل عند القوم محل الله ، كما اتفق عند غير العرب ، وعند غير الساميين على الأخص (٥).

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٢٣ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٥٤ ـ ١٥٥ ـ تاريخ الطبري ٢ / ٢٤١ ، ٢٨٤ ، ياقوت ١ / ١٧٠ ، الازرقي ١ / ٨٨ ، ١١٩ ـ ١٢٢ ، ابن حبيب ص ٣١١ ، ابن كثير ٢ / ١٩١ ، تفسير القرطبي ٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠ ، العقد الثمين ١ / ٢١٢ ، الروض الآنف ١ / ٦٤ ـ ٦٥ ، ابن هشام ١ / ٨٦ ، جواد علي ٦ / ٢٦٧

(٢) سورة الزمر : آية ٣

(٣) أنظر : سورة الانعام : آية ١٤٨ ، سورة النحل : آية ٣٥ ، سورة الزمر : آية ٣

(٤) تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٥٥ ، ابن حبيب ص ٣١١

(٥) عمر فروخ : تاريخ الجاهلية ص ١٥٩

٢٠٤

وأيا ما كان الأمر ، فيبدو أن الأساس المهم الذي قامت عليه مكانة الكعبة ، أن البيت الحرام بجملته كان هو المقصود بالقداسة غير منظور إلى الأصنام والأوثان التي اشتمل عليها ، وربما اشتمل على الوثن تقدسه بعض القبائل ، وتزدريه قبائل أخرى ، فلا يغض ذلك من مكانة «البيت» عند المعظمين والمزدرين ، واختلفت الشعائر والدعاوى التي يدعيها كل فريق لصنمه ووثنه ، ولم تختلف شعائر البيت كما يتولاها سدنته المقيمون إلى جواره والمكلفون بخدمته ، فكانت قداسة البيت هي القداسة التي لا خلاف عليها بين أهل مكة وأهل البادية ، وجاز عندهم ـ من ثم ـ أن يحكموا بالضلالة على أتباع صنم معلوم ، ويعطوا البيت غاية حقه من الرعاية والتقدير (١).

وعلى هذا كان يتفق في موسم الحج أن يجتمع حول البيت أناس من العرب ، يأخذون بأشتات متفرقة من المجوسية واليهودية والمسيحية وعبادات الأمم المختلفة ، ولا يجتمع منها دين واحد يؤمن به متعبدان على نحو واحد ، وما من كلمة من كلمات الفرائض لم تعرف بين عرب الجاهلية بلفظها وجملة معناها كالصلاة والصوم والزكاة والطهارة ، ومناطها كلها أنها حسنة عند رب البيت أو عند الله (٢).

وظلت خزاعة تتولى شئون الكعبة ، حتى نجحت قريش آخر الأمر في أن تنتزع القيادة منها ، وهنا يحلوا للأخباريين أن يقدموا لنا رواية غريبة وعجيبة في نفس الوقت ، فيرون أن الاسكندر المقدوني خرج من السودان متجها نحو اليمن ، وهناك قابله «تبع الأقرن» ملك اليمن ، وقدم له الولاء والخضوع ، وبعد أن أقام الاسكندر في صنعاء شهرا ، اتجه إلى تهامه ، وفي

__________________

(١) العقاد : مطلع الثور ص ١١٥

(٢) نفس المرجع السابق ص ١١٦

٢٠٥

مكة ـ حيث السيادة لخزاعة ـ قابله «النضر بن كنانة» ، فأعجب به ، ومن ثم فقد ساعده على إخراج خزاعة من مكة ، وجعل السلطان فيها مقصورا على النضر وبني أبيه ، ثم حج الاسكندر ، وفرق الهبات والهدايا في ولد «معد بن عدنان» ، ثم عاد إلى الغرب (١).

وليس من شك في أن ذلك كله ، ليس له نصيب من صواب ، وأنه لا يعدو أن يكون أسطورة من الأساطير ، لست أدري ما الذي دفع بصاحبها إلى القول بها ، ولعل أهم ما يلاحظ عليها : (أولا) أن الاسكندر الأكبر (٣٣٦ ـ ٣٢٣ ق. م) لم يذهب إلى السودان أبدا ، وبالتالي فلم يعبر البحر الأحمر إلى عدن ، ثم اليمن ، و(ثانيا) أن صنعاء لم تكن عاصمة اليمن في القرن الرابع قبل الميلاد (٢) ـ عصر الاسكندر ـ كما أن تبع الاقرن هذا لم يكن ملكا بها ، وأما (ثالثا) فإن الاسكندر الأكبر لم يكن يؤمن بالبيت الحرام ، حتى يحج إليه ، فضلا عن أن يجعل أمر مكة بيد «النضر بن كنانة» ، بدلا من خزاعة ، و(رابعا) فإن الاسكندر قد حاول السيطرة على الجزيرة العربية ـ أو على الأقل على شواطئها ـ ومن ثم السيطرة على طرق التجارة

__________________

(١) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٣٣ ـ ٣٤

(٢) يرجع ظهور صنعاء (صنعو) إلى أيام الشرح يحضب ، أي إلى النصف الثاني من القرن الأول ق. م. ـ (A.Jamme ,op - cit ,P.٠٩٣) وإن ذهب فلبي إلى أنها كانت في الفترة ١٢٥ ـ ١٠٥ ق. م. ـ (J.B.Phiby ,op - cit ,P.٢٤١) ، وعلى أي حال ، فلقد تردد اسمها في النصوص التي ترجع إلى ذلك العهد ، مثل (Jamme ٥٧٥) ، وفي أيام الحروب التي دارت رحاها بين الشرح يحضب وشمر ذي ريدان ، كما نعرف من نقش ـ) ٧٧٥ (Jamme ، وأن الرجل ـ كما يدلنا نقش ـ RY.٥٣٥ ـ قد بنى قصر غندان (غمدان) ، لما بنى «شعر أوتر» سورها (أي سور صنعاء) ، ثم بدأت المدينة تظهر بين المدن اليمنية القديمة من تلك الفترة ، حتى غدت آخر الأمر عاصمة اليمن ومقر الحكام حتى الآن (أنظر : جواد علي ٢ / ٤٤٢ ، اللسان ٣ / ٣٢٧ ، قارن : ياقوت ٣ / ٤٢٦ ـ ٤٢٧ ، ٤ / ٢١٠ ، البكري ٣ / ٨٤٣ ، وانظر كذلك : H. Von Wissmann and : M. Hofner, Beitrage Zur Historischen Geographie des Vorislamischen Sudarabien ٣٥٩١, P. ٩١, P. K. Hitti, History of the Arabs, ٠٦٩١, P. ٧٥

٢٠٦

البحرية ، وانطلاقا من هذا فقد أرسل حملات الاستكشاف من السويس ومن الخليج العربي ، ولكن المحاولة قد توقفت بسبب وفاته في بابل ، في الثامن عشر من يونية عام ٣٢٣ ق. م (١) ، ويبدو أن هذه الحقيقة الأخيرة قد اختلطت بغيرها عند الأخباريين وكانت النتيجة تلك الأسطورة الآنفة الذكر.

على أنه ليس من الغريب على أصحابنا الأخباريين أن يجعلوا الاسكندر الأكبر يدخل مكة ، فضلا عن أن يكون رجلا مؤمنا يحج إلى بيت الله الحرام ـ وهو الذي لم يكتف بتأليه نفسه عند الشرقيين ، وإنما فعل ذلك في بلاد اليونان نفسها كأثينا وإسبرطة (٢) ـ ما داموا قد جعلوه من قبل أحد اثنين من المؤمنين حكموا الدنيا بأسرها (٣) ، وما داموا قد جعلوا من أسلاف الفرس من حج إلى بيت الله الحرام ، وما دام الخليل عليه‌السلام قد أصبح ـ في نظرهم ـ واحدا من أجدادهم ، ومن ثم فقد ربطوا نسب الفرس بنسب العرب العدنانيين ، وما دام «ساسان» قد جاء إلى الكعبة ، وطاف بالبيت العتيق ، وزمزم على بئر إسماعيل ، ثم أهدى الكعبة غزالين من ذهب ، وجواهر وسيوفا وذهبا كثيرا (٤).

وعلى أي حال ، فمن المعروف أن أمر الكعبة قد آل إلى قريش مرة أخرى في عهد «قصي بن كلاب» ـ الجد الرابع لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصبحت مكة مركزا للحياة الدينية في شبه الجزيرة العربية ، بسبب وجود الكعبة فيها ، وفي الواقع أنه رغم وجود «البيوت الحرام» في بلاد العرب ،

__________________

(١) و. و. تارن : الاسكندر الاكبر ص ١٨٥ ـ ١٨٧ ، فضلو حوراني : العرب والملاحة في المحيط الهندي ص ٥٥

(٢) ثاران : المرجع السابق ص ١٧٨ ـ ١٨٠

(٣) انظر : الطبري ١ / ٢٣٤ ، ابن كثير ١ / ١٤٨

(٤) مروج الذهب ١ / ٢٦٥ ، جواد علي ٤ / ١٦

٢٠٧

كبيت الأقيصر وبيت ذي الخلصة وبيت صنعاء وبيت نجران ، وغيرها من البيوت الحرام (١) ، فإن واحدا من هذه البيوت لم يجتمع له ما اجتمع لبيت مكة ، ذلك لأن مكة كانت ملتقى القوافل بين الجنوب والشمال وبين الشرق والغرب ، وكانت لازمة لمن يحمل تجارة اليمن إلى الشام ، ولمن يعود من الشام بتجارة يحملها إلى شواطئ الجنوب ، وكانت القبائل تلوذ منها بمثابة مطروقة تتردد عليها ، ولم تكن فيها سيادة قاهرة على تلك القبائل في باديتها أو في رحلاتها ، فليست في مكة دولة كدولة التبايعة في اليمن ، أو المناذرة في الحيرة ، أو الغساسنة في الشام ، وليس من وراء أصحاب الرئاسة فيها سلطان كسلطان دولة الروم أو دولة فارس أو دولة الحبشة وراء الامارات العربية المتفرقة على الشواطئ أو بين بوادي الصحراء ، فمكة إذن مثابة عبادة وتجارة ، وليست حوزة ملك يستبد بها صاحب العرش ولا يبالي من عداه ، وهي إن لم تكن كذلك من أقدم أزمانها ، فقد صارت إلى هذه الحالة بعد عهد جرهم والعماليق ، الذين روى عنهم الرواة أنهم كانوا يشرون كل ما دخلها من تجارة (٢).

أضف إلى ذلك أن مكة كانت عربية لجميع العرب ، ولم تكن كسرية أو قيصرية ، ولا تبعية أو نجاشية ، كما عساها كانت تكون لو استقرت على مشارف الشام أو عند تخوم الجنوب ، ولهذا تمت لها الخصائص التي كانت لازمة لمن يقصدونها ويجدون فيها من يبادلهم ويبادلونه على حكم المنفعة المشتركة ، لا على حكم القهر والإكراه (٣).

__________________

(١) ياقوت ١ / ٢٣٨ ، ٣ / ٤٢٧ ، ٤ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ، ٥ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ، بلوغ الأرب ١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، ٢ / ٢٠٢ ، ٢٠٧ ـ ٢٠٩ ، ٢١٢ ، ابن حزم ، جمهرة أنساب العرب ص ٤٩٣ ، كتاب الاصنام ص ٣٨ ، البكري ٢ / ٦٠٣ ، الروض الآنف ١ / ٦٦ ، تاج العروس ٣ / ٣٩٧ ، ابن حبيب : كتاب المحير ص ٣١٧

(٢) العقاد : مطلع النور ص ١١٢ ـ ١١٣

(٣) نفس المرجع السابق ص ١١٣

٢٠٨

وقد عملت قريش على توفير الأمن في منطقة مكة ، وهو أمر ضروري في بيئة تغلي بالغارات وطلب الثأر ، حتى يكون البيت الحرام ملاذا للناس وأمنا ، وحتى يجد فيها من تضيق به الحياة ويتعرض لطلب الثأر ، الأمن والحماية ، ولعل هذا هو السبب في أن تحافظ قريش على حرمة الأشهر الحرم في موسم الحج ، حتى يأمن الناس فيه على أنفسهم وأموالهم.

ولم تكتف قريش بذلك ، وإنما عملت على توفير الماء والطعام للحجيج في منطقة يشح فيها الماء ، ويقل الطعام ، ومن ثم فقد قامت بحفر الآبار في منطقة مكة وأنشأت أماكن للسقاية ، ثم أوكلت سقاية الحاج إلى البطون القوية (١) ، وهكذا غدت سقاية الحج ـ بجانب عمارة البيت وسدانته ـ عملا يراه القوم في قمة مفاخرهم ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى «أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ» (٢).

وكانت ضيافة الحجيج عملا لا يقل عن سقايتهم ، وقد أسندتها قريش إلى الأغنياء من رجالاتها ، لأن قدوم الحجاج من أماكن بعيدة من شبه الجزيرة العربية ، يصعب معه حمل الزاد ، ومن ثم فقد كانت الرفادة تكلف أصحابها الكثير من أموالهم ، بجانب ما تقدمه قريش لهم ، إلا أن هذا الأمر في الوقت ذاته ، قد أفاد قريشا كثيرا ، إذ كانت المؤاكلة في عرف العرب ، إنما هي عقد جوار وحلف ، فضلا عن أن الضيافة في ذاتها من أكبر ما يحمد الرجل عليه ، وهكذا كانت قريش بعملها هذا ، وكأنها تعقد حلفا مع كل القبائل العربية ، تحمي به تجارتها ، وتسبغ على رجالاتها نوعا

__________________

(١) ابن هشام ١ / ١٥٩ ـ ١٦٢

(٢) سورة التوبة : آية ١٩ ، وانظر : تفسير الطبري ١٤ / ١٦٨ ـ ١٧٣ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤ ، الدرر المنثور في التفسير بالمأثور ٣ / ٢١٨ ، تفسير القرطبي ٨ / ٩١ ـ ٩٢ ، تفسير المنار ١٠ / ٢١٥ ـ ٢٢٠.

٢٠٩

من التقدير والاحترام عند العرب ، لا يتوفر لغيرهم (١).

وخطت قريش خطوة أخرى في اجتذاب القبائل العربية إلى مكة ، فنصبت أصنام جميع القبائل عند الكعبة ، فكان لكل قبيلة أوثانها ، تقدم في الموسم لزيارتها وتقديم القرابين لها ، وزاد عدد الأصنام عند الكعبة على ثلاثمائة صنم ، فيها الكبير والصغير ، ومنها ما هو على هيئة الآدميين أو على هيئة بعض الحيوانات او النباتات ، وكان أكبر الأصنام «هبل» في صورة انسان من عقيق أحمر (٢).

وهكذا تمضي الأيام وتزداد مكانة الكعبة عند العرب ، حتى تصبح آخر الأمر المفخرة القومية والحرم الإلهي عندهم ، ثم تغدو بعد حين من الدهر ، الحوار الوحيد الذي يشعر العرب عنده بشعور العروبة الموحدة ، عالية الرأس ، غير مستكينة لأجنبي كائنا من كان ، ذلك لأنهم كانوا يحسون أنهم من رعايا الروم في الشام ، ومن رعايا الفرس في الحيرة ، وأتباع للحبشة أو الفرس في اليمن ، ولكنهم هنا ـ في مكة ـ عند بيت الله ، في حرم الله ، يقدسونه جميعا ، لأنه لهم جميعا ، يضمهم إليه كما يضم أوثانهم وأصنامهم وأربابهم ، يلوذون به ، ويأوون إليه ، فكلهم من معبود وعابد في حمى الكعبة ، لأنهم في بيت الله ، وشعورهم هنا ، بأنهم «عرب» لم يماثله شعور قط في أنحاء الجزيرة العربية ، وقد أوشك أن يشمل شعب اليمن وجمهرة أقوامه ، على الرغم من سادته وحكامه ، فما كان هؤلاء الحكام لينفسوا على الكعبة مكانها ويقيموا لها نظيرا في أرضهم ، لو كان شعب اليمن منصرفا عنها ، غير معتز بها ، كاعتزاز البادية والصحراء (٣).

__________________

(١) ابن هشام ١ / ١٤٧ ، ابن سعد ١ / ٥٨

(٢) اليعقوبي ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ، الروض الانف ٢ / ٢٧٦ ، الأزرقي ١ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، جرجي زيدان : تاريخ التمدن الاسلامي ١ / ٣٧ ، جوستاف لوبون : حضارة العرب ص ١٢٤ ، كتاب الأصنام ص ٢٧ ـ ٢٨ ، E.Gibbon ,op - cit ,٥ ,P.٥٢٢

(٣) العقاد : المرجع السابق ص ٥٦

٢١٠

(٣) محاولات هدم الكعبة

ولعل هذه المكانة الفريدة للكعبة عند العرب هي التي دفعت بأصحاب السلطان والقوة في تلك الأيام محاولة هدم الكعبة ، أو على الأقل انضوائها تحت لوائهم ، وأول هذه المحاولات ـ طبقا لرواية الأخباريين ـ ما كان من «تبان أسعد أبو كرب» حين قدم من المشرق إلى المدينة غازيا ، فجاءه حبران من يهود بني قريظة ، ونصحاه أن لا يفعل ، فإن أبي حيل بينه وبين ما يريد ، فضلا عن عقاب سوف يناله ، معللين ذلك بأن المدينة سوف تكون مهاجر نبي سوف يخرج من قريش ، وهكذا صرف الحبران «تبع» عن تدمير المدينة ـ أو يثرب كما كانت تدعى ـ فضلا عن إيمانه بدينها ، بل إن البعض إنما يذهب إلى أن الرجل ما أن سمع عن النبي ، (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، من هذين الحبرين اليهوديين ، إلا وقال فيه شعرا ، يشهد فيه له بالنبوة ، ويتمنى أن يعيش حتى يراه ، فيكون له وزيرا وابن عم ، فضلا عن القتال إلى جانبه وتفريج همومه ، لأنه كان على علم بما سيلاقيه الحبيب المصطفى ـ صلوات الله عليه ـ من قومه من أذى (١).

ويتجه «تبع» صوب مكة في طريقه إلى اليمن ، حتى إذا ما كان بين «عسفان» و «أمج» ، أتاه نفر من هذيل يغرونه بسلب البيت الحرام ، ويستفتي تبع أحبار يهود في هذا الأمر ، فيصدقونه النصح قائلين «ما نعلم بيتا لله عزوجل اتخذه لنفسه في الأرض غيره» ، وأنه إن قبل ذلك الأمر ، كان فيه هلاكه ، ويعلم «تبع» أن الصدق ما نصحا به الحبران اليهوديان ، فينتقم من هذيل ، ثم يمضي إلى مكة ، فيطوف بالبيت العتيق ، وينحر الذبائح عنده ، ثم يقيم بمكة ستة أيام ، يرى أثناءها ـ فيما يرى النائم ـ

__________________

(١) ابن كثير ٢ / ١٦٣ ـ ١٦٤ ، تفسير ابن كثير ٤ / ١٤٢ ، جواد علي ٢ / ٥١٤ ـ ٥١٥ ، بلوغ الأرب ٢ / ١٧٠ ، ٢٤٠ ـ ٢٤١ ، ابن خلدون ٢ / ٥٢ ، مروج الذهب ١ / ٨٢ ، اليعقوبي ١ / ١٩٧ ـ ١٩٨ ، الأزرقي ١ / ١٣٢ ـ ١٣٤

٢١١

وكأنه يكسو البيت الحرام ، وتتكرر الرؤيا ثلاث ليال ، ويفعل «تبع» ما أمر به في منامه ، وهكذا كان الرجل ـ فيما يزعم الأخباريون ـ أول من كسا البيت ثم يعود إلى اليمن (١).

ولعل سائلا يتساءل : أكان تبع يقول الشعر بلغة قريش ـ كما يقدمه لنا الأخباريون ـ ونحن نعرف أنها تختلف كثيرا عن لغة حمير ، حتى ذهب الأمر بعلماء العربية في الإسلام إلى إخراج الحميرية واللهجات العربية الأخرى من العربية ، التي جعلوها مقصورة على العربية التي نزل بها القرآن الكريم ، وحتى قال بعضهم «ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا» (٢).

ثم كيف فات هؤلاء الرواة ان يجعلوا «تبعا» هذا ، ابن عم المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهم الذين ملئوا صفحات كتبهم بأن العرب ليسوا جنسا واحدا ، وإنما هم عرب عاربة ـ وهم القحطانيون ومنهم تبع ـ وعرب مستعربة ـ وهم العدنانيون ، ومنهم رسول الله ، (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

ثم من أين عرف الحبران اليهوديان أن هناك نبيا سوف يبعث من قريش ، ومبلغ علمي أن التوراة لم يرد فيها نص يفيد ذلك أبدا ، صحيح أن هناك نصوصا تؤكد مبعث نبي من العرب ، ولكن صحيح كذلك أنها لم تشر إلى أنه من قريش ، وأما هذه النصوص ، فقد جاءت في سفر التثنية (١٨ : ١٥ ـ ١٩). وفي سفر أشعياء (٤٢ : ١٠ ـ ١٣) ، يقول النص الأول

__________________

(١) ابن كثير ٢ / ١٦٤ ـ ١٦٧ ، تفسير الخازن ٤ / ١١٥ ، ١٧٥ ، اللسان ٨ / ٣١ ، اليعقوبي ١ / ١٩٨ ، ابن خلدون ٢ / ٥٢ ـ ٥٣ ، العقد الثمين ١ / ٧١ ، الازرقي ١ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، قارن : تفسير الطبري ٢٥ / ١٢٨ ـ ١٤٩ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٣٧٦ ـ ٣٧٧ ، تفسير القرطبي ١٦ / ١٤٥ ـ ١٤٦ ، المعارف لابن قتيبة ص ٢٧٥ ـ ٢٧٦

(٢) محمد بن سلام الجمحي : طبقات فحول الشعراء ص ٤ وما بعدها

٢١٢

«ويقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك من إخوتك مثلي له تسمعون» ويقول «أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه ، فيكلمهم بكل ما أوصيه ، ويكون أن الانسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي ، أنا أطالبه».

ثم أليس من المضحك المبكي أن يجعل أصحابنا الأخباريون اليهود أشد حرصا على الحفاظ على الكعبة ، وأكثر توقيرا لها من العرب أنفسهم ، بل لا يتأنى هؤلاء الرواة في كتاباتهم حين يجعلون من اليهود بالذات هداة ملوك العرب إلى مكانة الكعبة المشرفة وأهميتها ، وأن يصرحوا ـ كما يزعم الرواة بأن الله لم يتخذ له في الأرض بيتا غيرها ، فإذا كان ذلك كذلك ، فلم لم يحج اليهود إليها ، ثم ما هو الموقف بالنسبة إلى المسجد الأقصى ، أو هيكل سليمان كما يسميه اليهود.

ثم من أين عرف «تبع» هذا ، أن الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ سوف يسمى «أحمد» ، ومبلغ علمي ـ مرة أخرى ـ أن ذلك لم يرد في النصوص العربية ، وإنما كان ذلك في الإنجيل ـ وليس في توراة اليهود الذين أخذ عنهم تبع معلوماته عن النبي ـ حيث يخبرنا القرآن الكريم بذلك في قوله تعالى ـ على لسان المسيح عليه‌السلام ـ «يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ ، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ، وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ» (١) ، وكيف آمن «تبع» برسول الإسلام الأعظم ، قبل مبعثه

__________________

(١) سورة الصف : آية ٦ وانظر : تفسير البيضاوي ٢ / ٤٧٣ ـ ٤٧٤ ، تفسير الكشاف ٤ / ٩٨ ـ ٩٩ ، تفسير ابن كثير ٦ / ٦٤٦ ـ ٦٤٨ (دار الاندلس ـ بيروت) ، تيسير العلي القدير ٤ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ، تفسير الطبري ٢٨ / ٨٧ ، تفسير الطبرسي ٢٨ / ٦٠ ـ ٦٢ تفسير القرطبي ١٨ / ٨٣ ـ ٨٤ ، تفسير أبي السعود ٥ / ١٦١ ، الدرر المنثور في التفسير بالمأثور ٦ / ٢١٣ ـ ٢١٤ ، تفسير روح المعاني ٢٨ / ٨٥ ـ ٨٧ ، في ظلال القرآن ٢٨ / ٣٥٤٩ ، ٣٥٥٥ ـ ٣٥٥٨

٢١٣

بنحو من سبعمائة عام (١) ، كما يروي الأخباريون (٢) ، ألمجرد أن الحبرين اليهوديين أخبراه أن يثرب سوف تكون مهاجر نبي يخرج من قريش ، لا أظن أن ذلك سببا كافيا لإيمانه بنبي كان حتى تلك اللحظة في ضمير الغيب.

ومن ثم فأكبر الظن أن هناك ـ بجانب أثر الاسرائيليات في هذه الروايات ـ هدفا من ورائها ، وأن هذا الهدف ، إنما هو رفع شأن القحطانيين إبان النزاع السياسي بينهم وبين العدنانيين ، ومن ثم فإن هذه الروايات جد حريصة على أن تقدم لنا «تبعا» وقومه ، في صورة أفضل بكثير من صورة العدنانيين بصفة عامة ـ والقرشيين بصفة خاصة ـ فهم ، أي القحطانيين ، أول من قال الشعر في مدح المصطفى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، فعل ذلك سبأ (٣) ، ويفعله الآن «تبع» كما تقدمه لنا هذه الروايات ، بل إن «تبع» ليزيد هنا عقده العزم ، على أن يكون حربا على من حاربه ، وسلما لمن سالمه ، فضلا عن أن يصبح له وزيرا وابن عم ، و(ثانيا) أن القحطانيين كانوا على علم باسم المصطفى ، (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أما كيف كان ذلك ، فليس لدى الإخباريين من أصحاب هذه الروايات علم بذلك ، فإن الهدف إنما كان أن القحطانيين ، إنما كانوا يعرفون اسم النبي الأعظم قبل مولده بسبعة

__________________

(١) اختلف العلماء في فترة حكم «أبي كرب أسعد» فيراها نلسن في الفترة (٤٠٠ ـ ٤١٥ أو ٤٢٠ م) J.B.Philby ,op - cit ,p.p.٦١١ وكذاD.Nielen op - cit ,p.٤٠١ (ويراه هومل في الفترة ٣٨٥ ـ ٤٢٠ م [فريتز هومل : التاريخ العربي القديم ص ١٠٨] ويراه فلبي في الفترة ٣٧٨ ـ ٤١٥ م [J. B. Philby, Note on the Lst Kings of Saba, p. ٩٦٢ (([، ويذهب الدكتور جواد علي أن الرجل استمر يحكم حتى عام ٤٣٠ م [جواد علي ٢ / ٥٧١ وكذاLe MUSEON ,٤٦٩١ ,٣ ـ ٤ ,P.٢٩٤] وهذا يعني أن الفترة بين موت أبي كرب أسعد ومولد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لا تصل حتى إلى قرنين من الزمان ، وليست سبعة قرون

(٢) تفسير ابن كثير ٤ / ١٤٤

(٣) ابن كثير ٢ / ١٥٨ ـ ١٥٩

٢١٤

قرون ، بينما لم يكن العدنانيون ، على علم بذلك حتى قبيل مبعث المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ و(ثالثا) تقديم القحطانيين في صورة قوم مؤمنين ، كسوا البيت الحرام ، وعمروه أكثر من مرة ، ثم قدّروا مكانته قبل ظهور الإسلام بقرون ـ حتى إن كان اليهود هداتهم إلى ذلك.

وأخيرا ، فإن هذا الإلحاح على أن التبابعة كانوا يؤمنون بإله واحد ، وبرسالة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ثم الإلحاح لذلك على عدم جواز سبهم ، إنما قد يدل على أن هناك من كان يسب التبابعة ويلعنهم ، ولعل هذا السبب ، وذلك اللعن ، لم يكن موجها بالذات إلى التبابعة ، وإنما كان على اليمنيين بخاصة ، والقحطانيين بعامة ، ومن هنا كان هذا الإلحاح على عدم السب ، بل ربما وضعت أحاديث للرد على هذه الحملة ـ ربما العدنانية ـ ضد القحطانيين (١).

وأما المحاولة الثانية ، فهي التي قام بها «حسان بن عبد كلال» ، وذلك حين أقبل من اليمن ، «في حمير وقبائل من اليمن عظيمة ، يريد أن ينقل أحجار الكعبة من مكة إلى اليمن ، ليجعل حج البيت عنده في بلاده» ، وهناك عند «نخلة» خرج له القرشيون ـ بقيادة فهر بن مالك ، ودارت بين الفريقين معركة ضارية ، كان النصر فيها من نصيب قريش ، والهزيمة ـ بل والأسر كذلك في مكة ثلاث سنوات ـ من نصيب حسان بن عبد كلال (٢) ، فإذا كان ذلك كذلك ، فإن حملة أبرهة المشهور على مكة ، كانت لها على الأقل سابقة يمنية من قبل ، ثم إذا ما تذكرنا أن هناك من يرى أن عبد كلال ، إنما قد اغتصب عرشه بعون من اكسوم (٣) ، فهل هذا يعني أن

__________________

(١) جواد علي ٢ / ٥١٥ ـ ٥١٦

(٢) الهمداني : الإكليل ٢ / ٣٥٧ ـ ٣٥٩ ، الطبري ٢ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣

(٣) يرى «فلبي» أن الرجل كان كاهنا وشيخا لقبيلة ، وأنه استطاع أن يغتصب العرش لمدة خمس سنين ، بمساعدة الأحباش. [أنظر : J.B.Philby Arabian ,Highlands ,P.٠٦٢ وقارن : J.B.Philby ,The Background of Islam ,P.٣٤١

٢١٥

الحبشة النصرانية كانت من وراء تلك الحملة ، لست أدري ، فتلك أخبار لا يوثق بها كثيرا ، ثم إن الهمداني يرفض القصة من أساسها ، وإن كان البعض يتهمه بأنه يمني متعصب ، لا يؤيد حربا تنتصر فيها قريش على اليمن ، ثم يضع وزر نقل حجارة الكعبة من مكة الى اليمن على عاتق «هذيل بن مدركة» أحد سادات مكة (١) ، وهو أمر لا نطمئن إليه كثيرا.

وسواء أصح هذا ، أم كان مجرد ظن من الأخباريين ، فهناك إشارات الى محاولة ثالثة حدثت في القرن الأول قبل الهجرة ، وذلك حين بنت غطفان حرما كحرم مكة ، ثم حاولت أن تصرف العرب إليه ، غير أن سيدا من سادات العرب ، رفض ذلك ، وقال «لا والله لا يكون ذلك أبدا وأنا حي» ، واتبعه قومه حين قال لهم «إن أعظم مأثرة ندخرها عند العرب أن نمنع غطفان من غرضها» ، وقاتل غطفان وظفر بهم وأبطل حرمهم (٢).

وأما رابعة المحاولات ، فكانت تلك التي قام بها أبرهة الحبشي في حملته المشهورة على الكعبة المشرفة ، واليها يشير القرآن الكريم في سورة كاملة هي سورة الفيل ، يقول سبحانه وتعالى : «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ ، تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ» ، وفي هذا العصف المأكول كان أبرهة نفسه ، فضلا عن القضاء على جيشه ، الأمر الذي ناقشناه بالتفصيل في دراستنا عن «العرب وعلاقاتهم الدولية

__________________

(١) الإكليل ٢ / ٣٥٩ ، جواد علي ٢ / ٥٨٥

(٢) محمد حسين هيكل : في منزل الوحي ص ٤١٥

٢١٦

في العصور القديمة» (١).

وفكر الرومان ـ كمحاولة خامسة ـ في ضرب مكة من داخلها ، بعد أن فشلت كل جهودهم في الاستيلاء عليها ، وذلك أن الإمبراطورية الرومانية بعد أن انقسمت إلى شرقية وغربية ، سرعان ما تتخذ بيزنطة من المسيحية وسيلة لنشر نفوذها في بلاد العرب ، فتعمل على إرسال البعثات التبشيرية ، كما تنجح في تنصير الحبشة ، ومن ثم فإنها تستطيع ان تؤمّن تجارتها هناك ، فضلا عن بسط نفوذها عن طريق الأحباش أنفسهم ، إلا أنها لم تحاول ان تتدخل في شئون بلاد العرب بطريقة مباشرة ، ومن ثم فقد كانت وراء حملة أبرهة على مكة (٢) ، وحين فشلت هذه ، وطرد الأحباش من اليمن (٣) ، لجأت إلى وسيلة أخرى ، تستطيع أن تحكم بها مكة ، ولكن عن طريق سيد من

__________________

(١) أنظر : مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية ـ العدد السادس ـ عام ١٩٧٥ ص ٤٠٠ ـ ٤١٢ (مقال للمؤلف عن «العرب وعلاقاتهم الدولية في العصور القديمة») وعن حملة أبرهة هذه : أنظر كذلك : ابن الأثير ١ / ٤٤٢ ـ ٤٤٧ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٣٠ ـ ١٣٩ ، تفسير الطبري ٢ / ١٨٨ ، ٣٠ / ١٩٣ ـ ١٩٤ ، تفسير القرطبي ص ٧٢٧٧ ـ ٧٢٩٠ (طبعة الشعب) ، في ظلال القرآن ٨ / ٦٦٤ ـ ٦٧٥ ، تفسير الآلوسي ٣٠ / ٢٣٢ ـ ٢٣٧ ، نهاية الأرب ١ / ٢٥١ ـ ٢٦٤ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٥٧٦ ، البيهقي : دلائل النبوة ١ / ٥٦ ـ ٥٧ ، الكشاف ٣ / ٢٨٨ ، ابن كثير ٢ / ١٧٠ ـ ١٧٦ ، تفسير ابن كثير ٨ / ٥٠٣ ـ ٥١١ ، صحيح الأخبار ٤ / ٢١ ـ ٢٢ ، أعلام النبوة ص ١٤٩ وكذاProcopuis ,I ,P.٠٨١ وكذاLe Museon ,٣٥٩١ ,٤٦٣ ,PP.٧٧٢ ـ ٩٧٢ ,٤٦٩١ ,٦٦ ,P.٥٧٢ وكذا S. Smith, Events in Arabia in the ٦ theCentury A. D. P. ٥٣٤

(٢) احمد إبراهيم : المرجع السابق ص ١٥٤ ـ ١٥٥ ، جواد علي ٣ / ٥١٨ ، وكذاProcopius ,I ,P.٠٨١ وكذا O\' Leary, Arabia before Muhammad, P. ٤٨١ R. Bell, The Origin of Islam in its Christian Enviroment, P. ٠٤

(٣) ابن الاثير ١ / ٤٤٩ ـ ٤٥١ ، ابن كثير ٢ / ١٧٧ ـ ١٧٨ ، الدينوري : الأخبار الطوال ص ٦٤ ، ابن خلدون ٢ / ٦٣ ، الطبري ٢ / ١٤٦ ـ ١٤٨ ، اليعقوبي ١ / ٢٠٠ ، مروج الذهب ٢ / ٥٦ ، جواد علي ٣ / ٥٢١ ـ ٥٢٣ ، المقدسي ٣ / ١٩٠ ـ ١٩٥ ، قارن : المعارف ص ٢٧٨

٢١٧

العرب ، يدين بالولاء لدولة الروم.

وهكذا اختار قيصر ، عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى ، ليكون ملكا على ملكة من قبله ، وكتب له رسالة يبلغها قومه ، ومن ثم فقد عاد عثمان إلى مكة ، فجمع القوم إليه يرغبهم في حسن الجزاء من قيصر ، وينذرهم بسوء العاقبة في الشام ، إذا هم عصوه ، وأهون ما هنالك ان يغلق ابواب بلاده في وجوههم ، وهم يذهبون إليها ويعودون منها كل عام (١) ، يقول عثمان بن الحويرث : «يا قوم ، إن قيصر قد علمتم أمانكم ببلاده ، وما تصيبون من التجارة في كنفه ، وقد ملكني عليكم ، وأنا ابن عمكم وأحدكم ، وإنما أخذ منكم الجراب من القرظ والعكة من السمن والأوهاب ، فأجمع ذلك كله ، ثم أذهب إليه ، وأنا أخاف إن أبيتم ذلك ، أن يمنع منكم الشام ، فلا تتجروا به وينقطع مرفقكم منه (٢)».

وليس من شك في أن هذه المحاولة الرومية السياسية ، إنما غرضها ـ كما هو ظاهر ـ غرض تلك المحاولة الحبشية العسكرية ، وأن المحاولتين قد فشلتا ، وبقيت مكة ـ كما أراد الله ـ حرما آمنا للعرب ، وغير العرب ، وبذلت قريش في المحاولتين جهدها ، لإخفاق الواحدة تلو الأخرى ، وليس من شك في أن الأولى كانت أشد خطرا ، وان دفعت في الثانية ببعض رجالها ، يقضون في سجون القيصر فترة لا تدري مداها على وجه التحقيق ، ثم سرعان ما عادت الأمور إلى سيرتها الأولى (٣).

__________________

(١) العقاد : المرجع السابق ص ١١٤ ـ ١١٥ ، حياة محمد : ص ١٢٧ ـ ١٢٨

(٢) ابن هشام ١ / ٢٢٤ ، ابن حزم : جمهرة أنساب العرب ص ١١٨ ، الروض الآنف ١ / ١٤٦ ، الأغاني ٣ / ١١٢

(٣) احمد إبراهيم الشريف : المرجع السابق ص ١٦٢ ـ ١٦٣ ، السهيلي : الروض الآنف ١ / ١٤٦ وكذاWatt ,W.M.MUhammad at Mecca.Oxford.٣٥٩١ ,P.٦١

٢١٨

وهكذا يبدو وبوضوح ، أن كل هذه المحاولات : السياسية والعسكرية ـ تثبت قيام كعبة الحجاز على كره من ذوي السلطان في الجنوب والشمال ، وفي كل المحاولات استطاعت الكعبة أن تحفظ مكانها ، على الرغم من خلو مكة من العروش الغالبة على أنحاء الجزيرة بجميع أطرافها ، بل إنها إنما استطاعت ذلك لخلوها من العروش وقيام الأمر فيها على التعميم دون التخصيص ، وعلى تمثيل جملة العرب بمأثوراتهم ، ومعبوداتهم ، دون أن يسخرهم المسخرون ، أو يستبد بهم فريق يسخرهم تسخير السادة للأتباع المكرهين على الطاعة وبذل الإتاوة (١).

وهكذا كان المكيون يشعرون بمكانة الكعبة عند العرب عامة ، ومن ثم فقد كانوا يرون لأنفسهم ميزة لا يتطاول إليها غيرهم من العرب ، لأنها تتصل بكرامة البيت الحرام وحرمته ، فهم أهله وأولياؤه ، وهم سدنته والقائمون بالأمر فيه ، يسقون الحجيج ويطعمونهم ، ويوفرون لهم الأمن والراحة ، ومن ثم فقد نشأ عندهم ما يسمى بنظام «الحمس» ، ويعنون به ابن البلد وابن الحرم والوطني المقيم ، والذي ينتمي إلى الكعبة والمقام ، فهو امتياز لأبناء الوطن وأهل الحرمة وولاة البيت قطان مكة وساكنيها (٢) ، ولهذا فقد نادوا بين الناس : «نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت وقاطنو مكة وساكنوها فليس لأحد من العرب مثل حقنا ، ولا تعرف له العرب ما تعرف لنا» (٣).

وكان الحمس إذا زوجوا امرأة منهم لغريب عنهم ، اشترطوا أن يكون أبناؤها منهم ، ثم جعلوا لأنفسهم علامة ، وهي ألا يعظم الأحمس شيئا

__________________

(١) العقاد : مطلع النور ص ١١٥.

(٢) الخربوطلي : المرجع السابق ص ٥٠ ، قارن : شفاء الغرام ٢ / ٤٣ ، ابن هشام ١ / ١٩٩

(٣) الأزرقي ١ / ١٧٦ ، ابن هشام ١ / ٢١٦ ، تفسير الطبري ٤ / ١٨٨

٢١٩

من الحل ـ أي الأرض التي وراء الحرم ـ كما يعظم الحرم ، وقالوا : «إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم ، ولهذا فقد ترك الحمس الوقوف بعرفة ، لأنها خارج عن الحرم ، والإفاضة منها ، مع اقرارهم بأنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم ، ويرون أن لسائر الناس الوقوف عليها والإفاضة منها ، وأما هم فقد جعلوا موقفهم في طرف الحرم من «نمرة» ، يقفون به عشية عرفة ، ويظلون به يوم عرفة في «الأراك من نمرة» ، ثم يفيضون منه إلى المزدلفة ، فإذا عممت الشمس رءوس الجبال دفعوا ، وكانوا يقولون : «نحن أهل الحرم ، فليس لنا أن نخرج من الحرمة ولا نعظم غيرها كما نعظمها ، نحن الحمس» ، ومن ثم فإنهم بذلك يظهرون تعصبهم لبقعة من الأرض ، ويترفعون عن أن يخرجوا عنها ولو كان في خروجهم إتمام لمشاعر الحج ، كما كانوا إذا أرادوا بعض أطعمتهم وأمتعتهم تسوروا من ظهر بيوتهم وأديارها ، حتى يظهروا على السطح ، ثم ينزلون في حجرتهم ، ويحرمون أن يمروا تحت عتبة الباب (١).

وكانوا يقولون : لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الأقط ولا يسلئوا السمن ، ولا يدخلوا بيتا من الشعر ، ولا يستظلوا ـ إن استظلوا ـ إلا في بيوت الأدم ، ما كانوا حرما ، فهم إذن يحرمون على أنفسهم أشياء لم تكن العرب تحرمها ، كما أنهم اختصوا أنفسهم بالقباب الحمر ـ وهي علامة الشرف والرئاسة ـ تضرب لهم من الأشهر الحرم ، كما فرضوا على العرب ألا يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل إلى الحرم ـ إذا جاءوا حجاجا

__________________

(١) ابن كثير ١ / ٢٣٣ ، ٢٩٣ ، البخاري ٢ / ١٦٣ ابن هشام ١ / ٢٠٢ ، الطبرسي ٢ / ٤١١ ، ابن كثير ٢ / ٣٠٥ ، العقد الثمين ١ / ١٤١ ، نهاية الأرب ١ / ٢٤٤ ، المقدسي ٤ / ٣٢ (طبعة بالأوفست من طبعة كليمان هوار عام ١٩٠٧) ، تفسير القرطبي ٢ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨ ، اليعقوبي ١ / ٢٥٦ ، الازرقي ١ / ١٧٦ ـ ١٨٠ ، جواد علي ٦ / ٣٦٢ ، احمد إبراهيم الشريف : المرجع السابق ص ١٨٨ وكذاEI ,II ,P.٥٣٣

٢٢٠