دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ١

دكتور محمد بيومي مهران

دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

دكتور محمد بيومي مهران


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
المطبعة: دار النهضة العربية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٠

أو عمارا ـ ولا يطوفون بالبيت إذا قدموا أول طوافهم ، إلا في ثياب الحمس ، فإن لم يجدوا طافوا بالبيت عراة ، فإن تكرم منهم متكرم من رجل أو امرأة ، لم يجد ثياب الحمس ، فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل ، ألقاها إذا فرغ من طوافه ، ثم لم ينتفع بها ، ولم يمسها هو ولا أحد غيره أبدا ، وكانت العرب تسمي تلك الثياب «اللقى» (١)

(٤) الكعبة قبيل الاسلام

ولعل أهم ما يميز هذه الفترة من تاريخ الكعبة المشرفة أمران ، الواحد إعادة حفر زمزم ، والآخر إعادة بناء الكعبة نفسها. وأما الأمر الأول ، فإن المصادر العبرية انما تروي أن عبد المطلب ـ جد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ـ قد لقي الكثير من العناء في توفير الماء للحجيج عند ما تولى أمر السقاية والرفادة ، وذلك بسبب دفن زمزم ـ ربما منذ أيام جرهم ـ وزاد الأمر صعوبة أن مكة كانت إذ ذاك تمر بفترة قاسية ندرت فيها الأمطار ، وجفت مياه الآبار ، أو كادت ، في وقت كان موسم الحج فيه قد بدأت طلائعه ، وهنا رأى عبد المطلب ـ فيما يرى النائم ـ أنه يؤمر بحفر طيبة ، وحين يسأل عن طيبة هذه لا يلقى جوابا ، غير أن الرؤيا تتكرر ليال ثلاث ، يؤمر فيها عبد المطلب بحفر «برة» ثم بحفر «المضنونة» ، ثم بحفر «زمزم» ، وفي المرة الأخيرة ، فإن الهاتف يجيبه حين يسأل عن زمزم ، بأنها «تراث من أبيك الأعظم ، لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم ، مثل نعام جافل لم يقسم ، ينذر فيها ناذر لمنعم ، يكون ميراثا

__________________

(١) ابن كثير ٢ / ٣٠٥ ، البخارى ٢ / ١٦٣ ، تاج العروس ٤ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ، روح المعاني ١ / ٢٤٤ ، المقدسي ٤ / ٣٢ ـ ٣٣ ، نهاية الأرب ١ / ٢٤٤ ، شفاء الغرام / ٤١ ـ ٤٢ ، ياقوت ٥ / ١٨٤ ، المعارف ص ٢٦٩ ، الأزرقي ١ / ١٨٠ ـ ١٨٢ ، اليعقوبي ١ / ٢٥٧ ، العقاد : المرجع السابق ص ١١٧ ، احمد إبراهيم الشريف : المرجع السابق ص ١٨٩ ـ ١٩٠ ، ابن هشام ١ / ٢١٩.

٢٢١

وعقدا محكم ، ليس كبعض ما قد تعلم ، وهي بين الفرث والدم ، عند نقرة الغراب الأعصم ، عند قرية النمل».

ويخرج عبد المطلب ومعه ولده الحارث ، فيحفر بن اساف ونائلة ، في الموضع الذي تنحر فيه قريش لأصنامها ، وقد رأى الغراب ينقرها هناك ، فلما بدا له الطوي كبّر ، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته ، فقاموا إليه ، وقالوا : إنها بئر أبينا إسماعيل ، وأن لنا فيها حقا فأشركنا معك ، قال : ما أنا بفاعل ، هذا أمر خصصت به دونكم ، قالوا : فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها» ، غير أن المخاصمة سرعان ما تنتهي في جانب عبد المطلب (١).

وتذهب المصادر العربية إلى أن عبد المطلب قد وجد غزالين من ذهب ، كانت «جرهم» قد دفنتهما في البئر ، فضلا عن سيوف ودروع ، فضرب الأسياف بابا للكعبة ، وجعل فيه الغزالين صفائح من ذهب ، فكان أول ذهب حليت به الكعبة ، وإن ذهبت بعض الروايات إلى أن بريق الذهب جعل بعض اللصوص يطمعون فيه ، فتسللوا في جنح الظلام ، وجردوها مما كانت تتحلى به من نفائس ذهبية (٢).

وأيا ما كان الأمر ، فلقد أقبل الحجاج على بئر زمزم تبركا بها ورغبة فيها ، وأعرضوا عمن سواها من الآبار ، وذلك لمكانة زمزم من المسجد

__________________

(١) الطبري ٢ / ٢٥١ ، ابن الأثير ٢ / ١٢ ـ ١٤ ، ابن كثير ٢ / ٢٤٤ ـ ٢٤٨ ، الروض الآنف ١ / ٨٠ ، ٩٨ ، الأزرقي ٢ / ٤٢ ـ ٤٧ ، الحربي : المرجع السابق ص ٤٨٥ ، المقدسي ٤ / ١١٤ ، ابن سعد ١ / ٤٩ ـ ٥٠ ، ابن هشام ١ / ١٤٢ ـ ١٥٠ ، حياة محمد ص ١١٦ ـ ١١٧ ، اليعقوبي ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٨ ، تاريخ الخميس ص ٢٠٢ ـ ٢٠٤ ، وكذاShorter Ency ,oflslam ,P.٧٥٦

(٢) مروج الذهب ٢ / ١٠٣ ، ياقوت ١ / ١٤٩ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٣٣٨ ، تاريخ الخميس ص ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، المقدسي ٤ / ١١٤ ، الأزرقي ٢ / ٤١ ، ٤٣ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٥١ ، الخربوطلي : المرجع السابق ص ٥٧ ـ ٥٨ الحربي : المرجع السابق ص ٤٨٥

٢٢٢

الحرام ، ولفضلها على ما سواها من المياه ، ولأنها بئر أبيهم إسماعيل بن إبراهيم عليهما‌السلام.

هذا وقد كان عبد المطلب قد نذر حين لقي من قريش العنت في حفر زمزم : لئن ولد له عشرة نفر ، وبلغوا معه حتى يمنعوه ، لينحرن أحدهم عند الكعبة لله تعالى ، فلما توافى له عشرة ، أقرع بينهم : أيهم ينحر؟ ، فطارت القرعة على عبد الله ، وكان أحب الناس إليه ، فقال عبد المطلب :

اللهم هو أو مائة من الإبل ، ثم أقرع بينه وبين الإبل ، فطارت القرعة على المائة من الإبل ، على أن هناك من يذهب إلى أن هذا النذر ، إنما كان حين عيّره «عدي بن نوفل» ، فقال له : أتستطيل علينا عبد المطلب وأنت فذ لا ولد لك ، فأجابه عبد المطلب جوابه الذي أثر عن ذلك اليوم : بالقلة تعيرني فو الله : لئن أتاني الله عشرة من الولد لأنحرن أحدهم عند الكعبة (١).

وأما الأمر الثاني ، فهو إعادة بناء الكعبة ، والذي يكاد يجمع المؤرخون على أنه تمّ والمصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ في الخامسة والثلاثين من عمره الشريف ، فاذا كان ذلك كذلك ، وإذا كان المولد النبوي

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٩ ـ ٢٤٣ ، ابن الأثير ٢ / ٥ ـ ٧ ، ابن كثير ٢ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، روح المعاني ٢٣ / ١٣٦ ، مروج الذهب ٢ / ١٠٤ ، المقدسي ٤ / ١١٤ ـ ١١٦ ، اليعقوبي ١ / ٢٥٠ ـ ٢٥٢ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٣٣٧ ، تاريخ الخميس ص ١٢٩ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ابن سعد ١ / ٥٠ ، ٥٣ ـ ٥٤ ، ابن هشام ١ / ١٥٠ ـ ١٥٤ ، الأزرقي ٢ / ٤٣ ـ ٤٤ ، ٤٧ ـ ٤٩ ، حياة محمد ص ١١٧ ـ ١١٨

٢٢٣

الشريف قد حدث في ٢٠ أبريل من عام ٥٧١ م (١) ، كما حدده المرحوم محمود باشا الفلكي ، فإذا كان كذلك ، فإن إعادة بناء الكعبة يكون قد حدث حوالي عام ٦٠٦ م ، وإن كانت هناك عدة آراء تدور حول المولد النبوي الشريف ـ على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ فليس هناك من شك في أنه ليس من بين الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ من ولد في ضوء

__________________

(١) هناك عدة آراء بشأن مولد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، فالرواية العربية تجعله في عام الفيل ، وهو غير معروف على وجه التحديد (عام ٥٥٢ أو ٥٦٣ ، ٥٧٠ أو ٥٧١ م) ، والأمر كذلك بالنسبة إلى من رأوه يتفق وموقعة ذي قار ، لأن تاريخ الموقعة موضع خلاف (ياقوت ٤ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، ثم انظر وجهات نظر مختلفة في كتابنا بلاد العرب) ، هذا وقد حاول بعض العلماء تحقيق تاريخ المولد النبوي الشريف ، اعتمادا على تاريخين محققين من تاريخه العطر ، وهما تاريخ الهجرة في عام ٦٢٢ م ، وتاريخ الانتقال إلى الرفيق الأعلى في عام ٦٣٢ م ، غير أنها تواريخ استنتاجية بمولد النبوي (انظر : عبد المنعم ماجد : المرجع السابق ص ٩٥ ـ ٩٦ ، وكذاP.Lamments ,Age de Mohammad ,P.٩٠٢ F وكذا (R.Blachere ,Le Probleme de Mahomet ,P.٥١) ، وعلى أي حال ، فإن جوستاف لوبون يراه في ٢٧ أغسطس ٥٧٠ م (حضارة العرب ص ١٢٩) ، ويراه «كوسان دي برسيفال» في ٢٩ أغسطس عام ٥٧٠ م (أنظر :Caussin des Perceval, Essai Sur l\'Histoire des Arabes, I, P. ٣٨٢

وأما المرحوم محمود باشا الفلكي ، فقد حدد لمولد مولانا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، يوم ٩ ربيع الأول (٢٠ أبريل ٥٧١ م) (أنظر التقويم العربي قبل الإسلام ص ٣٨) ، ولعل «سلفستر دي ساسي» إنما يتفق في تأريخه للمولد الشريف مع الفلكي باشا ، على أن المترجمين لحياة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) إنما يجمعون على أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما ولد في يوم الاثنين من الأسبوع الثاني من شهر ربيع الأول من عام الفيل ، ويذكر العلماء أن هذا التاريخ يوافق العام الثالث والخمسين قبل الهجرة (أي عام ٥٧١ م) (راجع دراز : مدخل إلى القرآن الكريم ص ٢٢ ، ابن كثير ١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٢ تاريخ الطبري ٢ / ١٥٥ ـ ١٥٧ ، ابن الأثير ١ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩ ، المحبر ص ٨ ـ ٩ وأما انتقاله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) إلى الرفيق الأعلى ، فقد كان في يوم ١٢ أو ١٣ من ربيع الأول عام ١١ ه‍ (٧ أو ٨ يونيو عام ٦٣٢ م) بعد أن بلغ ٦٣ عاما قمريا بالكامل ، أي اكثر من واحد وستين عاما شمسيا (مدخل الى القرآن الكريم ص ٣١ ـ ٣٢)

٢٢٤

التاريخ ، غير نبينا ـ صلوات الله وسلامه عليه (١).

كانت قريش تفكر في أمر الكعبة التي كانت وقت ذاك بدون سقف ، مخفضة الارتفاع ، مما جعلها نهبا للصوص الذين أقدموا على سرقة بعض كنوزها ، هذا فضلا عن أن مكة نفسها كانت قد تعرضت لعدة سيول في أوقات متفاوتة ، آخرها سيل جارف نزل من الجبال المحيطة بمكة ، وانحدر نحو الكعبة وصدع جدرانها ، وهكذا أصبحت قريش مضطرة إلى الإقدام على ما أفسدته السيول ، وزاد من عزم قريش أن البحر كان قد ألقى بسفينة إلى «جدة» لأحد تجار الروم ، كان قيصر قد بعث بها من مصر إلى الحبشة ، ليقوم ركابها ببناء كنيسة هناك ، ومن ثم فقد ذهب وفد من قريش ـ على رأسه الوليد بن المغيرة ـ واشترى السفينة (٢).

وبدأت عمليات الهدم والبناء ، وتذهب الروايات العربية إلى أن أول من بدأ الهدم ، إنما كان الوليد بن المغيرة ، بينما تذهب رواية منها إلى أنه أبو وهب بن عمرو المخزومي ، وأيا كان الرجل ، فالذي يهمنا هنا أن القرشيين ، إنما كانوا يصرون على أن يبنوا بيت الله الحرام من كل طيب ، ومن ثم فقد نسب إلى الوليد ـ أو إلى أبي وهب ـ انه قال : «يا معشر قريش لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا ، ولا تدخلوا فيها مهر بغي ، ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس».

وبدأ البنيان ، حتى إذا ما بلغ موضع الركن ـ أي الحجر الأسود ـ اختلفت

__________________

(١) ابن هشام ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣ ، العمري ١ / ٦٤ ، المقدسي ٤ / ١٣٩ ، الفلكي : المرجع السابق ص ٣٨ ، الحربي : المرجع السابق ص ٤٩٤ ـ ٤٩٥ ماجد : المرجع السابق ١ / ٩٥ ـ ٩٦ ، وكذا.A.Guillaume ,op - cit ,P.٣٢ وكذاCHI ,I ,٠٧٩١ P.١٣

(٢) ابن الأثير ٢ / ٤٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٨٧ ، المسعودي ٢ / ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، الأزرقي ١ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ، نهاية الأرب ١ / ٢٣٢ ، ياقوت ٤ / ٤٦٦ ، المقدس ١ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ، الحربي : المرجع السابق ص ٤٨٦ ـ ٤٨٧

٢٢٥

بطون قريش على من يحوز شرف إعادة الحجر الأسود إلى مكانه ، واشتد الخلاف ، وكاد القتال ان ينشب بين القوم ، وقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي على الموت ، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم ، فسموا «علقة الدم» بذلك ، ومكثت قريش على ذلك أربع ليال ، ثم تشاوروا ، فقال أبو أمية بن المغيرة ، وكان أسن قريش : «اجعلوا بينكم حكما أول من يدخل من باب المسجد يقضي بينكم» ، ففعلوا.

وكان النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أول من دخل ، فلما رأوه قالوا «هذا الأمين قد رضينا به» وأخبروه الخبر ، فقال : هلموا إلى ثوبا ، فأتى به ، فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه ، ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا ، فلما بلغوا به موضعه وضعه بيده ، ثم بني عليه ، وهكذا نجح النبي الأعظم في حسم الخلاف وجنب قومه القتال ، ومن عجب أنه سرعان ما قال قائل من قريش : وا عجبا لقوم أهل شرف ورئاسة وشيوخ وكهول ، عمدوا إلى أصغرهم سنا ، وأقلهم مالا ، فجعلوه رئيسا وحاكما ، أما واللات والعزى : ليفوقهم سبقا ، وليقمن بينهم حظوظا وجدودا ، وليكونن له بعد هذا اليوم شأن وبناء عظيم» (١).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن ذلك كله ، إنما يدل على مكانة الحجر الأسود عند قريش ، وعلى أنه إنما كان أقدس شيء عندهم ، وإلا لما

__________________

(١) ابن الأثير ٢ / ٤٤ ـ ٤٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٨٨ ـ ٢٩٠ ، ابن كثير ٢ / ٢٩٩ ـ ٣٠٤ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٩٥ ـ ١٩٩ ، ابن سعد ١ / ٥٠ ، ٩٣ ـ ٩٥ ، الأزرقي ١ / ١٥٧ ـ ١٦٤ ، تاريخ الخميس ص ١٢٦ ـ ١٣١ ، تفسير القرطبي ٢ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، المقدسي ١ / ١٤٠ ، ياقوت ٤ / ٤٦٦ ، محمد عبد الله دراز : مدخل إلى القرآن الكريم ص ٢٥ ـ ٢٦ ، محمد حسين هيكل : حياة محمد ص ١١٧ ـ ١١٨ ، الحربي : المرجع السابق ص ٤٨٧ ، مروج الذهب ٢ / ٢٧٢ ، علي حسني الخربوطلي : المرجع السابق ص ٦٧ ـ ٧١ وكذاP.K.Hitti ,opcit ,P.٠٠١

٢٢٦

اختلفوا كل هذا الاختلاف على وضعه في مكانه ، بينما لم يكن الأمر كذلك بالنسبة إلى غيره من مقتنيات الكعبة الشريفة ، ويذهب «فلهاوزن» إلى أن قدسية البيت «لم تكن عند قريش بسبب ما فيه من أصنام ، وإنما بسبب هذا الحجر الأسود ، فهو إذن مقدس لذاته (١)» ، بل إن البعض ليذهب إلى أن البيت لم يكن إلا بمثابة إطار للحجر الأسود ، الذي كان أهم معبودات قريش في الجاهلية (٢).

غير أننا نعرف أنه رغم شيوع عبادة الأوثان في سواد قبائل العرب ، فإن التاريخ لم يحدثنا أبدا ، أن القوم قد عبدوا هيكل الكعبة ، أو أنهم قد عبدوا الحجر الأسود ، مع احترامهم له ذلك الاحترام الذي يفوق كل احترام إذ كان القوم يلمسونه دائما بغية التبرك به ، كما كانت الجهة التي فيها هذا الأسود ، إنما تسمى «بالركن» (٣).

وقد بقيت هذه المكانة للحجر الأسود ، حتى على أيام الإسلام الحنيف (٤) ، ويروى أن الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حين كان يطوف بالبيت الحرام ، كان يستلم الحجر الأسود ويقبله ، إلا أن مكانة

__________________

(١) جواد علي ٦ / ٤٣٧ ، وكذا أنظر :.J.Wellhausen ,opcit ,P ٤٧

(٢) المشرق ، تموز ١٩٤١ ص ٢٤٧

(٣) جواد علي ٦ / ٤٣٧ ـ ٤٣٨ ، احمد إبراهيم الشريف : المرجع السابق ص ١٦٨ ، محمد البتنوني : المرجع السابق ص ١٥٢ ـ ١٥٦

(٤) أنظر : الأزرقي ١ / ٣٢٢ ـ ٣٣٠ ، ٣٤٢ ـ ٣٤٤

٢٢٧

الحجر الأسود في الإسلام غيرها في الجاهلية (١) ، فقد روى الإمام أحمد والبخاري ، أن الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وقف عند الحجر الأسود ، فقال : «إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر» ، ثم قبله ، وكذلك فعل أبو بكر عند حجه بالناس ، ولما حج عمر بن الخطاب ، وقف عند الحجر ـ فيما يروي الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم ـ قال : «إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ، ولو لا أني رأيت رسول الله ، (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، يقبلك ما قبلتك» ، ثم دنا وقبله (٢).

وقد ذهب الباحثون مذاهب شتى في تفسير اسم «الكعبة» ، فرأى بعضهم أنها كلمة رومية ، أطلقت على كعبة مكة لتكعيبها ـ أو لتربيعها ـ وأن بناء من الروم عمل في بنائها وهندستها ، فاستعير اسمها من اللغة الرومية ، وقيل بل كان بناؤها في الحبشة التي عرف العرب عن طريقها

__________________

(١) أزيل الحجر الأسود من مكانه غير مرة ، من جرهم وإياد والعمالقة ، وخزاعة ، وآخر من أزاله القرامطة عام ٣١٧ ه‍ ، فقد قلعوه وذهبوا به الى البحرين ، عند ما أقام أبو طاهر القرمطي في «هجر» دارا دعاها غار الهجرة ، وأراد أن ينقل الحج إليها ، فسار الى مكة ودخل الحرم ووضع السيف على لفتة من الناس في الطائفين والعاكفين والركع السجود ، وقتل نحو ثلاثين ألفا بمكة وشعابها ، واقتلع باب الكعبة وجرده مما كان عليه من صفائح الذهب ، وبقي الحجر الأسود عند القرامطة ، حتى أعاده الخليفة العباسي «المطيع لله» إلى مكانه في عام ٣٣٩ ه‍ ، وصنع له طوقا من فضة وفي عام ٣٦٣ ه‍ ، حاول رجل رومي قلعه ، إلا أنه قتل بيد رجل يماني ، وقد حاول ذلك كذلك بعض الباطنية في عام ٤١٤ ه‍ ، ورجل أعجمي في القرن العاشر ، غير أنهم قتلوا ، وفي محرم ١٣٥١ ه‍ ، سرق رجل أفغاني قطعة من الحجر الأسود ، وكذا قطعة من أستار الكعبة ، فأعدم عقوبة له ، ثم أعاد الملك عبد العزيز آل سعود القطعة المسروقة في ٢٨ / ٤ / ١٣٥١ ه‍ بعد أن وضع لها الأخصائيون المواد التي تمسكها والممزوجة بالمسك والعنبر ، أما ما يدور على الحجر من الأطواق ، فقد عملها السلطان عبد المجيد العثماني عام ١٢٦٨ ه‍ من ذهب ، ثم غيرت إلى فضة عام ١٢٨١ ه‍ على أيام السلطان عبد العزيز ، ثم في عام ١٣٣١ ه‍ ، على أيام السلطان محمد رشاد العثماني (الازرقي ١ / ٣٤٦ هامش رقم ٤ ، انظر : في منزل الوحي ص ٤١٦)

(٢) الأزرقي ١ / ٣٢٢ ـ ٣٢٤ ، ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، تفسير المنار ١ / ٤٦٧ ، قارن : الخربوطلي : المرجع السابق ص ٢٠

٢٢٨

بناء هذه المعابد وأمثالها ، لأنهم أمة خيام لم تتأصل فيهم صناعة البناء ، وهؤلاء الباحثون وأمثالهم ـ فيما يرى الأستاذ العقاد ـ يتشبثون بالفروع ، ويغفلون الأصل ، بجذوره وجذوعه عليه ، فمهما يكن من لغة البناء الرومي أو الحبشي ، فالقبائل العربية لم تبن تلك البيوت لأن البناء من الروم أو من الحبش ، ولم ترد أن تنشئ لها بيتا يسمى «الكعبة» أو المكعبة في اللغة الرومية ، وإنما وجدت الحاجة إلى البيت الحرام ، ثم وجدت الوسيلة إلى تلك الغاية ، ولو لم يبنه أحد من الروم أو الحبش ، لبناه أحد من فارس أو مصر أو الهند أو غيرها من الأمم التى تقدمت في هذه الصناعات (١).

وقد بنى سليمان بن داود هيكله في وقت كان اليهود فيه ما يزالون في بداوة بدائية ، يندر فيهم من يعرف أصول حرفة أو صناعة أو علم من علوم الدنيا ، وكان الاعتماد على الفينيقيين الأجانب ، وعلى رأسهم حيرام الصوري ـ كما نقرأ في التوراة (٢) ـ هو الحل الوحيد الممكن أمام داود وسليمان ليرتفع هيكل الرب (٣) ، وكان المعبد في نهاية الأمر مزيجا عجيبا من الفنون المصرية والبابلية والفينيقية ، ورغم أن التوراة تشيد بإعجاب بالمساعدة الفينيقية ، فإن المعلومات التي يقدمها لنا سفر الملوك الأول تتيح لنا بسهولة التأكد من واقع تأثير مصر وبلاد الرافدين ، وعلى أي حال ، فإن سليمان كان مضطرا إلى أن يتطلع إلى نماذج خارج بلاده ، فهو لم يكن لديه في إسرائيل إلا تقاليد يهودية قليلة ، ما كانت لتفيده شيئا في بناء المعبد ، ومن ثم ، فإنه ـ رغم ما كان ينظر إليه تجاه الفن المصري والبابلي ، إلا أن

__________________

(١) عباس العقاد : مطلع النور ص ١١١ ـ ١١٢ ، وأنظر : تفسير الطبري ١١ / ٨٩ ـ ٩٠ (طبعة دار المعارف ١٩٥٧) ياقوت ٤ / ٤٦٣ ـ ٤٦٥ ، احمد حسن الباقوري : مع القرآن ، القاهرة ١٩٧٠

(٢) ملوك أول ٧ : ١٣ ـ ١٤

(٣) حسن ظاظا : القدس ص ٣٦ ـ ٣٨

٢٢٩

بناء المعبد دون الاعتماد عليها كان أمرا بالغ الصعوبة ، وربما كان السبب في التأثير المصري ، هو مصاهرة سليمان للبلاط الفرعوني ، وإن كان الأمر بالنسبة إلى التأثير البابلي أصعب من أن يفسر ، وعلى أي حال ، فلقد كان للطابعين المصري والبابلي أثر كبير على الفينيقيين ، الذين اختلطت فنونهم بفنون المصريين من ناحية ، والبابليين من ناحية أخرى ، وطالما تحدثت التقاليد الإسرائيلية عن نشاط الحرفيين الفينيقيين بكل وضوح وتأكيد (١)

وعلى أي حال ، فالذي يهمنا هنا ، أن العقيدة لم تقم تبعا لعقيدة أصحاب تلك الصناعة ، بل كان أصحاب الصناعة في الحالين ـ كعبة مكة وهيكل سليمان ـ ممن يخالفون تلك العقيدة ، ويتسمون بسمة الكفر والانكار عند المعتقدين بها (٢)

ولم نعرف أن معبدا سمي بشكله ، أو كان له شكل غير أشكال الأبنية التي يغلب عليها التكعيب مع بعض الاستطالة ، وليست مادة «كعب» بالغريبة عن اللغة العربية ، لأنهم كانوا يعرفون كعوب الفتاة ويسمون الفتاة كاعبا إذا كعب ثدياها ، ويلعبون بالكعوب ويتسلحون بالرماح وهي من القصب أو من الأقنية ، فيغلب أن يكون اليونان هم الذين أخذوا من العرب كلمة الكعب وكلمة القناة فتصحفت في لغتهم إلى القانون وهو العصا التي تتخذ للقياس (٣).

أما عن الحبشة ، وأن العرب قد نقلوا عنها طريقة بناء المعابد وأمثالها ،

__________________

(١) كتابنا إسرائيل ص ٤٦٤ ـ ٤٧٢ ، أندريه إيمار ، جانين أوبوايه : الشرق واليونان القديمة ١ / ٢٦٧ ، وكذاK.Kenyon ,Archaeology in the Holy Land ,P.٧٤٢ وكذا R. A. S. Macalister, The Topography of Jerusalemin CAH, III, ٥٦٩١, P. ٨٤٣ ـ ٩

(٢) العقاد : مطلع النور ص ١١٢

(٣) نفس المرجع السابق ص ١١٢

٢٣٠

فربما كانت الأدلة تتجه إلى العكس من ذلك ، فهناك في الحبشة ـ على سبيل المثال ـ بقايا أعمدة لمعبد سبىء ، فضلا عن مذبح سبىء للإله «سين» ، إلى جانب كتابات أشياء أخرى من الفن العربي القديم ، بل إن هناك من الباحثين من يرى ان نفوذ الفن العربي ، إنما تجاوز تأثيره الحبشة إلى مجاوراتها ، ومن ثم فإنهم إنما يذهبون إلى أن بقايا المعابد التي عثر عليها في روديسيا وفي أوغنده ، إنما هي من المعابد المتأثرة بطراز معبد «أوام» (محرم بلقيس) ، فإن بين هذه المعابد جميعا شبها كبيرا في طرز البناء وفي المساحة وفي الأبعاد كذلك (١).

وعودا على بدء ، إلى الكعبة ، حيث نرى القرشيين وقد أعادوا إليها الأصنام ، ويروي المسعودي أنه كان في حيطانها صور كثيرة بأنواع من الأصباغ عجيبة ، منها صورة إبراهيم الخليل في يده الأزلام ، ويقابلها صورة إسماعيل ولده ، على فرس يجيز الناس مغيضا وبعد ذلك صور لكثير من أولادهما حتى «قصي بن كلاب» في نحو من ستين صورة مع كل واحدة من تلك الصور «إله» يصاحبها كيفية عبادته وما اشتهر من فعله (٢) ، هذا إلى جانب ما فيها من أصنام بلغ عددها ٣٦٠ صنما (٣). بل ويرى البعض أن فيها صورا للمسيح بن مريم وأمه (٤) ، فإذا كان ذلك كذلك ، فلا بدّ أن تكون هذه الأخيرة من عمل نصارى الروم ، وإن كان الدكتور جواد علي يعترض على وجود صور الأنبياء في الكعبة ، فما للوثنية ـ

__________________

(١) أنظر : مقالنا «العرب وعلاقاتهم الدولية في العصور القديمة» ، جواد علي ٣ / ٤٥١ وكذاHandbuch ,I ,P.٤٣ موسكاتي : المرجع السابق ص ٢٢١ ـ ٢٢٣ وكذا انظرH.Von Wissmann and M.Hofiner ,op - cit ,P.٨٢

(٢) مروج الذهب ٢ / ٢٧٢ ، الأزرقي ١ / ١٦٥ ـ ١٦٩

(٣) صحيح مسلم ٥ / ١٧٣ ، ارشاد الساري ٧ / ٢١٠ ، الازرقي ١ / ١٢٠ ـ ١٢٣ ، بلوغ الأرب ٢ / ٢١١ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٨٠ ، العقد الثمين ١ / ٢١٢.

(٤) جواد علي ٦ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦ ، الأزرقي ١ / ١٦٥ ـ ١٦٨.

٢٣١

في رأيه ـ والأنبياء ، وما شأن الشرك بمريم وابنها وببقية الرسل ، حتى ترسم صورها على أعمدة أو جدران البيت الحرام (١).

والرأي عندي ، أن صور الأنبياء يمكن ان نقسمها إلى قسمين ، الواحد يتصل بإبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام ، وهما جدا العرب ، وبناة البيت الحرام ، فوجود صور لهما في الكعبة ـ وقد امتلأت بالأصنام ـ أمر لا يخالف المنطق ، ما دام هؤلاء القرشيون يؤمنون بأبوة الخليل ، وأنه هو ـ وإسماعيل ـ قد رفعا القواعد من البيت ، وأما الشق الثاني ، فيتصل بالمسيح وأمه البتول ، وصورهما ـ فيما أظن ـ تتصل بأمرين ، الواحد أن قريشا إنما سمحت للناس كافة بالطواف حول البيت ، ويضعون فيه أصناما لمعبوداتهم ، أضف إلى ذلك أن الأخباريين إنما يذهبون إلى أن «باقوم» الرومي ، هو الذي أشرف على بناء الكعبة وهندستها ، ومن ثم فليس من المستبعد أن يكون الرجل ـ وهو نصراني ـ قد قام برسم تلك الصور بمفرده ـ أو بمساعدة أخوة له من نصارى الروم ممن كانوا معه ـ ولم يجد عمله هذا اعتراضا من قريش ، لأن ذلك لا يتنافى وعقيدتها في أن البيت لله ، يتعبد فيه الناس لآلهتهم (٢).

وأيا ما كان الأمر ، فلقد بقي الحال في الكعبة ، حتى العام الثامن للهجرة ، حيث أكرم الله رسوله والمؤمنين بفتح مكة (٣) ، فقام المسلمون بتحطيم الأصنام ، ويروى أن النبي ، صلوات الله وسلامه عليه ـ رأى

__________________

(١) جواد علي ٦ / ٤٣٨ ـ ٤٣٩

(٢) جواد علي ٦ / ٤٣٩

(٣) أنظر عن فتح مكة (رمضان ٨ ه‍ ـ ديسمبر ٦٣٠ م) : ابن الأثير ٢ / ٢٣٩ ـ ٢٥٥ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٨ ـ ٦٢ ، ابن خلدون ٢ / ٤١ ـ ٤٥ ، حياة محمد ص ٤١٦ ـ ٤٣١ ، الأنبياء في القرآن الكريم ص ٣٢٢ ـ ٣٢٤ ، عبد المنعم ماجد : المرجع السابق ص ١٢٢ ـ ١٢٣ ، ابن هشام ١ / ٨٠٢ ، ٨١٤ ـ ٨٢٢

٢٣٢

صورا لإبراهيم وهو يستقسم بالأزلام ، فقال «قاتلهم الله حيث جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام» ، هذا وقد حطم الرسول ، (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، كل التماثيل والصور (١) ، وهو يقول (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٢).

ووقف المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ثاني يوم الفتح ، وخطب خطبته المشهورة ، التي وضع فيها مآثر الجاهلية ، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ، ثم قال : يا أهل قريش ، ويا أهل مكة : ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا : خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء» ، وهكذا أعتقهم رسول الله ، (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة ، وكانوا له فيئا ـ ومن ثم فقد سمي أهل مكة بالطلقاء ، هذا ولم يحاول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يقضي على نفوذ مكة المهزومة ، فأعلن أنها سوف تبقى حرما آمنا لا يقاتل فيها ، وأن تكون الكعبة هي بيت الله الحرام ، يحج إليها العرب حتى المشركون منهم (٣).

وفي العام التاسع للهجرة (٦٣٠ م) ـ عام الوفود ـ بقي المصطفى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) في المدينة ، يستقبل الوفود ، حيث كان ما يزال في شبه الجزيرة العربية من لم يؤمن بالله ورسوله ، وإن كانوا في الوقت ، ما يزالون ـ كما كانوا في الجاهلية ـ يحجون إلى الكعبة في الأشهر الحرام ـ كما أشرنا آنفا ـ ومن ثم فليبق الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ إذا بالمدينة ، حتى يتم الله

__________________

(١) السيرة الحلبية ١ / ١٤٤ ، ٣ / ٨٧ ، الروض الانف ٢ / ٢٧٤ ـ ٢٧٦ ، نهاية الأرب ١٧ / ٣١٢ ـ ٣١٤ ، صحيح مسلم ٥ / ١٧٣ ، إرشاء الساري ٧ / ٢١٠ ، العقد الثمين ١ / ١٥٧ ، ٢١٢ ، الازرقي ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩ ، كتاب الأصنام ص ٣١ وما بعدها

(٢) سورة الاسراء : آية ٨١

(٣) تاريخ الطبري ٣ / ٦١ ، البلاذري : فتوح البلدان ص ٤٢ ، النويري ١ / ٢٩٨ ، عبد المنعم ماجد : المرجع السابق ص ١٢٣ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٤٤ ـ ٤٥ ، مروج الذهب ٢ / ٢٩٠ ، ابن الأثير ٢ / ٢٥٥ ، حياة محمد ص ٤٢٦ ـ ٤٣٠ البداية والنهاية ٤ / ٣٠١

٢٣٣

كلمته ، وحتى يأذن الله له بالحج إلى بيته الحرام ، وليخرج أبو بكر في الناس حاجا (١).

على أن الرسول ـ (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) سرعان ما أمر الإمام علي كرم الله وجهه ، أن يسرع إلى مكة قبل أن تصل إليها وفود الحجيج من جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية ، ليبلغهم بسورة نزل بها الوحي من السماء ـ والتي عرفت بسورة براءة ـ ويقوم الإمام علي بالمهمة خير قيام ، ويبلغ رسالة النبي الأعظم إلى الناس في اجتماعهم العام هذا «يوم الحج الأكبر» ـ في منى وقبل الوقوف بعرفة ـ وقد جاء في هذه الرسالة ، قوله سبحانه وتعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (٢).

ويعلن الإمام علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ بأمر رسول الله ، (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، «أيها الناس : إنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد اليوم مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله ، (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، عهد فهو إلى مدته» ، وأجلّ على الناس أربعة أشهر بعد ذلك ، ليرجع كل قوم إلى بلادهم ، ومن يومئذ لم يحج مشرك ، ولم يطف

__________________

(١) ابن الأثير ٢ / ٢٨٦ ـ ٢٩٢ ، المعارف ص ٨٢ ، ابن هشام ٢ / ٩١٩ ، هيكل : حياة محمد ص ٤٧٠ ـ ٤٧٦ ، الصديق أبو بكر ص ٥٣ ، أرفنج : حياة محمد ص ٢٢٩ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٥١ ـ ٥٨ ، فيليب حتى : المرجع السابق ص ١٦٤ ـ ١٦٥ ، تاريخ مكة ص ٥٤

(٢) سورة التوبة : آية ٢٨ وانظر : تفسير الطبري ١٤ / ١٩٠ ـ ١٩٨ (دار المعارف ـ القاهرة ١٩٥٨) ، تفسير البحر المحيط لابن حيان ٥ / ٢٧ ـ ٢٩ ، في ظلال القرآن ١٠ / ١٥٨٥ ، ١٦١٨ ـ ١٦١٩.

٢٣٤

بالبيت عريان» (١).

__________________

(١) ابن الأثير ٢ / ٢٩١ ، ابن هشام ٤ / ٢٠١ ـ ٢٠٥ ، المسعودي : مروج الذهب ٢ / ٢٩٠ ، التنبيه والاشراف ص ١٨٦ ـ ١٨٧ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٥٣ ، تفسير الطبري ١٤ / ٩٥ ـ ١١٢ (طبعة دار المعارف ١٩٥٨) ، تفسير البيضاوي ١ / ٣٨٣ ، الإمام محمد بن عبد الوهاب : مختصر زاد المعاد ص ٣٦٧ ـ ٣٦٨. الخربوطلي : المرجع السابق ص ٨٩ ، فيليب حتى : المرجع السابق ص ١٦٣ ـ ١٦٤ ، محمد لبيب البتنوني : المرجع السابق ص ١٧ ، هيكل : حياة محمد ص ٤٧٦ ، تاريخ مكة ص ٥٤ ، تاريخ العرب ١ / ١٦٣ ـ ١٦٤.

٢٣٥
٢٣٦

الفصل السّادس

العاديون

قوم هود

٢٣٧
٢٣٨

(١) العاديون والعرب البائدة

ينظر الأخباريون إلى قوم عاد على أنهم أقدم الأقوام العربية البائدة (١) ، حتى أصبحت كلمة «عادي» و «عادية» تستعملان صفتين للأشياء البالغة القدم (٢) ، وحتى أصبح القوم إذا ما شاهدوا آثارا قديمة لا يعرفون تاريخها ، أطلقوا عليها صفة «عادية» (٣) ، وربما كان السبب في ذلك قدم قوم عاد ، أو أن عادا ـ ومن بعدها ثمود ـ قد ورد اسميهما في القرآن الكريم ، ومن ثم فقد قدما على بقية الأقوام البائدة ، رغم أننا لو جارينا الأخباريين في قوائم الأنساب ، التي يقدمونها للشعوب البائدة ، لكان علينا أن نقدم طسم وجديس وعمليق وأميم وغيرهم على عاد وثمود ، ذلك لأن الأولين ـ في نظرهم ـ من أولاد شقيق «إرم» ، وأن الآخرين من حفدة «إرم» ، ولكنهم هم أنفسهم يقدمون عادا على بقية الشعوب البائدة (٤).

وهنا لعل من الأفضل أن نشير ـ بادئ ذي بدء ـ إلى أننا لا نعني بالعرب البائدة ، والعرب الباقية ، أن أقواما قد انقرضوا فلم يبق منهم أحد ، وأن أقواما لم يكونوا ثم نشئوا من جديد ، وانما ما نعنيه أن قوما قد يقل عددهم بالكوارث أو بالذوبان في آخرين ، لسبب أو لآخر ، ومن ثم يتوقف تاريخهم وتبطل حضارتهم ، مع أن بقاياهم ما تزال موجودة ، ولكنها بدون قيمة حضارية ، والتاريخ في حقيقته إنما هو تطور

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ١١

(٢) مقدمة ابن خلدون ص ٦١٣ ـ ٦١٤

(٣) مروج الذهب ٢ / ١٢ ـ ١٤

(٤) جواد علي ١ / ٢٩٩

٢٣٩

الحضارة (١).

وعلى أي حال ، فتلك تسمية ابتدعها الكتاب المسلمون ، لم يكن يعرفها العرب القدامى ، كما أن المصادر اليهودية ـ وعلى رأسها التوراة ـ وكذا المصادر اليونانية واللاتينية والسريانية ، على غير علم بهذه التقسيمات (٢) ، فضلا عن أنه من المعروف أن شيئا لن يبيد ، ما دام قد ترك من الآثار ما يدل عليه ، وهي دون شك مصدرنا الأساسي لنعرف الحضارات السابقة (٣) ، وربما كان المقصود بلفظ «بائد» عدم وجود أحد من العرب ينتسب إلى هذه القبيلة أو تلك عند كتابة المؤرخين الإسلاميين لتاريخ ما قبل الإسلام.

ومن ثم فليس صحيحا ، ما ذهب إليه بعض المستشرقين من أن ما يسمى «بالعرب البائدة» ، ليس من التاريخ الحقيقي في شيء ، وإنما هو جزء من الميثولوجيا العربية ، أو التاريخ الأسطوري ، الذي يسبق عادة التاريخ الحقيقي لكل أمة ، ومن ثم فإنهم إذا ما عالجوا تاريخ بعض القبائل العربية التي تسمى بالبائدة ، فإنما يعالجونها على هذا الأساس (٤) ، وإن كانت غالبية المؤرخين الأوربيين الآن قد عدلت عن هذا الإتجاه ، بعد أن ثبت لهم أن بعضا من هذه القبائل البائدة قد تحدث عنه المؤرخون القدامى من الأغارقة والرومان ، وبعد أن أثبتت الأحافير ـ إلى حد ما ـ

__________________

(١) عمر فروخ : تاريخ الجاهلية ص ٤٩

(٢) جواد علي ١ / ٢٩٥

(٣) عبد الرحمن الانصاري : المرجع السابق ص ٨٦

(٤) محمد مبروك نافع : عصر ما قبل الإسلام ص ٣٠ ـ ٣١

٢٤٠