تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٨

لحومهم وعظامهم حيث خصّ النقل فيها بالعظام ، بل في خبر العيّاشي إخراج عظامه عليه‌السلام بعد أربعين يوما مع أنّه قد روى في أخبار كثيرة انّ لحومهم محرّمة على الأرض وعلى الدّود.

ففي «الفقيه» عن الصّادق عليه‌السلام قال : إنّ الله عزوجل حرّم لحومنا على الأرض وحرّم لحومنا على الدود ان تطعم منها سيئا.

وفيه عنه عليه‌السلام : أنّ الله تبارك وتعالى حرّم لحومنا على الأرض أن تطعم منها شيئا (١).

والجواب عن الأوّل : أنّه بعد ثبوت جواز النبش والنقل على فرضه لا بدّ من حمل هذه الأخبار على كونها قضايا في وقائع خاصّة فلا يتعدّى الحكم إلى غيرها على أنّ عدم جواز النقل ليس مقطوعا به في كلامهم وان كان القول به مشهورا عندهم بل هي مسألة خلافيّة ، وربما استدلّ للقول بالجواز بالاخبار المتقدّمة بناء على قضاء الاستصحاب ببقاء الأحكام الثابتة في الشرائع السّابقة وبالأصل السالم عن معارضة الدليل ، سيّما مع انتفاع الميت بشرافة الأرض وجوار من شرّفت به ، ولعلّ جوازه كان معلوما بين الشيعة في الأعصار المتقدّمة القريبة من عصر الامام عليه‌السلام بحيث ربما يظهر منه تقريره له ورضاه به لذا نقل عن جملة من علمائنا أنّهم دفنوا ثمّ نقلوا كالمفيد من داره بعد مدّة إلى جوار الكاظمين عليهما‌السلام ، والمرتضى من داره الى جوار الحسين عليه‌السلام. والشيخ البهائي من أصبهان الى المشهد الرضوي

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ٤٤٣ وعنه البحار ج ٢٢ ص ٥٥٠.

٤٢١

على مشرفه السّلام ، ولذا أفتى كثير من الأصحاب بجواز النبش للنقل إلى تلك المشاهد وغيرها بل عدّ في «كشف الغطاء» ممّا استثناه من حرمة النبش ان يكون ذلك لايصاله الى محل يرجى فوزه بالثواب أو نجاته من العقاب. كالنقل الى المشاهد المشرّفة ، بل مقابر مطلق الأولياء والشهداء والعلماء والصلحاء ، ثم قال : وربما كان هذا القسم أولى من غيره فيخرجه كلّا او بعضا عظما أو لحما او مجتمعا ولو لا قيام الإجماع والسيرة على عدم وجوبه لقلنا بالوجوب في بعض المحال بل قد يحكى عنه أنّه قال : لو توقّف نقله على تقطيعه إربا إربا جاز ولا هتك فيه للحرمة إذا كان بعنوان النفع له ودفع الضرر عنه كما يصنع مثله في الحيّ وتمام الكلام في الفقه.

وعن الثّاني : انّه وان كان بين الخبرين منافاة بحسب الظّاهر الّا انّ لأصحابنا في الجمع بينهما طرقا منها : انّهم يرفعون بعد الثلاثة ثمّ يرجعون إلى قبورهم ويؤيّده ما قيل : إنّه ورد في بعض الاخبار : انّ كلّ وصيّ يموت يلحق بنبيّه ثمّ يرجع إلى مكانه.

وهذا الوجه وإن احتمله شيخنا المجلسي إلّا أنّه بعيد جدّا من سياق الأخبار المتقدّمة وغيرها ممّا يدلّ عليه بل مخالف لبعض الأخبار.

مثل ما رواه في كامل الزيارات عن عبد الله بن بكر قال : حججت مع أبي عبد الله عليه‌السلام إلى أن قال : يا ابن رسول الله لو نبش قبر الحسين بن عليّ هل كان يصاب في قبره شيء؟ فقال : يا ابن بكر ما أعظم مسائلك إنّ الحسين بن عليّ مع أبيه وأمّه وأخيه في منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه يرزقون ويحبرون ، وانّه لعن يمين العرش

٤٢٢

متعلّق به يقول : يا ربّ أنجز لي ما وعدتني (١) ، الخبر.

ومنها : أنّ أخبار الرفع صدرت لنوع مصلحة تورية لقطع طمع الخوارج والنّواصب الّذين كانوا يريدون نبش قبورهم وإخراجهم منها وقد عزموا على ذلك مرارا فلم يتيسّر لهم ، وربّما يؤيّد ذلك بما في بعض الأخبار من أنّهم نبشوا قبر الحسين عليه‌السلام فوجدوه في قبره وانّهم حفروا في الرصافة قبرا فوجدوا فيها شعيب بن صالح ، وهذا الوجه ضعيف جدّا بل هو طرح للأخبار المذكورة من دون شاهد رجما بالغيب مع أنّ الله سبحانه قد منع أعدائه من أن ينالوا قبور أوليائه بوجوه من المنع من دون أن يلجئهم إلى مثل هذا الكذب الّذي يسرع ظهوره بالنّبش فإنّ المعاندين قد بالغوا في إمحاء قبورهم وآثارهم وإطفاء أنوارهم فأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.

ومنها : ما احتمله شيخنا المجلسي أيضا من حمل أخبار نقل العظام على أنّ المراد نقل الصندوق المتشرف بعظامهم وجسدهم في ثلاثة ايّام او أربعين يوما وهو بعيد جدّا.

ومنها : ما احتمله أيضا من ردّهم بعد الّرفع إلى الأرض لترتّب تلك المصلحة المقتضية للرفع.

ومنها ما ذكره المحدّث الفيض أفاض الله عليه من رحمته بعد نقل الخبر الدّال على الّرفع حيث قال : حمل هذا الحديث على ظاهره غير مستبعد في عالم

__________________

(١) كامل الزيارات ص ٢٣٠.

٤٢٣

القدرة وفي خوارق عاداتهم عليهم‌السلام ، مع أنّه يحتمل أن يكون المراد باللّحم والعظم المرفوعين المثاليّين منهما أعني البرزخيّين ، وذلك لعدم تعلّقهم بهذه الأجساد العنصرية فكانّهم وهم بعد في جلابيب من أبدانهم قد نفضوها وتجرّدوا عنها فضلا عمّا بعد وفاتهم.

والدّليل على ذلك من الحديث قوله عليه‌السلام : إنّ الله خلق أرواح شيعتنا ممّا خلق منه أبداننا (١).

فأبدانهم ليس إلّا تلك الأجساد اللّطيفة المثاليّة ، وأمّا العنصرية فكأنّها أبدان الأبدان.

ويدلّ على ذلك ما ورد : إنّ الله أوحى إلى نوح أن يستخرج من الماء تابوتا فيه عظام آدم عليه‌السلام فيدفنه في الغريّ ففعل (٢).

وما ورد : انّ الله سبحانه أوحى إلى موسى بن عمران ان أخرج عظام يوسف ابن يعقوب من مصر فاستخرجها من شاطئ النيل في صندوق مرمر (٣).

فلو لا أنّ الأجساد العنصريّة منهم تبقى في الأرض لما كان لاستخراج العظام ونقلها من موضع إلى موضع آخر بعد سنين عديدة معنى.

واعترضه المحدّث البحراني بأنّه مبنيّ على ثبوت الأجساد المثاليّة في النشأة الدّنيويّة بحيث يكون للرّوح فيها جسدان مثالي وعنصري ، وهذا ممّا لم يقم

__________________

(١) البصائر ص ٧ وفيه : وخلق أرواح شيعتنا من أبداننا.

(٢) كامل الزيارات ص ٣٨ ـ ٣٩ وعنه البحار ج ١١ ص ٢٦٨.

(٣) بحار الأنوار ج ١٣ ص ١٢٧.

٤٢٤

عليه دليل ، وغاية ما يستفاد من الأخبار : انّ المؤمن إذا مات جعل الله روحه في النشأة البرزخيّة في قالب كقالبه في الدّنيا بحيث لو رأيته لقلت : فلان ثمّ ينقل إلى وادي السّلام وانّهم يجلسون حلقا حلقا يتحدّثون ويتنعّمون ، وايضا فتصريح الخبر برفع اللحم والعظم لا ينطبق إلّا على الجسد العنصري ، لأنّ إثبات ذلك للجسد الثاني لا يخلو عن تمحل وتعسّف لدلالة الخبرين على الرّفع بالأبدان العنصريّة كما يدلّ عليه أيضا.

ما رواه الشيخ في «التهذيب» عن سعد الإسكاف قال : حدّثني أبو عبد الله عليه‌السلام قال : انّه لما أصيب أمير المؤمنين عليه‌السلام قال للحسن والحسين عليهما‌السلام : غسّلاني وكفّناني وحنّطاني واحملاني على سرير واحملا مؤخّره تكفيان مقدّمه ، فإنكما تنتهيان إلى قبر محفور ولحد ملحود ولبن موضوع فالحداني ، واشرجا اللبن عليّ وارفعا لبنة ممّا يلي رأسي فانظرا ما تسمعان ، فأخذ اللّبنة من عند رأسه فإذا ليس في القبر شيء ، وإذا هاتف يهتف :

أمير المؤمنين كان عبدا صالحا لله فألحقه الله بنبيّه ، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء حتّى لو أنّ نبيّا مات في المشرق ومات وصيّه في المغرب لألحق الوصيّ بالنبيّ (١).

أقول : وفيه انّ الأجسام المثاليّة في هذا العالم ممّا لا مساغ لأحد إلى إنكارها بعد ما دلّت الآيات الآفاقيّة والأنفسية على ثبوتها فانّ النّائم يرى فيما يراه انّه قد

__________________

(١) فرحة الغري ص ٢ وص ٢٢.

٤٢٥

ضرب في الأرض ودخل البلاد وتكلّم مع كثير من الأشخاص وشاهدهم وسمع منهم مع أنّ بدنه العنصري متدثّر بدثار النوم في بيته ، وربما يكون كثيرا ممّا رآه موافقا لما في الواقع إمّا تطبيقا او تأويلا وتحويلا ، بل ربما يرى الأشخاص الكثيرة من الأحياء والأموات ، ويتكلّم معهم ويستفيد ممّا عندهم مع أن الأبدان العنصريّة لتلك الأشخاص غير مشاهد له قطعا ولعلّها صارت عظاما ورفاتا ، وهو يراهم في صورة الأحياء الّذين يشافههم ويناظرهم ، وحمل الّرؤيا على مجرّد الخيال من خيالات الفلاسفة ، إذ الظّاهر من الشرع واهله كونها بالأبدان المثاليّة للرّائي والمرئي على ما تأتي إليه الإشارة.

بل ربما يدلّ عليه النبوي المستفيض من طريق الفريقين : من رآني فقد رآني فانّ الشيطان لا يتشبّه بي.

وفي خبر آخر : لا يتمثّل بي. وفي ثالث : من رآني في النّوم فقد رآني فانّه لا ينبغي للشيطان أن يتمثّل في صورتي.

وفي رابع : من رآني فقد رأى الحقّ فإنّ الشيطان لا يتراءى بي.

وفي خامس : رواه الرضا عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من رآني في منامه فقد رآني لأنّ الشيطان لا يتمثّل في صورتي ولا في صورة أحد من اوصيائي ولا في صورة احد من شيعتهم (١).

فانّ الظّاهر منه باختلاف ألفاظه انّها إنّما تكون بالتمثل والتشبّه ومعناه تعلّق

__________________

(١) امالي الصدوق ص ٦٤ وعنه البحار ج ٤٩ ص ٢٨٣.

٤٢٦

الرؤيا حال الرّؤيا بالصورة والمثال من جهة المرئي.

وأما كونه من جهة الرّائي من جهة المثال فواضح ، هذا مضافا إلى الشّواهد الكثيرة الدّالّة على ثبوتها من الأخبار والاعتبار على ما نشير إليها في تفسير الآيات المتعلّقة بأحوال البرزخ والمعاد ولذا يعزى القول بها إلى كثير من المسلمين.

قال شيخنا المجلسي (رحمه‌الله) في جملة كلام له : انّ الرّوح يتعلّق في البرزخ بالأجساد المثاليّة اللطيفة الشبيهة بأجسام الجنّ والملائكة المضاهية في الصّورة للأبدان الأصليّة ثمّ قال : إنّه وإن كان يمكن تصحيح بعض الأخبار بالقول بتجسّم الروح ايضا بدون الأجسام المثالية ، لكن مع ورود الأجساد المثالية في الأخبار المعتبرة المؤيّدة بالأخبار المستفيضة لا محيص عن القول بها إلى أن قال : وقد قال به كثير من المسلمين كشيخنا المفيد قدّس الله روحه وغيره من علمائنا المتكلّمين والمحدّثين ، بل لا يبعد القول بتعلّق الرّوح بالأجساد المثاليّة عند النّوم ايضا كما يشهد به ما يرى في المنام ، وقد وقع في الاخبار تشبيه حالة البرزخ وما يجري فيها بحالة الرّؤيا وما يشاهد فيها ، بل يمكن أن يكون للنفوس القويّة العالية أجساد مثاليّة كثيرة كأئمّتنا صلوات الله عليهم حتّى لا نحتاج إلى بعض التأويلات والتّوجيهات في حضورهم عند كلّ ميّت وسائر غرائب أحوالهم من عروجهم إلى السموات كلّ ليلة جمعة وغير ذلك (١).

ثمّ انّ من جميع ذلك وغيره يظهر لك ضعف ما ذكره المحدّث المذكور في

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٦ ص ٢٦٩.

٤٢٧

جملة كلام له لم نتعرّض لحكايته : من أنّا لم نقف في الأخبار على ما يدلّ على ثبوت الأجساد المثاليّة للأنبياء والأئمّة صلوات الله عليهم بعد الموت فضلا عمّا ادّعاه المحدّث الفيض من الوجود في الدنيا.

إذ فيه أنّ الأخبار على ذلك كثيرة جدّا مثل ما ورد من أنّ الملائكة اشتاقت إلى رؤية عليّ بن ابي طالب فخلق الله تعالى صورته في السموات.

وانّ لكلّ مؤمن مثالا في السّماء يفعل كفعله في الدّنيا ، على ما مرّت الإشارة إليها وإلى غيرها فيما تقدم.

وامّا ما ذكره الفيض من رفع المثالي وبقاء العنصري فهو بعيد جدّا ، بل لعلّه مقطوع العدم عن مساق أخبار الباب بكثرتها واشتهارها بين العصابة ، مع أنّ جميع المؤمنين مشتركون معهم في نقل أبدانهم المثاليّة عن قبورهم إلى جنان البرزخ ، فلا اختصاص لهم بذلك ، مع أنّ ظاهر الأخبار هو الإختصاص ، ولذا قال المفيد في شرح العقائد : إنّه قد جاء في الحديث : انّ الأنبياء خاصّة والأئمّة عليهم‌السلام من بعدهم ينقلون بأجسادهم وأرواحهم من الأرض إلى السّماء فينعّمون في أجسادهم الّتي كانوا فيها عند مقامهم في الدنيا ، وهذا خاصّ بحجج الله دون من سواهم من النّاس.

فرفع أبدانهم العنصريّة ممّا لا ريب فيه ، نعم من المحتمل قريبا أن يبقى في قبورهم بعد رفعهم بدن من أبدانهم المثاليّة لما يقصدونهم النّاس ، وهو الّذي يرى في قبورهم عند النّبش أزمنة طويلة ، وإنّما جعل الله هذا المثال لبركات العباد وتوجّهاتهم وضراعاتهم كما جعل في ايّام حياتهم وبقائهم بأبدانهم العنصريّة في الدّنيا مثالهم في السموات ليكون مثابة وأمنا ومطافا للملائكة.

٤٢٨

ومنها : ما ذكره المحدّث البحراني بعد تمهيد مقدّمة هي : أنّ المستفاد من جملة من الأخبار انّ دفن الميّت إنّما يقع في موقع تربته الّتي خلق منها كما في «الكافي» في الصّحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : من خلق من تربة دفن فيها (١).

وفيه عن الصّادق عليه‌السلام : إنّ النّطفة إذا وقعت في الرّحم بعث الله ملكا فأخذ من التّربة الّتي يدفن فيها فمائها في النّطفة فلا يزال قلبه يحنّ إليها حتّى يدفن فيها.

الى غير ذلك من الأخبار الدّالة عليه وحينئذ فنقول : ما ورد من الأخبار دالّا على رفعهم عليهم‌السلام من الأرض بالأبدان العنصريّة يجب تقييده بما دلّت عليه هذه الاخبار من الدّفن في الموضع الاصلي والمقرّ الحقيقي الّذي أخذت منه الطينة ويجب حمل خبري عظام آدم ويوسف عليهما‌السلام على الدّفن في غير الموضع المشار اليه فكانّه إنّما وقع على وجه الإيداع في هذا المكان لمصلحة لا نعلمها والمقرّ الحقيقي إنّما هو الموضع الّذي أمر الله سبحانه بالنقل اليه وبعد فيصير الدّفن في ذلك الموضع من قبيل ما لو بقي على وجه الأرض من غير دفن في وجوب بقاء الجسد العنصري وإن جاز انتقال كلّ منهما عليهما‌السلام إلى بدن مثالي في ذلك العالم لعدم إمكان نقل البدن العنصري حيث إنّه مأمور بنقله إلى ذلك المكان الأخر بعد الإيداع في هذا المكان مدّة ، فمن أجل ذلك لم يرفعا به ، وأمّا وجه الحكم في الدّفن أوّلا في مكان مع عدم كون المكان الأصلي والتربة الحقيقيّة ، فلا يجب علينا أن نطلب وجهه ، وإنما علينا

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ص ٢٠٢ ح ١.

٤٢٩

الإيمان به.

قال : وهذا وجه وجيه تلتئم عليه الأخبار من غير تأويل ولا خروج عن ظواهر ألفاظها.

وأمّا الجمع بين خبري الثلاثة والأربعين فيمكن حمل الأوّل على اقل المدّة ، والثاني على أكثرها ، ولعلّ ذلك بتفاوت مراتبهم عنده سبحانه.

أقول : وهذا الوجه لا بأس به ، وان كان فيه خروج عن ظاهر لفظ الخبر ، وغيره من الأخبار الدالّة على دفن آدم ، وانّه لا يمكث جثّة من نبيّ ولا وصيّ نبيّ في الأرض اكثر من كذا وكذا.

ومنه يظهر ضعف ما ادّعاه من قيام الأخبار عليه من غير تأويل ولا خروج عن ظواهرها.

وعن الثّالث : أنّ المراد بالعظام في الخبرين تمام البدن باجزائه تسمية للكلّ باسم الجزء الّذي به قوامه كاطلاق الرّقبة على الإنسان فإنّ العظام دعامة البدن وأشرف ما فيه من وجه حتّى أنّ جميعها يقوم مقام الجسد في الاحكام من وجوب الصّلوة على جميع عظام الميّت إذا وجدت وكون الإطلاق مجازيّا لا بأس به بعد دلالة الأخبار المستفيضة على أنّ الأرض لا تأخذ من جسدهم بل ولا من جسد شيعتهم بل هو المشاهد أيضا في كثير من الأزمنة حيث نبشوا قبور بعض المؤمنين فوجدوه غضّا طريّا بعد أن مضى من وفاتهم أعصار طويلة فمن ذلك ما يحكى عن روضة العارفين نقلا عن بعض الثقات المعاصرين له انّ بعض حكّام بغداد رأى بناء قبر شيخنا أبي جعفر الكليني عطّر الله مرقده فسأل عنه فقيل : إنّه قبر بعض الشيعة

٤٣٠

فأمر بهدمه فحفر القبر فرآه بكفنه لم يتغيّر ومدفون معه أخر صغير بكفنه ايضا فأمر بدفنه وبنى عليه قبّة ، ويقال : إنّ بعض حكّام بغداد أراد نبش قبر سيّدنا ابي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام وقال : إنّ الرافضة يدّعون في أئمّتهم انّهم لا تبلى أجسادهم بعد موتهم وأريد أن أكذّبهم فقال له وزيره : إنّهم يدّعون في علمائهم ايضا ما يدّعونه في أئمتهم وهنا قبر محمد بن يعقوب الكليني من علمائهم فأمر بحفره فإن كان على ما يدّعونه عرفنا صدق مقالهم في أئمّتهم وإلّا تبيّن كذبهم ، فلما حفروا قبره وجدوه بكفنه كما مرّ ، بل قد وقع مرّات كثيرة بالنّسبة إلى الشهداء والعلماء وسائر المؤمنين وقد اتّفق في عصرنا أن انهدم قبر الشيخ الصّدوق محمد بن عليّ بن بابويه بالري فرأوه بكفنه لم يتغيّر أصلا ، ورآه خلق كثير من أهل طهران ومن الزّوار والقوافل إلى أن أمر السلطان محمّد شاه غفر الله له بتعمير قبّته على ما هو عليه الآن ، وقد حدّثني جمع كثير من الثقات أنّهم رأوا بدنه الشريف.

وأمّا ما يقال : من أنّ هذا كلّه معارض بما روي من انّه كان رجل ذميّ في زمن الامام العسكري عليه‌السلام وانّه كان يمدّ يده إلى السّماء فيقع المطر حتّى اضطرب بعض المسلمين فأرسل المتوكّل لعنه الله إلى العسكري عليه‌السلام ان أدرك دين جدّك فلمّا حضر عليه‌السلام قال للرّجل أدع فلمّا مدّ يده قبض عليها الامام عليه‌السلام وأخذ منها عظما فقال له أدع ان كنت صادقا فلمّا دعا لم ينزل المطر ، فقال عليه‌السلام : إنّ هذا عظم نبيّ من أنبياء الله وما كشف عظم نبيّ تحت السّماء إلّا وقع المطر (١).

__________________

(١) منقول المعنى ومصدره مناقب إلى أبي طالب ج ٤ ص ٤٢٥ ومختار الخرائج ص ٢١٤ وعنهما البحار ج ٥٠ ص ٢٧٠ ح ٣٧ وأخرجه في كشف الغمّة ج ٣ ص ٣١١.

٤٣١

ففيه انّه غير صالح لمعارضة ما سمعت من الأخبار المشتملة على الصّحاح وغيرها بعد شهرتها بين الطائفة بل بين مخالفينا ايضا كما مرّ مضافا إلى شهادة العيان بصدقها سيّما مع ضعف الخبر المذكور سندا.

وربما أجاب عنه الشيخ الأمجد الاحسائي مرّة بأنه يحتمل أن يكون ذلك الخبيث قطعه من جسد ذلك النّبي عليه‌السلام وكشط ما به من اللّحم ، واخرى بأن يكون معنى قوله في تلك الاخبار ان جسده لا يبلى ولا تأكله الأرض أي لا تفني منه شيئا وان تفكّك واختلّت بنيّته فهذه باقية إذ لا عرض فيها لأنّه عليه‌السلام صفاها في الدّنيا كمال التّصفية فجسده كالذّهب الصّافي وان تفرّق بالتقطيع والمبرد لا يفنى منه شيء بل إذا جمعته وأذبته رجع بكماله.

أقول وفيهما نظر امّا الأوّل فلانّ جسد نبيّ من الأنبياء لم يبق في الأرض في زمان العسكري حتّى يقطعه الخبيث ويكشط ما به اللّحم إلّا أن يبنى على شيء من الوجوه المتقدّمة من تأخير الرّفع او تعقيبه بالنزول او غيرهما وهو غير واضح.

وامّا الثّاني : فلأنّه لا وجه لصرف تلك الأخبار عن ظاهرها وارتكاب التّأويل فيها ومجرّد صفاء أبدانهم من الكدورات والعوارض الدّنيويّة لا يقضي بارتكاب التّأويل فيها بل هو ممّا يقتضي حملها على ظواهرها فانّ التفكيك واختلال البنية لا يمكن تطرقه إلى شيء من الأبدان إلّا باستيلاء المؤثرات الخارجة عليها وانفعال تلك الأبدان منها والمؤثّر الخارجي في المقام إنّما هي الأرض الّتي تبلي الأبدان وتعيدها رفاتا وفتاتا ، وبالجملة فلا وجه لردّ تلك الاخبار ، بل في ردّها ردّ أخبار الرّفع ايضا.

٤٣٢

تفسير الآية (٤٠)

(يا بَنِي) كلمة «يا» حرف نداء للبعيد. أو كالبعيد كما قال ابن مالك (١) في ألفيته :

وللمنادى الناء أو كالناء يا

وأي وأ ، كذا أيا ثمّ هيا

وزعم بعضهم أنّ «يا» اسم فعل معناها انادي ، ولكنّ الفخر الرازي (٢) ردّ عليه وقال : أمّا الّذين فسّروا قولنا : «يا زيد» بأنادي زيدا ، أو أخاطب زيدا فهو خطأ من وجوه :

أحدها : أنّ قولنا : أنادي زيدا خبر يحتمل التصديق والتكذيب ، وقولنا : يا زيد لا يحتملهما.

وثانيها : أنّ قولنا : يا زيد يقتضي صيرورة زيد منادى في الحال ، وقولنا : أنادي زيدا لا يقتضي تلك.

وثالثها : أنّ قولنا : يا زيد يقتضي صيرورة زيد مخاطبا بهذا الخطاب ، وقولنا : أنادي زيدا لا يقتضي ذلك. لأنّه يمتنع أن يخبر إنسانا آخر بأنّي أنادي زيدا.

ورابعها : أنّ قولنا : أنادي زيدا إخبار عن النداء ، والإخبار عن النداء غير النداء ، والنداء هو قولنا يا زيد ، فإذن قولنا أنادي زيدا غير قولنا يا زيد. (٣) وليعلم أنّ «يا» كما تقدّم حرف وضع في أصله لنداء البعيد ولكن قد يستعمل في مناداة من سهى وغفل وإن كان قريبا من المنادي ، تنزيلا منزلة البعيد.

__________________

(١) هو محمد بن عبد الله الاندلسيّ الشافعيّ النحوي اللغوي المقرئ الأديب المتوفى سنة (٦٧٢) ه.

(٢) هو محمد بن عمر بن الحسين الطبري الأصل الرازي المولد الاشعري الأصول الشافعي الفروع المعروف بالفخر الرازي والملقب بابن الخطيب توفي سنة (٦٠٦) ه

(٣) التفسير الكبير للرازي : ج ٢ ص ٨٣.

٤٣٣

فإن قيل : فلما ذا يقول الداعي : يا ربّ يا الله؟ مع أنّه تعالى (أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) قيل في الجواب : هو استبعاد لنفس الداعي من مظانّ الزلفى هضما لنفسه ، وإقرارا عليها بالتنصيص كما عن زين العابدين وسيّد الساجدين عليه صلوات الله في دعائه المشهور المروية عن أبي حمزة الثمالي (١) أنه قال مناجيا لربّه سبحانه : «وأن الراحل إليك قريب المسافة وانّك لا تحتجب عن خلقك إلّا أن تحجبهم الأعمال دونك.

وقيل بالفارسية :

دوست نزديك تر أز من به من است

اين عجب تر كه من أز وي دورم

چكنم با كه توان گفت كه دوست

در كنار من ومن مهجورم

(بَنِي) منادى مضاف ، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم وقد تغيّر بناء مفردة ، وحذفت منه النون للإضافة. وواحده ابن شبيه بجمع التكسير ، ولذلك قالوا في جمعه : أبناء ، وفي جمع سلامته قالوا : بنون ، وهو جمع شاذّ ، وعاملت العرب في هذا الجمع معاملة جمع التكسير فألحقت التاء في فعله كما ألحقت في فعل جمع التكسير قال النابغة (٢) :

__________________

(١) هو ثابت بن دينار المعروف بأبي حمزة الثمالي ، كان لقمان زمانه جليل القدر وكان من مشايخ أهل الكوفة وزهّادهم توفي سنة (١٥٠) ه

(٢) هو قيس بن عبد الله الجعدي العامري ، صحابي من المعمّرين ، جاوز المائة ، وكان ممّن هجر الأوثان قبل ظهور الإسلام ووفد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأسلم وأدرك صفّين فشهدها مع علي عليه‌السلام ، ثم سكن الكوفة ، فسيّره معاوية الى أصبهان مع أحد ولاتها فمات فيها نحو سنة (٥٠) ه الأعلام ج ٦ ص ٥٨.

٤٣٤

قالت بنو عامر خالو بني أسد

يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام قد

سمع الجمع بالواو والنون فيه مصغّرا ، قال يسدد :

أبينوها الأصاغر خلّتي ... وهو شاذّ أيضا. (١) وهو مختص بالأولاد الذكور ، وإذا أضيف عمّ في العرف الذكور والإناث فيكون بمعنى الأولاد ـ وهو المراد هنا ـ.

وهو محذوف اللام ، وفي كونها ياء أو واوا خلاف فذهب الى الأول ابن درستويه (٢) وجعله مشتقا من البناء وهو وضع الشيء على الشيء ، لأنّ الابن فرع الأب ومبني عليه ، ولهذا ينسب المصنوع الى صانعه ، فيقال للقصيدة بنت الفكر ، وقد أطلق في الشرائع المنسوخة على بعض المخلوقين أبناء الله تعالى ـ بهذا المعنى ، لكن لمّا تصوّر من هذا الجهلة الأغبياء ـ معنى الولادة ـ حظر ذلك حتّى صار التفوّه به كفرا.

وذهب الى الثاني الأخفش وأيّده بأنّهم قالوا : البنوّة ، وبأنّ حذف الواو أكثر ، وقد حذفت في ـ أب وأخ ـ وبه قال الجوهري (٣) ، ولكن لا دلالة في قولهم : البنوّة ، لأنهم قالوا أيضا : الفتوة ، ولا خلاف في أنها من ذوات الياء ، وأمر الأكثرية سهل.

وقال الطبرسي في «مجمع البيان» : الإبن والولد والنسل والذريّة متقاربة المعاني إلّا أنّ الابن للذكر ، والولد يقع على الأنثى والذكر ، والنسل والذريّة يقع على جميع ذلك وأصله من البناء وهو وضع الشيء على الشيء. فالابن مبنيّ على الأب لأن الأب أصل والابن فرع ، والبنوّة مصدر الابن وان كان من الياء كالفتوة مصدر

__________________

(١) تفسير البحر المحيط : ج ١ ص ١٧١.

(٢) هو عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي النحوي أبو محمد توفي ببغداد سنة (٣٤٧) ه وله (٨٩) سنة ، العبر : ج ٢ ص ٢٨٢.

(٣) الجوهري : أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الفارابي صاحب «صحاح اللغة» توفي سنة (٣٩٣) ه.

٤٣٥

الفتى ، وتثنيته فتيان. (١).

(إِسْرائِيلَ) مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلميّة والعجمة.

وفيه ثمان لغات : (إِسْرائِيلَ) وهي لغة القرآن في (٤٣) آية أولاها هذه الآية ، وهي القراءة المشهورة مهموز ممدود مشبع ، و «إسراييل» بيائين بعد الألف ، وهي قراءة أبي جعفر (٢) ، والأعمش (٣) ، وعيسى بن عمر (٤) و «إسرائل» بهمزة ولام ، وهو مرويّ عن ورش (٥) وعن الأخفش ، و «إسرال» من غير همز ولا ياء حكى عن قطرب (٦) كما في «مجمع البيان» (٧).

و «إسرئل» بهمزة مكسورة بعد الراء ، و «إسرائل» بهمزة مفتوحة بعد الراء

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١ ص ٩٢.

(٢) هو أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المدني أحد القرّاء العشرة ، تابعي مشهور ، مات بالمدينة سنة (١٣٠) ه ، غاية النهاية : ج ٢ ص ٣٨٢ رقم ٣٨٨٢.

(٣) هو سليمان بن مهران الأعمش أبو محمد الاسدي الكوفي ولد سنة (٦٠) وأخذ القراءة عن جماعة منهم عاصم بن أبي النجود ورواها عنه جماعة منهم حمزة الزيّات توفي سنة (١٤٨) ه ، غاية النهاية : ج ١ ص ٣١٥.

(٤) هو عيسى بن عمر أبو عمر الهمداني الكوفي القارئ الأعمى. مقرئ الكوفة بعد حمزة الزيات ، مات سنة (١٥٦) ه ، غاية النهاية ج ١ ص ٦١٢.

(٥) هو عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمر المصري الملقب بورش شيخ القرّاء في زمانه ولد سنة (١١٠) بمصر ورحل الى نافع وعرض عليه القران عدّة ختمات في سنة (١٥٥) مات بمصر سنة (١٩٧) ه ، غاية النهاية : ج ١ ص ٥٠٢.

(٦) قطرب : أبو علي محمد بن المستنير البصري اللغوي النحوي الأديب البارع مات سنة (٢٠٦) ه ، هدية الأحباب : ص ٢٢٠.

(٧) مجمع البيان : ج ١ ص ٩٢.

٤٣٦

كما في تفسير القرطبي (١) ، و «إسرائين» بالنون حكى عن تميم كما في جامع القرطبي قال الشاعر :

يقول أهل السوء لمّا جنيا

هذا وربّ البيت اسرائينا

و «إسرال» بألف ممالة بعدها لام خفيفة أو غير ممالة ، قال أميّة :

لا أرى من يعيشني في حياتي

غير نفسي إلّا بني إسرالا (٢)

إسرائيل في اللغة

هذه الكلمة مركبة من كلمتين : إسرا ، وإيل ، و «إسرا» في اللغة العبرانيّة بمعنى العبد كما حكي عن ابن عبّاس ، و «ايل» في هذه اللغة هو الله سبحانه فمعنى إسرائيل : عبد الله ، فيكون مثل جبرائيل ، وميكائيل ، واسرافيل ، وعزرائيل.

وقيل : «إسرا» بمعنى الصفوة ، و «إيل» هو الله تعالى. فمعناه : صفوة الله ، روى ذلك أيضا عن ابن عباس.

وقيل : «إسرا» مشتق من الأسر ، وهو الشدّ فكأن إسرائيل الّذي شدّه الله وأتقن خلقه ذكره القرطبي وأبو حيّان (٣).

__________________

(١) القرطبي : أبو عبد الله محمد بن أحمد الانصاري الخزرجي الأندلسي المفسّر توفي في التاسع من شوال سنة (٦٧١) ه.

(٢) البحر المحيط في التفسير لأبي حيان الأندلسي : ج ١ ص ١٧١ ـ ١٧٢.

(٣) أبو حيان محمد بن يوسف بن علي الاندلسي الجيّاني النحوي الأديب توفي سنة (٧٤٥) ه ومن مصنّفاته : البحر المحيط في التفسير.

٤٣٧

وقيل : أسرى يعقوب ذات ليلة مهاجرا الى الله تعالى فسمّي إسرائيل حكاه القرطبي عن السهيلي (١).

وقيل : أسرّ يعقوب جنّيا كان يطفئ سرج بيت المقدس وكان اسم الجنّي «ايل» وكان يخدم بيت المقدس وكان أوّل من يدخل وأخر من يخرج ، ذكره أبو حيّان عن كعب (٢).

وقيل : أسرى بالليل هاربا من أخيه «عيمو» الى خاله في حكاية طويلة ذكروها ، فأطلق ذلك عليه وهذه أقاويل ضعاف (٣). وفيها تصرّفات لا يعتمد عليها.

«إسرائيل» هو يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم‌السلام.

قال القرطبي : قال ابو الفرج الجوزي (٤) : ليس في الأنبياء من له اسمان غيره إلّا نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ له أسماء كثيرة ، ذكره في كتاب «فهوم الآثار».

قلت : وقد قيل في المسيح : إنّه اسم علم لعيسى عليه‌السلام غير مشتق ، وقد سمّاه الله روحا وكلمة ، وكانوا يسمّونه أبيل الأبيلين ، ذكره الجوهري في «الصحاح».

__________________

(١) السهيلي أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن احمد الاندلسي النحوي اللغوي المفسّر توفي سنة (٦٨١) ه بمراكش.

(٢) كعب بن ماتع بن ذي هجن الحميري أبو إسحاق ، تابعي ، كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن ، وأسلم في زمن أبي بكر ، وقدم المدينة في دولة عمر ، فأخذوا عنه كثيرا من أخبار الأمم الغابرة. خرج الى الشام فسكن حمص ومات فيها سنة (٣٢) ه عن (١٠٤) سنين ، وفي البحار ج ٥٧ ص ٩٠ : كان عند عمر فاعترف بأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أعلم الناس بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فغضب عمر ، وقال ابن أبي الحديد كما في البحار ج ٣٤ ص ٢٨٩ : كان كعب الأحبار منحرفا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٣) تفسير البحر المحيط لأبي حيان : ج ١ ص ١٧١.

(٤) أبو الفرج عبد الرحمن علي الحنبلي المفسّر الواعظ صاحب تصانيف معروفة ، توفي سنة (٥٩٧) ه.

٤٣٨

وذكر البيهقي (١) في دلائل النبوة عن الخليل بن أحمد (٢) : خمسة من الأنبياء ذو اسمين : محمد وأحمد نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعيسى والمسيح ، وإسرائيل ويعقوب ، ويونس وذو النون ، وإلياس وذو الكفل صلى الله عليهم وسلم. (٣).

وفي «عيون الأخبار» باسناده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حديث طويل وفيه : سأله عن ستّة من الأنبياء لهم اسمان؟ فقال عليه‌السلام : يوشع بن نون ، وهو ذو الكفل ، ويعقوب وهو إسرائيل ، والخضر وهو حلقيا ، ويونس وهو ذو النون ، وعيسى وهو المسيح ، ومحمد وأحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٤)

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ) اتّفق المفسّرون على أنّ إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم ، وفي أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام تصريح بذلك ، منها ما رواه ابن بابويه رضى الله عنه (٥) في «علل الشرائع» باسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان يعقوب وعيص توأمين ، فولد عيص ، ثم ولد يعقوب فسمّي يعقوب لأنه خرج بعقب أخيه عيص ، ويعقوب هو إسرائيل ، ومعنى إسرائيل عبد الله ، لأنّ اسرا هو عبد ، وإيل هو الله عزوجل (٦)

__________________

(١) خليل بن أحمد الازدي البصري صاحب العربية والعروض وصاحب كتاب العين في اللغة توفي سنة (١٧٥) ه على أحد الأقوال ، العبر ج ١ ص ٢٦٨.

(٢) البيهقي : أحمد بن الحسين بن علي الشافعي الخسروجردي الحافظ الفقيه ، توفي بنيسابور سنة ٤٥٨) ه.

(٣) تفسير القرطبي : ج ١ ص ٣٣٠.

(٤) عيون الأخبار : ج ١ ص ٢٤٥ ب ٢٤ ح ١.

(٥) هو ابو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي شيخ الحفظة ووجه الطائفة رئيس المحدثين والصدوق فيما يرويه عن الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام توفي سنة (٣٨١) ه ودفن بالري قرب عبد العظيم الحسني قدس الله روحه ، هدية الأحباب : ص ٤٩.

(٦) علل الشرائع : ج ١ ص ٤٣ ح ١.

٤٣٩

وروي في خبر آخر : أن اسرا هو القوّة ، وإيل هو الله عزوجل فمعنى إسرائيل : قوّة الله عزوجل. (١)

يا بني إسرائيل خطاب لأولاد يعقوب نسبهم الى الأب الأعلى ولم يقل : يا بني يعقوب ، لما في لفظ إسرائيل كما تقدم أنّ معناه عبد الله أو قوة الله أو صفوة الله فهزّهم بالإضافة إليه فكأنه قيل : يا بني عبد الله أو يا بني صفوة الله ، فكأن في ذلك تنبيه على أن يكونوا مثل أبيهم في العبودية لله والاصطفاء ، كما تقول : يا ابن الرجل الصالح أطع الله فتضيفه الى ما يحركه لطاعة الله ، لأنّ الإنسان يحبّ أن يقتفي أثار آباءه وإن لم يكن بذلك محمودا فكيف إذا كان محمودا.

قال شيخ الطائفة (٢) في «التبيان» : قال أكثر المفسرين : إن المعنى بهذا الخطاب أحبار اليهود الّذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو المحكي عن ابن عباس.

وقال الجبائي (٣) : المعنيّ به بنو إسرائيل من اليهود والنصارى ونسبهم الى الأب الأعلى ، كما قال : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٤). (٥)

قال أبو حيان : المراد بقوله : «يا بني إسرائيل» من كان بحضرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) علل الشرائع : ج ١ ص ٤٣ ح ٢.

(٢) هو ابو جعفر الطوسي محمد بن الحسن شيخ الطائفة المحقة توفي في ٢٢ محرم سنة (٤٦٠) ه قال صاحب تحفة المقال السيد حسين البروجردي صاحب تفسير الصراط المستقيم هذا الكتاب في منظومته :

محمد بن الحسن الطوسي أبو

جعفر الشيخ الجليل الأنجب

جل الكمالات اليه ينتسب

تنجّز القبض (٤٦٠) وعمره (٧٥) عجب

(٣) هو أبو علي الجبّائي محمد بن عبد الوهاب البصري شيخ المعتزلة ، وابو شيخ المعتزلة أبي هاشم ، توفي سنة (٣٠٣) ه ، العبر ج ٢ ص ١٣١.

(٤) الأعراف : ٣١.

(٥) التبيان : ج ١ ص ١٨١.

٤٤٠