إبراهيم إبراهيم بركات
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥
وإما أن تكون نكرة تمييزا ، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو) مميز بالنكرة ، وجملة (يحكمون) فى محل نصب ، نعت لـ (ما).
وعلى الوجهين فإن المخصوص يكون محذوفا.
ومنه قوله تعالى : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) [الأعراف : ١٧٧](١).
لكنه لا بدّ من تقدير محذوف فى مثل هذه الآية الكريمة ، حتى يصدق الفاعل وتمييزه والمخصوص على شىء واحد ، فيقدر أحد تقديرين :
أولهما : إما أن يكون : ساء مثل أهل القوم القوم الذين ...
والآخر : ساء مثلا مثل القوم ...
وسواء أكان هذا أم ذاك ، فإن المضاف إليه يقوم مقام المضاف ، ويأخذ حكمه الإعرابى.
ج ـ قد يجرّ الفاعل بالباء الزائدة فيكون دالا على المدح أو الذمّ مع التعجب.
«حكى الكسائى عن العرب : مررت بأبيات جدن أبياتا ، وجاد بهن أبياتا» (٢) حيث ذكر فاعل (جاد) مرة ضميرا بارزا ، وأخرى مسبوقا بالباء الزائدة.
وقال الطرمّاح :
حبّ بالزّور الذى لا يرى |
|
منه إلا صفة أو لمام (٣) |
__________________
(١) (ساء) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره هو. (مثلا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. والجملة خبر مقدم ، أو لا محل لها من الإعراب. (القوم) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. أو خبر لمبتدإ محذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف. (الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، نعت للقوم. (كذبوا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (بآياتنا) الباء : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. آيات : مجرور بالباء ، وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بالتكذيب. وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر بالإضافة.
(٢) ارتشاف الضرب ٣ ـ ٢٨ / أوضح المسالك ٢ ـ ٢٨٩.
(٣) شرح التصريح ٢ ـ ٩٩.
الزور : الزائر ، صفحة : جانب ، لمام : جمع لمة ، بكسر اللام وتشديد اللام ، وهى الشعر يجاوز شحمة الأذن.
وفيه فاعل (حب) (الزور) ، وهو مسبوق بالباء الزائدة.
استعمال هذا التركيب للتعجب :
يجوز استعمال التركيب الفعلى ذى الفعل الماضى المضموم العين استعمال الفعل الدالّ على معنى التعجب ، من حيث :
أ ـ لا يلزم فاعله الإضمار ، أو أداة التعريف (أل) ، كما هو فى معنى المدح والذم.
ب ـ أن يستغنى عن المخصوص.
ج ـ ومنه قول الأخطل يمدح خالد بن عبد الله بن أبى العيص :
فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها |
|
وحبّ بها مقتولة حين تقتل (١) |
يروى بضمّ الحاء وبفتحها ، وكلاهما للمدح والتعجب ، وفاعل (حب) ضمير الغائبة المسبوق بحرف الجر الزائد (الباء) ، فهو مثل قوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) حيث فاعل (كفى) هو لفظ الجلالة تعالى (الله) ، وهو مسبوق بالباء الزائدة. أما (مقتولة) فإنها منصوبة على الحالية.
د ـ الأصل ضمّ عين الفعل (حبّ) للمدح ، فهو (حبب) ، فإن نقلنا حركة العين إلى الفاء بعد حذف حركتها ضمت فاء الكلمة ، وإن حذفنا حركة العين دون نقل فتحت فاء الكلمة ، ثم يدغم المثلان ، فيسكن الأول منهما.
__________________
(حب) فعل ماض مبنى على الفتح. (بالزور) الباء : حرف جر زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. الزور : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. (الذى) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، نعت للزور على المحل. (لا) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يرى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (منه) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالرؤية. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (صفحة) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (أو) حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، (لمام) معطوف على صفة مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.
(١) الأصول فى النحو ١ ـ ١٣٧ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٨١ أسرار العربية ١٠٨ / شرح ابن يعيش ٧ ـ ١٢٩ / الخزانة ٤ ـ ١٢٢.
ه ـ ويقال : إن الباء فى مثل هذا التركيب زائدة على غير قياس.
كما يقال : إنها للتعجب ، أى : هى دليل على التعجب.
و ـ ولأن فيه معنى التعجب ، فإنه يجوز لك أن تقول فى : الوفى حسن رجلا :
الوفيان حسنا رجلين. الأوفياء حسنوا رجلا.
والوفية حسنت امرأة. الوفيتان حسنتا امرأتين.
الوفيات حسنّ نساء.
كما تقول فى (ما أحسن الوفىّ رجلا) : ما أحسن الوفيين رجلين. ما أحسن الأوفياء رجلا.
ما أحسن الوفية امرأة. ما أحسن الوفيتين امرأتين.
ما أحسن الوفيات نساء.
* * *
التعجب (١)
التعجب انفعال يحدث فى النفس عند مشاهدة ما يجهل سببه ، ويقل وجود مثله فى نظر المتعجب.
ومعنى التعجب يشمل النقيضين من الإعجاب والتقبيح ، نحو : ما أجمل الربيع ، وما أسوأ الكذب.
والتعجب فيه معنى المبالغة فى مدح أو ذمّ ، كما أن فيه معنى الإبهام الذى يبعث على الدهشة والتعجب ، كما أن فيه معنى التصيير ، أى : تصيير شىء للمتعجب منه ذا صفة معينة يتعجب منها.
فالمقصود بما يتعجب به هنا معنى إنشاء التعجب ، لا ما يعطى معنى التعجب ، فهو ـ هنا ـ أسلوب إنشائى لا خبرى.
يرد معنى التعجب فى اللغة العربية فى عدة تراكيب ، هى :
أ ـ على صورة المنادى المستغاث :
وذلك بذكر المتعجب منه منادى مستغاثا ، أى : مذكورا قبله لام التعجب مفتوحة جارة له ، نحو : يا للداهية ، يا للدهشة ، يا لذكائه ، وقول امرئ القيس :
فيالك من ليل كأن نجومه |
|
بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل |
حيث يتعجب الشاعر من طول الليل.
__________________
(١) الكتاب ١ ـ ٧٢ / ٣ ـ ٤٩٧ / ٤ ـ ٩٨ / المقتضب ٤ ـ ١٧٣ / ٣ ـ ١٩٠ / الإيضاح العضدى ٧٩ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٦٥ / المقتصد فى شرح الإيضاح ١ ـ ٣٧٣ / أسرار العربية ١١٢ / المقدمة الجزولية فى النحو ١٥٣ / شرح ابن يعيش ٧ ـ ١٤٢ / الإيضاح فى شرح المفصل ٢ ـ ١٠٧ / شرح الرضى على الكافية ٢ ـ ٣٠٧ / التسهيل ١٣٠ / الإرشاد إلى علم الإعراب ١٤٠ / شرح ابن الناظم ٤٥٥ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٩٥٧ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ١٤٧ / المساعد على تسهيل الفوائد ٢ ـ ١٤٧ / شفاء العليل ٢ ـ ٥٩٩ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٦ / الفوائد الضيائية ٢ ـ ٣٠٦ / ارتشاف الضرب ٣ ـ ٣٣ / كشف الوافية فى شرح الكافية ٣٨٥ / شرح التصريح ٢ ـ ٨٦.
ب ـ على مثال : لله درّه فارسا :
أى : جملة اسمية تعبر عن الإعجاب فى معنى عام ، ثم يذكر جهة التعجب منصوبة ، إما على التمييز ، وهو الأرجح ، وإما على الحالية.
نلحظ أن الجملة الاسمية المعبرة عن التعجب ذات نطق ثابت ، سمته أن يتقدم الخبر شبه الجملة على المبتدإ المؤخر ، وركناها يحملان الكلمات المذكورة دون جواز تغيير ، لكن جهة التعجب تتغير تبعا للمعنى المراد التعجب منه.
ومنه : لله درّه عالما ، لله درّه شاعرا ...
ـ يا لك رجلا.
ـ ويلمّه رجلا.
ـ قاتله الله من رجل
ـ لاشلّ عشره. (يقال لمن أجاد الرمى والطعن)
ـ ناهيك به. (حسبك به).
ـ ناهيك من رجل. (كفيك ومانعك من طلب غيره).
ج ـ عبارات مجازية دالة على التعجب مجازا :
فى الاستعمال اللغوى تقترض عدة جمل وتراكيب للدلالة دلالة مجازية على التعجب ، منها : سبحان الله! ـ تبارك الله!
ـ لا إله إلا الله! ـ تعالى الله!
ـ لا حول ولا قوة إلا بالله!
ـ عجبى.
ـ وا عجبا.
ـ اسم الفعل «واها». «واهاله».
ـ الاستفهام التعجبى ، كما فى قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) [البقرة : ٢٨].
د ـ صيغة : ما أفعله.
ه ـ صيغة : أفعل به.
وهذا القسم مخصص لتفصيل القول فى صيغتى التعجب الإنشائى (ما أفعله ، أفعل به).
صيغتا (ما أفعله وأفعل به):
يذكر النحاة أن (أفعل وأفعل) فعلان ، وكى يصاغ على مثالهما للتعجب يجب أن يكون ما يصاغ منه متوافرا فيه الشروط الآتية :
١ ـ أن يكون له فعل ، حيث لا يبنيان من الاسم الذى لا فعل له ، كالحمار ، والجلف ، والحصان ...
لكنه شذّ قولهم : ما أجدره ، وما أقمنه ، من : هو جدير وقمن ، ولا فعل لهما.
٢ ـ أن يكون ثلاثيا ، فلا يتعجب مباشرة مما يزيد على ثلاثة أحرف سواء أكان مجردا أم مزيدا ، ذلك لأن (أفعل) فى التعجب أصله ثلاثىّ مضموم العين ، وهو منقول عنه ؛ لأنه لما كان التعجب مبالغة فى المدح والذم (١) فصار كالطبيعة أو الغريزة ، نقل فعله إلى (فعل) بضم العين ، وهو فعل لازم ، ثم عدّى بهمزة التعدية ، وصار على صيغة (أفعل) ، وأصبح متعديا إلى واحد بعد أن كان لازما.
ولتقرأ : ما أحسن محمدا ، وما أقرأ عليا ، وما أعلم محمودا.
ولتلحظ أن (حسن) فعل لازم ، و (قرأ) فعل متعدّ إلى واحد ، و (علم) فعل متعدّ إلى مفعولين ، ولكن الأفعال الثلاثة تعدت إلى مفعول واحد فى التعجب.
لنقلها أولا إلى صيغة (فعل) المضمومة العين ، وهى لازمة ، ثم تعديتها بالهمزة.
__________________
(١) ينظر شرح ابن يعيش ٧ ـ ١٤٤.
ولكنه قد سمع قولهم : ما أعطاه للدرهم ، وما أولاه للخير ، من : أعطى ، وأولى ، وهما زائدان بهمزة التعدية ، وهذا مقصور على السماع ، وساغ ذلك فى أفعل عند سيبويه ، دون غيره من الأبنية المزيد فيها ؛ لأن أفعل ظاهر معناه ، ليس فيه لبس (١). أى : إن الهمزة تكون للتعدية لا غير ، لا لأداء معنوىّ آخر يضيع ويلتبس فيما إذا جرّد الفعل ليكون على مثال (أفعل) فى التعجب ، كما يحدث فى مثل : تفاعل ، أو استفعل أو غيرهما ، ويضرب لذلك مثل إذا تعجبنا من (اضطرب) فقلنا : ما أضربه ، لم يعلم أهو ضارب ، أم مضطرب فى نفسه ، أم غير ذلك ؛ لذا لم يتعجب مباشرة من أكثر من ثلاثى.
كما شذّ من ذلك قولهم : ما أتقاه لله ؛ لأنه من اتقى ، وقولهم : ما أملأه القربة ، من امتلأت ، وما أغنانى عن الناس وأفقرنى إلى الله ؛ لأنهما من : استغنى ، وافتقر.
ويردّ على ذلك بأنه سمع : تقى بمعنى خاف ، وملؤ بمعنى امتلأ ؛ وغنى بمعنى استغنى ، وفقر بضم القاف وكسرها بمعنى افتقر ، كما شذ : ما أخصره ؛ لأنه من اختصر ، بزيادة فى الفعل ، وبناء للمجهول.
٣ ـ أن يكون متصرفا ، فلا يصاغ من :
أ ـ الجامد : حيث لا يصاغ من : عسى ، ونعم ، وبئس ، وليس ، وهبّ ، وتعلم ... إلخ.
ب ـ ناقص التصرف : نحو : كاد ، وكرب ، وأوشك ...
ج ـ ما استغنى عن تصرفه بتصرف غيره : كيذر ويدع ، حيث لم يستعمل الماضى منهما لاستعماله فى مرادفهما (ترك) ، والاستغناء به عن ماضيهما.
٤ ـ أن يكون تاما ، فلا يصاغ مما هو ناقص ، أى : يلزمه المنصوب ، نحو : كان وأخواتها ، وأفعال المقاربة والرجاء والشروع.
__________________
(١) ينظر شرح ابن يعيش ٧ ـ ١٤٥.
٥ ـ أن يكون مثبتا ، فلا يصاغ من منفى ؛ لأن صيغة التعجب إثبات ، فلا نفى فيها ، وليست صالحة للنفى.
٦ ـ ألا يكون مبنيا للمجهول ، فلا يصاغ مباشرة من مثل : قرئ ، وقيل ...
وكثير من النحاة يستثنون من ذلك ما كان ملازما لصيغة المبنى للمجهول ، مثل : عنى ، وزهى ، فتقول لذلك : ما أعناه بنا ، وما أزهاه علينا.
كما شذّ ـ كما ذكرنا سابقا ـ قولهم : ما أخصره ؛ لأنه من : اختصر زائدا على الثلاثة ، ومبنيا للمجهول.
٧ ـ ألا يكون الوصف المشتق منه على مثال : أفعل ، فعلاء ، كالكلمات الدالة على الألوان ، نحو : أحمر ، حمراء ، أبيض ، بيضاء ، والعيوب الخلقية ، نحو : أحول ، وأعرج ، وأعمى ، وأعور ...
وهذه تلحق بما زاد فعله عن الثلاثة ؛ لأن أفعال الألوان زائدة ، فهى : احمرّ ، وابيضّ ، واصفرّ ... ، وأفعال العيوب الخلقية زائدة عن الثلاثة ، نحو : احولّ ، واعرجّ ، واعورّ ...
٨ ـ أن يكون معناه قابلا للمفاضلة والتفاوت فى الصفات التى يختلف بها الناس فى أحوالهم فرادى ، وغير ذلك. فلا يصاغ ـ مثلا ـ من الموت والفناء ولا الحياة ؛ لأنهما غير قابلين للمفاضلة والتفاوت.
ملحوظة :
لا يقاس على ما صيغ على مثال : (أفعل وأفعل) من الأفعال التى فقدت شرطا من الشروط المذكورة سابقا ، ويعدّ ما خالفها شاذا.
كيفية التعجب مما فقد شرطا :
إذا أردت التعجب مما فقد فعله شرطا من الشروط السابقة ـ عدا شرطى التفاوت والجمود فإنه لا يتعجب منهما مطلقا ـ فإنه يؤتى بفعل مساعد معناه ملائم للمعنى المراد التعجب منه ، وتتوافر فيه الشروط المذكورة فيما يراد التعجب منه ، ثم يذكر بعده واحد من :
أ ـ المصدر المؤول من (أن) المصدرية والفعل المضارع للمعنى المراد التعجب منه ، وهذا مطلقا ، فيقال :
ما أجدر أن تستذكر دروسك. من : استذكر ، فعل أكثر من ثلاثى.
ما أطيب أن تكون فى خير. من : كان ، فعل ناقص.
أقبح بألا يخلص المرء فى عمله ، من : لا يخلص ، فعل منفى.
أنصع بأن يبيضّ الثوب. من : ابيضّ ، فعل ، الوصف منه على : أفعل فعلاء : (أبيض ـ بيضاء) ، وهو أكثر من ثلاثى.
ما أحسن أن يقال الحقّ. من : يقال ، مبنى للمجهول.
وكلّ من المصادر المؤولة : (أن تستذكر ، أن تكون ، أن يقال) فى محلّ نصب ، مفعول به.
أما المصدران المؤولان : (ألا يخلص ، أن يبيضّ) فكلّ منهما فى محلّ رفع ، فاعل.
ب ـ فإذا كان الفعل المراد التعجب منه أكثر من ثلاثة أحرف ، أو كان الوصف منه على مثال : أفعل فعلاء ؛ فإنه يجوز أن يذكر ـ كذلك ـ المصدر الصريح من المعنى المراد التعجب منه بعد الفعل المساعد ، فتقول : ما أقنى حمرة الورد. من حمر ؛ الوصف منه على مثال : أفعل فعلاء : (أحمر حمراء).
ما أصفى زرقة السماء.
ما أجدر استذكار الدروس. من : استذكر ، فعل زائد على ثلاثة أحرف.
ما أسرع استخراج البترول فى القرن العشرين. من (استخرج) ، فعل أكثر من ثلاثى.
كلّ من المصادر الصريحة : (حمرة ، زرقة ، استذكار ، استخراج) ، مفعول به منصوب.
ج ـ وإن كان المتعجب منه فعلا ناقصا له مصدر فإننا نأتى بمصدره الصريح بعد الصيغة من الفعل المساعد ، وإن لم يكن له مصدر ـ كما يذكر كثير من النحاة ـ فإننا نذكر المصدر المؤول منه ، فنقول : ما أعظم كونه جميلا ، وأعظم بأن يكون جميلا.
ما أكثر ما كان محسنا ، وأكثر بكونه محسنا.
د ـ وما كان قابلا للتفاوت فإننا قد ذكرنا أنه لا يتعجب منه ، لكننا إذا أردنا إضافة صفة إليه كان التعجب منها جائزا ، كأن تقول : ما أفجع موته ، وأفجع بموته.
ملحوظة :
يجوز التعجب بالطرق السابقة جميعها من ما توافرت فيه الشروط كلّها ، فتقول : ما أجمل الربيع ، ما أحسن جمال الربيع ، ما أحسن أن يجمل الربيع.
صيغة (ما أفعله) إعرابيا :
يعرب ما يأتى على مثال (ما أفعله) فى التعجب على النحو الآتى :
ـ ما :
فى محلّ رفع ، مبتدأ مبنى ، وهى بذلك اسم ، ويدلل على اسميتها بأن فى أفعل ضميرا يعود عليها ، وفى نوع اسميتها أربعة آراء نحوية ، هى :
١ ـ أن تكون نكرة تامة بمعنى : شىء ، والجملة الفعلية التى تليها تكون فى محلّ رفع ، خبر لها.
وابتدئ بالنكرة هنا لكونها مخصصة بالعموم ، أو لكونها فاعلا فى المعنى ، أو لأنها متضمنة معنى التعجب.
فإذا قلت : ما أفضل محمدا ؛ فالتقدير : شىء أفضل محمدا ، ولم ترد شيئا بعينه ، وإنما أردت الإبهام ، لذلك فإنها لم توصل بصلة ، ولم توصف.
ومعنى التعجب يتلاءم مع معنى الإبهام ؛ لأن ما كان مبهما يكون أعظم فى النفس لاحتماله معانى كثيرة.
٢ ـ أن تكون استفهامية فتكون فى محلّ رفع ، مبتدأ ، والجملة الفعلية التى تليها تكون فى محلّ رفع ، خبر لها.
٣ ـ أن تكون اسما موصولا فى محل رفع ، مبتدأ ، والجملة الفعلية التى تليها تكون صلة لها ، لا محلّ لها من الإعراب ، أما خبرها فإنه يكون محذوفا ، ويكون التقدير فى (ما أحسن زيدا) : الذى أحسن زيدا شىء ، وينسب هذا الرأى إلى الأخفش ، وعليه جماعة من الكوفيين.
٤ ـ أن تكون نكرة موصوفة ، وهى بمعنى (شىء) ، والجملة الفعلية التى تليها تكون فى محلّ رفع ، صفة لها ، وبذلك يقدر خبرها محذوفا.
والرأى الأول أرجح هذه الآراء ، وعليه عامة النحاة.
ـ (أفعله) :
ـ أفعل : فعل ماض مبنى على الفتح ، فاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، يعود على (ما) على أرجح الآراء.
والجملة الفعلية يحدد احتسابها الإعرابىّ تبعا لاحتساب إعراب (ما) السابق وذلك على النحو الآتى :
١ ـ إما أن تكون فى محلّ رفع ، خبر (ما) ، فى حال إعرابها مبتدأ إذا احتسبت تامة أو استفهامية.
٢ ـ وإما ألا يكون لها محلّ من الإعراب ، إذا احتسبت (ما) اسما موصولا ، فتكون الجملة صلة لها.
ـ وإما أن تكون فى محلّ رفع ، نعت لـ (ما) ، إذا احتسبت نكرة موصوفة.
ـ أما (الهاء) فى (ما أفعله) ـ وهو الضمير الذى يكنى به عن المتعجب منه ـ فإعرابه مفعول به دائما.
ـ وعلى هذا يمكن إعراب هذه الصيغة.
ملحوظتان :
أ ـ ما أصله على مثال (أفعل) :
يعمل عمل فعل التعجب ما إذا كان أصله على مثاله ، ويتمثل فى (خير وشر) ، إذ أصلهما : أخير وأشرّ ، ويبدو ذلك فى قولهم : ما خير اللبن للصحيح ، وما شرّه للمبطون ، أى : ما أخير اللبن ، وما أشرّه.
ب ـ قد تزاد (كان) بعد (ما) التعجبية :
قد تزاد (كان) بين (ما) التعجبية وفعل التعجب على إرادة إهمال عمل (كان) ، وإثبات معناها ، وهو الدلالة على الزمان ، فيقال : ما كان أحسن زيدا.
ويدل هذا التركيب على أن حسن زيد كان فيما مضى. وتكون (كان) فعلا ماضيا مبنيا على الفتح زائدا لا محلّ له من الإعراب ، ليس له اسم ولا خبر.
كما سمع قولهم : ما أصبح أبردها ، وما أمسى أدفأها ، على زيادة كلّ من الفعلين (أصبح وأمسى) على سبيل إرادة معناهما ، وإهمال عملهما.
لكنه يلاحظ أنه إذا قيل : ما أحسن ما كان زيد ؛ فإن (كان) تامة وزيد فاعله ، والمصدر المؤول (ما كان زيد) هو المتعجب منه فى محلّ نصب ، مفعول به.
والتقدير : ما أحسن كون زيد.
ومن زيادة (كان) بعد (ما) التعجبية قول عبد الله بن رواحة الأنصارى :
ما كان أسعد من أجابك آخذا |
|
بهداك مجتنيا هوى وعنادا (١) |
__________________
(١) (ما) تعجبية نكرة اسم مبنى في محل رفع ، مبتدأ. (كان) فعل ناقص زائد مبنى لا محل له من الإعراب. (أسعد) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (من) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (أجابك) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (آخذا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (بهداك) جار ومجرور بفتحة مقدرة ، ومضاف إليه مبنى في محل جر ، وشبه الجملة متعلقة بالأخذ. (مجتنيا) حال ثانية منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (هوى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (وعنادا) عاطف ومعطوف على هوى منصوب.
وأصله : ما أسعد من ... ، فزيدت (كان).
ومنه قول امرئ القيس :
أرى أمّ عمرو دمعها قد تحدّرا |
|
بكاء على عمرو وما كان أصبرا (١) |
حيث الأصل : وما أصبرها ، فزيدت (كان) بين (ما) التعجبية وفعل التعجب (أصبر) ، وحذف المتعجب منه.
صيغة (أفعل به) إعرابيا :
يرى النحاة أن صيغة (أفعل به) التعجبية ـ وهى على صورة الأمر ـ معدولة عن صيغة الفعل الماضى (فعل كذا) بضمّ العين ، وتلحظ أن حرف الجرّ (الباء) لم يذكر فى الصيغة الأصلية التى عدل عنها.
وعليه فإن إعراب هذه الصيغة (أفعل به) يكون كما يأتى :
ـ (أفعل) : فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، وجىء به على صورة الأمر للتعجب به.
الباء : حرف زائد مبنى لا محل له من الإعراب.
الهاء : فاعل مرفوع مقدرا ، أو فى محلّ رفع مقدر ، تبعا لنوعه الاسمى ، منع من ظهور حركة الرفع اشتغال المحلّ بحركة حرف الجرّ الزائد.
__________________
(١) (أرى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا. (أم) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (عمرو) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (دمعها) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة. (قد) حرف تحقيق مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تحذرا) فعل ماض مبنى على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو ، والألف للإطلاق : والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ (دمع) ، والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال.
(بكاء) مفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (على عمرو) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالبكاء. (وما) الواو ابتدائية حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ما) تعجبية نكرة اسم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (كان) فعل ماض زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أصبرا) فعل التعجب ماض مبنى على الفتح ، وفاعله مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ ما. والألف للإطلاق. والمتعجب منه المفعول به محذوف.
فإذا أريد إعراب الجملة : أجمل بالربيع ، فإن التقدير يكون : جمل الربيع ، ويكون إعرابها كالآتى :
ـ (أجمل) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، وجىء به على صورة الأمر للتعجب به.
ـ (بالربيع) الباء : حرف جر زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. الربيع : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
الباء فى (أفعل به):
تعد الباء فى صيغة أفعل به الفيصل بين كون التركيب للتعجب من غيره ؛ إذ إنها لو لم تكن موجودة فقيل : أكرم زيدا لالتبس التركيب بين الأمر والتعجب ، فجىء بالباء لتميز معنى التعجب.
لذلك فإن الباء فى التعجب زائدة لازمة ، وقد تحذف قبل المتعجب منه إذا كان مصدرا مؤولا من (أن) والفعل ، أو (أنّ) ومعموليها ، من ذلك قول الشريف الرضى :
أهون علىّ إذا امتلأت من الكرى |
|
أنّى أبيت بليلة الملسوع (١) |
والتقدير : أهون بأنى أبيت ، فحذف باء التعجب قبل المصدر المؤول من (أن) ومعموليها.
__________________
(١) (أهون) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، وجىء به على صورة الأمر للتعجب. (على) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالهوان. (إذا) ظرف زمان مبنى فى محل نصب متعلق بالهوان.
(امتلأت) فعل ماض مبنى على السكون ، والتاء ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة. (من الكرى) جار ومجرور بالكسرة المقدرة للتعذر ، وشبه الجملة متعلقة بالامتلاء. (أنّى) أن : حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، اسم أن. (أبيت) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر أن ، والمصدر المؤول فاعل أهون. (بليلة) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالميت. (الملسوع) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.
ومثل ذلك قول العباس بن مرداس :
وقال نبىّ المسلمين تقدّموا |
|
وأحبب إلينا أن تكون المقدّما (١) |
أى : أحبب إلينا بأن تكون ..
ومثله فى قول أوس بن حجر :
تردّد فيها ضوؤها وشعاعها |
|
فأحسن وأزين لامرئ أن تسربلا (٢) |
أى : أحسن وأزين بأن تسربل.
وقول الآخر :
خليلىّ ما أحرى بذى اللبّ أن يرى |
|
صبورا ولكن لا سبيل إلى الصبر |
والتقدير : ما أحرى بأن يرى ، فحذف حرف الجر ، وفصل بين فعل التعجب والمتعجب منه بشبه الجملة (بذى اللب).
وقول الآخر :
أخلق بذى الصبر أن يحظى بحاجته |
|
ومدمن القرع للأبواب أن يلجا |
والتقدير : أخلق بأن يحظى ، فحذف الباء ، وفصل بشبه الجملة (بذى الصبر).
مسائل خاصة بفعلى التعجب
نعرض فى هذا القسم من الدراسة القضايا الخاصة بدراسة فعلى التعجب ، سواء ما يخص أحدهما ، من نحو نوع مبنى أفعل التعجب ، أم يخصهما معا ، نحو : جمود الفعلين ، ومضيهما ، ورتبتهما مع معمولهما ، ثم دراسة الحروف التى تتعلق بهما. ذلك على النحو الآتى.
__________________
(١) ينظر : ارتشاف الضرب ٢ ـ ٣٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٣٥٣ ـ الأشمونى ٣ ـ ١٩. المصدر المؤول (أن تكون المقدم) فى محل رفع ، فاعل.
(٢) ينظر : المقرب ١ / ٧٧ ـ ارتشاف الضرب ٣ ـ ٣٥.
(أن تسربل) مصدر مؤول فى محل رفع ، فاعل.
أولا : (أفعل) التعجب بين الفعلية والاسمية :
يختلف النحاة فيما بينهم فى نوع مبنى (أفعل) التعجبى بين الاسمية والفعلية على النحو الآتى :
يذهب الكوفيون إلى أنه اسم ، ويستدلون لذلك بما يأتى :
ـ أنه سمع مصغرا فى قول شاعر :
يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا |
|
من هو ليّائكنّ الضالّ والسمر (١) |
حيث صغّر (أملح) فى التعجب إلى (أميلح).
ـ أن عينه تصحّ فى التعجب ، فيقال : ما أقومه ، وما أبيعه والعين فى الأجوف لا تصحّ إلا فى الأسماء ، وتقلب ألفا فى الأفعال ، فتقول فى الأسماء : قول وبيع ، ولكنك تقول فى الأفعال : قال وباع.
ـ ويستدل الكوفيون على اسمية (أفعل) فى التعجب بأنه لا يتصرف ، والتصرف من خصائص الأفعال.
ويرد بأن بعض الأفعال لا تتصرف.
أما البصريون فإنهم يذهبون إلى أن (أفعل) التعجب فعل ، ويستدلون لذلك بدلائل ، أهمها :
ـ قد يدخل عليه نون الوقاية ، فتقول : ما أحسننى لديه ، وما أظرفنى عندك ، وما أعلمنى فى نظرهم ، ونون الوقاية لا تلحق إلا بالأفعال.
ـ أن (أفعل) التعجب ينصب المعارف والنكرات ، فتقول : ما أفضل الصدق ، وما أجمل وردة قطفتها ، وهو دليل على أنه فعل ؛ لأنه لو كان اسما لنصب النكرة فقط دون المعرفة ، ونصب الاسم النكرة يكون على التمييز.
ـ بناؤه على الفتح بدون موجب يدل على أنه فعل ماض ؛ لأن الاسم يبنى على الفتح بموجب ، ويكون مرفوعا إذا لم يبن.
__________________
(١) شرح ابن يعيش ١ ـ ٦١ / ٣ ـ ١٣٤ / ٧ ـ ١٤٣ ، ٥ ـ ١٣٥.
ـ أما تصغيره وهو فعل فلشبهه بأفعل التفضيل ، فحمل عليه ، وهو اسم في التصغير.
ثانيا : فعلا التعجب جامدان :
يلزم فعلا التعجب الصيغة البنائية التى وضعا عليها ، وهما : أفعل (بفتح العين) ، وأفعل (بكسر العين) ، فلا يتصرفان ، ويلزم الأول صيغة الماضى ، ويلزم الثانى صيغة الأمر.
فهما فعلان جامدان ، لا يستخدم منهما فى أى صيغة أخرى غير التى وضع كلّ منهما عليها ، كما لا يبنى منهما الصفات المشتقة.
ثالثا : فعلا التعجب ماضيان :
لحظنا أن الفعل فى صيغتى التعجب يجعلونه ماضيا ، وما جاء منه على صورة الأمر يقدر ماضيا ، ذلك لأن التعجب مدح ، ولا يمدح إلا بما ثبت وعرف ، ويتحقق هذا المعنى باستعمال الفعل الماضى.
والفكرة واضحة فى (ما أفعله) ، حيث (أفعل) فعل ماض ، أما صيغة (أفعل به) فتقديرها : فعل ، إذا قلت : ما أجمل الصدق ؛ فإن تقديره : جمل الصدق.
رابعا : الرتبة بين فعل التعجب ومعموله :
لا يتقدم معمول فعل التعجب عليه ؛ لأن فعل التعجب جامد ، فلا يعمل فيما قبله ، كما أن صيغة التعجب كالأمثال لا يصحّ التصرف فيها بناء ورتبة.
خامسا : حروف التعلق بفعلى التعجب :
يجوز أن يتعلق بفعلى التعجب شبه جملة مكملة للمعنى بحسب السياق ، ذلك على النحو الآتى (١) :
ـ إن كان المتعلق فاعلا فى المعنى فإنه يرتبط بفعل التعجب بحرف الجرّ (إلى) ، فتقول : ما أحبّ محمودا إلى أحمد ، والتقدير : يحب أحمد محمودا حبا شديدا ، وتكون شبه الجملة (إلى أحمد) متعلقة بفعل التعجب.
__________________
(١) ينظر فى ذلك : المساعد شرح التسهيل ٢ ـ ١٥٩.
ومثله قولك : أحبب بمحمود إلى أحمد.
ـ إن كان فعلا التعجب مما كان يتعدّى بنفسه فإنهما يتعلقان بما بعد المتعجب منه باللام ، لأن المجرور يكون فى المعنى مفعولا به ، واللام هو الحرف الذى يصل بين الفعل والمفعول ، فتقول : ما أفهم محمدا للدرس ، أفهم بمحمد للدرس. وما أنصر عليّا للحقّ. وأنصر بعلىّ للحقّ.
وكلّ من أشباه الجمل (للدرس ، للدرس ، للحق ، للحق) متعلقة بفعل التعجب الذى يسبقها.
ـ وإن كان فعلا التعجب مما يتعدى بحرف جرّ فإنهما يتعلقان بما بعد المتعجب منه المكمل للمعنى بحرف الجرّ الخاصّ.
من ذلك : ما أزهد الصديق فى الدنيا ، وأزهد بالصديق فى الدنيا ، ما أخرجه من بيته ، وأخرج به من بيته. ما أقواه على خصمه ، أقو به على خصمه.
كلّ من أشباه الجمل (فى الدنيا ، فى الدنيا ، من بيته ، من بيته ، على خصمه ، على خصمه) متعلقة بفعل التعجب الذى يتصدر جملتها.
ومثله أن تقول : ما أنزله عن مكانته ، أنزل به عن مكانته ، ما أصعده إلى العلا ، أصعد به إلى العلا.
ـ إن كان من معنى العلم والجهل فإنهما يتعلقان بالباء ، كقولك : ما أعرف محمدا بالمسألة ، وأعرف بمحمد بالمسألة ، وما أبصر محمودا بالنحو ، وأبصر بمحمود بالنحو ، وما أجهل سميرا بالخبر ، وأجهل بسمير بالخبر.
ومنه أن تقول : ما أعلمه بفنّه ، أعلم به بفنّه ، ما أيقنه بالأمر ، أيقن به بالأمر ...
ـ إن كان فعلا التعجب مما يتعدى إلى مفعولين فإن الفاعل يكون متعجبا منه ، ويتعلق أحد المفعولين بفعل التعجب باللام ، وينصب الآخر بفعل محذوف يقدر من فعل التعجب ـ على رأى البصريين ـ ، وعلى رأى الكوفيين يكون نصبه بفعل التعجب.
فتتعجب من : (كسا محمود الفقراء الثياب) بالقول : ما أكسى محمودا للفقراء الثياب ، أو أكس بمحمود للثياب الفقراء.
وتتعجب من (ظن علىّ الدرس سهلا) ؛ فتقول : ما أظنّ عليا للدرس سهلا ، وأظنن بعلىّ للدرس سهلا.
ومن : (أعطى الغنى المساكين الصدقات) تتعجب فتقول : ما أعطى الغنىّ للمساكين الصدقات ، وأعط بالغنىّ للصدقات المساكين.
هذا إذا استثنينا الفعل الزائد (أعطى) من قاعدة عدم الزيادة عن ثلاثة ، كما سمع فى قولهم : ما أعطاه للدرهم. وإذا لم نستثن فإننا نأتى بفعل مساعد فنقول : ما أكثر إعطاء الغنىّ للمساكين الصدقات ، وأكثر بإعطاء الغنىّ للصدقات المساكين.
مسائل تختص بالمتعجب منه
فى دراستنا للتعجب علينا أن نعرض لبعض الملحوظات التى تختص بالمتعجب منه من حيث : مبناه ، ومعناه فى جملة التعجب ، وذكره وحذفه ، على النحو الآتى :
أولا : مبنى المتعجب منه :
لا يكون المتعجب منه إلا معرفة ، نحو : ما أفضل الوفاء ، وأطيب بالهواء.
فإن لم يكن معرفة فإنه يكون نكرة مختصة ، نحو : ما أسعد رجلا اتقى الله.
ويعلل لذلك بأن المتعجب منه مخبر عنه ، والمخبر عنه يكون معرفة ، وقد يكون نكرة مختصة ، أما المخبر به فإنه يكون نكرة.
ثانيا : المتعجب منه فاعل فى المعنى :
ذكرنا أن المتعجب منه يعرب مفعولا به فى صيغة (ما أفعله) ، وفاعلا فى صيغة (أفعل به) ، ولكننا إذا أمعنّا فى دلالة التركيب التعجبى نجد أن المتعجب منه يكون فاعلا فى المعنى.