النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

فإذا قلت : ما أحسن محمدا ، فالتقدير : شىء أحسن محمدا ، وليس هذا الشىء إلا محمدا نفسه ، ونقل إلى (ما) المبهمة دلالة على المبالغة التى تتلاءم مع معنى التعجب ، وهكذا ترى أن المتعجب منه فاعل فى المعنى فى صيغتى التعجب.

ولتلحظ تلاقى الفكرة التى تعرض أن المتعجب منه مخبر عنه مع الفكرة التى تعرض فاعلية المتعجب منه.

لذلك فإنهم يجعلون التعجب استعظام زيادة فى وصف الفاعل خفى سببها.

ثالثا : حذف المتعجب منه :

يجوز أن يحذف المتعجب منه ، وهو المنصوب فى صيغة (ما أفعله) ، والمرفوع فى صيغة (أفعل به). وذلك إن دلّ عليه دليل ، وكان ضميرا.

وحذف المتعجب منه المفعول به المنصوب إذا كان ضميرا. ذكر فى قول امرئ القيس السابق :

أرى أمّ عمرو دمعها قد تحدّرا

بكاء على عمرو وما كان أصبرا

والتقدير : وما كان أصبرها. فحذف المتعجب منه ، وهو الضمير المنصوب.

ومنه قول على بن أبى طالب ـ كرم الله وجهه :

جزى الله عنى والجزاء بفضله

ربيعة خيرا ما أعفّ وأكرما (١)

أى : ما أعفها وأكرمها ، فحذف المتعجب منه ، وهو ضمير عائد إلى ربيعة ، فدلّ عليه دليل.

__________________

(١) شرح ابن الناظم ٤٥٩ / العينى ٣ ـ ٦٤٩ / شرح التصريح ٢ ـ ٨٨ / الأشمونى ٣ ـ ٢٠.

جزى فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، منع من ظهوره التعذر. (الله) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (عنى) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالجزاء ، (والجزاء) الواو ابتدائية فاصلة ، لا محل لها من الإعراب. (الجزاء) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (بفضله) جار ومجرور ، ومضاف إليه مبنى فى محل جر ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، أو متعلقة بخبر محذوف. والجملة اعتراضية ، لا محل لها من الإعراب. (ربيعة) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (خبرا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، ويجوز أن يكون منصوبا على نزع الخافض ، ويجوز أن يكون نائبا عن المفعول المطلق ، والتقدير : جزاء خيرا ...

٢٠١

ويروى منسوبا إليه ـ كرم الله وجهه :

جزى الله قوما قاتلوا فى لقائهم

لدى الروع قوما ما أعزّ وأكرما (١)

والتقدير : ما أعزهم وأكرمهم. فحذف المتعجب منه الضميران.

لكن حذف المتعجب منه الضمير الفاعل فى صيغة (أفعل به) يكون مع العطف على مثيلتها. ومنه قوله تعالى : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) [الكهف : ٢٦] ، أى : وأسمع بهم ، فحذف الضمير الفاعل المتعجب منه لعطف الصيغة على مثيلتها. فأسمع معطوفة على (أبصر بهم). ومثله قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨].

والتقدير : وأبصر بهم.

وجاء فى قول عروة بن الورد :

فذلك إن يلق المنية يلقها

حميدا وإن يستغن يوما فأجدر

حذف المتعجب منه فى صيغة (أفعل به) دون العطف على مثيلتها ، وهذا شاذ.

ملحوظات مكملة لدراسة صيغتى التعجب :

أولا : صيغتا التعجب كالأمثال :

يلزم صيغتا التعجب ما بنيا عليه من شكل بنيوىّ ، فهما كالأمثال لا يجوز أن يلحق بهما تغيير ، ولذلك فإنه لا يجوز أن يلحق بهما ما يدل على العدد أو الجنس ، فتقول :يا رجل ما أحسن الصدق. يا رجلان أحسن بالصدق.

يا رجال أحسن بالصدق ، يا امرأة أحسن بالصدق.

يا امرأتان ما أحسن الصدق ، يا نساء أحسن بالصدق.

ثانيا الفرق بين صيغتى التعجب معنويا :

إذا قلت : ما أكرم محمدا ؛ فأنت المتعجب وحدك من كرم محمد.

__________________

(١) جملة (قاتلوا) فى محل نصب ، نعت لقوم. (لدى) ظرف زمان مبنى فى محل نصب.

٢٠٢

أما إذا قلت : أكرم بمحمد ؛ فكأنك دعوت غيرك إلى التعجب معك من كرمه (١).

ثالثا : الفصل بين فعل التعجب والمتعجب منه :

ينقسم النحاة إزاء قضية الفصل بين فعل التعجب والمتعجب منه إلى قسمين :

أولهما : يذهب إلى امتناع الفصل بينهما ، لكون فعل التعجب ضعيفا ؛ لأنه فعل جامد ، كما أن التركيب التعجبى كالأمثال يلزم طريقة واحدة فى التركيب. وعلى رأس هذا المذهب الأخفش والمبرد وجماعة من النحاة المتقدمين.

والآخر : وعلى رأسه الفراء والجرمى والمازنى والزجاج والفارسى وغيرهم ، يذهب إلى جواز الفصل بشبه الجملة ، فتقول : ما أحسن اليوم زيدا ، وما أجمل فى الدار بكرا.

ويحتج أصحاب هذا الاتجاه بأن (أفعل) فى التعجب ليس بأضعف من (إنّ) التى يفصل بينها وبين اسمها المنصوب بها بشبه الجملة.

وقد سمع عن العرب قولهم : ما أحسن بالرجل أن يصدق.

فإذا كانت شبه الجملة معمولا لمعمول فعل التعجب فإنه لا يجوز أن يفصل بها ، حتى لا يفصل بين العامل ومعموله بمعمول معموله ، وهذا ممتنع ، ففى قولك : ما أحسن معتكفا فى المسجد ، وأحسن بجالس عندك ، لا يجوز تقدم شبهى الجملة (فى المسجد ، وعندك) لتكونا فاصلا ؛ لأنهما معمولان للمتعجب منه (معتكفا ، وجالس) ، فكلّ منهما متعلقة بصاحبها.

ومنه أن تقول : ما أفضل متصدقا فى سبيل الله ، أجمل بفتاة عندك.

__________________

(١) ينظر : التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٦٧.

٢٠٣
٢٠٤

المجرورات

المعنى المميز للمجرورات هو معنى النسبة ، أو علاقة النسبة بين الجار والمجرور ، حيث فهم النحاة العرب (١) أن العلاقة بين المضاف والمضاف إليه بخاصة هى علاقة النسبة ، وجعلوا حروف الجر من باب الإضافة ، ولذلك فإن علاقة النسبة تشمل دراسة المجرور بحروف الجر ، المجرور بالإضافة.

فحدّ المجرورات أنها ما اشتمل على علم المضاف إليه ، والمضاف إليه كلّ اسم نسب إليه شىء بواسطة حرف جرّ لفظا أو تقديرا مرادا (٢).

والمقصود (بواسطة حرف جرّ) أن المجرور بالحرف وبالإضافة فيه حرف جرّ ، وفيه معنى الإضافة ، فإذا قلت : مررت بمحمد ، فإنك قد أضفت مرورك إلى محمد بواسطة الحرف.

ويقصد (باللفظ والتقدير) ذكر حرف الجرّ ملفوظا به كما هو فى الجرّ بالحروف ، أو تقدير ذكره كما هو فى الإضافة. فقولك : (غلام أحمد) تقديره : غلام لأحمد ، وتقدير ثوبك : ثوب لك ، وتقدير ثوب حرير : ثوب من حرير ، وتقدير ماء الكوب : ماء من الكوب ، أو : فيه ، أو : له)

والمقصود (بالمراد) إخراج ظرف الزمان والمكان ، فإنهما يقدر فيهما حرف الجر (فى) ؛ لكنه متروك فيهما غير مراد (٣).

ويذكر سيبويه أن الجرّ إنما يكون فى كل اسم مضاف إليه ، وأن المضاف إليه ينجرّ بثلاثة أشياء (٤) :

ـ بشىء ليس باسم ولا ظرف ، وهى الحروف.

__________________

(١) ينظر : الأشمونى ٢٢٨ / همع الهوامع ٢ ـ ٤٦ / الخضرى على ابن عقيل ٢ ـ ٢.

(٢) شرح الكافية لابن الحاجب ١ ـ ٥١ / شرح القمولى على الكافية ٣٥٣.

(٣) ينظر : الأشباه والنظائر فى النحو للسيوطى ٢ ـ ١٠٩.

(٤) ينظر : الكتاب ١ ـ ٤١٩ / شرح القمولى على الكافية : ٣٥٤.

٢٠٥

ـ وبشىء يكون ظرفا.

ـ وباسم لا يكون ظرفا.

وهذه الأقسام هى التى تجر الأسماء ، الأول منها حروف ، وهى حروف الجر ، أما الثانى فهو الظروف ، والظروف أسماء ، والثالث هو الأسماء التى لا تكون ظرفا ، فالقسمان الثانى والثالث يقعان تحت قسم واحد ، وهو الأسماء ، وهذه لا يكون فيها إلا الإضافة ، حيث لا يظهر فيها حرف الجرّ وإنما يقدر ، فالأصل فى الجر إنما هو حروف الجرّ ؛ لأن المضاف مردود فى التأويل إليه (١).

وليس من ذلك المجرور بحرف الجرّ الزائد ؛ لأنه للتوكيد.

وقد يجعل النحاة العلاقة بين الجار والمجرور علاقة إسناد شىء إلى شىء وإلصاقه به ، وكلّ من علاقة الإسناد وعلاقة النسبة يؤدى معنى الآخر ، فكل منهما يعطى معنى الإمالة والميل والإلصاق ، حيث يقال : أضفت هذا القول إلى فلان ؛ أى : أسندته إليه ، وألصقته به ، وتقول : أضفت ظهرى إلى الحائط ؛ أى : أسندته إليه ، وألصقته به ، من ذلك ما قاله امرؤ القيس :

فلمّا دخلناه أضفنا ظهورنا

إلى كل حارىّ جديد مشطّب (٢)

فسمّى النحويون إسناد اسم إلى اسم إضافة ؛ لأنه إلصاق أحدهما بالآخر لضرب من التعريف أو التخصيص (٣).

__________________

(١) الأمالى النحوية لابن الحاجب ٣ ـ ٦.

(٢) أى : لما دخلنا المنزل أسندنا ظهورنا إلى كل رجل منسوب إلى الحيرة جديد مخطط.

(الفاء) حرف تعقيب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (لما) حرف فيه معنى الشرط يفيد الوجوب للوجوب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (دخلناه) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به. وهى جملة شرط لما. (أضفنا) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة جواب لما. (ظهورنا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر بالإضافة. (إلى كل) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالإضافة. (حارى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (جديد مشطب) نعت أول ونعت ثان لحارى مجروران ، وعلامة جره الكسرة.

(٣) ينظر فى ذلك : شرح عيون الإعراب ٢١٢ / شرح شذور الذهب ٣٢٥.

٢٠٦

علينا أن نلحظ أن المجرورات فى الجملة العربية تنقسم إلى قسمين من حيث الوظيفة النحوية مع الأداء الدلالى ، أولهما : ما كان مختصا بتقييد الاسم وتوضيحه تخصيصه وهو المضاف إليه ، والآخر : وهو شبه الجملة من الجار والمجرور فإنه قد يؤدى الوظيفة المعنوية للمضاف إليه ؛ لكن ليس من طريق الإضافة ، وإنما من طريق التبعية ، وقد يكون محددا جهة من جهات الفعل أو ما يعمل عمله ؛ زمانا أو مكانا أو غير ذلك ، وقد يمثل أحد ركنى الجملة الاسمية ، وهو الخبر ، أو ـ على رأى الجمهور ـ يكون متعلقا بالخبر المحذوف ، فيكون نائبا عنه ذكرا ولفظا ، وإن لم يقل أحد من النحاة بهذه النيابة.

مما سبق يتضح لنا أن المجرور ينقسم إلى قسمين : أولهما : المجرور بحرف ، والآخر : المجرور بالإضافة.

* * *

٢٠٧

أولا : النسبة بحروف الجر (١) :

حروف الجر يؤتى بها فى الجملة لتصل ما قبلها بما بعدها ، فتوصل الاسم بالاسم ، والفعل بالاسم ، ولا تدخل حروف الجرّ إلا على الأسماء (٢).

حيث إن حروف الجرّ إنما هى حروف واسطة بين ما قبلها وما بعدها وهى فى الوقت ذاته تؤدّى معنى ، هذا المعنى يكون فيما بعدها ، وهو العلاقة الدلالية بين ما ربطت بينهما.

فحروف الجر من الناحية التركيبية قد يسبقها اسم ، وقد يسبقها فعل ، ولكنه لا يليها إلا اسم ، والجرّ خاصّ بالأسماء ، هذا إلى جانب الرابطة الدلالية التى ذكرناها.

فإذا قلت : الطلبة فى القاعة ، فإن حرف الجرّ (فى) ربط ربطا لفظيا بين الاسمين (الطلبة) و (القاعة) ، ولا يجوز أن يذكرا متتاليين بدون مثل هذه الواسطة ، فأوصل حرف الجر مدلول الطلبة بمدلول القاعة وصلا فيه معنى حرف الجر (فى) ، وهو المكانية أو الداخلية.

ومثل ذلك أن تقول فى وصل الفعل بالاسم : خرجت من المنزل إلى الكلية ، حيث الفعل (خرج) لا يصل دلاليا ولا لفظيا إلى مثل مدلول المنزل والكلية إلا

__________________

(١) اعتمدت هذه الدراسة على : الكتاب ١ ـ ٢٦٩ ، ٤١٩ / ٢ ـ ١٦٠ ، ٣٤٩ ، ٣٨٣ / ٣ ـ ٨٤ ، ١١١ ، ٢٦٨ / ٤ ـ ٢١٧ / المقتضب ٢ ـ ٣٤٨ / ٣ ـ ٥٧ ، ٢٨٠ / ٤ ـ ١٣٦ ، ٣٠٢ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٨٢ / شرح المقدمة المحسبة ٢ ـ ٣٣٦ / المقتصد فى شرح الإيضاح ٢ ـ ٨٢٢ / شرح عيون الإعراب ١٨٧ / المفصل ٨٢ / الهادى فى الإعراب ١٠٢ / المقرب ١ ـ ١٩٣ / التسهيل ١٤٤ / عمدة الحافظ ١٦١ / شرح ابن الناظم ٣٥٤ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٣٧٦ / المساعد على تسهيل الفوائد ٢ ـ ٢٤٥ / شفاء العليل ٢ ـ ٦٥٥ / الجامع الصغير ١٣٤ / شرح جمل الزجاجى ١٥٢ / الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٢ ـ ٢٠٣ / الفوائد الضيائية ٢ ـ ٣١٨ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٤٢٦ / شرح اللمحة البدرية ٢ ـ ٢٣٧ / شرح التحفة الوردية ٢٤٢ / كشف الوافية فى شرح الكافية ٣٨٩ / شرح التصريح ٢ ـ ٢ / همع الهوامع ٢ ـ ١٩.

(٢) الأصول فى النحو ١ ـ ٤٩٧.

٢٠٨

بواسطة حرف جرّ يؤدى معنى مقصودا ، فإذا أردت أن تبين بداية الخروج أو بداية غايته فى المكان فإنك تستخدم (من) ، وإذا أردت أن تبين نهايته أو غرضه أو نهاية غرضه فى المكان فإنك تستخدم حرف الجر (إلى).

المصطلحات الخاصة بهذه الحروف :

أطلق النحاة عدة مصطلحات على ما نسميه بحروف الجرّ ، فإضافة إلى هذا المصطلح أطلقوا عليها حروف الخفض ، وحروف الصفات ، وأنت تلحظ معى أن هذه المصطلحات استمدها النحويون إما من عمل هذه الحروف ، وهو الجرّ أو الخفض ، وإما من أثرها الدلالىّ فى التركيب ، فكان إطلاقهم للمصطلح المطلق على هذه الحروف متباينا فيما بينهم بين النظرة اللفظية والنظرة الدلالية.

وهاك موجزا لهذه المصطلحات :

أ ـ حروف الجر : سميت هذه الحروف بحروف الجرّ لأحد أمرين (١) :

ـ إما لأنها تجرّ معانى الأفعال إلى الأسماء ، وهذا تعليل دلالى.

ـ وإما لأنها تعمل إعراب الجرّ فيما بعدها ، كما سمى بعض الحروف حروف النصب ، وبعضها حروف الجزم ، فسميت هذه بما تعمله إعرابيا ، وهو الجر ، وهو تعليل لفظىّ.

والأظهر فيهما الثانى حيث عملها ، وانطباق ما اصطلح عليه النحاة من مفهوم للجرّ مع هذا المصطلح ، فهى تسمى بحروف الجرّ لأثرها النحوىّ وعملها اللفظىّ.

ب ـ حروف الخفض : لإحداثها الخفض فيما بعدها ، وهو الجرّ ، فإن بعض النحاة يطلقون عليها الحروف الخافضة ، وهو تعليل لفظىّ.

ج ـ حروف الإضافة (٢) : يطلق النحاة على هذه الحروف حروف الإضافة ؛ لأنها تضيف الفعل إلى الاسم ، أى : تربط بينهما ، وربما ربطوا بين الفعل والاسم من

__________________

(١) شرح التصريح ٢ ـ ٢.

(٢) ينظر فى ذلك : شرح عيون الإعراب ٢١٢ / شرح شذور الذهب ٣٢٥.

٢٠٩

هذا الجانب الدلالى ؛ حيث لا يكون إلا من خلال دلالات هذه الحروف ؛ دون دلالة الإسناد الصريحة التى تكون بين الفعل والاسم.

فإذا قلت : حدث الأمر ، فإن الفعل مسند إلى الفاعل الاسم ، أما إذا قلت : حدوث الأمر ، فإن العلاقة أصبحت علاقة إضافة ، كما إذا قلت : حدث فى القاعة ، أو : حدث بالقوة ... إلى غير ذلك ، فهى من قبيل إضافة الحدث إلى الاسم المجرور ، وهذا تعليل معنوىّ أو دلالى ، وقد أدركنا مدى الاتفاق بين الإضافة والجر ، كما أدركنا أن الأصل فى الجر حروف الجر ، وأن الإضافة راجعة فى التأويل إليه (١).

فهى تسمى حروف الإضافة لما تؤديه من معنى النسبة ، فهى ما وضع لإضافة الفعل أو معناه إلى ما يليه (٢).

د ـ حروف الصفات : قد يسمونها بحروف الصفات لما تحدثه من صفة فى الاسم (٣) ، من ظرفية ، وغاية ، وابتداء ، ونهاية ، وملكية واستعلاء ... الخ. وهو تعليل دلالىّ.

أقسام حروف الجر

تتعدد الحروف التى تجرّ الأسماء كما تتعدد دلالتها ، وأرى أن أذكر مجملا لهذه الحروف ولقضاياها المتنوعة ، ثم أعود فأذكر دراسة لكلّ حرف على حدة فى نهاية هذه الدراسة.

والحروف التى تعمل الجرّ فى الأسماء هى :

من ، وإلى ، وفى ، والباء ، واللام ، (والخمسة تجر مطلقا) ، وعن وعلى والكاف (وهو الغالب فى الثلاثة) ، والتاء والواو (والاثنان فى دلالة القسم ، ومعهما الباء القسمية) ، والميم (مضمومة أو مكسورة فى القسم) ، وربّ وواوها (والاثنان قبل

__________________

(١) ينظر : المقتضب ٤ ـ ١٣٦ / حاشية يس على شرح التصريح ٢ ـ ٢.

(٢) ينظر : الوافية فى شرح الكافية : ٢٢٩.

(٣) حاشية يس على شرح التصريح ٢ ـ ٢.

٢١٠

النكرة الموصوفة غالبا) ، وحتى (فى أحد أقسامها ، وهو انتهاء الغاية قبل الاسم) ، وكى (حال كونها تعليلية قبل مصدر مؤول) ، ومذ ومنذ (والاثنان فى دلالة الزمان الماضى أو الحاضر قبل اسم واحد) ، وخلا وعدا وحاشا (فى أحد وجهى الثلاثة ، وهو اعتبارها حروفا) ، ومتى (فى لهجة هذيل) ، ولعلّ (فى لغة عقيل).

وتنقسم حروف الجرّ إلى أقسام بعدة اعتبارات ، حيث يمكن أن تنقسم بالنظر إلى بنيتها أو عدد ما بنيت عليه من أصوات ، أو بالنظر إلى مجرورها بين نوعه من المضمرات أو المظهرات ، أو بالنظر إلى اختصاصها بالجرّ ، أو خروجها عنه ، أو بالنظر إلى حرفيتها ، أو خروجها عن الحرفية ، أو بالنظر إلى خاصية ذاتية ببعض الحروف الداخلة تحت حروف الجر ، ذلك على الإجمال الآتى :

أولا : أقسام حروف الجر باحتساب بنيتها :

تنقسم حروف الجر باحتساب بنيتها ، أى : باحتساب ما وضعت عليه من أصوات أو حروف (١) إلى :

أ ـ ما وضع على حرف واحد : وهى : الباء ، والكاف ، واللام ، والتاء ، والواو ، والميم (مضمومة أو مكسورة).

ب ـ ما وضع على حرفين : وهى : من ، وعن ، وفى ، ومذ ، وكى.

ج ـ ما وضع على ثلاثة أحرف : وهى ، إلى ، وعلى ، ورب ، ومنذ ، وخلا ، وعدا ، ومتى.

د ـ ما وضع على أربعة أحرف : وهى : حتى ، وحاشا ، ولعلّ.

ثانيا : أقسامها باعتبار مجرورها بين الإضمار والإظهار :

تنقسم حروف الجر بالنظر إلى ما تجرّه من أسماء مظهرة أو مضمرة ، أو جواز جرّها النوعين إلى :

__________________

(١) أنبه إلى أن هذا التقسيم يعتمد على نظرة النحاة واللغويين الأوائل إلى حدود الأصوات اللغوية ، لكننا لو نظرنا إلى مفهوم علم اللغة الحديث فى حدود الصوت ، وتقسيم الأصوات إلى : وحدات صوتية صامتة ، وأخرى حركات صائتة لتغير العدد وتغير هذا التقسيم ، فمثلا : (الباء) وحدتان صوتيتان ، و (على) أربع ، و (حتى) خمس ... وهكذا.

٢١١

أ ـ ما لا يجرّ إلا الظاهر : واو (رب) ، ومذ ، ومنذ ، وكاف التشبيه ، والميم مضمومة أو مكسورة فى القسم ، وحتى.

وما ذكر من قول رؤبة (١) :

فلا أرى بعلا ولا حلائلا

كه ولا كهنّ إلّا حاظلا

حيث جر ضمير الغائب (الهاء) وضمير الغائبات (هن) بالكاف فهو ضرورة.

وما ذكر من قول الشاعر (٢) :

فلا والله لا يلفى أناس

فتى حتّاك يا ابن أبى زياد

حيث جرّ ضمير المخاطب (الكاف) بـ (حتى) ، فهو ضرورة.

ب ـ ما يجر الظاهر والمضمر : ما عدا ذلك ، لكن منها ما يجر مضمرا أو مظهرا ذا بنية خاصة ، وهو (رب) حيث لا يجرّ إلا النكرات ، وإذا وقع الضمير مجرورا به فإنه يجب أن يميز بنكرة ، فتقول : ربه رجلا صالح.

ثالثا : أقسامها باعتبار اختصاصها بالجر :

ليست كلّ هذه الحروف مختصة بالجرّ ، وبذلك فهى تنقسم من هذه الخصوصية إلى قسمين :

أ ـ حروف تختص بالجر : وهى : من ، وإلى ، وفى ، والباء ، واللام ، وحروف القسم (التاء والباء والواو وم بالضم أو الكسر) ، ورب وواوها.

__________________

(١) ينظر : المقرب : ١ ـ ١٩٤ / شرح ابن عقيل : ٢ ـ ١٤ / أوضح المسالك : ٢ ـ ١٢٥.

(٢) ينظر : المقرب : ١ ـ ١٩٤ / شرح ابن عقيل : ٢ ـ ١٠.

(الفاء) بحسب ما قبلها. (لا) زائد لتأكيد القسم ، (والله) الواو : واو القسم حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. الله : لفظ الجلالة مقسم به مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، والقسم متعلق بفعل محذوف. (لا) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يلفى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (أناس) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الفعلية جواب القسم ، لا محل لها من الإعراب. (فتى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة. (حتاك) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بيلفى ، على أن المعنى لا يجدون فتى إلا أن يلقوك. (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ابن) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (أبى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء. (زياد) مضاف إلى أبى مجرور وعلامة جره الكسرة.

٢١٢

ب ـ حروف تشترك بين الجر وغيره : عن والكاف (حرف جر واسما) ، على (حرف جر واسما وفعلا) ، وحتى (جارة وعاطفة وناصبة) ، كى (جارة وناصبة) ، مذ ومنذ (جارة وابتدائية وظرفية مضافة) ، حاشا وخلا وعدا (جارة وناصبة) ، متى (جارة فى لغة واحدة ، واسما فى ما عداها) ، لعل (جارة فى لغة واحدة ، وحرفا ناسخا فيما عداها).

رابعا : أقسامها باعتبار حرفيتها :

هذا التقسيم له علاقة بالسابق ، حيث تقسم هذه الحروف الجارة بين خالصة فى الحرفية ، وغير خالصة فيها.

فأما الخالص فى الحرفية منها فهو ما ذكر فى القسم الأول من التقسيم السابق من الحروف : من ، وإلى ، وفى ، والباء ، واللام ، وحروف القسم ، ورب وواوها ، ويضاف إليها : حتى ، وكى ، ولعل.

وأما غير الخالص فى الحرفية فإنه ينقسم إلى : ما هو بين الحرفية والاسمية ، وهو : عن وعلى والكاف ، ومذ ومنذ ، ومتى.

ما هو بين الحرفية والفعلية ، وهو : عدا وخلا وحاشا.

خامسا : أقسامها باعتبار اختصاص بها :

يذكر فى هذا الموضع تلك الحروف التى لها ذاتية خاصة بها ، وتنحصر فى : ما له ذاتية دلالية خاصة فى التركيب : وهو : الباء والواو والتاء والميم مضمومة أو مكسورة ، وكلها لا تستعمل إلا فى القسم ، هذا بخلاف الباء التى هى حرف جر ، له دلالاته المتنوعة الأخرى.

ما له ذاتية خاصة فى مجروره : وهو : رب وواوها ، حيث لا تدخل إلا على نكرة موصوفة غالبا ، ويكون ما بعدها مبتدأ ، ويكون موصوفا ـ غالبا ـ ، أو مميزا بنكرة إذا كان ضميرا.

٢١٣

ما له ذاتية دلالية خاصة فيه وفى مجروره : وهو : (مذ ومنذ) ، يجب أن يدلا على زمان ماض أو حاضر ، وما بعدهما اسم غير جملة ، فتقول : لم تزرنى مذ سنة مضت ، فتكون (سنة) اسما مجرورا بمذ ، وعلامة جره الكسرة. ولم آتك منذ عام خمسة وتسعين ، فيجر (عام) بمنذ ، وتكون علامة جرّه الكسرة.

و (كى) ، يجب أن يفيد معنى التعليل ، وحينئذ يقدر بعده (أن) محذوفة إن لم تكن ظاهرة ، فتقول : ذاكرت كى أن أنجح ، (كى) حرف تعليل مبنى لا محل له من الإعراب ، والمصدر المؤول (أن أنجح) فى محل جر بكى. وتقول : ذاكرت كى أنجح. إما أن تجعل (كى) مصدرية فتكون الناصبة للفعل أنجح ، ولا تكون جارة ، وإنما يكون المصدر المؤول (كى أنجح) فى محلّ جرّ بلام تعليل محذوفة. وإما أن تجعل (كى) جارة تعليلية ، فيكون الفعل (أنجح) منصوبا بأن مقدرة ، ويكون المصدر المؤول (أن أنجح) مجرورا بكى التعليلية الجارة.

ما له ذاتية لهجية : وهو : (متى) عند هذيل ، و (لعل) عند عقيل.

ما له خاصية اعتبار المنطوق بعده ، وهو : عدا وخلا وحاشا ، فإن جر ما بعدها فهى حروف ، وإن نصب فهى أفعال. تقول : زرتهم جميعا عدا خالد ، أو خلا خالد ، أو حاشا ، (خالد) اسم مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وحينئذ تكون (عدا وخلا وحاشا) حروف جر مبنية لا محلّ لها من الإعراب.

فإن قلت : أجبت عن الأسئلة عدا سؤالا ، أو خلا سؤالا ، أو حاشا ، بنصب سؤال ، فأنت تكون قد نصبته على المفعولية ، وتحتسب (عدا وخلا وحاشا) أفعالا ماضية مبنية على الفتح المقدر ، وفاعلها محذوف ، تقديره : بعضهم.

ومنها ما يختص بكونه زائدا :

أى : يكون أثره الإعرابىّ ظاهرا ، لكن ما جرّه يجب أن يحتفظ بمحلّه الإعرابى الذى يكون عليه فيما إذا لو حذفت هذه الحروف ، وهى : الباء والكاف واللام ومن ، فى مواضع خاصة ، وليس ذلك فى كل مواضعها الإعرابية.

٢١٤

كما هو فى قوله تعالى : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ) بمسيطر [الغاشية : ٢٢] ، حيث (الباء) حرف جر زائد للتوكيد والإلصاق مبنى ، لا محل له من الإعراب ، و (مصيطر) خبر ليس منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجرّ الزائد.

وقوله تعالى : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) [ق : ٣٨]. حيث (من) حرف جر زائد للتوكيد مبنى ، لا محل له من الإعراب ، و (لغوب) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجرّ الزائد.

وقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، (مثل) خبر ليس منصوب مقدرا ؛ لأن الكاف حرف جر زائد.

وقوله تعالى : (رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) [النمل : ٧٢]. أى : ردفكم ، فاللام حرف جر زائد للتأكيد ، ويكون ضمير المخاطبين مبنيّا فى محل نصب ، مفعول به.

ومنه قول عبد الشارق بن عبد العزى :

فلمّا أن تواقفنا قليلا

أنخنا للكلاكل فارتمينا (١)

والتقدير : أنخنا الكلاكل ، فاللام حرف جر زائد للتوكيد ، و (الكلاكل) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجرّ الزائد.

__________________

(١) الحماسة البصرية ١ ـ ١٨٥ / الدر المصون ٤ ـ ١٨٦.

(أن) حرف زائد للتوكيد بعد لما ، لا محل له من الإعراب. وجملة (تواقفنا) شرط لما. (قليلا) إما منصوب على النيابة عن المصدر ، أو على الظرفية. (أنخنا) جملة فعلية جواب (لما) لا محل لها من الإعراب. (للكلاكل) شبه جملة متعلقة بأناخ ، أو اللام حرف جر زائد ، والكلاكل مفعول به منصوب مقدرا.

٢١٥

الجر أقوى العوامل النحوية (١)

إذا أمعنّا الأحوال الإعرابية للأسماء فى الجملة العربية فلا بدّ أنّنا مدركون أن عامل الجرّ هو أقوى العوامل النحوية ، ذلك أنه عامل دائما فى الأسماء ؛ ما دام له دليل عليه من حروفه ، أى : أنه إذا سبق حرف الجرّ الاسم فإن أثر الجرّ يظهر فيه ، دون النظر إلى الموقع الإعرابى ، أو المحلّ الإعرابى ، أو العوامل النحوية السابقة عليه ، أو أصول الجملة ، سواء أكان هذا الجرّ من طريق الحروف ، أم من طريق الإضافة.

فالجرّ فى الأسماء أقوى عملا مما يقابله من حروف الجزم فى الأفعال (٢) ، ويبدو ذلك فى عدة أبواب نحوية ، يضطر النحاة أمامها أن يقدروا العلامة الإعرابية للاسم المسبوق بحرف الجر تبعا للمحلّ الإعرابىّ والموقع الإعرابىّ ، ولكنهم لا يستطيعون أن يهملوا الإعراب الظاهر بأثر حرف الجر المذكور.

ويكون زيادة حروف الجرّ وإعمال الجرّ فيما يأتى :

أولا : محلية الرفع :

أ ـ موقع الفاعلية :

حيث ترد بعض الصور التى يأتى عليها الفاعل مجرورا بحرف الجر ، ويكون فى محلّ رفع مقدّر لموقع الفاعلية.

ومن مثل ذلك جرّ الفاعل بـ (من) فى قوله تعالى : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) [ق : ٣٨] ، حيث (لغوب) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة حرف الجر الزائد.

وجرّه بالباء ، يكون بعد الفعل (كفى) بخاصة ، بمعنى الكفاية والحسب ، وليس بمعنى (وفى) ، نحو : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) [النساء : ٤٥] ، لفظ الجلالة (الله) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجرّ الزائد.

__________________

(١) هذا القسم موجود فى كتاب للمؤلف بعنوان : نزع الخافض ...

(٢) ينظر : الكتاب : ١ ـ ٩٢ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى : ١ ـ ٤٦٣.

٢١٦

وفى صيغة التعجب (أفعل به) ، نحو : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] ، حيث (أسمع) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، وجىء به على صورة الأمر للتعجب. و (بهم) الباء : حرف جر زائد مبنى ، لا محلّ له من الإعراب لإفادة التوكيد والإلصاق ، والضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل.

ومن التعجب أن تقول : حسن بمحمد رجلا ، حيث زيدت الباء فى الفاعل لما تضمّن معنى الفاعل. وتقدير الكلام : حسن محمد رجلا ، فالباء حرف جر زائد ، و (محمد) فاعل مرفوع مقدرا.

ومن جرّ الفاعل بحرف الجر الزائد فاعل (حبذا) تشبيها له بفاعل (أفعل) فى التعجب ، كقول الشاعر :

فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها

وحبّ بها مقتولة حين تقتل

فى (بها) الباء حرف جرّ زائد ، وضمير الغائبة مبنى فى محلّ ، رفع فاعل (حب).

وقد يكون الجرّ في الفاعل بالإضافة حال ما إذا أضيف إليه المصدر ، كما هو فى قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة : ٢٥١](١) ، حيث لفظ الجلالة (الله) مضاف إليه (دفع) مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وهو فى محلّ رفع ، فاعل.

وفى زيادة حرف الجر قبل الفاعل شواهد عرضها النحاة ، واختلفوا فى تخريجها (٢).

__________________

(١) (لو لا) حرف شرط مبنى ، لا محل له من الإعراب. (دفع) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وخبره محذوف وجوبا. (الله) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وهو فى محل رفع ، فاعل. (الناس) مفعول به أول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (بعضهم) بدل من الناس منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (ببعض) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالمصدر دفع. (لفسدت) اللام : حرف للتأكيد واقع فى جواب لو لا مبنى ، لا محل له من الإعراب.

فسد : فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء : حرف تأنيث مبنى لا محل له. (الأرض) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٢) يرجع إلى : شرح أبيات مغنى اللبيب ٢ ـ ٣٥٣ ، ٣٦٦.

٢١٧

ب ـ موقع الابتدائية :

يكون ما بعد حرف الجرّ مبتدأ فى موضعين :

ـ فى نحو القول : بحسبك قول السّوء (١) ، حيث (الباء) حرف جر زائد مبنى ، لا محلّ له من الإعراب ، و (حسب) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

ـ وكذلك بعد (ربّ) فى نحو قول الشاعر :

ربّه فتية دعوت إلى ما

يورث المجد دائبا فأجابوا (٢)

حيث (رب) حرف جر شبيه بالزائد مبنى ، والضمير مبنى فى محلّ رفع ، مبتدأ.

وقد تنوب الواو عن (رب) ، ويجرّ المبتدأ بعدها ، كما هو فى قول أبى بصير الأعشى ميمون بن جندل :

وقصيدة تأتى الملوك غريبة

قد قلتها ليقال من ذا قالها؟ (٣)

__________________

(١) ارجع إلى : الكتاب ٢ ـ ٢٩٣ / شرح المفصل ابن يعيش ٨ ـ ٢٣ / الجنى الدانى ٥٣.

(٢) شذور الذهب ١٣٣ رقم ٦٥ / أوضح المسالك رقم ٢٩٣.

(ربه) حرف جر شبيه بالزائد ، وضمير الغائب مبنى ، مبتدأ فى محل رفع مقدر. (فتية) تمييز للضمير منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (دعوت) فعل ماض مبنى على السكون ، وتاء الفاعل ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وفيه ضمير محذوف مفعول به ، والتقدير : دعوته أو دعوتهم ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (إلى) حرف جر مبنى. (ما) اسم موصول مبنى فى محل جر ، وشبه الجملة متعلقة بالدعوة. (يورث) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (المجد) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (دائبا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (فأجابوا) الفاء : حرف عطف مبنى لا محل له. (أجابوا) فعل ماض مبنى على الضم ، أو على الفتح المقدر. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل رفع بالعطف على جملة (دعوت).

(٣) شذور الذهب ١٤٦ رقم ٦٨ / قطر الندى رقم ٢٢.

(وقصيدة) الواو : واو رب حرف جر شبيه بالزائد ، لا محل له من الإعراب. قصيدة : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد. (تأتى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى ، والجملة الفعلية فى محل جر ، نعت لقصيدة على اللفظ ، وفى محل رفع ، نعت على المحل. (غريبة) نعت ثان لقصيدة

٢١٨

(الواو) واو رب حرف شبيه بالزائد مبنى ، لا محل له من الإعراب ، (قصيدة) مبتدأ مرفوع مقدرا ، وتروى صفته (غريبة) بالجرّ على اللفظ ، وبالرفع على المحلّ.

ـ وبعد (من) الاستغراقية الجارة يجر المبتدأ ، ويكون فى محلّ رفع ، كما هو فى قوله تعالى : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ٦٢] ، حيث (من) حرف جر زائد استغراقى مبنى ، (إله) مبتدأ مرفوع مقدرا ، وجاز الابتداء به لأنه مسبوق بنفى واستغراق.

(ج) اسم (ليس):

زيد حرف الجر (الباء) فى اسم (ليس) المؤخر فى قول محمود الورّاق :

أليس عجيبا بأنّ الفتى

يعاب ببعض الذى فى يديه (١)

__________________

مجرور على اللفظ ، ومرفوع على المحل. (قد) حرف تحقيق مبنى ، لا محل له. (قلتها) فعل ماض مبنى على السكون ، وتاء الفاعل ضمير مبنى فى محل رفع فاعل ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (ليقال) اللام : حرف تعليل مبنى لا محل له من الإعراب ، متعلق بالقول. يقال : فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، مبنى للمجهول. (من) اسم استفهام مبنى فى محل رفع مبتدأ ، أو خبر مقدم. (ذا) اسم موصول مبنى فى محل رفع خبر. أو مبتدأ مؤخر. (قالها) فعل وفاعل مستتر وضمير مفعول ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، والجملة (من ذا) فى محل رفع نائب فاعل ليقال. ويجوز أن تحتسب (من ذا) استفهامية فى محل رفع مبتدإ ، وجملة (قالها) فى محل رفع خبر المبتدإ ، والجملة الاسمية فى محل رفع نائب فاعل. والمصدر المؤول (أن يقال) فى محل جر باللام ، وشبه الجملة (ليقال من ذا قالها) متعلقة بالقول : (قد قلتها).

(١) الكامل ٢ ـ / ١٧٥ أمالى القالى ١ ـ ١٠٨ / شرح أبيات المغنى ٢ ـ ٣٨٥.

(أليس) الهمزة حرف استفهام مبنى ، لا محل له من الإعراب. ليس : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح. (عجيبا) خبر ليس مقدم منصوب ، وعلامة نصبة الفتحة. (بأن) الباء : حرف جر زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أن) حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (الفتى) اسم أن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (يعاب) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر أن ، والمصدر المؤول فى محل نصب ، اسم أن مؤخر. (ببعض) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلق بالعيب ، (الذى) اسم موصول مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (فى يديه) فى : حرف جر مبنى ، ويدى : اسم مجرور ، وعلامة جره الياء لأنه مثنى ، وهاء الغائب ضمير مبنى فى محل جر ، مضاف إليه ، وشبه الجملة صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. أو متعلقة بفعل محذوف صلة الموصول.

٢١٩

المصدر المؤول (بأن الفتى يعاب) اسم (ليس) مؤخر فى محل رفع مقدر ، لأنه قد سبقه حرف الجرّ الزائد (الباء) ، وخبر ليس مقدم منصوب (عجيبا).

(د) محلية الرفع فى خبر المبتدإ :

يذكر زيادة حرف الجر الزائد (الباء) فى خبر المبتدإ الموجب فى قول عبيدة بن ربيعة :

فلا تطمع أبيت اللعن فيها

ومنعكها بشىء يستطاع (١)

(بشىء) خبر المبتدإ (منع) ، والباء فيه حرف جر زائد مبنى لا محل له ، ويفيد التوكيد والإلصاق ، و (شىء) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

ومنه قول الفرزدق فى إحدى روايتيه :

يقول إذا اقلولى عليها وأقردت

ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم (٢)

حيث زيدت الباء فى خبر المبتدإ بعد (هل) ، فأخو مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة ، وخبره (بدائم) فيه الباء حرف جر زائد ، ودائم خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

__________________

(١) الجنى الدانى ٥٥ / مغنى اللبيب ١ ـ ١١٠ / شرح أبيات المغنى ٢ ـ ٣٨٥.

(لا) حرف نهى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تطمع) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت. (أبيت) فعل ماض وضمير فاعل مبنيان ، و (اللعن) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والجملة الفعلية اعتراضية دعائية ، لا محل لها من الإعراب. (فيها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بتطمع. (ومنعكها) الواو : ابتدائية حرف مبنى ، لا محل لها من الإعراب. منع : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والكاف : ضمير مبنى مضاف إليه فى محل جر ، وهو مفعول أول ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به ثان. أو منصوب على نزع الخافض. والتقدير : ومنعك منها. (بشىء) الباء : حرف جر زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. شىء : خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. (يستطاع) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية فى محل رفع نعت لشىء على المحل ، وفى محل جر على اللفظ.

(٢) همع الهوامع : ١ ـ ١٢٧ / الدرر اللوامع : ٢ ـ ١٢٦ ، ٥ ـ ١٣٩.

٢٢٠