النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

والمعنى : أينا فارس. وقول الآخر :

ألا تسألون الناس أيى وأيكم

غداة التقينا كان خيرا وأكرما؟ (١)

والمعنى كذلك : أينا كان خيرا.

دلالة (أى) ونوع ما تضاف إليه :

دلالة (أى) بين كونها موصولة أو شرطية أو استفهامية أو منعوتا بها أو حالية تحدد ما تضاف إليه بين التنكير والتعريف ، ذلك على النحو الآتى :

ـ إذا كانت (أى) موصولة فإنها يجب أن تضاف إلى معرفة بخاصة ؛ لأن الموصولة يراد بها واحد بعينه ، و (أى) لا تقوم بهذه الدلالة لتوغلها فى الإبهام ؛ لذا لا بد من إضافتها إلى المعرفة ـ حينئذ ـ. فتقول : كافأت أيّهم حصل على درجات مرتفعة. وتكون (أى) اسما موصولا منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة عند من يعربها ، ومبنيا على الضم عند من يبنيها.

ـ إذا كانت (أى) منعوتا بها أو حالا فإنها يجب أن تضاف إلى نكرة بخاصة ، ذلك لأنه لا ينعت بها إلا النكرة ، كما أن الحال يجب أن تكون نكرة ؛ لذا وجب إضافتها إلى النكرة ـ حينئذ ـ. فتقول : أعجبت بطالب أىّ طالب ، حيث (أى) نعت لطالب مجرور ، وعلامة جره الكسرة. وتلحظ إضافتها إلى النكرة (طالب).

وهو اللفظ المنعوت ذاته.

__________________

(١) الموضع السابق.

(ألا) حرف استفتاح أو تحضيض مبنى لا محل له. (تسألون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (الناس) مفعول به أول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (أيى) مبتدأ مرفوع مقدرا. وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. (وأيكم) عاطف ومعطوف ، ومضاف إليه. (غداة) ظرف زمان منصوب. (التقينا) فعل ماض مبنى على السكون. وضمير المتكلمين مبنى فى محل رفع فاعل. والجملة فى محل جر بالإضافة. والظرف متعلق بالخيرية. (كان خيرا) فعل ناسخ ، واسمه ضمير مستتر ، وخبره المنصوب خيرا ، والجملة فى محل رفع خبر (أى) ، وجملة (أيى وأيكم كان خيرا) فى محل نصب ، مفعول به ثان لتسأل. (وأكرما) حرف عطف ومعطوف على خير منصوب ، والألف للإطلاق حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب.

٣٦١

وتقول : صادقت محمدا أىّ طالب. بنصب (أى) على الحالية من المعرفة محمد ، وتلحظ إضافة (أى) إلى النكرة (طالب).

ـ إذا كانت (أى) استفهامية أو شرطية فإنها تضاف إلى المعرفة والنكرة على السواء. يذكر ابن مالك :

وإن تكن شرطا أو استفهاما

فمطلقا كمّل بها الكلاما

مثال الاستفهامية قوله تعالى : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [النمل : ٣٨] ، حيث (أى) اسم استفهام مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وقد أضيف إلى ضمير المخاطبين (كم).

ومثال إضافة (أى) الاستفهامية إلى النكرة قوله تعالى : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ) [الجاثية : ٦]. (أى) اسم استفهام مجرور بالباء ، وعلامة جره الكسرة. وتلحظ إضافته إلى النكرة (حديث).

ومثال إضافة (أى) الشرطية إلى المعرفة قوله تعالى : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) [القصص : ٢٨] ، (أى) اسم شرط جازم مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وتلحظ أن (ما) زائدة ، وأن (أى) مضافة إلى المعرفة (الأجلين).

ومثال إضافتها إلى النكرة أن تقول : أىّ مواطن تتعامل معه فهو أخ لك. (أى) اسم شرط جازم مبتدأ مرفوع وعلامة ، رفعه الضمة ، وقد أضيف إليه النكرة (مواطن).

(أى) والقطع عن الإضافة :

تنقسم (أى) من حيث قطعها عن الإضافة إلى قسمين :

أولهما : ما لا يجوز فيه قطع (أى) عن الإضافة لفظا ومعنى ، وهو (أى) المنعوت بها والواقعة حالا.

٣٦٢

والآخر : ما يجوز قطعه عن الإضافة لفظا دون المعنى ، وهو (أى) الشرطية ، والاستفهامية ، والموصولة.

ومن قطع (أى) الشرطية عن الإضافة لفظا لا معنى قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠] ، حيث (أى) اسم شرط جازم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو منوىّ فيه إضافته ، والتقدير : أىّ الاسمين ...

والقول : قلت ثم أى ..؟ ، والتقدير : ثم أى الناس ..؟ فأى اسم استفهام مبتدأ ، والمضاف إليه محذوف ، وهو منوى فيه الإضافة.

والقول : افهم أيا أسهل ، أى : أىّ الدروس هو أسهل. فأى اسم موصول منصوب منوى فيه الإضافة.

مع :

يغلب استعمال (مع) مضافا ، فيكون ظرفا دالا على مكان الاجتماع وزمانه ، حيث تقول : جلس محمود مع علىّ ، فتدلّ (مع) على مكان جلوس محمود بصحبة علىّ. لذا فإنها ـ هنا ـ ظرف منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، كما تقول : جئتك مع شروق الشمس ، فتكون ظرف زمان منصوبا.

عند تجرد (مع) من الإضافة فإنه ينوّن ، ويكون منصوبا على الحالية ـ على الأرجح ـ ويكون بمعنى (جميعا) ، وتستعمل للاثنين وللجماعة ، حيث تقول : جاء محمود وعلىّ معا ، أى : (جميعا) ، وتقول : خرج الإخوة والأخوات معا ، أى : (جميعا) ، وتعرب (معا) حالا منصوبة. ومنه قول الشاعر :

فلمّا تفرقنا كأنى ومالكا

لطول اشتياق لم نبت ليلة معا

حيث (معا) مجردة من الإضافة ، فنونت ، ونصبت على الحالية.

وقد تجرّ بـ (من) ، كقولهم : ذهبت من معه (١).

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ٤٥.

٣٦٣

ملحوظة :

(مع) يلزمها مصطحبان فأكثر ، فإذا ذكر أحد المصطحبين قبلها لزمتها الإضافة ، ذلك لأن المصطحب الآخر الذى لم يذكر قبلها يلزمه ذكره بعدها ، وذلك عن طريق الإضافة ، فتقول : جلس محمود مع سمير ، وتناقش الأساتذة مع طلبتهم والحاضرين معهم ... إلخ.

وإذا ذكر المصطحبان قبلها لم يتبقّ ما تضاف إليه فتفرد وتنصب منونة ، حيث تقول : جلس محمود وسمير معا ، وتناقش الأساتذة وطلبتهم والحاضرون معا.

ثانيا : ٢ ـ بـ ـ ٢ : ما يجوز قطعه عن الإضافة فيبنى على الضم :

ذكرنا أنه من الأسماء الملازمة للإضافة إلى الاسم ما يجوز أن يقطع عن الإضافة لفظا لا معنى ، أى : أن المضاف إليه لا يذكر لفظه لكنه منوىّ ، ويقدر فى المعنى واللفظ ، ويوجب هذا القطع فى اللفظ دون المعنى بناء الاسم المضاف على الضم ، حيث لا يستغنى عن الإضافة. وهذه الأسماء هى : غير ، والظروف المبهمة غير المحدودة ، وما جرى مجراها من الأسماء المبهمة من نحو : عل ، وحسب ، وأول ، وذلك على التفصيل الآتى :

غير :

(غير) فيها معنى البدل ، وهى من الأسماء الملازمة للإضافة إلى المظهر والمضمر ، وهى اسم يدل على مخالفة ما قبله لما بعده ، وهى إما أن تكون مضافة لفظا ومعنى ، وإما أن تقطع عن الإضافة لفظا لا معنى إذا تقدم عليها (ليس) بخاصة.

و (غير) المضافة تستعمل على وجهين :

أولهما : أن تكون فى معنى الصفة ، سواء أكانت فى موقعية النعت ، أم الخبر ، أم الحال ، أم النعت المقدر ، وهى فى حال النعت تصف نكرة أو معرفة قريبة من النكرة ، وذلك لتوغّل (غير) فى الإبهام. ومن ذلك : (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ)

٣٦٤

[الأنعام : ٤٦] ، حيث (غير) نعت للنكرة (إله) مرفوع ، وهو مضاف ، ولفظ الجلالة (الله) مضاف إليه مجرور.

وقوله : (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) [يونس : ١٥] ، (غير) المضافة إلى اسم الإشارة المعرفة نعت للنكرة (قرآن) مجرور.

وقوله : (ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) [هود : ٦٥] ، (غير) المضافة إلى النكرة (مكذوب) نعت للنكرة (وعد) مرفوع.

ومن النعت : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) [النساء : ٥٦].

ومن وقوعها خبرا قوله تعالى : (وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) [التوبة : ٣] ، (غير) المضافة إلى النكرة (معجزى) خبر (أن) مرفوع.

ومن وقوعها حالا قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة : ١٧٣] (١) (غير) المضافة إلى النكرة (باغ) حال منصوبة. والحال والخبر إنما هما صفتان معنويتان لصاحب الحال والمبتدإ.

ومن النعت المقدر بحذف منعوته قوله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢]. والتقدير : من عند إله غير الله ، و (غير) مضاف إليها مجرور.

وقوله تعالى : (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) [الأنفال : ٧](٢).

أى : أنّ طائفة غير ذات الشوكة. (غير) اسم أن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

__________________

(١) (من) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ. (اضطر) فعل الشرط ماض مبنى على الفتح ، ونائب فاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (غير) حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة. (باغ) مضاف إليه مجرور مقدرا. (ولا عاد) عاطف مبنى. وحرف نفى مبنى ، ومعطوف على باغ مجرور مقدرا. (فلا) الفاء حرف مبنى لا محل له ربط بين الشرط وجوابه ، لا : نافية للجنس حرف مبنى لا محل له. (إثم) اسم لا النافية للجنس مبنى على الفتح فى محل نصب. (عليه) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل رفع خبر لا النافية أو متعلقة بخبرها المحذوف ، وجملة لا مع معموليها فى محل جزم ، جواب الشرط ، وجملتا الشرط والجواب فى محل رفع ، خبر المبتدإ.

(٢) (تودون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ،

٣٦٥

والآخر : أن تكون استثناء ، كأن تقول : قرأت الدروس غير درس ، وأجبت عن الأسئلة غير السؤال الأول. (غير) فى الموضعين منصوبة على الاستثناء.

قد تقطع (غير) عن الإضافة لفظا لا معنى إذا تقدمها (ليس) بخاصة ، وحينئذ تبنى (غير) على الضم ، فتقول : أنفقت عشرة جنيهات ليس غير. (غير) خبر ليس مبنى على الضم فى محل نصب ، وهو مقطوع عن الإضافة لفظا لا معنى ، والتقدير : ليس المنفق غير هذا المبلغ.

وقيل : قد تكون (غير) هنا مبنية فى محل رفع اسم (ليس) ، وخبرها محذوف ، والتقدير : ليس غير هذا منفقا. وقد تكون معربة بالرفع على أنها اسم ليس ، أو بالنصب على أنها خبرها ، والركن الآخر محذوف.

ومثل ذلك : (لا غير) ، فى القول : أنفقت عشرة جنيهات لا غير ، ويذكر ابن هشام أن مثل هذا التركيب لم يتكلم به العرب ، فربما تكلموا به عن طريق القياس ، أو السهو (١).

وتلحق (غير) بالأسماء ناقصة الدلالة من نحو (بين ، ودون ، ومثل ـ على الأرجح ـ والغايات ، ...) فى كونها يجوز بناؤها إذا أضيفت إلى مبنى

(غير) معرفة :

ذكرنا أن غيرا موغلة فى الإبهام ، ولا تتعرف بالإضافة إلا فى تركيب واحد ، وهو إذا كان المضاف إليه له ضدّ واحد يعرف بغيريّته ، نحو : عليك بالحركة غير

__________________

فاعل (أن) حرف ناسخ للتوكيد مبنى ، لا محل له من الإعراب. (غير) اسم أن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، و (ذات) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. وهو مضاف ، و (الشوكة) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. (تكون) فعل مضارع ناسخ ناقص مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. واسمه ضمير مستتر تقديره : هى. (لكم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب خبر تكون أو متعلقة بخبر محذوف. وجملة تكون مع معموليها فى محل رفع خبر أن. والمصدر المؤول من أن ومعموليها فى محل نصب سد مسد مفعولى ود.

(١) شرح شذور الذهب ١٠٦.

٣٦٦

السكون (١) ، ويكون الضدان معرفتين ، ومنه : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧].

المبهم من الظروف والأسماء :

من الأسماء الملازمة للإضافة الظروف المبهمة ، وهى الظروف التى لا تحدّ بحدود محصورة دقيقة ، ويبين معناها من الزمان أو المكان من خلال النسبة إلى ما أضيفت إليه ، وهى ملازمة للإضافة إما لفظا ومعنى ، وإما على نية الإضافة ، وإن قطعت عنها لفظا ، وتضاف إلى المظهر والمضمر. وقد لا ينوى بها إضافة لفظية أو معنوية قصد تنكيرها.

ومن هذه الظروف : (الجهات الست) : أمام ، وقدام ، وخلف ، ووراء ، وفوق ، وتحت ، وأسفل ، ويسار ، ومنها كذلك : قبل ، وبعد ، ودون.

ومن الأسماء المبهمة : حسب ، وأول ، ومن عل ، ومن علو .. ومن النحاة من يقيس عليها : شمال ، ويمين ، وآخر ، وغير ذلك ، ومنهم من لا يرى ذلك القياس.

مثل ذلك أن تقول : وصلت إلى المحطة قبل وصول القطار ، (قبل) ظرف زمان منصوب ، وهو مضاف ، ووصول مجرور بالإضافة.

انتهيت من الكتابة قبله. أضيف الظرف (قبل) إلى ضمير الغائب.

وكذلك : لم أقل ذلك إلا بعد الحجة ، استقر الكتاب أمامه ، وقف المعلم وراء الصف ، يتوهم الواحد منهم أنه فوق غيره ، أضعف العلل ما التمس بعد المعلول.

ومنه : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) [الحديد : ١٠]. (الفتح) مضاف إلى (قبل) مجرور ، وعلامة جرّه الكسرة.

(إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ) [الواقعة : ٤٥]. اسم الإشارة (ذلك) فى محل جر بالإضافة.

(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) [البقرة : ٢٧] (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ

__________________

(١) يرجع إلى شرح الرضى ١ ـ ٢٧٥.

٣٦٧

فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) [البقرة : ١٨١] ، المصدر المؤول (ما سمعه) فى محلّ جر بالإضافة.

(قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) [الأعراف : ١٢٩]. المصدر المؤول (أن تأتينا) فى محلّ جر بالإضافة. والمصدر المؤول (ما جئتنا) فى محل جر بالإضافة.

(أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) [الكهف : ٣١].

(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) [الأنعام : ٦٥].

ويكون منها : قط وعوض :

قط :

بفتح القاف ، وتشديد الطاء مع ضمها فى أفصح اللغات بمعنى (مذ) ، وتختص بالماضى المنفى ، فهى لاستغراق الزمن الماضى المنفىّ ، فتقول : ما فعلته قط ، أى : منذ أن وجدت إلى الآن ، فهناك مضاف إليها محذوف دائما ، وهو مبنى لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى.

عوض

بفتح فسكون فضم ، وهو ظرف يستغرق الزمان المستقبلى المنفى ، فتقول : لا أفعله عوض ، وهو ظرف زمان مبنى ؛ لأنه مقطوع عن الإضافة ، مثل : قبل وبعد وقط ، وقد ذكر فى الظروف أنه يعرب مع ذكر المضاف إليه ، فيقال : عوض العائضين ، أى : دهر الداهرين.

حسب (١) :

بسكون السين ، من الأسماء الملازمة للإضافة ، وتأتى (حسب) فى التركيب فى مبنيين ، حيث تأتى مضافة لفظا ومعنى ، وقد تكون مضافة معنىّ لا لفظا ، أى :

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ / ٣٣٠ ، ٢ ـ ٢٤ ، ٢ ـ ٢٦ شرح التصريح ٢ ـ ٥٣.

٣٦٨

مقطوعة عن الإضافة ، وهى فى كل أحوالها نكرة ، ول (حسب) استعمالان فى المعنى :

أحدهما : أن تكون بمعنى (كاف) ، وحينئذ تستعمل مضافة استعمال الصفات المشتقة ، وتنعت بها النكرة ، حيث لا تتعرّف بالإضافة حملا على ما هى بمعناه ، وهو الصفة المشتقة ، فتقول : هو حسبنا ، حيث الخبر المرفوع (حسب) مضاف ، وضمير المتكلمين فى محلّ جرّ بالإضافة ، وتقول : أعجبت بطالب حسبك من طالب ، أى : كاف لك عن غيره.

كما تستعمل حالا من المعرفة ، فتقول : دافع محمد حسبك من رجل. حيث ينصب (حسب) على الحالية ، وتكون شبها الجملة (من طالب ، ومن رجل) فى محل نصب على التمييز لحسب.

كما تستعمل استعمال الأسماء الجامدة ، وحينئذ تلزم الإضافة لفظا ومعنى ، كما تلزم الابتداء والرفع ، فتقول : حسبى الله ونعم الوكيل ، حيث (حسب) بمعنى (كفى) مبتدأ مرفوع.

وتقول : بحسبك قول الصدق ، حيث (الباء) حرف جر زائد ، و (حسب) مبتدأ مرفوع مقدرا ، وضمير المخاطب مبنى فى محلّ جر بالإضافة. ويقال : وحسبك بقوم أنبلهم أخسّهم فى الرزق مرتبة ، وأعجبت برجل حسبك به من رجل.

ومن ذلك قوله تعالى : (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) [الأنفال : ٦٢]. أى : فإن كفيك الله. وتكون (حسب) اسم (إن) منصوبا ، ولفظ الجلالة خبرها.

والآخر : أن تكون بمنزلة (لا غير) فى المعنى (١) ، وحينئذ تستعمل مضافة لفظا لا معنى ، حيث ينوى لفظ المضاف إليه ، وتكون دالة على النفى ، وتقع وصفا أو حالا أو ابتداء ، وتكون مبنية على الضم بعد أن كانت معربة.

فتقول : رأيت رجلا حسب ، حيث (حسب) صفة لرجل مبنية على الضمّ فى محلّ نصب.

__________________

(١) ينظر شرح التصريح ٢ ـ ٥٣.

٣٦٩

وتقول : رأيت محمدا حسب ، حيث تكون حالا مبنية على الضمّ فى محلّ نصب. ولكنك إذا قلت : قبضت عشرة فحسب ، فإن حسبا تعرب مبتدأ مبنيا على الضمّ فى محلّ رفع ، وخبره محذوف ، والتقدير : فحسبى ذلك ، ومنه قولك : خذ هذا حسب ، وقد تعدّ فى هذين الموضعين خبرا لمبتدإ محذوف ، والتقدير : فذلك حسبى ، وقد بنيت (حسب) على الضمّ فى الأمثلة السابقة ؛ لانقطاعها عن الإضافة لفظا لا معنى.

ويجعلون دخول الفاء فى مثل هذه التراكيب للتزيين ، وهو كدخولها على (قط) ، فيقولون : فحسب كما يقولون فقط.

قط :

بفتح القاف وسكون الطاء بمعنى : حسب ، فيقال : قطى جنيه ، وقطك جنيهان ، وقط محمد جنيه ، أى حسبى ، وحسبك ، وحسب محمد ، وهى مبنية على السكون (١) ، فهى ملحقة بحسب ، وتستخدم تركيبيا مثلها.

عل :

العلو هو الفوقية ، فـ (عل) تؤدى معنى (فوق) ، لكنها تخالفها فى :

ـ (عل) لا تضاف لفظا أبدا ، أما فوق فإنها تضاف لفظا غالبا.

ـ (عل) يلزم سبقها بـ (من) الجارة.

وتستعمل (عل) استعمال (فوق) فى التركيب ، حيث :

أ ـ تعرب إذا نكّرت ، فلم ينو معها الإضافة ، وبذلك يكون معناها علوا مجهولا ، وذلك كما هو فى قول امرئ القيس :

مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطّه السيل من عل

بكسر اللام فى (عل) ، بما يدل على إعرابها وتنكيرها وعدم نية الإضافة فيها.

__________________

(١) ينظر مغنى اللبيب ١ ـ ١٧٥.

٣٧٠

ب ـ تبنى على الضمّ إذا نوى معها الإضافة ، ولكن لفظ المضاف إليها لا يذكر ، فيصبح العلوّ معلوما محدودا ، كأن تقول : جئت الدار من عل ، ببناء (عل) على الضم لانقطاعها عن الإضافة لفظا لا معنى ، والتقدير : من أعلاها ، أى : من فوقها. ومنه قول الفرزدق :

ولقد سددت عليك كلّ ثنيّة

وأتيت نحو بنى كليب من عل (١)

والتقدير : من أعلاهم ، أى : من فوقهم ، فنويت الإضافة فى (عل) ، فبنيت على الضمّ لانقطاعها عن الإضافة لفظا لا معنى.

ملحوظتان :

١ : الأسماء المبهمة بين الإعراب والبناء :

الأسماء المبهمة المذكورة سابقا من الظروف وغير الظروف لها استعمالان من حيث الإعراب والبناء.

إعرابها :

تعرب هذه الأسماء فى المواضع الآتية :

أ ـ إذا كانت مضافة لفظا ومعنى ، كما هو مذكور فى الأمثلة السابقة. كقوله تعالى : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران : ١٢٦] ، حيث (عند) اسم مجرور بعد (من) ، وعلامة جره الكسرة.

وقوله : (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [النحل : ٩٥] ، حيث (عند) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الطلاق : ١] ، (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النمل : ٤٠].

ب ـ إذا كانت مضافة ، ولم يوجد المضاف إليها ، لكنه نوى لفظه. ومنه قول الشاعر :

__________________

(١) ينظر : شرح التصريح ٢ ـ ٥٤.

٣٧١

ومن قبل نادى كلّ مولى قرابة

فما عطفت مولى عليه العواطف (١)

أى : ومن قبل ذلك ، فنوى الإضافة لفظا ومعنى ، ولذلك خفض (قبل).

ج ـ إذا كانت غير منوىّ معها الإضافة ، فتنكر وتعرب. من ذلك قول يزيد بن الصعق ، وقيل : عبد الله بن يعرب :

فساغ لى الشراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء الحميم (٢)

حيث نكّر الشاعر الظرف (قبل) ، فنوّنه منصوبا ، لأنه لم ينو معه الإضافة لفظية أو معنوية. وكذلك قول الشاعر :

ونحن قتلنا الأسد أسد خفيّة

فما شربوا بعدا على لذّة خمرا (٣)

__________________

(١) شرح ابن الناظم ٤٠٠ / شرح التصريح ٢ ـ ٥٠ / الهمع ١ ـ ٢١٠ / الأشمونى ٢ ـ ٢٦٩ ، ٢٧٤ / (مولى) الثانية بدل من ضمير الغائب فى عليه ، وقدم للضرورة.

(٢) شرح ابن يعيش ٤ ـ ٨٨ / شرح ابن الناظم ٤٠١ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٧٣ / شرح شذور الذهب ١٠٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٥٠ / وفى البيت رواية : الفرات ، ورواية : القراح.

(ساغ) فعل ماض مبنى على الفتح. (لى) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالسوغ. (الشراب) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وكنت) الواو : للابتداء أو للحال ، كان : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على السكون ، أو على الفتح المقدر ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع اسم ، كان. (قبلا) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة متعلق بأغص. (أكاد) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، واسمه ضمير مستتر تقديره : أنا. (أغص) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله مستتر تقديره : أنا. والجملة الفعلية فى محل نصب ، خبر أكاد. وجملة (أكاد أغص) فى محل نصب ، خبر كان. (بالماء) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بأغص. (الحميم) صفة للماء مجرورة ، وعلامة جرها الكسرة.

(٣) شرح ابن الناظم ٤٠١ / شرح الشذور ١٠٥ / شرح التصريح ٢ ـ ٥٠ / همع الهوامع ١ ـ ٢٠٩ / خفية : موضع.

(نحن) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (قتلنا) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدأ. (الأسد) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (أسد) بدل أو عطف بيان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (خفية) مضاف إليه مجرور. (فما) الفاء تعقيبية عاطفة حرف مبنى لا محل له. ما : حرف نفى مبنى لا محل له. (شربوا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (بعدا) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة متعلق بالشراب. (على لذة) جار ومجرور ، وشبه الجملة نصب ، حال من واو الجماعة. والتقدير متلذذين. (خمرا) مفعول به منصوب.

٣٧٢

وفيه نصب الظرف (بعد) ونون ، حيث لم ينو معه الإضافة.

بناؤها :

الظروف المبهمة وأسماء الزمان المبهمة غير المحدودة وما يجرى مجراها من الأسماء المبهمة إذا قطعت عن الإضافة لفظا لا معنى ـ أى : إذا لم يذكر لفظ المضاف إليه لكنه ينوى معناه ـ فإنها تبنى على الضمّ ، وتسمى ـ عندئذ ـ غايات ، حيث صارت بحذف ما تضاف إليه منتهى عندها.

فتقول : جلست يمين ، أو شمال ، أو : فوق ، أو : تحت ، بالضم فيهن ، والأصل : يمينك ، وشمالك ، وفوقك ، وتحتك.

من ذلك قوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤]. العامة على بنائهما على الضم ، وهما فى محل جر لانقطاعهما عن الإضافة لفظا لا معنى ، والتقدير : من قبل الغلب ومن بعده.

وقد قرئا بالكسر والتنوين ، حيث لم ينو فيهما الإضافة ، فأعربا فى موقعهما.

ومنه أن تقول : ابدأ بهذا أول ، وخذ هذا حسب (١). ومنه قول معن بن أوس :

لعمرك ما أدرى وإنّى لأوجل

على أيّنا تعدو المنيّة أول (٢)

__________________

(١) ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥١٨ / شرح التصريح ٢ ـ ٥١.

(٢) شرح التصريح ٢ ـ ٥١ / شرح الشذوذر ١٠٣ ..

(لعمرك) اللام للابتداء ، عمر : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وخبره محذوف وجوبا تقديره : قسمى ، وكاف الخطاب ضمير مبنى فى محل جر بالإضافة. (ما أدرى) حرف نفى مبنى ، وفعل مضارع مقدرا ، وفاعله مستتر تقديرة : أنا ، والجملة جواب القسم لا محل لها إعرابيا. (وإنى) واو الحال أو الابتداء. إن حرف توكيد ونصب مبنى ، وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، اسم إن. (لأوجل) اللام للتوكيد أو الابتداء أو المزحلقة. أوجل : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر إن. وجملة إن مع معموليها فى محل نصب ، حال. (على أينا) جار ومجرور ومضاف ، وشبه الجملة متعلقة بتعدو. (تعدو) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (المنية) فاعل مرفوع. (أول) ظرف زمان مبنى على الضم فى محل نصب متعلق بتعدو. والجملة الفعلية فى محل نصب بأدرى.

٣٧٣

أى : أول أوقات عدوها ، فأول مبنى على الضمّ فى محلّ نصب على الظرفية ، لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى.

ويقال : ما لقيته مذ عام أول. ببناء (أول) على الضم ؛ لأن التقدير : أول من هذا العام ، أول صفة لعام. وقول الآخر :

إذا أنا لم أو من عليك ولم يكن

لقاؤك إلّا من وراء وراء (١)

وفيه بنى الظرف المكانى (وراء) على الضم ، وهو فى محل جرّ بمن ، وبنى على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى. وقول طرفة بن العبد :

ثم تفرى اللحم من تعدائها

فهى من تحت مشيحات الحزم (٢)

أى : من تحت ذلك ، فنوى الإضافة معنى دون اللفظ ، فبنى (تحت) على الضمّ. وقول رجل من تميم :

لعن الله تعلّة بن مسافر

لعنا يشنّ عليه من قدام (٣)

بضم (قدام) ، والتقدير : من قدامه ، فلما قطع الظرف (قدام) عن الإضافة لفظا ونوى معناها بنى على الضمّ.

__________________

(١) (إذا) اسم شرط غير جازم مبنى فى محل نصب على الظرفية ، خافض لشرطه ، منصوب بجوابه. (أنا) ضمير مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل ـ على رأى جمهور النحاة ـ لفعل محذوف تقديره (أو من).

(لم) حرف نفى وجزم وقلب مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب. (أو من) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره ، أنا. والجملة مفسرة لجملة الشرط المحذوفة ، لا محل لها من الإعراب. (عليك) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالإيمان. (ولم) حرف عطف مبنى ، وحرف نفى جازم مبنى ، لا محل لهما من الإعراب. (يكن) فعل مضارع ناقص مجزوم ، وعلامة جزمه السكون. (لقاؤك) اسم كان مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (إلا) حرف حصر مبنى ، لا محل له من الإعراب ، (من) حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. (وراء) ظرف مكان مبنى على الضم فى محل جر بمن ؛ لأنه مقطوع عن الإضافة لفظا لا معنى. (وراء) توكيد للسابقة مبنى على الضم فى محل جر. وشبه الجملة (من وراء) فى محل نصب ، خبر يكون ، أو متعلقة بخبر يكون المحذوف.

(٢) شرح التصريح ٢ ـ ٥٢ / شرح الشذور ١٠٤ /. (مشيحات) خبر المبتدإ (هى).

(٣) شرح التصريح ٢ ـ ٥١ / تعلة : اسم رجل ، وهو مفعول به منصوب ، (لعنا) مفعول مطلق منصوب. وجملة (يشن) فى محل نصب ، نعت للعن.

٣٧٤

وقول الفرزدق :

ولقد سددت عليك كلّ ثنيّة

وأتيت فوق بنى كليب من عل

حيث ذكرت (عل) مبنية على الضمّ ، مما يدلّ على انقطاعها عن الإضافة لفظا لا معنى ، والتقدير : من علهم ، أى : من فوقهم.

ومنه قوله تعالى : (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) [التين : ٧] ، (بعد) ظرف زمان مبنى على الضم فى محل نصب ، وبنى على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى ، والتقدير : بعد ذلك.

وكذلك : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) [مريم : ٦٧](١).

(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) [الحديد : ١٠].

ونية الإضافة فى هذه الأسماء المبهمة لها علاقة أكيدة بالمعنى الذى تؤديه هذه الأسماء فى التركيب ؛ فمثلا (عل) إذا أردت بها علوا معينا ، وذكرت مفردة ، فإنه يقدر فيها الإضافة ـ حينئذ ـ فتقول : أتى الأعداء إلينا من أسفل ففاجأناهم من عل. ببناء (عل) على الضم ، ذلك لأنه علوّ معين معلوم ، والتقدير : من أعلاهم.

فإذا كان العلوّ مجهولا فإنها تعرب ، كما ذكرت فى قول امرئ القيس :

مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطّه السيل من عل (٢)

__________________

(١) (أولا) الهمزة استفهامية. الواو : حرف عطف. لا : حرف نفى. كلها مبنية لا محل لها من الإعراب.

(يذكر) فعل مضارع مرفوع. (الإنسان) فاعل مرفوع. (أنا) حرف توكيد ونصب مبنى. وضمير المتكلمين فى محل نصب ، اسم أن. (خلقناه) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (من قبل) حرف جر مبنى ، واسم مبنى على الضم فى محل جر لا نقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى. (ولم) الواو : للابتداء أو للحال ، لم : حرف نفى مبنى. (يك) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة. واسمه ضمير مستتر تقديره : هو. (شيئا) خبر كان منصوب. والجملة فى محل نصب ، حال.

(٢) (معا) حال منصوبة. (حطه السيل) جملة فى محل جر نعت لجلمود ، وقد تكون فى محل نصب ، حال منه ؛ لأنه نكرة مخصصة.

٣٧٥

فوردت (عل) مجرورة بمن ، وعلامة جرّها الكسرة ؛ لأن الشاعر لا يريد علوا خاصا ، وإنما يريد أىّ علوّ غير محدود ، فنكّرها.

٢ ـ الغايات والإضافة إلى الجملة :

الملازم للإضافة إلى الأسماء من الغايات سواء أكانت أسماء زمان مبهمة غير محدودة ، أم كانت غيرها ، إذا أضيفت إلى الجملة فإنها يجب أن تكفّ بـ (ما).

ومنه قول المرار الأسدى :

أعلاقة أمّ الوليد بعد ما

أفنان رأسك كالثغام المخلس (١)

حيث أضيفت (بعد) إلى الجملة الاسمية (أفنان رأسك كالثغام) ففصل بينهما بـ (ما) الكافة.

ومنه قولك : أول ما رأيته أقبلت عليه. كفّت (ما) الاسم المبهم (أول) حيث إضافته إلى الجملة الفعلية (رأيته).

ثانيا ـ ٣ : تراكيب خاصة (لدن ومذ ، وبينا وأفعل التفضيل):

ثانيا : ٣ ـ أ : (لدن):

من الأسماء الملازمة الإضافة إلى الاسم (لدن) ، لكنه يدرس فى قسم خاصّ لأن له من التراكيب ما لا يوجد مع غيره ، حيث إنه قد يضاف إلى المظهر وإلى المضمر ، كما قد يضاف إلى المصدر المؤول من (أن) والفعل ، وإنه ليقع فى تركيب ينفرد به ، وهو أن يذكر فيه بعد (لدن) (غدوة) بخاصة. وذلك على التفصيل الآتى : و (لدن) قد يكون بمعنى (عند) ، فيكون ظرفا دالا على مكان الحضور وزمانه ، والظرف (لدن) لابتداء الغاية ؛ لأنه لا يطلق إلا على أمكنة أو أزمنة أو غيرهما من الذوات هى مبدأ فعل ، فليس الظرف (لدن) بمعنى (عند) مطلقا ، فإذا جاز القول :

__________________

(١) أمالى الشجرى ٢ ـ ٢٤٢ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٢١ / الخزانة ٤ ـ ٤٥٣ / شرح أبيات المغنى للبغدادى ٥ ـ ٢٦٩.

٣٧٦

جلست عنده ، فإنه لا يجوز : جلست لدنه ، لأنه ليس ابتداء غاية. وهو مبنّى دائما على السكون.

وقد يجر بـ (من) ، وهو الغالب فيه ، وهو ملازم للإضافة فى الحالين ، باستثناء ذكر (غدوة) بعده.

ومنه قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) [النمل : ٦] ، حيث.

(لدن) مضاف إلى الذات العلية (حكيم) ، وهو دال على ابتداء الغاية ، ويضاف إلى الزمان الصريح ، كما فى قول الشاعر :

تنتهض الرّعدة فى ظهيرى

من لدن الظّهر إلى العصير (١)

وتضاف ـ غالبا ـ إلى الأسماء ، كما تضاف إلى المصدر المؤول من (أن) وصلته ، كما هو فى قوله :

وليت فلم تقطع لدن وليتنا

قرابة ذى قربى ولا حقّ مسلم (٢)

حيث أضيف المصدر المؤول (أن وليتنا) إلى (لدن) ، فهو فى محل جر بالإضافة ، ويؤول بالمصدر الصريح : (ولايتك إيانا).

وقد تضاف ـ قليلا ـ إلى الجملة ، ومن إضافتها إلى الجملة الاسمية قول الشاعر :

تذكّر نعماه لدن أنت يافع

إلى أنت ذو فودين أبيض كالنّسر (٣)

حيث الجملة الاسمية (أنت يافع) أضيف إليها (لدن).

ومن إضافته إلى الجملة الفعلية قول القطامى :

__________________

(١) ينظر : شرح ابن عقل ٢ ـ ٦٨ / الأشمونى ٢ ـ ٢٦٢ / الهمع ١ ـ ٢١٥.

ظهير : تصغير (ظهر) للإنسان ، العصير : تصغير (العصر) ، الوقت.

(٢) ينظر : همع الهوامع ١ ـ ٢١٥ / الدرر ١ ـ ١٨٤ / البحر المحيط ٢ ـ ٣٧٢.

(٣) ينظر فى الموضعين السابقين.

٣٧٧

صريع غوان راقهنّ ورقنه

لدن شبّ حتى شاب سود الذوائب (١)

حيث الجملة الفعلية (شب) أضيف إليها (لدن). وكذلك قول الشاعر :

لزمنا لدن ساءلتمونا وفاقكم

فلايك منكم للخلاف جنوح (٢)

والغالب فى (لدن) أن يسبق بحرف الجرّ (من) ، ولم تأت فى القرآن الكريم إلا فى محل جرّ به ، ومنه قوله تعالى : (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) [الكهف : ١٠] (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٤٠] ، (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود : ١].

وقد تفصل (لدن) عما أضيفت إليه بـ (أن) ، وتكون مصدرية عند من يذهب إلى إضافة (لدن) إلى المصدر بخاصة ، وإن أضيفت إلى جملة فعلية ؛ فتكون على تقدير حذف (أن) المصدرية. وتكون (أن) زائدة عند من يرى وجوب إضافة (لدن) إلى الجملة الفعلية.

ومنه قول الشاعر السابق :

وليت فلم تقطع لدن أن وليتنا

قرابة ذى قربى ولا حقّ مسلم

وقول الأعشى :

أرانى لدن أن غاب رهطى كأنما

يرانى فيهم طالب الحقّ أرنبا (٣)

والظرف (لدن) مبنىّ ـ على الرأى الأرجح والمقبول ـ وسبب بنائه شبهه بالحروف فى لزوم استعمال واحد ، وامتناع الإخبار به.

وفيه لغات عشر كلّها مبنية ، وهى : لدن (بضم الدال وفتحها وكسرها مع فتح اللام وسكون النون) ، لدن (بسكون الدال وضمها مع فتح اللام وكسر النون).

__________________

(١) ديوانه ٥٠ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٢٦٦ / شرح التصريح ٢ ـ ٤٦ / أوضح المسالك ٢ ـ ٢٠٧ / الذوائب : جمع ذؤابة ، وهى الضفيرة من الشعر.

(٢) المساعد ٢ ـ ٣٥٨ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٢٦٥ ، ٥٢٦.

(٣) ديوانه ٨٩ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٢٦٦.

٣٧٨

لدن (بفتح فسكون ففتح) ، لد (بفتح فضم) ، لد (بفتح فسكون) ، لد (بضم فسكون) ، لت (بإبدال الدال تاء ساكنة).

والظرف (لدن) ملازم للإضافة لفظا ومعنى ، لكنه قد يفرد عن الإضافة لفظا لا معنى مع لفظ (غدوة) ، وتكون (لدن) معها مثبتة النون بخاصة ، وتنصب (غدوة) أو ترفع ، ومنه قول حسان بن ثابت :

وما زال مهرى مزجر الكلب منهم

لدن غدوة حتى دنت لغروب (١)

حيث ذكر (غدوة) منصوبة بعد (لدن) ، ونصبها إما على حذف (كان) مع اسمها فتكون خبرها ، وإما منصوبة على التمييز ، وهى منونة فى الحالين ، وقد ترفع (غدوة) على أنها فاعل (كان) التامة المحذوفة.

والحاصل أن (غدوة) بعد (لدن) لها ثلاث أحوال : إما الجر على الإضافة ، وإما النصب ، وإما الرفع.

والخصائص السابقة هى التى تتميّز بها (لدن) من (عند) ، حيث (٢) :

ـ يكثر جرّ (لدن) بـ (من) ، ونصبها قليل ، و (عند) نقيض ذلك.

ـ تكون (لدن) مبنية دائما على السكون ، لكن (عند) معربة دائما.

ـ تلزم (عند) الإضافة إلى المفرد ، أما (لدن) فإنها تضاف إلى الاسم والجملة.

ـ يجوز أن تفرد (لدن) عن الإضافة إذا تلاها (غدوة) ـ بخاصة ـ منصوبة أو مرفوعة ، أما (عند) فلا ينصب بعدها المفرد.

ـ (لدن) فضلة دائما ، أما (عند) فقد تكون فضلة وعمدة.

__________________

(١) ديوانه ٤٥ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٦٨ / شرح التصريح ٢ ـ ٤٦ / العينى ٣ ـ ٤٢٩.

مزجر الكلب : تركيب بلاغى المراد منه البعد. وأصله : اسم مكان من الزجر. (مزجر) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وشبه الجملة فى محل نصب خبر ما زال. (لدن) ظرف زمان مبنى فى محل نصب ، (غدوة) تمييز لدن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (منهم) شبه جملة متعلقة بمزجر (لغروب) شبه جملة متعلقة بالدنو.

(٢) ينظر : التصريح ٢ ـ ٤٥.

٣٧٩

مذ ومنذ :

(مذ ومنذ) يختصان بالزمان ، وهما يدلان على الزمان الماضى ، أو الحاضر ، أو المدة الزمنية لحدث ما ، وذلك طبقا لبنية التركيب ، وكيفية نطق ما بعدهما ، وهما يؤديان ابتداء الغاية فى الزمان ، يجعلها النحاة مترددين بين الحرفية والاسمية ، فى حال كونيها اسما فإنهما يدلان على الزمان ؛ إما بكونهما اسمى زمان ، فيكونان مرفوعين على الابتدائية ، أو على الخبرية المقدّمة ، وقد يحتسبان ـ حينئذ ـ ظرفى زمان متعلقين بما قبلها ، ويكون ما بعدهما مضافا إليهما.

وهما ـ فى إيجاز ـ يقعان فى أربعة تراكيب طبقا لضبط ما بعدهما ؛ مع مراعاة بنيته ، جعلناها خمسة عند دراستهما فى المفعول فيه ، والتراكيب الأربعة تتنوع كما يأتى : إما أن يكون ما بعدهما اسما مرفوعا ، وإما أن يذكر بعدهما جملة اسمية أو فعلية ، وإما أن يذكر بعدهما اسم مجرور. وإما أن يكون بعدهما مصدر مؤول ، أو مصدر صريح دال على وقت معين. ومن الأوجه الإعرابية فى هذه التراكيب أن يكونا مضافين إلى ما بعدهما باحتساب الاسم المرفوع فى التركيب الأول فاعلا محذوف الفعل ، والجملة فى محل جر بالإضافة إليهما ، أو : إلى كلمة (زمن) المقدرة مضافا ، أو هما مضافان إليها ، وكذلك الجملة فى التركيب الثانى ، أما فى التركيب الثالث فإنهما قد يحتسبان ظرفا جارا للاسم الذى يليهما بإضافتيهما إليه ، وفى كلّ أوجه إعرابية أخرى مذكورة فى المفعول فيه.

مثال ذلك قولك : ما رأيته مذ يومان. قد يعرب (يومان) فاعلا لفعل محذوف ، والتقدير : مذ كان يومان ، والجملة فى محلّ جرّ بالإضافة (١).

وتقول : ما قابلنى منذ تخرجنا من الجامعة ، فتكون الجملة الفعلية (تخرجنا) فى محلّ جرّ بالإضافة ، أو إلى (زمن) مضاف إليه (٢).

__________________

(١) قد يحتسب (يومان) مبتدأ مؤخرا ، خبره المقدم الظرف (مذ) ، وقد يحتسب خبرا للمبتدأ (مذ). وقد يحتسب خبرا لمبتدإ محذوف ، والجملة صلة (ذو).

(٢) قد تحتسب الجملة فى محلّ رفع ، خبر للمبتدإ (منذ).

٣٨٠