النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

النّدبة (١)

النّدبة ـ بالضم : هى النواح على الميت بذكر خصاله الحميدة ، وتعديد محاسنه ، وأكثر من يتكلم بها النساء لضعفهن عن احتمال المصائب.

والمندوب : هو المتفجع عليه إظهارا للحزن عليه ، أو المتوجع منه ، وهو محلّ الألم ، أو المتوجع له ، وهو سبب الألم ، بواسطة (وا) ، أو (يا) ، فالمندوب مدعوّ ؛ لكن على معانى غير معنى النداء ، ويختتم بألف ، أو ألف وهاء ، ليكون المندوب بين صوتين مديدين ، فيكون أكثر تناغما مع معنى الندبة.

ومن الأول قولك : وا علياه ، ومن الثانى قولك : وا ظهراه ، وا مصيبتاه.

وللعرب لغة أخرى فى المندوب ، وهو أن تنطقه على صورة المنادى.

لكن الصورة الأولى أكثر ملاءمة لمعنى الندبة ، وأوفق اختصاصا بها.

ومن التفجع لفقدان المندوب قول جرير يرثى عمر بن عبد العزيز ـ رضى الله عنه.

نعى النعاة أمير المؤمنين لنا

يا خير من حجّ بيت الله واعتمرا

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٢٢٠ وما بعدها / المقتضب ٤ ـ ٢٦٨ وما بعدها / الواضح ١٨٥ / اللمع فى العربية ٢٠٢ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٦٢ / شرح عيون الإعراب ٢٧٢ / المفصل ٤٤ / أسرار العربية ٢٤٣ / المقدمة الجزولية فى النحو ٢٠١ / شرح ابن يعيش ١ ـ ١٣١ ، ٢ ـ ١٣ / الإيضاح في شرح المفصل ١ ـ ٢٨٣ / المقرب ١ ـ ١٨٤ / التسهيل ١٨٥ / شرح عمدة الحافظ ١٨٤ / الإرشاد إلى علم الإعراب ٢٨٦ / شرح ابن الناظم ٥٩١ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ١٠٥٧ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٢٨٢ / المساعد على تسهيل الفوائد ٢ ـ ٥٣٤ / شفاء العليل ٢ ـ ٨١٩ / الجامع الصغير ٩٩ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٦٧ / شرح القمولى على الكافية ١ ـ ٩٩ / الفوائد الضيائية ١ ـ ٣٤٦ / ارتشاف الضرب ٣ ـ ١٤٣ / كشف الوافية فى شرح الكافية ١٩٢ / شرح التصريح ٢ ـ ١٨١ / الهمع ١ ـ ١٩١ والندبة يجوز أن تكون من النّدب ـ بإسكان الدال ـ والمقصود به الدعاء ، وكأنه بأسلوب الندبة تدعو غيرك ليشاركك ما أنت فيه. وإما من الندب ـ بفتح الدال ـ والمقصود به أثر الجرح ، فاستعمل في التفجع والحزن ، وهذا الجانب الدلالىّ أكثر شيوعا.

٨١

حملت أمرا عظيما فاصطبرت له

وقمت فيه بأمر الله يا عمرا (١)

حيث المندوب (عمر) هو المتفجع عليه حقيقة ، باستخدام (يا) وإلحاق ألف الندبة فى آخره.

ومن التوجع من محل الألم قول قيس العامرى :

فواكبدا من حبّ من لا يحبّنى

ومن عبرات ما لهنّ فناء (٢)

وقد يكون التوجع من سبب الألم كقول عبيد الله بن قيس الرقيات :

تبكيهم دهماء معولة

وتقول سلمى وارزيّتيه (٣)

شروط المندوب :

ليس كلّ منادى يصلح للندبة ، لأنه إنما يندب ما ليس مبهما ، وبذلك فإنه يندب :

__________________

(١) ديوانه ٣٠٤ / المساعد ٢ ـ ٥٣٤ / شفاء العليل ٢ ـ ٨١٩ / الأشمونى ٣ ـ ١٣٤ / شرح التصريح ٢ ـ ١٦٤ / الدرر ١ ـ ١٥٥.

(٢) ديوانه ٤١ / المساعد ٢ ـ ٥٣٤ / ارتشاف الضرب ٣ ـ ١٤٣ / شرح التصريح ٢ ـ ١٨١ / الأشمونى ٣ ـ ١٦٧. (ما) حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. (لهن) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة في محل رفع ، خبر مقدم. (فناء) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل جر ، نعت لعبرات.

(٣) ديوانه ١٨٨ / الكتاب ٢ ـ ٢٢١ / المقتضب ٤ ـ ٢٧٢ / ارتشاف الضرب ٣ ـ ١٤٣ / شرح التصريح ٢ ـ ١٨١. (تبكيهم) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. وضمير الغائبين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (دهماء) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (معولة) نعت لدهماء مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وتقول) الواو حرف استئناف مبنى ، لا محل له من الإعراب. تقول : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (سلمى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدر ، ة منع من ظهورها لتعذر. (وا رزيتيه) وا : حرف ندبة ونداء مبنى ، لا محل له من الإعراب ، رزية : منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها مناسبة الكسرة لضمير المتكلم. والياء : ضمير مبنى فى محل جر بالإضافة. والهاء للسكت حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. وجملة النداء أو الندبة فى محل نصب ، مقول القول.

٨٢

١ ـ الأعلام : نحو : وا محمداه ، وا سعاداه ...

ومن النحاة من يشترط فى العلم المندوب أن يكون مشهورا.

٢ ـ المضاف إلى المعرفة التى توضحه : نحو : وا غلام محمداه ، وا ابنة فاطمتاه.

٣ ـ الاسم الموصول بما يعينه ويرفع عنه الإبهام الخالى من (أل) ، وهو : من ، نحو : وا من حفر بثر زمزماه ، وامن قتله ابن ملجماه ، يعنى عليا ـ كرم الله وجهه.

٤ ـ النكرة المتوجع منها ، نحو : وا مصيبتاه ... ، وقد أجاز الرقاشى ندب النكرة مطلقا ، وفى الخبر : وا جبلاه.

وبذلك لا يندب :

ـ اسم الجنس المفرد ، نحو : رجل ، ولكن الرياشى يجيز ندبه ، فيقال : وا رجلاه ، وندر قولهم : وا جبلاه.

ـ اسم الإشارة ، نحو : هذا.

ـ الاسم الموصول بما لا يعينه ، نحو : من ذهب ... فإن عينت مثل هذه الصلة جاز ندبها ، نحو : وا من حفر بئر زمزماه ، لأنه منقبة وفضل ، فصار ذلك علما عليه يعرف به بعينه.

ـ الضمائر ، نحو : هو .. أنت ..

ـ أىّ.

إعراب المندوب :

يعامل المندوب إعرابيا معاملة المنادى.

طريقة الندبة بنيويا :

إذا أردت الندبة من اسم توافرت فيه شروطها ؛ فإنه يبنى كما يأتى :

ـ يلحق جوازا آخر المنادى المندوب ألف مد ، أى : حركة طويلة بالفتحة ، ويبدو أن العربية تلجأ إلى ذلك لتطويل الكلمة المندوبة بالفتح ، فتحدث التنغيم المطلوب

٨٣

الملائم لدلالة الندبة ، وكان العرب يميلون إلى إنشاد النصب ، فتقول ، وا رجلا ، وا زينبا.

ـ يجوز أن تلحق هاء السكت بعد ألف الندبة ، فتقول ؛ وا رجلاه ، وا زينباه ، وهذا الإلحاق لا يكون إلا عند الوقف ، ويجوز أن تكون الهاء أثناء الوصل لضرورة مضمومة أو مكسورة ، وأجاز الفراء إلحاق الهاء مضمومة أو مكسورة بالمندوب أثناء الوصل ، ويجعل منه قول الشاعر :

ألا يا عمرو عمراه

وعمرو بن الزبيراه (١)

حيث (عمراه) تأكيد للمنادى ومندوب ، وألحقت هاء السكت مضمومة بعد ألف الندبة.

كما إذا دعت الضرورة إلى تنوين المضموم نوّن مضموما أو منصوبا ، ومنه قول الشاعر :

وافقعسا وأين منى فقعس

أإبلى يأخذها الكروّس (٢)

حيث نون الشاعر المندوب (فقعسا) بالنصب ، ويجوز أن يكون منونا بالضم.

ـ إن كان المندوب يتكون من أكثر من كلمة فإن ألف الندبة يلحق بآخر كلمة ، فتقول : وا غلام أحمدا ، وا عبد المطلبا ، وا من حفر بئر زمزما ، وا معد يكربا.

وتقول فى رجل يسمى بـ (ضرب محمد) : وا من ضرب محمداه.

ـ مما سبق نلحظ أن المنادى المندوب إذا انتهى بفتحة (حركة قصيرة) فإنها تحول إلى ألف مدّ (حركة طويلة).

فإن كان غير ذلك وجب إنهاؤه بحركة طويلة بالفتحة (ألف مد) ؛ لأنها علامة الندبة ، فيقال : وا ابن أحمداه ، وا نجل سميراه ، وا أمير المؤمنيناه.

__________________

(١) المقرب ١ ـ ١٨٤ / ارتشاف الضرب ٣ ـ ١٤٤ / شفاء العليل ٢ ـ ٨٢١.

(٢) مجالس ثعلب ٤٧٤ / المقرب ١ ـ ١٨٤ / ارتشاف الضرب ٣ ـ ١٤٥ / شفاء العليل ٢ ـ ٨٢٠ / شرح التصريح ٢ ـ ١٨٣.

٨٤

ـ من المندوب ما يأتى :

وا ثلاثة وثلاثيناه ، وا تأبط شراه ، وا معد يكرباه ، وا سيبويهاه ، وا من قتله ابن ملجماه (يعنى عليا ـ ضى الله عنه ـ) ، يا عبد الملكاه.

وتقول فيمن سمى باثنى عشر : وا اثنا عشراه ، وعند الكوفيين : وا اثنى عشراه.

وفيمن اسمه (رجلان) : وا رجلاناه.

وتقول : وا زكرياءاه ، فيمن سمى بـ (زكريا) ، وفى المسمى بـ (قنسرين وهندات) تندب : وا قنسريناه ، وا هنداتاه. وفى ندبة غلام القاضى تقول : وا غلام القاضياه.

ـ من القوانين الصوتية فى اللغة العربية أنه لا تتوالي حركتان ، ولذلك فإنه إذا كان آخر المندوب حركة طويلة بالفتحة (ألف مد) فإنها تحذف ، لتوالى ألف الندبة بعدها. وهو ما يسمى بالتقاء الساكنين ، فتقول : وا موساه ، وا عيساه ، وا مصطفاه ...

وإلحاق هاء السكت بالمندوب السابق حتى لا يلتبس ألفه بألف الندبة الذى يدل عليه هاء السكت.

وهو مبنى على الضمّ المقدر على الألف المحذوفة ، حيث الألف المذكورة هى ألف الندبة.

وأجاز الكوفيون قلبه ياء على القياس ، فتقول : يا موسياه ، وا عيسياه ، وا مصطفياه.

ـ وأجاز يونس ندب الموصوف بإلحاق ألف الندبة بآخر صفته ، فتقول : وا أحمد الطويلا ، وا زيد الظريفا. وينسب إلى الكوفيين كذلك.

ومنه قول بعض العرب :

وا جمجمتىّ الشّاميّتيناه ، وفى بعض الكتب : الشاميّتينا (١).

__________________

(١) ينظر : الإرشاد إلى علم الإعراب ٢٨٧ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٥٣٨.

٨٥

ـ من القوانين الصوتية فى اللغة العربية ألا تتوالى وحدة صوتية صامتة وحركة طويلة ، لهذا فإن ساكن التنوين يحذف من نهاية المندوب ؛ لئلا يتوالى الساكن وألف الندبة ، وهو توالى ساكنين ، أو التقاء ساكنين ، وهو ممتنع صوتيا. فيقال : وا غلام زيداه. وأصل (زيد) التنوين ، أى : الانتهاء بنون ساكنة.

وفى نطق المندوب المنون ثلاثة مذاهب أخرى :

ـ فتح نون التنوين ، فتقول : وا غلام زيدناه.

ـ كسر نون التنوين ، فتقول : وا غلام زيدنيه.

ـ حذف التنوين مع إبقاء الكسرة ، فتقول : وا غلام زيديه.

إن كان تغيير آخر المندوب ألفا يوقع فى لبس وجب التغيير إلى حركة طويلة مجانسة للحركة القصيرة التى ينتهى بها آخر الاسم المندوب الملتبس فيه ، ومن ذلك :

ـ ندب (غلامك) مضافا إلى ضمير المخاطبة ، فيقال : وا غلامكيه (بياء مد تناسب كسرة كاف المخاطبة).

إذ إننا لو اتبعنا قاعدة التغيير وألحقنا ألفا لالتبس بندب المضاف إلى ضمير المخاطب (وا غلامكاه).

ـ ندب (غلامه) مضافا إلى ضمير الغائبة ، فيقال : وا غلامهوه (بواو مد تناسب ضمة هاء المخاطب) ، إذ إننا لو اتبعنا قاعدة التغيير ؛ وألحقنا ألفا ، لالتبس بندب المضاف إلى ضمير الغائبة (وا غلامهاه).

وكذلك في ندبة (بناته) تقول : وا بناتهيه ، لئلا تلتبس بندبة بناتها ، حيث تكون ندبتها : وا بناتهاه.

ـ ندب (غلامكم) وهو المنادى المضاف إلى ضمير المخاطبين ، حيث يقال : غلامكموه ، (بواو مدّ تناسب الضمة الأصلية لميم الجمع) ، وذلك كى لا تلتبس بندب المضاف إلى ضمير المثنى المخاطب ، حيث تقول : وا غلامكماه حال إلحاق ألف الندبة به.

٨٦

ملحوظة :

فى نداء المندوب المبنى على الكسر ، نحو (رقاش) والمركب تركيبا إضافيا مثل (عبد الملك) وجهان :

أولهما : وهو ما يذهب إليه النحويون ، ويوجبه أكثر البصريين ، أن يبقى الألف دون تغيير لعدم وجود اللبس ، فتقول : وا رقاشاه ، وا عبد الملكاه.

والآخر : ما يذهب إليه الكوفيون من جواز الإتباع ، بقلب ألف الندبة إلى مثيل الحركة الأخيرة من المندوب به ، فيقال : وا رقاشيه ، وا عبد الملكيه.

وتقول لذلك فيمن يسمى بـ (قام الرجل) : وا قام الرجلوه.

كما يجيزون الإتباع فى المثنى المندوب ، فيقولون : وا زيدانيه ، وا رجلانيه.

الوقف على المندوب :

مما سبق نلحظ أن الوقف على المندوب يكون بإحدى طريقتين :

أولهما : بإلحاق هاء السكت بعد ألف الندبة ، فيقال : وا محموداه ، وا صديقاه ...

والأخرى : بالوقف على ألف الندبة ، فيقال : وا محمودا ، وا صديقا.

ندب المضاف إلى ضمير المتكلم :

يندب المنادى المضاف إلى ضمير المتكلم تبعا لطرق ندائه المذكورة فى النداء ، ذلك على النحو الآتى.

أ ـ إذا سكنت الياء ، أى : نطقت ياء مدّ (حركة طويلة للكسرة) ؛ فإنها إما أن تحرك ويعقبها ألف الندبة ، فيقال : وا ظهريا ، وإمّا أن تحذف ويحرك ما قبلها بالفتحة ، ثم يذكر ألف الندبة ، فيقال : وا ظهرا.

ومنه أن تقول : وا عبديا وا عبدا ، فى ندبة (عبدى) ، وا صديقيا ، وا صديقا فى (صديقى).

٨٧

ب ـ إذا حرك ضمير المتكلم بالفتحة القصيرة فإنها تبقى ويعقبها ألف الندبة ، فيقال : وا ظهريا ، وا عبديا ، وا صديقيا ، فى ندب (ظهرى ، عبدى ، صديقى) بتحريك الياء.

ج ـ إذا حذف ضمير المتكلم من المنادى وكسر ما قبله أو فتح أو ضم فإنه يندب بذكر ألف الندبة بعد آخره مما يستلزم فتح آخره ، أى : ما قبل الألف. فيقال : وا ظهرا ، وا عبدا ، وا صديقا ، في ندب (يا ظهر ، يا عبد ، يا صديق) بكسر الآخر أو فتحه أو ضمه.

د ـ إذا قلب ضمير المتكلم إلى ألف فى المنادى فإنه يبقى على ما هو عليه حال ندبه ، فيقال : وا ظهرا ، وا عبدا ، وا صديقا فى ندب : (يا ظهرا ، يا عبدا ، يا صديقا).

ه ـ إذا ندب المضاف إلى ما أضيف إلى ضمير المتكلم فإن الياء يلزم ثبوتها ويعقبها ألف الندبة ، فتقول : وا ظهر صديقيا ، وا صديق أخيا ، وا عبد جاريا. فى ندب : (يا ظهر صديقى ، يا صديق أخى ، يا عبد جارى).

ملحوظة :

المندوب المضاف إلى ضمير المتكلم فى الأمثلة السابقة منصوب بالفتحة المقدرة التى منع من ظهورها : إما الكسرة المناسبة لضمير المتكلم فى (وا ظهريا ، وا عبديا ، وا صديقيا) ، وإما الفتحة المناسبة لألف الندبة فى (وا ظهرا ، وا عبدا ، وا صديقا).

* * *

٨٨

الترخيم (١)

المصطلح :

الترخيم ـ لغويا : يعنى به التسهيل والتليين والترقيق ، ومنه صوت رخيم ، أى :رقيق سهل لين ، قال ذو الرمة :

لها بشر مثل الحرير ومنطق

رخيم الحواشى لا هراء ولا نزر (٢)

والترخيم ـ اصطلاحيا ـ يعنى به حذف أواخر المنادى للتخفيف لكثرة دورانه لا للإعلال ، كما فى : يا فاطم فى يا فاطمة ، يا أمام ، فى يا أمامة ، يا مال فى يا مالك ...

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٥٣ ، ٢ ـ ٢٣٩ وما بعدها / المقتضب ١ ـ ١٨٨ ، ٢ ـ ١٦٢ ، ٤ ـ ٢١ ، ٤ ـ ٢٤٣ وما بعدها / والواضح ١٨٤ / اللمع فى العربية ١٩٨ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٦٦ / المقتصد فى شرح الإيضاح ٢ ـ ٧٩١ / شرح عيون الإعراب ٢٧٣ / المفصل ٤٧ / أسرار العربية ٢٣٦ / المرتجل ١٩٨ / الهادى فى الإعراب ٨٤ / المقدمة الجزولية فى النحو ١٩٧ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ١٩ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ٢٩٤ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ١٤٨ / المقرب ١ ـ ١٨٦ / التسهيل ١٨٨ / شرح عمدة الحافظ ٢٠٠ / الإرشاد إلى علم الإعراب ٢٩١ / شرح ابن الناظم ٥٩٦ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ١٠٦٥ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٢٨٧ / المساعد على تسهيل الفوائد ٢ ـ ٥٤٦ / شفاء العليل ٢ ـ ٨٢٧ / الجامع الصغير ١٠٠ / شرح جمل الزجاجى لابن هشام ٢٥١ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٧١ / شرح القمولى على الكافية ١ ـ ٨٦ / الفوائد الضيائية ١ ـ ٣٤١ / ارتشاف الضرب ٣ ـ ١٥٢ / شرح اللمحة البدرية ٢ ـ ١٥٠ / شرح التحفة الوردية ٣٢١ / كشف الوافية فى شرح الكافية ١٩٠ / شرح التصريح ٢ ـ ٨٤١ / الهمع ١ ـ ١٨١.

(٢) الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٧١. البشر : ظاهر الجلد. الهراء : الكلام الكثير ولا معنى له. النزر : القليل. الحواشى : المراد بها الكلمات ، والحاشية جانب الثوب وغيره.

(لها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة خبر مقدم فى محل رفع (بشر) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (مثل) نعت لبشر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الحرير) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (ومنطق) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. منطق : معطوف على بشر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (رخيم) نعت لمنطق مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الحواشى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها الثقل. (لا) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (هراء) : نعت ثان لمنطق مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (ولا نزر) حرف عطف مبنى ، وحرف زائد لتأكيد النفى ، ومعطوف على هراء مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

٨٩

شروط عامة فى الاسم المرخم :

يشترط فى المنادى الذى يجوز ترخيمه ما يأتى :

١ ـ أن يكون أكثر من ثلاثى ، نحو : طلحة ، عكرمة ... والمحتسب فى ذلك كلّ أصوات الاسم بما فيه من تاء التأنيث أو الأحرف الزائدة ، وذلك لأن الثلاثة أعدل الأصول ، فيكره الإجحاف بها بالحذف.

وشرط الرباعية فى الاسم المرخم رأى الجمهور ، لكن سائر النحاة يختلفون فى ترخيم الثلاثى على درجات متفاوتة بين محرك الوسط وساكنه.

٢ ـ ألا يكون نكرة غير مقصودة ، ولا خلاف فى ترخيم العلم لكثرة استخدامه فى النداء ، فيناسبه التخفيف ، وخلافهم قائم فى ترخيم النكرة المقصودة ، نحو : يا عمال ، ويا طالب ...

يذكر المبرد : «وأما قولهم : يا صاح أقبل ؛ فإنما رخموه لكثرته فى الكلام ، كما رخموا ما فيه هاء التأنيث ، إذ قالوا : يا نخل ما أحسنك ، يريد : يا نخلة ، فرخم ، قال الشاعر :

صاح هل أبصرت بالخبتين نارا

يريد : صاحب ، فأسقط النداء ، ورخّم النكرة» (١).

حيث يفهم منه ترخيمه للنكرة المقصودة المختومة بتاء التأنيث ، ويقدّر ذلك بأن يكون ترخيم مثل هذا على لغة من ينتظر.

٣ ـ ألا يكون مضافا ، ولا شبيها بالمضاف ؛ فالمضاف إليه بمثابة الكلمة الواحدة ، أو كالشىء الواحد ، والحذف منهما بمثابة الحذف من حشو الكلمة.

وما جاء من ترخيم المضاف نادر ، كما جاء فى قول زهير :

خذوا حذركم يا آل عكرم واعلموا

أواصرنا والرجم بالغيب يذكر (٢)

__________________

(١) المقتضب ٤ ـ ٢٤٣ ، ٢٤٤.

(٢) الكتاب ٢ ـ ٢٧١ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ١٢٧ / أسرار العربية ٢٣٩ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٢٠ / الرضى على الكافية ١ ـ ١٤٩ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٧٥.

٩٠

يريد : يا آل عكرمة ، فرخم المضاف إليه (عكرمة) ، وهو نادر عند البصريين ، ويجيزه الكوفيون.

لكن الأشدّ ندرة حذف المضاف إليه كلّه ، كما ورد فى قول عدىّ بن زيد :

يا عبد هل تذكرنى ساعة

فى موكب أو رائدا للقنيص (١)

حيث أراد : يا عبد هند ، فرخم بحذف المضاف إليه (هند) ، وهو علم له ، حيث أراد (عبد هند اللخمى).

ومما جاء مرخما وهو منادى مضاف واحتج به الكوفيون قول الشاعر :

أبا عرو لا تبعد فكلّ ابن حرة

سيدعوه داعى ميتة فيجيب (٢)

__________________

(١) الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٧٦.

(يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (عبد) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وهو مضاف ، وما أضيف إليه محذوف وهو هند. (هل) حرف استفهام مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تذكرنى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والفاعل مستتر تقديره : أنت. ونون الوقاية حرف مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة الفعلية جواب النداء ، لا محل لها من الإعراب. (ساعة) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وشبه الجملة متعلقة بالذكر. (فى مركب) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال. (أو) حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (رائدا) معطوف على الحال منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (للقنيص) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالريادة.

(٢) شرح ابن يعيش ٢ ـ ٢٠ / شرح الكافية الشافية ٣ ـ ١٣٦١ / الرضى على الكافية ١ ـ ١٤٩ / شرح التصريح ٢ ـ ١٨٤.

(أبا) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الألف ، وهو مضاف. و (عرو) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة المقدرة على الحرف المحذوفة ، وفتحة الواو للترخيم ، وهو أصل نطقها. (لا) حرف نهى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تبعد) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون. وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. (فكل) الفاء حرف سببى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (كل : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وهو مضاف ، (ابن) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (حرة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (سيدعوه) السين : حرف استقبال مبنى ، لا محل له من الإعراب. يدعو : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها الثقل. وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (داعى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها الثقل. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدأ (كل). (ميتة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (فيجيب) الفاء حرف تعقيب مبنى ، لا محل له من الإعراب. يجيب فعل مضارع

٩١

حيث أراد : يا أبا عروة ، فحرف النداء محذوف ، ورخم (عروة) إلى (عرو).

لكن البصريين يخرجون ذاك على أنه للضرورة.

٤ ـ ألا يكون منقولا من الجملة ، أى : ألا يكون ذا إسناد ، نحو : تأبط شرا ، ونحمده ، وبرق نحره ...

وترخيمه قليل لدى النحويين.

٥ ـ ألا يكون من الأسماء المختصة بالنداء ، نحو : فل ، وفلة. وهناه ... فهذه كلّها لا ترخّم.

٦ ـ ألا يكون مندوبا ، نحو : وا أحمداه ... والغرض من الندبة يتناقض مع الغرض من الترخيم ، لذلك فإن الألف المذكور فى آخر المندوب لمدّ الصوت لا يتناسب مع الترخيم بما فيه من حذف.

٧ ـ ألا يكون مستغاثا ؛ لأن المستغاث إما أن يكون مجرورا باللام ؛ وهذا لا يظهر فيه أثر النداء من النصب ، أو البناء على الضم ، وإما أن يكون منتهيا بألف زائدة ؛ وهذا يتنافى مع الترخيم لأنه يكون بالحذف.

وما جاء من ترخيم المستغاث فهو ضرورة ، أو شاذ.

وأجاز بعض النحاة ـ ابن خروف ـ ترخيم المستغاث إذا خلا من لام الاستغاثة ، ويستشهد لذلك بقول الأحوص الكلابى :

أعام لك ابن صعصعة ابن سعد

تمنّانى ليقتلنى لقيط (١)

والمقصود : أعامر ، وهو مستغاث به خال من لام الاستغاثة ، ورخم ، وقيل : إنه ضرورة ، وإن احتسب أسلوب استغاثة فهو شاذ من جانب آخر ، وهو الحرف المستخدم (الهمزة) ، إذ لا يستخدم فى الاستغاثة سوى حرف النداء (يا).

__________________

مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو ، والجملة فى محل رفع بالعطف على جملة الخبر.

(١) الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٧٦. شبه جملة (لك) إما استغاثة ثانية : والتقدير : يا لك ، وإما خبر لمحذوف ، والتقدير : ندائى لك.

٩٢

ويبدو أن الصحيح أن المستغاث به لا يرخم.

٨ ـ ألا يكون مستغاثا له ، فالغرض من الاستغاثة لا يتلاءم معه الترخيم ، وما جاء منه مرخما فهو ضرورة ، أو شاذ ، كما ورد فى قول مرة بن الروّاع الأسدى :

كلما نادى مناد منهم

يا لتيم الله قلنا يا لمال (١)

٩ ـ ألا يكون مبنيا قبل النداء ، فلا يرخم نحو : حذام ، ورقاش وقطام.

لغتا الترخيم :

للعرب فى المنادى المرخم لغتان :

أولاهما : لغة من ينتظر ، أى : ينوى عودة المحذوف منه ، فلا يجعل ما قبل المحذوف آخر الاسم ، بل ينتظر المحذوف ، وبذلك يترك الباقى على ما هو عليه من حركات أو سكنات ، فتقول : يا أحم (بالفتح قاصدا أحمد) ، ويا قمط (بالسكون مقصودا قمطر) ، عند من أجاز ترخيمه على هذه اللغة. ومنه : يا ثمو (بواو المد) ، ويا جعف (بالفتح) ، ويا حار (بالكسر) ، ويا رغد (بالفتح) ...

وتسمى هذه اللغة بالأعرف ، فهى القياس والفصحى والأكثر استعمالا.

وعلى لغة من ينتظر جاء قول زهير :

يا حار لا أرمين منكم بداهية

لم يلقها سوقة قبلى ولا ملك (٢)

__________________

(١) الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٧٦.

(كل) منصوبة على الظرفية فيه معنى الشرط تقتضى جملتين. (ما) مبنية بمعنى وقت فى محل جر بالإضافة. (نادى) فعل الشرط ماض مبنى على الفتح المقدر. (مناد) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (منهم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، نعت للفاعل. (يا لتيم الله) حرف نداء ، وحرف استغاثة وجر ، ومنادى منصوب مقدرا مضاف ، ومضاف إليه مجرور ، وجملة النداء أو الاستغاثة فى محل نصب ، مفعول به لنادى. (قلنا) جواب الشرط ماض مبنى على السكون. وضمير المتكلمين مبنى فى محل رفع ، فاعل. (يا لمال) حرف نداء ، ولام استغاثة مبنيان ، لا محل لهما من الإعراب ، مال : منادى مبنى على الضم المقدر فى محل نصب ، والكسر للترخيم ـ ، وجملة النداء فى محل نصب مقول القول.

(٢) ديوانه ١٨٠ / شرح عيون الإعراب ٢٧٣ / أمالى ابن الشجرى ٢ ـ ٨٠ / معجم شواهد النحو رقم ١٨٥٣.

٩٣

والأصل يا حارث ، فرخم بحذف آخر الكلمة ، وإبقاء ما قبل الآخر على حركته من الكسر.

والأخرى : لغة من لا ينتظر ، أى : لا ينوى المحذوف منه ، فيكون ما قبل المحذوف آخر الاسم ، وبذلك يعامل ما قبل المحذوف معاملة آخر الاسم التام ، فيبنى على الضمّ ، فتقول : يا أحم ، يا خال ، يا منص ، يا قمط ، وكلها بالبناء على الضمّ فى محل نصب.

ويقدر الضمّ على المعتل الذى يسبق الآخر المحذوف ، كما فى ترخيم (ناجية) ، حيث تقول : يا ناجى بالإسكان ، ويكون مبنيا على الضم المقدر.

ترخيم معتل ما قبل الآخر على اللغتين :

يعامل الاسم الذى يبقى آخره معتلا بعد الحذف فى الترخيم على اللغتين على النحو الآتى :

ـ إذا كان ما قبل الآخر واو مدّ مثل : (ثمود) ، فإنها تبقى على ما هى عليه فى الترخيم على لغة من ينتظر ، فتقول : يا ثمو. وتقلب إلى ياء على لغة من لا ينتظر ، لكونها آخرا بلا انتظار رد ، ولتطرفها بعد ضمة ، فتقول : يا ثمى.

ـ إذا بقى آخر الاسم بعد الترخيم واوا متحركة أو ياء متحركة فإنهما يظلان على لغة من ينتظر ، فيرخم ، صميان (متفلت متوثب) ، وكروان ، فتقول : يا صمى ، يا كرو.

__________________

(يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (حار) منادى مرخم مبنى على الضم المقدر فى محل نصب ، والكسرة للترخيم. (لا) حرف نهى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أرمين) فعل مضارع مبنى على الفتح فى محل جزم ، والنون حرف توكيد مبنى ، لا محل له من الإعراب. ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا. والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب. (بداهية) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالرمى. (لم) حرف نفى وجزم وقلب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يلقها) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب مفعول به. (سوقة) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية فى محل جر نعت لداهية. (قبلى) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها مناسبة الكسرة لضمير المتكلم ، وضمير المتكلم مضاف إليه مبنى ، فى محل جر ، وشبه الجملة متعلقة باللقيا. (ولا) حرف عطف ، وحرف نفى زائد لتأكيد النفى مبنيان. (ملك) معطوف على سوقة مرفوع.

٩٤

وتقلبهما إلى ألف على لغة من لا ينتظر ، حيث يكونان آخرا بلا انتظار ، فيكونان متطرفين وقبلهما فتحة. فيقلبان إلى ألف ، فتقول : يا صما ، ويا كرا.

أما مثل : سقاية وعلاوة فإنهما يرخمان على لغة من ينتظر : يا سقاى ، ويا علاو ، وعلى لغة من لا ينتظر تقول : يا سقاء ، ويا علاء ، حيث تطرف الياء والواو وقبلها ألف مد زائدة ، فيقلبان إلى همزة.

ومما ذكره النحاة من التدريب فى هذا الباب (١) :

ـ ترخيم (لات) على لغة من ينتظر (يا لا) ، وعلى لغة من لا ينتظر (يا لاء) ، حيث يضعّف الألف المد ، ثم يقلب الألف الثانى إلى همزة.

ـ ترخيم (ذات) على لغة من ينتظر : (يا ذا) ، وعلى لغة من لا ينتظر : (يا ذوا) حيث يردّ المحذوف.

ـ ترخيم (سفيرج) تصغير (سفرجل) على لغة من ينتظر تقول : يا سفير ، وعلى لغة من لا ينتظر تقول : يا سفير ، وقيل : يا سفيرل ، برد اللام المحذوفة.

ـ ترخيم مثل : سعيد ، وعماد على لغة من ينتظر : يا سعى ، يا عما وعلى لغة من لا ينتظر تقول : يا سعى ، يا عما ، فتقدر الضمة على الياء والألف.

ـ ترخيم مثل : ثمود ، وكروان على لغة من ينتظر : يا ثمو ، يا كرو ، أما على لغة من لا ينتظر فهو : يا ثمى ، يا كرا ، حيث تقلب الواو فى المعتل بالواو ألفا إن كان قبلها فتحة ، وتقلبها إلى ياء إن كان قبلها ضمة ، حيث تقلب الضمة إلى كسرة فتقلب الواو إلى ياء لتلائم الكسرة ؛ وذلك لأنه لا يوجد اسم ينتهى بواو وقبلها ضمة.

أما (كروان) فإنها ترخم إلى (كرا) ؛ لأن أصل ترخيمه يا كرو ، فتطرفت الواو وقبلها فتحة فتقلب إلى ألف.

__________________

(١) ينظر : الأشمونى ٣ ـ ١٨٢.

٩٥

وجوب التزام لغة من ينتظر :

يجب الالتزام بالترخيم على لغة من ينتظر إذا أدّى الترخيم باستخدام اللغة الأخرى إلى التباس. ويبدو ذلك فى موضعين :

أولهما : الالتباس بين التذكير والتأنيث ، ويكون ذلك فى المسمى به المؤنث (مسلمة) ، و (حفصة) والمؤنث لفظا (حارثة) ، فتقول مرخما : يا مسلم ، يا حفص ، يا حارث ، بالفتح فى كل على سبيل الرد ، وذلك كى لا تلتبس بالمنادى المذكر غير المرخم المبنى على الضمّ إذا رخمت على لغة من لا ينتظر. حيث التاء فارقة بين المذكر والمؤنث ، وأريد بها قبل الترخيم ذلك.

ومنه : يا مثقف بالفتح ترخيم مثقفة ، حيث التاء للتأنيث ، فلو رخم على لغة من لا ينتظر لالتبس بالمنادى المذكر غير المرخم المبنى على الضم.

فإذا لم تكن التاء فى الاسم المراد ترخيمه فارقة بين المذكر والمؤنث فإنه يجوز أن يرخم على اللغتين ، كما فى (طلحة وحمزة) ، حيث يرخمان : يا طلح ويا حمز ، بالفتح على لغة من ينتظر ، وبالبناء على الضمّ على لغة من لا ينتظر.

والآخر : ما يؤدى عدم انتظار ردّ المحذوف منه إلى بقائه مع عدم وجود النظير ، ويذكرون من ذلك : ترخيم طيلسان فيكون طيلس بالفتح على لغة من ينتظر ، دون البناء على الضم لعدم وجود النظير وهو فيعل بالضم ، وهو صحيح العين.

وكترخيم : حبليات وحبلوى وحمراوى. فتقول : حبلى ، وحبلو وحمراو ، بفتح الياء وكسر الواو على لغة من ينتظر ، ولا يجوز القلب على نية من لا ينتظر لعدم وجود النظير ، حيث ألف فعلى وهمزة فعلاء لا يكونان إلا مزيدتين للتأنيث دون الإبدال.

كيفية الترخيم

ترخم الأسماء المناداة على النحو الآتى :

١ ـ إذا كان الاسم المنادى مختوما بتاء التأنيث فإنه يرخّم مطلقا ، على رأى جمهور النحاة ، سواء أكان علما أم غيره ، زائدا على ثلاثة أحرف أم عليها ، مع

٩٦

عدم حذف حرف آخر من الاسم المرخم الذى يتضمنها ، فيقال مرخما : يا فاطم ، يا جارى ، يا شا ، ترخيم (فاطمة جارية وشاة) بحذف تاء التأنيث.

ومنه قول امرىء القيس :

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل

وإن كنت قد أزمعت صرمى فأجملى (١)

حيث رخم (فاطمة) إلى (فاطم) بحذف تاء التأنيث.

ومنه رجز العجاج :

جارى لا تستنكرى عذيرى (٢)

وأصله : يا جارية ، فحذف حرف النداء ، ورخم (جارية) إلى (جارى).

ويلحظ أنه لا ترخم النكرة غير المقصودة ، وبذلك فإن (جارية) فى قول العجاج لا بد أن تكون نكرة مقصودة.

ـ إذا كان المنادى غير مؤنث بالتاء فإنه لا يرخم ؛ إلا إذا توافرت فيه الشروط التى ذكرناها سابقا ، فتقول :

__________________

(١) أزمعت : أحكمت عزمك ، صرمى : قطعى / أجملى : أحسنى.

(أفاطم) الهمزة حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب فاطم منادى مبنى على الضم المقدر فى محل نصب. وفتحته للترخيم (مهلا) مفعول مطلق منصوب لفعل محذوف. (بعض) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والعامل فيه المصدر (هذا) اسم إشارة مبنى فى محل جر بالإضافة (التدلل) نعت أو بدل أو عطف بيان لاسم الإشارة مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وإن) الواو استئناف حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب إن : حرف شرط جازم مبنى ، لا محل له من الإعراب (كنت) فعل الشرط ماض مبنى على السكون وضمير المخاطبة مبنى فى محل رفع ، اسم كان. (قد) حرف تحقيق مبنى ، لا محل له من الإعراب (أزمعت) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المخاطبة مبنى فى محل رفع ، فاعل والجملة الفعلية فى محل نصب ، خبر كان : (صرمى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة : وهو مضاف ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. (فأجملى) الفاء : حرف رابط الشرط بجوابه مبنى ، لا محل له من الإعراب. أجملى : فعل أمر مبنى على حذف النون ، وياء المخاطبة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل جزم جواب الشرط.

(٢) الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٧٢. العذير : ما يعذر الإنسان فيه.

٩٧

يا سعا ، يا صفا ، يا سما ، يا رجا ، فى ترخيم : سعاد ، وصفاء ، وسماح ، ورجاء.

ـ ما قبل الحرف المحذوف من الاسم المرخم يعامل كما يأتى :

ـ إن كان زائدا عن أصل الكلمة (جذرها) ، حرف مدّ بالألف أو الياء أو الواو ، رابعا فأكثر ، فإنه يحذف أثناء الترخيم مع الحرف الأخير ، فتقول : يا عثم ، يا منص ، يا مسك ، ترخيم : عثمان ، ومنصور ومسكين.

ومنه : يا أسم (أسماء) ، ويا قند (قنديل) ، ويا شمل (شملال) ويا مرو (مروان).

ومنه قول أبى زيد الطائى :

يا أسم صبرا على ما كان من حدث

إن الحوادث ملقى ومنتظر (١)

وأصله : يا أسماء ، فرخم إلى : يا أسم ، حيث حذفت الهمزة الأخيرة ، والألف المد الزائدة قبلها.

وقول الفرزدق :

يا مرو إن مطيتى محبوسة

ترجو الحباء وربّها لم ييأس (٢)

__________________

(١) الكتاب ٢٢ ـ ٢٥٨ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٦٩ / شرح ابن هشام لجمل الزجاجى ٢٤٥ / المساعد ٢ ـ ٥٥٠ / شرح التصريح ٢ ـ ٨٦ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٧٨.

(يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب (أسم) منادى مرخم مبنى على الضم المقدر فى محل نصب. (صبرا) مفعول مطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (على) حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. (ما) اسم موصول مبنى فى محل جر بعلى. (كان) فعل ماض مبنى على الفتح ، وهو تام ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (من حدث) شبه جملة فى محل جر ، نعت للاسم الموصول. (إن) حرف توكيد ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. (الحوادث) اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (ملقى) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. خبره محذوف تقديره (منها) ، والجملة الاسمية فى محل رفع إن. (ومنتظر) عاطف ومعطوف على ملقى مرفوع. أو : الواو عاطفة جملة على جملة ، وجملة منتظر منها فى محل رفع بالعطف على جملة خبر إن.

(٢) ديوانه ٢ ـ ٤٨٢ / الكتاب ٢ ـ ٢٥٧ / اللمع ١٩٩ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٦٩ / شرح عيون الإعراب ٢٧٤ / شرح التصريح ٢ ـ ١٨٦ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٧٨ / معجم شواهد النحو رقم ١٤٥٥ / الحباء (بكسر الحاء) : العطاء ، ربها : المقصود صاحب المطية.

٩٨

والأصل : يا مروان ، فرخم المنادى بحذف النون آخره ، وحذف المد الزائد قبله.

ومنه قول الراجز :

يا نعم هل تحلف لا تدينها

والأصل : يا نعمان ، فرخّم بحذف الأخير ، وما قبله من ألف مدّ.

وتقول فى ترخيم : عمّار يا عمّ ، وفى إدريس يا إدر.

ـ يفهم من ذلك أن الزيادتين فى آخر الاسم المرخم بمثابة الحرف الواحد ، حيث يحذفان عند الترخيم ، ما دامت الزيادتان رابعا فأكثر.

وعليه فإنه يحذف :

ـ ألف التأنيث الممدودة ، وهما ألفان متتاليان فى آخر الاسم المراد تأنيثه ، حيث يحذفان عند الترخيم : حمراء ، وأسماء ، بيضاء.

ـ الألف والنون الزائدتان ، فتقول : يا عمر ، يا شعب ، يا رمض ، فى ترخيم : عمران ، وشعبان ، ورمضان.

ـ علامتا التثنية ، فتقول مرخّما : يا حسن ، يا محمد ، يا زيد فى ترخيم : حسنين ، ومحمدين ، وزيدان.

__________________

(يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (مرو) منادى مرخم مبنى على الضم المقدر فى محل نصب. (إن) حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (مطيتى) اسم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، وهو مضاف. وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. (محبوسة) خبر أول لإن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. ويجوز أن تكون منصوبة على الحال. (ترجو) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى. والجملة الفعلية فى محل رفع خبر ثان لإن ، أو خبر لإن فى محل رفع ـ إذا كانت محبوسة حالا. (الحباء) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (وربها) الواو : حالية أو ابتدائية لا محل لها من الإعراب. رب : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة. (لم) حرف نفى وجزم وقلب. (ييأس) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون وحرك بالكسر من أجل الروى. وفاعله مستتر تقديره : هو والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدأ ، والجملة الاسمية فى محل نصب.

٩٩

ـ علامتا الجمع السالم أو ما يشبههما ، فتقول فى ترخيم : زيدون ، فلسطين ، مسلمات ، هندات : يا زيد ، يا فلسط ، يا مسلم ، يا هند ..

ـ ياءا النسب ، فتقول : يا مصر ، يا منصور ، يا بغداد ، يا سور ، يا مغرب ، يا خليج ، فى ترخيم : مصرى ، منصورى ، بغدادى ، سورى ، مغربى ، خليجى.

ـ فإن كان ما قبل الحرف الأخير من الاسم المراد ترخيمه زائدا ثالثا فإنه لا يحذف ، كما فى : سعيد ، وثمود ، وزياد ، ولميس ، وعنود ، وسعاد ، فترخم قائلا : يا سعى ، يا ثمود ، يا زيا ، يا لمى ، يا عنو ، يا سعا.

أما الفراء فإنه يحذف حرف العلة مع الحرف الأخير فى الأمثلة السابقة ، فيقول : يا سع ، يا ثم ، يا زى يا لم ، يا عن ، يا سع ، ومن النحاة من ينسب إليه غير ذلك.

ـ فإن لم يكن ما قبل الحرف الأخير المحذوف زائدا ـ كما فى : مختار فإنه لا يحذف ، فتقول فى ترخيمه : يا مختا.

ـ وإن لم يكن ليّنا ـ كما فى : مصطفى ـ فإنه لا يحذف ، فترخيمه : يا مصطف.

ـ وإن لم يكن حرف مدّ ـ كما فى : فرعون ، وقنوّر (الصعب اليبوس من كل شىء) ، وهبيّخ (الغلام الممتلىء السمين) ـ فإنه لا يحذف ، فتقول فى ترخيمها : يا فرعو ، ويا قنوّ ، ويا هبىّ.

ـ ما كان فى آخره واو أو ياء مفتوح ما قبلهما ، من مثل : فرعون وغرنيق ؛ فإنه يرخّم على طريقتين :

أولاهما : ما ذهب إليه الفراء والجرمى من أنه يحذف ما قبل الأخير ، فيقال : يا فرع ، يا غرن.

والأخرى : ما ذهب إليه سائر النحاة من إثبات ما قبل الأخير ، وهو الواو أو الياء ، فتقول : يا فرعو ، يا غرنى.

ـ أما ترخيم من سمّى بمصطفون ، أو مصطفين فيقال فيه : يا مصطف ويا مصطفى بحذف الألف وبردها ، وذلك على لغة من ينتظر.

١٠٠