النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

مما استعمل فى غير النداء للضرورة الشعرية ، حيث يرى بعض النحاة أن (لكاع) خبر المبتدإ (قعيدة) مبنى على الكسر فى محل رفع ، ولكن غيرهم يرى أن الخبر محذوف تقديره : يقال لها يا لكاع ، وبذلك فإن هناك نداء محذوفا ، ولا يكون فيه ضرورة.

ه ـ إذا لم يصرّح باسم المنادى فإنه يكنّى عنه بـ (هن) للمذكر ، و (هنت) بسكون النون وفتحها للمؤنث ، والتاء فيه للإلحاق والتأنيث كما فى أخت وبنت ، مع مراعاة العدد. فيقال : يا هن أقبل ، يا هنان أقبلا ، يا هنون أقبلوا ، يا هنت أقبلى ، يا هنتان أقبلا ، يا هنات أقبلن.

فهذه الكلمات ينادى بها للمجهول والمجهولة ، وتكون بمعنى (إنسان) (١).

وقد يلى أواخر هذه الكلمات بما يلى آخر المندوب من الألف والهاء ، ومنه قول امرئ القيس :

وقد رابنى قولها يا هنا

ه ويلك ألحقت شرّا بشر (٢)

ومؤنثه : يا هنتاه ، وهما يثنيان ويجمعان ، فتقول : يا هنانيه ، يا هنتانيه ، يا هنوناه ، يا هناتوه.

ويختلفون فى الأصل البنيوى لـ (هناه).

__________________

(١) التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٥٣.

(٢) ديوانه ١٦٠ / الكتاب ٢ ـ ٣٦٨ / الجمل ١٧٥ / شرح ابن يعيش ١ ـ ٤٨.

(قد) حرف تحقيق مبنى لا محل له من الإعراب. (رابنى) فعل ماض مبنى على الفتح ، والنون للوقاية حرف مبنى لا محل له. وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب مفعول به. (قولها) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة. (يا هناه) حرف نداء مبنى. ومنادى مبنى على الضم المقدر فى محل نصب. (ويلك) مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا. وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة إليه. (ألحقت) فعل ماض مبنى على السكون ، وتاء المخاطب ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (شرا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (بشر) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالإلحاق.

٢١

ـ فمنهم من يرى أنها مقلوب لام الكلمة ، حيث يرون أن الأصل : هناو ، فقلبت إلى هناه.

ـ ومنهم من يرى أن واو (هنا و) قلبت إلى همزة ، ثم قلبت الهمزة إلى هاء.

ـ ومنهم من يرى أن الهاء أصلية. فهى لغة أخرى لهناو ، كأن الكلمة فيها لغتان ، حيث أصل لا مها واو فى لغة ، وهاء فى لغة أخرى.

ـ ومنهم من يرى أن الهاء هى هاء السكت.

ـ وغيرهم يرى أن الألف والهاء زائدان ، أما لام الكلمة فهى محذوفة حذفها فى (هن).

ـ ويلحظ فى استعمال (هن) ما يأتى (١) :

أ ـ إذا قدرت الألف والهاء زائدتين ضممت الهاء أو كسرتها ، فتقول للمفرد : يا هناه. (بضم الهاء ، وكسرها).

للمفردة : يا هنتاه. (بضم الهاء ، وكسرها).

وللمثنى المذكر : يا هانيه ، ويا هناناه.

وللمثنى المؤنث : يا هنتاناه ، ويا هنتانيه.

وللجمع المذكر : يا هنوناه.

وللجمع المؤنث : يا هناتوه ، ويا هناتيه.

ب ـ إذا أضفت إلى نفسك فإنك تقول : يا هن (بكسر النون ، وفتحها.

وضمها) ، ويا هنى أقبلا ، بفتح النون ، ويا هنتى أقبلا (بفتح التاء) ، ويا هنى أقبلوا (بكسر النون) ، ويا هناتى أقبلن.

ملحوظة :

ما لازم النداء من الأسماء السابقة لا يجوز أن ينعت منها شىء ؛ لأنها لا تقع إلا فى النداء.

__________________

(١) كتاب الذكر والمؤنث (لابن الأنبارى) ٣٢٧ ـ ٣٢٩ / ارتشاف الضرب ٣ ـ ١٣٨.

٢٢

إعراب المنادى

مما سبق يتضح فى الأحوال الإعرابية للمنادى ما يأتى :

ـ يذهب جمهور النحاة إلى أن المنادى أصله النصب ، ويستدلون على ذلك بقول العرب : يا إيّاك ، والضمير (إياك) كناية عن المنادى ، وهو ضمير نصب لا غير.

أما قولهم : يا أنت ، حيث كنّوا عن المنادى بضمير الرفع فإنما هو بالنظر إلى اللفظ ، كما تقول : يا محمد ، مضموما بالبناء على الضم ، فإذا وصفته جاز فى نعته الرفع. ومنه قول الشاعر :

يا مرّ يا ابن واقع يا أنتا

أنت الذى طلّقت عام جعتا (١)

 ـ للمنادى حالتان : بناء وإعراب.

بناء المنادى

ـ إذا كان المنادى قويّا فى تعريفه لفظا واحدا ؛ أى : كان علما (اسما واحدا ، أو نكرة مقصودة ، اسما واحدا) فإنه يبنى على ما يرفع به ، ويكون محلّه النصب.

ويجعل النحاة مثل هذا المنادى مفردا ، ويقصدون به ما ليس بمضاف ولا بشبيه بالمضاف ، وذلك من أجل طولهما فى التلفظ بهما ، فيدخل فيه المثنى والمجموع ، وكل منهما يكون معرفا بحرف النداء ، وكذلك المركب تركيبا مزجيا ، إذا قصد بكل منها العلمية ، ودليل بناء هذه الأقسام الاسمية حين ندائها أن ما يضمّ منها يكون بضمة واحدة لا غير ، فإن كانت معربة لزمها الضمتان فتنون ، فلمّا لم تنون كان ذلك دليلا على بنائها وبناء ما هو مثيلها من المثنى والمجموع.

ذلك نحو :

ـ يا محمد أقبل. (محمد) منادى مبنى على الضمّ فى محلّ نصب.

__________________

(١) ينسب إلى الأحوص ، ينظر : الإنصاف م ٤٥ ، ٩٦ / شرح التسهيل ٣ ـ ٣٨٧ ، وفيه : يا أبجر بن أبجر / العينى ٤ ـ ٢٣٢ / وهو فى شعر الأحوص ٢١٦ .. جمع وتحقيق عادل سليمان.

(أنت الذى) مبتدأ وخبر. وجملة (طلقت) صلة. (عام) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. والجملة الفعلية (جعت) فى محل جر بالإضافة.

٢٣

ـ يا عليّان انتبها. (عليان) منادى مبنى على الألف فى محلّ نصب.

ـ يا أحمدون ذاكروا. (أحمدون) منادى مبنى على الواو فى محلّ نصب.

ـ يا طالبتان اكتبا. (طالبتان) منادى مبنى على الألف فى محلّ نصب.

ـ يا مؤمنون أتقنوا عملكم. (عاملون) منادى مبنى على الواو فى محلّ نصب.

ـ ومنه أن تقول : يا فواطم أقبلن ، ويا مسلمات أخلصن فى تربية أبنائكن ، ويا رجال أدّوا حقّ الوطن ، ويا شباب تأمّلوا فى الأمور.

ـ مما سبق تلحظ أن المنادى العلم والنكرة المقصودة إذا كان كلّ منهما اسما فإنه يبنى على ما يرفع به إن كان معربا ، حيث يبنى على الضمة كلّ من المفرد وجمع التكسير وجمع المؤنث السالم ، ويبنى على الألف المثنى ، ويبنى على الواو جمع المذكر السالم.

ومنه قوله تعالى : (قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ) [مريم : ٤٦] (١) ، (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) [طه : ١١٧] (قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) [هود : ٦٢] (٢) (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) [المائدة : ٢٢] (٣). كلّ من (إبراهيم ، وآدم ، وصالح) منادى مبنى على الضم فى محلّ نصب ؛ لأنه علم اسم واحد (مفرد) ، أما المنادى (موسى) فإنه مبنى على الضم المقدر فى محل نصب.

__________________

(١) (أَراغِبٌ) الهمزة : حرف استفهام مبنى ، لا محل له من الإعراب راغب : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أو : خبر مقدم. (أَنْتَ) ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ساد مسد الخبر ، أو المبتدإ المؤخر. (عَنْ آلِهَتِي) جار ومجرور ومضاف إليه مبنى ، وشبه الجملة متعلقة بالرغبة.

(٢) (قَدْ) حرف تحقيق مبنى لا محل له. (كُنْتَ) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على السكون ، وضمير المخاطب مبنى فى محل رفع ، اسم كان. (فِينا) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالرجاء. (مَرْجُوًّا) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (قَبْلَ) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو متعلق بالرجاء. (هذا) اسم إشارة مبنى فى محل جر بالإضافة.

(٣) (فِيها) جار ومجرور مبنيان ، شبه الجملة فى محل رفع خبر إن مقدم (قَوْماً) اسم إن مؤخر منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (جَبَّارِينَ) صفة لقوم منصوبة ، وعلامة نصبها الياء لأنها جمع مذكر سالم.

٢٤

من المنادى النكرة المقصودة قول الأعمش :

قالت هريرة لما جئت زائرها

ويلى عليك وويلى منك يا رجل (١)

فالمنادى (رجل) مبنىّ على الضمّ فى محلّ نصب ، وذلك لأنها أرادت رجلا بعينه ، فكان نكرة مقصودة لذاتها دون غيرها من بنى جنسها.

ـ ويكون مبنيا على الضمة المقدرة إن كان لا يظهر فيه الإعراب ، كأن يكون مقصورا أو منقوصا ، أو مركبا تركيبا مزجيا ، أو اسما محكيا بالنقل. أو كان مبنيا ، نحو :

ـ يا فتى ، انتبه إلىّ. (فتى) منادى مبنى على الضمّ المقدر فى محل نصب.

ـ يا قاضى ، احكم بالعدل ، يا معد يكرب أقبل : يا تأبط شرا ما أحكم ما تقول.

كل من : (قاض ، ومعد يكرب ، وتأبط شرا) منادى مبنى على الضمّ المقدر فى محلّ نصب.

يا بور سعيد ما أعظم كفاحك!

يا حسنى هل أدّيت الواجب؟

يا رامى ما ذا فعلت اليوم؟

__________________

(١) (قالت) فعل ماض مبنى على الفتح. والتاء للتأنيث حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (هريرة) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (لما) حرف فيه معنى الشرط مبنى ، لا محل له من الإعراب يقتضى جملتين ، ومن النحاة من يرى أنه اسم ظرف. (جئت) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع فاعل ، (زائرها) حال. منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. وضمير الغائبة مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. وجملة (لما) الثانية محذوفة دل عليها جملة (قالت ..) (ويلى) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. (عليك) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ. والجملة الاسمية فى محل نصب ، مقول القول. (وويلى منك) جملة اسمية فى محل نصب بالعطف على سابقتها. (يا رجل) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب.

ومنادى مبنى على الضم فى محل نصب.

٢٥

كل من : (بور سعيد ، وحسنى ، ورامى) منادى مبنى على الضم المقدر فى محل نصب.

فإذا كان الاسم مبنيا قبل النداء فإنه يظلّ على بنائه من الضمّ أو الكسر أو

الفتح ، ويقدر فيه علامته من البناء فى حال ندائه ، كما يجب أن يشار فى إعرابه إلى إعرابه منصوبا ، فإذا قلت : يا لكاع ارعوى ، تكون (لكاع) منادى مبنيا على الضمة المقدرة ؛ لانشغال المحلّ بالكسرة المبنىّ عليها ، وهو فى محلّ نصب مفعول به.

وتقول : يا سيبويه انتبه. (سيبويه) منادى مبنى على الضمّ المقدر.

ملحوظات :

ـ إذا كان المنادى المبنىّ منقوصا فإن سيبويه ومن ذهب مذهبه من جمهور النحاة يثبتون الياء ، فيقولون : يا قاضى ، يا هادى ، يا منادى ... إلخ.

ومذهب بعض النحاة حذف الياء ، فيقولون : يا قاض ، يا هاد ، يا مناد ...

إلخ.

ـ إذا كان المنادى النكرة المقصودة موصوفا فإنه يجوز فيه أن ينصب ، فتقول : يا طالبا مجدا أكرمك الله ، يا ابنا مطيعا أحسن الله إليك ، يا رجلا كريما أثابك الله.

ومن النحاة من يوجب النصب فيما كان وصفه جملة أو شبه جملة ، نحو : يا طالبا فهم الدرس ، ويا طالبا بين الصفوف قف مكانك. وينبه إلى ذلك فى نهاية هذا القسم.

ومنه قوله ـ صلّى الله عليه وسلّم : «يا عظيما يرجى لكل عظيم ادفع عنى كلّ عظيم». حيث وصف المنادى المقصود (عظيما) بالجملة الفعلية (يرجى) ، فأوثر فيه النصب.

ـ فى الضرورات الشعرية يجوز فيما يجب بناؤه على الضمّ من المنادى وجهان :

٢٦

أولهما : أن ينون الضم ، تشبيها له بالمرفوع الممنوع من الصرف ، ويضطر إلى تنوينه ، وهو فى المنادى العلم الاسم الواحد (المفرد) أولى من النصب ، ومنه ما يستشهد به من قول الأحوص :

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام (١)

حيث نادى على العلم الاسم الواحد (المفرد) مطر مرتين ، أولاهما : بالضم المنون للضرورة الشعرية ؛ لأن حقّه الضمّ دون تنوين. والأخرى : على قاعدة المنادى المطردة ، وهى البناء على الضم.

ويجعلون منه قول كثير فى إحدى رواياته :

ليت التحية لى فأشكرها

مكان يا جمل حيّيت يا رجل (٢)

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٢٠٢ / المقتضب ٤ ـ ٢١٤ ، ٢٢٤ / الجمل ١٦٦ / المحتسب ٢ ـ ٩٣ / شرح ابن الناظم ٥٧٠ / شرح التصريح ٢ ـ ١٧١ / الأشمونى ٣ ـ ١٤٤ / ديوانه ١٧٣.

(سلام) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الله) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (مطر) منادى مبنى على الضم فى محل نصب ، ونون لأجل الضرورة الشعرية. (عليها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، أو متعلقة بخبر محذوف. (وليس) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. ليس : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح. (عليك) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب خبر كان مقدم. (يا مطر) حرف نداء مبنى ، ومنادى مبنى على الضم فى محل نصب ، والجملة اعتراضية للتنبيه ، لا محل لها من الإعراب. (السّلام) اسم ليس مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٢) الجمل ١٦٤ / شرح ابن بعيش ١ ـ ١٣٩ / شرح ابن الناظم ٥٧٠ / الأشمونى ٣ ـ ١٤٤ / ديوانه ١ ـ ١٥٩. (ليت) حرف ناسخ مبنى. لا محل له من الإعراب. (التحية) اسم ليت منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (لى) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع خبر ليت.

(فأشكرها) الفاء حرف سببى مبنى ، لا محل له من الإعراب. أشكر : فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا. وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب مفعول به. (مكان) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو متعلق. بخبر ليت. (يا جمل) يا : حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب ، جمل ، منادى مبنى على الضم فى محل نصب ، وجملة النداء اعتراضية لا محل لها من الإعراب. (حييت) فعل ماض مبنى على السكون المقدر ، وهو مبنى للمجهول ، وضمير المخاطب مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل. والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة. (يا رجل) حرف نداء مبنى لا محل له ، ومنادى مبنى على الضم فى محل نصب. وجملة النداء لا محل لها من الإعراب.

٢٧

حيث يروى (يا جملا) بالنصب المنون ، ورواية الضمّ أكثر شهرة ، ومنهم من يرى أن المنادى المبنى على الضم لمّا خرج عن البناء إلى التنوين للضرورة الشعرية عاد إلى الأصل وهو النصب ، كما فى رواية نصب جمل فى البيت السابق ، ويوجه إلى ذلك نصب المنادى فى قول المهلهل :

ضربت صدرها إلىّ وقالت

يا عديا لقد وقتك الأواقى (١)

حيث نصب المنادى (عديا) وهو علم مفرد ، ليشابه المنادى المعرب على الأصل فى النصب.

والوجه الآخر : أن ينصب تشبيها له بالمضاف ، وهو فى المنادى النكرة المقصودة أولى من الضمّ ، ومنه ما يستشهد به من قول جرير :

أعبدا حلّ فى شعبى غريبا

ألؤما ـ لا أبالك ـ واغترابا (٢)

__________________

(١) (ضربت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء للتأنيث حرف مبنى لا محل له من الإعراب. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى. (صدرها) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة. (إلى) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالضرب. (وقالت) عاطف وفعل ماض ، وتاء التأنيث ، والفاعل مستتر ، والجملة معطوفة على سابقتها. (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب : (عديا) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (لقد) اللام واقعة فى جواب قسم محذوف ، قد : حرف تحقيق مبنى على السكون ، لا محل له ، من الإعراب. (وقتك) وقى : فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، والتاء حرف تأنيث مبنى لا محل له من الإعراب ، وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (الأواقى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

(٢) الكتاب ١ ـ ٣٣٩ ، ٣٣٤ / شرح ابن الناظم ٥٧١ / الأشمونى ٢ ـ ١١٨ / ٣ ـ ١٤٥ / شرح التصريح ١ ـ ٣٣١ / ٢ ـ ١٧١ ، ٨٩٢ /. ديوانه ٦٢.

(أعبدا) الهمزة حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. عبدا : منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وقيل ، منصوب على الحالية ، والتقدير : أتفخر عبدا. (حل) فعل ماض مبنى على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو ، والجملة الفعلية فى محل نصب نعت للمنادى. (فى شعبى) حرف جر مبنى ، لا محل له ، واسم مجرور بعد فى ، وعلامة جره الفتحة المقدرة نيابة عن الكسرة ، لأنه ممنوع من الصرف. وشبه الجملة متعلقة بالحلول. (غريبا) حال من الضمير فى حل منصوبة وعلامة نصبها الفتحة. (ألوما) الهمزة حرف استفهام مبنى لا محل له من الإعراب. لؤما : مفعول مطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة لفعل محذوف. (لا أبالك) نافية للجنس واسمها وخبرها شبه الجملة ، أو اللام فى (لك) مقحمة ، والخبر محذوف. (واغترابا) حرف عطف مبنى ، ومصدر منصوب لفعل محذوف.

٢٨

حيث المنادى (عبدا) روى بالنصب للضرورة الشعرية ، وكان حقّه البناء على الضم ؛ لأنه نكرة غير مقصودة.

ـ إذا كان المنادى غير ذلك ؛ أى : إذا كان نكرة غير مقصودة ، أو كان مضافا ، أو شبيها بالمضاف (١) فإنه ينصب ، وتكون علامة نصبه ملائمة لنوعه الاسمى.

نحو :

ـ يا فاتح الباب أغلقه. (فاتح) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف.

ـ يا فاتحا الباب أغلقه. (فاتحا) منادى منصوب ، وهو شبيه بالمضاف ، وفيه فاعل مستتر تقديره (أنت) ، و (الباب) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

ـ يا سامعى الدرس افهماه. (سامعى) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الياء ، وهو مضاف. (الدرس) مضاف إليه مجرور.

ـ يا سامعين الدرس افهماه. (سامعين) منادى منصوب ، وهو شبيه بالمضاف.

(الدرس) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

ـ يا مؤدّى الصلاة بارك الله فيكم. (مؤدى) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، وهو مضاف (٢) و (الصلاة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جرّه الكسرة.

ـ يا مؤدّين الصلاة بارك الله فيكم. (مؤدين) منادى منصوب. وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، وهو شبيه بالمضاف ، و (الصلاة) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

__________________

(١) الشبيه بالمضاف يعنى اسمين يتعلق ثانيهما بأولهما تعلقا إضافيا ، أو : هو ما اتصل به شىء من تمام معناه ، فيكونان بمثابة التركيب الإضافى ، ثم فصل بين جزأى الإضافة بالتنوين ، أو بحرف الجر ، أو بنون التثنية ، أو بنون جمع المذكر سالم ، أو بحرف العطف ، وتلحظ أن العلاقة بين الاسمين نابعة من كون الأول عاملا نحويا فى الثانى ، أو أن الثانى معطوف على الأول.

(٢) يجوز فى لفظ (مؤدى) أن يدلّ على المفرد ، ولكن ما يفرق بينه وبين دلالته على الجمع الضمير الذى يعود عليه ، فيقال فى المفرد : يا مؤدّى الصلاة بارك الله فيك.

ويقال للمثنى : يا مؤدّيى الصلاة بارك الله فيكما. وللجمع ما ذكر أعلى.

٢٩

ـ يا أربعة وخمسين ؛ هات كتابك. (أربعة) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو شبيه بالمضاف.

ـ يا حريصا على أداء واجبك أثابك الله. (حريصا) منادى منصوب ، وهو شبيه بالمضاف ، فشبه الجملة (على أداء) متعلقة به.

ـ ومنه قوله تعالى : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف : ٣٩](١). (صاحبى) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه مثنى وهو مضاف ، و (السجن) مضاف إليه.

ـ ومنه : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) [البقرة : ٤٠].

(بَنِي) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، وهو مضاف.

ـ (يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً). [الكهف : ٨٦](٢).

(إِذا) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة ، وهو مضاف. (الْقَرْنَيْنِ) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه مثنى.

ـ (يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) [البقرة : ١٣٢](٣) ، (بَنِيَ) منادى

__________________

(١) (أَأَرْبابٌ) الهمزة حرف استفهام مبنى ، لا محل له من الإعراب. أرباب : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (مُتَفَرِّقُونَ) نعت لأرباب مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه جمع مذكر سالم. (خَيْرٌ) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (أَمِ) المعادلة ، حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (اللهُ) مبتدأ مرفوع. (الْواحِدُ الْقَهَّارُ) صفتان للفظ الجلالة. وخبر المبتدأ محذوف دل عليه ما سبق ؛ والجملة معطوفة على سابقتها ، ويجوز أن تجعل لفظ الجلالة معطوفا على أرباب.

(٢) (أَنْ) حرف مصدرى ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تُعَذِّبَ) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. والمصدر المؤول فى محل رفع ، مبتدإ خبره محذوف ، تقديره : واقع أو موجود ، ويجوز أن تجعله خبرا لمبتدإ محذوف تقديره : هو. ويجوز أن تجعله فى محل نصب ، مفعول به لفعل محذوف ، والتقدير : تفعل التعذيب. و (إِمَّا) حرف تفصيلى مبنى لا محل له. (أَنْ تَتَّخِذَ) كإعراب (أَنْ تُعَذِّبَ) (فِيهِمْ) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالاتخاذ. (حُسْناً) نعت منصوب لمفعول به محذوف ، والتقدير ؛ أمرا ذا حسن ، أو : أمرا حسنا. ويجوز أن يكون نائبا عن المفعول المطلق منصوبا ، والتقدير : اتخاذا ذا حسن ، أو : حسنا.

(٣) الجملة الفعلية (اصْطَفى) فى محل رفع ، خبر إن. (لَكُمُ) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالاصطفاء. (الدِّينَ) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

٣٠

منصوب ، وعلامة نصبه الياء ، وهو مضاف ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة إليه.

ـ وقول الأخطل :

ألا يا عباد الله قلبى متيّم

بأحسن من صلّى وأقبحهم بعلا (١)

(عباد) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف.

ـ ومنه كذلك : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ) [لقمان : ١٣] ، (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [لقمان : ١٧]. (بنى) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، وهو مضاف ، وضمير المتكلم المضاف إليه محذوف للتخفيف ، أو : الألف المقلوب من ضمير المتكلم محذوف ، فالأصل : يا بنييى (بثلاث ياءات) أو : يا بنييا.

ـ (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) [العنكبوت : ٥٦](٢). (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) [الزمر : ١٠] ، (عِبادِ) منادى منصوب ، وعلامة نصبه

__________________

(١) الجمل ١٦٠ / شرح ابن هشام لجمل الزجاجى ٢٣١.

(ألا) حرف استفتاح وتنبيه مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (عباد) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف. (الله) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (قلبى) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وهو مضاف ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة إليه. (متيم) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية جواب النداء ، لا محل لها من الإعراب. (بأحسن) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بمتيم. (من) اسم موصول مبنى فى محل جر مضاف إليه. (صلى) جملة فعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (وأقبحهم) حرف عطف مبنى ومعطوف على أحسن مجرور ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. (بعلا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(٢) (يا) حرف نداء مبنى. (عِبادِيَ) منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر الإضافة إلى عباد. (الَّذِينَ) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، نعت للمنادى. (آمَنُوا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع فاعل. والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (إن) حرف توكيد ونصب مبنى لا محل له. (أَرْضِي) اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة. وهو مضاف ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر مضاف إليه. (واسِعَةٌ) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وجملة إن ومعموليها جواب النداء ، لا محل لها من الإعراب.

٣١

الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم ، وهو مضاف ، وضمير المتكلم مضاف إليه ، وتلحظ أنه قد يحذف ضمير المتكلم ، وتظل الكسرة دليلا عليه.

ـ ومثله : (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [الفرقان : ٣٠](١).

(يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) [غافر : ٣٩](٢).

ـ ومنه : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) [الرحمن : ٣٣](٣).

__________________

(١) (يا) حرف نداء مبنى. (رَبِ) منادى منصوب مقدرا ، وضمير المتكلم فى محل جر بالإضافة(إِنَ) حرف توكيد ونصب مبنى لا محل له. (قَوْمِي) اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر مضاف إليه. (اتَّخَذُوا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع فاعل. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر إن (هذَا) اسم إشارة مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (الْقُرْآنَ) بدل ، أو عطف بيان ، أو نعت لاسم الإشارة منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (مَهْجُوراً) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. يجوز أن تجعل اسم الإشارة مفعولا به أول لاتخذوا ، ومهجورا مفعولا به ثانيا.

(٢) (إِنَّما) حرف توكيد ونصب ناسخ مبنى لا محل له. ما : كافة لإن حرف توكيد مبنى لا محل له. (هذِهِ) اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (الْحَياةُ) بدل ، أو عطف بيان ، أو نعت لاسم الإشارة مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الدُّنْيا) نعت للحياة مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (مَتاعٌ) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٣) (يا) حرف نداء مبنى. (معشر) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (الْجِنِ) مضاف إليه مجرور ، (وَالْإِنْسِ) حرف عطف مبنى ، ومعطوف على الجن مجرور (إِنِ) حرف شرط مبنى ، لا محل له من الإعراب. (اسْتَطَعْتُمْ) فعل الشرط ماض مبنى على السكون ، وضمير المخاطبين مبنى فى محل رفع فاعل. (إِنِ) حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له. (تَنْفُذُوا) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والمصدر المؤول فى محل نصب مفعول به. (مِنْ أَقْطارِ) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالنفاذ. (السموات) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وَالْأَرْضِ) حرف عطف مبنى ، ومعطوف على السموات مجرور. (فَانْفُذُوا) الفاء واقعة فى جواب الشرط حرف مبنى ، لا محل له. انفذوا : فعل أمر مبنى على حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل جزم جواب الشرط ، والتركيب الشرطى جواب النداء ، لا محل له من الإعراب.

٣٢

ملحوظات :

أولا : نداء النكرة المقصودة الموصوفة :

قد يجرى المنادى النكرة المقصودة ـ إذا وصفت ـ مجرى المنادى النكرة غير المقصودة فى الإعراب نصبا ، فتقول : يا رجلا كريما أعط هذا الفقير ، يا طالبا مجدّا أجب عن هذا السؤال ، يا فتاة مهذبة لك هذه الجائزة.

ومن النحاة من يوجب نصبها حينئذ (١) ، ومنه قول توبة بن الحميّر :

أظنك يا تيسا نزا فى مريرة

معذّب ليلى أن ترانى أزورها (٢)

حيث نصب المنادى النكرة المقصودة (تيسا) ؛ لأنه وصف بالجملة الفعلية (نزا).

فإذا كان ما بعد المنادى النكرة المقصودة ليس صفة له فإن المنادى يظلّ على بنائه على ما يرفع به ، ويجعلون من ذلك قول الطرمّاح :

يا دار أقوت بعد أصرامها

عاما وما يعينك من عامها (٣)

حيث يجعلون الجملة (أقوت) ليست صفة لدار ، وإنما هى استئناف لحديث عنها (٤).

وكذلك قول الأحوص :

يا دار حسرها البلى تحسيرا

وسفت عليها الريح بعدك مورا (٥)

ومنه قول الصلتان العبدى :

أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله

جرير ولكن فى كليب تواضع (٦)

__________________

(١) التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٤٠.

(٢) الكتاب ٢ ـ ٢٠٠ / المقتضب ٤ ـ ٢٣٠ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٤٠.

(٣) ديوانه ١٦٢ / الكتاب ٢ ـ ٢٠١ / اللسان : مادة (صرم). أصرام : جمع صرم ، بكسر الصاد ، وهو الفرقة من الناس ...

(٤) الكتاب ٢ ـ ٢٠١ ،

(٥) الموضع السابق.

(٦) الكتاب ٢ ـ ٢٣٧ / أمالى القالى ٢ ـ ١٤٢ / الخزانة ٢ ـ ١٧٤ ،

٣٣

وفيه نصب شاعرا بعد حرف النداء (أيا) ، ويوجه على أن المنادى محذوف ، والتقدير : أيا هؤلاء ، ويكون نصب شاعر على الاختصاص والتعجب ، حيث إنه نكرة ، والشاعر يتوجه بالمنادى إلى شاعر بعينه ، وهو جرير.

لكن كثيرا من النحاة يجعلون نصب شاعر على النداء ، على أنه نكرة موصوفة بجملة ، حيث جملة (لا) النافية للجنس فى محل نصب ، نعت للمنادى. فهو منادى مخصوص معروف لوصفه بالجملة.

ثانيا : نداء المسمى بالعدد :

ـ إذا سميت باثنى عشر وناديته فإنك تقول : يا اثنا عشر أقبل ، على مذهب البصريين ، حيث يجعلون (عشر) بمثابة النون المحذوفة من اثنين للإضافة.

وتقول : يا اثنى عشر على مذهب الكوفيين.

ـ إذا سميت جماعة بـ (ثلاثة وثلاثين) ناديت عليهم بقولك : يا ثلاثة وثلاثين ، بالنصب ؛ لأن هذا التركيب أصبح علما بالتسمية ، فهو بإزاء حقيقة واحدة ، كقولك : يا عبد الله ، فأصبح المضاف والمضاف إليه بإزاء حقيقة واحدة ، فنصبت المنادى ، وأجريت الثانى معه موقعه فى الإعراب ، فكان (الله) مضافا إلى (عبد) ، وكان (ثلاثون) معطوفا على ثلاثة بالنصب لا غير ؛ لأن الأول منصوب لفظا ومحلا.

لكنك إذا ناديت على هذه الجماعة وأنت تقصد عددهم بـ (ثلاثة وثلاثين) فإنك تقول : يا ثلاثة وثلاثون ، أو ثلاثين ، فيكون الأول مبنيا على الضمّ فى محل نصب ؛ لأنه نكرة مقصودة ، ويكون الثانى معطوفا عليه ، فيجوز فيه الرفع على اللفظ ، والنصب على المحل.

ثالثا : المحل الإعرابى للمستغاث به :

نذكر فيما بعد أن المستغاث به والمندوب والمتعجب منه باستخدام النداء يكون فى محلّ نصب.

٣٤

العامل فى المنادى :

يختلف النحاة فيما بينهم فى العامل فى المنادى على النحو الآتى :

ـ يذهب جماعة من النحاة إلى أن ناصب المنادى هو حرف النداء ، واختلفوا فى ذلك : حيث ذهب جماعة منهم إلى أن حرف النداء نفسه هو العامل ، فهو يغنى عن الفعل لفظا وعملا ، وذلك كى يتحقق معنى الإنشاء الموجود فى النداء ، وإذ إنه لو كان غيره لكان الأسلوب خبريا.

ويستدلون على ذلك بأن (يا) تمال كما تمال الأفعال ، أو ما يقوم مقامها ، كما يحتجون كذلك لهذا الرأى بأن حرف الجرّ يتعلق بها ، عند ما تقول : يا لمحمد ، والحرف لا يتعلق بالحرف إلا إذا كان قائما مقام الفعل.

ويردّ على ذلك بأن الحروف لا تعمل إلا إذا اختصّت ، وحرف النداء يدخل على الفعل والاسم والحرف.

وذهب آخرون ـ وعلى رأسهم الفارسى ـ إلى أن حرف النداء اسم فعل. ويردّ على ذلك بأن معانى الأفعال لا تعمل إلا فى أشباه الجمل (الظروف والمجرورات).

ـ وذهب جماعة من النحاة ـ وعلى رأسهم سيبويه ـ أن الناصب للمنادى فعل مقدر واجب الحذف ، وحرف النداء نائب عن الفعل فى اللفظ والمعنى ، لا فى العمل. والتقدير عند هؤلاء ، أدعو ، أو أنادى ، أو أريد ... أو نحو ذلك.

وحجتهم فى ذلك أن حرف النداء لو كان عاملا لوجب اتصال الضمير به (١).

وانتصاب المنادى لديهم بالفعل المقدر (أدعو) لا يقتضى أن يكون خبرا وهو إنشاء عند الجمهور ، وكان أصله الخبر ، وكلّ من الخبر والإنشاء قد ينتقل معنويا إلى الآخر ، ولذلك فإن الفعل الذى نابت (يا) منابه واجب الحذف ، حتى لا يتوهم أنه مراد به الإخبار ، وليس كذلك.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٢٩١.

٣٥

وأصل النداء عند هؤلاء ـ وعلى رأسهم سيبويه ـ أن تقول : إياك أعنى ، فكان المنادى ـ عندهم ـ منصوبا ومخاطبا. فناب حرف النداء مناب الفعل الناصب ، وناب الاسم الظاهر المدعوّ مناب ضمير الخطاب.

وأنت تلحظ أن جملة جواب النداء تكون متضمنة ضمائر المخاطبة دائما إذا كانت للمنادى ، نحو ، يا محمد اكتب ، أى : أنت ، وأكافئك ، ويا رجال أحترمكم ...

وإذا كانت جملة جواب النداء متحدثة عن غير المنادى فإنها تتضمن مخاطبته سياقيا ، فإذا قلت : يا علىّ إن محمودا فعل كذا ، فكأنك تقول له : يا علىّ أنبهك ، أو أحذرك ... أو غير ذلك من هذه المعانى.

تعدى عامل المنادى إلى ما بعده :

يوجه النحاة إعراب بعض المنصوبات أو تعلق أشباه الجمل التى تذكر بعد المنادى إلى أن العامل فيها هو العامل فى المنادى ، وهو الفعل الذى ناب حرف النداء منابه. ففى قول الشاعر :

يا هند دعوة صبّ هائم دنف ...

نصب (دعوة) بعامل المنادى ، فهو مصدر منصوب به.

وفى قول الشاعر :

يا دار بين النقا والحزن ما صنعت

يد النّوى بالألى كانوا أهاليك

تعلقت شبه الجملة (بين النقا) بعامل المنادى. وقد تكون فى محلّ نصب على الحالية.

فى قول الشاعر :

يا أيّها الربع مبكيا بساحته

كم قد بذلت لمن وافاك أفراحا

يوجه نصب (مبكيا) على الحالية ، والعامل فيه عامل المنادى ، واستقبحه قوم على رأسهم المازنى ، وأجازه آخرون.

٣٦

فى قول النابغة :

قالت بنو عامر خالوا بنى أسد

يا بؤس للجهل ضرّارّا لأقوام (١)

نصب (ضرار) على أنه حال من (بؤس) ، فيكون العامل فيها العامل فى المنادى ، وقد تجعلها حالا ـ من الجهل ، فيكون العامل فيها (بؤس)

اجتماع حرفى التعريف والنداء

لا يجتمع حرفا النداء والتعريف ، أى : لا يدخل حرف النداء على المعرف بالألف واللام ، ويستثنى من ذلك مناديان : لفظ الجلالة (الله) ، والجملة المسمى بها.

الموضع الأول : المنادى لفظ الجلالة (الله) تعالى :

فيقال : يا ألله ارحمنا وانصرنا. حيث لفظ الجلالة (الله) منادى مبنى على الضمّ فى محلّ نصب ، وتنطق همزته بالقطع أو بالوصل.

واختلف النحاة فى تعليل دخول حرف النداء على لفظ الجلالة وفيه الألف واللام على النحو الآتى :

ـ منهم من يرى أن ذلك ضرورة ؛ لأنه لا يمكن التوصل إلى نداء لفظ الجلالة بـ (أى) ؛ لأن أيا مبهمة ، ولا بدّ من وصفها بأسماء الأجناس ، فتقول ، يا أيها المواطن ، يا أيها المؤمنون ، يا أيتها الفتاة ... إلخ ، والله ـ تعالى ـ واحد ليس بجنس ، كما أن لفظه ـ جلّ وعلا ـ ليس بمبهم ، فلا يصح أن ينادى بـ (أى) ولا باسم الإشارة.

ـ وقيل : ذلك لكثرة الاستعمال على الألسن ، فأجازوا فى لفظ الجلالة ما لم يجز فى غيره من الألفاظ.

ـ وقيل : ذلك لأن الألف واللام فى لفظ الجلالة ليستا للتعريف ؛ لأنه لم يكن نكرة ، ولا يجوز أن يكون نكرة ، ويستدل على ذلك بدخول حرف النداء على

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٢٧٨ / ابن يعيش ٣ ـ ٦٨ / الخزانة ٢ ـ ١٣٠ / ديوان النابغة ٧١.

٣٧

الأسماء الموصولة التى تضمنت الألف واللام. حيث لا يرى جمهور النحاة أنهما للتعريف ، ومن ذلك قول الشاعر :

من أجلك يا التى تيّمت قلبى

وأنت بخيلة بالودّ عنّى (١)

حيث دخل حرف النداء (يا) على الاسم الموصول (التى) ، وهو مصدر بالألف واللام ، وهما ملازمان له.

من النحاة من طعن على البيت ، ومنهم من يقدر منادى محذوفا ، نحو : يا أيتها التى تيمت .. ، ومنهم من يرى أنه شاذ.

ملحوظات :

أولا : قطع الهمزة فى النداء :

ينطق لفظ الجلالة (الله) بعد حرف النداء بهمزة وصل ، وهو القياس ، ويجوز أن تقطع الهمزة فتقول : يا ألله.

ويعلّل لقطع الهمزة فى أثناء النداء بما يأتى :

ـ إما لأن الألف واللام عوض من الهمزة المحذوفة من أصل لفظ (الله) ، وهو (الإله).

ـ وإما للتفخيم ، فلزومها دليل على تفخيم الاسم.

ـ وإما لأنها همزة مفتوحة ، وإن كانت موصولة.

ـ وإما لكثرة الاستعمال.

وعلى كلّ مما سبق ردّ ، فالردّ على الأول بأنهما لو كانا عوضا من الهمزة المحذوفة لما اجتمعا فى اللفظ الواحد ، كما هو فى لفظ (الإله) ، ويرد ذلك بأن لفظ (الله) خاص به وحده تعالى ، وأما لفظ الإله فإنه يكون لكل معبود ، وعلى الثانى بأنهما لا زمان فى (الذى والتى) ، ولم تقطع الهمزة ، وعلى الثالث بأن همزة (ايم)

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ١٩٧ المقتضب ٤ ـ ٢٤١ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٥٦ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٨ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ١٤٥.

٣٨

و (ايمن) مفتوحة ، وإن كانت موصولة ، وعلى الرابع بأنه لا تقطع الهمزة فيما يكثر استعمالهم له.

ثانيا : القول فى (اللهم):

ألحق بلفظ الجلالة (الله) ميم مشددة ، فقالوا : اللهم ، بضم الهاء ، وسكون الميم الأولى وفتح الثانية باتفاق ، واختلف فى تعليل هذا الإلحاق على النحو الآتى :

ـ ذهب البصريون إلى أن الميم المشددة عوض من حرف النداء المحذوف ، ولذلك فإنه لا يجوز الجمع بينهما ، وأما قول الشاعر :

إنى إذا ما حدث ألمّا

أقول يا اللهمّ يا اللهمّا (١)

فضرورة ، حيث جمع بين حرف النداء والميم المشددة.

ومثله قوله :

وما عليك أن تقولى كلّما

سبّحت أو هلّلت يا اللهمّا

اردد علينا شيخنا مسلّما

 ـ ورأى الكوفيون ـ وعلى رأسهم الفراء ـ أن أصله : (يا الله أمّنا بخير) ، أو : يا آلله أمّ بخير ، أى : اقصدنا به ، فالميم المشددة بقية فعل ، فألقوا الهمزة من (أم) لكثرة الاستعمال ، فاتصلت الهاء بالميم ، ولذلك فإنهم يجيزون دخول حرف النداء عليه.

لكنه يرد على ذلك بأنه يجوز أن يقال : اللهم أمنّا بخير ، فلو كان الأمر كما عللوا من قبل لكان ذلك تكريرا ، كما أنه لا يقال : اللهم أمنا بخير ، ويقال : اللهم اغفر لنا ، بدون حرف عطف ، بما يدلل على أنه لا يتضمن فعلا ؛ حتى يعطف عليه «اغفر».

__________________

(١) المقتضب ٤ ـ ٢٤٢ / المحتسب ٢ ـ ٢٣٨ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٥٦ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ١٦ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ٢٩٠ / المساعد ٢ ـ ٥١١ / شرح التصريح ٢ ـ ١٧٢ / وفيه رواية : إنى إذا ما مطعم ، ورواية : لمم.

٣٩

ـ وقيل : زيدت الميم للتفخيم والتعظيم ، كما هو الحال فى «ابنم ، وزرقم».

ثالثا : حذف الألف واللام من (اللهم):

يجوز حذف الألف واللام من (اللهم) ، فتكون (لاهمّ) ، ومنه قول عبد المطلب :

لاهمّ إن المرء يم

نع رحله فامنع حلالك (١)

والأصل : اللهمّ ، فحذف الألف واللام فصار : لاهم.

وكذلك قول الآخر :

لاهمّ أنت تجبر الكسيرا

أنت وهبت جلة جرجورا

وقول الشاعر :

لاهمّ إن عامر بن جهم

أحرم حجا فى ثياب دسم (٢)

وقول الآخر :

لاهمّ إن جرهما عبادكا

الناس طرف وهم بلادكا

ويتصل بذلك قولهم : لاه أبوك ، أى : لله أبوك ، وهو تعبير تعجبى ، ومنه قول ذى الإصبع :

لاه ابن عمى ما يخاف

الحادثات من العواقب

أى : لله ابن عمى ...

رابعا : وصف (اللهم):

اختلف النحاة فيما بينهم فى وصف لفظ (اللهم) على رأيين :

أولهما : ما رآه سيبويه (٣) وانتصر له الفارسى من عدم جواز وصف لفظ (اللهم) لوجود الميم فى آخره ، فأخرجته الميم عن نظائره فى الأسماء ، وما يذكر بعده من لفظ يتوهّم أنه نعت له يكون منادى محذوفا قبله حرف النداء.

__________________

(١) اللسان : حلل. الحلال : القوم الحلول بالمكان.

(٢) أساس البلاغة ١ ـ ٢٧١. مشكل القرآن لابن قتيبة ١٤٢ / الدسم : الوضر والدنس.

(٣) ينظر : الكتاب ٢ ـ ١٩٧ ، ١٩٨.

٤٠