النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

ـ وقد يكون الفاصل جارا ومجرورا متعلقين بالوصف المشتق : كما فى قوله صلّى الله عليه وسلّم : «هل أنتم تاركو لى صاحبى» ، (صاحب) مضاف إليه (تارك) ، وفصل بينهما بشبه الجملة (لى) «هل أنتم تاركو لى أمرائى».

ومنه قول الشاعر :

لأنت معتاد فى الهيجا مصابرة

يصلى بها كلّ من عاداك نيرانا (١)

أى : معتاد مصابرة فى الهيجا ، ففصل بين اسم الفاعل المضاف (معتاد) ومعموله المفعول به محلا المضاف المجرور لفظا (مصابرة) بشبه الجملة المتعلقة باسم الفاعل (معتاد).

ثالثا : أن يكون المضاف غير مشبه للفعل فى العمل ويكون الفاصل واحدا من :

ـ القسم : نحو : هذا غلام ـ والله ـ زيد ، بجر (زيد) على الإضافة ، ذكره الكسائى ، وقول بعضهم : (إن الشّاة لتجترّ فتسمع صوت ـ والله ـ ربّها) ، أى صوت ربها ، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالقسم.

ـ الشرط : كما ذكر الأنبارى : هذا غلام ـ إن شاء الله ـ ابن أخيك ، بإضافة (ابن) إلى (غلام) ، والفاصل بينهما الشرط (إن شاء) ...

ـ إما : زاده ابن مالك ، ويستشهد عليه بقول «تأبط شرا» :

هما خطّتا إما إسار ومنّة

وإما دم والقتل بالحرّ أجدر (٢)

برواية جر (إسار) بالإضافة إلى (خطتا) ، والفصل بينهما بـ (إما).

أما المواضع الأخرى فهى خاصة بالشعر ، وهى :

ـ الفصل بين المتضايفين بأجنبى ، أى معمول غير المضاف ، على النحو الآتى :

أ ـ من الفصل بالفاعل قول الأعشى ميمون بن قيس :

__________________

(١) ينظر : ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣٣ / الدر المصون ٣ ـ ١٨٩ / هامش الإنصاف ٢ ـ ٤٣٥.

(٢) ينظر : شرح التصريح : ٢ ـ ٥٨ ، الإسار : الأسر.

٤٠١

أنجب أيام والده به

إذ نجلاه فنعم ما نجلا (١)

(والداه) فاعل (أنجب) ، وفصل به بين المضاف الظرف (أيام) والمضاف إليه (إذ) ، وشبه الجملة (به) متعلقة بأنجب ، والتقدير : أنجب والده به أيام إذ نجلاه ...

ومنه قول الشاعر :

تمرّ على ما تستمرّ وقد شفت

غلائل عبد القيس منها صدورها (٢)

أى شفت عبد القيس غلائل صدورها منها ، ففصل الشاعر بين المضاف المفعول به (غلائل) والمضاف إليه (صدورها) بالفاعل (عبد القيس).

وقول الشاعر :

نرى أسهما للموت تصمى ولا تنمى

ولا ترعوى عن نقض أهواؤنا العزم (٣)

حيث (أهواؤنا) فاعل بالمصدر (نقض) ، وقد فصل به بين المصدر ، والمضاف إليه (العزم).

ب ـ كما فصل بالمفعول به فى قول جرير :

تسقى امتياحا ندى المسواك ريقتها

كما تضمّن ماء المزنة الرّصف (٤)

(تسقى) فعل يتعدى إلى اثنين ، فاعله مستتر تقديرة (هى) يعود إلى (أم عمرو) فيما سبق هذا البيت ، ومفعوله الأول (ندى) ، والثانى (المسواك) ، وقد فصل بين المفعول الأول المضاف (ندى) والمضاف إليه (ريقتها) بالمفعول الثانى كما نرى ، والأصل : تسقى ندى ريقتها المسواك.

__________________

(١) ينظر : شرح ابن الناظم ١٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٥٨ / الهمع ٢ ـ ٥٣. نجلاه : نسلاه.

(٢) ينظر : الإنصاف ٢ ـ ٤٢٨ / شرح الكافية ٢ ـ ٩٩١ / حاشية التفتازانى على الكشاف ٢ ـ ٣٥٤ / الخزانة ٤ ـ ٤١٣ / الدر المصون ٣ ـ ١٣٧.

(٣) شرح التسهيل ٣ ـ ٢٧٤ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣٤ / العينى ٣ ـ ٢٤٨ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٧٩.

(٤) ينظر المواضع السابقة. الامتياح : الاستياك ، المزنة : السحاب ، الرصف بفتح ففتح : جمع رصفة وهى حجارة مرصوف بعضها إلى بعض ، وماؤها أرق وأصفى.

٤٠٢

ج ـ وفصل بالظرف بين المضاف غير الصفة والمضاف إليه فى قول أبى حية النّميرى :

كما خطّ الكتاب بكفّ يوما

يهودىّ يقارب أو يزيل (١)

بإضافة (كف) إلى (يهودى) ، والفصل بينهما بالظرف (يوما).

يلحظ أن : الفعل (خط) مبنى للمجهول ، نائب فاعله (الكتاب) ، وشبه جملة (بكف) متعلقة به. جملتا (يقارب أو يزيل) نعت ليهودى.

د ـ قد يفصل بفاعل المضاف ، والمضاف غير صفة ، كما هو فى قول الشاعر :

ما إن وجدنا للهوى من طبّ

ولا عدمنا قهر وجد صبّ (٢)

الأصل : ما وجدنا للهوى طبّا ولا عدمنا قهر صبّ وجد ، فأضاف المصدر (قهر) إلى مفعوله (صب) ، وفصل بينها بفاعل المصدر (وجد).

أما قول الأحوص السابق :

لئن كان النكاح أحلّ شىء

فإن نكاحها مطر حرام

ففى رواية خفض (مطر) بإضافته إلى (نكاح) يحتمل الفاعلية والمفعولية ، فإن قدرت مفعولا فتكون فى تقدير (إياها) ، فيكون فاعل النكاح مطرا ، وتكون الإضافة إلى الفاعل ، وإن قدرت الهاء فاعلا على تقدير (هى) ، فيكون مطر مفعولا به ، وتكون إضافة (نكاح) إلى المفعول به.

وهو يروى بنصب مطر وبرفعه على هذين التأويلين ، فالهاء فى محلّ نصب أو رفع مع جرّ نكاح بالإضافة.

ه ـ قد يفصل بنعت المضاف ، فى قول معاوية بن أبى سفيان :

نجوت وقد سلّ المرادىّ سيفه

من ابن أبى شيخ الأباطح طالب (٣)

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١٧٩ / الخصائص ٢ ـ ٤٠٥ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٨٧ / شرح ابن يعيش ١ ـ ١٠٣ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٨٣ / شرح التصريح ٢ ـ ٥٩ / الصبان على الأشمونى : ٢ ـ ٢٨٧.

(٢) الموضع السابق. الصب : العاشق.

(٣) ينظر : شرح ابن الناظم ٤١١ / شرح التصريح ٢ ـ ٥٩. همع الهوامع ٢ ـ ٥٢. قيل : لما اتفق ثلاثة

٤٠٣

فصل بين المتضايفين أبى ، وطالب بالنعت (شيخ الأباطح).

و ـ قد يفصل بالنداء ، كما هو فى قول الشاعر :

كأنّ برذون أبا عصام

زيد حمار دق باللّجام (١)

والأصل : يا أبا عصام ، كأن برذون زيد حمار دقّ باللجام ، فأضيف (برذون) إلى (زيد) ، وفصل بينهما بالمنادى (أبا عصام) ، و (حمار) خبر (كأن).

ز ـ قد يكون الفصل بالجملة الفعلية كما فى قول الشاعر :

بأىّ تراهم الأرضين حلّوا

أألدّبران أم عسفوا الكنارا (٢)

الأصل : بأىّ الأرضين تراهم ، ففصل بين المضاف (أى) والمضاف إليه (الأرضين) بالجملة الفعلية (تراهم).

ح ـ أو الفصل بالمفعول لأجله ، كما فى قول أبى زيد الطائى :

معاود جرأة وقت الهوادى

أشمّ كأنه رجل عبوس (٣)

الأصل : معاود وقت الهوادى جرأة ، ففصل بين المضاف (معاود) والمضاف إليه (وقت) بالمفعول لأجله (جرأة).

ط ـ قد يكون الفصل بشبه الجملة ، كما فى قول امرأة ترثى أخوين لها ؛ وهى (درنا بنت عبعبة من بنى قيس بن ثعلبة) :

هما أخوا فى الحرب من لا أخاله

إذا خاف يوما نبوة فدعاهما (٤)

__________________

من الخوارج أن يقتل كل واحد منهم واحدا من على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص ـ رضى الله عنهم ـ فقتل ابن ملجم (بضم فسكون ففتح) عليا ، وسلم معاوية وعمرو. الأباطح :جمع بطحاء ، والمراد بها مكة ، فقد كان أبو طالب شيخ مكة ومن أعيانها وأشرافها.

(١) الخصائص ٢ ـ ٤٠٤ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ٩٩٣ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٨٦ / شرح التصريح ٢ ـ ٦٠ / الأشمونى ٢ ـ ٢٧٨ / الهمع ٢ ـ ٥٣.

(٢) شرح التصريح ٢ ـ ٦٠ / الهمع ٢ ـ ٥٣ / الدرر ٢ ـ ٦٨ / الدر المصون ٣ ـ ١٣٧.

(٣) المقتضب ٤ ـ ٣٧٧ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣٥ / شرح التصريح ٢ ـ ٥٩ / الهمع ٢ ـ ٥٣ / ديوانه ٩٨.

(٤) الكتاب ١ ـ ١٨٠ / الخصائص ٢ ـ ٤٠٥ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ٢١ / شرح ابن الناظم ٤١٠ / ارتشاف الضرب ٣ ـ ٥٣٤ / الهمع ٢ ـ ٥٢.

٤٠٤

أراد : أخوا من لا أخاله فى الحرب ، ففصل بين الخبر المثنى المضاف (أخوا) وما أضيف إليه الاسم الموصول (من) بشبه الجملة (فى الحرب) ، ولذلك فإن نون المثنى قد حذفت لأجل الإضافة.

ومنه قول ذى الرمة :

كأنّ أصوات من إيغالهنّ بنا

أواخر الميس أصوات الفراريج (١)

أراد : أصوات أواخر. ففصل بن المتضايفين بشبه الجملة (من إيغالهن).

ى ـ قد يكون الفصل بالنعت : كما جاء فى قول الفرزدق :

ولئن حلفت على يديك لأحلفن

بيمين أصدق من يمينك مقسم (٢)

أراد : بيمين مقسم أصدق من يمينك ، ففصل بين المتضايفين بأصدق ، وهو نعت للمضاف مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف.

قضية الحذف فى الإضافة

كما ذكرنا للإضافة ركنان ، أحدهما مقصود فى الكلام ، وهو الأول المضاف ، والثانى يؤتى به لتبيين الأول وتوضيحه ؛ لذا فإن كلا منهما له اتجاهه الدلالىّ فى الجملة التى لا يغنى عنه شىء غيره ؛ لذا فإنه لا يجب أن يحذف أىّ منهما.

لكنه ذكر تقدير حذف أحدهما طبقا لما يقتضيه السياق الجملى العام ، وهذه أحوال جواز لا وجوب ، ويجب أن يكون فى الجملة ما يدلّ على المحذوف.

أولا : حذف المضاف :

يجوز أن يحذف المضاف لدليل السياق والكلم فى الجملة ، وحينئذ يخلفه المضاف إليه على حالين : إما أن يتخذ الموقع الإعرابىّ للمضاف المحذوف ، وإما أن يبقى على حاله من الجرّ ، والأول أكثر شيوعا.

__________________

(١) ديوانه ٢ ـ ٦٩٦ / الكتاب ١ ـ ١٧٩ / المقتضب ٤ ـ ٣٧٦ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ١٠٨.

(٢) ديوانه ٢ ـ ٢٢٦ / الدر المصون ٣ ـ ١٩٢.

٤٠٥

أ ـ حذف المضاف مع اتخاذ المضاف إليه موقعه من الإعراب :

ـ حذف المضاف خبر المبتدإ : ذلك كما هو فى قول الشاعر (١) :

شرّ المنايا ميت بين أهله

التقدير : شر المنايا منية ميت ، حيث حذف الخبر (منية) وهو مضاف ، وأقيم المضاف إليه (ميت) مقامه ، وأخذ موقعه الإعرابىّ.

ـ حذف المضاف الفاعل : كما هو فى قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] ، والتقدير وجاء أمر ربك ، فحذف الفاعل المضاف (أمر) ، وأقيم المنسوب إليه المضاف إليه (رب) مقامه ، ورفع رفعه.

ـ حذف المفعول به : فى قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) [يوسف ٨٢] ، التقدير : واسأل أهل القرية ، فحذف المفعول به المضاف (أهل) ، وأقيم المضاف إليه مقامه منصوبا (القرية).

ومنه قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة ٩٣] ، والتقدير : أشربوا حبّ ، العجل ، فحذف المفعول به الثانى المضاف (حب) وأقيم المضاف إليه مقامه (العجل) منصوبا. والمفعول به الأول واو الجماعة تحول إلى نائب فاعل فى محل رفع.

ـ حذف المفعول المطلق : فى قول الأعشى ميمون (٢) : ألم تغتمض عيناك ليلة إرمد ..

والتقدير : تغتمض اغتماض ليلة إرمد ، فحذف المفعول المطلق المضاف (اغتماض) ، وأقيم المضاف إليه مقامه منصوبا (ليلة)

ـ المفعول فيه (الظرف) : كأن تقول : أتينا طلوع الشمس ، أى : وقت طلوع الشمس ، فحذف ظرف الزمان المضاف (وقت) وأقيم ما أضيف إليه (طلوع) مقامه منصوبا.

__________________

(١) شرح التصريح ٢ ـ ٥٥.

(٢) الموضع السابق.

٤٠٦

ـ المفعول لأجله : كأن يقال : جئت زيدا فضله ، والتقدير : ابتغاء فضله ، فحذف المفعول لأجله المضاف ، وأقيم ما أضيف إليه مقامه (فضل) منصوبا.

ـ حذف المفعول معه : نحو : جاء محمد والشمس ، التقدير : جاء محمد وطلوع الشمس ، فحذف المفعول معه (طلوع) ، وأقيم ما أضيف إليه (الشمس) منصوبا.

ـ حذف الحال : كما هو فى القول : تفرّقوا أيادى سبا ، والتقدير : مثل أيادى سبا ، فحذف الحال المضافة (مثل) ، وأقيم ما أضيف إليها مقامها (أيادى سبا).

ـ حذف المجرور : كما هو فى قوله تعالى : (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) [الأحزاب ١٩](١) ، أى : كدوران عين الذى ، فحذف المجرور وما أضيف إليه (دوران عين) ، وأقيم ما أضيف إلى ما أضيف إليه مقامه (الذى) ، ويكون فى محل جرّ.

وقد يكون المحذوف المجرور مجرورا بالإضافة ، من ذلك القول : ولا يحول عطاء اليوم دون غد ، التقدير : دون عطاء غد ، فحذف المضاف إلى ما سبقه ، وهو مضاف مجرور ، وأقيم ما أضيف إليه (غد) مقامه مجرورا.

ومثل المضاف المحذوف وهو مجرور بحرف جرّ قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤] ، التقدير : كم من أهل قرية ... ، فحذف المجرور بمن المضاف (أهل) ، وأقيم ما أضيف إليه مقامه (قرية) ، وقد لا يكون هنا محذوف ، حيث يجوز أن يقع الإهلاك على القرية ذاتها ، ويكون أكثر بلاغة حيث شمول المعنى.

ـ حذف البدل : كما هو فى قول عبد الله بن قيس الرقيات :

رحم الله أعظما دفنوها

بسجستان طلحة الطّلحات (٢)

__________________

(١) يجوز أن تكون شبه الجملة فى محلّ نصب على الحالية من (أعينهم).

(٢) ديوانه ٢٠ / شرح ابن يعيش ١ ـ ٤٧ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣٢ / همع الهوامع ٢ ـ ١٢٧ / الدرر ٢ ـ ١٦٢.

٤٠٧

أى : أعظم طلحة الطلحات. فحذف البدل المنصوب (أعظم) ، وأبقى المضاف إليه مجرورا.

ب ـ حذف المضاف مع بقاء المضاف إليه مجرورا :

من ذلك حذف المضاف المعطوف : قد يحذف المضاف المعطوف على مضاف مثله بلفظه ومعناه ، ويبقى المضاف إليه على إعرابه ، كما هو فى قول أبى دؤاد الأيادى :

أكلّ امرئ تحسبين امرأ

ونار توقّد فى الليل نارا (١)

بجرّ (نار) ، حيث التقدير ؛ وكلّ نار توقد ، فحذف المضاف (كل) ، وبقى المضاف إليه (نارا) على إعرابه قبل الحذف ، وهو الجر ، ومن ذلك قول بشير القشيرى :

ولم أر مثل الخير يتركه الفتى

ولا الشرّ يأته امرؤ وهو طائع (٢)

بكسر (الشرّ) ، والأصل : ولا مثل الشرّ ، فحذف المضاف (مثل) لأنه معطوف على ما يماثله لفظا ومعنى (ومثل الخير) ، وأبقى المضاف إليه (الشر) على حالته الإعرابية الأولى من الجرّ بالكسرة.

ومنه قولهم : ما كلّ سوداء تمرة ، ولا بيضاء شحمة ، بفتح بيضاء ، والتقدير : ولا كل بيضاء ، فحذف المضاف (كل) المعطوف على مماثله لفظا ومعنى (كل سوداء) ، وأبقى المضاف إليه (بيضاء) على حاله من الجرّ بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف.

ومنه قول الشاعر :

كلّ مثر فى أهله ظاهر العزّ

وذى غربة وفقير مهين (٣)

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٦٦ / المسائل البصريات ١ ـ ٥٢١ / المفصل ١٠٦ / الهادى فى الإعراب ١٢٠ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ٢٦ / المقرب ١ ـ ٢٣٧ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٧٧ / المساعد ١ ـ ٥٧٠.

(٢) ينظر : المؤتلف والمختلف ٧٨ / شرح عمدة الحافظ ٥٠٠ / المساعد ٢ ـ ٣٦٦ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣١ / الأشمونى ٢ ـ ٢٧٣. ويروى : يأتيه الفتى.

(٣) ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣١ / الهمع ٢ ـ ٥٢ / الدرر ٢ ـ ٦٥.

٤٠٨

أى : وكل ذى غربة ، فحذف المضاف ، وأبقى المضاف إليه مجرورا ، وعلامة جره الياء لأنه من الأسماء الستة ، وتلحظ أن المحذوف معطوف على المضاف المذكور (كل).

ومما يعدّ عند الكثيرين شاذا قراءة سليمان بن جمّاز المدنى (١) قوله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [الأنفال : ٦٧] ، بجر (الآخرة) على تقدير حذف مضاف معطوف على (عرض) ، ويقدر بمثل لفظه ، فتكون : والله يريد عرض الآخرة ، فحذف المضاف ، وبقى المضاف إليه مجرورا بدون شرط ، حيث يشترط فى حذف المضاف المعطوف ألا يفصل بين المحذوف وحرف العطف ، أو يكون الفاصل (لا).

ثانيا : حذف المضاف إليه :

قد يحذف الجزء الثانى من الإضافة وهو المضاف إليه ، ويبقى الجزء الأول وهو المضاف على أحوال ثلاثة : إما البناء ، وإما التنوين ، وإما عدم التنوين على نية الإضافة.

أولاها : البناء :

قد يحذف المضاف إليه لفظا ، ويبقى المضاف مبنيّا على الضم وذلك إذا كان المضاف إليه معرفة ، وهذا يحدث بعد أسماء الجهات الست ، وهى ما تسمى بالغايات ، حيث تكون حينئذ مقطوعة عن الإضافة لفظا لا معنى. من ذلك قوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] ، والتقدير : من قبل النصر ومن بعد النصر ، فحذف المضاف إليه ، وبقى المضاف الظرف المبهم (قبل ، وبعد) مبنيّا على الضم فى محل جرّ.

كما يحذف ما أضيف إلى ما هو شبيه بالغايات ، من مثل : غير ، وأول ، وعل ، وحسب ... وتبنى على الضمّ كذلك لانقطاعها عن الإضافة لفظا لا معنى ، فالإضافة معها منوية معنى.

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ ـ ٤٣٧.

٤٠٩

ثانيتها : بقاء المضاف على إعرابه مع التنوين :

وقد يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف على إعرابه وتنوينه ، وذلك فى موضعين :

أ ـ أن يكون المضاف مما سبق ـ أى : ظرفا ، أو ما يشبه الغايات ـ ويكون المضاف إليه المحذوف نكرة ، حينئذ يعرب المضاف وينون.

من ذلك قول امرئ القيس :

مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطّه السيل من عل

بكسر اللام على الإعراب بالجرّ مع حذف المضاف إليه ، وهو نكرة ، فيكون العلوّ مبهما ، لإضافته إلى النكرة ، وتكون السرعة أبلغ.

وقد يكون المقصود غير الإضافة ، فيكون العلوّ غير محدد ، وغير مقيد ، وهذا أدعى إلى المبالغة فى وصف سرعة فرسه أبلغ مما سبق.

ب ـ قد يحذف المضاف إليه اختصارا ، وذلك مع كلّ الأشياء التى لا يفهم معناها إلا من خلال الإضافة ، نحو : مثل ، وكل ، وبعض ، وقبل ، وبعد ، وأى الشرطية ، وأى الاستفهامية ، وما أشبه ذلك ، وتلحظ أن المضاف غير ظرف. كأن تقول : كلّ يأتينا ، والتقدير : كلكم يأتينا ، فحذف المضاف إليه ضمير المخاطبين ، أو غيره مما يقدر ، وبقى المضاف على إعرابه مع تنوينه ، فكأن الإضافة منوية.

ومنه قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠] ، أى : أى الاسمين تدعوا. ومنه قوله تعالى : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) [يس : ٣٢].

ثالثتها : بقاء المضاف مع إعرابه بدون تنوين :

قد يحذف المضاف إليه ، ويبقى المضاف على إعرابه بدون تنوين ، كأنه مضاف ، وذلك إذا عطف على المتضايفين متضايفان آخران ، والمضاف إليه فيهما واحد ، نحو : خذ ربع ونصف ما حصل ، والأصل : خذ ربع ما حصل ونصف ما حصل ،

٤١٠

فحذف المضاف إليه (ما حصل) ؛ لأنه يوجد مضاف إليه بلفظه ومعناه ، وبقى المضاف (ربع) على إعرابه مع عدم تنوينه ، وكأنه مضاف. ومنه أن تقول : أعطنى كراسة وكتاب محمد. وبعض النحاة يرون أن هذا من قبيل الفصل بين المتضايفين (١).

يذكر ابن مالك فى ذلك :

ويحذف الثانى فيبقى الأول

كحاله إذا به يتصل

بشرط عطف وإضافة إلى

مثل الذى له أضفت الأولا

من ذلك قول الشاعر :

علقت آمالى فعمّت النعم

بمثل أو أنفع من وبل الديم (٢)

والتقدير : بمثل وبل الديم أو أنفع من ... فحذف (وبل الديم) الأولى لدلالة الثانى عليه. ومنه قول الفرزدق :

يا من رأى عارضا أسرّ به

بين ذراعى وجبهة الأسد (٣)

والأصل : بين ذراعى الأسد وجبهة الأسد ، فحذف المضاف إليه الأول (الأسد) لأنه بلفظ المضاف إليه الثانى ومعناه ، وأبقى المضاف بحذف نون التثنية كما لو كان المضاف إليه مذكورا.

ومنه قول أبى ثروان ، (قطع الله يدو رجل من قالها) ، بفتح (يد) بدون تنوين مع حذف ما أضيف إليه ، والتقدير : يدمن قالها ورجل من قالها.

ومنه قول الأعشى :

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ١٧٩ ، ١٨٠.

(٢) شرح التصريح ٢ ـ ٥٧.

الوبل : المطر الشديد / الديم : جمع ديمة ، وهى المطر الذى ليس به رعد وولا برق.

(٣) ديوانه ١ ـ ٢١٥ / الكتاب ١ ـ ١٨٠ / معانى القرآن للفراء ٢ ـ ٣٢٢ / المقتضب ٤ ـ ٢٢٩ / الخصائص ٢ ـ ٤٠٧ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ١٥٢ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ٢١ / الخزانة ١ ـ ٣٦٩.

٤١١

إلا علالة أو بدا

هة سابح نهد الجزارة (١)

أى : علالة سابح ، أو بداهة سابح.

ملحوظة فى قضية الحذف :

المضاف إليه جملة :

إذا كان المضاف إليه جملة فلا يجوز حذفه إلا فيما سمع من إضافة الجملة إلى (إذ) المضافة إلى أسماء الزمان ، حيث تحذف الجملة المضاف إليه ، وتنون (إذ) بالكسر ، وهى حينئذ ، يومئذ ، وقتئذ ، ساعتئذ ... إلخ. وتنوين (إذ) بالكسر عوضا من الجملة المضافة المحذوفة.

من ذلك قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) [الواقعة ٨٤] ، التقدير : حين إذ بلغت الروح الحلقوم ، فحذفت الجملة الفعلية (بلغت الروح) ، وهى فى محل جر بالإضافة إليها (إذ) التى فى محل جر بالإضافة إليها (حين) ، و (إذ) مبنية على السكون ، ولكنها حركت بالكسر ونونت عوضا عن الجملة المضافة المحذوفة.

قد يحذف أكثر من مضاف :

قد يضاف إلى مضاف ، ويحذف الأول والثانى ، فيقام الثالث مقام الأول ، ويعرب إعرابه. ومنه قوله تعالى : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) [طه : ٩٦] ، التقدير : من أثر حافر فرس الرسول. فحذف مضافان (حافر وفرس) ، وأقيم الثالث مقامهما (الرسول).

ومنه كذلك قوله تعالى : (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) [الأحزاب : ١٩] ، والتقدير : كدوران عين الذى.

وقد يكون المحذوف أكثر من ذلك كما ورد فى قول إمام بن أقرم النميرى :

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٩١ ، ٢٩٥ / المقتضب ٤ ـ ٢٢٨ / المقرب ٣٨ / شرح ابن الناظم ٤٠٤ / خزانة الأدب ١ ـ ٨٣ / ٢ ـ ٣٤٦.

علالة : آخر جرى الفرس ، بداهة : أول جريه. سابح : الفرس السريع الجرى : نهد : غليظ : الجزارة :القوائم والرأس.

٤١٢

ولا الحجّاج عينى بنت ماء

تقلب طرفها حذر الصقور (١)

يريد : ولا الحجاج صاحب عين مثل عينى بنت ماء (٢).

وقد يكون المحذوف أكثر من واحد وليست على التوالى ، من ذلك قول الشاعر :

أبيتنّ إلا اصطياد القلوب

بأعين وجرة حينا فحينا

وتقديره : بمثل أعين ظباء وجرة.

مراعاة المحذوف فى التركيب :

إذا حذف المضاف فإنه يجوز أن يراعى لفظيا ومعنويا فى مجمل التركيب ، أى : يلتفت إليه ، ويجوز ألا يلتفت إليه ، وقد اجتمعا فى قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤].

المضاف المحذوف (أهل) ، والتقدير : كم من أهل قرية ، لكنه لم يراع ، ولم يلتفت إليه ، فى : أهلكناها ، وجاءها ، حيث عاد الضمير على (قرية) ، وروعى والتفت إليه فى : هم قائلون.

الإضافة إلى ياء المتكلم :

إذا أضيف الاسم إلى ياء المتكلم فإن ما قبل الياء يكسر ؛ إلا أن يكون الاسم المضاف مقصورا ، أو منقوصا أو مثنى أو مجموعا جمع مذكر سالما. ذلك على التفصيل الآتى :

إضافة الصحيح الآخر إليها :

إذا أضيف الاسم الصحيح الآخر إلى ياء المتكلم فإن آخره يجب فيه الكسر لتناسب الكسرة الياء ، ويأخذ الاسم موقعه الإعرابىّ بعلامات إعراب مقدرة ،

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٧٣ / البيان والتبيين ١ ـ ٢٥٤ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣٠.

(٢) الموضع السابق.

٤١٣

فالاسم المضاف إلى ضمير التكلم تقدر فيه الحركات الثلاث ، فتقول : جاء صديقى ، (صديق) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

أكرمت صديقى ، (صديق) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة.

أعجبت بأخلاق صديقى ، (صديق) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة.

أما الياء فإنها يجوز فيها السكون ، والتحريك بالفتح ، والفتح اختيار الخليل وسيبويه (١) والزمخشرى.

ويقوم الخلاف بين النحاة على كون أىّ من الفتح والسكون الأصل ، ويعلل الذين يرون أن السكون هو الأصل بأن الياء حرف علة ، فوجب بناؤها على السكون ، كضمير الجميع وياء المخاطبة.

ويعلل الذين يختارون الفتح بأنها اسم على حرف واحد ، فوجب بناؤه على حركة تقوية له ، كضمير المتكلم والمخاطب ، أما سكونها فتخفيف.

وقد تحذف الياء ، وقد تبدل ألفا بعد فتح المكسور قبلها ، وقد يستغنى بالفتحة عن الألف (٢). فتقول : هذا غلامى (بإسكان الياء وبفتحها) ، وهذا غلام (بحذف الياء) ، وهذا غلاما (إبدال الياء ألفا ، وفتح ما قبلها ، وهذا غلام (بالفتح دون الألف). وفيه لغة ضعيفة بالضم (هذا غلام).

إضافة الاسم المعتلّ الآخر إلي الياء :

حال إضافة الاسم المعتلّ الآخر إلى الياء ينظر إلى حركة ما قبل حرف العلة وهو لا يخلو فى ذلك من أمرين ؛ إما أن يكون ساكنا ، وإما أن يكون متحركا.

إذا كان ما قبل حرف العلة ساكنا ، وهذا لا يكون إلا فى معتلّ الآخر بالواو والياء ، فإنه يكون ملحقا بالصحيح الآخر ، حيث يكسر حرف العلة (الواو أو الياء)

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ٢٢١.

(٢) ينظر شرح الشافية : ٢ ـ ١٠٠٥.

٤١٤

لخفة النطق بحرف العلة المتحرك لسكون ما قبله ، فيقال : دلوى ، رأيى ، ظبيى ، نجوى. ويعرب بحركات مقدرة.

ـ فإن كان ما قبل حرف العلة متحركا فإنه يتّبع ما يأتى :

ـ إن كان حرف العلة الألف فإن الألف تبقى على حالها مع فتح الياء ، فيقال : عصاى ، فتاى ، رحاى ، مناى ، صباى ، قواى ، ويعرب بحركات مقدرة.

ـ والمثنى حال الرفع يعامل معاملة المعتلّ الآخر بالألف المتحرك ما قبله ، فيقال : كتاباى ، غلاماى ، قصتاى ، قلماى ، ابناى ، تلحظ حذف نون المثنى.

ـ لكن المثنى حال النصب والجرّ تحذف نونه أثناء إضافته إلى ضمير المتكلم ، وتسكّن ياؤه ، وتدغم فى ياء المتكلم ، فتنشأ ياءان ، أولاهما ساكنة ، والأخرى متحركة بالفتح ، فتقول : أكرمت ولدىّ (ولدى) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى. وضمير المتكلم مبنى فى محلّ جرّ بالإضافة.

وتقول : استمعت إلى سائلى. (سائلى) اسم مجرور بإلى ، وعلامة جرّه الياء لأنه مثنى. وضمير المتكلم مبنىّ فى محلّ جرّ بالإضافة.

ومثل ذلك أن تقول : إنّ كتابىّ جديدان ، لعلّ كوبىّ نظيفان ، إن الموضوع كلّه بين يدىّ.

وتكون علامة رفع المثنى الألف ، وتكون علامة نصبه وجرّه الياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها.

ـ أما ألف «لدى وعلى» فتقلب ياء مع إدغامها فى ياء المتكلم ، فيقال : لدىّ ، وعلىّ مثل المثنى فى حالى النصب والجرّ ، يلحظ تحريك الياء بالفتح.

وهذيل تقلب الألف ـ إذا لم تكن للتثنية ـ ياء ، وتدغمها فى ياء المتكلم.

قال أبو ذؤيب :

سبقوا هوىّ وأعنقوا لهواهم

فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع (١)

__________________

(١) ديوان الهذليين ١ ـ ٢ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ٣٣ / المقرب ١ ـ ٢١٧ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٩٠ / الأشمونى ٢ ـ ٢٨٢.

٤١٥

ويقال : عصىّ ورحىّ ، وأصلها : عصوى ورحيى ، استثقلت الحركة على الواو والياء ، فحذفت ، فسكن حرف العلة قبل ياء المتكلم فوجب إدغامه (١).

ـ وإن كان حرف العلة ياء وقبلها متحرك أدغمت الياء فى ياء المتكلم ، مع ملاحظة كسر ما قبل الياءين ، مع تحريك ياء المتكلم ، فيقال : قاضىّ ، غازىّ.

ويعرب بحركات مقدرة.

ـ ومثله المثنى وجمع المذكر السالم فى حالتى النصب والجر ، وقد ذكرنا المثنى ، أما جمع المذكر السالم المضاف إلى ضمير المتكلم فى حالى النصب والجرّ ، فتقول : أستمع فى إنصات إلى معلمىّ. والأصل : إلى معلمين مضافة إلى ضمير المتكلم ، فحذفت نون جمع المذكر السالم ، ثم تدغم ياء الجرّ فى ياء المتكلم ، فتنشأ ياءان : أولاهما ساكنة ، والأخرى متحركة. (معلمى) اسم مجرور بإلى وعلامة جره الياء ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة.

وتقول : احترمت مدرسىّ. (مدرسى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، وحذفت النون للإضافة ، وضمير المتكلم مبنىّ فى محلّ جر بالإضافة.

ـ وإنّ كان ما قبل ياء المتكلم واوا قلبت الواو ، وأدغمت فى ياء الإضافة ، وكسر ما قبلها إذا كان مضموما ، ويبقى بالفتح إن كان مفتوحا ، لأنه إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء ، وأدغمتا لاجتماع المثلين ، مع تحريك ياء المتكلم لوجود الساكن قبلها.

ويكون ذلك فى جمع المذكر السالم حال الرفع ، فتقول فى (مسلمون) : مسلمىّ (بكسر الميم وإدغام الياءين).

ومثلها : (مواطنون) مواطنىّ ، وفى (مصطفون) مصطفىّ ، (بفتح الفاء ، وإدغام الياءين) ، ومثلها (مرتضون) مرتضىّ ، مع ملاحظة تحريك الياء الثانية.

__________________

(١) ينظر شرح الكافية لابن الحاجب : ١ ـ ٥٥.

٤١٦

إضافة الأسماء الستة إلى ضمير المتكلم :

الأسماء الستة هى : ذو ، وأبو ، وأخو ، وحمو ، وهن ، وفو. ترفع بالواو ، وتنصب بالألف ، وتجرّ بالياء. على ألا تثنى ، وألا تجمع ، وأن تضاف إلى غير ياء المتكلم ، وألا تكون مصغرة ، وأن تضاف (ذو) إلى مظهر.

وهى إذا أضيفت إلى غير ياء المتكلم فحكمها حكم الاسم الصحيح ، فتقول : أخوك ، أبوه ، حماه ، فيه ... إلخ.

أما إذا أضيفت إلى ضمير المتكلم فلكلّ منها أحكام ، وهى على النحو الآتى :

ـ أب ، أخ ، حم ، هن :

إذا أضيفت هذه الأسماء إلى ضمير المتكلم كسرت عين الكلمة وألحقت بها الياء ، فتقول : أخى ، أبى ، حمى ، هنى ، ويلاحظ حذف لام الكلمة ، وهى الواو. وتعرب ـ حينئذ ـ بحركات مقدرة. فتقول : هذا أخى. (أخى) خبر المبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

وأكرمت حمى. (حم) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة.

وتقول : استمعت فى أدب إلى أبى. فتكون (أب) اسما مجرورا ، وعلامة جره الفتحة المقدرة ، يمنع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم.

أجاز المبرد ردّ المحذوف فيها ، وقلب الواو ياء ، وإدغامها فى ياء المتكلم ، فتقول : أبىّ ، أخىّ ... بتشديد الياء.

فو :

أصله ، فوه ، فلامه هاء ، بدليل تصغيره (فويهة) ، وجمعه (أفواه) ، حذفت ، لامه ، وأصبح (فو) ، وعند إسناده إلى ضمير المتكلم يصير : فوى فتجتمع الواو والياء ، وأحدهما ساكن ، فتقلب الواو ياء ، وتدغم فى ضمير الإضافة ، ويكسر ما قبلها فاء الكلمة المناسبة ، فتصير : فىّ ، بتشديد الياء ، فتقول : فىّ نظيف ، (فو) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعة الضمة المقدرة ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر

٤١٧

بالإضافة إليه فو. وتقول : نظفت فىّ ، فتكون (فو) مفعولا به منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحلّ بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة إليه فو ، وتقول : رفعت يدى إلى فىّ. (فو) اسم مجرور بإلى وعلامة جره الكسرة المقدرة ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة.

وفى (فو) لغة ثانية بإبدال الواو ميما ، فتصير (فما) ، وعند إسناده إلى ضمير المتكلم يصبح (فمى) بإبقائه على حاله. فتقول : هذا فمى ، وغسلت فمى ، ونظفت أسنان فمى. ومنهم من ينكر هذه اللغة عند الإضافة ، ويجعل حذف الميم من (فم) عند إضافته إلى ضمير المتكلم واجبا ، ولكن حذفها أكثر عند الإضافة إلى غير ياء المتكلم.

ملحوظة :

إذا لم تكن هذه الأسماء مضافة فإنها تعرب بالحركات الثلاث الظاهرة المنونة على عينها ، فيقال : هذا أب ، أكرمت أخا له ، سررت بأخ له.

ذو :

أما ذو فإنها لا تضاف إلى مضمر ، ولا تقطع عن الإضافة لفظا ، فهى ملازمة لها معنى ولفظا وتضاف إلى اسم ظاهر اسم جنس ، وتعرب بالحروف.

ملاحظة :

جاءت (حم) مثل : يد ، ومثل : خبء ، ومثل : دلو ، ومثل : عصا.

* * *

٤١٨

الاستفهام (١)

الاستفهام والاستخبار والاستعلام بمعنى واحد ، وهى مصادر أفعالها : استفهمت واستخبرت واستعلمت ـ على الترتيب ـ وتعنى طلب الفهم أو الخبر أو العلم.

وكلّ منها معنى من المعانى ، فكان لا بدّ لها من حروف دالة عليها.

والاستخبار ـ بمعنى عام ـ هو طلب إخبار عن مجهول ، والمجهول فى الفكر الإنسانى يكون معنى فى نمطين : الأول : أن يكون المجهول صحة العلاقة المعنوية بين طرفين مكونين لجملة ، وهو ما نسميه بالحكم ، فالحكم علاقة معنوية بين طرفى الجملة ، أحدهما يتضمن الحكم.

فالسؤال أو الاستفهام فى هذا النوع من المجهول يكون عن تقرير هذه العلاقة المعنوية من عدمه ، ويفضل عندنا أن نجعل هذه العلاقة المعنوية علاقة مقترحة ، حيث إن السؤال عنها يجعلها مشكوكا فيها ، أو يجعلها علاقة مقترحة تحتاج إلى التقرير أو الموافقة فيكون الإيجاب ، أو عدم التقرير أو عدم الموافقة فيكون السلب.

ولنؤكد على أن طرفى الجملة فى هذا النوع من المجهول يكونان مذكورين ، فلا يحتاج الجواب عن السؤال إلى ما يتمّم ركنى الجملة من تعويض للمجهول ، لأن المجهول إنما هو صحة العلاقة المعنوية بين الطرفين المذكورين أو عدم صحّتها

لذا ؛ فإن الاستفهام عن هذه العلاقة المجهولة يكون بالحرف ؛ لأن المجهول صحة أو عدم صحة ، وليس هناك مجهول فى ركنى الجملة ، ولا يحتاج الجواب إلى تعويض.

__________________

(١) المسائل المنشورة ٨١ / المسائل العضديات ١٩٥ / المفصل / ٣١٩ / الإيضاح فى شرح المفصل ٢ ـ ٢٤٠ ، ٢٢١ / شرح المفصل لابن يعيش ٨ ـ ١٥٠ / التسهيل ٢٤٢ وما بعدها / الجنى الدانى ٣٠ ، ٢٠٤ ، ٢٣٤ ، ٢٦١ ، ٣٢٢ ، ٣٤١ ، ٤١٩ ، ٤٢٠ ، ٤٣٣ ، ٥٠٥ / مغنى اللبيب ١ ـ ١٣ ، ٢٠ ، ٤١ ، ١١٣ ، ١٢٠ ، ١٨٣ ، ٢٩٨ ، ٣٢٧ ، ٣٣٤ / ٢ ـ ٣٤٥ ، ٣٤٩ / الجامع الصغير ٢١٢ ، ٢١٧ / الفوائد الضيائية ٢ ـ ٣٦٦ ، ٣٧٨.

٤١٩

والسؤال عن صحة العلاقة المعنوية بين طرفى الجملة يأتى فى صورتين :

أولاهما : أن تكون العلاقة المقترحة منسوبة إلى واحد فقط فى السؤال ، والمقصود بالواحد طرف واحد من ركنى الجملة ، فيراد من الإجابة التقرير أو عدم التقرير ، ويتصدر الإجابة ما يدل على الإيجاب أو النفى ، ويكون السؤال بأحد حرفى الاستفهام : (الهمزة وهل).

ويكون الجواب بأحد حروف التصديق والإيجاب ، أو أحد حروف النفى.

وحروف الإيجاب والتصديق هى : نعم وبلى وأجل وجير وإى وإنّ.

وحروف النفى فى السؤال : لا ، ونعم فى نوع خاص من التراكيب الاستفهامية المتضمنة نفيا. وتشرح بالتفصيل بعد ذكر أدوات الاستفهام.

تسأل : أأذّن المغرب؟ فيكون السؤال عن صحة العلاقة بين طرفى الجملة ، أى :

أذان المغرب ، فتجاب إثباتا : نعم ؛ أذّن المغرب ، ونفيا : لا ؛ لم يؤذن المغرب. وتسأل : ألم يأت الضيف؟ فتجاب إثباتا : بلى ؛ أتى الضيف ، وتجاب نفيا : نعم ؛ لم يأت الضيف.

والأخرى : أن تكون العلاقة المقترحة منسوبة إلى أكثر من واحد ، فيراد من الإجابة التعيين ، ويتضمن السؤال الحرف (أم) المتصلة المعادلة لهمزة الاستفهام.

تسأل : أأذّن الظهر أم العصر؟ فيكون السؤال عن صحة إحدى علاقتين بينهما مشترك ، وهما : أذان الظهر وأذان العصر ، أيهما حدث؟ ، فتكون الإجابة بالتعيين : أذّن الظهر. أو تكون : أذّن العصر.

والثانى من نمطى الاستخبار عن المجهول فى الفكر الإنسانى يمثل الاستعلام عن شىء ما مجهول ، والمقصود بالشىء كلّ ما هو اسم ، سواء أكان إنسانا أم حيوانا ، أم نباتا ، أم جمادا ، أم زمانا ، أم مكانا ، أم اسم معنى ، أم عددا وكمية ، أم شيئا كامنا أو متخيلا. وقد يكون حدثا معبرا عنه بالجملة الفعلية ... إلخ.

فالمسئول عنه فى هذا النمط فى كل مستوياته المعنوية إنما يكون اسما بالضرورة ، أى : أن المجهول اسم ، لذا وجب أن يحلّ محلّه فى السؤال اسم ؛ فأداة الاستفهام

٤٢٠