النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

حيث (غير) فاعل يمنع ، ولكنها فتحت بناء على الفتح لأنها اسم مبهم مضاف إلى غير متمكن.

ثانيها : أن يكون المضاف زمانا مبهما ، والمضاف إليه (إذ) ، من نحو المركبات :

حينئذ ، يومئذ ، ساعتئذ ... إلخ. من ذلك قوله تعالى : (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) [هود : ٦٦] ، (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) [المعارج : ١١] حيث (يوم) مضاف إلى ما سبقه (خزى ، وعذاب) ، ولكنه مبنىّ على الفتح فى محلّ جرّ بالإضافة لإضافته إلى المبنى (إذ) ، فاكتسب البناء منه.

ثالثها : أن يكون المضاف زمانا مبهما ، والمضاف إليه جملة فعلية فعلها مبنىّ ، والزمان المبهم من مثل : حين ، وساعة ، ووقت ، ولحظة ... إلخ.

إذا أضيف ما يدل على الزمان المبهم إلى جملة فعلية فعلها مبنىّ جاز فيه البناء والإعراب ، ولكن يرجح البناء ؛ ذلك لأن الفعل المبنى هو الذى يباشر ما يدل على الزمان المبهم حال الإضافة. ومنه قول النابغة الذبيانى :

على حين عاتبت المشيب على الصّبا

وقلت ألمّا أصح والشيب وازع (١)

يروى بخفض (حين) على الإعراب ، وبفتحه على البناء ، لأنه اكتسب البناء مما أضيف إليه من جملة فعلية ، فعلها ماض.

فإذا كان الفعل معربا ؛ فإنه يرجح الإعراب ؛ ففى قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩] اسم الزمان المبهم (يوم) قرأه القراء السبعة إلا نافعا بالرفع على الإعراب ، حيث مباشرته لفعل مضارع معرب ، فرجح الإعراب.

وفى قول الشاعر :

تذكّر ما تذكرّ من سليمى

على حين التواصل غير دان (٢)

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ٣٣٠ / ، شرح شذور الذهب ٨٠ / أوضح المسالك رقم ٣٣٧ / الأشمونى رقم ٦٢١.

(٢) ينظر : شرح شذور الذهب ٨٠ / أوضح المسالك رقم ٣٣٧ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٥٧.

٣٢١

كسر ما يدل على الزمان المبهم (حين) على الإعراب أرجح من البناء على الفتح ، لإضافة الظرف إلى الجملة الاسمية (التواصل غير دان) ، وكانت مباشرته للاسم المعرب (التواصل). وروى بفتح (حين) على البناء.

ملحوظة : فى الأثر المعنوى للإضافة :

وجوب كون المضاف غير المضاف إليه :

لما كان المضاف يتخصص بالمضاف إليه أو يتعرف به وجب أن يكون غيره ، ليؤدى معنى جديدا فيه ، ويضيف إليه صفة لم تكن موجودة به ؛ فتتحقق الفائدة المعنوية ، والشىء لا يتخصص بنفسه ، ولا يتعرف به.

لذا ؛ فإنه لا يتضايف المترادفان ، ولا الموصوف وصفته ؛ فلا يقال : قمح بر ، ولا رجل قائم ، بالإضافة ، ولا يقال : ليث أسد ، وما ورد من ذلك فهو مؤول.

ومن ذلك : سعيد كرز ؛ يؤول الأول بالمسمى ، والثانى بالاسم ، وبمثل هذا التحليل يكون التأويل فى مثل : يوم الخميس ، وشهر رمضان ... الخ.

وأما إضافة الصفة إلى موصوفها أو الموصوف إلى صفته فمؤول على سبيل حذف مضاف إليه موصوف ملائم لتلك الصفة أو صفة ملائمة لذلك الموصوف : فحبة

الحمقاء يؤول إلى : حبة البقلة الحمقاء ، صلاة الأولى يؤول إلى : صلاة السّاعة الأولى ، مسجد الجامع يؤول إلى مسجد الوقت الجامع ، جرد قطيفة يؤول إلى : شئ جرد من جنس القطيفة. أخلاق ثياب يؤول إلى شىء أخلق من جنس الثياب ، وأصلهما : قطيفة جرد ، وثياب أخلاق ، ثم قدمت الصفة على موصوفها وأضيفت إليه.

سحق عمامة يؤول إلى شىء سحق من جنس العمامة ، ومنه قوله تعالى : (حَقُّ الْيَقِينِ) [الواقعة : ٩٥] ، (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) [يوسف : ١٠٩] ، (بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) [القصص : ٤٤] ومنهم من يجعل هذه شبيهة بالإضافة المحضة ، ومنهم

٣٢٢

من يجعلها من قبيل إضافة الموصوف إلى صفته ، ومنهم من يجيز تضايف المترادفين للمبالغة ، ويسهل ذلك تخالف لفظيهما.

إضافة العام إلى الخاص :

وليس مما سبق إضافة العام إلى الخاص ، حيث يصير المضاف العام مختصا بسبب إضافته إلى المضاف إليه ؛ فلا يظل على عمومه ، سواء أفادت الإضافة التعريف أو التخصيص ، من ذلك : كل الرجال ، وعين الشىء ؛ فيجوز إضافة العام إلى الخاص.

الأسماء وحكم كونها مضافا فى الإضافة المعنوية

عليك أن تتذكر أن المضاف لا يكون إلا اسما ، أى أن الجزء الأول من الإضافة يجب أن يكون اسما ، حيث إن الاسم هو الذى يحتمل حاجته إلى فهم معناه ، أو إبانة مدلوله ، أو تحديد أو تقييد دلالته ، والإضافة طريق من طرق هذا التقييد.

والأسماء من حيث حاجتها إلى الإضافة أقسام ؛ فبعضها يمتنع أن يكون مضافا ، وبعضها يلزم كونه مضافا ، وثالث تجوز فيه إضافته ، وبعض هذه الأقسام يتفرع تبعا لما يشترط فيه من نوع ما يضاف إليه ، أو تبعا لخصائص التركيب الذى يوجد فيه.

يستبان ذلك من خلال التخطيط التالى ، ثم يفصل بعده.

٣٢٣

الأسماء والإضافة

أولا : ما يمتنع إضافته :

ذكرنا فى مبنى جزأى الإضافة أن هناك بعض المجموعات الاسمية لا تصلح أن تكون مضافا ، أى : جزءا أول من الإضافة ، وحصرت فى : المضمرات ، وأسماء الإشارة ، والأسماء الموصولة ، وأسماء الشرط ، وأسماء الاستفهام ، والمعرف بالأداة إلا فى مواضع تركيبية معينة.

ثانيا : ما يلزم الإضافة :

بإلقاء نظرة على التخطيط السابق نجد أن الأسماء الملازمة للإضافة تنقسم إلى قسمين :

٣٢٤

ثانيا (١) : ما يلزم الإضافة إلى الجمل :

هذا القسم يتفرع إلى فرعين باحتساب نوع الجملة التى يضاف إليها الاسم :

أ ـ ما يلزم الإضافة إلى الجمل مطلقا ، نحو : حيث (مكانا) ، إذ (زمانا) ، آية ، ريث ، ذو تسلم ، وما كان بمعنى (إذ وإذا) من أسماء الزمان المبهمة من مثل : حين ـ وقت ـ ساعة ـ زمان ـ يوم ..

ب ـ ما يلزم الإضافة إلى الجملة الفعلية بخاصة ، وهى : لمّا (عند من قال باسميتها) ، إذا (عند جمهور النحاة).

ثانيا (٢) : ما يلزم الإضافة إلى الاسم :

يتفرع هذا القسم إلى فرعين : حيث إن بعض هذه الأسماء يجب ألا تقطع عن الإضافة ، وبعضها الآخر يجوز قطعه عنها ، والأول منهما إلى ثلاثة ، حيث بعض هذه الأسماء يجوز أن يضاف إلى الظاهر والمضمر ، وهو : كلا وكلتا ، نفس وعين ، تلقاء ، تجاه ، حذاء ، وحذو ، حذة ، نحو ، بين ، عند ، لدى ، قبالة ، إزاء ، قرب ، وسط ، وسط ، أوسط ، سوى ، سواء ، بيد ، قيد ، قدى ، قد ، قاب ، قيس ، دون ، آل ، مثل ، شبه ، ومثل ، وشبيه ، خدن ، خدين ، سبحان ، معاذ ، أحد ، أخرى ، عمرك الله ، قعيدك الله ، اسم التفضيل ـ حماداه ، قصاراه.

وبعضها يختص بالإضافة إلى المضمر ، ولكن منها ما يضاف إلى مضمر مطلقا ، وهو : وحد ، ومنها ما يختص بضمير المخاطب ، وهو المصادر المثناة.

وبعضها الأخير يختص بالإضافة إلى المظهر ، وهو : ذو وفروعه ، وأولو وفروعه. أما الثانى ، وهو ما يجوز أن يقطع عن الإضافة ؛ فإنه ينقسم إلى قسمين ، لأن بعض ما يقطع عن الإضافة يكون منونا ، وهو : أى ، كل ، بعض ، جميع ، مع.

وبعضه الآخر يكون مبنيّا على الضمّ ، نحو : قبل ، بعد ، أمام ، قدام ، وراء ، حسب ، غير ، تحت ، فوق.

٣٢٥

وما هو مبهم من الأسماء نحو : أول ، عل ...

ثانيا (٣) : (لدن):

من هذه الأسماء ماله أحوال مختلفة فى التركيب ، وهو (لدن) ، حيث يجوز أن تضاف إلى الظاهر والمضمر ، ويجوز أن تضاف إلى مصدر مؤول من (أن) والفعل ، وقد تقطع عن الإضافة فى تركيب خاص يذكر فيه بعدها (غدوة) بخاصة.

ونفصل القول فى كل قسم أو فرع مما ذكرناه سابقا.

القسم الأول من الملازم للإضافة

ثانيا : (١) : ما يلزم الإضافة إلى جملة :

ما يلزم الإضافة إلى جملة يكون من أسماء الزمان المبهمة غير المحدودة ، وهى تحمل على (إذ) فى معنى الماضى ، وعلى (إذا) فى معنى المستقبل. وتشمل هذه الأسماء ما لا يختص بوجه ما ، نحو : حين ومدة ، وزمن .. وما يختص بوجه دون وجه ، نحو : غداة ، وعشية. كما تشمل الظروف : (لما) الوجودية ، وريث ، وآية ، و (ذو) مضافا إلى مضارع (سلمت) ، وحيث ، وإذا ، وإن.

وتشمل كذلك ما كان قريبا فى إبهامه من إبهام أسماء الزمان ، من نحو : يوم ، وأيام ، وليلة ، وليالى ، وأزمان ، وزمن ، وعصر ، ... إلخ

والجملة المضافة إلى ما سبقها ، تكون بمثابة المصدر ؛ فإذا قلت : سافرت يوم قدمت إلينا ، التقدير : يوم قدومك إلينا ؛ والجملة ـ عندئذ ـ تتخذ الموقع الإعرابىّ للمصدر فى هذا الموقع ، وهو أن تكون فى محلّ جرّ بالإضافة.

وملازم الإضافة إلى الجملة قد تكون إضافته إلى الجملة مطلقا ، أى : لا يختص بنوع معين من الجمل ، وقد يختص بنوع معين من الجمل ، لذا ؛ فإننا نؤثره أن يكون على قسمين :

أولهما (ثانيا ـ ١ ـ أ):

ما يلزم الإضافة إلى جملة فعلية ، ويكون مبنيا دائما لشبهه بالحرف فى لزوم افتقاره إلى جملة ، وهو : (لما) عند قوم ، وآية ، وريث ، وذو تسلم.

٣٢٦

لمّا (الوجودية):

عند من قال باسميتها ؛ تكون ظرفا بمعنى (حين) أو بمعنى (إذ) ، ويجب أن يليها فعل ماض. واسمية (لما) مذهب الفارسى وأبى البقاء ، ويذكر أن العامل فيها جوابها ، ولكنهم يردون ذلك بأن جوابها قد يتضمن (ما) النافية ، و (إذا) الفجائية ، وكلاهما لا يعمل ما بعده فيما قبله. وجملة جوابها قد تصدر بفعل ماض ، أو بفعل مضارع ، وقد تكون جملة اسمية مقرونة بالفاء أو بإذا الفجائية.

ومثلها قوله تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) [الإسراء : ٦٧] ، (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) [هود : ٧٤](١) ، (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) [فاطر : ٤٢] ، (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت : ٦٥]. (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) [لقمان : ٣٢].

ومنهم من يرى أن الجواب محذوف فيما إذا كان مضارعا أو مصدّرا بـ (إذا الفجائية).

ومذهب سيبويه أن (لما) حرف وجود لوجود ، وحينئذ لا تكون الجملة التى تليها فى محلّ جر بالإضافة إليها ، لأنه لا يضاف إلى الحروف.

آية : (بمعنى علامة):

قد تضاف إلى الفعل المتصرف مجردا ، أو مقرونا بـ (ما) المصدرية أو النافية ، ومن إضافتها إلى الفعل المتصرف المجرد قول الشاعر (ينسب إلى الأعشى) :

بآية تقدمون الخيل شعثا

كأنّ على سنابكها مداما (٢)

__________________

(١) فى جواب (لما) أوجه :

أ ـ أن يكون المضارع (يجادلنا) بوقوع المضارع موقع الماضى.

ب ـ أن يكون (وجاءته البشرى) على أن الواو زائدة ؛ فتكون الجملة الفعلية (يجادلنا) فى محل نصب ، حال من (إبراهيم) ، أو من ضمير الغائب المفعول فى (جاءته).

ج ـ أن يكون محذوفا ، والتقدير : أقبل يجادلنا.

(٢) شرح ابن يعيش ٣ ـ ١٨ / المساعد ٢ ـ / ٣٥٧ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٢٥ / الدر ٢ ـ ٦٣.

(شعثا) حال من الفاعل واو الجماعة فى (تقدمون). (مداما) اسم كأن مؤخر منصوب. والجملة االاسمية المنسوخة (كأن على سنابكها مداما) فى محل نصب حال من الخيل.

٣٢٧

وفيه أضيفت الجملة الفعلية (تقدمون) المصدرة بالمضارع المتصرف المجرد من (ما) المصدرية والنافية (تقدم) إلى آية. ومنهم من يجعل هذا قليلا ، ومنهم من يمنع ذلك ، ويقدر (ما) المصدرية محذوفة.

ومن إضافتها إلى ما هو مصدّر بـ (ما) المصدرية قول يزيد بن عمرو بن الصعق :

ألا من مبلغ عنى تميما

بآية ما يحبون الطعاما (١)

فالمصدر المؤول (ما يحبون) فى محل جر مضاف إليه ، والتقدير : بآية حبهم.

كما أنها تضاف إلى ما هو مصدّر بما النافية ، كما هو فى قول عمرو بن شأس :

ألكنى إلى قومى السّلام رسالة

بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا (٢)

الجملة الفعلية المحولة (ما كانوا ضعافا) المصدرة بـ (ما) النافية فى محل جر مضاف إليه.

وقد تضاف إلى المفرد ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة : ٢٤٨](٣) ، حيث المصدر المؤول (أن يأتيكم التابوت) فى محلّ جر مضاف إليه.

وجاء إضافتها إلى الجملة الاسمية فى قول مزاحم بن عمرو السلولى :

__________________

(١) ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٢٦ / المساعد ٢ ـ ٣٥٨ / الدر ٢ ـ ٦٣ / الهمع ٢ ـ ٥١.

(٢) المنصف ٢ ـ ١٠٣ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٢٦ / المساعد ٢ / ٣٥٨ / الهمع ٢ ـ ٥٠ / الدر ٢ ـ ٦٣.

(٣) (إن) حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (آية) اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (ملكه) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له ،. (يأتيكم) فعل مضارع منصوب بعد أن ، وضمير المخاطبين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والمصدر المؤول فى محل رفع ، خبر إن. (التابوت) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (فيه) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم ، (سكينة) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال من التابوت. (من ربكم) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بسكينة ، أو فى محل جر ، صفة لها

٣٢٨

بآية الخال منها عند برقعها

وطول ركبتها قضى عن تثنّيها (١)

حيث الجملة الاسمية (الخال عند برقعها) فى محلّ جر مضاف إليه. والجملة الاسمية (طول ركبتها قضى) فى محل جر بالعطف على الجملة المضافة.

ريث :

مثل (آية) تلزم الإضافة ، وتضاف إلى المثبت المتصرف ، و (ريث) مصدر (راث ، يريث) ، أى : أبطأ ، ومثالها قول الشاعر :

خليلىّ رفقا ريث أقضى لبانة

من العرصات المذكرات عهودا

وفيه أضيفت الجملة الفعلية المصدرة بالمضارع المثبت (أقضى) إلى (ريث).

ومن ذلك قول الشاعر :

لا يزجر الرأى إلا ريث يبثّه

ولا يشارك فى آرائه أحدا

وقد تفصل (ريث) عما أضيف إليها بـ (ما) ، وتحتسب (ما) زائدة فيكون ما بعدها جملة فى محل جرّ بالإضافة إليها ، أو مصدرية فيكون ما بعدها مصدرا فى محلّ جرّ بالإضافة. نحو : ريثما يتسنىّ ، ومنه قول الشاعر :

بمحياه حين يلقى ينال السؤل راجيه ريث ما يتمنىّ (٢)

فقد ذكر الجملة الفعلية (يتمنى) بعد (ريث) ، وقد كانت مصدرة بـ (ما) ؛ فإذا احتسبنا (ما) زائدة فإن الجملة الفعلية تكون فى محل جر مضاف إليه ، وإن احتسبت (ما) مصدرية فإن المصدر المؤول يكون فى محل جر بالإضافة إليها.

ذو : (بضم طويل):

تضاف إلى مضارع (سلمت) بخاصة ، وذلك فى قولهم : اذهب بذى تسلم ، ويفسرون هذا التعبير على أن الباء بمعنى (فى) ، وجملة (تسلم) صفة لوقت محذوف ، أو صلة له على أن ذا اسم موصول ؛ لأن (ذو) فى هذا التركيب إما أن

__________________

(١) ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٢٦ / همع الهوامع ٢ ـ ٥١ / الدرر ٢ ـ ٦٤ / اللسان مادة (قضض).

(٢) ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٢٧ / الهمع ١ ـ ٢١٣.

٣٢٩

تفسر بمعنى (صاحب) ، أو أنها اسم موصول معرب على لغة بعض بنى طيّئ ؛ فيكون : اذهب فى وقت ذى سلامة لك ، أو : فى الوقت الذى تسلم فيه ، ويكون المحذوف مضافا إلى (ذى) ، وأقيمت الجملة الفعلية الصفة مقامه ؛ فتكون الجملة فى محل جرّ بالإضافة إلى (ذى).

ويختلف الفاعل فى الفعلين بحسب المخاطب ؛ فتقول : اذهبى بذى تسلمين ، واذهبا بذى تسلمان ، واذهبوا بذى تسلمون ، واذهبن بذى تسلمن وحكى ابن السكيت أنه قد يقسم بهذا التركيب فى النفى والإثبات (١).

فقالوا : لا أفعل بذى تسلم ، وبذى تسلمان ...

والآخر (ثانيا ـ أ ـ ب):

ما يلزم الإضافة إلى الجملة مطلقا ، وهو الظروف (إذ ، حيث ، إذا) ، وما يحمل عليها من أسماء الزمان المبهمة غير المحدودة ، من مثل : حين ، ساعة ، وقت ، زمان ، يوم).

إذ : (بكسر فسكون):

(إذ) ظرف للزمان الماضى مبنى على السكون ، يضاف إلى الجملة الاسمية والفعلية ؛ فتقول : كنّا متجاورين إذ أنت فى الكلية ، حيث أضيفت (إذ) إلى الجملة الاسمية (أنت فى الكلية) ، وتقول : كنا متجاورين إذ سكنت فى حىّ الجامعة. وفيه الجملة الفعلية (سكنت) فى محل جرّ بالإضافة إلى (إذ).

وشرط إضافة الجملة الفعلية إليها أن يكون فعلها ماضيا ـ لفظا أو معنى ـ

كما فى قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة : ١٢٧] ؛ إذ يجعلون المضارع (يرفع) فى معنى ماضيه (رفع) ، وقيل : هى حكاية حال ماضية.

__________________

(١) ينظر : المساعد ٢ ـ ٣٦٠.

٣٣٠

وشرط إضافة الجملة الاسمية إليها ألا يكون خبرها ماضيا ، وقد اجتمعا فى قوله تعالى : (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة : ٤٠] ، حيث الجملة الفعلية ذات الفعل الماضى (أخرجه) ، والجملة الاسمية (هما فى الغار) ، والجملة الفعلية ذات الفعل المضارع (يرفع) أضيف إليها (إذ) التى تسبق كلا منها.

وقد ترد للمستقبل كما هو فى قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) [غافر : ٧٠ ، ٧١] حيث الجملة الاسمية (الأغلال فى أعناقهم) أضيف إليها (إذ) ، ومعناها مستقبلى ، لكن من النحاة من يرى أن (إذ) فى هذا الموضع بمعنى (إذا) ، ومنهم من يرى أن (إذ) فى محل نصب ، مفعول به بمعنى (وقت).

فهى منصوبة بيعلم ، أو بمحذوف تقديره (اذكر).

ومنه كذلك قوله تعالى : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [البقرة : ١٦٥] ، وقد يعلل لاستقبال ما أضيف إليه (إذ) تقريبا للأمر وتصحيحا لوقوعه ، أو : لاتصال زمن الآخرة بزمن الدنيا ؛ فقام أحدهما مقام الآخر ، أو : لوقوع (إذ) موقع (إذا).

ويجيز بعض النحاة وقوع (إذ) مفعولا به ، أو بدل اشتمال من المفعول به ، وقد درس ذلك فى الظروف.

ومنه : (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً) [النمل : ٧] ، حيث من أوجه إعراب (إذ) فى هذا الموضع أن يكون مبنيا فى محل نصب ، مفعولا به لفعل محذوف ، تقديره : اذكر. ويكون التقدير : اذكر وقت قال موسى ...

أما قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا ؛) [مريم : ١٦] ففيه (إذ) بدل اشتمال من مريم فى أحد أوجهه الأعرابية.

ولا تفارق (إذ) الإضافة لفظا ومعنى ؛ إلا إذا عوّض عن المضاف إليه بالتنوين ، كما هو فى قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ) [طه : ١٠٨] ، والتقدير : يوم إذ نسفت الجبال يتبعون.

٣٣١

وقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) [طه : ١٠٩] ، أى : يوم إذ يتبعون الداعى لا تنفع الشفاعة.

(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) [الروم : ٤] ، أى : ويومئذ غلبت الروم يفرح المؤمنون.

قد تأتى (إذ) للمفاجأة ، كقولك : بينما أجيب عن السؤال إذ اعترض حاضر.

إذا :

يرى جمهور النحاة أن (إذا) لا تضاف إلا إلى جملة فعلية ، فتقول : آتيك إذا انتهيت من واجبى ، حيث (إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان مضاف إلى الجملة التى تليه ، ذلك لأنها لا تصح جملة صلة ، ولا جملة صفة ، إذ لا تتضمن الضمير الرابط بالمخصص بها ؛ فكانت جملة إضافة ؛ فتكون جملة (انتهت) فى محل جرّ مضاف إليه.

و (إذا) تتضمن معنى الشرط غالبا ، ولا تخرج عن الظرفية الزمانية ، ويوجب البصريون إضافتها إلى الجملة الفعلية ، لكن الكوفيين والأخفش يذهبون إلى أن (إذا) قد يليها الجملة الاسمية ، وانتصر لهما ابن مالك.

ففى قوله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [التكوير : ١] وجهان فى ارتفاع الشمس :

أولهما : ما يذهب إليه البصريون من ارتفاعها على النيابة عن الفاعل بفعل مقدر يفسره الفعل الموجود ، حيث لا يلى (إذا) عندهم إلا الجملة الفعلية.

والآخر : ما يذهب إليه الكوفيون والأخفش من ارتفاعها على الابتدائية ، حيث يجوز أن يلى (إذا) عندهم الجملة الاسمية.

أما كون (إذا) ظرفية دون تضمن معنى الشرط ، وأنها قد تخرج عن الظرفية ؛ وأنها قد تكون للمفاجأة ؛ وخصائص تركيبها حينئذ ؛ فإنه مدروس فى الظروف (المفعول فيه).

٣٣٢

حيث :

(حيث) ظرف مكان ، يبنى على الضم مطلقا ، وهو يضاف إلى الجملة الاسمية والفعلية ، نحو : جلست حيث أنت جالس ، الجملة الاسمية (أنت جالس) فى محل جرّ مضاف إليه ، وتقول : تقابلنا حيث توجد السيارة ؛ فالجملة الفعلية (توجد السيارة) فى محل جرّ بالإضافة مضاف إليه.

وزعم الأخفش أنها تكون للزمان ، وأنشد قول طرفة :

للفتى عقل يعيش به

حيث تهدى ساقه قدمه (١)

أى : حين تهدى قدمه ساقه ، لكن جمهرة النحاة يخالفون ذلك ويؤولون البيت على إرادة المكان.

ولا يضاف شىء من ظروف المكان إلى الجمل إلا (حيث).

وقد شذّ إضافتها إلى المفرد فى قول الشاعر :

أما ترى حيث سهيل طالعا

نجما مضيئا كالشهاب لامعا (٢)

__________________

(١) ينظر : ديوانه ٧٣ / مجالس ثعلب ١ ـ ١٩٧ / شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٩٢ / الدر المصون ١ ـ ١٩٠.

(للفتى) شبه جملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (عقل) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، الجملة الفعلية (يعيش) فى محل رفع ، نعت لعقل. (به) شبه جملة متعلقة بالعيش ، (حيث) ظرف زمان مبنى على الضم فى محل نصب متعلق بالعيش ، أو ظرف مكان ، جملة (تهدى قدمه) فى محل جر بالإضافة إليها. (ساق) مفعول به منصوب. (قدم) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، وضمير الغائب مبنى ، مضاف إليه فى محل جر.

(٢) شرح ابن يعيش ٤ ـ ٩٠ / شرح ابن الناظم ٣٩١ / شذور الذهب ١٣٠ / الهمع ١ ـ ٢١٢.

(أما) حرف استفتاح مبنى ، لا محل له من الإعراب ، أو حرف تنبيه ، أو تحضيض (ترى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله مستتر تقديره : أنت. (حيث) ظرف مكان مبنى على الضم فى محل نصب متعلق بالرؤية. (سهيل) مضاف إليه مجرور. (طالعا) حال من سهيل منصوب. (نجما) منصوب على المدح ، وفعله محذوف تقديره : أمدح ، (يضىء) جملة فعلية فى محل نصب ، نعت لنجم ، (كالشهاب) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من فاعل يضىء. (لامعا) حال ثانية منصوبة من فاعل يضىء ، أو نعت ثان لنجم منصوب.

٣٣٣

فقد أضاف الشاعر (حيث) إلى ما يدل على المفرد وهو (سهيل) ، وهو نجم مضىء.

ومن الشذوذ فى إضافة (حيث) إلى المفرد قول عملّس بن عقيل :

ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم

ببيض المواضى حيث لىّ العمائم (١)

الشاهد فى قوله : (حيث لىّ).

ما يدل على الزمان المبهم غير المحدود :

تنزّل أسماء الزمان المبهمة غير المحدودة من الظروف المبهمة المذكورة سابقا منزلة (إذ وإذا) ؛ فما كان منها ماضى المعنى حمل على (إذ) ، وما كان منها مستقبلا حمل على (إذا). وأسماء الزمان المبهمة غير المحدودة مثل : الحين ، والساعة ، والوقت ، والزمان ، والمدة ، ... إلخ.

ويتضمن هذا القسم ما كان قريبا فى إبهامه من إبهام أسماء الزمان ، من نحو :اليوم ، والساعة ، والعصر ... إلخ.

ففى قول كثير عزة :

ندمت على ما فاتنى يوم بنتم

فيا حسرتا ألا يرين عويلى (٢)

(يوم بنتم). أضيف اسم الزمان المحدود (يوم) إلى الجملة الفعلية. (بنتم) ، وفعلها ماض ؛ فيكون بمعنى (إذ).

وتقول : أكرمتك يوم جئتنى ؛ فتكون الجملة الفعلية (جئتنى) فى محل جر مضاف إليه. والتقدير : إذ جئتنى.

وتقول : سأستمع إليك حين تلقى المحاضرة ، أى : إذا تلقى ، وتكون الجملة الفعلية (تلقى) فى محلّ جر بالإضافة إليها (حين).

__________________

(١) الحبا : جمع حبوة بكسر الحاء ، والمراد أوساطهم ، بيض المواضى : أى السيوف القواطع / لى العمائم :شدها على الرؤوس.

شرح ابن يعيش ٤ ـ ٩٠ ، ٩٢ / شرح ابن الناظم ٣٩١ / شرح التصريح ٢ ـ ٣٩ / همع الهوامع ١ ـ ٢١٢.

(٢) ديوانه ٢٥١ / أمالى القالى ٢ ـ ٦٤ / شرح ان الناظم ٣٩٢.

٣٣٤

ويثار بين النحاة قضية إضافة مثل هذه الظروف إلى الجملة الاسمية إذا كان الظرف مستقبل الزمن : فيرى سيبويه أنه لا يجوز أن يضاف الظّرف المستقبلىّ الزمن إلى الجملة الاسمية.

أما الأخفش ؛ فإنه يجيز ذلك. ففى قوله تعالى : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) [غافر : ١٦] الجملة الاسمية (هم بارزون) أضيفت إليها ، لكن سيبويه يقدر فعلا قبل الاسم محذوفا يفسره اسم الفاعل المذكور (بارزون) ، والتقدير : يوم برزوا ؛ فلما حذف الفعل بقى الضمير (واو الجماعة) منفصلا ؛ فأصبح (هم) ؛ فيكون (هم) لدى هؤلاء فاعلا بفعل محذوف ، أما (بارزون) ؛ فيكون خبرا لمبتدإ محذوف تقديره (هم).

ولكن الأخفش لا يقدّر كلّ ذلك ؛ لأنه يجيز مجئ الجملة الاسمية فى هذا الموضع ، وتكون الجملة الاسمية فى محل جر مضاف إليه.

ومثل ذلك قوله تعالى : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [الذاريات : ١٣].

ملحوظات :

أولا : الجملة المضافة والضمير الرابط :

الجمل المضافة إلى اسم لا يجوز أن يكون فيها ضمير يعود على هذا الاسم ، من ذلك قوله تعالى (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم : ٣٣]. حيث الجمل الفعلية (ولدت ، أموت ، أبعث) فى محل جرّ مضاف إليه ، ونلحظ عدم تضمنها ضميرا يعود على ما أضيفت إليه ، والضمائر التى تتضمنها الجمل لا يعود على المضاف (يوم) ، وإنما على المتكلم.

وإذا تضمنت الجملة ضميرا يعود على الاسم السابق عليها وجب الفصل بالتنوين ، وتأخذ الجملة موقعها الإعرابىّ من الصفة أو الحال.

ففى القول : استمتعت بيوم قضيته على شاطىء البحر ، الجملة الفعلية (قضيته) تضمنت ضمير الغائب (الهاء) العائد على الاسم الذى يسبقها (يوم) ؛ ففصل بينهما بالتنوين ، وتكون الجملة فى محل جر ، نعت ليوم.

٣٣٥

أما قول النابغة الجعدى :

مضت سنة لعام ولدت فيه

وعشر بعد ذاك وحجتان (١)

ففيه شبه الجملة (فيه) تضمنت ضميرا يعود على ما أضيف إليه الجملة (ولدت) ؛ فإنه يخرج على أن شبه الجملة تعلقت بمحذوف تقديره : أعنى ، وتكون الجملة الفعلية المقدرة : (أعنى فيه) اعتراضية. ومن النحاة من يجعل عود الضمير فى جملة المضاف إليه إلى المضاف نادرا ، وهم الذين لم يخرجوه على التفسير السابق.

ومثله قول الأعشى :

وتسخن ليلة لا يستطيع

نباحا بها الكلب إلا هريرا (٢)

حيث الجملة الفعلية (لا يستطيع نباحا بها الكلب) فى محل جرّ مضاف إليه ، وقد تضمنت ضميرا يعود على المضاف ، وهذا نادر ، ومنهم من يمنعه.

ثانيا : الفصل بين (حين) والجملة :

قد تفصل (حين) عما أضيفت إليه بـ (أن) ، ومثال ذلك قول الشاعر : (أوس بن حجر) :

وجالت على وحشيّها أمّ جابر

على حين أن نالوا الربيع وأمرعوا (٣)

ومثلها مثل (لدن) في كون (أن) مصدرية أو زائدة ؛ فإذا احتسبتها زائدة كانت الجملة التى تليها (نالوا) فى محلّ جرّ مضيف إليه. وإن احتسبت (ما) مصدرية كان المصدر المؤول (أن نالوا) فى محلّ جرّ مضاف إليه.

ثالثا : المضاف إلى الجملة بين الإعراب والبناء :

الظروف المبهمة وأسماء الزمان المبهمة غير المحدودة وما يجرى مجراها من

__________________

(١) ديوانه ١٦١ / المساعد ٢ ـ ٣٦٠ / الدرر ١ ـ ١٨٩.

(٢) المساعد ٢ ـ ٣٦١ / المغنى ٢ ـ ٥٩٢ / الدرر ١ ـ ١٨٩.

(٣) شرح التسهيل ٣ ـ ٢٦٠ / المساعد ٢ ـ ٣٥٩.

٣٣٦

الأسماء المبهمة إذا أضيفت إلى الجمل فإنها ـ من حيث الإعراب والبناء ـ تعامل على التفصيل الآتى :

أ ـ إذا كان الظرف ملازما للإضافة إلى الجملة ؛ فإنه يجب فيه البناء على ما بنى عليه ، وهذه الظروف : إذ ، وإذا ، وحيث.

ب ـ إذا كان اسم الزمان المبهم جائز الإضافة إلى الجملة فإنه يرجّح فيه البناء إذا وليه مبنىّ. من ذلك قول النابغة :

على حين عاتبت المشيب على الصبا

وقلت ألمّا أصح والشيب وازع (١)

يروى بفتح (حين) بالبناء على الفتح ، وبكسره بالجرّ على الإعراب ، حيث الجملة الفعلية (عاتبت) أضيفت إليها الظرف (حين) وهو في محل جرّ ، وقد تصدرت الجملة المضافة إليه بفعل ماض مبنى ؛ فرجح بناء (حين) على الفتح ، وجاز أن ينطق مجرورا بالكسرة.

ومنه قوله تعالى : (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) [هود : ٦٦] ، حيث قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة بالكسر على الإعراب. وقرأ نافع والكسائى وأبو جعفر بالفتح على البناء لإضافته إلي مبنى وهو (إذ) (٢).

ومن ذلك قوله تعالى : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) [سبأ : ٥٤]. (بين) نائب فاعل مبني على الفتح فى محل رفع ، وبنى لإضافته إلى مبني وهو ضمير الغائبين (هم).

وقوله تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] ، بفتح (بين) ، فى قراءة نافع والكسائى وعاصم في رواية حفص عنه ، ومن توجيه الفتح أن (بين) فاعل مبنى

__________________

(١) ينظر : ديوانه ٥١ / المنصف ١ ـ ٥٨ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ١٦ / ٨ ـ ١٣٦ / شرح ابن عقيل ٢ ـ ٥٩ / شرح التصريح ٢ ـ ٤٢ / المقرب ١ ـ ٢٩٠.

(٢) ينظر : السبعة ٣٣٦ / إبراز المعانى ٣٤٨ / البحر المحيط ٥ ـ ٢٤٠ / النشر فى القراءات العشر ٢ ـ ٢٨٧ / الإتحاف ٢٠٧.

٣٣٧

فى محل رفع ، وبنى لإضافته إلى المضمر المبنى (١). وقرئت (بين) بالضم عند باقى القراء.

ومن ذلك قول أبى قيس بن الأسلت الأوسى :

لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت

حمامة فى غصون ذات أو قال (٢)

وفيه (غير) فاعل (يمنع) ، لكنه مضاف إلى ما هو مبنى ، وهو المصدر المؤول المصدّر بأن المصدرية ، وهو حرف مبنى ، فبنيت (غير) على الفتح ، وهي في محل رفع ، فاعل ، ونلحظ أن (غيرا) تعرب فاعلا حسب موقعها فى الكلام ، وهى ليست عن تمام الكلام ، أى : أن الجملة تتطلبها فى أحد ركنيها ، وهو الفاعلية.

ومنه قوله تعالى : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن : ١١]. حيث بنى المبتدأ المؤخر (دون) على الفتح لإضافته إلى اسم الإشارة (ذلك) ، وهو مبنى.

وقوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : ٢٣]. عند من فتح

__________________

(١) لفتح (بين) أوجه أخرى : منها :

أ ـ أن الفاعل مضمر يعود على الاتصال المفهوم من (شركاء) ، والمعنى : لقد تقطع الاتصال بينكم ، فانتصب (بين) على الظرفية.

ب ـ الفاعل (بين) وبقى منصوبا حملا على أغلب أحواله ، وهو النصب.

ج ـ الفاعل محذوف ، و (بينكم) صفة له ، والتقدير : لقد تقطع وصل بينكم.

د ـ أن بينكم صلة لموصول محذوف هو الفاعل ، والتقدير : لقد تقطع ما بينكم.

ه ـ تقدير الزمخشرى : لقد وقع التقطع بينكم ، ينظر : الدر المصون ٣ ـ ١٢٧.

(٢) معانى الفراء ١ ـ ٢٨٣ / المساعد ٢ ـ ٣٦١ / ، الهمع ١ ـ ٢١٩ / الخزانة ٣ ـ ٤٠٦ / الدرر ١ ـ ١٨٨ ، ١٨٩. أو قال : جمع وقل (بفتح فسكون) ، وهو ثمر الدّوم اليابس.

(لم) حرف نفى وجزم وقلب مبنى لا محل له من الإعراب. (يمنع) فعل مضارع مجزوم بعد لم ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين. (الشرب) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (منها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالمنع. (غير) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أو مبنى على الفتح فى محل نصب. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (نطقت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء : حرف تأنيث مبنى ، لا محل له من الإعراب. (حمامة) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والمصدر المؤول فى محل جر بالإضافة. (فى غصون) جار مبنى ومجرور بالكسرة ، وشبه الجملة فى محل رفع ، نعت لحمامة ، أو متعلقة بنعت محذوف. (ذات) نعت لغصون مجرور ، وعلامة جره الكسرة. وهو مضاف ، و (أو قال) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٣٣٨

(مثل) ، وهو نعت لخبر (إنّ) المرفوع (حق) ، لكنه بنى لإضافته إلى مبنى (١) ، وهو (أنّ) المصدرية. كما أنها قد تلاها (ما) المزيدة ، وهو حرف مبنى ، وفيه قراءة الرفع.

ومنه قول الشاعر :

فتداعى منخراه بدم

مثل ما أثمر حمّاض الجبل (٢)

(مثل) نعت للمجرور (دم) ، ولكنه بني على الفتح لإضافته إلى مبني ، وهو (ما) المصدرية. وقول الشاعر :

لأجتذبن منهن قلبى تحلّما

على حين يستصبين كلّ حليم

يروي بفتح (حين) على البناء ، وبجره على الإعراب.

وقول الآخر :

تذكرّ ما تذكرّ من سليمى

على حين التواصل غير دان (٣)

يروي بجرّ (حين) على الإعراب ، وبفتحها على البناء.

__________________

(١) فى فتح (مثل) أوجه أخرى ، أظهرها :

أ ـ النصب على إسقاط الخافض (كاف التشبيه).

ب ـ أنه نعت لمصدر محذوف ، والتقدير : إنه لحق حقا مثل نطقكم.

ج ـ أنه حال من الضمير فى : الحق. أو من (حق) نفسها.

د ـ أنه منصوب بإضمار فعل ، تقديره : أعنى.

ه ـ أنه منصوب نصب الظرف.

و ـ أن (مثل) مركب مع (ما) مبنيا.

(٢) ابن يعيش ٨ ـ ١٣٥ / ابن الشجرى ٢ ـ ٢٦٦ / اللسان مادة : حمض.

(٣) (تذكر) فعل ماضى مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره هو. (ما) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (تذكر) فعل ماض وفاعله مستتر تقديره : هو ، وفيه ضمير مقدر فى محل نصب ، مفعول به ، هو العائد ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (من سليمى) من : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. سليمى : اسم مجرور بعد من ، وعلامة جره الفتحة المقدرة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف. وشبه الجملة متعلقة بالتذكر. (على حين) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالتذكر الأول. (التواصل) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (غير) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وهو مضاف ، و (دان) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة ، والجملة الاسمية فى محل جر ، مضاف إليه.

٣٣٩

ج ـ إذا كان ما بعد اسم الزمان المضاف إلى الجملة معربا ـ سواء أكان اسما أم فعلا ـ ترجح إعرابه. من ذلك قوله تعالى (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩]. حيث قرئ (يوم) مرفوعا بدون تنوين على أنه خبر اسم الإشارة ، والجملة الفعلية بعده فى محل جر مضاف إليه ، وأعرب (يوم) لأن ما بعده فعل مضارع معرب.

وقد قرئ بالفتح بدون تنوين على البناء (١) ، على أنه خبر مبنى على رأى الكوفيين ، وقد يؤول الفتح على أن (يوما) منصوب على الظرفية ، ومتعلق بخبر محذوف ، والتقدير : هذا واقع يوم ينفع ...

ومنه قول الشاعر :

ألم تعلمى يا عمرك الله أننى

كريم علي حين الكرام قليل (٢)

حيث الجملة الاسمية (الكرام قليل) أضيف إليها (حين) ، وهى مصدرة باسم معرب ؛ فرجح جرّ (حين) بالكسر إعرابا.

ومنه قراءة قوله تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) [الانفطار : ١٩].

حيث نصب (يوم) والجملة الفعلية التى تليه في محلّ جرّ مضاف إليه ، والفتحة فتحة بناء على أنه خبر لمبتدإ محذوف فى محل رفع ، وقيل : فتحة نصب ، على أنه منصوب بفعل محذوف ، تقديره : أعنى ، أو أذكر ؛ فيكون مفعولا به.

د ـ إن كانت الجملة المضاف إليها اسم الزمان مصدرة بـ (لا) النافية للجنس كان فيه ثلاثة أوجه (٣) :

أن يبقى على ما هو عليه من البناء أو الإعراب ؛ فتقول : امتحنت حين لا طالب ، ببناء (طالب) على الفتح ، على أنها صدر جملة في محل جر مضاف

__________________

(١) قرئ (يوم) بالرفع مع التنوين ، وبالنصب مع التنوين ،. وتكون الجملة الفعلية ـ حينئذ ـ فى محل رفع أو نصب صفة. ينظر الدر المصون ٢ ـ ٦٦٠.

(٢) شرح التسهيل ٣ ـ ٢٥٦ / المساعد ٢ ـ ٣٥٥ / همع الهوامع ١ ـ ٢١٨ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٥٧.

(٣) التسهيل ١٥٩ / المساعد ٢ ـ ٣٥٦.

٣٤٠