النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

حتى بين الضمير المنصوب والضمير المجرور ، وإن كانت ضمائر النصب المتصلة هى ضمائر الجرّ ، إلا أنها لا تكون فى محلّ جر إلا باتصالها بالأسماء ، أو سبقها بحرف الجر ، وتكون فى محلّ نصب باتصالها بالأفعال.

ويجيز المبرد والكوفيون دخول (حتى) على المضمر مستدلا بما جاء فى بعض أشعار العرب ، وهو نادر ، والجمهور يحكمون عليه بالشذوذ ، فلا يجوز القياس عليه. ومنه ما جاء فى قول الشاعر :

فلا والله لا يلفى أناس

فتى حتّاك يا ابن أبى زياد (١)

حيث دخلت (حتى) على ضمير المخاطب (الكاف) ، وهو شاذ.

وقول الآخر :

أنت حتّاك تقصد كلّ فجّ

ترجّى منك أنها لا تخيب (٢)

ب ـ كذا لا تعطف (حتى) المضمر على ما سبقه

، حيث اختصاصها بالظاهر جرا وعطفا ، وقيل : تعطف المضمر كضربتهم حتّى إيّاك ، والتقدير : ضربتهم وإيّاك ، فضمير المخاطب المنفصل (إياك) فى محلّ نصب بالعطف على ضمير الغائبين المتصل المفعول به (هم) ، ولكن جمهور النحاة يرى أن هذا على سبيل الندرة فهو شاذّ.

ج ـ تبدل حاء (حتى) عينا فى لغة هذيل ، فيقولون : عتّى.

د ـ المعطوف بـ (حتى) يكون واحدا من جمع ، نحو : ضربت القوم حتى محمودا ، أو يكون جزءا من أجزاء مفرد ، كما ذكر فى المثل : أكلت السمكة حتى رأسها ، ولا يجوز العطف بـ (حتى) والمعطوف يكون مثنى.

وقد يكون المعطوف مما ينتسب إلى المعطوف عليه ، كأن تقول : خرج الصيادون حتى كلابهم ، والجند حتى أثقالهم ، وأعجبتنى الجارية حتى حديثها (٣).

__________________

(١) شرح الرضى ٢ ـ ٣٢٦ / الجنى الدانى ٥٤٤ / الفوائد الضيائية ٣٢٣ / خزانة الأدب ٤ ـ ١٤٠ / همع الهوامع ٢ ـ ٢٣ / الدرر اللوامع ٢ ـ ١٦.

(٢) المغنى ١ ـ ١٢٣ / العينى على الأشمونى والصبان ٢ ـ ٢١٠.

(٣) ينظر : المساعد ٢ ـ ٤٥٢.

٢٨١

مذ ومنذ

(مذ ومنذ) يرتبطان بالزمان الماضى أو الحاضر ، أو المدة الزمنية لحدث ما ، وهما لابتداء الغاية فى الزمان ، يجعلهما النحاة مترددين بين الاسمية والحرفية ، ويذهب جمهور النحاة إلى أنهما فى حال صحة جرّ ما بعدهما يكونان حرفين من حروف الجرّ ، وإن صحّ رفع ما بعدهما فهما اسمان خبرهما مابعدهما ، وكل ذلك مرتبط بدلالة التركيب ، و (مذ) فى الأزمنة بمنزلة (من) فى الأمكنة ، على النحو الآتى :

ـ إن أردت الإخبار عن ابتداء وقوع الفعل واتصاله إلى وقت الحديث فإنه يمكن أن تخفض ، ويكونان حرفى جرّ ، فتقول : سافرت من البلد مذ سنة كذا ، وما رأيت صديقى أحمد منذ سنة كذا ، بخفض ما بعد (مذ ومنذ) على الجرّ بهما. ويعنى ذلك أن بداية سفرى أو عدم رؤيتى كان هذه السنة ، وامتدّ إلى الآن.

ـ وإن أردت بهما الحاضر أو الحال ، أى : الزمان الذى أنت فيه فإنهما يخفضان ، فتقول : ما رأيته مذ شهرنا ، ومنذ يومنا ، ومنذ الليلة ، والآن ، واليوم ، وكلّها أزمنة أنت فيها الآن ، وكلّها مجرورة بحرف الجر الذى يسبقها ، والجرّ يفيد أن عدم الرؤية لم تنته ولم تحدّد ، فهى متصلة منذ أن كانت ومستمرة ، لذا وجب الجرّ.

ـ فإن كان ما بعدهما زمانا يعبّر به عن الماضى فإن فيه معنيين :

أولهما : أن يكون الماضى معدودا ، فيكونا لتنظيم أول الوقت إلى آخره ، أى تكون بمعنى الأمد (١) ، نحو قولك : ما رأيته مذ يومان ، أى : مدة انقطاع الرؤية يومان. فهى جواب عن : كم مدة انقطاع الرؤية؟

ويقدرهما النحاة فى مثل هذا التركيب بـ (من) و (إلى) معا ، ليدلا على ابتداء الغاية في الزمان ، وانتهائها

والآخر : أن يكون الماضى غير معدود ، فيكونا لابتداء الغاية ، نحو قولك : ما رأيته مذ يوم الخميس ، أى : أول انقطاع الرؤية يوم الخميس.

__________________

(١) ينظر : شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٩٤.

٢٨٢

وأنت فى هذين المعنيين يجوز لك أن ترفع ما بعدهما وأن تخفضه ، والرفع يكون على الخبرية على أن (مذ ومنذ) فى محلّ رفع على الابتداء.

والخفض يكون على أنهما حرفا جرّ ، وما بعدهما مجرور بهما ، وقد يكون جرّ ما بعدهما على الإضافة.

من ذلك قول امرئ القيس :

قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان

وربع عفت آثاره منذ أزمان (١)

وفيه (منذ) لابتداء الغاية ، وقد جرت ما بعدها على الأكثر شهرة.

وقول زهير بن أبى سلمى :

لمن الديار بقنّة الحجر

أقوين مذ حجج ومذ دهر (٢)

فيه (مذ) فى الموضعين لابتداء الغاية فى الزمن الماضى ، وقد جرّتا ما بعدهما ، وإذا عطف على مرفوعهما فإنه يجوز فى المعطوف عليه الرفع والنصب ، فتقول : ما رأيته مذ يومان وليلتان ، أو : وليلتين ، ورفع المعطوف عليه يكون بعطف مفرد على مفرد ، أما النصب فإنه يكون بالعطف على محل (مذ مع مرفوعه) ؛ لأن محلّهما النصب على الظرفية ، وهما متعلقان بالفعل الذى يسبقهما.

__________________

(١) الأشمونى على الألفية ٢ ـ ٣٢٩.

(قفا) فعل أمر مبنى على حذف النون ، وألف الاثنين مبنى فى محل رفع فاعل ، (نبك) جواب الأمر فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، أو مجزوم لأنه جواب شرط محذوف ، والتقدير : إن تقفا نبك ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : نحن. (من ذكرى) من : حرف جر مبنى ، ذكرى : اسم مجرور بمن ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر ، وشبه الجملة متعلقة بالبكاء ، ويجوز أن تجعل من زائدة. وذكرى : مفعولا به منصوبا مقدرا. (حبيب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وعرفان) عاطف ومعطوف على حبيب. (وربع) عاطف ومعطوف على حبيب. (عفت) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، والتاء حرف تأنيث مبنى. (آثاره) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى في محل جر بالإضافة. والجملة الفعلية فى محل جر ، نعت لربع. (منذ) حرف جر مبنى على الضم لا محل له من الإعراب. (أزمان) اسم مجرور بمنذ ، وشبه الجملة متعلقة بالعفاء.

(٢) الموضع السابق. قنة (بضم فتشديد) : أعلى الجبل ، الحجر (بكسر فسكون) حجر ثمود ، أقوين : خلون ، الحجج (بكسر الحاء) : السنون.

(لمن) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع خبر مقدم. (الديار) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (أقوين) جملة فعلية فى محل نصب حال من الديار.

٢٨٣

والاسم الواقع بعد (مذ ومنذ) إن كان عددا فإن للعرب فيه مذاهب ، أشهرها وأرجحها :

أنه يوجب استغراق المدة كلها ، فإذا قلت : ما رأيته مذ ثلاثة أيام ، فإن عدم الرؤية حدث فى جميعها من أولها إلى آخرها.

ـ فإن وقع بعدهما جملة اسمية أو فعلية ، نحو : أجبتك مذ دعوتنى ، واستمعت إليك منذ أنا موجود ، فالأشهر أنهما يكونان ظرفين مضافين إلى الجملة بعدهما ، وقد يحتسبها بعضهم مضافة إلى محذوف ، يقدر بزمن مضاف إلى الجملة ، وقيل : مبتدآن خبرهما الجملة بعدهما بعد إضافتها إلى زمن.

ومن ذلك قول الفرزدق :

ما زال مذ عقدت يداه إزاره

فسما فأدرك خمسة الأشبار (١)

حيث تلا (مذ) الجملة الفعلية (عقدت يداه) ، فتأخذ الأوجه الإعرابية الثلاثة المذكورة سابقا ، أى : تكون (مذ) فى محل نصب على الظرفية مضافا ، والجملة التى تليها فى محل جرّ بالإضافة إليها ، وقد يحتسبه بعضهم أن الجملة منوبة مناب المضاف إليه المحذوف وتقديره (زمن) ، أو : أن (مذ) فى محلّ رفع على الابتدائية ، خبره محذوف تقديره (زمن) أضيف إليه الجملة المذكورة.

ومنه كذلك قول الأعشى ميمون :

وما زلت أبغى الخير مذ أنا يافع

وليدا وكهلا حيث شبت وأمردا (٢)

__________________

(١) ينظر : الأشمونى على ألفية ابن مالك : ٢ ـ ٢٢٨.

(٢) ينظر : الأشمونى على ألفية ابن مالك ٢ ـ / ٢٢٨.

(ما زلت) حرف نفى وفعل ماض ناقص ناسخ مبنى على السكون ، والتاء ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم ما زال. (أبغى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع ظهورها الثقل ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا. والجملة الفعلية فى محل نصب ، خبر ما زال. (الخير) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (مذ) ظرف زمان مبنى على السكون فى محل نصب متعلق بأبغى. (أنا) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (يافع) خبر المبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل جر بالإضافة ، (وليدا) حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة. (وكهلا) حرف عطف ومعطوف على وليد منصوب. (حيث) ظرف زمان مبنى على الضم فى محل نصب متعلق بالكهولة. (شبت) فعل ماض

٢٨٤

ـ إذا قلت : ما رأيته مذ أو منذ أن الله خلقه ، بفتح همزة (أن) احتملا الاسمية والحرفية ؛ لأن ما بعدهما مصدر مؤول ، أى : اسم مفرد ، فإن احتسبتهما حرفين فإن المصدر يكون فى محلّ جرّ بهما ، أو يكون مضافا إلى محذوف مجرور بهما ، يقدر بكلمة : زمن. وإن احتسبتهما اسمين فيكونان فى محلّ رفع بالابتداء ، خبرهما المصدر المؤول بعدهما. أما إن كسرت همزة (إن) فإنهما يكونان اسما لا غير.

حرفيتهما :

من النحاة ـ وهم جمهورهم ـ من يوجب حرفية (مذ ، ومنذ) إذا وليهما مجرور ، ويجعلونهما ـ حينئذ ـ نظيرتى (من) فى المكان ، فلمّا كانت حرفا كانا كذلك ؛ لأنهما فى معناها. كما أنهم يستدلون بإيصالهما الفعل إلى ما يستفهم به من (متى) و (كم) على حرفيتهما ؛ حيث يصح القول : مذ متى سرت؟ ومذ كم فقدتك؟ ، ولا يصح القول : مذمتى سرت فيه؟ مذ كم فقدتك فيه؟ مما يدلّ على أنهما حرفان ـ حينئذ ـ لا اسمان.

ويذكرون أن الغالب على (منذ) الحرفية ، والغالب على (مذ) الاسمية ، ذلك لأن الحروف لا يتصرف فيها ، لأنها اختصار وإيجاز لنيابتها عن الأفعال ، ولا يصح اختصار الاختصار ، فكذلك (منذ) التى لم يحذف منها شىء ، أما (مذ) فقد تصرف فيها ، بحذف العين منها ، كما هو فى الأسماء. ولكن يرد على ذلك بالتخفيف فى (إن) و (كأن) و (لكن).

وهؤلاء يرون أنه إذا وليهما مرفوع أو جملة فإنه يتعين اسميتهما.

فإذا احتسبا حرفين كان الكلام جملة واحدة ، حيث يتعلقان بما قبلهما ، ويجران ما بعدهما.

__________________

مبنى على السكون. والتاء ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة فى محل جر بالإضافة. (وأمردا) حرف عطف ومعطوف على وليد منصوب وعلامة نصبه الفتحة. والألف للإطلاق.

٢٨٥

والقضية مدروسة بالتفصيل فى الظروف (المفعول فيه) ؛ لأن أصلها الظرف الزمانى ، فرجحت الدراسة التفصيلية هناك ، والنحاة ـ معظمهم ـ يذكرونهما فى الحروف.

حروف القسم

حروف القسم (١) ؛ وهى : الباء والتاء والواو ، تخفض ما بعدها من مقسم به ، فيقال : بالله ، تالله ، والله ، بخفض لفظ الجلالة.

تتكون شبه جملة القسم من حرف القسم والمقسم به المخفوض ، وفى متعلق شبه الجملة هذه ينقسم النحاة إلى قسمين :

أولهما : ما يراه بعض النحاة من أن شبه الجملة متعلقة بالفعل الذى يأتى بعدها ، أى : المقسم عليه ، ويرده كثير من النحاة.

والآخر : ما يراه كثير من النحاة من تعلق شبه الجملة بفعل محذوف ملائم للفظ القسم ، من نحو : أقسم ، أحلف ، ...

أما جملة جواب القسم فإنها لا محلّ لها من الإعراب ، فإذا قلت : والله لأخلصنّ فى عملى ، فالواو حرف قسم مبنى ، لا محلّ له من الإعراب ، (الله) لفظ الجلالة اسم مجرور بحرف القسم ، وعلامة جرّه الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بفعل محذوف ، تقديره : أقسم.

(لأخلصن) اللام : حرف توكيد مبنى ، لا محل له من الإعراب واقع فى جواب قسم محذوف. أخلص : فعل مضارع مبنى على الفتح لمباشرته نون التوكيد فى محل رفع ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا ، والنون حرف توكيد مبنى ، لا محل له من الإعراب ، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب. (فى عملى) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالإخلاص.

بنية المقسم به مع حروف القسم وفعل القسم :

هناك علاقة ثلاثية بين حرف القسم المقسم به ما بين الإظهار والإضمار ، وفعل القسم بين الحذف والذكر ، ذلك على النحو الآتى :

__________________

(١) ارجع إلى : البسيط فى شرح جمل الزجاجى ٢ ـ ٩٢٣ / المساعد ٢ ـ ٣٠٢ / شفاء العليل ٢ ـ ٦٨٣.

٢٨٦

الباء : تدخل على كلّ محلوف به ، ظاهرا كان أو مضمرا ، وفعل القسم معها قد يكون ظاهرا ، وقد يحذف. فتقول : بالله لأجتهدنّ. أقسم بالله لأجتهدنّ.

به لأوفينّ. أقسم به لأوفينّ.

التاء : تدخل على اسم (الله) تعالى ، ولا تدخل على غيره ، ولا يظهر معها الفعل المتعلق به ، فتقول : تالله لأعطينّ المحتاج. وتدخل على (رب) مضافا إلى الكعبة ، وإلى ياء المتكلم قليلا ، كما تدخل على (الرحمن) وعلى (حياتك) نادرا ، فتقول : تربّ الكعبة ، تربّى ، قليلا ، وتالرحمن وتحياتك نادرا (١).

الواو : تدخل على المقسم به بشرط أن يكون ظاهرا ، وأن يكون الفعل محذوفا.

فتقول : والله لأؤدّينّ الواجب.

يوجد حروف قسم أخرى غير شائعة ، وهى :

(اللام) : لا تدخل إلا على اسم الله ـ تعالى ـ إذا كنت متعجبا من المقسم عليه.

(من وم) بكسر الميم وفتحها وضمها ، مع وجود النون مثلثة ، وعدم وجودها ؛ وهما لا يدخلان إلا على الرب. تقول : م ربّ الكعبة ... ، ومن ربّ الكعبة ...

(ايمن) : ذهب الزجاج والرمانى إلى أن (ايمن) بفتح الهمزة وضمّ الميم فى القسم حرف جرّ ، وتدخل على لفظ الجلالة (الله).

(ها التنبيه وهمزة الاستفهام) : عدّ بعضهم ها التنبيه وهمزة الاستفهام من حروف الجر إذا جعلتا فى القسم ، ويدخلان على لفظ الجلالة (الله) ، فيقال : (ها الله) بقطع الهمزة ووصلها مدا وقصرا ، و (آلله) بالمدّ مع الوصل ، و (ألله) بالقطع (٢).

__________________

(١) ينظر : الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٢ ـ ٢٠٧.

(٢) ينظر : الكتاب ٣ ـ ٥٠٠ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٣٠٧.

٢٨٧

حذف حرف القسم (١) :

قد يحذف حرف القسم ، ويبقى فى التركيب المقسم به ، ويكون ذلك فى صورتين :

أولاهما : أن يذكر المقسم به بدون تعويض عنه ، وحينئذ يجب أن ينصب المقسم به ، فتقول : الله لألتزمنّ بالواجب ، فيكون لفظ الجلالة المقسم به منصوبا ، إلا أن النحاة يختلفون فيما بينهم فى عامل النصب ، فمنهم من يرى أن الفعل المحذوف وصل إلى المقسم به بنفسه ، لمّا حذف حرف الجرّ ، ومنهم من يرى أن النصب بحذف حرف الجر.

والتفسير الذى يذهب إلى أن المقسم به ينصب إذا حذف حرف الجر بسبب هذا الحذف هو المقبول ، حيث ينصب المقسم به ـ حينئذ ـ على نزع الخافض.

ومن ذلك قول ذى الرمة :

ألا ربّ من قلبى له الله ناصح

ومن قلبه لى فى الظباء السوانح (٢)

لفظ الجلالة المقسم به (الله) منصوب على نزع الخافض ، حيث حذف حرف الجر. وقول الآخر :

إذا ما الخبز تأدمه بلحم

فذاك أمانة الله الثريد (٣)

(أمانة) مقسم به منصوب على نزع الخافض ، حيث حذف حرف القسم.

تراكيب فى القسم بين النصب والجر :

وفى القسم عدة تراكيب تتصل بجر المقسم به ونصبه ، وقد ذكرها سيبويه (٤) ، منها :

__________________

(١) ينظر فى ذلك : البسيط فى شرح جمل الزجاجى ٢ ـ ٩٢٩ / المساعد ٢ ـ ٣٠٦.

(٢) الكتاب ٢ ـ ١٠٩ / ٣ ـ ٤٩٨.

(٣) الكتاب ٣ ـ ٦١ / ٤٩٨.

(٤) الكتاب ٣ ـ ٥٠١ ، ٥٠٢ / وانظر : المقتضب ٢ ـ ٣٣.

٢٨٨

ـ إذا قلت : والله لأضربنّك ، ثم لأضربنك الله ، فأخرته ، لم يكن إلا النصب كأنك قلت : الله لأضربنّك.

ـ إذا قلت : والله لآتينّك ثم الله ، لا يجوز فى الثانى إلا الجرّ ، حيث الثانى معلق بالأول ؛ لأنه ليس بعده محلوف عليه.

ـ وتقول : والله ثم الله لأفعلنّ ، فثم هنا بمنزلة الواو.

ـ إذا قلت : والله لآتينّك ثم الله لأضربنّك ، يجوز أن تجرّ الثانى بعد ثم ، ويجوز أن تقطع فتنصب.

ـ ويذهب الكوفيون إلى أنه يجوز الخفض فى القسم بإضمار حرف الخفض من غير عوض (١).

الصورة الأخرى : قد يحذف حرف القسم ويعوض عنه بأحد عوضين ، إما بهمزة الاستفهام ، أو (ها) التنبيهية ، فتقول : آلله ما قصرت فى الواجب ، وها الله ما قصرت. وحينئذ يجوز خفض المقسم به بلا خلاف.

حروف خاصة بلهجة معينة

متى

(متى) (٢) تكون اسما ظرفا كما تكون شرطا واستفهاما ، لكنها قد تكون حرف جر فى لغة هذيل ، وهى بمعنى (من) لديهم ، وقيل : بمعنى (فى) ، وقيل بمعنى (وسط). وقد جاءت كذلك فى قول أبى ذؤيب :

شربن بماء البحر ثم ترفّعت

متى لجج خضر لهنّ نئيج

أى : من لجج ، يصف الجرار وهى تمتلئ بماء البحر ، ثم ترتفع من لجج خضر لهن مرّ سريع فى صوت.

__________________

(١) ينظر : الإنصاف فى مسائل الخلاف م ٥٧ / ١ ـ ٢٣٩.

(٢) ينظر : مغنى اللبيب ٢ ـ ٢ / الجنى الدانى ٥٠٥.

٢٨٩

ويقولون : أخرجها متى كمه ، أى من ، وتقول : أخرجته من متى كمى ، أى :

من وسطه (١).

ويروى لأبى المثلم الهذلى قوله (٢) :

متى ما تنكروها تعرفوها

متى أقطارها علق نفيث

أى : من أقطارها. العلق : الدم. نفيث : منفوث ، وروايته المشهورة : على أقطارها.

لعل

(لعل) حرف من أخوات (إنّ) ، ينصب المبتدأ ، ويرفع الخبر ، لكنه سمع فيه الجرّ فى لغة عقيل (٣) ، ومنه قول كعب بن سعد الغنوى :

فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة

لعلّ أبى المغوار منك قريب (٤)

ويردون ذلك بأن فى (لعل) ضمير القصة والشأن ، واللام الأخيرة فى (لعل) هى لام الجر ، وفتحت مع المظهر كما تفتح مع المضمر ، ويكون التقدير : لعلّه لأبى المغوار منك جواب قريب.

وذكر ابن جنى : «حكى أبو زيد أن لغة عقيل : لعلّ زيد منطلق بكسر اللام الآخيرة من (لعل) وجرّ زيد» (٥).

__________________

(١) شرح أشعار الهذليين ١ ـ ١٢٩.

(٢) شرح أشعار الهذليين ١ ـ ٢٦٤

(٣) ينظر : معانى الحروف ١٢٥ / التسهيل ٦٦ / مغنى اللبيب ١ ـ ٢٠٤ / الجنى الدانى ٥٨٢.

(٤) الأمالى الشجرية : ١ ـ ٢٣٧ / مغنى اللبيب : ١ ـ ٢٠٤ / شرح أبيات المغنى : ٥ ـ ١٦٦ / الصبان على الأشمونى : ٢ ـ ٢٠٥.

(٥) شرح أبيات المغنى : ٥ ـ ١٦٦.

٢٩٠

النسبة بالإضافة (١)

الإضافة شقّ من شقّى النسبة حيث ينسب الاسم الأول إلى ما يليه ، فهى «نسبة تقييدية بين اسمين توجب لثانيهما الجرّ» (٢).

فإضافة الشىء إلى الاسم فيها معنى الإسناد أو الإفادة أو التقييد لمدلول الاسم ، كما أنها تعنى الإلصاق ، فإذا قيل : (باب) فإنك لا تدرك أىّ باب يقصده المتحدث إلا أن يقيد ويحدد ، ومن سبل التقييد والتحديد أن ينسب الاسم ، فيقال : باب القاعة ، باب الكلية ، باب الحجرة ، باب المدرسة ، ... وهذه التراكيب تفيد نسبة الباب إلى الجزء الثانى من التركيب فيتقيد ويتحدد ، فالإضافة جعل اسم جزءا لما يليه ، وهذه هى الإضافة التى تعنى الإلصاق أو الإسناد ، وهو مذكور فى قول امرئ القيس :

فلمّا دخلناه أضفنا ظهورنا

إلى كلّ حارىّ جديد مشطّب (٣)

والواقع أن المقصود من الكلام هو الركن الأول من الإضافة ، ولكن لأنه لمّا لم يخص أو لم يعرّف احتيج إلى شىء من ذلك يتقيد به ويحدده ، فكانت إضافته إلى ما يقيده أو ينسب إليه ، فيحدد جانبا من أبعاده الدلالية.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٤٢ ، ١٧٦ ، ١٩٩ / ٢ ـ ٧ ، ٢٢٣ ، ٢٨٠ / ٣ ـ ٨١ ، ١١٧ ، ٤١٣ / المقتضب ١ ـ ٤٤ ، ٢٤٨ / ٢ ـ ١٥ ، ٢٣٧ ، ٣٤٢ / ٤ ـ ٣٠ ، ١٣٦ ، ١٩١ ، ٢٢٨ ، ٢٨٦ ، ٤٢٣ / التبصرة والتذكرة ٢ ـ ٢٨٢ / شرح المقدمة المحسبة ٢ ـ ٣٢٩ / المقتصد فى شرح الإيضاح ٢ ـ ٨٧٠ / أسرار العربية ٢٧٩ / شرح عيون الإعراب ٢١١ / المفصل ٩٩ / الهادى فى الإعراب ١١٨ / المقدمة الجزولية ١٣١ / شرح المفصل لابن يعيش ٢ ـ ١١٧ ، ٣ ـ ٢ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ٤٠٠ / الرضى على الكافية ١ ـ ٢٨٣ / المقرب ١ ـ ٢٠٩ / التسهيل ١٥٥ / شرح ابن الناظم ٣٨٠ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٧٢٩ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٤٢ / المساعد على تسهيل الفوائد ٢ ـ ٣٢٩ / شفاء العليل ٢ ـ ٧٠١ / الجامع الصغير ١٤٢ / شرح جمل الزجاجى ١٥٣ / الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٢ ـ ٢٣٧ / الفوائد الضيائية ٢ ـ ٣ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٠١ / شرح اللمحة البدرية ٢ ـ ٢٦٧ / شرح التحفة الوردية ٢٥٢ / كشف الوافية فى شرح الكافية ٢٥٠ / شرح التصريح ٢ ـ ٢٣ / همع الهوامع ٢ ـ ٤٥.

(٢) همع الهوامع ٢ ـ ٤٦ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٣٧.

(٣) ديوانه ٥٣ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٧٢٩ / شرح شذور الذهب ٣٢٥ / شرح التصريح ٢ ـ ٢٣.

٢٩١

لهذا فإن النحاة يعرّفون الإضافة ـ معنويا ـ بأنها جعل اسم جزءا لما يليه (١) ، فالمضاف جزء ما يضاف إليه ، وفى المثال السابق نجد أن الباب جزء القاعة ، أو الكلية ، أو الحجرة أو المدرسة ، ولو كانت هذه الجزئية أمرا معنويا ؛ كأن تقول : أستاذ الفصل ، حيث الأستاذ جزء من مكونات الفصل.

ويعرفها النحاة ـ اصطلاحيا ـ «بأنها إسناد اسم إلى غيره ، على سبيل تنزيل الثانى من الأول منزلة تنوينه ، أو ما يقوم مقام تنوينه» (٢). ومنه ندرك أن النحاة يحرصون على وجود معنى الإسناد فى الإضافة ، والإسناد هنا يعنى النسبة ، وقد تعنى الإسناد الموجود فى الجمل ، كالإضافة اللفظية فى قولك : كاتب الدرس ، ومتعلّم الفكرة ، وشرّاب اللبن ، ... إلخ.

كما أنهم يحرصون على جعل المضاف والمضاف إليه بمثابة الاسم الواحد ، فالثانى من الأول منزل منه منزلة تنوينه ، أو ما يقوم مقام تنوينه ، ويتضح ذلك فيما بعد.

جزءاها

اختلف فى تسمية جزأى الإضافة ، فسيبويه يسمى الأول منهما مضافا ، والثانى مضافا إليه (٣) ، ويفهم هذا من المبرد (٤) ، كما ذهب إليه ابن مالك (٥) ، وذكره السيوطى (٦). وعلّل له بقوله : لأن الأول هو الذى يضاف إلى الثانى ، فيستفيد منه تخصيصا وغيره ، وقيل : العكس ، حيث يسمى الأول مضافا إليه ، والثانى مضافا ، وقيل : كلّ منهما لكلّ منهما (٧) ، فهما متضايفان.

__________________

(١) التسهيل ١٥٥.

(٢) ينظر : شرح شذور الذهب ٣٢٥ / همع الهوامع ٢ ـ ٤٥ ، ٤٦ / شرح التصريح ٢ ـ ٢٣.

(٣) ينظر : الكتاب ١ ـ ٤١٩.

(٤) المقتضب ٤ ـ ١٤٣.

(٥) التسهيل ١٥٥.

(٦) همع الهوامع ٢ ـ ٤٦.

(٧) ينظر : شرح التصريح ٢ ـ ٤ / شرح ابن عقيل : ٢ ـ ٢ / همع الهوامع ٢ ـ ٤٦.

٢٩٢

وقد وضح مما سبق أن النسبة إسناد وإمالة ونسبة تقييديّة ، فكلّ من ركنى النسبة مسند إلى الآخر ، أو مضاف إليه ؛ لأن ضمير الغائب فى شبه الجملة (إليه) يجوز أن يعود إلى الأول ، فيكون المصطلح للثانى ، أى : يكون الثانى مضافا إلى الأول ، ويجوز أن يعود الضمير على الثانى ، فيكون المصطلح للأول ، أى : يكون الأول مضافا إلى الثانى ، فهما لذلك متضايفان.

ولأن الركن الأول أساس فى بناء الجملة المراد التحدث بها ، وقد احتيج إلى تخصيصه أو تعريفه بنسبته إلى اسم آخر أو معنى آخر ، ولذا فإنه المضاف ، والثانى هو المضاف إليه ، حيث ينسب الأول إلى الثانى لإتمام مدلول معين فيه يقصده المتحدث ، ويحدده ويقيد دلالته ؛ ولذلك فإن الثانى هو المقيد للأول ، وهو المحدد له.

مبنى جزأى الإضافة

أولا : مبنى المضاف :

ما يمكن أن يكون مضافا فى الجملة العربية إنما هو الاسم من أقسام الكلمة ، حيث لا يجوز أن يكون الجزء الأول من الإضافة حرفا أو فعلا أو جملة أو شبه جملة ، إلا إذا كان أحد هذه الأنواع منقولا مما وضع له من فعلية أو حرفية أو غيرهما إلى الاسمية ، وهو ما يسمى بالاسم المحكىّ بالنقل ، والاسم فى اللغة هو الذى يحتاج أو يحتمل ما يراد من الإضافة من أغراض معنوية أو لفظية.

وليست كلّ أقسام الأسماء فى اللغة العربية تحتمل أن تكون جزءا أول من الإضافة ، حيث توجد مجموعات اسمية لا تصلح لذلك ، والمجموعات الاسمية التى لا تكون مضافا هى :

ما يمتنع أن يكون مضافا :

أ ـ المضمرات :

حيث لا يضاف الضمير ، ولكنه قد يكون مضافا إليه حال إلحاقه بالأسماء ، فتقول : (كتابه) ، ويكون ضمير الغائب (الهاء) فى محلّ جرّ بالإضافة.

٢٩٣

ويذهب الخليل إلى أن ضمير النصب المنفصل (إياك) يتكون من ضميرين : إيا ، والكاف ، وقد أضيف أحدهما إلى الآخر ؛ لكن للنحاة فى ذلك آراء أخرى.

ب ـ أسماء الإشارة :

لا تضاف أسماء الإشارة ؛ لأنها ملازمة للتعريف ، فلا تفيدها الإضافة معنى ، وكذلك لشبهها بالحروف ، والحرف لا يضاف.

ج ـ الأسماء الموصولة :

لا تضاف الأسماء الموصولة لملازمتها التعريف ، ولشبهها بالحروف.

د ـ أسماء الشرط :

لا تضاف أسماء الشرط عدا (أى) ، لشبهها بالحروف ، والحرف لا يضاف.

ه ـ أسماء الاستفهام :

لا تضاف أسماء الاستفهام ، عدا (أى) ، لشبهها بالحروف. وإنما أضيفت (أىّ) الاستفهامية والشرطية لشدة افتقارها إلى مفرد تضاف إليه ، حيث لا يبين معناها ولا المقصود منها فى الجملة إلا من خلال إضافتها.

و ـ المعرف بالأداة :

لا يصلح المعرف بالأداة أن يكون مضافا ، حيث لا تجتمع الإضافة مع (أل) ، فالمعرف بالأداة لا يحتاج تبيينه وتوضيحه من طريق الإضافة ، وإنما يكون تقييد معناه من طرق أخرى ، كالوصف ، والحال ، والزمان والمكان ، ... إلخ.

لكن المضاف قد يعرف بالأداة إذا لم تفد الإضافة معنى فيه ، ويكون هذا فى الإضافة اللفظية ، وذلك بالقيود التى ذكرت فيما قبل فى دراسة اجتماع أداة التعريف والإضافة ، وسنذكرها فيما بعد.

ثانيا : مبنى المضاف إليه :

ما يحتمل أن يكون مضافا إليه جميع أقسام الاسم ـ نكرة ومعرفة ـ حيث إنها تصلح لتحديد معنى فى المضاف. كما أن الجملة بنوعيها ـ الاسمية والفعلية ـ

٢٩٤

تصلح أن تكون مضافا إليه ؛ لأن الجملة التامة تعطى معنى ، ولذلك فإنها تصلح للتقييد عن طريق الإضافة.

ما يمتنع أن يكون مضافا إليه :

يمتنع أن يكون مضافا إليه ما لا يستطيع أن يعطى معنى تاما فى المضاف ، فلا يتحقق معه الغرض المعنوى للإضافة ، وما لا يستطيع أن يكون عوضا من التنوين فلا يتحقق معه الإضافة اللفظية ، ولتتذكر أن التنوين معنى ، فما لا يستطاع به توضيح معنى لا يستطاع به أن يعوض التنوين ، وهذه الأقسام التى تمتنع أن تقع مضافا إليه ؛ هى :

أ ـ الحروف : جميعها : من حروف الاستفهام ، والشرط ، والنفى ، والإيجاب ، والعرض ، والتحضيض ، والردع ، وحروف الجر بمعانيها المختلفة ، والاستقبال والتعليل ، والعطف ، والتحقيق ، والتنوين ، والإنكار ، والتعريف ، والتأنيث ، والخطاب ، والصلة ، والحروف الناسخة بمعانيها المختلفة. وحروف الاستثناء ، والابتداء ، والتوكيد ، واللام الفارقة كلها لا تصح أن تقع مضافا إليه. هذا بخلاف الجملة الفعلية بتمام ركنيها.

ب ـ الأفعال : الماضى منها ، والمضارع ، والأمر لا يجوز أىّ منها أن يكون مضافا إليه.

ج ـ أشباه الجملة : سواء أكانت جارا ومجرورا ، أم كانت ظرف زمان أو ظرف مكان ، لا يجوز أن تكون مضافا إليه.

الأثر التركيبى للإضافة

تؤثر الإضافة فى مبنى المضاف ، كما تؤثر فى مبنى المضاف إليه وإعرابه ، على النحو الآتى :

أولا : الأثر التركيبى فى المضاف

إذا وقع الاسم جزءا أول من الإضافة ، أى : مضافا ، فإنه تعرض له عدة تغيرات تقع له بحسب بنيته ، وهى :

٢٩٥

ـ يحذف التنوين ممّا يستحق التنوين.

ـ تحذف النون من المثنى.

ـ تحذف النون من الجمع المذكر السالم.

ـ تحذف أداة التعريف من المعرف بها.

ـ جر الممنوع من الصرف بالكسر.

وهاك تفصيلا لذلك :

أ ـ حذف التنوين :

يحذف التنوين من الأسماء التى يظهر على آخرها التنوين حال إعرابها بالحركات الثلاث : (الضمة والفتحة والكسرة) ، وهى : الأسماء المتمكنة المكناء التى تدل على :

ـ المفرد المذكر : نحو : رجل ، قائم ، عدل ، ... فتقول : رجل الأسرة قائم عليها ، حيث (رجل) مرفوعة بالابتداء ، وعلامة رفعه الضمة ، ولا ينون من أجل الإضافة. وتقول : كاتب الدرس مجيد ، وقدرت عدل الأستاذ ، (كاتب وعدل) مضافان لا ينونان.

ـ الجمع المكسّر : نحو : رجال ، وهنود ، وقدور. فتقول : أحترم رجال القرية ، (رجال) مفعول به منصوب وهو مضاف ، فينصب بفتحة واحدة ، دون التنوين الذى يحذف من أجل الإضافة. وتقول : وضعت أطعمة اليوم فى قدور الطهى ، حيث (أطعمة) مفعول به مضاف ، فينصب بفتحة واحدة ، و (قدور) اسم مجرور بفى ، ويجر بكسرة واحدة لأنه مضاف ، وهما جمعا تكسير. ومنه : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١] ، (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) [المطففين : ٢٤].

ذلك بخلاف مصابيح ، وفواطم ، فهما من الأسماء المتمكنة غير المكنى أو المكناء ، وهى لا تنون فى كل تراكيبها.

ـ الجمع المؤنث السالم : نحو : طالبات ، مسلمات ، زينبات ، مدرسات.

٢٩٦

فتقول : أعجبنى مدرسات الفصل. (مدرسات) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وتكون ضمة واحدة ؛ لأنه مضاف. واحترمت طالبات الفرقة الثالثة ، وأهديت الكتاب إلى مشاهدات العرض ، (طالبات ، مشاهدات) لا ينونان ؛ لأنهما مضافان.

ـ المختوم بتاء التأنيث دون العلم : نحو : قامة ، مدرسة ، كتابة ، كراسة.

تقول : كراسة المادة منظمة ، (كراسة) ترفع بضمة واحدة ؛ لأنها مبتدأ مضاف.

وتقول : استمعت إلى مدرسة العلوم ، ورفع قامته ، كلّ من (مدرسة وقامة) لا ينونان لأنهما مضافان.

بخلاف : فاطمة ، وهى علم فيكون ممنوعا من الصرف ، فلا ينون.

ب ـ حذف نون المثنى :

عند إضافة المثنى تحذف النون منه ومن الملحق به ، نحو : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) [المسد : ١] ، حيث (يدا) مثنى مرفوع ، وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى ، وهو مضاف فحذفت نونه لأجل الإضافة.

ومنه : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) [المائدة : ٩٥] ، (ذوا) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ، حذفت النون منه لأجل الإضافة.

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِ) [المائدة : ٢٧](١).

ج ـ حذف نون جمع المذكر السالم :

تحذف نون جمع المذكر السالم وما ألحق به عند الإضافة ، من ذلك قوله تعالى : (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) [إبراهيم :

__________________

(١) (اتل) فعل أمر مبنى على حذف حرف العلة. وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. (عليهم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالتلاوة. (نبأ) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف. و (ابنى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه مثنى. وهو مضاف ، و (آدم) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف. (بالحق) جار ومجرور ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة في محل نصب ، حال. أو متعلقة بحال محذوفة.

٢٩٧

٤٢ ، ٤٣] ، (مقنعى) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، وحذفت النون منه من أجل الإضافة.

ومنه قوله تعالى : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) [المائدة : ١]. ومنه : (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) [الفتح : ١١]. (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [الفتح : ١٦] ، (أهلو ، وأولى) حذفت النون منهما ؛ لأنهما مضافان ملحقان بجمع المذكر السالم.

(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة : ٤٦]. (ملاقو) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، وحذفت النون للإضافة.

ويحترز من النون الأخيرة فى جمع التكسير ، فإنها التى تحمل العلامة الإعرابية التى تماثل العلامة الإعرابية فى المفرد ، كما هو فى قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢].

ومما ألحق بجمع المذكر السالم كذلك أن تقول : خذ عشريك من الجنيهات ، أى : العشرين التى تخصك.

د ـ حذف أداة التعريف :

شرط الإضافة أن يكون المضاف مجردا من العلمية ؛ ولذلك فإنه تحذف أداة التعريف من الجزء الأول من الإضافة ، حيث لا تجتمع (أل) والإضافة ، فيقال : كتاب الطالب جديد ، حيث (كتاب) مبتدأ أضيف إلى الطالب ، فلا يعرف بالأداة فى ذاته ، وإنما من خلال ما أضيف إليه (الطالب).

ومنه قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [الأنفال : ٢٨] ، (أموالكم وأولادكم) تركيبان إضافيان ، فخلا الجزء الأول منهما من أداة التعريف.

٢٩٨

ويستثنى من ذلك ما يأتى :

اجتماع أداة التعريف والإضافة :

تجتمع أداة التعريف والإضافة ، أى يعرف الجزء الأول من الإضافة بأداة التعريف فى التركيب الإضافىّ الذى يجتمع فيه شرطان : أحدهما عام مشترك فى مواضع خمسة ، والآخر خاصّ بكلّ موضع ، ويتوافر هذان الشرطان فى خمسة تراكيب :

ـ أما الشرط العام فهو أن يكون المضاف صفة مشتقّة عاملة فى ما بعدها من الجزء الثانى من الإضافة ، وهو المضاف إليه. والصفات المشتقة المستعملة فى هذا الموضع هى : اسم الفاعل ، واسم المفعول ، وصيغ المبالغة ، والصفة المشبهة.

ـ أما الشرط الخاصّ الذى يختص به كلّ موضع من المواضع الخمسة فإنه يقسم هذه المواضع إلى قسمين : قسم شروطه تختص بالمضاف إليه ، وفيه ثلاثة مواضع ، والآخر شروطه تختص بالمضاف ، وفيه قسمان :

الشروط الخاصة بالمضاف إليه تكون فى ثلاثة مواضع :

الأول : أن يكون المضاف إليه معرفا بالأداة ، نحو : الراكب الفرس ، الكاتب الدرس ، الفاهم القضية.

تقول : الكاتب الدرس محترم ، (الدرس) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وهو فى محل نصب مفعول به ، وجاز تعريف المضاف بالأداة ؛ لأن المضاف صفة مشتقة عاملة (الكاتب) ، والمضاف إليه معرف بالأداة (الدرس).

ومثل ذلك أن تقول : قدرت الرجل الفاهم القضية ، وانطلق الراكب الفرس ، فيكون كلّ من (القضية ، والفرس) مضافا إليه مجرورا ، فى محل نصب مفعول به.

الثانى : أن يكون المضاف إليه مضافا إلى معرف بالأداة ، نحو : الراكب فرس السباق ، والكاتب درس اليوم ، والفاهم قضية الشاكى.

تقول : الراكب فرس السباق منطلق ، (فرس) مضاف إليه مجرور ، وهو فى محلّ نصب مفعول به ، وجاز تعريف المضاف (الراكب) بالأداة ؛ لأنه صفة مشتقة ، والمضاف إليه (فرس) مضاف إلى ما فيه الأداة (السباق).

٢٩٩

ومثله أن تقول : صوبت أخطاء الكاتب درس اليوم ، استمعت إلى الفاهم قضية الشاكى ، فيكون كلّ من (درس ، وقضية) مضافا إليه مجرورا فى محل نصب ، مفعول به.

الثالث : أن يكون المضاف إليه مضافا إلى ضمير يعود على معرف بالأداة ، نحو : الرجل الراكب فرسه ، الطالب الكاتب درسه ، الشاكى الفاهم قضيته.

فتقول : أعجبت بالرجل الراكب فرسه ، فتكون (فرس) مضافا إليه مجرورا ، وعلامة جره الكسرة ، وهو فى محلّ نصب مفعول به ، وجاز إضافته إلى ما فيه الألف واللام ؛ لأن المضاف صفة مشتقة عاملة ، والمضاف إليه مضاف إلى ضمير ما فيه الأداة معرفا بها.

ومثله أن تقول : قدرنا الطالب الكاتب درسه ، استمعت إلى الشاكى الفاهم قضيته ، فيكون كلّ من (درس وقضية) مضافا إليه مجرورا ، وعلامة جره الكسرة فى محل نصب مفعول به ، وجاز إضافتهما إلى ما فيه الألف واللام لوجود الشرطين السابقين.

الشروط الخاصة بالمضاف تكون فى موضعين :

الأول : أن يكون المضاف مثنى ، أى : مما يعرب بالحروف ، نحو : الراكبين ، الكاتبين ، الفاهمين.

تقول : الراكبا الفرس ماهران ، حيث (الفرس) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة ، وهو فى محل نصب مفعول به ، وجاز أن يضاف إلى ما هو معرف بالأداة ؛ لأن المضاف صفة مشتقة عاملة معربة بالحروف (مثنى).

وتقول : أثنيت على الكاتبى الدرس ، احترمت الفاهمى القضية ، فيكون كلّ من (الدرس ، والقضية) مضافا إليه مجرورا ، وعلامة جره الكسرة فى محلّ نصب ، مفعول به.

تلحظ حذف النون من المثنى للإضافة ، فلو أنك جعلته تركيبا شبيها بالإضافة فإنك تقوم بعملين : أولهما : إثبات النون للفصل بين المضاف والمضاف إليه.

٣٠٠