النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

وقد يكون مضافا إلى ما أضيف إلى ما فيه أداة التعريف ، ومنه قول أبى طالب بن عبد المطلب :

فنعم ابن أخت القوم غير مكذّب

زهير حسام مفرد من حمائل (١)

فاعل (نعم) هو المرفوع (ابن) وهو مضاف إلى مضاف إلى معرف بالأداة (أخت القوم).

ومنه قوله تعالى : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) [النحل : ٣٠] ، (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [النحل : ٢٩].

مدلول الأداة فى فاعل (نعم وبئس):

يختلف النحاة فيما بينهم فى مدلول الألف واللام فى فاعل فعلى المدح والذم على النحو الآتى (٢) :

أ ـ منهم من يرى أن أداة التعريف لاستغراق الجنس ، وعلى رأس هؤلاء أبو على الفارسى ، ويكون على سبيل المبالغة والمجاز ، فاللام ليست للعهد.

ويفسرون ذلك بأن الفعلين لما وضعا للمدح العام والذم العام جعل فاعلهما ليطابق معناهما دالّا على الجنس ، وهو معنى عام ، ثم يدخل المخصوص بالمدح أو الذمّ فى هذا الجنس.

__________________

(١) ينظر : المساعد ٢ ـ ١٢٥ / شفاء العليل ٢ ـ ٥٨٦ / العينى على الأشمونى والصبان ٢ ـ ٢٨.

(نعم) فعل ماض مبنى على الفتح. (ابن) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر مقدم ، أو لا محل لها من الإعراب. (أخت) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (القوم) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (غير) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (مكذب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (زهير) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أو خبر لمبتدإ محذوف. وهو المخصوص بالمدح. (حسام) خبر لمبتدإ محذوف مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والتقدير : هو حسام. (مفرد) خبر ثان للمبتدإ المحذوف. وفيهما رواية النصب على أنهما حال ونعتها. (من حمائل) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بمفرد. تلحظ أن (حمائل) مجرور بالكسرة للضرورة الشعرية ، لأن علامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف.

(٢) ينظر : الرضى على الكافية ١ ـ ٣١٢ / شرح ابن يعيش ٧ ـ ١٣.

١٤١

ب ـ ومنهم من يرى أن الأداة ليست لاستغراق الجنس ، ويستدل لذلك بأن أداة التعريف عند ما تفيد الاستغراق فإنه يصح إضافة ما عرفت به إلى (كل) ، كما هو فى قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ٢] ، أى : كل الإنسان ، ولا يصح ذلك فى القول : نعم الرجل زيد ، أى : كل الرجل.

وأصحاب هذا الرأى لا يقبلون معنى المبالغة والمجاز ، حيث لا يقال : أنت الرجل ، مقصودا به : كلّ الرجل ، ولكن تقول : أنت الرجل كلّ الرجل.

لكنه بالتمعن نجد أنه لا يجوز القول : نعم كلّ الرجل زيد ؛ لأنه يفهم منه أن أفراد الرجل متعددة حقيقة ، وأنها عين زيد ، وذلك محال ، ولذلك لم يجز القول : أنت كل الرجل.

وكما يجوز أن يقال : أنت الرجل كلّ الرجل ، يجوز أن يقال كذلك : نعم الرجل كلّ الرجل زيد ، إذ يقصد منه المبالغة.

ـ تنبيه :

لأن الألف واللام للجنس فإنه يمكن القول : نعم المحمد محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونعم الإبراهيم إبراهيم خليل الله. ذلك لأن المحمد والإبراهيم جنس لكلّ محمد ولكلّ إبراهيم.

٣ ـ المضمر المستتر المميّز :

قد يكون فاعل (نعم وبئس) مضمرا مستترا مميزا ومفسرا بنكرة تليه ، فالضمير الفاعل فى هذا الباب ضمير مبهم ؛ لذا احتاج إلى ما يفسره وهو التمييز النكرة ، نحو قول الأخطل :

أبو موسى فجدك نعم جدا

وشيخ الحى خالك نعم خالا (١)

__________________

(١) (أبو) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة ، (موسى) مضاف إليه (أبو) مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة. (فجدك) الفاء عاطفة تعقيبية فصيحة ؛ إذ بينت أن أبا موسى الذى هو نعم الجد جدّه. (جدك) خبر لمبتدإ محذوف تقديره : هو ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة. والتقدير عندى : أبو موسى نعم جدا فهو جدك. (نعم) فعل ماض مبنى على الفتح ،

١٤٢

المخصوص بالمدح (أبو موسى) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ، و (موسى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة.

و (نعم) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره (هو) ، (جدا) تمييز للضمير المستتر منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. والجملة الفعلية (نعم جدا) فى محلّ رفع ، خبر المبتدإ (أبو).

ومنه قول الشاعر فى مدح هرم بن سنان :

نعم امرأ هرم لم تعر نائبة

إلا وكان لمرتاع بها وزرا (١)

حيث استتر الضمير المبهم الفاعل لـ (نعم) ، وقد ميز بالنكرة المنصوبة (امرئ) ، أما المخصوص بالمدح فهو المرفوع (هرم).

ومنه قول الآخر :

لنعم موئلا المولى إذا حذرت

بأساء ذى البغى واستيلاء ذى الإحن (٢)

__________________

وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (جدا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وفيه أوجه إعرابية أخرى تبعا لتقدير المنطوق والمحذوف. (وشيخ) الواو عاطفة حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. شيخ : مبتدأ مجرور وعلامة جره الكسرة. (خالك) بدل أو عطف بيان من شيخ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (نعم) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (خالا) تمييز للضمير المستتر منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(١) (نعم) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (امرأ) تمييز للضمير المستتر منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. والجملة الفعلية لا محل لها من الإعراب ، أو : فى محل رفع ، خبر مقدم. (هرم) المخصوص بالمدح ، وهو مبتدأ خبره محذوف ، أو خبر لمبتدإ محذوف ، أو : مبتدأ مؤخر. (لم) حرف نفى وجزم وقلب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تعر) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. (نائبة) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (إلا) حرف استثناء مبنى ، لا محل له من ـ الإعراب. (وكان) الواو : واو الحال أو الابتداء حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. كان : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى ، لا محل له من الإعراب. واسم كان ضمير مستتر تقديره هو. (لمرتاع) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بوزر. (بها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بمرتاع. (وزرا) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والألف للإطلاق. وجملة كان ومعموليها فى محل نصب ، حال.

(٢) نعم فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (موئلا) تمييز منصوب ، وعلامة

١٤٣

والتقدير : نعم هو موئلا ...

ومنه قول الشاعر :

نعم امرأين حاتم وكعب

كلاهما غيث وسيف عضب (١)

وفيه فاعل (نعم) ضمير مستتر مميز بالنكرة المثنّاة (امرأين) ، أما المخصوص فهو (حاتم وكعب).

وقول الراجز :

تقول عرسى وهى لى فى عومرة

بئس امرأ وإننى بئس المرة (٢)

__________________

نصبه الفتحة. والجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. أو لا محل لها من الإعراب. (المولى) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. أو مبتدأ خبره محذوف ، أو خبر لمبتدإ محذوف. (إذا) ظرف زمان مبنى فى محل نصب متعلق بنعم. (حذرت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء للتأنيث حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (بأساء) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة إليه إذا. (ذى) مضاف إليه بأساء مجرور وعلامة جره الياء. (البغى) مضاف إلى ذى مجرور. (واستيلاء) حرف عطف مبنى ، ومعطوف على بأساء مرفوع. (ذى) مضاف إليه استيلاء مجرور بالياء. (الإحن) مضاف إليه ذى مجرور. وعلامة جره الكسرة.

(١) (نعم) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (امرأين) تمييز للفاعل المستتر منصوب ، وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر مقدم ، أو لا محل لها من الإعراب. (حاتم) مبتدأ ـ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أو خبر لمبتدإ محذوف. (وكعب) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. كعب : معطوف على حاتم مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (كلاهما) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (غيث) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وسيف) عاطف مبنى ومعطوف على غيث مرفوع. (عضب) نعت لسيف مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٢) عرس الرجل بكسر فاء الكلمة امرأته / عومرة : صخب وجلبة ، المرة : أى : المرأة ، بتخفيف الهمزة.

(تقول) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (عرسى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم. والياء ضمير مبنى فى محل جر. (وهى) الواو للابتداء أو للحال ، حرف مبنى لا محل له من الإعراب. هى : ضمير مبنى فى محل رفع مبتدإ. (لى) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب حال. (فى عومرة) جار ومجرور وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر هى ، أو متعلقة بخبر محذوف ، والجملة الاسمية (هى فى عومرة) فى محل نصب ، حال. (بئس) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (بئس) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (امرأ) تمييز للضمير المستتر

١٤٤

أى : بئس هو امرأ.

خصائص الضمير المستتر فى (نعم وبئس):

أ ـ الإبهام :

الفاعل الضمير المستتر فى جملة المدح والذمّ ليس راجعا إلى المبتدإ ، أى : ليس عائدا على المخصوص ، لكنه ضمير مبهم ؛ لذا احتاج إلى ما يفسره ويميزه ، فتكون النكرة المنصوبة التى يذكر بعدها ، كقولك : نعم مؤمنا الرجل الصدوق ، وبئس صفة الكذب.

ذلك لأن المضمر قبل الذكر على شريطة التفسير فيه شبه من النكرة.

و (نعم وبئس) لا يليهما معرفة محضة ، بل يليهما اسم جنس ، فضارع المضمر هنا اسم الجنس بعدهما ، فكان فيه إبهام احتاج إلى تفسير.

ب ـ يلزم الإفراد :

الضمير المبهم الفاعل لـ (نعم وبئس) لا يثنى ولا يجمع ـ على الأرجح ـ ، وذلك لجمود الفعلين ، وإلحاق ما يدل على المثنى والجمع بالفعل نوع من التصرف.

كما أن شدة إبهام الضمير يبعده عن التثنية والجمع ؛ لأنهما يخصصان بسبب إفادة معناهما. وقد استغنوا بتثنية التمييز وجمعه عن ذلك.

ج ـ تمييز الضمير المبهم عددا :

تمييز الضمير المبهم الفاعل لـ (نعم وبئس) يجوز أن يثنى وأن يجمع وأن يؤنث ، ولا يجوز إظهار الضمير ـ حينئذ ـ كما ذكرنا فى السمة السابقة ، فتقول : نعم مواطنا المتقن عمله.

١٤٥

نعم مواطنين المتقنان عملها.

نعم مواطنين المتقنون عملهم.

نعم مواطنة المتقنة عملها.

نعم مواطنتين المتقنتان عملهما.

نعم مواطنات المتقنات عملهن.

وتقول : نعم أبا المربى أولاده على الإخلاص.

نعم أبوين المربيان أولادهما على الإخلاص.

نعم آباء المربّون أولادهم على الإخلاص.

نعم أما المربية أولادها على الإخلاص.

نعم أمّين المربيتان أولادهما على الإخلاص.

نعم أمهات المربيات أولادهن على الإخلاص.

كما تقول : بئس رجالا الذين يهملون حقوق الجار.

بئس نسوة اللاتى يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى.

نعم امرأتين اللتان تتزينان بالأخلاق الكريمة.

ـ وقد ذهب الجزولى ومن تبعه إلى وجوب الإفراد.

د ـ الفصل بين الضمير ومميزه :

لا يفصل بين فاعل (نعم وبئس) الضمير المبهم ومميزه ، ذلك لشدة احتياجه إليه.

ويجوز أن يكون الفصل بينهما بشبه الجملة ، كما ورد فى قوله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف : ٥٠] ، حيث فعل الذم (بئس) ماض مبنى على الفتح ،

١٤٦

وفاعله ضمير مستتر تقديره (هو) ، و (بدلا) تمييز مفسر للفاعل المستتر المبهم.

(للظالمين) جار ومجرور ، وعلامة جره الياء ، وشبه الجملة فى محل نصب حال ، أو متعلقة بمحذوف حالا ، أو متعلقة بفعل الذم. وقد فصلت شبه الجملة بين فاعل (بئس) وتمييزه الذى يفسره (بدلا). أما المخصوص بالذمّ فهو محذوف ، تقديره : (إبليس وذريته).

وما سمع من مثل القول : نعم زيد رجلا ؛ فهو شاذ حيث الفصل بين فاعل (نعم) الضمير ومميزه (رجلا) بغير شبه الجملة (زيد).

مع ملاحظة أن جواز الفصل بين الفاعل فى (حبذا) ومفسره جائز ، حيث يقال : حبذا زيد رجلا.

و ـ الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز :

يختلف النحاة فيما بينهم فى قضية الجمع بين الفعل الظاهر لنعم وبئس والتمييز ، حيث يذهب سيبويه والسيرافى وجمهور النحاة إلى منع الجمع بين الفعل الظاهر والتمييز فى جملتى المدح والذم ، فهم يرون أن التمييز لرفع الإبهام عن مميّزه المبهم ، ولكن الإبهام يزول بظهور الفاعل ، لذا لا يجوز تمييز الفاعل الظاهر.

ه ـ الضمير والإتباع :

لا يجوز أن يتبع الضمير المبهم فى (نعم وبئس) ، أى : لا يجوز أن يذكر بعده

نعت ، أو توكيد ، أو بدل ، أو عطف.

ـ أما المبرد والفارسى ومن نحا نحوهم فإنهم يذهبون إلى الجمع بينهما لإفادة التوكيد ، فليس وجود التمييز لفاعل (نعم أو بئس) الظاهر لزوال الإبهام ، وإنما لإثبات التوكيد.

ويستدلون على ذلك. بقول الشاعر :

نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت

ردّ التحية نطقا أو بإيماء (١)

__________________

(١) ارتشاف الضرب ٣ ـ ٢٢ / شرح التصريح ٢ ـ ٩٥ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ٤٣.

١٤٧

حيث فاعل (نعم) (الفتاة) ، أما (فتاة) النكرة المنصوبة فهى تمييز لفاعل (نعم) الظاهر ، والمخصوص بالمدح (هند).

ويجعلون منه قول جرير فى هجاء الأخطل :

والتغلبيون بئس الفحل فحلهم

فحلا وأمّهم زلّاء منطيق (١)

(الفحل) فاعل (بئس) مرفوع ، و (فحلهم) مخصوص بالمدح مرفوع ، (فحلا) تمييز للفاعل الظاهر (الفحل). وبعضهم يخرج (فحلا) على أنها حال مؤكدة لا تمييز (٢).

أما قول جرير وهو يمدح عمر بن عبد العزيز :

__________________

(نعم) فعل ماض مبنى على الفتح. (الفتاة) فاعل مرفوع وعلامة رفع الضمة ، والجملة إما لا محل لها من الإعراب ، وإما فى محل رفع خبر مقدم. (فتاة) تمييز منصوب ، وعلامة نصبة الفتحة ، أو حال منصوبة. (هند) المخصوص بالمدح ، فيكون : إما مبتدأ خبره محذوف ، وإما خبرا لمبتدإ محذوف ، وإما مبتدأ مؤخرا. (لو) حرف مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب ، إما للتمنى ، وإما للشرط فيكون جواب شرطه محذوفا. (بذلت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء : حرف تأنيث مبنى لا محل له من الإعراب. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هى. (رد) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (التحية) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (نطقا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، أو مصدر منصوب واقع موقع الحال ، والتقدير : ناطقة ، أو منصوب على نزع الخافض ، أى : بنطق. (أو بإيماء) حرف عطف ، وحرف جر ، ومجرور بالكسرة ، وشبه الجملة معطوفة على نطق.

(١) شرح ابن الناظم ٤٧٠ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ١٦٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٩٦ / شرح الأشمونى ٣ ـ ٣٤ / الزلاء : اللاصقة العجز الخفيفة الإلية / المنطيق : يعنى بها ـ هنا ـ المرأة التى تتأزر بخشبة تعظم عجيزتها.

(والتغلبيون) الواو بحسب ما قبلها. التغلبيون : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه جمع مذكر سالم. (بئس) فعل ماض مبنى على الفتح. (الفحل) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر مقدم. (فحلهم) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة ، وجملة الذم فى محل رفع ، خبر المبتدإ (التغلبيون). (فحلا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (وأمهم) الواو حرف عطف مبنى ، أو حرف استئناف مبنى ، لا محل له من الإعراب. أم : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (زلاء) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (منطيق) خبر ثان لأم مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٢) ينظر : المقرب ـ ٦٨.

١٤٨

تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا (١)

ففيه الاسم المعرف بالأداة المرفوع (الزاد) فاعل (نعم) ، أما المخصوص المرفوع فهو (زاد أبيك) ، ولكن المنصوب (زادا) يخرج على أنه معمول لتزوّد.

ـ يذهب آخرون إلى جواز الجمع بين فاعل فعلى التعجب الظاهر والتمييز ؛ إن أفاد التمييز معنى زائدا على الفاعل الظاهر ، وصححه ابن عصفور ، ويجعلون من ذلك قول أبى بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب :

تخيره فلم يعدل سواه

فنعم المرء من رجل تهامى (٢)

__________________

(١) ينظر : المقتضب ٢ ـ ١٥٠ / المرتجل ١٦٩ / شرح ابن يعيش ٧ ـ ١٣٢ / المقرب ١ ـ ٦٩ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٩٧٠ / شرح ابن عقيل ٢ ـ ١٣٢ / الخزانة ٤ ـ ١٠٨ / ديوانه ١٣٥.

(تزود) فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. (مثل) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. أو حال من زاد الأخيرة منصوبة ، حيث التقدير : تزود زادا مثل ، فلما تقدم النعت على المنعوت النكرة أصبح حالا. (زاد) مضاف إليه مجرور. (أبيك) مضاف إلى إليه مجرور ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه من الأسماء الستة. وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة. (فينا) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالتزود. (فنعم الزاد) الفاء للتعليل ، وفعل ماض وفاعله ، والجملة خبر مقدم. (زادا) تعرب تمييزا منصوبا ، أو مفعولا لتزود. وإليك تفصيل القول فى إعراب (زادا) ، حيث يمكن أن يكون فيه الأوجه الآتية :

ـ (زادا) تعرب عند المبرد وأبى على تمييزا للتأكيد بعد الفاعل الظاهر ، ويمنعه الآخرون.

ـ لكن الجمهور يذهب فى إعرابها إلى أنها مفعول به لـ (تزود) ، والتقدير : تزود زادا مثل زاد ... ، وعليه فإن (مثل) تكون منصوبة على الحالية من (زادا) ، ذلك لأنها صفة لها ، فلما تقدمت الصفة على موصوفها النكرة أصبحت حالا.

ـ يجوز أن يكون (زادا) مصدرا مؤكدا من الفعل (تزود) ، ولكن زوائده قد حذفت ، فالمراد : تزود تزودا ، وهذا ما يذهب إليه الفراء.

ـ ويجوز أن توجه إعرابه على أنه منصوب على تمييز المثلية (مثل زاد أبيك زادا) ، والعامل فيه نعم ، فيكون كقولك : لى مثله كتابا.

(٢) (تخيره) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، وضمير الغائب المتصل مبنى فى محل نصب ، مفعول به (فلم) حرف عطف ، وحرف نفى وجزم وقلب مبنيان ، لا محل لهما من الإعراب. (يعدل) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر ، تقديره : هو. (سواه) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (فنعم) الفاء حرف تعقيبى عاطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. نعم : فعل ماض مبنى على الفتح. (المرء) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (من) حرف جر زائد مبنى ،

١٤٩

حيث (المرء) فاعل (نعم) ، وهو ظاهر ، و (رجل) تمييزه المجرور بـ (من) ، وهو موصوف بتهامى ، فأفاد معنى زائدا عن معنى الفاعل ، وهو المعنى الكامن فى الصفة.

٤ ـ أن يكون (ما):

قد يذكر (ما) بعد (نعم وبئس) مباشرة ، كقولك : نعم ما فعلته اليوم حضورك المحاضرة ، وللنحاة فى (ما) هذه آراء مختلفة ، تعكس مدى خلافهم فيها ، نوجزها فيما يأتى :

ـ لا محل لها من الإعراب :

حيث ذهب الفراء إلى أن (ما) مع فعلى المدح والذم شىء واحد ، ركبّا تركيب (حبذا) أو (كلما) ، وظاهر ذلك أن (ما) فى هذا التركيب لا محلّ لها من الإعراب.

أو أنها كافة لنعم وبئس ، حيث هيأتهما للدخول على الجمل ، كما تفسر فى : طالما ، وقلّما ، وكثرما ...

ـ ذهب جمهور النحاة إلى أن لها محلا من الإعراب ، لكنهم اختلفوا فيما بينهم بين محلّى الرفع والنصب ، على النحو الآتى :

ب ـ تكون فى محل نصب تمييزا :

ذهب الأخفش والفارسى واختاره الزمخشرى إلى أن (ما) فى محلّ نصب على التمييز لفاعل (نعم أو بئس) المضمر المستتر ، أما الجملة التى تلى (ما) فهى :

ـ إما فى محلّ نصب ، صفة لتمييز (ما) ، والتقدير : نعم هو شيئا الذى فعلته ...

__________________

لا محل له من الإعراب. (رجل) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. (تهامى) نعت لرجل مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة.

١٥٠

ـ وإما أن تكون فى محلّ رفع ، نعت لمخصوص محذوف ، يقدر بـ (شىء) ، ويكون تقدير الكلام : نعم شيئا شىء فعلته اليوم.

ـ وإما أن تكون لا محلّ لها من الإعراب ؛ على أنها صلة لـ (ما) أخرى مقدرة بعد (ما) المميزة ، وتكون (ما) المقدرة اسما موصولا مخصوصا بالمدح ، والتقدير : نعم شيئا الذى فعلته ...

ج ـ تكون اسما موصولا :

ذهب بعض النحاة ـ وعلى رأسهم الفراء والكسائى ـ إلى أن (ما) فى هذا التركيب اسم موصول بمعنى الذى ، وهو فاعل فعلى المدح والذم ، والجملة التى تليها صلتها ، والتقدير : نعم الذى فعلته اليوم ... وينسب هذا الرأى إلى سيبويه والفارسى أيضا ، وهذا الرأى هو الأكثر شيوعا ، وأرجح قبولا.

د ـ تكون مصدرية :

يذهب بعض النحاة إلى أن (ما) بعد (نعم وبئس) مصدرية ، وتكون مع الجملة التى تليها مصدرا مؤولا فاعلا للمدح أو الذمّ ، والتقدير : نعم فعلك اليوم ...

ه ـ تكون معرفة تامة :

يذهب سيبويه إلى أن (ما) بعد فعلى المدح والذم معرفة تامة بمعنى (شىء) ، وهى الفاعل ، والتقدير : نعم الشىء شىء فعلته اليوم ، وعليه فإن المخصوص بالمدح يكون محذوفا.

ـ يذهب أبو على والمبرد ويرجحه كثير من النحاة منهم ابن الحاجب والرضى إلى أنه يجوز أن يكون فاعلهما اسما موصولا (الذى ، أو : من ، أو : ما) دالا على الجنس ، أى ، تكون صلتها عامة لا مخصوصة. ويستدلون على ذلك بقول الشاعر :

فنعم مرزاء من ضاقت مذاهبه

ونعم من هو فى سرّ وإعلان (١)

__________________

(١) المساعد ٢ ـ ١٣١ / مرزاء : مصدر ميمى ، ورجل مرزاء أى كريم يصيب الناس خيره ، ويروى : فنعم مزكأ ، وهو مفعل من زكأت إلى فلان ، أى : لجأت إليه.

١٥١

حيث فاعل (نعم) فى الشطر الثانى هو الاسم الموصول (من).

وعلى رأى هؤلاء يمكن القول : نعم الذى هو صالح المؤمن. ومنه : ولنعم دار من لم يرض بها دارا.

ملحوظتان :

أ ـ هل يؤكد فاعل المدح والذم؟

قد يؤكد فاعل (نعم وبئس) المعرف بالأداة أو المضاف إلى ما فيه الأداة توكيدا لفظيا ، وذلك بتكريره ، فتقول : نعم الرجل الرجل محمد وبئس المواطن المواطن الخائن.

لكنه لا يؤكد توكيدا معنويّا ، وهو اتفاق (١) ؛ لأن التوكيد المعنوى يكون للمعارف ـ عند البصريين ـ ، وفاعلهما فى معنى النكرة.

أما إذا كان الفاعل ضميرا مستترا أو (ما) فإنه لا يؤكد.

ب ـ وصف فاعل المدح والذم :

يجوز أن يوصف فاعل (نعم وبئس) المعرف بالأداة ، أو المضاف إلى ما فيه الأداة ، أو إذا كان (ما) ـ خلافا لابن السراج ـ ويخرجون عليه قوله تعالى : (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) [هود : ٩٩]. ويوجه المعارضون (المرفود) على أنه المخصوص.

كما يجعلون منه قول زهير بن أبى سلمى :

نعم الفتى المرّىّ أنت إذا هم

شبّوا لدى الحجرات نار الموقد (٢)

حيث يعربون (المرى) على أنه نعت لفاعل (نعم) ، وهو (الفتى). ولكن المعارضين يوجهونه على أنه بدل.

__________________

(١) ينظر : شفاء العليل ٢ ـ ٥٨٧.

(٢) ينظر : ديوانه ٢٧٥ / الأصول ١ ـ ١٤٢ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٧٨ / مغنى اللبيب ٢ ـ ٥٨٧ / المساعد ٢ ـ ١٢٨ / الخزانة ٤ ـ ١١٢ / الأشمونى ٣ ـ ٨٥. المرى : نسبة إلى مرة ، الحجرات : البيوت التى ينزل فيها الضيوف.

١٥٢

لكن جواز نعت فاعل (نعم وبئس) لا يسرى عليه إذا كان ضميرا ، حيث لا يجوز نعت الضمير.

شروط المخصوص

ذكرنا أن أسلوب المدح أو الذمّ إنما هو معنى مدح أو ذمّ لمخصوص بأىّ منهما ، ففيه مبالغة فى المعنى ؛ لذلك فإن المخصوص بالمدح أو الذمّ يجب أن يتوافر فيه شروط ؛ كى تصحّ العلاقة بينه وبين معنى المدح أو الذم من جانب ، والمخصوص من الجانب الآخر. وهى :

١ ـ أن يطابق المخصوص الفاعل :

يجب أن يطابق المخصوص فاعل (نعم وبئس) ، ويعنى بالمطابقة هنا صحة إطلاق الفاعل على المخصوص معنويّا ، أو العكس ، أى : يكون من جنس فاعله ، حيث التعلق المعنوىّ بينهما.

فإذا قلت : نعم المواطن محمد ؛ فإن المواطن هو محمد ، كما أن محمدا من جنس المواطنين.

لذلك فإن المخصوص يصلح للإخبار به عن الفاعل ، حيث يجوز القول : المواطن محمد ، ويكون الفاعل (المواطن) مبتدأ ، خبره المخصوص (محمد).

فإن باين المخصوص الفاعل كما فى قوله تعالى : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) [الجمعة : ٥](١) ؛ فإنه يتأول على وجهين :

__________________

(١) فيه الأوجه الإعرابية الآتية :

ـ أن يكون (مثل) فاعل (بئس) مرفوعا ، وعلامة رفعه الضمة ، ولم ينون للإضافة. والاسم الموصول (الذين) مضاف إلى المخصوص الحقيقى المحذوف ، فأقيم المضاف إليه مقام المضاف ، فأصبح مبنيّا فى محلّ رفع على أنه المخصوص ، والتقدير : بئس مثل القوم مثل الذين ...

ـ أن يكون فاعل (بئس) ضميرا مستترا مميزا بنكرة محذوفة ، والتقدير : بئس مثلا مثل القوم الذين ...

فيكون (مثل) المذكور المخصوص بالذمّ. ويكون الاسم الموصول فى محلّ جرّ ، نعت للقوم.

ـ أو أن يكون (مثل) فاعل (بئس) ، أما المخصوص فهو محذوف ، ويكون (القوم) مضافا إليه (مثل) ، والاسم الموصول فى محلّ جرّ ، نعت للقوم ، والتقدير : بئس مثل القوم الذين كذبوا مثلهم ...

تلحظ أنه قدّر المخصوص إذا كان محذوفا (مثل) ؛ كى يكون من جنس الفاعل المذكور ، ومطابقا له.

١٥٣

أولهما : أن يكون الاسم الموصول صفة لـ (القوم) ، ويكون المخصوص محذوفا ، والتقدير : بئس مثل الذين القوم كذبوا مثل هؤلاء ...

والآخر : احتساب المخصوص مضافا إلى (الذين) ، فلما حذف المضاف قام المضاف إليه مقامه ، والتقدير : بئس مثل القوم مثل الذين ...

٢ ـ أن يكون المخصوص مختصا :

من سمات المخصوص بالمدح أو الذمّ أن يكون مختصا ، ذلك لأنه يذكر بعد فاعلهما ، وفاعلهما مبهم ، فكأنه يكون للتخصيص بعد الإبهام الكامن فى الفاعل.

فالفعلان (نعم وبئس) لمعنى المدح والذمّ العامّين ؛ لذلك فإن فاعلهما يتضمن معنى المدح والذمّ على سبيل الإجمال ، والإجمال كامن فى معنى الجنس الذى يمثلانه ، والمخصوص جزء من فاعلهما ، أو : فرد من جنسه ، فكأنك أجملت الممدوحين أو المذمومين ، ثم يذكر المخصوص بعد ذلك على سبيل التفصيل والتخصيص.

لذلك فإن اسم الممدوح أو المذموم يجب أن يكون أخصّ من الفاعل ، ولا يكون أعمّ ولا مساويا.

ملحوظة :

فاعل (نعم وبئس) والتمييز والمخصوص شىء واحد :

لو أمعنا حقيقة العلاقة المعنوية بين فاعلى (نعم وبئس) ومفسره المميز له والمخصوص فيما سبق لوجدنا أن مفسر الفاعل ومميزه إنما هو هو ، لأن المفسر (بكسر العين) والمفسّر (بفتح العين) إنما هما واحد ، وإلا لما كان هناك تفسير حقيقى ، كما أن المخصوص جزء من فاعل (نعم وبئس) ؛ لأن المخصوص خاص ، والفاعل عامّ ، ولا بدّ أن يصدق العام على الخاص ، وينسلخ الخاصّ من العام ، ومن هنا تبدو العلاقة المعنوية بين فاعل (نعم وبئس) ومميّزه والمخصوص ، فلا بدّ أن يكون الثلاثة شيئا واحدا.

١٥٤

ولتلحظ معى القول : نعم مواطنا محمد ، فاعل (نعم) ضمير مستتر تقديره : هو. ويعنى : الشىء ، أو قل : الرجل ، فتجد أن : الرجل ، ومواطنا ، ومحمدا شىء واحد ، وكلّ منها يصدق على الآخرين.

حذف المخصوص :

قد يحذف المخصوص فى موضعين :

أولهما : إذا تقدم فى الكلام ما يدلّ على المخصوص بالمدح أو الذم فإن المخصوص يجوز حذفه للعلم به ، نحو قوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص : ٤٤](١). حيث المخصوص بالمدح تقديره : هو ، ويعود على أيوب عليه السّلام المذكور فى قوله تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ) [ص : ٤١].

ومثله قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) [الذاريات : ٤٨](٢) ، أى : فنعم الماهدون نحن.

ومنه قوله تعالى : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) [المرسلات : ٢٣] ، أى : نحن. (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) [النحل : ٣٠]. أى : الجنة. (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد : ٢٤] ، أى : عقباهم.

والآخر : أن يخلف المخصوص صفته : سواء أكانت اسما ، كقولك : نعم الصديق حليم كريم ، أى : صديق حليم كريم ، فحذف المخصوص المحذوف ، وأقيم مقامه صفته.

وقولك : بئس الصاحب عذول خذول ، أى : صاحب عذول خذول.

__________________

(١) (إنا) إن : حرف توكيد ونصب ناسخ مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وضمير المتكلمين (نا) مبنى فى محل نصب ، اسم إن. (وجدناه) فعل ماض ، وفاعله ضمير المتكلمين مبنى ، وهاء الغائب ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول (صابرا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر إن. (نعم العبد) فعل وفاعل. والجملة إما خبر مقدم ، وإما لا محل لها من الإعراب. والمخصوص محذوف. (إنه) حرف توكيد ونصب ، واسمه ضمير الغائب مبنى فى محل نصب. (أواب) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة استئنافية ، أو تذييلية.

(٢) (الأرض) مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور ، منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

١٥٥

أم كانت الصفة جملة فعلية.

ومنه قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) [البقرة : ٩٠]. حيث يكون المخصوص فى أحد أوجه التحليل الإعرابى لهذا التركيب محذوفا تقديره : (شىء) ، وتكون الجملة الفعلية (اشتروا) فى محلّ رفع ، نعت للمخصوص المحذوف.

ومنه قول الأخطل :

إلى خالد حتى أنخن بخالد

فنعم الفتى يرجّى ونعم المؤمّل (١)

أى : فنعم الفتى فتى يرجى ... فحذف المخصوص (فتى) ، وأقام مقامه صفته الجملة الفعلية (يرجى).

ومنه أن تقول : نعم الصاحب تستعين به ، فيعينك ، أى : صاحب تستعين به ...

دخول الناسخ على المخصوص :

قد يسبق المخصوص بناسخ ، سواء أكان فعلا ينصب معمولا واحدا ، أم معمولين ، أم حرفا ، لكن رتبة المخصوص لفظا تختلف بين الأفعال والحروف على النحو الآتى :

ـ إذا كان الناسخ فعلا ينصب معمولا واحدا (كان ، وكاد) ، أو ينصب معمولين (ظن) فإنه يدخل على المخصوص مطلقا ، تقدم على جملتى المدح والذم ، أم تأخر عنهما.

فتقول : كان محمد نعم الصاحب. حيث سبق المخصوص (محمد) بالفعل الناسخ (كان) ، وأصبح اسمه ، وجملة المدح تكون فى محل نصب ، خبره.

وتقول : ظننت محمدا نعم الأخ. فيكون المخصوص (محمدا) مفعولا به أول لـ (ظن) ، والمفعول الثانى جملة المدح (نعم الأخ) فى محل نصب.

__________________

(١) المساعد على تسهيل الفوائد ٢ ـ ١٣٦.

١٥٦

كما تقول : نعم الأخ كان محمد ، وبئس المواطن ظننت الخائن.

فتؤخر المخصوص المسبوق بالفعل الناسخ عن جملتى المدح والذم.

ومثله : صار محمد نعم المواطن ، حيث (محمد) اسم (صار) مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وجملة (نعم المواطن) فى محلّ نصب ، خبر (صار).

وتقول : نعم المواطن صار محمد.

ومنه قول يزيد بن الطثرية :

إذا أرسلونى عند تعذير حاجة

أمارس فيها كنت نعم الممارس (١)

تاء المتكلم ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم (كان) ، وخبرها الجملة الفعلية (نعم الممارس) فى محل نصب.

وقول زهير بن أبى سلمى :

يمينا لنعم السيدان وجدتما

على كلّ حال من سحيل ومبرم (٢)

__________________

(١) ديوانه ٤٥ / شفاء العليل ٢ ـ ٥٩٠ / الأشمونى ٣ ـ ٣٨ / الهمع ٢ ـ ٨٧.

(إذا) اسم شرط غير جازم مبنى ، فى محل نصب على الظرفية مضاف. (أرسلونى) فعل الشرط ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والنون حرف وقاية مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة. (عند) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، متعلق بالإرسال. (تعذير) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (حاجة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (أمارس) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله مستتر تقديره : أنا. (فيها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالممارسة. والجملة الفعلية فى محل نصب ، حال من ضمير المتكلم ، أو فى محل جر ، نعت لحاجة. (كنت) فعل الشرط ماض ناقص ناسخ مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع ، اسم كان. (نعم الممارس) فعل ماض وفاعله مرفوع ، والجملة فى محل نصب ، خبر كان.

(٢) السحيل : الخيط المفرد ، المبرم : الخيط المفتول.

(يمينا) منصوب على النيابة عن المفعول المطلق لفعل محذوف. (لنعم) اللام واقعة فى جواب القسم حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. نعم : فعل ماض مبنى على الفتح. (السيدان) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى. والجملة الفعلية فى محل نصب المفعول الثانى لوجد. (وجدتما) فعل ماض مبنى على السكون ، مبنى للمجهول ، وضمير المخاطبين مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل. (على كل حال) جار ومجرور ، ومضاف إليه ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال ، أو متعلقة بـ (وجد). (من سحيل) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل جر ، نعت لسحيل ، (ومبرم) عاطف ومعطوف على سحيل.

١٥٧

وأصله : نعم السيدان أنتما ، فلما دخل على المخصوص (أنتما) الفعل الناسخ (وجد) أصبح : وجدتما.

ـ إذا كان الناسخ حرفا فإنه لا يدخل على المخصوص إلا إذا تقدم المخصوص على المدح والذمّ ، فتقول : إن محمدا نعم المواطن ، علمت أن عليّا نعم الصدوق.

حيث المخصوص (محمدا وعليا) اسما (إن وأن) منصوبان ، وخبرهما جملتا المدح : (نعم المواطن ، ونعم الصدوق).

ومنه قول أبى دهبل الجمحى :

إن ابن عبد الله نع

م أخو الندى وابن العشيرة (١)

المخصوص بالمدح (ابن) اسم (إن) منصوب.

التراكيب التى يأتيان عليها إعرابيا :

تنبيهات ترشد إلى إعراب مفردات التراكيب التى يأتى فيها (نعم وبئس) :

ـ إذا كان معمولهما معرفة فإنه يرفع ، أى : إذا كان معرفا بالأداة ، أو مضافا إلى المعرف بالأداة ، أو : (ما).

ـ إذا كان معمولهما نكرة فإنه ينصب. أى : الاسم النكرة الذى يكون ظاهرا بعدهما ، وهو المميّز للضمير الفاعل الواجب الاستتار.

ـ قد يمثل تركيبهما جملة فعلية ، وقد يمثل جملة اسمية ، فيكون الإعراب على هذا التقدير.

__________________

(١) ديوانه ٩٦ / الهمع ٢ ـ ٨٧ / الأشباه والنظائر ٤ ـ ٢٠٥ / الخزانة ٩ ـ ٣٨٨.

(إن) حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ابن) اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (عبد) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (الله) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (نعم) فعل ماض مبنى على الفتح. (أخو) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة. (الندى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (وابن) حرف عطف مبنى ومعطوف على أخ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (العشيرة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

١٥٨

ـ قد يمثل المخصوص جملة اسمية مستقلة ، محذوفة المبتدإ أو الخبر. وقد يكون ركنا من جملة اسمية يكملها جملة المدح أو الذم.

وبعدئذ ؛ فإن (نعم وبئس) يأتيان فى اللغة فى أحد تركيبين ، مع استثناء ما يمكن أن يكون عليه التركيب من حذف للمخصوص ، وهما :

الأول : المخصوص مذكور بعد جملة المدح والذم :

يبدأ هذا التركيب بجملة المدح أو الذم (فعل وفاعل فى إحدى صوره السابقة) ، ثم يذكر المخصوص مرفوعا.

مثال ذلك : نعم الرجل المواطن الأمين.

نعم صفة المواطن الأمانة.

نعم رجلا المواطن الأمين.

نعم ما يتصف به الرجل الأمانة.

وفى هذا التركيب يتوجه النحاة إزاء الإعراب إلى ما يأتى :

١ ـ يذهب سيبويه ويتبعه ابن خروف وابن الباذش إلى أن جملة المدح أو الذمّ خبر مقدم ، والمخصوص مبتدأ مؤخر.

٢ ـ أما جمهور النحاة فإنهم يذهبون إلى جواز الرأى السابق ، مع جواز أن يكون المخصوص خبرا لمبتدإ واجب الحذف ، والتقدير : نعم الرجل الممدوح المواطن الأمين ، أو : هو المواطن الأمين. وعلى ذلك فإن جملة المدح أو الذمّ فعلية لا محلّ لها من الإعراب.

٣ ـ ومنهم من يذهب إلى تعيين الرأى الثانى وحده ، أى : يكون المخصوص خبرا لمبتدإ واجب الحذف ، وتكون جملة المدح أو الذم لا محلّ لها من الإعراب.

٤ ـ يذهب ابن عصفور إلى كون المخصوص مبتدأ حذف خبره ، وتكون جملة المدح أو الذمّ لا محلّ لها من الإعراب. والتقدير : نعم الرجل المواطن الأمين الممدوح.

١٥٩

والآراء السابقة هى الأكثر شهرة وشيوعا فى إعراب أسلوب المدح أو الذم.

وعليها فإن إعراب القول : (نعم الخلق الصدق) يكون كالآتى : (نعم) فعل ماض مبنى على الفتح.

(الخلق) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

والجملة الفعلية إما : لا محلّ لها من الإعراب ، وإما فى محلّ رفع خبر مقدم.

(الصدق) إما : خبر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة لمبتدإ محذوف ، والتقدير. هو الصدق ، أو الممدوح الصدق.

وإما : مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير : الصدق الممدوح.

هذان الوجهان على أن الجملة الفعلية لا محلّ لها من الإعراب.

وإما : مبتدأ مؤخر مرفوع ، وخبره المقدم الجملة الفعلية.

٥ ـ ومن النحاة ـ ابن كيسان ـ من يذهب إلى أن المخصوص بدل من فاعل (نعم وبئس).

وعليه فإن (الصدق) يكون بدلا من (الخلق) مرفوعا.

٦ ـ من النحاة ـ ابن العلج ـ من يذهب إلى أن (نعم) اسم تقديره : (الممدوح) ، والمخصوص عطف بيان أو بدل من المرفوع بعد (نعم) ، فكأنك قلت : الممدوح

الخلق الصدق. ويكون (الصدق) بدلا أو عطف بيان للخلق.

الثانى : المخصوص مذكور قبل جملة المدح أو الذم :

قد يتصدر المخصوص أسلوب المدح أو الذمّ ، فيذكر أولا ثم يذكر بعده جملة المدح أو الذمّ ، وهذا التركيب قليل فى الاستعمال ، فيقال ؛ المؤدّى واجبه نعم المواطن.

وليس لهذا التركيب إلا وجه إعرابىّ واحد ، وهو إعرابه إعراب جملة اسمية ، حيث يكون المخصوص مبتدأ مرفوعا ، خبره الجملة الفعلية (جملة المدح أو الذمّ) ،

١٦٠