النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

أما ترخيمهما على لغة من لا ينتظر فإنه يكون بردّ الألف لأنه يتعين ردّ المحذوف لانتفاء سبب حذفه ، فيقال : يا مصطفى بالألف.

ومثل ذلك ترخيم من يسمى بقاضين أو قاضون ، فتقول : يا قاض ، ويا قاضى بحذف الياء ، وإثباتها على لغة من ينتظر.

أما على لغة من لا ينتظر فإنه يكون بإثبات الياء لانتفاء سبب الحذف.

مع ملاحظة عدم ضمّ الحرف الأخير فى الاسم المرخم حال حذف ما قبل الأخير ، حتى لا يلتبس بمن سمّى بمثال المفرد.

ترخيم المركب :

لم يرخم العرب المنادى المركب ، من مثل : معد يكرب ، سيبويه ، لكن النحويين أجازوا ترخيمه على درجات من الخلاف والجواز كما يأتى :

ـ كثير منهم يرى ترخيم الاسم المركب بحذف عجزه ، فتقول مناديا مرخما : يا معدى ، يا سيب ، وتقول فى بعلبك : يا بعل ، وتقف بالإسكان على لغتى الترخيم ، ويجوز أن تأتى بهاء السكت على لغة من ينتظر ، وتقول فى ترخيم بختنصر : يا بخت.

ومثله من سمّى بالعدد المركب ، فتقول مرخما مناديا على من اسمه (خمسة عشر) : يا خمسة ، وتقف بالهاء على لغتى الترخيم.

ـ يرى نحاة ـ وعلى رأسهم ابن كيسان ـ أنه لا يجوز حذف الجزء الثانى من المركب ، وإنما يجوز أن تحذف الحرف أو الحرفين ، فتقول : يا سيبوى ، يا بعلب ، يا حضرم (ترخيم حضر موت).

وعلى لغة من لا ينتظر تقول : يا سيبوا.

ـ منع كثير من الكوفيين ترخيم ما آخره (ويه).

ـ ويقول الذين يجيزون ترخيم المركب تركيبا إسناديا فى ترخيم : تأبط شرا ، وبرق نحره ، ورام هرمز : يا تأبط ، يا برق ، يا رام.

١٠١

وصف المرخم :

أجاز الجمهور من النحاة وصف المرخم وجعلوا منه قول أنس ابن زنيم ، يخاطب الحارث بن بدر العذانى :

أحار بن بدر وليت ولاية

فكن جرذا فيها تخون وتسرق

حيث أراد (أحارثة) فرخّم ، ثم وصف المرخم بـ (ابن) ، ومنعه بعض النحاة ، وجعلوه بدلا من المنادى المرخم ، ويجوز فى التابع (ابن) رفعه على لغة من لا ينتظر ، حيث يبنى (حار) على الضم ، فيرفع على اللفظ.

ومنه كذلك قول حسان بن ثابت :

حار بن كعب ألا أحلام تزجركم

عنّى وأنتم من الجوف الجماخير (١)

حيث الأصل (حارث) ، فرخم بحذف الأخير ، مع ملاحظة حذف حرف النداء قبل المنادى المرخم.

ـ إن كانت قوانين الترخيم السابقة تؤدى إلى لبس فى الاسم المرخم فإنه لا بدّ من إزالة هذا اللبس ، ذلك على النحو الآتى :

ـ المنادى الذى يكون على مثال جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم يرخم بحذف آخره وما قبله ؛ لأن الأخير دليل الترخيم ، وما قبله يكون زائدا ، وذلك على لغة من ينتظر ، فتقول : يا هند ، يا زيد ، يا فلسط ... بالفتح فالكسر فالكسر ، إذ إنه لو رخمت هذه الأسماء على لغة من لا ينتظر لا لتبست بالأسماء المفردة.

ـ فإن كان ترخيم ما سبق يؤدى إلى لبس بالمفرد فإنها لا ترخم ، كما فى جمع المذكر السالم المرفوع وما جاء على صورته ، نحو : زيدون ، وحمدون ، وعثمانون ، ومسلمون ، فهذه لا ترخم ، إذا لو رخمت لحذف آخرها وما قبله ، فالتبست بالمفرد.

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٧٣ / المقتضب ٤ ـ ٢٣٣ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ١٠٢. الجوف : جمع أجوف ، وهو الواسع ، أو : من لا رأى له ولا حزم. الجماخير : جمع جمخور ، وهو العظيم الجسم القليل العقل والقوة.

١٠٢

الترخيم فى غير النداء :

قد يرخم الاسم غير المنادى للضرورة ، بشرط أن يكون صالحا للنداء ، وأن يكون مختوما بتاء التأنيث ، أو على أكثر من ثلاثة أحرف ، ومنه قول امرئ بن القيس :

لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره

طريف بن مال ليلة الجوع والخصر (١)

حيث رخم فى غير النداء مالكا إلى (مال) ، وذلك للضرورة ، وقد رخمه على لغة من لا ينتظر. وتلحظ أنه تتوافر فيه الشروط ، إلا أنه غير منادى.

والنحاة يجمعون على جواز الترخيم فى غير النداء للضرورة على لغة من لا ينتظر ، ومنه المذكور سابقا ، لكنهم يختلفون فى جوازه على لغة من ينتظر ، حيث أجازه سيبويه ، ومنعه المبرد ، ويستشهد سيبويه له بقول المغيرة بن حمناء التميمى :

إن ابن حارث إن أشتق لرؤيته

أو أمتدحه فإن الناس قد علموا (٢)

__________________

(١) الأشمونى ٣ ـ ١٨٤ ..

تعشو : تسير فى العشا ، أى : الظلام / الخصر بفتح ففتح : شدة البرد. (لنعم) اللام حرف توكيد مبنى ، لا محل له من الإعراب .. نعم : فعل ماض على الفتح. (الفتى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر ، وجملة المدح لا محل لها من الإعراب ، أوفى محل رفع ، خبر مقدم. (تعشو) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، حال. (إلى ضوء) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بتعشو. (ناره) مضاف إلى ضوء مجرور ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة (طريف) مبتدأ خبره محذوف ، تقديره الممدوح. أو خبر لمبتدإ محذوف ، والتقدير هو طريف ، أو مبتدأ مؤخر خبره جملة المدح ، (ابن) نعت لطريف أو بدل منه أو عطف بيان مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (مال) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة. (ليلة) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (الجوع) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (والخصر) حرف عطف مبنى ، ومعطوف على الجوع مجرور.

(٢) الكتاب ٢ ـ ٢٧٢ / أمالى الشجرى ١ ـ ٢٢٦ / ٢ ـ ٩٢ / الإنصاف ٣٥٤ / العينى ٤ ـ ٢٨٣ / الأشمونى ٣ ـ ١٨٤.

(إن) حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ابن) اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (حارث) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة المقدرة على الحرف الأخير المحذوف نيابة عن الكسرة. (إن) حرف شرط جازم مبنى على السكون لا محل له من الإعراب. (أشتق) فعل الشرط

١٠٣

حيث رخم فى غير النداء للضرورة (حارثا) ، وأصله : حارثة ، وقد رخمه على لغة من ينتظر.

ومنه قول ذى الرمة :

دار لمية إذ مىّ تساعفنا

ولا يرى مثلها عجم ولا عرب (١)

إذ رخم (مية) إلى (مى) فى غير النداء للضرورة ، ومنهم من يجعل ذلك شاذا.

ومن ذلك قول جرير :

ألا أضحت حبائلكم رماما

وأضحت منك شاسعة أماما (٢)

يريد : أمامة ، فرخّم فى غير النداء للضرورة.

__________________

مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا : (لرؤيته) جار ومجرور مضاف ، ومضاف إليه مبنى. وشبه الجملة متعلقة بالاشتياق. (أو) حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. (أمتدحه) فعل مضارع مجزوم معطوف على أشتق ، وفاعله مستتر تقديره : أنا ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (فإن) الفاء حرف رابط الشرط بجوابه مبنى لا محل له من الإعراب. إن :حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (الناس) اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (قد) حرف تحقيق مبنى ، لا محل له من الإعراب. (علموا) فعل ماض مبنى على الضم ، واو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر إن. والجملة الاسمية المنسوخة فى محل جزم جواب الشرط ، والتركيب الشرطى فى محل رفع خبر إن.

(١) ديوانه ١ ـ ٢٣ الكتاب ٢ ـ ٢٤٧ / الإرشاد إلى علم الإعراب ٢٩١.

(دار) خبر لمبتدإ محذوف تقديره : هى أو المذكور ... إلخ ، مرفوع وعلامة رفعه الضمة .. (لمية) جار ومجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف ، وشبه الجملة نعت لدار فى محل رفع ، أو متعلقة بنعت محذوف .. (إذ) ظرفية ، أو فجائية مبينة فى محل نصب. (مى) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (تساعفنا) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره :هى ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة الفعلية فى محل رفع خبر المبتدأ. والجملة الاسمية فى جر بالإضافة. (ولا يرى) عاطف وناف ومضارع مرفوع بضمة مقدرة (مثلها) حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة مضاف. وضمير الغائبة مبنى فى محل جر مضاف إليه (عجم) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (ولا عرب) عاطف وحرف ناف زائد لتأكيد النفى ، ومعطوف على عجم مرفوع. وجملة (لا يرى عجم) فى محل رفع بالعطف على جملة تساعف.

(٢) الكتاب ٢ ـ ٢٧٠ / ابن الشجرى ١ ـ ١٢٦ / ٢ ـ ٧٩ ، ٩١ / الإنصاف ٣٥٣ / العينى ٤ ـ ٢٨٢ / الأشمونى ٣ ـ ١٨٤ / شرح التصريح ٢ ـ ، ١٩٠ رمام : جمع رميم ، وهو الخلق البالى ، شاسعة : بعيدة.

(ألا) حرف استفتاح مبنى ، (حبائل) اسم أضحى مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (رماما) خبر أضحى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (شاسعة) خبر أضحى الثانية مقدم منصوب ، واسم أضحى هو الاسم المرخم (أماما).

١٠٤

الإغراء والتحذير (١)

المصطلحان :

الإغراء على مثال الإفعال مصدر أغرى ، يعنى التسليط على الشىء ، والإلصاق والإلزام ، فهو يعنى التحبيب ، أى : تحبيب شىء فى شىء.

أما من حيث دلالة التركيب فإنه يقصد به تنبيه المخاطب وتسلطه على أمر محبب محمود ليفعله.

مثال ذلك : الصلاة الصلاة ، المذاكرة والفهم ، العلم والأدب.

فكل مغرى به فى الأمثلة السابقة ينطق منصوبا ، ويقدر له فعل محذوف مناسب للمعنى مسند إلى ضمير المخاطب ، يكون دالا على الأمر دائما ، تقديره : الزم. وتلحظ أن فيه ضميرا مستترا تقديره : (أنت).

ومنه تعلم أن أركان أسلوب الإغراء ثلاثة :

ـ المغرى ، بكسر الراء ، اسم فاعل ، وهو المتكلم.

ـ المغرى ، بفتح الراء ، اسم مفعول ، وهو المخاطب المأمور.

ـ المغرى به ، وهو المأمور به ، أى : المعنى المراد فعله ، أو الالتزام به.

أما التحذير : فإنه على مثال التفعيل ، مصدر (حذّر) ، بتضعيف العين ، بمعنى التخويف ، أى : تخويف شىء من شىء ، فهو يعنى الإبعاد أو المجانبة والتجنب.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٢٥٣ وما بعدها / المقتضب ٣ ـ ٢١٢ وما بعدها / الواضح ١٢٥ / المفصل ٤٨ / أسرار العربية ١٦٣ ، ١٦٨ / الهادى فى الإعراب ١٤٩ / المقدمة الجزولية فى النحو ٢٧٠ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٢٥ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ٣٠٥ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ١٨٠ / المقرب ١ ـ ١٣٥ / التسهيل ١٩٢ / شرح ابن الناظم ٦٠٧ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٤٩٢ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٢٩٩ / المساعد على تسهيل الفوائد ٢ ـ ٥٦٩ / شفاء العليل ٢ ـ ٨٣٧ / الجامع الصغير ١٠٥ / شرح جمل الزجاجى لابن هشام ٣٢٣ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٨٧ شرح القمولى على الكافية ١٤٠ / الفوائد الضيائية ١ ـ ٣٦٥ / ارتشاف الضرب ١ ـ ٢٨٠ / شرح التحفة الوردية ٣٢٦ / كشف الوافية فى شرح الكافية ٢٠٤ / شرح التصريح ٢ ـ ١٩٢ ، ١٩٥ / الهمع ١ ـ ١٦٩ ، ١٧٠.

١٠٥

ومن حيث دلالة التركيب فإنه : تنبيه المخاطب إلى أمر مذموم مكروه ، يجب الاحتراز منه فيجتنبه ، ويبتعد عنه.

مثال ذلك : النار النار ، الكذب والرياء ، الإهمال والتراخى.

كلّ محذر منه فى الأمثلة السابقة يجب أن ينطق منصوبا ، ويقدر له فعل محذوف مناسب للمعنى مسند إلى ضمير المخاطب ، يكون دالّا على الأمر دائما ، تقديره : اتق ، أو احذر ، أو : نحّ ، وتلحظ أن فيه ضميرا مستترا تقديره : (أنت).

مما سبق تلحظ ما يأتى :

ـ الإغراء معنى محبب ، تحث المخاطب على الإلزام به. أما التحذير فإنه يكون فى المعانى المكروهة ، وأنت تنبه المخاطب إلى اجتنابه.

ـ كلّ من المغرى به والمحذر منه منصوب بفعل محذوف وجوبا ، تقديره :

الزم ، أو : اتق ، أو : احذر. وفى كل منها فاعله المستتر.

ـ والفعل فى الإغراء والتحذير واجب الحذف طلبا للخفة ، واختصارا لوقت الحديث الذى يتطلبه طبيعة معنى الإغراء والتحذير ، حتى تكون سرعة الاستجابة لهما ، وهى مطلوبة.

ـ ويكونان بالتكرير ، نحو : الأسد الأسد ، الطفل الطفل ، المذاكرة المذاكرة ، العبث العبث ، والتكرير يقوم مقام الفعل المحذوف ؛ لأن فيه زيادة معنى ، إلى جانب أن فيه معنى الحثّ والتوكيد على المعنى المراد.

ـ كما يكونان بحرف العطف ، نحو : إياك والأسد ، الصدق والأمانة ، أو بحرف الجر ، نحو : إياك من أن تكذب ، أو بدونه ، نحو : إياك أن تهمل ، وطول الكلام فى مثل هذه التراكيب يسدّ مسدّ ذكر الفعل ، حتى تتحقق الاستجابة السريعة من جانب المحذّر أو المغرى ؛ لتحقيق المعنى المحذّر منه أو المغرى به.

١٠٦

طرقهما

يأتى أسلوبا الإغراء والتحذير فى اللغة العربية فى مجموعتين من التراكيب ، إحداهما يختص بها أسلوب التحذير ، والأخرى تشترك فى تراكيبها بين الإغراء والتحذير ، ذلك على التفصيل الآتى :

المجموعة الأولى : التراكيب التى يختص بها أسلوب التحذير :

وهى تلك التراكيب التى تتصدر بالضمير المنفصل (إياك) ، وتحتمل حينئذ أربعة أنواع من التراكيب.

التركيب الأول : إياك فالواو فالمحذر منه :

وهو أن يذكر ضمير النصب المنفصل (إياك) معطوفا عليه المحذر منه بحرف العطف الواو بخاصة ، فيقال : إياك والشرّ ، إياك ونفسك. ويقدرونه بالقول : احذر تلاقى نفسك والشّر ، ثم حذف الفعل وفاعله (احذر) ، والمضاف الأول (تلاقى) ، وأنيب عنه الثانى (نفس) ، ثم حذف الثانى ، وأنيب عنه الثالث (كاف المخاطب) ، فأصبح منفصلا منتصبا (إياك).

و (إياك) فى هذا التركيب منصوب بفعل محذوف تقديره : احذر أو نحوه ، ويقدر بعد الضمير (إياك) ، حتى يظلّ الضمير منفصلا فيكون موضعه التقدّم لفظا ، والتقدير : إياك أحذر ؛ إذ إن الفعل لو قدر قبل الضمير لأصبح ضمير النصب متصلا بالضرورة : أحذرك.

أما ما بعد الواو فقد اختلف فى إعرابه على النحو الآتى :

ـ يذهب كثير من النحويين ـ منهم السيرافى ـ إلى أنه منصوب بالعطف على (إياك).

ويعترض على ذلك بأن العطف بالواو يقتضى المشاركة فى المعنى ، ولكن المنصوبين فى هذا التركيب أحدهما محذّر ، والثانى محذّر منه ، مخوف منه.

ويجاب عن ذلك بأن العطف بالواو يقتضى الاشتراك فى معنى الخوف ، فلا يمتنع أن يكون أحدهما خائفا ، والثانى مخوفا منه.

١٠٧

كما يقال : إن العامل قد يعمل فى المفعولين وإن اختلف معناهما ، كالقول : أعطيت زيدا درهما ، فيتعدى الفعل إليهما تعديا واحدا ، وإن كان الأول آخذا ، والثانى مأخوذا.

وكذلك إذا عطفت (الشرّ) على (إياك) شاركه فى عمل الفعل المحذوف ، وإن اختلف معناهما.

ـ ومن النحاة من يجعل العطف فى هذا التركيب من قبيل عطف الجملة على الجملة ، فيقدر لذلك فعل محذوف يكون الناصب لما بعد الواو.

التركيب الثانى : إياك فحرف الجر (من) فالمحذر منه :

وهو أن يذكر ضمير النصب المنفصل (إياك) ، ثم يذكر المحذّر منه مجرورا بحرف الجر (من). كأن تقول : إياك من الأسد. إياك من الفتنة.

ومذهب جمهور النحاة فى هذا التركيب أن أصله : باعد نفسك من الأسد ، حيث (باعد) فعل متعد إلى واحد وهو (نفس) ، فحذف الفعل العامل (باعد) ، فصار التركيب : نفسك من الأسد ، ثم حذف المضاف (نفس) ، وأقيم الضمير مقامه ، فانتصب ، وانفصل ، فصار (إياك) ، وصار التركيب : إياك من الأسد.

وعليه فإن : (إياك) منصوب بالفعل المحذوف (باعد) على سبيل التحذير ، وشبه الجملة (من الأسد) متعلقة بالفعل المحذوف.

من النحاة من يذهب إلى أن العامل المقدر فى هذا التركيب متعدّ إلى اثنين ، والتقدير : أحذّرك من الأسد ، فلما حذف العامل وفاعله المستتر انفصل الضمير ، وصار التركيب : إياك من الأسد.

التركيب الثالث المحتمل : إياك فالمحذر منه :

وذلك بأن يذكر الضمير المنصوب المنفصل (إياك) ، ثم يذكر المحذر منه بعد الضمير مباشرة دون فاصل ، فتقول : إياك الفجور.

١٠٨

وهذا التركيب جائز عند من جعل العامل فى التركيب السابق متعديا إلى اثنين ، كما أنه يجوز عند من جعل الثانى منصوبا بفعل آخر ، تقديره : احذر ، أو : اتق.

لكنه يمتنع عند من جعل العامل متعديا إلى واحد ، والرأى الأخير أكثر شيوعا ، ذلك لأنه يلزم حذف حرف الجر (من) لينصب المجرور ؛ إذ التقدير : إياك من الفجور ، وحذف حرف الجر (من) غير مطرد إلا مع الحروف المصدرية : أنّ (المفتوحة الهمزة المشددة النون) ، وأن (المخففة النون).

وأكثر من يجيزون هذا التركيب يشترطون أن يكون المحذر منه مصدرا ، نحو إياك أن تكذب ، إياك الإهمال ، إياك الشرّ ، إياك أن تغفل عن ذكر الله.

أما إذا كان المحذر منه اسم ذات فإنهم لا يجيزونه ، حيث يجوز حذف الجرّ (من) قبل المصدر ، وبخاصة إذا كان مؤولا ، ولا يجوز ذلك الحذف قبل أسماء الذوات.

لكننا نقرأ عند بعض النحاة الاستشهاد لهذا التركيب بمحذر منه اسم ذات ، نحو ؛ إياك الأسد (١) ، فهؤلاء يجيزون هذا التركيب مطلقا.

ملحوظة :

ورد هذا التركيب مكررا فيه الضمير المنفصل المنصوب (إياك) فى قول الشاعر :

فإيّاك إيّاك المراء فإنه

إلى الشرّ دعّاء وللشرّ جالب (٢)

__________________

(١) شرح ابن الناظم ٦٠٧.

(٢) الكتاب ١ ـ ١٤١ / المقتضب ٣ ـ ٢١٣ / الخصائص ٣ ـ ١٠٢ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٢٥ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ١٨٢ / شرح التصريح ٢ ـ ١٢٨ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٨٩.

(فإياك) الفاء بحسب ما قبلها ، حرف مبنى لا محل له من الإعراب. إياك : ضمير منفصل مبنى فى محل نصب على المفعولية لفعل محذوف تقديره : اتق. (إياك) توكيد للأول مبنى فى محل نصب. (المراء) مفعول به لفعل محذوف تقديره : اتق ، أو احذر ، منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (فإنه) الفاء حرف سببى مبنى ، لا محل له من الإعراب ، إن : حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. وضمير الغائب مبنى ، فى محل نصب اسم إن. (إلى الشر) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بدعاء ، (دعاء) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وللشر) عاطف ، وجار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بجالب. (جالب) معطوف على خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

١٠٩

حيث تكرر الضمير (إياك) للتوكيد اللفظى ، وتلحظ ذكر المحذّر منه (المراء) بعد الضمير المنفصل المنصوب المكرر بدون فاصل.

ويجعل الجمهور مثل ذلك ضرورة شعرية.

وفى إعراب (المراء) الوجهان المذكوران سابقا :

أولهما : أن ينصب بفعل آخر محذوف ، وتقديره : احذر ، أو : اتق.

والآخر : أن ينصب بالفعل الناصب لإياك.

ومنهم من يجعل المراء محذوفا منه حرف الجر (من) ، والتقدير : من المراء.

ومنهم من يقدره : والمراء ، ثم حذفت الواو لطول الكلام.

ومنهم من يجعل المصدر هنا مفعولا لأجله ، ويقال : إنه لما كرر (إياك) مرتين كان ذلك عوضا من الواو.

التركيب الرابع : إياك فالمحذر منه مصدرا مؤولا :

يتكون هذا التركيب من الضمير المنفصل المنصوب (إياك) ، ثم يذكر بعده المصدر المؤول المنسبك من (أن) المصدرية والفعل بدون عاطف ، فتقول : إياك أن تفعل الشرّ. ولا خلاف بين النحاة فى جواز مثل هذا التركيب على النحو الآتى :

ـ الذين يذهبون إلى أن العامل المحذوف يتعدى إلى واحد يقدر عندهم حرف الجر (من) محذوفا قبل المصدر المؤول المحذر منه ، وهذا الحذف مطرد لا خلاف عليه. ويكون المصدر المؤول فى محلّ نصب على نزع الخافض ، أو على السعة أو الاتساع.

ـ أما الذين يذهبون إلى أن الفعل المحذوف يتعدى إلى اثنين بلا واسطة فإنهم لا يقدرون حذف حرف جرّ ، ويكون المصدر المؤول المفعول الثانى.

المجموعة الثانية (التراكيب المشتركة بين الإغراء والتحذير):

تتضمن تلك التراكيب التى تشترك بين معنى الإغراء ومعنى التحذير ، ويكون المعنى هو الفيصل بينهما ، وتحتمل ثلاثة تراكيب :

١١٠

الأول : تكرير المغرى به أو المحذر منه :

يتكون هذا التركيب بذكر المغرى به أو المحذر منه مكررا منصوبا. فتقول :

الصدق الصدق ، النار النار. حيث ينصب كلّ من المغرى به (الصدق) والمحذر منه (النار) على أنه مفعول به لفعل محذوف يقدر فى الإغراء بـ (الزم) وفى التحذير بـ (احذر).

أما الثانى فيهما فهو منصوب على التأكيد اللفظى.

ومنه قول مسكين الدارمى :

أخاك أخاك إن من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح (١)

حيث ينصب (أخا) بفعل محذوف وجوبا تقديره : الزم. وينصب (أخا) الثانى على أنه توكيد للمغرى به.

ومنه قول الشاعر :

الغياث الغياث يا أحرار

نحن نبت وأنتم الأمطار (٢)

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٢٥٦ / شفاء العليل ٢ ـ ٣٣٨ / شرح التصريح ٢ ـ ١٩٥ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٩٢ / الهمع ١ ـ ١٧٠.

(أخاك) مفعول به منصوب على الإغراء بفعل محذوف تقديره : الزم ، وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الستة ، وكاف المخاطب ضمير مبنى فى محل جر بالإضافة. (أخاك) توكيد لفظى للأول منصوب ، وعلامة نصبه الألف. وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة. (إن) حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (من) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، اسم إن. (لا) نافية للجنس ، حرف مبنى لا محل له من الإعراب. (أخا) اسم لا النافية للجنس مبنى على الفتح فى محل نصب ، ونون للضرورة ، أو أطلقت الفتحة للضرورة ، أو عومل بالألف مطلقا على لغة من يعامل المثنى والأسماء الستة بالألف مطلقا. (له) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب ، صفة لأخ ، وعلى ذلك فخبر إن محذوف ، أو : شبه الجملة فى محل رفع ، خبر إن. أو اللام مقحمة بين أخ المضاف والهاء المضاف إليه ، وخبر إن محذوف تقديره موجود. والتقدير : إن من لا أخاه موجود. (كساع) جار ومجرور بالكسرة المقدرة ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر (إن). (إلى الهيجا) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالسعى. (بغير) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل نصب ، حال. سلاح مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(٢) شرح التحفة الوردية ٣٣١.

١١١

(الغياث) مفعول به منصوب على الإغراء بفعل محذوف تقديره : الزموا.

وقد ذكرنا أن التكرير يقوم مقام الفعل المحذوف ، ففيه زيادة فى المعنى ، كما أن فيه التوكيد على تحقيق المعنى المراد.

الثانى : مغريان بهما أو محذّران منهما بينهما واو العطف

يتركب هذا التركيب من ذكر مغرى به أو محذّر منه ، ثم واو العطف ، ثم مغرى به آخر ، أو محذر منه آخر ، فتقول : الصدق والوفاء ، الكذب والغدر ، فتنصب كلا من المغريين بهما والمحذرين منهما بفعل محذوف وجوبا تقديره : الزم ، أو احذر ، وتكون الواو قد عطفت جملة على جملة.

وقد تجعل العطف من قبيل عطف المفرد على المفرد ، فيكون الثانى معطوفا على الأول منصوبا ، ويكون العامل المحذوف فى الأول هو العامل فى الثانى.

ومنه : ماز رأسك والسيف ، أى : يا مازن ق رأسك ، واحذر السيف.

التركيب الثالث : المغرى به أو المحذر منه :

حيث يذكر المغرى به أو المحذر منه بلا تكرير ، ولا معطوف عليه ، فتقول الصدق ، الأسد ، فيكون كلّ منهما منصوبا بفعل محذوف جوازا ، ويجوز أن يقول الزم الصدق ، واحذر الأسد. حيث يجوز إظهار الفعل فى مثل هذا التركيب ، حيث لا تكرير ولا عطف.

ومن الإظهار قول جرير :

خلّ الطريق لمن يبنى المنار به

وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر (١)

__________________

(الغياث) مفعول به منصوب على الإغراء بفعل محذوف تقديره : الزموا ، وعلامة نصبه الفتحة. (الغياث) توكيد لفظى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أحرار) منادى مبنى على الضم فى محل نصب. (نحن) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (نبت) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الواو) حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. (أنتم) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (الأمطار) خبر المبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة معطوفة على سابقتها ، لا محل لها من الإعراب.

(١) شرح ابن يعيش ٢ ـ ٣٠ / شرح التصريح ٢ ـ ١٩٥.

١١٢

حيث أظهر الشاعر العامل (خل) فى المحذر منه (الطريق) ؛ لأن المحذر منه خلا من العطف والتكرار.

ملحوظات

أ ـ حرف العطف فى الإغراء والتحذير :

لا يكون العطف فى الإغراء والتحذير إلا بالواو ، كما ذكر فى الأمثلة والتراكيب السابقة. وتقول : إياك وإهمال حقوق الجار. والوفاء والصدق.

ب ـ لا يكونان إلا للمخاطب :

لا يكون الإغراء والتحذير إلا للمخاطب ؛ لأن كلا منهما تنبيه إلى محذّر منه أو مغرى به ، والإنسان ينبّه غيره لا نفسه.

لكنه شذ مجىء التحذير للمتكلم فى قول عمر ـ رضى الله عنه : «لتذك لكم الأسل والرماح والسهام ، وإياى وأن يحذف أحدكم الأرنب» (١). أى : نحّنى عن حذف الأرنب ، ونحّوا أنفسكم عن حذف الأرنب.

__________________

المنار : حدود الأرض / البرزة : الأرض الواسعة. (خل) فعل أمر مبنى على حذف حرف العلة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت. (الطريق) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (لمن) اللام حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. من : اسم موصول مبنى فى محل جر باللام. وشبه الجملة متعلقة بخلّ. (يبنى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها الثقل. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (المنار) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (به) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالبناء. (وابرز) الواو حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. ابرز : فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. والجملة الفعلية معطوفة على سابقتها ، لا محل لها من الإعراب. (ببرزة) الباء : حرف جر مبنى لا محل له. برزة : اسم مجرورة بالباء ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف. (حيث) ظرف مكان مبنى على الضم فى محل نصب. (اضطرك) فعل ماض مبنى على الفتح ، وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، (القدر) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة. والظرف متعلق بابرز.

(١) تذك : من التذكية. الأسل : ما استدق ورقّ من الحديد ، كالسيف والسكين وغيرهما.

١١٣

وأكثر شذوذا منه أن يكون التحذير للغائب ، كما ورد فى قول بعض العرب :«إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب».

ومنه قول الشاعر :

فلا تصحب أخا الجه

ل وإياك وإياه (١)

أى : إياك باعد منه ، وإياه باعد منك.

ج ـ الضمائر فى (إياك):

فى القول : إياك والشرّ ضميران ، أولهما : (إياك) وهو بارز منصوب ، والآخر : مستتر فى (إياك) ، وهو مرفوع ؛ لأن الضمير (إياك) قائم مقام الفعل ، فالضمير المرفوع هو الفاعل للعامل المحذوف.

لذلك فإنك إذا أردت تأكيد (إياك) بالنفس أو العين على هذا فإنك تؤكد ضميرا منصوبا ، فتقول : إياك نفسك والشرّ ، وإياك أنت نفسك والشرّ. بنصب (نفس) ، وذكر الضمير المنفصل أو عدم ذكره.

أما إذا أردت تأكيد الضمير المرفوع المستتر فى (إياك) فإنه لا بدّ من الفصل بضمير الرفع المنفصل العائد على الضمير المرفوع ، ثم رفع (نفس) ، فتقول : إياك أنت نفسك أو عينك والشرّ. برفع (نفس أو عين).

ومنه قول جرير :

__________________

(١) المساعد ٢ ـ ٥٧١ / الهمع ١ ـ ١٧٠ / الدرر ١ ـ ١٤٥.

(فلا) : الفاء بحسب ما قبلها حرف مبنى لا محل له من الإعراب ، لا : حرف نهى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تصحب) : فعل مضارع مجزوم بعد لا الناهية ، وعلامة جزمه السكون ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت. (أخا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة. (الجهل) : مضاف إلى أخ مجرور وعلامة جره الكسرة. (الواو) حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، (إياك) ضمير منفصل مبنى ، فى محل نصب مفعول به لفعل محذوف ، تقديره احذر. والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. (الواو) حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، (إياه) : ضمير مبنى فى محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره احذر. والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها.

١١٤

فإياك أنت وعبد المسيح

أن تقربا قبلة المسجد (١)

روى بنصب (عبد) ورفعه ، ويوجه النصب على أنه معطوف على (إياك) ، ويوجه الرفع على العطف على الضمير المستكن فى (إياك) ، وهو ضمير رفع.

ـ وإذا قلت : إياك أنت وأخاك ؛ كان لك فيما بعد الواو النصب والرفع ، فأما النصب فبالعطف على الضمير المنصوب (إياك) ، وأما الرفع فبالعطف على الضمير فى الفعل المحذوف الذى ناب عنه الضمير (إياك) ، فكلّ موضع يمتنع فيه إظهار الفعل ففيه ضمير لنيابته عن المحذوف ، أى أن الضمير البارز المنفصل المنصوب فيه ضمير مرفوع ؛ لأنه قائم مقام الفعل المحذوف.

د ـ القول : الصلاة جامعة :

فى القول : الصلاة جامعة ، عدة احتمالات للنطق والتوجيه الإعرابى على النحو الآتى :

ـ يجوز رفع الاثنين على أنهما جملة اسمية ، فيرفع الأول على الابتداء ، والثانى على الخبر ، ويكون النطق : الصلاة جامعة.

ـ يجوز رفع الأول على الابتداء على أن خبره محذوف ، فينصب الثانى على الحالية ، ويكون النطق : الصلاة جامعة ، والتقدير ؛ الصلاة موجودة جامعة.

ـ يجوز نصب الصلاة على الإغراء ، ونصب جامعة على الحالية. كما يجوز

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١٤٠ / المقتضب ٣ ـ ٢١٣ / المساعد ٢ ـ ٥٨٤.

(فإياك) الفاء بحسب ما قبلها حرف مبن ، ى لا محل له من الإعراب. إياك : ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (أنت) ضمير مبنى فى محل نصب ، توكيد لإياك ، أو فى محل رفع ، توكيد للضمير المستتر فى إياك. (وعبد) الواو حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. عبد : معطوف على إياك منصوب. وعلامة نصبه الفتحة ، أو : معطوف على ضمير الرفع المستكن فى إياك مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (المسيح) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (أن) حرف نصب مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب. (تقربا) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه حذف النون ، وألف الاثنين فاعل مبنى فى محل رفع. والمصدر المؤول فى محل نصب ، مفعول به لفعل محذوف ، أو : فى محل نصب بنزع الخافض. (قبلة) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، أو منصوب على نزع الخافض ، أى : تقربا من قبله. (المسجد) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

١١٥

إظهار العامل قبل المغرى به لعدم التكرار أو العطف ، فيقال : احضروا الصلاة جامعة. كما يقال : الصلاة جامعة ، أى : الزموا ، أو احضروا الصلاة جامعة.

ـ ويجوز نصب الأول على الإغراء ، مع احتمال ظهور العامل ، ويرفع الثانى على الخبرية لمبتدإ محذوف. ويكون النطق : الصلاة جامعة أو : احضروا أو الزموا الصلاة جامعة ، والتقدير : احضروا الصلاة هى جامعة.

ه ـ رفع المكرر فى التحذير والإغراء :

قد يرفع المكرر فى التحذير والإغراء ، ومنه ما أنشده الفراء :

إن قوما منهم عمير وأشبا

ه عمير ومنهم السفاح

لجديرون بالوفاء إذا قا

ل أخو النجدة السلاح السلاح (١)

حيث القافية الحاء المضمومة بما يدل على رفع (السلاح) الثانية. ويكون نصب الأول على الإغراء ، أما رفع الثانى فعلى أنه خبر لمبتدإ محذوف ، ويجوز أن تقدره مبتدأ خبره محذوف.

وفى البيت رفع (السلاح) الأول ، و (السلاح) الثانى.

وقيل فى قوله تعالى : (ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها) [الشمس : ١٣] ، نصب الناقة على التحذير ، وكلّ تحذير فهو نصب ، ولو رفع على إضمار هذه لجاز ، فإن العرب قد ترفع ما فيه معنى التحذير (٢).

__________________

(١) المساعد ٢ ـ ٥٧٤ / الهمع ١ ـ ١٧٠ / الدرر ١ ـ ١٤٦.

(منهم عمير) جملة اسمية ، من شبه جملة خبر مقدم ، ومبتدأ مؤخر فى فى محل نصب نعت لاسم إن (قوما). (أشباه) معطوف على عمير مرفوع. (منهم السفاح) جملة اسمية من شبه جملة خبر مقدم ، ومبتدإ مؤخر ، والجملة الاسمية فى محل نصب بالعطف على جملة منهم عمير. (لجديرون) اللام للتوكيد أو الابتداء أو المزحلقة ، حرف مبنى لا محل له من الإعراب. جديرون : خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم. (إذا) منصوبة على الظرفية مبنية فى محل نصب متعلقة بالوفاء أو بالجدارة.

(٢) معانى القرآن للفراء ٣ ـ ٢٦٨.

١١٦

الإغراء والتحذير باستخدام شبه الجملة :

نعلم أن شبه الجملة إما أن تكون ظرفا ، وإما أن تكون جارا ومجرورا ، وقد سمع وضع شبه الجملة بنوعيها موضع الأفعال فى معنى الإغراء ، أو فى معنى التحذير ، وتكون أسماء أفعال ، من ذلك عليك الصدق ، وبالصدق ، ومثله : دونك ، وعندك ، إذا أمرت بالشىء ، فيكون الصدق وما وقع موقعه منصوبا على المفعولية لاسم الفعل (عليك).

وتقول : عندك ، فى حال التخوف. وتكون حينئذ بمثابة الفعل اللازم.

ومنه : علىّ هذا العمل ، أى : أولنى هذا العمل ، وألزمنى إياه.

ومنه : أمامك ، ومكانك ، ووراءك ، وإليك ، فقد تكون أسماء أفعال لازمة.

فتقول : أمامك ، وتعنى التخويف أو التبصير. ووراءك ، أى أفطن لما خلفك ، ومكانك ، أى : تأخر ، إذا كنت تحذره شيئا خلفه ، وإليك ، أى : تأخر وتنحّ عن مكانك. أشباه الجمل فى هذا المعنى ـ أى الإغراء والتحذير ـ تتحمل ضميرا فاعلا للمخاطب.

فإذا أردت تأكيد الضمير المرفوع المستتر بالنفس أو العين أكدت أولا بالضمير البارز المنفصل ، فتقول : عليك أنت نفسك (بالرفع).

ـ أما الكاف فى هذه المواضع فهى فى حال جرّ ، فإذا أكدتها بالنفس أو العين كان بدون ذكر الضمير المنفصل ، فتقول : عليك نفسك أو عينك (بالجر).

ومن يحتسب الكاف والهاء والياء دلالات خطاب وغيبة وتكلم ؛ فإنها تكون حروفا ، ولا تؤكد ـ حينئذ.

الإغراء والتحذير باستخدام المصدر :

قد يقع المصدر منصوبا موقع فعله منسوبا إلى المخاطب ، فيكون فيه معنى الأمر ، ويحلو لبعض النحاة أن يجعلوا ذلك من معنى الإغراء والتحذير ، نحو :

ـ حذرك ، وويحك ، وبله عمرا ، ورويد زيدا.

١١٧

ـ نزال ، وحذار (بالبناء على الكسر).

لكن هذه مصادر وقعت موقع فعلها الأمرى ، وهى منصوبة على المصدرية ، أو مبنية على الكسر.

المنصوب فى الأمثال وأشباهها :

يحمل على الأساليب التى يلتزم فيها بإضمار العامل الناصب الأمثال وأشباهها مما توارثته العربية من أقوال سيّارة ، وقد عقد سيبويه لذلك بابا وعنونه بقوله : «هذا باب يحذف منه الفعل لكثرته فى كلامهم حتى صار بمنزلة المثل ...» (١) ، ومن ذلك ما ذكره النحاة :

ـ كليهما وتمرا.

بنصب (كليهما) على المفعولية على تقدير : أعطنى ، فهو مفعول به لفعل محذوف ، وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بالمثنى. وهو مثل يضرب لمن خيّر بين شيئين فطلبهما جميعا.

وكذلك بنصب (تمر) على المفعولية لفعل محذوف ، تقديره : (زدنى).

ويروى : كلاهما وتمرا ، أى : كلاهما لى وزدنى تمرا.

ـ الكلاب على البقر.

بنصب (الكلاب) على المفعولية بتقدير فعل محذوف : (دع) ، وهو مثل يقال فى اغتنام الفرصة للسلامة ، فمعناه : خلّ بين الناس جميعا ، خيرهم وشرّهم ، واغتنم أنت طريق السلامة.

ـ أحشفا وسوء كيل؟! بنصب (حشفا) على المفعولية بتقدير فعل محذوف ، تبيع ، مع نصب (سوء) على المعية ، فهو مفعول معه منصوب. والهمزة فى (أحشفا) حرف استفهام مبنى ، لا محل له من الإعراب.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٢٨٠ وما بعدها.

١١٨

وهو مثل يقال لمن يظلم الناس من وجهين.

ـ امرأ ونفسه.

ينصب (امرأ) على المفعولية بفعل محذوف ، تقديره دع ، والواو عاطفة أو للمعية ، فينصب (نفس) بالعطف على المنصوب (امرئ) ، أو على أنه مفعول معه.

وهو شبه مثل يقال فى الحثّ على ترك الاعتراض.

ـ كلّ شىء لا هذا.

بنصب (كل) على المفعولية بتقدير فعل محذوف : اصنع ، ونصب اسم الإشارة (هذا) على المفعولية بفعل محذوف ، تقديره : ولا تصنع ...

وهذا يقال لمن ارتكب أمرا دنيّا تراه دون كلّ شىء.

ـ لا شتيمة حرّ.

بنصب (شتيمة) على المفعولية لفعل محذوف ، تقديره : ترتكب ومعناه : كل شىء ولا شتيمة حر ، حيث جعل شتيمة الحر أخسّ ما يؤتى وأقبحه ، وتقديره : تصنع كلّ شىء ، ولا ترتكب شتيمة حر.

ـ هذا ولا زعماتك.

كلّ من اسم الإشارة (هذا) ، و (زعمات) منصوب على المفعولية بفعل محذوف تقديره : أرضى هذا ، ولا أتوهم زعماتك.

ـ إن تأتنى فأهل الليل وأهل النهار.

بنصب (أهل فى الموضعين على المفعولية بفعل محذوف تقديره : تجد ، أى : تجد أهل ... وهذا التعبير يعنى المبرة واللطف بالمخاطب.

ـ مرحبا وأهلا وسهلا.

أى : أصبت مرحبا ، وأتيت أهلا ، ووطئت سهلا ، فكلّها منصوبة بعامل محذوف.

١١٩

ويجوز أن تجعل المحذوف فى المواضع الثلاثة فعلا تقديره : صادفت ، أو : لقّاك الله ذلك.

وقد يرفعون كلّ ذلك ، ومنه قول طفيل الغنوى :

وبالسهب ميمون النقيبة قوله

لملتمس المعروف أهل ومرحب (١)

أى : هذا أهل ومرحب.

ومنه قول أبى الأسود :

إذا جئت بوابا له قال مرحبا

ألا مرحب واديك غير مضيّق (٢)

__________________

(١) ديوانه ١٩ / الكتاب ١ ـ ٢٩٦ /. شرح ابن يعيش ٢ ـ ٢٩.

السهب : موضع ، ميمون : مبارك ، النقيبة : الطبيعة. يرثى الشاعر رجلا دفن بالموضع المذكور. (وبالسهب) الواو بحسب ما قبلها حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. بالسهب. جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (ميمون) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (النقيبة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (قوله) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (لملتمس المعروف) جار ومجرور ومضاف إلى المجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالقول. (أهل) خبر لمبتدإ محذوف ، تقديره : هذا. والجملة الاسمية فى محل رفع ، خبر المبتدإ (قول) ، والجملة الاسمية (قوله أهل) فى محل رفع ، نعت لميمون. (ومرحب) عاطف مبنى ، وخبر لمبتدإ محذوف ، والجملة فى محل رفع بالعطف على جملة (هذا أهل). ويجوز أن تجعل (أهل) مبتدأ ، خبره محذوف ، والتقدير : لك أهل ، وكذلك : مرحب.

(٢) ديوانه ٦٥ / الكتاب ٢ ـ ٢٩٦ / المقتضب ٣ ـ ٢١٩.

أى : إن بوابه قد اعتاد الأضياف ، فيستبشر بهم لحرص صاحبه عليهم ، ثم يخاطبه الشاعر قائلا : عندك الرحب والسعة فلا يضيق واديك بمن حلّ به. (إذا) اسم شرط غير جازم مبنى فى محل نصب على الظرفية ، معمول للجواب مضاف إلى الشرط. (جئت) فعل الشرط ماض مبنى على السكون ، والتاء ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (بوابا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (له) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب ، نعت لبواب. (قال) جواب الشرط ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (مرحبا) مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة لفعل محذوف. أو مفعول به لفعل محذوف تقديره : أصبت ، أو : صادقت. (ألا) حرف ابتداء واستفتاح مبنى ، لا محل له من الإعراب. (مرحب) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وخبره محذوف تقديره : عندك. (واديك) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها الثقل. وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة. (غير) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (مضيق) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

١٢٠