النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

١ ـ الإلصاق :

وهو أصل معانيها ، ولم يذكر سيبويه غيره ، ويؤول كلّ معنى آخر لها إلى هذا المعنى ، فيقول : «وباء الجر إنما هى للإلزاق والاختلاط ، وذلك قولك : خرجت بزيد ، ودخلت به ، وضربته بالسوط ، ألزقت ضربك إياه بالسوط ، فما اتسع من هذا فى الكلام فهذا أصله» (١) ، ويقسمه النحاة إلى ضربين : إلصاق حقيقى : نحو : لم يبق شىء يتعلق به المتغافل والمتجاهل ، والمقصود بالشىء أجزاء ملابسه ، ومنه : مررت بمحمود ، وأمسكت بالقلم ، وبثوبى.

إلصاق مجازى : نحو : مررنا بمجلس وليد القرشى ، الاستخفاف بالمثل والتهاون بالالتزام مضيّع للمرء.

٢ ـ التعدية :

حيث يتعدى بها الفعل اللازم إلى المفعول به ، نحو : يهتم العبد بشىء ولا يهتم بأعظم منه ، لا يدينون بالحقيقة ، ويذهب الجمهور إلى أن باء التعدية بمعنى همزة التعدية فلا تقتضى مشاركة الفاعل للمفعول ، أما المبرد والسهيلى فقد ذهبا إلى أن باء التعدية تقتضى مصاحبة الفاعل للمفعول فى الفعل. وقد يستعمل مفهوم التعدية بمعنى التصيير ، كأن تقول : خرجت بعلىّ ، أى : جعلته خارجا ، وذهبت به.

٣ ـ الاستعانة :

هى الداخلة على آلة الفعل : نحو : ضرب إياه بالسلاح ، وبعج بطنه بالحراب ، وفرى أوداجه بالمشاقص ، وشدخ هامته بالعصا ، وعدا على الناس بسيفه ، فالمجرور بالباء آلات لإحداث الفعل ، ومنه : كتبت بالقلم ، وحرثت بالمحراث ، وقطعت بالسكين ...

ويجوز أن يكون المجرور وسيلة لأداء الحدث وليس آلة بالمعنى المعهود ، نحو : التمثل بها كفر ، فأحسم به هذا الأمر ، وأميت به هذا الداء ، وأقطع به هذه الأفكار ، استعنت به لفهم القضية.

__________________

(١) الكتاب ٤ ـ ٢١٧.

٢٤١

٤ ـ التعليل :

هى التى تصلح اللام فى موضعها غالبا ، وتدمج مع باء السببية ، وذلك نحو : جزيته بصنيعه ، أى : بسبب صنيعه ، وعنفته بذنبه ، أى : بسبب ذنبه قاطعته بخبثه ، أى : بسببه.

٥ ـ المصاحبة :

يصح أن يوضع بدلا منها (مع) ، ويمكن أن يغنى عنها وعن مجرورها الحال ، ومنها : تم كتاب ذم أخلاق الكتاب بعون الله ، أى (والله معين لنا) انفردت بطيب زادك ، أى : مع طيب زادك ، ومنه : اشتريت الفرس بسرجه ، أى : مع سرجه.

فوضع الضحك بحذاء الحياة ، ووضع البكاء بحذاء الموت ، أى : محاذيا الحياة ، ومحاذيا الموت.

٦ ـ الظرفية :

يصحّ أن يوضع بدلا منها (فى) فى هذا المدلول ، نحو : تزعم أن المولى بولاية صار عربيّا فهرب حتى مات بجزيرة العرب ، فلما كان بالعشى ، أى (فى ولاية فى جزيرة العرب ، فى العشى) ، ونحو : جلست بالمسجد ، أى : فى المسجد ، وأقمت بمكة ، أى : فى مكة ، ومنزله بالمنصورة ، أى : فى المنصورة.

٧ ـ المقابلة :

هى التى تدخل على الأثمان والأعواض ، نحو : لا يبرد غليله إلا بردّ حقّه ، يرى أن من المنكر أن يشترى جدى بعشرة دراهم ، والمجرور عوض أو مقابل أو ثمن كما نلمس ، ومنه : بعت هذا بذاك.

٨ ـ المجاوزة :

أى : توافق معنى (عن) : نحو : فيسأل بهم الفريق أجمع ، أى : (فيسأل عنهم) ، وقد ذكر المالقى (١) أنها تفيد السؤال فى هذا الموضع ، وذكر المرادى أنها بمعنى (عن) (٢).

__________________

(١) ينظر : رصف المبان ٦٨.

(٢) ينظر : الجنى الدانى ٤١.

٢٤٢

٩ ـ الاستعلاء :

توافق معنى (على) ، نحو : وحكمت بفضيلة هذه الطبقة من الناس ، أى على فضيلة ، ومنه : يأبى به أن يفعل هذا ، أى : يأبى عليه ..

١٠ ـ التبعيض :

توافق معنى (من) ، وجعلها قوم باء الاستعانة ، وهى نحو : غسلت خوانا له بماء حار ، وكذلك : غسله بماء البئر ، وقد أنكرها ابن جنى ، وذكرها الأصمعى والفارسى ، ونقل عن الكوفيين ، وقال بها ابن مالك (١) :

١١ ـ أن تكون بمعنى (إلى):

نحو : (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) [البقرة : ٢٠٦] ، وحتى تصل بمستحقها وبمعاونها واللائقين بها ، أى : (إلى الإثم ، إلى مستحقها ، وإلى معاونها ، وإلى اللائقين بها).

١٢ ـ الزائدة ، وهى للتوكيد :

مع الفاعل : فى صيغة (أفعل به) ، نحو : أحسن بأخلاقه. الباء زائدة للتوكيد ، ومجرورها فاعل مرفوع مقدّرا ، ومع كفى فى قوله : وكفى به شهيدا مع المفعول : ما سمعنا بهذا الأمر ولا بغيره ، وقد أردت أن أرسل بالجزء الأول إليك ، أعادوا على البيت بالهدم ، والأصل (ما سمعنا هذا الأمر ولا غيره ، أرسل الجزء ، أعادوا الهدم) والباء زائدة للتوكيد ، وقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] ، أى : ولا تلقوا أيديكم.

مع الخبر : ليس بكفر ، ليس بحجة ، ما هو بالفطن إلا فى هذا الباب ، وحسبك بقوم أنبلهم أخسهم ، وذكر ذلك تفصيلا فى قسم : (الجار أقوى العوامل النحوية).

١٣ ـ التشبيه :

قال به صاحب رصف المبانى (٢) ، ومنها : شبّه الغائب بالشاهد.

__________________

(١) انظر : التسهيل ١٤٥ / مغنى اللبيب ١ ـ ٩٠ / الجنى الدانى ٤٣.

(٢) ينظر : رصف المبانى : ١٤٧.

٢٤٣

١٤ ـ وذكر النحاة (١) أنها تفيد معنى القسم ، وتذكر فى حروف القسم ، وتفيد الباء معنى الحالية.

كما تقول : خرج بدرعه ، أى : متدرعا ، جاء زيد بثيابه ، أى : ملبسا بها.

وتكون لمعنى النقل ، نحو قولك : قمت بزيد ، أى : أقمته.

اللام (٢)

وردت اللام حرف نسبة ، حيث ينسب ما بعده إلى ما قبله فى دلالات متعددة ويجرّه ، وهو يجر الظاهر والمضمر.

وحكم اللام إذا دخلت على المظهر فإنها تكسر ، فتقول : لمحمد ، للقاعة ، للكلية ، للإذاعة ... وكلّها تكسر معها لام الجرّ فرقا بينها وبين لام الابتداء (التى تفتح) ، مثل : لمحمد مجدّ ، إن العلم لمفيد ، وهما بفتح اللام لأنها للابتداء.

وتفتح لام الجرّ مع المضمرات ، دون ما يجب الكسر قبله من الضمائر ؛ وهو ضمير المتكلم ، فتقول : له ، ولك (بفتح اللام) ، ولكنك تقول : لى (بكسر اللام) ، ومن فتح اللام مع الضمير قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) [البقرة : ١٣٤].

كما تفتح مع المستغاث به ، فتقول : يا لمحمد لعلىّ ، اللام مفتوحة مع المستغاث به ، ومكسورة مع المستغاث له.

وردت اللام فى الجملة العربية لتؤدى الدلالات الآتية من خلال السياق :

١ ـ الاختصاص :

نحو : أتمّ نعمته عليك وكرامته لك ، والحمد لله أولا وآخرا ، فاللام أفادت الاختصاص ، ولم يذكر الزمخشرىّ غيره (٣) ، وقيل : هو أصل معانيها ، وهو لا يفارقها وقد يصحبه معان أخر (٤).

__________________

(١) ينظر : الهادى فى الإعراب ١١٤ / المساعد ٢ ـ ٢٦١ / المقرب ١ ـ ٢٠٣.

(٢) انظر فى اللام : معانى الحروف ٥٥ / المفصل ٣٢٨ / التسهيل ١٤٥ / مغنى اللبيب ١ ـ ١٦٢ : ١٦٦ / الجنى الدانى ٩٦ ـ ١٠٩ / الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٢ ـ ٢١٧ / همع الهوامع ٢ ـ ٣١ : ٣٣ / الإتقان ٢ ـ ٢٦٥ ، ٢٦٦ / شرح التصريح ٢ ـ ١٠ : ١٢ / شرح ابن عقيل ١ ـ ٢٠٦.

(٣) المفصل ٣٢٨.

(٤) انظر : الجنى الدانى ١٠٩.

٢٤٤

٢ ـ الاستحقاق :

نحو : ما يجب لله من حقّ ، لصناعة الكلام مع ذلك فضيلة على كلّ صناعة ، وقيل : هو معناها العام لا يفارقها ، ومنه أن تقول : الحبل للفرس ، والثوب للفقير.

٣ ـ الملك :

نحو : ما زالت ترقع قميصا لها وتلبسه ، وما كان لك كان ممدوحا ، اللام فى المثالين تفيد الملكية ، وذكر سيبويه هذه المعانى فى قوله : (ولام الإضافة ومعناها الملك واستحقاق الشىء) (١) ، وقد جعله بعضهم أصلها ، ومن ذلك أن تقول :البيت للأسرة ، والأرض لى.

٤ ـ التمليك :

نحو : ثبتت له قاعدة ، وهب لك جميل الآداب ، واللام فيها للتمليك حيث إن غير المجرور هو الذى يحدث الحدث للمجرور ، أى يملّكه له ، ومنه : وهبت للمسجد هذا الوقف.

٥ ـ شبه الملك :

نحو : وقد جمع الله لأمير المؤمنين مع كرم العروق وصلاح المنشإ البعد عن إيثار الهوى ، فاللام لما يشبه الملك ، فالله تعالى هو الجامع ، والبعد عن إيثار الهوى صفة ذاتية ، ومنه القول : أدوم لك ما تدوم لى.

٦ ـ شبه التمليك :

نحو : جعلت له صورة وحدا ، وعلى مثل ذلك عقد الخليفة لأسامة بن زيد الإمرة ، فالتمليك من غير المملّك ، والصورة والحد ، والإمرة ليستا صفتين ذاتيتين ، ومنه قوله تعالى : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) [النحل : ٧٢].

__________________

(١) الكتاب ٤ ـ ٢١٧.

٢٤٥

٧ ـ التعليل :

نحو : وذلك إن كان كفرا كلّه فلم يبلغ كفر نابتة عصرنا وروافض دهرنا ، لأن جنس كفر هؤلاء غير كفر أولئك ، وواضح أن اللام تفيد التعليل أو السببية ، ويبدو ذلك فى القول : فلذلك البهيمة تقنو شحما فى الأيام اليسيرة ، ومنه : ذاكرت للتفوق ، وخرجت للحج ، ومنه قوله تعالى : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) [النساء : ١٠٥] ، ومنه : جئت لابتغاء الخير. ومن أداء اللام معنى التعليل ما يسمى بلام (كى) ، نحو : ملت إليك لكى أتناقش معك ، ذهب محمد إليه لكى يتصالح معه.

٨ ـ النسب :

نحو : وقد جعل الله إبراهيم عليه السّلام أبا لمن لم يلد ، كما جعله أبا لمن ولد ، فاللام تربط بين من ينسب ومن ينسب إليه ، وقيل : إن اللام هنا للاختصاص (١) ، ومنه أن تقول : لزيد عم هو لعمرو خال (٢).

٩ ـ التبيين :

نحو : أفّ لكم ولأخلاقكم ، فى قولهم بخيل تثبيت لإقامة المال فى ملكه ، وهى الواقعة بعد أسماء الأفعال والمصادر الشبيهة بها ، والمتعلقة فى تعجب وتفضيل (٣) ، ومنه : (هَيْتَ لَكَ) [يوسف : ٢٣] ، وسقيا لزيد ، وما أحبّ زيدا لعمرو ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة : ١٦٥].

١٠ ـ التعدية :

نحو : وأما قاتله والمعين على دمه والمريد لذلك منهم فضلال لا شكّ فيهم ، وكنّا لكلا منا فاهمين ، وقد أفادت اللام تعدية اسمى الفاعل (المريد ، فاهمين) للمجرورين (ذلك ، كلامنا) ، وقد يعدّون اللام فى مثل هذه التراكيب زائدة.

__________________

(١) الجنى الدانى ٩٧.

(٢) المساعد ١ ـ ٢٥٦.

(٣) الموضع السابق.

٢٤٦

١١ ـ الصيرورة :

نحو : ووجدنا عطية الرجل لصاحبه لا تخلو أن تكون لله أو لغير الله ، وما كان لله كان ممدوحا ، واللام فى قوله (لله ، لغير الله ، لله) فيها معنى الصيرورة ، إذ التقدير : (تصير لله أو لغير الله ...) ومنه : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨].

١٢ ـ التبليغ :

نحو : ذكر أن بعض الرجال قال له ، وكذلك : أمر للجند برزق شهرين ، واللام فيهما للتبليغ ، فالأمر والقول يراد بهما تبليغ ، وكان ذلك بواسطة اللام. ومنه : قلت له ، بينت له ، نصحت له.

١٣ ـ تكون بمعنى إلى للدلالة على انتهاء الغاية :

نحو : والله الموفق للصواب ، وكذلك : وإن بعضهم كان يقصد لتقبيح خطه وإن كان حلوا ، والمجرور باللام فيهما مقصود وغاية لإحداث الحدث ، ومنه : (سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) [الأعراف : ٥٧] ، (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) [الزمر : ٥].

١٤ ـ تكون بمعنى (عن):

نحو : تقولون فى قول عبيد الله بن زياد لإخوته وخاصته ، أى : عن إخوته وخاصته ، وهى اللام الجارة اسم من غاب حقيقة أو حكما عن قول قائل متعلق به ، وقيل اللام للتعليل (١). ومنه : قلت لزيد إنه لم يفعل الشّر ، أى : عن زيد.

١٥ ـ أن تكون بمعنى (على):

نحو : حتى أكافئك لقديم إحسانك ، وكذلك : ضرب الشواء ثمانين سوطا لمكان الإنضاج ، أى (على قديم إحسانك ، وعلى مكان الإنضاج) ، ومنه : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) [الإسراء : ١٠٧].

__________________

(١) الجنى الدانى ٩٩ / المساعد ٢ ـ ٢٥٩.

٢٤٧

١٦ ـ أن تكون بمعنى (من):

نحو : فذاك أضلّ لمن كفّ عن شتمهم ، والتقدير : أضل ممن كف ، وهذه لابتداء الغاية ، ومن ذلك قول جرير :

لنا الفضل فى الدنيا وأنفك راغم

ونحن لكم يوم القيامة أفضل (١)

أى : ونحن أفضل منكم ، أو : ونحن منكم أفضل.

١٧ ـ الزائدة :

تزاد اللام مع كلّ عامل ضعف بالتأخير ، نحو : للدرس فهمت ، (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] ، ويجعلون منه : (رَدِفَ لَكُمْ) [النمل : ٧٢] ، أى : ردفكم. (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] ، أى : فعّال ما يريد.

ومن زيادة اللام أن تكون مقحمة ، فى نحو : لا أبا لك ، فلو لا تقدير زيادتها مقحمة لم يثبت الألف ، ومن زيادتها القول : أنتم لأشكالكم مذلون ، ولأهل صنائعكم مقلّون ، وكذلك : ووهب لك جميل الآداب.

١٨ ـ أن تكون بمعنى (فى):

كما فى قوله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [الأنبياء : ٤٧] ، أى : فى يوم القيامة. وقوله تعالى : (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها) [الأعراف : ١٨٧] ، أى :فى وقتها.

__________________

(١) ينظر : المساعد ٢ ـ ٢٥٨ / الدرر ٢ ـ ٣١.

(لنا) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (الفضل) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (فى الدنيا) حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب ، والدنيا : اسم مجرور بعد فى ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من الفضل ، أو من الكائن فى شبه الجملة. (وأنفك) الواو : للابتداء أو للحال حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. أنف : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (راغم) خبر المبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال. (ونحن) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. نحن : ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (لكم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بأفضل. (يوم) ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، و (القيامة) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة بأفضل ، (أفضل) خبر المبتدإ نحن مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

٢٤٨

١٩ ـ أن تكون بمعنى (عند):

نحو : كتب لثلاث عشرة خلت ، أى : عند ثلاث عشرة ليلة خلت.

٢٠ ـ وبمعنى (بعد):

كما هو فى قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) [الإسراء : ٧٨] ، أى : بعد زوال الشمس. كما ذكروا لها معنى بعد ، ومع ، والتبعيض ، وكلها معان تستفاد من السياق المطروق والمفهوم معناه.

ومن أنواع اللام : لام المستغاث به ولام المستغاث من أجله ، كما ذكرنا ، ومثله :

يا للعالم للجاهل ، اللام الأولى مفتوحة للمستغاث به ، والثانية مكسورة للمستغاث من أجله ، ومنه : يا للقوىّ للضعيف ، يا للمسلم لأخيه المسلم.

ولام التعجب ، نحو : يا لمحمد ، ولله لا يؤخر الأجل ، ولله لا يبقى أحد ، ومنه قول امرئ القيس :

فيا لك من ليل كأنّ نجومه

بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل

ونحو : لله درّه من فارس! ، ولله أنت! وقول الشاعر :

شباب وشيب وافتقار وثروة

فلله هذا الدهر كيف تردّدا

ولام القسم : نحو : لألتزمنّ بأداء واجبى ، والله لأخلصّن فى عملى.

من (١)

مكسورة الميم ، مبنية على السكون ، وتحرك النون بالفتح عند التقاء ساكنين ، فتقول : من المنزل ، بفتح النون ، ومن النحاة من يجعلها على ثلاثة أحرف ، حيث تنتهى بألف ، ومنهم الكسائى والفراء ، فيقال : (منا) ، ولكن ابن مالك (٢) يقول بأنها لغة ، والجمهور على أنها ثنائية (٣) ، و (من) حرف يدخل على الظاهر والمضمر.

__________________

(١) انظر : معانى الحروف ٩٧ / الأزهية ٢٣٢ / المفصل ٢٨٣ / اللباب فى علل البناء والإعراب ٢ ـ ٢٨٧ / التسهيل : ١٤٤ / المساعد ٢ ـ ٢٤٥ / مغنى اللبيب ٢ ـ ١٣ ، ١٧ / الجنى الدانى ٣٠٨ ـ ٣٢٠ / المقرب ١ ـ ٣٤٣ / همع الهوامع ٢ ـ ٣٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٧ ، ٩ / شرح ابن عقيل ١ ـ ٢٠٤ ، ٢٠٥.

(٢) انظر : التسهيل ١٤٤.

(٣) انظر : همع الهوامع ٢ ـ ٣٤.

٢٤٩

ترد (من) فى الجملة لتؤدى الدلالات الآتية من خلال السياق :

١ ـ ابتداء الغاية فى المكان :

وهى الداخلة على محل ابتداء الفعل. نحو : وكان محمود خرج ليلا من موضع كان فيه ، وانطلق كخروج الصوت من الجوف ، فالمجروران (موضع ، والجوف) يدلان على مكان ، وقد أدت (من) معهما ابتداء الغاية فى هذا المكان (١) ومنه أن تقول : خرجت من البيت ، وقوله تعالى : (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥].

٢ ـ ابتداء الغاية فى الزمان :

نحو قوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] ومن نحو : الخروج من جاهليتها ، وقوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) [التوبة : ١٠٨](٢) ونحو : ست سنين من خلافة عثمان ، من قبل استتمام قراءته ، والمجرورات (جاهلية ، خلافة ، قبل استمام) تدل على أزمنة ، وقد أدت (من) مدلول ابتداء الغاية فى هذه الأزمنة ، وهذا عند الكوفيين ، أما البصريون فيتأولونه ، وابن مالك يذهب مذهب الكوفيين (٣) ، كما ذكر الأخفش (٤) والمبرد وابن درستويه والهروى (٥) هذه الدلالة كذلك.

__________________

(١) انظر : الكتاب ٤ ـ ٢٢٤.

(٢) (المسجد) اللام للابتداء حرف مبنى لا محل له من الإعراب. مسجد : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(أسس) فعل ماض مبنى على الفتح مبنى للمجهول. نائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية فى محل رفع ، نعت لمسجد. (على التقوى) حرف جر مبنى ، واسم مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر ، وشبه الجملة متعلقة بالتأسيس. (من أول يوم) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالتأسيس. (أحق) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. (تقوم) فعل مضارع منصوب بعد أن ، وعلامة نصبه الفتحة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت ، والمصدر المؤول منصوب على نزع الخافض. (فيه) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالقيام.

(٣) التسهيل ١٤٤.

(٤) انظر : الإنصاف ٥٤٢ / الهمع ٢ ـ ٣٤.

(٥) انظر : الأزهية ٢٩٢ ، ٢٩٣.

٢٥٠

وعلامة (من) الابتدائية فى الدلالتين السابقتين صحة وضع (إلى) أو ما فى معناها فى مقابلها ، فإذا قلت : سرت من المنزل ، فإنه يمكن أن تقابل قولك من المنزل بالقول : إلى الكلية.

٢ ـ التبعيض :

وعلامتها فى ذلك جواز الاستغناء عنها «ببعض» ، نحو قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢] ، أى : بعض ما تحبون ، ونحو : إذا كان فى ذلك من التبيان ما يبهرهم ، ومن القول ما يسكتهم ، فـ (من) فى هذا الموضع أدت معنى البعضية ، قال به سيبويه (١) ، وتابعه الفارسى والجمهور والفراء وكثير من النحاة ، وخالفهم الأخفش ، وتابعه المبرد ، حيث ترد (من) عندهما لابتداء الغاية ، ووافقهما ابن السراج والسهيلى والجرجانى والزمخشرى (٢).

ومن دلالة (من) على التبعيض أن تقول : قبضت من الجنيهات ، أى : بعضها ، وكذلك قوله تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) [البقرة : ٢٥٣] ، أى : بعضهم كلم ، وقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : ٤٥] ، أى : فبعضهم .. وبعضهم .. وبعضهم .. وقوله تعالى : (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) [آل عمران : ١١٠].

٤ ـ بيان الجنس :

نحو : امتنعت طائفة من الناس ، ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا ، ولم نر الحسد أمر به أحد من العرب والعجم فى حال من الأحوال ، والمجرورات (الناس ، جنس ، العرب) تعطى معنى الجنسية ، ومنه قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠].

فى قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) [النور : ٤٣] حيث (من) الأولى لابتداء الغاية فى المكان ، والثانية (من جبال) للتبعيض ، والثالثة (من برد) للتبيين ، وفيها أقوال غير ذلك.

__________________

(١) انظر : الكتاب ٤ ـ ٢٢٥.

(٢) انظر : الجنى الدانى ٣٠٩ / شرح التصريح ٢ ـ ٧ ، ٨.

٢٥١

وعلامة دلالة (من) على التبيين وضع الموصول فى موضعه ، ففى الأمثلة السابقة يصح القول : طائفة التى هى الناس ، معاصيه التى هى جنس ، أحد الذى هو العرب ، والذى هو العجم ، الرجس الذى هو الأوثان ، فيها الذى هو برد.

٥ ـ التعليل :

نحو : عملوا فى الغنى عمل الخائف من زوال الغنى ، وقال بعض الحكماء لرجل اشتدّ جزعه من بكاء صبى ، والمجروران بـ (من) تعليل وسبب ، فالتقدير (بسبب زوال ... ، بسبب بكاء صبى) ، ويمكن تقدير اللام فى موضعها لهذا المدلول. ويمكن أن يكون منه : (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش : ٤] وقوله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) [المائدة : ٣٢].

وقد وردت (من) للتعليل فى قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) ([البقرة : ١٩]. أى : بسبب الصواعق.

٦ ـ البدل :

نحو : ولا حسم لهذا الداء إلا بإطراح الفضول وسلامة اللسان من أن يلغ فى الأغراض ، فالمصدر (أن يلغ) هو المجرور ، ومطلوب له بدلية ، وهو مدلول (إطراح الفضول وسلامة اللسان) ، فيصح وضع (بدلا من) مكان حرف الجر (من). ومنه : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة : ٣٨] ، (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) [الزخرف : ٦٠].

٧ ـ المجاوزة :

نحو : دليل على الرقة والبعد من القسوة ، وكذلك لبعد مسقط الشمس من أصل حائطه ، وكذلك ، فامتنعت طائفة من الناس من التقدم إلى العطاء ، ويلاحظ أن (من) فى هذا الموضع تكون بمعنى (عن) ، ويتضح ذلك لو قدرنا (عن) سابقة للأسماء المجرورة (القسوة ، أصل حائطه ، التقدم) ، واختلف النحاة فى معنى (من) لصاحبة لأفعل التفضيل ، فذهب سيبويه إلى أنها لابتداء الغاية ولا تخلو من

٢٥٢

التبعيض (١) ، وقال المبرد وجماعة : هى لابتداء الغاية ، ولا تفيد معنى التبعيض (٢) ، وكذلك الأخفش الصغير ، وذكر الهروى أنها تكون للتبعيض فى هذا الموضع (٣) ، ولكنى أرى أنها تفيد المجاوزة ، واسم التفضيل يحمل فى مدلوله هذا المعنى ، ويتضح ذلك فى القول : الناشئة فى هذا الوجه أحقّ من غيرهم ، فالحقّ تجاوز غير الناشئة ، ويمكن أن يلمس هذا التجاوز مع أسماء التفضيل ومصاحبة (من) فى مثل : أخف من كثيره ، أفضل من صاحب الخصلة.

٨ ـ الانتهاء :

نحو : لقد فرغ من نظامه ، وكذلك : محمد خرج من هاتين الحالين ، فالمجروران (نظام ، هاتين الحالين) فيهما معنى الانتهاء ، وتعلق (من) بالحدثين (الفراغ ، والخروج) يدل على ذلك. وذكر الكوفيون هذا المعنى لمن ، ولكن رده المغاربة (٤).

ومن ذلك القول : نظرت فلانا من سطحه ، ويذكرون منه قول الأعشى الكبير :

أأزمعت من آل ليلى ابتكارا

وشطّت على ذى هوى أن تزارا (٥)

(من آل ليلى) تعنى (إلى آل ليلى).

٩ ـ الاستعلاء :

نحو : انتصف عزمه من شهرته ، وكذلك : وأبانهم من غيرهم ، وفضلهم عليهم ، وفى هذا المدلول يصح وضع (على) بدلا من (من). وقوله تعالى : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) [الأنبياء : ٧٧] ، (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) [الزمر : ٢٢].

__________________

(١) انظر : الكتاب ٤ ـ ٢٢٥ / معانى الحروف ٩٧.

(٢) انظر : مغنى اللبيب ٢ ـ ١٥ / الجنى الدانى ٣١١ ، ٣١٢.

(٣) الأزهية ٢٣٢.

(٤) انظر : مغنى اللبيب ٢ ـ ١٤ / الجنى الدانى ٣١٣.

(٥) ديوانه ٤٥ / خزانة الأدب ٣ ـ ٣٠٣.

٢٥٣

١٠ ـ الفصل :

وهى فى هذا الموضع تدخل على المتضادّين ، نحو : بانت الحجة من الحيلة ، والدليل من الشبهة ، فكلّ من (الحجة والدليل) يتناقض مع (الحيلة والشبهة) ، وفصل بين كلّ من المتناقضين بـ (من) ، فأفادت لذلك الفصل ، وقوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة : ٢٢٠] (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران : ١٧٩].

١١ ـ موافقة الباء :

ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية فى هذا الموضع (١) ، وذلك نحو : وعلم أنه قد حكم من غير استرداد ، فيصح أن تكون (بغير استرداد) ونحو : وتسمّوا بأسماء العلم على المجاز من غير حقيقة ، إذ يمكن القول : بغير حقيقة. ومنه (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) [الشورى : ٤٥] أى بطرف. وقوله تعالى : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [الرعد : ١١] ، أى بأمر الله.

١٢ ـ أن ترادف معنى (فى):

نحو : محلّه من الخدمة محلّ الأغبياء ، وكذلك : تحفظ ذلك من نفسك ، والتقدير : محله فى الخدمة ، تحفظ فى نفسك. ويجعلون منه قوله تعالى (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) [فاطر ٤٠].

١٣ ـ أن تكون زائدة للتوكيد :

يرى البصريون أن (من) الزائدة للتوكيد تختصّ بغير الواجب وبالنكرة ، فتقول : ما جاءنى من أحد ، أى : ما جاءنى أحد. ونحو : ما من إله إلا الله ، والتقدير : ما إله إلا الله ، فـ (من) زائدة للتوكيد ، ونحو : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) [الملك : ٣] ، وقوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ). [الأنعام : ٣٨]. (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) [مريم : ٩٨]. (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [فاطر : ٣] ، (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [المؤمنون : ٢٣].

__________________

(١) انظر : الجنى الدانى ٣١٤.

٢٥٤

أما الكوفيون والأخفش فإنهم يرون زيادتها فى الواجب ، ويجعلون منه قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) [المائدة : ٤]. حيث (من) زائدة يرجحون كونها تبعيضية فى هذا الموضع (١) ، وفى المواضع المماثلة.

١٤ ـ أن تكون للقسم :

تكون للقسم مختصة بالرب ، وتكسر ميمها وتضم ، فتقول : من ربى لأجتهدنّ.

١٥ ـ أن تكون بمعنى (عند):

تكون بمعنى (عند) ، كما فى قوله تعالى : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [آل عمران : ١٠].

عن (٢)

من حروف الجرّ ، ونونها ساكنة ، فإن لقيها ساكن كسرت لالتقاء الساكنين ، وهو حرف يجر المظهر والمضمر ، ووردت دالة على المعانى الآتية من خلال السياق :

١ ـ المجاوزة :

نحو : عفا الله عنا وعنه ، وكذلك : فقد أخرت الصلاة عن وقتها ، وواضح أن مدلول (عن) هو المجاوزة ، وهو أشهر معانيها ، ولم يثبت البصريون لها غير هذا المعنى ، ولم يثبت سيبويه (٣) لها إلا هذا المعنى ، ولكونها للمجاوزة عدى بها الأفعال (صد وأعرض) ونحوهما ، و (رغب ومال) إذا قصد بهما ترك المتعلق ، من ذلك : انصرفت عن محمد ، أى : تجاوزته ، وقولك : أطعمه عن جوع ، سرت عن البلد ، رميت عن القوس.

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٢ ـ ٤٩٠.

(٢) انظر : معانى الحروف ٩٤ ـ ٩٦ / الأزهية ٢٩٢ / المفصل ٢٨٨ / التسهيل ١٤٦ / مغنى اللبيب ١ ـ ١١٩ : ١٢١ / شرح شذور الذهب ١٧ / الجنى الدانى ٢٤٥ ـ ٢٤٩ / المقرب ١ ـ ٢٠١ / رصف المبانى ٣٦٦ ـ ٣٧١ / همع الهوامع ٢ ـ ٢٩ / الإتقان ٢ ـ ٢٤٠ / شرح التصريح ٢ ـ ١٥ / شرح ابن عقيل ١ ـ ٢٠٧.

(٣) ينظر : الكتاب ٤ ـ ٢٢٦.

٢٥٥

والتجاوز قد يكون من شىء إلى شىء ، نحو : رميت السهم عن القوس إلى الصيد ، أو بالوصول وحده ، نحو : أخذت عنه العلم ، أو بالزوال وحده ، نحو : أدّيت عنه الدّين (١).

٢ ـ البدل :

نحو : صديقى محمد يغنى عن الأخ وعن ابن العمّ ، فيمكن أن تضع كلمة (بدل) مكان (عن).

ومنه قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً). [البقرة : ١٢٣]. فمن فيها معنى البدل. ومنه أن تقول : حجّ فلان عن فلان ، أى : بدل فلان (٢).

٣ ـ الاستعلاء :

توافق (عن) فى ذلك معنى (على) ، نحو : يرتفع عن الكتاب بيده ، وواضح فى حرف الجر (عن) معنى الاستعلاء ، ويتضح ذلك فى القول : رضى الله عنه ، وقولك : أفضلت عن سمير.

٤ ـ أن تكون بمعنى (فى):

نحو : كان الشحم إلى البهيمة أسرع ، وعن ذات العقل والهمة أبطأ ، والتقدير : وفى ذات العقل والهمة أبطأ ، ويتضح ذلك فى قوله : فألقى نصفها إلى الذى عن يمينه ، ونصفها إلى الذى عن شماله ، واليمين والشمال ظرفا مكان ، فتقدير حرف الجر الذى يسبقهما (فى).

٥ ـ أن تكون زائدة :

وذلك نحو : وقد كشفت عن قناعها ، ورفعت عن ذيلها ، والفعلان (كشف ، ورفع) يتعديان بنفسهما ، ولكن زيدت (عن) بينهما وبين منصوبهما (قناع ، وذيل).

__________________

(١) ينظر : الفوائد الضيائية ٢ ـ ٨٩٨.

(٢) ينظر : المساعد ٢ ـ ٢٦٦.

٢٥٦

قد تكون اسما :

إن دخل على (عن) حرف الجرّ (من) صارت اسما بمعنى الجهة ، كما ذكر فى قول القطامى :

فقلت للركب لمّا أن علا بهم

من عن يمين الحبيّا نظرة قبل (١)

وذكر النحاة لحرف الجر (عن) معانى أخرى وهى : الاستعانة ، والتعليل ، وبمعنى (من).

فى (٢)

ورد حرف الجر (فى) ليؤدى الدلالات المعنوية الآتية فى اللغة العربية :

١ ـ الظرفية :

وهى أصل معانيها ، وجعلها سيبويه للوعاء (٣) ، ويذهب إلى أنها لا تكون إلا لذلك ، وما عداه فهو مؤول ، والظرفية إما أن تكون حقيقة نحو :

للزمان : وظهر فى أيام ولايته العدل والأمن ، وكذلك : أسلفتنى فى الصيف فقضيتك فى الشتاء ، ويلاحظ أن المجرورات (أيام ، صيف ، الشتاء) أسماء زمان ، فدلت (فى) على الظرفية الزمانية.

للمكان : جلس فى أقرب المواطن من أستاذه ، وكذلك : صار محبوبا فى القرية وفى مجالسها وطرقها ، والمجرورات (أقرب ، والقرية ، ومجالس) أسماء تدل على المكان ، فأدت (فى) الظرفية المكانية ، ومن ذلك أن تقول : المال فى الحقيبة ، واللصّ فى الحبس.

وإما أن تكون الظرفية مجازية ، نحو : جرينا فى ضروب من الكلام ، فالمجرور (ضروب) ، مع اعتبار الفعل (جرى) يدل على ظرفية مكانية مجازا ؛ لأن ضروب

__________________

(١) ديوانه ٢٨ / الفصول الخمسون ٢١٧ / شرح ابن يعيش ٨ ـ ٤١ / الجنى الدانى ٢٤٢.

الحبيا : موضع ، نظرة قبل ـ بفتحتين ـ أى : مقابلة.

(٢) انظر : معانى الحروف ٩٦ / المفصل : ٢٨٤ / التسهيل : ١٤٥ ، ١٤٦ / رصف المبانى ٣٨٨ ، مغنى اللبيب ١ ـ ٣٣ ، ١٣٥ / شرح شذور الذهب ٣١٧.

(٣) انظر : الكتاب ٤ ـ ٢٢٦.

٢٥٧

الكلام لا يجرى فيه ، وإنما على سبيل المجاز ، وكذلك قوله : إن ذلك لبيّن فى شمائلهم ، نظرت فى أمرك ، أى : جعلته محلّ نظرى. النجاة فى الصدق.

٢ ـ المصاحبة :

نحو : وقتل الحسين عليه السّلام فى أكثر أهل بيته مصابيح الظلام (١) ، حيث يجوز أن يوضع (مع) بدلا من (فى) ، وبهذا فهى تفيد المعية أو المصاحبة ، من ذلك قوله تعالى : (ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ) [الأعراف : ٣٨] ، أى معهم.

وقوله تعالى : (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ). [الأحقاف : ١٦] أى مع أصحاب الجنة ، ومنه قول الشاعر :

شموس ودود فى حياء وعفّة

وضيمة رجع الصوت طيّبة النّشر

أى : مع حياء وعفّة.

٣ ـ التعليل :

ويبدو ذلك فى القول : فى قطع ما بينهما من ودّ سبيل للخصام ، حيث يكون الجار والمجرور تعليلا لسبيل الخصام.

«دخلت امرأة النار فى هرّة حبستها» .. أى : بسبب هرة.

٤ ـ أن تكون بمعنى (على):

وذلك نحو : وجعلوا فى رأسه عمامة ، والتقدير : وجعلوا على رأسه ، وبذا تكون (فى) بمعنى (على).

ومنه قوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١] ، أى : على جذوع (٢). وتعطى (فى) هنا معنى التمكين ، وقوة الحدث.

__________________

(١) مثل هذه الأمثلة مأخوذة من كتب الجاحظ ، وهى مقترضة من رسالة الدكتوراه للمؤلف ، وهى موجودة بكلية الآداب ، جامعة القاهرة ، وعنوانها : الجملة الخبرية فى نثر الجاحظ.

(٢) ينظر : الكتاب ٤ ـ ٢٢٦ / المقتضب ٤ ـ ١٣٩ / الإيضاح العضدى ٢٥١.

٢٥٨

٥ ـ أن تكون بمعنى (الباء):

نحو : زهدوا فى الحمد ، أى زهدوا بالحمد.

٦ ـ أن تكون بمعنى (من):

نحو : هذه أول ثورة كانت فى الأمة ، أى كانت من الأمة ، وكذلك قوله : والنابتة فى هذا الوجه أكثر من يزيد وأبيه ، أى : والنابتة من هذا الوجه.

٧ ـ أن تكون زائدة للتوكيد :

نحو : يقدم على قتل من كان فى مثل صفته وحاله ، أى : من كان مثل صفته وحاله ، وإنما زيدت (فى) للتوكيد ، وكذلك قوله : شاء أن يزيد فيه وأجاز ابن مالك أن تزاد عوضا (١).

٨ ـ مرادفة (إلى):

نحو : قوله تعالى : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) [إبراهيم : ٩] ، أى : إلى أفواههم ، وقيل : (فى) على ظرفيتها فى هذا الموضع ، وقيل : بمعنى (على) (٢).

إلى (٣)

من الحروف التى تجر الظاهر والمضمر ، وردت (إلى) حرف جر لأداء المعانى الآتية من خلال السياق

١ ـ انتهاء الغاية :

وهو أصل معانيها ، والمعنى الذى أثبته سيبويه (٤) لها ، ووافقه المبرد وابن السراج وغيرهما من النحاة ، ويبدو هذا المدلول فى القول :

__________________

(١) ينظر التسهيل ١٤٦.

(٢) الدر المصون ٤ ـ ٢٥٣.

(٣) انظر : معانى الحروف : ١١٥ / الأزهية : ٢٨٠ / المفصل ٢٨٣ / المقرب ١ ـ ١٩٤ / التسهيل ١٤٥ / مغنى اللبيب : ١ ـ ٦٥ ، ٦٦ / شرح شذور الذهب ٣١٧ / الجنى الدانى ٣٨٥ وما بعدها / رصف المبانى ٨٠ / همع الهوامع ٢ ـ ٢٠ / الإتقان ٢ ـ ١٩١ ، ١٩٢ / شرح التصريح ٢ ـ ١٧ / شرح ابن عقيل ١ ـ ٢٠٥.

(٤) انظر الكتاب : ٤ ـ ٢٣١.

٢٥٩

استمعت إليك ، فإن الاستماع منتهاه المجرور بإلى ، وهى فى هذا المعنى مقابلة لـ (من) ، وتقول : قلبى إليك ، فإن القلب منته إلى المخاطب باعتبار الشوق والميل.

ومدلول انتهاء الغاية يكون لـ (إلى) مطلقا ، وهو مدلول عام عليها.

وإذا وجد قرينة تدلّ على دخول ما بعدها فيما قبلها كان كذلك معنويّا ، كأن يقال : اشتريت الدار إلى فنائها ، فالفناء داخل لأنه من الدار ، وتقول : اشتريت الأرض إلى الطريق ، كان الطريق خارجا ؛ لأنه لا يشترى. وإن لم توجد قرينة فإن ما بعدها لا يدخل فيما قبلها.

٢ ـ انتهاء الغاية الزمانية :

نحو : أخروا صلاة الجمعة إلى مغيربان الشمس ، فالمجرور (مغيربان الشمس) دلالة زمنية سبق بحرف الجرّ (إلى) ، فدل على انتهاء الغاية الزمانية ، ومثاله : ولا يزال ولا يزالون كذلك إلى أن يناموا ويطفئوا المصباح ، فالنوم المسبوق بإلى حدّ زمنى. ومنه : عملت إلى الظهيرة. وذاكرت الدرس إلى آخر الليل. (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة : ١٨٧].

٣ ـ انتهاء الغاية المكانية :

نحو : ردّهم بعد الهجرة إلى القرى ، فالمجرور (القرى) المسبوق. بحرف الجر (إلى) دل على المكان الذى انتهوا إليه ردّه ، ومثل ذلك قوله : والرجوع إلى داره وحرمه ، وقوله تعالى : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء : ١].

٤ ـ أن تكون بمعنى (مع):

وتكون فيما إذا ضممت شيئا إلى شىء ، قال به الكوفيون وجماعة من البصريين ، ولكن تأول بعضهم ما ورد من ذلك على تضمين العامل (١) ، وذلك نحو : وقد يجمع أهلها غيرها إليها ، فالسابق غيرها والمجرور بحرف الجر (إلى) ، وهو ضمير الغائبة (الهاء) مصحوبان مع بعضهما بمدلول الحدث (يجمع).

__________________

(١) الجنى الدانى ٣٨٦ / مغنى اللبيب ١ ـ ٦٥.

٢٦٠