النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

والآخر : أن تغير العلامة الإعرابية لما كان مضافا إليه ، لأنه يصبح متأثرا إعرابيا بالصفة المشتقة من فاعلية ومفعولية ونيابة عن الفاعل. فتقول فى الأمثلة السابقة : الراكبان الفرس ماهران ، وأثنيت على الكاتبين الدرس ، واحترمت الفاهمين القضية ، فيكون كلّ من : (الفرس ، والدرس ، والقضية) مفعولا به منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة.

الثانى : أن يكون المضاف جمع مذكر سالما ، أى (يكون مما يعرب بالحروف) ، نحو : الراكبين ، الكاتبين ، الفاهمين.

فتقول : نزل الراكبو القطار ، (القطار) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جرّه الكسرة فى محلّ نصب ، مفعول به ، وجاز إضافته إلى ما هو معرف بالأداة ؛ لأن المضاف صفة مشتقة عاملة معربة بالحروف : (الراكبو ، وهو جمع مذكر سالم).

وتقول : قدرت الكاتبى الدرس ، وأثنيت على الفاهمى الفكرة ، فيكون كلّ من (الدرس والفكرة) مضافا إليه مجرورا ، وعلامة جرّه الكسرة ، وهو فى محلّ نصب ، مفعول به. وجاز إضافتهما إلى ما فيه الأداة لتوافر الشرطين السابقين.

يلحظ حذف النون من جمع المذكر السالم للإضافة ، فلو أنك أردت أن تجعله تركيبا شبيها بالإضافة لألحقت النون بلفظ جمع المذكر السالم ، وجعلته معربا بحركة تتلاءم مع موقعه الجديد بعد الفصل بين المضاف والمضاف إليه ، وكأنك جعلت الصفة تقوم مقام الفاعل ، فتقول : نزل الراكبون القطار ، وقدرت الكاتبين الدرس ، وأثنيت على الفاهمين القضية ، فيكون كلّ من (القطار والدرس والقضية) مفعولا به منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة.

ملحوظات أخرى فى جواز اجتماع الإضافة وأداة التعريف :

١ ـ المضاف إليه المعرفة بدون الأداة :

يجيز الفراء الجمع بين أداة التعريف والإضافة فيما إذا كان المضاف صفة والمضاف إليه معرفة بغير الألف واللام ، نحو : الضارب زيد ، فتقول : هذا الضارب

٣٠١

زيد ، ويجعل زيدا مجرورا بالإضافة إلى الصفة المشتقة (الضارب) ؛ لأن المضاف إليه علم ، وإن لم يكن معرفا بالأداة.

٢ ـ المضاف إليه العدد :

يجيز الكوفيون الجمع بين أداة التعريف فى المضاف فيما إذا كان عددا ، والمضاف إليه معدودا ، نحو : الثلاثة الأبواب. فيجوز أن تقول على مذهب الكوفيين : جاء الأربعة الطلاب ، بجر الطلاب على أنه مضاف إليه ، ووجه الجواز لديهم أنه عدد. وتقول : استمعت إلى الخمسة المناقشين ، وإلى الثلاث المناقشات ، يجر كل من (المناقشين والمناقشات) على الإضافة إلى المعرف بالأداة.

ومنه قول الأعشى :

الواهب المائة الهجان وعبدها

عوذا تزجى بينها أطفالها (١)

حيث أضاف (الهجان) إلى المعرف بالأداة (المائة) لأنه عدد.

٣ ـ المضاف إليه ضمير متصل :

يرى الرمانى والمبرد والزمخشرى جواز اجتماع أداة التعريف مع الإضافة فيما إذا كان المضاف صفة مشتقة ، والمضاف إليها ضمير متصل ، نحو : الضاربى ، الضاربك ، الضاربه ، وما يتفرع عن هذه الضمائر من أمثال : الضاربنا ، الضاربكما ، الضاربكم ، الضاربهما ، الضاربهم. فيكون الضمير فى موضع خفض عند هؤلاء.

أما سيبويه والأخفش فإنهما يذهبان إلى أن الضمير يكون فى موضع نصب على المفعولية ، فلا إضافة فى الضمير لعدم وجود اللام. وأجاز الفراء فيها الوجهين ؛ الخفض على الإضافة ، والنصب على المفعولية.

__________________

(١) ديوانه ١٥٢ / الكتاب ١ ـ ٨٢ / المقتضب ٤ ـ ١٦٣ / الأصول فى النحو ١ ـ ١٣٤ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ١٤٣ / شرح ابن عصفور على الجمل ١ ـ ٥٥٦ / شفاء العليل ٢ ـ ٦٣١ / الفوائد الضيائية ٢ ـ / ١٦. العوذ الناقة الحديثة النتاج ، تزجى تسوق.

٣٠٢

٤ ـ جر المضاف الممنوع من الصرف بالكسرة :

من أثر الإضافة أنها تجعل المضاف الممنوع من الصرف مجرورا بالكسرة ، بعد أن كان مجرورا بالفتحة نيابة عنها. ومن ذلك قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين : ٤] ، حيث (أحسن) ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل ، فيجر بالفتحة نيابة عن الكسرة ، لكن لأنه وقع مضافا فإنه يجرّ بالكسرة.

ملحوظة فى إعراب المضاف :

أنوه إلى أن المضاف (وهو الجزء الأول من الإضافة) له موقعه الإعرابىّ من الكلام ، وعلامته الإعرابية التى تتحدد بتحدد الموقع الإعرابى ، وبنية المضاف.

ثانيا : الأثر التركيبى فى المضاف إليه

للتركيب الإضافى أثر فى المضاف إليه ، فإذا وقعت الكلمة أو الجملة مضافا إليه فإنها تصبح مجرورة أو فى محلّ جر ، شأنها فى ذلك شأن المسبوق بحرف من حروف الجر ، وإن كان مما لا ينصرف كان ممنوعا من الصرف ، أى : يجرّ بالفتحة نيابة عن الكسرة.

مثال ذلك : ماء الكوب معقم ، (الكوب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

وتقول : يدخل عقلى شرح المعلمين ، (المعلمين) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم.

ولما دخلنا فى جوف صحراء ، (صحراء) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة.

وقوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩] جملة (ينفع الصادقين صدقهم) فى محل جرّ بالإضافة. وضمير الغائبين (هم) مبنى ، فى محل جر بالإضافة.

٣٠٣

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) [الأعراف : ١٧٥] ، (الذى) اسم موصول مبنى فى محل جرّ بالإضافة. وضمير المتكلمين (نا) مبنى ، فى محل جر بالإضافة.

العامل فى جر المضاف إليه :

يختلف النحاة فيما بينهم فى قضية العامل فى المضاف إليه وسبب جره ، وذهبوا فى ذلك إلى ثلاثة آراء :

الأول : العامل فى جرّ المضاف إليه إنما هو المضاف لدى سيبويه ومن تبعه.

فيقول سيبويه : «واعلم أن المضاف إليه ينجرّ بثلاثة أشياء ، بشىء ليس باسم ولا ظرف ، وبشىء يكون ظرفا ، وباسم لا يكون ظرفا» (١). وعلى ذلك نهج الزمخشرى ، وابن مالك ، وحكاه السيوطى والأزهرى (٢).

يردد السيوطى فى تعليل ذلك قوله : «وإن القياس لا يعمل من الأسماء إلا ما أشبه الفعل ، والفعل لا حظّ له فى عمل الجرّ ، ولكن العرب اختصرت حروف الجرّ فى مواضع ، وأضافت الأسماء بعضها إلى بعض ، فناب المضاف مناب حرف الجرّ ، فعمل عمله.

الثانى : ذهب الزجاج وابن الحاجب إلى أنه مجرور بالحرف المقدر ، حيث إن الاسم لا يختص.

الثالث : ذهب الأخفش إلى أنه مجرور معنويا بالإضافة.

الحروف المقدرة فى الإضافة :

اقتصر الزجاج على تقدير اللام فى الإضافة (٣) ، ولكن ابن كيسان والسيرافى يذهبان إلى أن الإضافة بمن ، ويستدلان على ذلك بظهورها (٤).

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٤١٩.

(٢) ينظر : المفصل ٨٢ / التسهيل ١٥٥ / همع الهوامع ٢ ـ ٤٩ / شرح التصريح ٢ ـ ٢٤.

(٣) شرح التصريح ٢ ـ ٢٥.

(٤) همع الهوامع ٢ ـ ٤٦.

٣٠٤

ولكن ابن مالك ذكر الحروف الثلاثة المقدرة فى الإضافة ، وهى : (اللام ، ومن ، وفى) ، ورتّبها بأن تذكر (فى) أولا إن حسن تقديرها ، و (من) إن حسن تقديرها مع صحة الإخبار عن الأول بالثانى ، واللام تحقيقا ، أو تقديرا فيما سوى ذينك (١). ومن النحاة من يقدر اللام أولا ويعدّها الأصل.

فالحروف المقدرة فى الإضافة ثلاثة ؛ هى :

(فى):

إذا كان المضاف إليه ظرفا للمضاف ، نحو : هذا الجنيه ضرب اليوم ، أو ضرب مصر ، أى : ضرب فى هذا اليوم أو فى مصر ، وكلّ من (اليوم ومصر) مضاف إلى مجرور ، وعلامة جره الكسرة فى الأول ، والفتحة نيابة عن الكسرة فى الثانى.

ومنه قولهم : يا سارق الليلة أهل الدار (٢).

والإضافة بمعنى (فى) قليل فى استعمالاتهم ، وردها أكثر النحاة إلى الإضافة بمعنى اللام (٣).

وقوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) [البقرة : ٢٢٦] ، أى : تربص فى أربعة ، وقوله تعالى : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) [البقرة : ١٩٦] ، أى : صيام فى ثلاثة.

قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] ، أى : بل مكر فى الليل والنهار.

(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف : ٣٩] ، أى : يا صاحبين فى السجن.

__________________

(١) التسهيل ١٥٥.

(٢) ينظر : الكتاب ١ ـ ١٧٥ / معانى القرآن للفراء ٢ ـ ٨٠ / الأصول فى النحو ١ ـ ١٩٥ / الكشاف ١ ـ ٧٥ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٥٤٨ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٤٥ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ٣٢٣ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ٣١٨.

(٣) ينظر : الرضى على الكافية ١ ـ ٢٧٤ / الفوائد الضيائية ٢ ـ ٧.

٣٠٥

(إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأحقاف : ٢١] ، أى : فى يوم ، والإضافة بمعنى (فى) قليل فى الكلام ، ولذلك فإنها تردّ إلى الإضافة بمعنى اللام.

(من):

تقدر (من) بين المضاف والمضاف إليه إذا كان المضاف بعض المضاف إليه ، وصالحا للإخبار عنه ، نحو : باب حديد ، أو خشب ، حيث الباب بعض الحديد ، أو بعض الخشب ، ويصحّ الإخبار به عنه ، فيصح القول مشيرا إلى الباب : هذا حديد ، ومشيرا إلى الحديد : هذا باب ، وتقول : الباب حديد ، والحديد باب.

من ذلك قوله تعالى : (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) [الإنسان : ٢١] ، أى : ثياب من سندس ، (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) [يوسف : ٤٢] ، أى : بضعا من سنين.

(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١) [الأنفال : ٧٥] ، والتقدير : كتاب من الله.

ومن ذلك إضافة أسماء الأعداد إلى المعدودات ، وإضافة المقادير إلى المعدودات ، كقوله تعالى : (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ) [البقرة : ٢٢٦] ، أى : أربعة من أشهر.

(فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) [البقرة : ١٩٦] ، والتقدير : ثلاثة من أيام ، ومثله أن تقول : اشتريت إردبّ قمح ، أى : إردبا من قمح.

__________________

(١) (الواو) بحسب ما قبلها. (أولو) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

(الأرحام) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (بعضهم) مبتدأ ثان مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (أولى) خبر المبتدإ الثانى مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، والجملة الاسمية فى محل رفع خبر المبتدإ (أولو). (ببعض) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بأولى. (فى كتاب) شبه جملة متعلقة بأولى ، ويجوز أن تكون خبرا لمبتدإ محذوف تقديره : هذا. (الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (إن) حرف توكيد ونصب ناسخ مبنى ، لا محل له من الإعراب. (الله) لفظ الجلالة اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (بكل) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بعليم. (شىء) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (عليم) خبر إن مرفوع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية المنسوخة ابتدائية لا محل لها من الإعراب.

٣٠٦

وأذكر بأن التمييز يتضمن حرف الجرّ (من) قبله. والإضافة بمعنى (من) أكثر منها بمعنى (فى) ؛ ولذلك فإن كثيرا من النحاة أبقوا عليها ، وغيرهم يردونها إلى الإضافة بمعنى اللام.

و (من) فى الإضافة تحمل معنيين : معنى الجنس ، كقولنا : قميص قطن ، وثوب خزّ ، ... ، ومعنى العددية ، كقولنا : أربعة جنيهات ، وخمس عشرة قاعة ، ...إلخ.

(اللام):

تقدر اللام بين المضاف والمضاف إليه اللذين لم يحسن تقدير (فى) أو (من) بينهما ، نحو : (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف : ٥٦] ، أى : أجرا للمحسنين ، فتقدر اللام حيث لا يكون المضاف إليه جنسا للمضاف ، ولا ظرفا له.

يذكر ابن مالك أنه إن حسن تقدير أحد الحرفين (فى ، ومن) مع اللام ؛ أو لم يحسن تقدير شىء من الحروف الثلاثة تعيّن تقدير اللام ، كقولك : يوم الخميس ؛ لأن اللام أصل فى الباب بدليل إقحامها بين المضاف والمضاف إليه ، فى نحو : يا بؤسى للحرب ؛ ولذلك يحكم بتقدير اللام مع صحة تقدير غيرها ، ومع امتناع تقديرها وتقدير غيرها (١).

وقد أدركنا أن بعض النحاة لا يقدر فى الإضافة إلا اللام وحدها ، والإضافة المعنوية بها تؤدى معنيين : إضافة ملك ، نحو : دار زيد ، وإضافة اختصاص ، نحو : سرج الدابة ، وكاتب زيد ، وهى تفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه فى المعنى الذى دلّ عليه لفظ المضاف ، فنقول : زيد كاتب القاضى ، يفيد اختصاص زيد بالقاضى من جهة الكتابة ، لا من جهة أخرى غيرها (٢).

ومن خصائص الإضافة باللام أن أحد المتضايفين فيها لا يعبّر به عن الآخر ، ولا يخبر به عنه ، فعند ما تقول : منزل محمود ، وحمار الفلاح ، لا يجوز أن تعبر

__________________

(١) شرح الكافية الشافية : ٢ ـ ٩٠٢ ، ٩٠٣.

(٢) ينظر : شرح القمولى على الكافية : ٢٥٩.

٣٠٧

بمحمود عن المنزل ، ولا بالفلاح عن حمار ، كما لا يجوز العكس ، فلا تقول : هذا منزل ، وأنت تشير إلى محمود ، ولا تقول : هذا محمود ، وأنت تشير إلى المنزل.

فالحروف المقدرة فى الإضافة هى : اللام مطلقا إلا إن كانت الظرفية دقيقة فتكون (فى) ، ثم (من) فى المواضع التى فيها معنى البعضية أو الجنس.

يلحظ ما يأتى :

أولا : فى الإضافة التى لبيان النوع أو الجنس :

إذا كانت الإضافة بمعنى (من) ـ وهى التى تكون لبيان النوع أو الجنس ـ فإنه يجوز فيها ثلاثة أوجه تركيبية ذات ستة أوجه إعرابية :

أ ـ اعتبار الإضافة : وذلك بامتناع التنوين فى الأول ، فيكون الثانى مجرورا بالإضافة ، نحو : ثوب خزّ ، وقميص قطن ، وخاتم فضة ، وباب صاج ، وسور حجر.

ب ـ تقدير الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالتنوين ؛ وذلك بتنوين المضاف ، فيكون المضاف إليه :

ـ إما تابعا للأول تبعية نعت أو بدل ، والأول أكثر شيوعا ، وذلك نحو : ثوب خزّ ، وقميص قطن ، وخاتم فضة ، وباب صاج ، وسور حجر.

ـ وإما منصوبا على التمييز أو الحالية ، نحو : ثوب خزا ، وقميص قطنا ، وخاتم فضة ، وباب صاجا ، وسور حجرا.

ج ـ أن تقدر الفصل بين المضاف والمضاف إليه بإظهار حرف الجر (من) ، فتنون الأول ، وتجرّ الثانى ، فتقول : ثوب من خزّ ، وقميص من قطن ، وخاتم من فضة ، وباب من صاج ، وسور من حجر.

ثانيا : الإضافة بمعنى اللام أو (فى) :

إذا كانت الإضافة بمعنى (اللام) أو بمعنى (فى) فإنه يجوز أن تظهر الحرف ، وتنون الجزء الأول من الإضافة ، فتقول فى القول : أكرمت ابن محمود ، أكرمت ابنا لمحمود ، وفى القول : حديث الليل عذب ، حديث فى الليل عذب.

٣٠٨

نوعا الإضافة

الإضافة نوعان ، يتحددان بما يأتى :

أ ـ مبنى المضاف ؛ من جهة الخلاف بين الصفة المشتقة وغيرها.

ب ـ أن تكون الصفة المشتقة عاملة فيما أضيفت إليه أو غير عاملة.

حيث تكون إضافة الصفة المشتقة العاملة إلى معمولها للتخفيف اللفظى ، لكن غير ذلك يضاف لأداء معنوى ، ومن هذا الفرق جعلوا الإضافة نوعين :

أولهما : الإضافة المحضة ، أو المعنوية ، أو الحقيقية ، وهى :

أ ـ لا تكون على نية الانفصال بين جزأيها ، فهى إضافة خالصة ، أو : محضة.

ب ـ يكتسب فيها المضاف من المضاف إليه معنى طبقا لمبناه وللعلاقة المعنوية بينهما ، فهى إضافة معنوية.

ج ـ وبذلك فإنها تفيد الغرض الذى وضعت له الإضافة فى التركيب ، فهى إضافة حقيقية.

د ـ المضاف فيها لا يكون صفة مشتقة عاملة فى المضاف إليه.

ويمكن أن نتلمسها فى ثلاث صور ، (١) أو تراكيب :

أ ـ ألا يكون المضاف صفة ، ولا المضاف إليه معمولا لها ، مثل : كتاب على ، باب الغرفة ، أخلاق محمود.

ب ـ أن يكون المضاف صفة مشتقة والمضاف إليه ليس معمولا لها ، وذلك قولك : كاتب البلدة ، مأذون القرية ، مصارع مصر ، كاتب السلطان ، مؤذن المسجد ، وجيه قومه ، كريم العصر. فإن كان الجزء الأول صفة مشتقة فإنها غير عاملة فيما بعدها ، لأنه لا يقال : يكتب البلدة ، ولا يؤذن القرية ، ولا يصارع مصر.

__________________

(١) ينظر : شرح اللمحة البدرية ٢ ـ ٢٦٩.

٣٠٩

ج ـ أن يكون المضاف غير صفة مشتقة ، ولكن المضاف إليه معمول له ، نحو :

ضرب الأمير ، أكل الخبز ، لعب الكرة ، مذاكرة الدرس ، حفظ النصّ ، حيث المضاف مصدر.

ثانيهما : الإضافة غير المحضة ، أو اللفظية ، أو غير الحقيقية ، أى : المجازية ، وهى :

أ ـ يكون المضاف فيها صفة مشتقة عاملة فى المضاف إليه ، نحو : كاتب الدرس ، مفهوم المعنى ، كريم اليد.

ب ـ لا يراد بها غرض معنوى ، وإنما تكون لتخفيف لفظىّ ، حيث هدفها التخفيف من نطق التنوين ، فهى إضافة لفظية.

ج ـ تكون على نية الانفصال بين جزأيها ، حيث لا يراد بها نسبة حقيقية ، فهى غير محضة ، أو غير حقيقية.

د ـ وبذلك فإنها إضافة وضعت لغير الغرض الأصلىّ من الإضافة ، فهى مجازية غير حقيقية.

ملحوظة :

يذكر ابن مالك نوعا ثالثا من الإضافة جعله إضافة مشبهة بالمحضة ، وجعل منها (١) :

أ ـ إضافة الموصوف إلى الصفة ، كما فى القول : حبة البقلة ، ومسجد الجامع ، وصلاة الأولى ، ودار الآخرة.

ب ـ إضافة الصفة إلى الموصوف ، كما فى : سحق عمامة ، وجرد قطيفة ، وكرام الناس.

ج ـ إضافة المسمى إلى الاسم ، كما فى : شهر رمضان ، سعيد كرز ، ويوم الجمعة.

د ـ إضافة الموصوف إلى القائم مقام الصفة ، كما فى قول رجل من طيئ :

__________________

(١) ينظر : التسهيل : ١٥٦ / المساعد على تسهيل الفوائد : ٢ ـ ٣٣٣ / الصّبان على الأشمونى : ٢ ـ ٢٤٥.

٣١٠

علا زيدنا يوم النّقى رأس زيدكم

بأبيض ماضى الشفرتين يمانى

أى : علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم ، فأضاف الموصوف (زيد) إلى القائم مقام الصفة ، وهو الضمير فى الموضعين ؛ حيث حذفت الصفة وهى (صاحب) فيهما ، ومنه قول الشاعر :

فإن قريش الحقّ لم تتبع الهوى

ولن يقبلوا فى الله لومة لائم

أى : قريشا أصحاب الحق.

ه ـ إضافة الشىء إلى نفسه أو ما يؤكده ، كما فى : يومئذ ، وحينئذ ، ... وقول الشاعر : (أبو الجراح ، أو أبو الغمر الكلابى ، أو عبد الرحمن بن حسان) :

فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه

سيرضيكما منها سنام وغاربه (١)

النجا : هو الجلد ، فكأنه قال : جلد الجلد ، فأضاف المؤكد إلى ما يؤكده.

و ـ إضافة الملغى إلى المعتبر ، كما فى قول لبيد :

إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

حيث أضيف (السّلام) إلى الملغى ، (اسم) ، والقول : ثم السّلام.

ز ـ إضافة المعتبر إلى الملغى كما فى قول بعض الطائيين :

أقام ببغداد العراق وشوقه

لأهل دمشق الشام شوق مبرّح

حيث أضاف المعتبر (بغداد) إلى الملغى العراق ، ومثله فى : دمشق الشام.

والنحاة يختلفون فيما بينهم فى كون كلّ نوع من الإضافات السابقة إضافة محضة ، أو غير محضة.

__________________

(١) شرح التسهيل ٣ ـ ٢٣٣ / المساعد ٢ ـ ٣٣٤ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٤٣.

نزل عند الشاعر ضيفان ، فنحر لهما ناقة ، فقالا : إنها مهزولة ، فقال هذا معتذرا لهما ، أى : انجوا عن الناقة ، من نجوت جلد البعير عنه ، إذا سلخته. الغارب : أعلى الظهر.

٣١١

النوع الأول (الإضافة المعنوية)

الأثر المعنوى للتركيب الإضافى :

النوع الأول للإضافة هو الإضافة المعنوية ، أو ما تسمى بالإضافة المحضة ، أو الحقيقية ، وهى التى تفيد معنى يكتسبه المضاف من المضاف إليه. وهى إضافة محضة ؛ لأنها خالصة من تقدير الانفصال ، حيث لا ينوى معها ، وهذا النوع من التركيب الإضافى يستخدم فى اللغة العربية لأداء معان تتنوع بنوع بنية المضاف إليه ، وما يفهم من السياق ، أو العلاقة المعنوية بين جزأى الإضافة ، هذه المعانى تنحصر فيما يأتى (١) :

أ ـ التعريف :

إذا كان المضاف إليه معرفة ، نحو : إجابة محمد متقنة ، وأنبه إلى أنه يكون من أنواع المعارف ما أضيف إلى أحدها.

ب ـ التخصيص :

يكتسب المضاف من المضاف إليه معنى التخصيص إذا كانا فى التركيب الإضافى مبهمين ، أو منكرين ، وهذا يكون من طريقين :

الطريق الأول : إضافة الاسم النكرة إلى النكرة ، نحو : غلام رجل ، وكتاب طالب ، وباب حجرة.

الطريق الثانى : الإبهام : أى : الإضافة الحادثة في الأسماء المتوغلة فى الإبهام ، أو شديدة الإبهام ، وهذه الأسماء تنقسم إلى قسمين :

أولهما : ما يكون إبهامه نتيجة للتركيب : وهذه الأسماء لا تحدّ ولا تحصر ؛ لأن الأسماء كلّها قابلة لأن تكون فى هذا التركيب الذى يستلزم تنكير الأسماء التى توجد فيه فى موقع ما ، عدا الأسماء غير القابلة للإبهام ، نحو ألفاظ الجلالة ...

ومن هذه التراكيب :

__________________

(١) ينظر : شرح ابن عقيل وحاشية الخضرى ٢ ـ ٣ / مغنى اللبيب وحاشية الأمير ٢ ـ ١٠٣ / شرح التصريح وحاشية العليمى : ٢ ـ ٢٦.

٣١٢

١ ـ الاسم الواقع بعد (ربّ) ، وما يعطف عليه ؛ لأن (رب) لا يقع بعدها إلا النكرات ، والمعطوف عليها يكون نكرة ، فإن أضيف إلى المعرفة فإنه لا يتعرف ، وإنما يتخصص ، كالاسم المضاف إلى النكرة ، ومنه أن تقول : ربّ رجل صالح وأخيه ... (أخ) مضاف إلى المعرفة ضمير الغائب ، لكنه لا يكتسب منه التعريف وإنما التخصيص ، لعطفه على الاسم الواقع بعد (رب).

٢ ـ المعطوف على مجرور (كم) الخبرية ، حيث لا تجر (كم) إلا النكرة ، فالمعطوف عليه إن أضيف إلى المعرفة لا يكون معرّفا ، بل يختصّ ، كالمعطوف ؛ لأنه فى مقام مجرور (كم) الخبرية نحو قولهم : كم ناقة وفصيلها ، وقولك : كم مشاهد وأسرته حضروا الحفل.

٣ ـ الحال : لأن الحال يجب أن تكون نكرة ، وما جاء منها معرفة فإنه يؤول بالنكرة ، ولذلك فإن إضافة الحال إلى المعرفة لا تعرفها ، وإنما تخصصها ، نحو :

جاء وحده. أرسلها العراك. ادخلوا الأول فالأول.

٤ ـ اسم (لا) النافية للجنس المنصوب : حيث لا تعمل (لا) النافية فى المعارف ، وإنما يكون عملها فى النكرات ، فإذا كان اسمها منصوبا ومضافا إلى معرفة ؛ فإنه لا يكتسب التعريف بالإضافة ، وإنما يكتسب التخصيص كالمضاف إلى النكرة ، ومنه قول الشاعر :

أبا لموت الذى لا بدّ أنى

ملاق لا أباك تخوّفينى (١)

حيث أضيف اسم (لا) النافية للجنس (أبا) إلى ضمير المخاطب ، لكنه لم يكتسب التعريف ؛ لأن اسم (لا) النافية للجنس يكون عاما. والتعبير (لا أباك) دعائىّ ، فهو يعنى : لا أبا لك موجود ، فاتخذ معنى العام.

والآخر : ما يكون إبهامه نتيجة لمعناه : الأسماء المتوغلة فى الإبهام نتيجة طبيعة معناها لا تتعرف بإضافتها إلى المعارف ، وإنما تتخصص فقط ، ومن هذه الأسماء : مثل ، وغير ، مرادا بهما مطلق المماثلة والمغايرة لا كمالهما ، نحو : أعجبت برجل

__________________

(١) شرح التصريح : ٢ ـ ٢٦.

٣١٣

مثلك ، وأحضرت عاملا غيرك ، وأنت ترى أنه يوصف بهما النكرة (رجل ، وعامل) ، وقد أضيفا إلى المعرفة (ضمير المخاطب) ، ولا تكون الصفة أعلى فى مرتبة التعريف من الموصوف ، ولذلك يحكم عليهما بالتنكير ، فلا يتعرفان ، وإنما يختصان.

ومثلهما : شبهك ، وخدنك ، وتربك ، وضربك ، وشرعك ، ونحوك ، وندّك ، وحسبك ، ومنها : قيد الأوابد (مقيد) ، وعبر الهواجر ، وواحد أمه (وحيدها) ، وعبد بطنه.

وينقل عن أبى البقاء أنه إذا أريد بـ (غير) المغايرة من كلّ وجه تعرفت بالإضافة ، كقولك : الحركة غير السكون (١).

ومن النحاة من يجعل هذه من قبيل الإضافة اللفظية ، ويؤولونها باسم الفاعل المراد به الحال أو الاستقبال.

ومما يكون إبهامه ناتجا من طبيعة معناه ما يذكر في القسم المختص بالملازم للإضافة من الظروف المبهمة غير المحدودة ، وهى ما تسمى بالغايات ، من مثل : قبل ، وبعد ، وأمام ، وقدام ، وخلف ، ... وما يمكن أن يعبر به عن الجهات الست ، وكذلك ما يلحق بها من الأسماء المبهمة من نحو : عل ، وأول ، وكذلك كل الأسماء الملازمة للإضافة سواء أكانت مضافة إلى جملة أم إلى مفرد مما يذكر فى هذا القسم من الملازم للإضافة.

ج ـ التذكير :

قد يكتسب المضاف المؤنث من المضاف إليه المذكر معنى التذكير ، إذا كان المضاف صالحا للحذف ، وصحّ الاستغناء عنه بالمضاف إليه ، ومنه قول الشاعر :

إنارة العقل مكسوف بطوع هوى

وعقل عاصى الهوى يزداد تنويرا (٢)

__________________

(١) ينظر : شرح التصريح : ٢ ـ ٢٧.

(٢) (إنارة) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (العقل) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(مكسوف) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (بطوع) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة

٣١٤

حيث ، المبتدأ (إنارة) مؤنث ، وقد أضيف إلى المذكر (العقل) ، فاكتسب منه معنى التذكير ، ولذا أخبر عنه بالخبر المذكر (مكسوف) ، ويمكن أن يكون منه قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦](١). ونقل عن الفراء أنه إذا كان القرب فى النسب كان التأنيث واجبا ، نحو : هذه قريبة فلان.

وشرطه أن يصحّ الاستغناء بالمضاف إليه عن المضاف ؛ ولذا يمتنع اكتساب التذكير للمضاف فى القول : هذه كراسة محمد ، ولا فى : قامت ابنة علىّ ، حيث لا يجوز الاستغناء بالمضاف إليه (محمد ، وعلى) عن المضاف (كراسة ، ابنة).

د ـ التأنيث :

قد يكتسب المضاف المذكر من المضاف إليه المؤنث معنى تأنيثه إذا صحّ الاستغناء عنه به ، وكان المضاف بعض المضاف إليه ، أى : إذا كان المضاف صالحا للحذف ، وصح الاستغناء عنه بالمضاف إليه ، نحو : قطعت بعض أصابعه ، حيث ألحق بالفعل تاء التأنيث ، ونائب الفاعل (بعض) مذكر ، لكنه اكتسب التأنيث من إضافته إلى مؤنث (أصابع) ، وصح الاستغناء به عنه ، فيجوز القول : قطعت أصابعه ، ولذلك فإنك ترى أن المضاف بعض المضاف إليه.

ومنه قوله ـ تعالى ـ بقراءة الحسن البصرى ومجاهد وقتادة ـ : (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) [يوسف : ١٠]. والتأنيث والتذكير جانبان معنويّان ، فإذا اختلف فيهما ركنا التركيب الإضافىّ وصحّ وضع أحدهما موضع الآخر صحّ اكتساب هذين المعنيين.

ومن اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه قول الأغلب العجلى ، كما ينسب إلى العجاج :

__________________

بمكسوف. (هوى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة. (وعقل) الواو حرف ابتداء مبنى ، لا محل له من الإعراب ، عقل : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (عاصى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة. (الهوى) مضاف إلى عاصى مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة. (يزداد) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (تنويرا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(١) ينظر : شرح ابن الناظم ٣٨٨ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٤٨ ، ٢٤٩.

٣١٥

طول الليالى أسرعت فى نقضى

نقضن كلّى ونقضن بعضى (١)

حيث أخبر الشاعر بما ألحق به علامة التأنيث (أسرعت) عن المبتدإ المذكر (طول) ، وهذا جائز لأن المبتدأ أضيف إلى ما هو مؤنث ، كما أنه يصحّ الاستغناء به عنه ، فيجوز القول : الليالى أسرعت ، كما أن المضاف بعض المضاف إليه بعضا معنويّا. ومنه قول الشاعر :

إذا بعض السّنين تعرّفتنا

كفى الأيتام فقد أبى اليتيم (٢)

حيث أخبر عن المذكر (بعض) بالجملة الفعلية (تعرفت) ، والفعل ملحق به ما يدلّ على التأنيث.

وقول ذى الرمة :

مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرياح النواسم (٣)

الفاعل (مر) ألحق بفعله تاء التأنيث (تسفهت) ؛ لأنه اكتسب التأنيث مما أضيف إليه (الرياح).

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٥٣ / المقتضب ٤ ـ ١٩٩ / مغنى اللبيب ٢ ـ ١٠٤ / الصبان على الأشمونى : ٢ ـ ٢٤٨ / شرح التصريح : ٢ ـ ٣١.

(طول) مبتدأ مرفوع خبره الجملة الفعلية أسرعت. (نقضن) فعل ماض مبنى على السكون ، وفاعله نون النسوة ، والجملة الفعلية فى محل نصب. (كلى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. (نقضن بعضى) جملة فعلية فى محل نصب بالعطف على سابقتها.

(٢) الدر المصون : ٤ ـ ١٥٨ / روح المعانى : ١٢ ـ ١٩٢.

(٣) ينظر : ديوانه ٦١٦ / الكتاب ١ ـ ٢٥ ، ٣٢ / المقتضب ٤ ـ ١٩٧ / الخصائص ٢ ـ ٤١٧ / شرح ابن الناظم : ٣٨٦

تسفهت : أمالت / النواسم : جمع ناسمة وهى الرياح اللينة / رماح : أراد بها الأغصان ، يصف النساء فى مشيتهن بالأغصان التى أمالتها الرياح اللينة فى أول هبوبها. (مشين) فعل ماض مبنى على السكون ، ونون النسوة ضمير مبنى فى محل رفع فاعل. (كما اهتزت رماح) حرف جر ، واسم موصول فى محل جر ، وجملة صلته ، وشبه الجملة (كما) فى محل نصب صفة لمفعول مطلق محذوف ، أو فى محل نصب حال. (تسفهت أعاليها مر) فعل ماض ، وتاء التأنيث ، ومفعول به ، ومضاف إليه ، وفاعل ، والجملة فى محل رفع نعت لرماح. (الرياح) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، (النواسم) نعت للرياح مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٣١٦

وقول جميل بثينة :

وما حبّ الديار شغفن قلبى

ولكن حبّ من سكن الديارا (١)

(حب) مبتدأ ، وهو مذكر أخبر عنه بالخبر الجملة (شغفن) ، وهى تدلّ على جمع المؤنث ، وجاز ذلك لأن المبتدأ المذكر أضيف إلى المؤنث الذى جاز الاستغناء به عنه ، كما أنه سبب منه ، ففيه بعضية معنوية.

ومنه قول الأعشى يصف رجلا بإفشاء السوء :

وتشرق بالقول الذى قد أذعته

كما شرقت صدر القناة بالدم (٢)

وفيه الفعل (شرقت) لحقت به تاء التأنيث ، وهو مسند إلى المذكر (صدر) وجاز هذا لأن الفاعل (صدر) أضيف إلى المؤنث (القناة) ؛ فاكتسب منه تأنيثه ، حيث جاز الاستغناء به عنه ، وهو بعضه.

ومنه قول الفرزدق يذم قوم الأخطل :

أتى الفواحش عندهم معروفة

ولديهم ترك الجميل جمال (٣)

__________________

(١) ينظر : مغنى اللبيب ٢ ـ ١٠٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٣١.

(ما) حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. (حب) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الديار) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (شغفن) فعل ماض مبنى على السكون ، ونون النسوة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل رفع خبر المبتدإ. (قلبى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. (ولكن) الواو : استئنافية حرف مبنى ، لا محل له. لكن : حرف استدراك مبنى ، لا محل له من الإعراب. (حب) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (من) اسم موصول مبنى فى محل جر بالإضافة ، وخبره محذوف دل عليه ما سبق. والتقدير : حب من سكن .. شغفن قلبى. (سكن) فعل ماض مبنى على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. (الديارا) مفعول به منصوب على التوسع ، والألف للإطلاق ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب.

(٢) ينظر : الكتاب ١ ـ ٢٤ ، ٢٥ / المقتضب ٤ ـ ١٩٧ / مغنى اللبيب ٢ ـ ١٠٤ / شرح الفيه ابن معطى ١ ـ ٧٤٠ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٤٨ / شرح التصريح ٢ ـ ٣١ / همع الهوامع ٢ ـ ٤٩.

(٣) ينظر شرح ابن الناظم ٣٨٧ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٤٨.

(أتى) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الفواحش) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ،

٣١٧

حيث أخبر عن المبتدإ المذكر (أتى) بالخبر المؤنث (معروفة) لاكتساب المبتدإ التأنيث من المضاف إليه (الفواحش).

وزاد الدمامينى كون المضاف كلّ المضاف إليه ، فى نحو قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) [آل عمران : ٣٠] ، وفيه سبق الفعل (تجد) ما يدلّ على التأنيث ، وهو مسند إلى المذكر (كل) ، ولكن الفاعل أضيف إلى ما هو مؤنث (نفس) ، فاكتسب منه تأنيثه ، حيث صح الستغناء به عنه ، كما أنه كلّ له.

ه ـ الجمع :

قد يكتسب المضاف من المضاف إليه معنى الجمع ، كما هو فى قول جميل السابق (حب الديار شغفن) ، حيث أخبر عن المبتدإ المفرد (حب) بما فيه معنى الجمع (شغفن) ، اكتسب معنى الجمع مما أضيف إليه وهو (الديار) ، وقد توافر شرط صحة الاستغناء به عنه.

و ـ الظرفية :

قد يكتسب المضاف من المضاف إليه معنى الظرفية ، كما هو فى قوله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) [إبراهيم : ٢٥] ، وفيه (كل) منصوبة على الظرفية لأنها اكتسبته مما أضيفت إليه ، وهو (حين) لأنه زمان ، ولتلحظ صحة الاستغناء بالمضاف إليه عن المضاف.

ز ـ المصدرية :

قد يكتسب المضاف من المضاف إليه معنى المصدرية ، كما هو فى قوله تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧]. حيث (أى) منصوبة على المصدرية ، واكتسبت معنى المصدرية مما أضيفت إليه ، وهو المصدر (منقلب) ، وتلحظ صحة الاستغناء بالمضاف إليه عن المضاف.

__________________

(عندهم) ظرف ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالمعرفة. (معروفة) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (ولديهم) عاطف وظرف مبنى ، ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالجمال ، أو فى محل نصب ، حال منه. (ترك الجميل جميل) مبتدأ ، ومضاف إليه ، وخبر

٣١٨

ح ـ وجوب التصدير :

قد يكتسب المضاف من المضاف إليه فكرة وجوب التصدير فى الجملة ، يتضح هذا المعنى أو التركيب فى الاستفهام والشرط ، وهما واجبا التصدير ؛ فإذا أضيف إلى اسم الاستفهام أو اسم الشرط اسم آخر فإنه يكتسب وجوب التصدير منه ، كما أنه يعرب إعرابه ، نحو : غلام من عندك؟ صبيحة أى يوم سفرك؟ ابن أيهم أكرمت؟ وأنت ترى أن جملة الاستفهام قد صدّرت بالأسماء (غلام ، وصبيحة ، وابن) ؛ لأنها اكتسبت حقّ الصدارة مما أضيفت إليه من أسماء الاستفهام.

ط ـ الاستفهام :

من الجانب السابق نجد أن المضاف قد يكتسب من المضاف إليه معنى الاستفهام ، ويتضح ذلك من خلال التركيب الذى يضاف فيه ؛ فيكون مضافا إلى اسم استفهام بالضرورة ، نحو : درس أىّ مادّة كتبته؟ أخو من يزورك اليوم؟

ى ـ الشرط :

كما سبق ، يمكن أن ندرك أن المضاف قد يكتسب من المضاف إليه معنى الشرط. ذلك إذا أضيف إلى اسم شرط ، نحو : غلام من يأتك فأكرمه.

ك ـ الإعراب :

يكتسب المضاف المبنىّ حقّ صفة الإعراب بإضافته ، ذلك فى نحو : هذه خمسة عشرك ؛ فيمن أعربه ، حيث اكتسب العدد المركب المبنى (خمسة عشر) صفة الإعراب من الإضافة.

ل ـ البناء :

قد يكتسب المضاف من المضاف إليه البناء فى ثلاثة تراكيب :

أولها : أن يكون المضاف مبهما ، من مثل : غير ، ومثل ، ودون ... ومنه قوله تعالى : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) [سبأ : ٥٤] ، عند من أعرب (بين) نائب فاعل بفتح (بين) ؛ فيكون مبنيا على الفتح فى محل رفع ، ولم يرفع وبنى لاكتسابه

٣١٩

البناء مما أضيف إليه من الضمير المبنى. ويرد بعضهم ذلك بأن نائب الفاعل هو ضمير المصدر من الحول ، والتقدير : وحيل هو ، أى : الحول.

ومنه قوله تعالى : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن : ١١] ، بفتح (دون). حيث بنى المبتدأ (دون) على الفتح ، وحقه الرفع ، لكنه بنى لاكتسابه البناء مما أضيف إليه من مبنىّ ، وهو اسم الإشارة ، وأجيب عن ذلك بأن المبتدأ موصوف محذوف ، تقديره : قوم ، والتقدير على ذلك : ومنا قوم دون ذلك.

ومنه (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] ؛ فيمن فتح (بين) ، وأعربه فاعلا ؛ فيكون مبنيا على الفتح فى محلّ رفع ، وقد اكتسب البناء مما أضيف إليه من ضمير المخاطبين.

وفى المواضع السابقة قراءة الرفع على الإعراب ؛ فمثل هذه الأسماء المبهمة يجوز فيها الإعراب والبناء ، لكن يرجح البناء إذا أضيفت إلى مبنىّ ، ويرجح الإعراب عند إضافتها إلى معرب.

ومن اكتساب المضاف من المضاف إليه البناء قوله تعالى كذلك : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : ٢٣]. بفتح (مثل) ، وهى نعت لخبر (إن) المرفوع (حق) ؛ فتكون (مثل) نعتا مبنيا على الفتح فى محل رفع. لاكتسابها البناء مما أضيفت إليه من مبنى ، أى : غير متمكن. وفيها قراءة الرفع على الإعراب.

ومنه قول الشاعر :

فتداعى منخراه بدم

مثل ما أثمر حمّاض الجبل (١)

حيث (مثل) نعت للمجرور (دم) ، ولكنه فتح على البناء لأنه مبهم مضاف إلى مبنى. ومنه قول قيس بن الأسلت :

لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت

حمامة فى غصون ذات أو قال (٢)

__________________

(١) ينظر : شرح المفصل لابن يعيش ٨ ـ ١٣٥ / الدر المصون ٣ ـ ١٢٧.

(٢) ينظر : معانى الفراء ١ ـ ٢٨٣ / الهمع ١ ـ ٢١٩ / خزانة الأدب ٣ ـ ٤٠٦ / الدر المصون ٣ ـ ١٢٧.

٣٢٠