النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

ـ ذهب بعض النحاة ـ وعلى رأسهم المبرد ـ إلى أن فتحة الأول فتحة إعراب ، حيث أضيف المنادى الأول إلى ما بعد الاسم الثانى ، ثم أقحم الاسم الثانى بين المضاف والمضاف إليه.

ـ وذهب آخرون إلى أن فتحة الأول فتحة إعراب ، على أن الاسمين مضافان ، وقد حذف المضاف إليه من الثانى ، أما المذكور فهو المضاف إلى الأول ، والتقدير : يا تيم عدى تيم عدى ، ثم حذف المضاف إليه من الثانى ، فتقدم على المضاف إلى الأول ليصحّ الكلام.

ـ وذهب آخرون ـ وعلى رأسهم المبرد (١) ـ المذهب السابق ؛ فى أنهما مضافان ، لكنهم يجعلون المحذوف هو المضاف إلى الأول لدلالة الثانى عليه.

ويفتح الثانى فى هذين الوجهين فتحه فى الأوجه الخمسة السابقة.

ـ ذهب آخرون إلى أن فتحة الأول فتحة بناء على أنه منادى مفرد ، أى : غير مضاف ، ولا شبيه بالمضاف ، فيكون مبنيا على الضم ، والثانى منادى منصوب ؛ لأنه مضاف ، ففتح الأول فتحة إتباع للثانى.

ـ وذهب آخرون إلى أن الأول والثانى مركبان تركيب خمسة عشر ، ففتحة الأول فتحة بناء للتركيب.

ومثل ما سبق قول الشاعر :

يا زيد زيد اليعملات الذّبّل

تطاول الليل عليك فانزل (٢)

المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

أولا : المنادى الصحيح الآخر المضاف إلى ياء المتكلم

قد يكون المنادى مضافا إلى ضمير المتكلم (الياء) ، وهو صحيح الآخر ، وحينئذ إما أن تكون إضافته غير محضة ، وإما أن تكون محضة :

__________________

(١) المقتضب ٤ ـ ٢٢٧.

(٢) المقتضب ٤ ـ ٢٣٠ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ١٠ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ١٤٦ / المساعد ٢ ـ ٥١٩. اليعملات : الإبل القوية على العمل الذبل : الضامرة من طول السفر.

٦١

فإذا كان إضافته غير محضة بأن يكون صفة مشتقة عاملة فيما بعدها مفيدة الحال أو الاستقبال فإنه :

ـ يجب أن تثبت ياؤه ؛ لأنها فى حكم المنفصل ، فلا يجب حذفها.

ـ يجوز أن تنطق مفتوحة أو ساكنة.

فتقول : يا مكافئى أثابك الله ، بإسكان الياء وبفتحها. وتقول كذلك : يا مهينى سامحك الله. يا عاذلى لا تلمنى.

فإذا كان المنادى صحيح الآخر ، وإضافته محضة حقيقية فإنه قد سمع فيه ستّ لغات :

أولاها : إثبات الياء مفتوحة : فتقول : يا صديقى ، يا غلامى ، وهذا هو الأصل ؛ لأن ياء المتكلم ضمير مناظر لكاف المخاطب ، والكاف مفتوحة ، فكذلك تكون ياء المتكلم مفتوحة.

وتلحقها هاء السكت عند الوقف ، فتقول : يا صديقيه ، يا غلاميه.

الثانية : إثبات الياء ساكنة : فتقول : يا صديقى ، يا غلامى ، وإسكان الياء للتخفيف.

الثالثة : حذف الياء مع كسر ما قبلها ، فتقول : يا صديق ، يا غلام ، والحذف فى هذه اللغة للتخفيف. وهذا كثير فى القرآن الكريم.

الرابعة : قلب الياء ألفا : والألف تستوجب فتحة سابقة عليها ، لأن الفتحة منشأ الألف ، وبذلك تقلب الكسرة التى تسبق الياء فتحة ، فتقول : يا صديقا ، يا غلاما ، ويكون هذا القلب للخفة ؛ لأن نطق الألف أخفّ من نطق الياء.

ومنه قوله تعالى : (قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) [هود : ٧٢](١) ، حيث الألف فى (ويلتى) بدل من ياء المتكلم.

__________________

(١) ينظر : معانى القرآن وإعرابه ، للزجاج ٣ ـ ٦٣. ـ (أَأَلِدُ) الهمزة حرف استفهام مبنى لا محل له من الإعراب. ألد : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا. (وَأَنَا) الواو : للابتداء أو للحال. أنا : ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (عَجُوزٌ) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال.

٦٢

وقوله تعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [الزمر : ٥٦]. وتلحقها هاء السكت عند الوقف ، فتقول : يا صديقاه يا غلاماه.

الخامسة : حذف الياء ، وفتح ما قبلها : وذلك بأن قلبت الياء إلى ألف ، فقلبت الكسرة التى تسبق الياء إلى فتحة ، وحذفت الألف ، وبقى المنادى على نطقه بالفتحة بعد القلب ، فتقول : يا صديق. يا غلام.

السادسة : حذف الياء ، وضم ما قبلها مع إرادة الإضافة : فتقول : يا صديق ، يا غلام ، وهذه لغة ضعيفة ، وذلك لالتباسها بالمنادى النكرة المقصودة.

ويذكر أن ذلك يكون فيما يكثر فيه ألا ينادى إلا مضافا ، من نحو : الأم ، والأب ، والرب ، والغلام ... إلخ.

ومنه قراءة قوله تعالى : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف : ٣٣](١) بضم الباء بدون ياء فى (رَبِّ ،) مع ملاحظة حذف حرف النداء. أى : يا ربى ، فحذفت ياء المتكلم ، وبنى المنادى.

ـ إن كان المنادى المضاف إلى ياء المتكلم الأب والأمّ فإنه يكون فيه اللغات الست السابقة مع إضافة أربع لغات أخرى.

__________________

(١) (قالَ) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله مستتر تقديره : هو. (رَبِ) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها الكسرة المناسبة لضمير المتكلم ، وهو مضاف ، وضمير المخاطب المحذوف الدال عليه الكسرة فى محل جر بالإضافة. (السِّجْنُ) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (أَحَبُ) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (إِلَيَ) جار ومجرور مبنى فى محل جر. وشبه الجملة متعلقة بأحب. (يَدْعُونَنِي) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (إِلَيْهِ) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالدعاء.

٦٣

أما اللغات الستّ فهى قولك : يا أبى ويا أمى (بفتح الياء) ، يا أبى ويا أمى (بإسكان الياء) ، يا أب ويا أمّ (بحذف الياء) ، ويا أبا ويا أمّا (بقلب الياء إلى ألف ، وقلب الكسرة إلى فتحة) ، يا أب ويا أمّ (بفتح الباء والميم مع حذف الياء). يا أب ويا أمّ (بضمّ الباء والميم مع حذف الياء).

أما اللغات الأربع فهى :

ـ إبدال الياء تاء مع فتحها ، فتقول : يا أبت ، يا أمّت. وكأن التاء عوض من ياء المتكلم ، وهو أقيس.

ـ إبدالها تاء مع زيادة ألف بعدها ، فتقول : يا أبتا ، يا أمتا ، وليست الألف بدلا من الياء ، لأن التاء بدل منها ، فلا يجمع بينهما.

ـ إبدالها تاء مع كسرها ، فتقول : يا أبت ، يا أمت ، وهو أكثر شيوعا.

ـ إبدالها تاء مع ضمّها ، فتقول : يا أبت ، يا أمت (١) ، وهو شاذ.

ويجعل الزمخشرى التاء هنا تاء تأنيث عوضا من الياء (٢).

ـ وربما قالوا : يا أبتى ويا أمتى ، بالجمع بين التاء والياء ، أو قالوا : يا أبات ، بإشباع فتحة الباء.

نداء المضاف إلى المضاف إلى ياء المتكلم :

قد ينادى المضاف إلى المضاف إلى ياء المتكلم ، كقولك : يا أخ صديقى ، ويا غلام غلامى ، ويا ابن أخى. فيكون فيه لغتان ، الأصل فيهما إثبات الياء مع فتحها أو إسكانها ، ولا يجوز حذفها ؛ لأنها لم تتصل بالمنادى. فتقول : يا أخ صديقى (بفتح الياء وإسكانها).

ويذكر قلب الياء ألفا مع فتح ما قبلها ، فيقال : يا أخ صديقا.

ويوقف عليه بهاء السكت ، فيقال : يا أخ صديقاه.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ٢١١ / شرح الرضى عل الكافية ١ ـ ١٤٨.

(٢) المفصل ٤٣.

٦٤

فإن كان المضاف المتوسط بين المنادى المضاف وياء المتكلم أحد لفظى (أم وعم) فيكون : يا ابن أمى ، ويا ابن عمى ، فإنه يكون فيه الوجهان الأصلان السابقان ، ووجهان آخران هما :

ـ حذف الياء ، وكسر الميم ، فتقول : يا ابن أمّ ، ويا ابن عمّ.

ـ حذف الياء وفتح ما قبلها ، فتقول : يا ابن أمّ ، ويا ابن عمّ.

ـ وذكر بعض النحاة قلب الياء ألفا مع فتح ما قبلها ، فقيل : يا ابن أمّا ، ويا ابن عما.

وحكم (ابنة) حكم (ابن) فى هذا التركيب ، فيكون المتحصل فيها خمس لغات هى : يا ابنة أمى ويا ابنة عمى (بإثبات الياء وفتحها أو إسكانها) ، ويا ابنة أم ويا ابنة عم (بحذف الياء وكسر الميم أو فتحها).

أما قلب الياء ألفا وفتح ما قبلها فقد ذكره بعض النحاة ، وعلى ذلك يجوز القول : يا ابنة أمّا ، ويا ابنة عمّا.

ومنه قول زيد الطائى :

يا ابن أمّى ويا شقيّق نفسى

أنت خلّفتنى لدهر شديد (١)

وقول أبى النجم العجلى يخاطب امرأته :

يا ابنة عمّا لا تلومى واهجعى (٢)

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٢٢٣ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ١٢ / شرح التصريح ٢ ـ ١٧٩ / شرح الأشمونى ٣ ـ ١٥٧ / لسان العرب مادة (شقق).

(أنت) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (خلفتنى) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المخاطب مبنى فى محل رفع فاعل ، والنون للوقاية حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب مفعول به ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (لدهر) شبه جملة متعلقة بالفعل خلف.

(٢) الكتاب ٢ ـ ٢١٤ / المقتضب ٤ ـ ٢٥٢ / المحتسب ٢ ـ ٢٣٨ / التصريح ٢ ـ ١٧٩.

(لا) حرف نهى مبنى لا محل له من الإعراب. (تلومى) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون. وياء المخاطبة ضمير مبنى فى محل رفع فاعل. (ولا تهجعى) مثل سابقتها.

٦٥

فأبدل من الياء ألفا فى (ابنة عما).

وقول الآخر :

كن لى لا علىّ يا ابن عمّا

ندم عزيزين ونكف الدما (١)

ثانيا : المنادى المعتل الآخر المضاف إلى ياء المتكلم :

إذا كان المنادى معتلّ الآخر بالواو أو بالياء أو بالألف وأضيف إلى ياء المتكلم فإنه يراعى فيه ما يأتى من أحكام :

أ ـ يجب إثبات ياء المتكلم ، ولا يجوز حذفها.

ب ـ إذا كان ما قبل حرف العلة الأخير ساكنا ؛ وهذا لا يكون إلا فى معتلّ الآخر بالواو والياء ، فإنه يكون ملحقا بالصحيح الآخر ، حيث يكسر حرف العلة (الواو أو الياء) ، فيقال : يا ظبيى ، يا رأيى ، يا دلوى ، يا صنوى ... ويكون المنادى (رأى ، دلو ، صنو) منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها مناسبة الكسرة لضمير المتكلم.

ح ـ إن كان ما قبل حرف العلة متحركا فإنه يتبع ما يأتى :

١ ـ إن كان حرف العلة الألف (أى : مقصورا) فإن الألف تبقى على حالها ، دون النظر إلى أصلها ، وتثبت الياء مفتوحة ، فتقول : يا فتاى ، يا هداى ، يا علاى ... ويكون المنادى (فتى ، هدى ، علا) منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة.

__________________

(١) (كن) فعل أمر مبنى على السكون ، واسمه ضمير مستتر تقديره : أنت (لى) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب ، خبر كان ، أو متعلقة بخبر كان المحذوف. (لا) حرف نفى عاطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (على) شبه جملة فى محل نصب بالعطف على خبر كان. (يا) حرف ندا مبنى لا محل له من الإعراب. (ابن) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (عما) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، التى قلبت إلى فتحة لمناسبة الألف المقلوبة من ياء المخاطبة ، والأصل : يا ابن عمى. (ندم) فعل مضارع مجزوم فى جواب الطلب كن ، وعلامة جزمه السكون ، ويجوز أن يكون مجزوما لأنه جواب شرط محذوف ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : نحن. (عزيزين) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء لأنها مثنى. (ونكف) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. نكف : فعل مضارع مجزوم بالعطف على ندم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : نحن (الدما) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والألف للإطلاق.

٦٦

٢ ـ إن كان المنادى معتلّ الآخر بالياء (أى منقوصا) فإن ياءه تدغم فى ياء المتكلم التى يجب فتحها ويكسر ما قبلها. فتقول : يا قاضىّ ... ، يا غازىّ ... ، يا هادىّ ... ويكون المنادى منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة. وقد تكون الياء ساكنة.

٣ ـ إن كان المنادى مثنى فإن نونه تحذف من أجل الإضافة ، أما ياؤه فإنها تدغم فى ياء المتكلم ، ويفتح ما قبلها ، فتقول ، يا نجلىّ .. ، يا ولدىّ ... ، يا طفلتىّ ...

ويكون المنادى (نجلين ، ولدين ، طفلتين) منصوبا ، وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى.

٤ ـ إن كان المنادى جمع مذكر سالما فإن نونه تحذف للإضافة ، ويكون منصوبا وعلامة نصبه الياء ، عندئذ تدغم ياء النصب فى ياء المتكلم ، ويظل ما قبلهما على حركته من الفتح والكسر ، فتنادى : مصطفين ، ومرتجين معتلين بالألف مضافين إلى ياء المتكلم ... فتقول : يا مصطفى ... ، يا مرتجىّ ، ويكون المنادى (مصطفين ، مرتجين) منصوبا ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم.

وتنادى : مهتدين ، ومعتلين (معتلّين بالياء ومضافين إلى ياء المتكلم) فتقول يا مهتدىّ ... ، يا معتلىّ ... ويكون المنادى منصوبا ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم.

قضية الحذف فى أسلوب النداء

تدور قضية الحذف فى أسلوب النداء فى جزأيه : حرف النداء ، والمنادى على النحو الآتى :

أولا : حذف حرف النداء وذكره :

تدور قضية حذف حرف النداء وذكره فى ثلاثة محاور : وجوب الذكر ، جواز الذكر ، جواز الحذف مع التعويض ، ذلك على النحو الآتى :

٦٧

أ : وجوب ذكر حرف النداء :

يجب ذكر حرف النداء مع :

ـ المندوب : فيقال : وا إسلاماه ، وايديّاه ، واصديقاه ...

ـ التعجب منه ، نحو يا للحسن ...

ـ المستغاث ، فتقول : يا لعلىّ لمحمود.

ـ لفظ الجلالة (الله) ، فتقول يا الله ، بقطع الهمزة. ووصلها.

ـ الضمير المنادى : فتقول : يا أنتم أقبلوا ، يا أنت أسرع فى مشيك.

ومنه قول الراجز (الأحوص) :

يا أبجر بن أبجر يا أنتا

أنت الذى طلّقت عام جعتا (١)

أو فى رواية أخرى : يا مر يا ابن واقع يا أنتا ...

ويجب ذكر حرف النداء قبل ما ذكر ، لأن كلا منها لا يتحقق دلالته من المناداة إلا بذكر حرف النداء.

ب ـ جواز الذكر والحذف :

يجوز ذكر حرف النداء وحذفه مع غير ما ذكر ، فيقال : يا علىّ أقبل ،

__________________

(١) (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أبجر) منادى مبنى على الضم فى محل نصب ، ويجوز أن يفتح فتحة إتباع لابن. (بن) نعت أو بدل أو عطف بيان لأبجر منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (أبجر) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف ، ونون مكسورا من أجل الضرورة الشعرية ، (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أنتا) منادى مبنى على الضم المقدر فى محل نصب. والألف للإطلاق. حرف مبنى لا محل له من الإعراب. (أنت) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (الذى) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (طلقت) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المخاطب مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (عام) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (جعتا) فعل ماض ، وتاء فى محل رفع فاعل ، وألف الإطلاق. والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة إلى عام ويجوز ـ عند بعض النحاة الذين لا يجيزون نداء الضمير ـ أن يكون (يا) للتنبيه ، وأنت الأول مبتدأ ، والثانى توكيد أو بدل أو ضمير فصل. وقد سبق ذكره فى (إعراب المنادى).

٦٨

حيث ذكر حرف النداء (يا) ، كما يقال : علىّ أقبل. ويكون (على) منادى مبنيا على الضمّ فى محلّ نصب ، وحرف النداء محذوف.

لكن حذف حرف النداء مع اسم الإشارة واسم الجنس لمعين قليل ، ومنعه أكثر النحويين.

وإذا حذف حرف النداء فإنه يقدر دائما بالحرف (يا).

ومما جاء من مواضع حذف حرف النداء مع اسم الإشارة قوله تعالى (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٨٥](١) ، والتقدير : يا هؤلاء ، فاسم الإشارة منادى مبنى فى محل نصب.

ومنه قول رجل من طيئ :

إن الألى وصفوا قومى لهم فبهم

هذا اعتصم تلق من عاداك مخذولا (٢)

أى : يا هذا اعتصم ... وهو ما لا يجوز عند البصريين.

ومنه قول الشاعر :

ذا ارعواء فليس بعد اشتعال الرأ

س شيبا إلى الصّبا من سبيل (٣)

__________________

(١) (أَنْتُمْ) ضمير مبنى فى محل رفع مبتدإ. (هؤُلاءِ) فيه أوجه :

ـ أن يكون خبر المبتدإ مبنيا فى محل رفع. والجملة الفعلية(تَقْتُلُونَ) فى محل نصب ، حال ، أو مستأنفة.

ـ أو فى محل نصب ، مفعول به على الاختصاص ، أو منادى مبنى على الضم المقدر فى محل نصب ، وجملة(تَقْتُلُونَ) فى محل رفع ، خبر المبتدإ.

(٢) الأشمونى ٣ ـ ١٣٦ / الدر المصون ١ ـ ٢٨٤.

(٣) المساعد ٢ ـ ٤٨٥ / العينى على الأشمونى والصبان ٣ ـ ، ١٣٦

(ذا) اسم إشارة منادى مبنى فى محل نصب ، وحرف النداء محذوف ، والتقدير : يا ذا. (ارعواء) مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، وفعله محذوف ، والتقدير : ارعو ارعواء. (فليس) الفاء : حرف تعقيبى تعليلى مبنى لا محل له من الإعراب. ليس : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح. (بعد) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (اشتعال) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة فى محل نصب ، خبر ليس مقدم. (الرأس) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (شيبا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (إلى الصبا) حرف جر مبنى ، ومجرور بالفتحة المقدرة ، منع ظهورها التعذر. وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من سبيل ؛ لأنها نعت تقدم على المنعوت النكرة.

٦٩

والتقدير : يا ذا ، حيث (ذا) اسم إشارة منادى مبنى فى محل نصب.

ومنه قوله تعالى (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن : ٣١] ، والتقدير ؛ يا أيها ، فـ (أى) منادى مبنى على الضمّ فى محل نصب.

ومما يذكر فى ذلك قولهم : أصبح ليل ، أى : يا ليل ، أطرق كرا إن النعام فى القرى ، أى : يا كرا ، وأصله : كرو ، بضم الواو على لغة من لا ينتظر ، ووقوعها آخرا. وكلّ من : ليل وكرا منادى مبنى فى محلّ نصب.

ومنه قولهم : افتد مخنوق ، أو أفتدى مخنوق ، أى : يا مخنوق افتد نفسك ، أو : أفتديك. وكذلك : «اشتدّى أزمة تنفرجى» ، أى : يا أزمة.

ومما حذف منه حرف النداء قوله تعالى : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) [يوسف : ٢٩] ، والتقدير : يا يوسف فـ (يُوسُفُ) منادى مبنى على الضمّ فى محلّ نصب.

ـ وقوله تعالى : (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) [الدخان : ١٨] ، والتقدير يا عباد ، فـ (عِبادَ) منادى منصوب ؛ ويجوز أن يكون مفعولا به للفعل (أَدُّوا).

ملحوظة : التعويض من حرف النداء :

ذكرنا أنه يجب أن يذكر حرف النداء مع لفظ الجلالة (الله) ، مع قطع الهمزة ، فيقال : يا ألله استجب لدعائى. ولفظ الجلالة (الله) منادى مبنى على الضمّ فى محلّ نصب ، ويجوز أن تصل همزة لفظ الجلالة.

إلا أنه يجوز أن يحذف معه حرف النداء شرط التعويض عنه بالميم المشددة ملحقة بلفظ الجلالة ، فيقال : الله مّ استجب لدعائى ، ولا يجمع بينهما.

__________________

(من) حرف جر زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب. (سبيل) اسم ليس مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بكسرة حرف الجر الزائد.

٧٠

ثانيا : حذف المنادى :

قد يحذف المنادى فى معنى الأمر والدعاء ، فيلزم ذكر حرف النداء (يا).

فمن مثال الأمر قوله تعالى فى قراءة الكسائى : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [النمل : ٢٥] ، والتقدير : ألا يا قوم اسجدوا ...

ومن مثال الدعاء : قول الشاعر :

يا لعنة الله والأقوام كلّهم

والصالحين على سمعان من جار (١)

والتقدير : يا قوم ، يا هؤلاء.

__________________

(١) الكتاب : ٢ ـ ٢١٩ / ابن يعيش ٢ ـ ٢٤ ، ٤٠ / المساعد ٢ ـ ٤٨٦.

٧١
٧٢

الاستغاثة (١)

الاستغاثة : تعنى الصياح والدعاء والمساعدة فى التخليص من شدة ، أو الإعانة على مشقة ، فهو أسلوب نداء. مثال ذلك : يا لله للمسلمين ، ويا للأغنياء للفقراء ، يا لعلىّ لمحمود ، يا للقوىّ للضعيف.

ومن الأمثلة السابقة تلحظ أن أسلوب الاستغاثة أسلوب نداء ذو تركيب خاص ، وله أركان ثلاثة.

١ ـ أداة الاستغاثة :

حرف النداء ، ولا يكون الاستغاثة إلا بحرف النداء. ويكون (يا) دون غيره من حروف النداء.

٢ ـ المستغاث أو المستغاث به :

هو من ينادى عليه ليحقق النجدة أو الإعانة على المشقة ، أو ليساعد فى التخليص من الشدة ؛ فهو المستنصر به.

يلى أداة النداء مباشرة بلا فاصل ، ويسبق بلام مفتوحة بالضرورة ، ويعلل لفتح لام المستغاث به بأنه واقع موقع الضمير ، ولام الجر تفتح مع الضمير ضرورة ما عدا ضمير المتكلم ، حيث يجب أن يسبق بكسرة فيقال : لهم ، لنا ، لك ...

وتقول : لى ...

__________________

(١) يرجع فى هذه الدراسة إلى : الكتاب ٢ ـ ٢١٥ إلى ٢٢٠ / المقتضب ٤ ـ ٢٥٤ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٥٩ / شرح المقدمة المحسبة فى شرح الإيضاح ٢ ـ ٧٨٨ / شرح عيون الإعراب ٢٧١ / المقدمة الجزولية فى النحو ١٩٣ / شرح ابن يعيش ١ ـ ١٣٠ / الرضى على الكافية ١ ـ ١٣٣ وما بعدها / الواضح ١٨٧ / المقرب ١ ـ ١٨٣ / التسهيل ١٨٤ / شرح ابن الناظم ٥٨٧ / شرح ابن معطى ٢ ـ ١٠٦١ / شرح ابن عقيل ٣ ـ ٢٨٠ / المساعد على تسهيل الفوائد ٢ ـ ٥٢٥ / شفاء العليل ٢ ـ ٨١٥ / الجامع الصغير ٩٨ / شرح القمولى على الكافية تحقيق عفاف بنتن ١ ـ ٣٥ / الفوائد الضيائية ١ ـ ٣٢٦ / ارنشاف الضرب ٣ ـ ١٤٠ / شرح اللمحة البدرية ٢ ـ ١٤١ / شرح التحفة الوردية ٣١٤ / كشف الوافية فى شرح الكافية ١٨٣ / شرح التصريح ٢ ـ ١٨٠.

٧٣

ويذكر أن اللام إنما اختيرت من بين الحروف لأنها تدل على الاختصاص.

فكأن المستغاث به مختص بما هو مدعوّ له من استغاثة.

ويكون مجرورا بلام الاستغاثة ، وتركيبه مع اللام أعطاه شبها بالمضاف ، فجرّ لجرّه.

وتكسر اللام مع المستغاث به إذا كان ضمير المتكلم ، نحو : يالى لأولادى. لأن ضمير المتكلم يستوجب كسرة قبله.

وهو مستغاث ، حيث جواز تعديه بدون حرف الجر. قال تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ) [الأنفال : ٩] ، (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) [القصص : ١٥].

وكل ما ينادى يصح أن يكون مستغاثا ؛ إلا أن المستغاث قد يكون بأداة التعريف على غير المنادى ـ كما درس.

واختلف فى اللام التى تسبق المستغاث :

ـ منهم من جعلها بقية اللفظ (آل).

ـ ومنهم من جعلها زائدة.

ـ ومنهم من جعلها غير زائدة ، فتكون متعلقة : إما بحرف النداء ، وإما بالفعل المحذوف الذى ناب منابه حرف النداء ، وهو مذهب سيبويه.

قد يحذف المستغاث به :

قد يحذف المستغاث به ، وذلك لكونه المنادى ، فيجوز أن يكون غير محدّد ، حيث إن المستغاث له قد يطلب معونة أو مساعدة أو تخليصا من غير محدد.

ويمكن أن يكون منه قول الشاعر :

فيا شوق ما أبقى ويالى من النّوى

ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبى (١)

__________________

(١) (فيا) الفاء بحسب ما سبقها حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. يا : حرف نداء مبنى ، لا محل له

٧٤

حيث استغاث الشاعر لنفسه من النوى ، والمستغاث به محذوف.

وعند ما يحذف المستغاث فإن المستغاث له يلى أداة النداء مكسورة لامه ، فتقول : يا للضعيف ، ويا للفقير. والتقدير : يا للقوى للضعيف ، ويا للغنى للفقير.

منه قول الشاعر :

يا لأناس أبوا إلا مثابرة

على التوغّل فى بغى وعدوان (١)

والتقدير : يا لقومى لأناس. فحذف المستغاث (قومى) ، وذكر المستغاث له مكسور لام الاستغاثة بعد (يا).

العطف على المستغاث :

قد يعطف على المستغاث به مستغاث آخر ، فيكون حكم الثانى ما يأتى :

أ ـ إذا تكرر حرف الاستغاثة (يا) فإن لام الاستغاثة تفتح مع المعطوف.

فتقول : يا لسمير ويا لعلى لمحمود. بفتح اللامين الأولى والثانية وكسر الثالثة ، لأن الأخيرة للمستغاث له ، ومنه قول الشاعر :

ويا لقومى ويا لأمثال قومى

لأناس عتوّهم فى ازدياد (٢)

__________________

من الإعراب. (شوق) منادى مبنى على الضم ؛ لأنه نكرة مقصودة ، أو الضمة بدل من الكسرة الدالة على ضمير المتكلم المحذوف. ويجوز كسره لذلك. (ما) تعجيبة نكرة بمعنى شىء مبنية فى محل رفع ، مبتدأ. (أبقى) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (ويا) حرف عطف. وحرف نداء مبنيان ، لا محل لهما من الإعراب. (لى) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالفعل الذى نابت منابه يا. (من النوى) جار ومجرور. (ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبى) مثل إعراب (يا شوق ما أبقى).

(١) ارتشاف الضرب ٣ ـ ١٤٠ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٧٦ / شفاء العليل ٢ ـ ٨١٦.

(مثابرة) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (على التوغل) شبه جملة متعلقة بالمثابرة. (فى بغى) شبه الجملة متعلقة بالتوغل.

(٢) (عتوهم) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (فى) حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ازديادى) مجرور بعد فى ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. وشبه الجملة فى محل رفع خبر المبتدإ. والجملة الاسمية فى محل جر نعت لأناس.

٧٥

حيث فتح اللام فى المستغاث به (قومى) والمعطوف عليه (أمثال).

وكسرها فى المستغاث له (أناس).

فيا لسعد ويا للناس كلّهم

ويا لغائبهم ويا لمن شهدا (١)

تلحظ فتح اللام فى المستغاث المعطوف حين تكرر حرف الاستغاثة (يا) ، وذلك فى (الناس ، غائب ، من شهد).

ب ـ إن لم يتكرر حرف الاستغاثة فإن لام المستغاث الثانى وما بعده تكسر لزوال اللبس ، ومعلومية المستغاث به الثانى بذكر الأول وعطفه عليه ملتصقا به حيث لم يتكرر حرف النداء. فتقول : يا لسمير ولكامل لمحمود ، بفتح اللام الأولى ، وكسر الثانية ، وكسر الثالثة.

منه قول الشاعر :

يبكيك ناء بعيد الدار مغترب

يا للكهول وللشبّان للعجب (٢)

حيث فتحت لام الاستغاثة قبل المستغاث به الأول ، ولما عطف عليه مستغاث به آخر بدون ذكر حرف النداء كسرت لام الاستغاثة فى الثانى المعطوف. أما لام المستغاث له (للعجب) فهى مكسورة دائما.

٣ ـ المستغاث له :

وهو المستنصر أو من يستحق النجدة ، أو يستحق التخليص من الشدة ، أو الخروج من المشقة ، يلى المستغاث به ، ويكون مجرورا بلام مكسورة ، وكأنها لام

__________________

(١) المساعد ٢ ـ ٥٢٧ / شفاء العليل ٢ ـ ٨١٥ / (كلهم) توكيد للناس مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر ، مضاف إليه.

(٢) المقرب ١ ـ ١٨٤ / أوضح المسالك ٣ ـ ٩٦.

(يبكيك) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به.

(ناء) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (بعيد) صفة لناء مرفوع ، وعلامة رفعها الضمة. (الدار) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (مغترب) صفة ثانية مرفوعة ، وعلامة رفعها الضمة.

٧٦

الملك ، فكأن عون المستغاث به ملك للمستغاث له ، وتلحظ كسر لام المستغاث له فى قوله :

يا لقومى لفرقة الأحباب (١)

حيث المستغاث له (فرقة) سبق بلام مكسورة. وقول قيس بن ذريح :

تكنّفنى الوشاة فأزعجونى

فيا للنّاس للواشى المطاع (٢)

لام المستغاث (الناس) مفتوحة ، ولام المستغاث له (الواشى) مكسورة.

وقد يكون هو المستغيث ، فكأنه مستغيث لنفسه ، وتلحظه فى الأمثلة السابقة.

تعلق لام المستغاث له : يختلف النحاة فيما بينهم فى تعلّق لام المستغاث له على النحو الآتى :

ـ يذهب كثير منهم إلى تعلقها بفعل محذوف غير ما تعلقت به لام المستغاث ، ويقدرونه بـ (أدعوك).

ـ وذهب ابن الضائع إلى تعلقها بفعل النداء.

ـ وذهب آخرون ـ ابن الباذش ـ إلى تعلقها بحال محذوفة ، والتقدير : مدعوّا لـ ...

__________________

(١) سيبويه ٢ ـ ٢١٩ / المساعد ٢ ـ ٥٢٨.

(٢) الكتاب ٢ ـ ٢١٦ / جمل الزجاجى ١٧٩ / شرح ابن يعيش ١ ـ ١٣١ / المقرب ١ ـ ١٨٣. (تكنفنى) فعل ماض مبنى على الفتح ، والنون للوقاية حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب مفعول به. (الوشاة) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (فأزعجونى) الفاء حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. أزعج : فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والنون حرف وقاية مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وضمير المتكلم مبنى مفعول به فى محل نصب. والجملة معطوفة على سابقتها ، لا محل لها من الإعراب ، (فيا) الفاء استثنافية لا محل لها من الإعراب ، (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (للناس) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالنداء. (للواشى) جار ومجرور. وشبه الجملة متعلقة بمحذوف. (المطاع) نعت للواشى مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٧٧

قد يجر المستغاث له بـ (من) :

المستغاث له يكون مستنصرا له ، وهو يجرّ باللام لذلك. فإذا كان مستنصرا عليه فإنه يجر بـ (من) ، وهى تفيد السببية لذلك.

ومنه قول الشاعر :

يا للرجال ذوى الألباب من نفر

لا يبرح السّفه المردى لهم دينا (١)

حيث المستغاث له (نفر) جرّ بـ (من) ، لأنه مستنصر عليه ، وتكون شبه الجملة (من نفر) متعلقة بالفعل الذى نابت (يا) منابه ، أو بفعل تقديره : خلّص ، أو :أنصف.

حذف المستغاث له :قد يحذف المستغاث له إن علم سبب الاستغاثة ، ومنه ما جاء فى قول عدى بن زيد :

فهل من خالد إمّا هلكنا

وهل بالموت يا للناس عار

حيث استغاث من الموت ، وقد سبق أسلوب الاستغاثة ، فأصبح السبب معلوما ، فحذف المستغاث له لذلك.

ويذكرون منه قول الفرزدق :

يا لتميم ألا لله درّكم

لقد رميتم بإحدى المصيبات (٢)

حذف لام الاستغاثة :

قد تحذف لام الاستغاثة من المستغاث به ويعوض عنها بألف فى نهايته ، فيقال : يا محمودا ، يا عليّا ، وأصلهما : يا لمحمود ، يا لعلى .. ولا يجوز الجمع بين لام الاستغاثة والألف المعوض به عنها. ومنه قول الشاعر :

__________________

(١) شفاء العليل ٢ ـ ٨١٦ / الأشمونى ٣ ـ ١٦٥ / الدرر ١ ـ ١٥٦.

(٢) ديوانه ١ ـ ١٧٠ / شفاء العليل ٢ ـ ٨١٦.

٧٨

يا يزيدا لآمل نيل عزّ

وغنى بعد فاقة وهوان (١)

حيث حذفت لام الاستغاثة من المستغاث به (يزيد) ، وعوض عنها بالألف (يزيدا). (آمل) هو المستغاث له ، ولذلك كسرت لامه.

وقد تحذف لام المستغاث به دون تعويض عنها بالألف ، ومنه قول الشاعر :

ألا يا قوم للعجب العجيب

وللغفلات تعرض للأريب

فالمستغاث به (قوم) خال من لام الاستغاثة والألف ، والمستغاث له (العجب) مسبوق باللام المكسورة.

التعجب على صورة الاستغاثة :

إذا تعجب باستخدام النداء فإن المتعجب منه يكون على صورة المستغاث به وذلك بأن يسبق بلام مفتوحة ، ويجر بها ، ويكون مبنيا على الضمّ المقدر ، وكل ما ينادى يصلح للتعجب منه على صورة الاستغاثة ، فيقال : يا للعجب! يا للماء! ، يا للداهية ...

وقد ينطق على صورة المستغاث له ، فتكسر اللام ، فيقال : يا للعجب ...

وقد تحذف اللام ـ كما فى المستغاث ـ ويعوض عنها بالألف فى نهاية المتعجب منه فيقال : يا عجبا لفعله! يا ماءا! ، يا داهيتا ...

ومنه قول امرئ القيس :

__________________

(١) (يا) حرف نداء مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يزيدا) منادى مبنى على الضم المقدر ، منع من ظهورها حركة المناسبة ، وهو فى محل نصب. (لآمل) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بمحذوف. (نيل) مفعول مطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وفعله محذوف. (عز) مضاف إلى نيل مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وغنى) حرف عطف مبنى ، ومعطوف على عز مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (بعد) ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة وشبه الجملة متعلقة بفعل المصدر. (فاقة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وهوان) حرف عطف مبنى ، ومعطوف على فاقة مجرور.

٧٩

ويوم عقرت للعذارى مطيتى

فيا عجبا من كورها المتحمل (١)

وقول الشاعر :

حتى يقول الناس مما رأوا

يا عجبا للميت الناشر

ولا يستخدم فى التعجب إلا (يا) بخاصة ، ولا يستعمل (وا) إلا نادرا ، كما جاء فى قول عمرو بن العاص : واعجبا لك يا ابن العاص.

هاء السكت :

إذا وقف على المستغاث له أو المتعجب منه فإنه يجوز أن تلحق بهما هاء السكت ، فيقال : يا لمحموداه. يا لعجباه! والألف فيهما ليست الألف المعوض بها عن لام الاستغاثة ، إنما هى الألف التى تسبق هاء السكت.

ملحوظة : المندوب والضرورة :

قد ينوّن المندوب فى الضرورات الشعرية ، فيجوز نصبه وضمّه. ومنه قول الشاعر :

وافقعسا وأين منى فقعس

حيث نوّن الشاعر المندوب (فقسعا) بالنصب للضرورة ، ولو أنه نونه بالضم لجاز.

__________________

(١) يوم ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة معمول لمحذوف ، وهو مضاف. (عقرت) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع فاعل ، والجملة فى محل جر بالإضافة إليها يوم. (للعذارى) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالعقر. (مطيتى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. (فيا) حرف تعقيب مبنى ، وحرف نداء مبنى. (عجبا) منادى منصوب بفتحة مقدرة ، منع من ظهورها حركة المناسبة. والألف مقلوب عن ياء المتكلم ، والتقدير : فيا عجبى. ويجوز أن يكون المنادى مبنيا على الضم المقدر فى محل نصب ، والألف عوض من لام التعجب المحذوفة. (من كورها) جار ومجرور ومضاف إليه مبنى ، وشبه الجملة متعلقة بالعجب. (المتحمل) نعت لكور مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٨٠