النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

إليه ، و (لا) عاملة. وبالرفع على أن (لا) مهملة ، والجملة الاسمية فى محل جر مضاف إليه.

ويذكر ابن مالك الجرّ فيه ، وقد حكاه الأخفش فى القول : جئتك يوم لا حرّ ولا برد ، ببناء (حر ، وبرد) على الفتح ، وبجرّهما.

فإن كانت (لا) محمولة على (ليس) أو (ما) المشبهة بليس بقى اسمها على ما هو عليه ، ومنه قول سواد بن قارب :

فكن لى شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب

حيث جملة (لا ذو شفاعة) أضيف إليها الظرف (يوم) ، وبقي اسم (لا) العاملة عمل (ليس) كما هو عليه مرفوعا.

وقول الآخر :

تبدّت لقلبى فانصرفت بودّها

على حين ما هذا بحين تصابى

وفيه جملة (ما) المشبهة بليس (ما هذا بحين) أضيف إليها (حين) وبقى اسم (ما) فى محل رفع.

يذكر ابن مالك فى ألفيته :

وبعد فعل معرب أو مبتدا

أعرب ومن بنى فلن يفنّدا

وقد تضاف هذه الأسماء إلى التركيب الشرطى ، من ذلك قول لبيد :

على حين من تلبث عليه ذنوبه

يرث شربه إذ فى المقام تدابر (١)

فأضيف إلى التركيب الشرطى (من تلبث يرث شربه) اسم الزمان (حين) ، وهو مسبوق بحرف الجر ؛ فجر معربا ، وجاز بناؤه على الفتح.

ومنه يعلم أن (حين وإذا) ، وهما لا يضافان إلا إلى الجملة الخبرية ، قد تضافان إلى التركيب الشرطىّ ؛ لأنه أشبه بالجملة الخبرية.

__________________

(١) ينظر : ديوانه ٢١٧ / همع الهوامع ٢ ـ ٦٢ / الخزانة ٣ ـ ٦٤٩

الذنوب (بالفتح) : الدلو المملوءة بالماء ، الشرب بالكسر : الحظ من الماء ، التدابر : التقاطع.

٣٤١

القسم الثانى من الملازم للإضافة

ثانيا ـ ٢ : ما يلزم الإضافة إلى الاسم :

ذكرنا ـ سابقا ـ أن ما يلزم الإضافة إلى الاسم إما أنه واجب الإضافة ـ لفظا ومعنى ، أى : لا ينقطع عنها ، وإما أن يقطع عنها لفظا لا معنى ، والأول منهما يتفرع إلي ثلاثة أقسام ، حيث إنه قد يضاف إلى المظهر والمضمر معا ، وقد يختصّ بالإضافة إلى المضمر ، أو يختصّ بالإضافة إلى المظهر ، أمّا ما يجوز قطعه عن الإضافة فإنه إما أن يقطع عنها وينون ، وإما أن يقطع عنها ويبنى على الضم ، ذلك على التفصيل الآتى :

ثانيا ٢ ـ أ : ما يضاف إلى الاسم ولا يجوز قطعه عن الإضافة :

ثانيا ٢ ـ أ ـ ١ : ما يجب إضافته إلى المظهر أو المضمر :

من الأسماء التى تلازم الإضافة ، ولا يجوز قطعها عنها ، وتضاف إلى الاسم المظهر والمضمر ما يأتى :

كلا وكلتا :

(كلا) للمذكرين ، (و (كلتا) للمؤنثتين ، يلزم إضافتهما إلى مثنّى معرفة مظهر أو مضمر ، ويكون ما أضيفتا إليه اسما واحدا ، أى : مثنى لفظا ومعنى ؛ فلا يضافان إلى كلمتين متفرقتين ؛ فتقول : كلا الرجلين مؤمن ، والرجلان كلاهما مؤمنان.

حيث أضيف المثنى المظهر (الرجلين) والمثنى المضمر (هما) إلى (كلا). وتقول : كلتا الطالبتين مؤدبة ، الطالبتان كلتاهما مؤدبتان.

إذا أضيفا إلى المظهر فإنه يخبر عنهما بالإفراد ؛ فتقول : كلا المنزلين جديد ، حيث (جديد) خبر المبتدإ (كلا) مرفوع. ومنه قوله تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها). [الكهف : ٣٣]. حيث الجملة الفعلية (آتت) فى محل رفع ، خبر لـ (كلتا) ، ونلحظ أنها للواحدة ، وذلك أن الإخبار يكون عن كلّ واحد من الاثنتين.

٣٤٢

وإذا أضيفا إلى مضمر على سبيل التوكيد لمثنى معرفة سابق عليهما فإن الضمير المضاف إليهما يجب أن يكون مثنى ، ويتبعان المؤكد بهما فى الإعراب ، نحو : الكتابان كلاهما مفيدان ، ورأيت الحجرتين كلتيهما مغلقتين.

يذكر ابن هشام : «وقد سئلت قديما عن قول القائل : زيد وعمرو كلاهما قائم ، أو : كلاهما قائمان. أيهما الصواب؟ فكتبت : إن قدر (كلاهما) توكيدا ؛ قيل : قائمان ، لأنه خبر عن زيد وعمرو ، وإن قدّر مبتدأ فالوجهان ، والمختار الإفراد ، وعلى هذا ؛ فإن قيل : إن زيدا وعمرا ؛ فإن قيل : كليهما ، قيل : قائمان ، أو : كلاهما ؛ فالوجهان» (١).

ويذهب النحاة إلى جواز معاملتها معاملة المثنى إذا أضيفا إلى مظهر ؛ باعتبار المعنى ، فيقال : كلا الرجلين أمينان ، وكلتا المرأتين وفيتان ؛ لكن كثيرين منهم يرجح ، أو يفضل ، اعتبار اللفظ فى مثل هذا التركيب ، ويعتبرون احتساب المعنى قليلا (٢) ، وقد أكدنا على وجوب مراعاة اللفظ فى مثل هذا التركيب ؛ حيث يجب إفراد الخبر (٣).

ويضافان إلى ضمير المتكلمين (نا) إذا كان دالا على مثنى ، ومنه قول الشاعر :

كلانا غنى عن أخيه حياته

ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا (٤)

ومنه قول النمر بن تولب :

فإن الله يعلمنى ووهبا

ويعلم أن سيلقاه كلانا

فإن أضيفا إلى مفردين معطوفين ، نحو : كلا محمد وعلىّ مجتهدان ؛ فإن هذا يكون اضطرارا على غير قياس ، ومنه قول الشاعر :

__________________

(١) مغنى اللبيب ١ ـ ٢٠٤.

(٢) شرح التسهيل ١ ـ ٦٧ ، ٣ ـ ٢٤٥ / شرح المفصل لا بن يعيش ١ ـ ٥٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٤٣.

(٣) يرجع إلى كتاب (كلا وكلتا بين التراث النحوى والواقع اللغوى) ، للمؤلف.

(٤) الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٦٠ / المساعد ٢ ـ ٣٤٣ : ٣٥٠ / أوضح المسالك ٢ ـ ٢٠٢.

٣٤٣

كلا أخى وخليلى واجدى عضدا

فى النائبات وإلمام الملمّات (١)

حيث أضاف (كلا) إلى المفردين المتعاطفين (أخى وخليلى) ، وهذا من نوادر الضرورات. وكذلك قول الشاعر :

كلا السيف والساق الذى ضربت به

على دهش ألقاه باثنين صاحبه

ولكنه يجوز أن يضافا إلى مثنى معنى ، مثال ذلك قول عبد الله بن الزبعرى :

إن للخير وللشرّ مدى

وكلا ذلك وجه وقبل (٢)

حيث أضيفت (كلا) إلى اسم الإشارة (ذلك) ، وهو عائد إلى الخير والشر ؛ فهو يدل على مثنى معنى ، وإن كان مفردا لفظا.

يجيز الكوفيون إضافة (كلا وكلتا) إلي النكرة المختصة ، نحو : كلا طالبين مجدين ينالان الجائزة ، وكلتا طالبتين فى القاعة مجدتان.

سوى :

فيها معنى البدل كغير ، من الأسماء الملازمة للإضافة لفظا ومعنى ، وهى لا تذكر بلا إضافة ، وتضاف إلى الظاهر والمضمر ؛ فتقول : عندى كتاب سوى هذا الكتاب ، حيث اسم الإشارة أضيف إلى (سوى). وتقول : قرأت موضوعا سواه ؛ فيضاف (سوى) إلى الضمير. و (سوى) عند سيبويه والجمهور ظرف مكان ملازم للنصب (٣) ، وعند الكوفيين ترد للوجهين ، وذهب الزمخشرى مذهب سيبويه (٤).

__________________

(١) شرح الكافية ٢ ـ ٩٣١ / شرح ابن الناظم ٣٩٦ / المساعد ٢ ـ ٣٤٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٤٣ / همع الهوامع ٢ ـ ٥٠ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٦٠.

(كلا) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (واجد) خبر المبتدإ مرفوع مقدرا ، وضمير المتكلم مبنى مجرور ، وهو المفعول به الأول. (عضدا) مفعول به ثان منصوب.

(٢) شرح ابن يعيش : ٣ ـ ٢ / شرح ابن الناظم ٣٩٦ / المساعد ٢ ـ ٢٤٣ / شرح التصريح ٢ ـ ٤٣ / همع الهوامع ٢ ـ ٥٠ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٦٠. مدى : غاية ، وجه : جهة ، قبل : واضح.

(مدى) اسم إن مؤخر منصوب مقدرا. (للخير) شبه جملة خبر إن مقدم فى محل رفع. (كلا) مبتدأ مرفوع مقدرا. (وجه) خبر المبتدأ مرفوع.

(٣) ينظر : مغنى اللبيب ١ ـ ١١٤ ، ١١٥.

(٤) ينظر : المفصل ٨٧.

٣٤٤

آل (١) :

بمعنى (أهل) ، يلزم الإضافة معنى لا لفظا ، حيث يجوز قطعها على نية الإضافة ، وتضاف إلى الظاهر والضمير ، ومن ذلك : سورة آل عمران بعد سورة البقرة ، حيث الاسم الظاهر (عمران) أضيف إلى (آل). وتقول : صلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. حيث ضمير الغائب (الهاء) أضيف إلى (آل).

ولا يضاف (آل) غالبا إلا إلى علم من يعقل ، كما ذكرنا فى : آل عمران ، وتقول : آل محمود ، آل على ، آل أبى طالب ، آل سعيد ، آل سعود ... إلخ.

ويجوز أن يضاف إلى اسم غير علم ، نحو : آل الهلال ، آل الصليب ، آل العلم ، آل النحو ... إلخ.

وقيل : أصله (أول) ، قلبت واوه ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، بدليل قولهم :

أويل. وقيل : أصله (أهل) أبدلت هاؤه همزة ، ثم قلبت الهمزة ألفا لسكونها بعد همزة مفتوحة ، بدليل قولهم : أهيل.

نفس وعين (فى غير الذوات): إذا وقعتا توكيدا أو نعتا فإنهما يلزمان الإضافة لفظا ومعنى ، ويضافان إلى الظاهر فى النعت ، وإلى المضمر فى التوكيد. ومن أمثلة ذلك أن تقول : أكرمت الأول نفسه ، الرجلان أعينهما أقبلا إلينا ، الأمهات أنفسهن يحنون على أبنائهن.

كما تقول : رأيت الرجل نفس الرجل ، واستمعت إلى الأستاذ عين الأستاذ.

إذا استعملتا للدلالة بلفظيهما على الذوات أو الأشياء أو الجوارح فإنهما يكونان كالأسماء التى تضاف طبقا لمتطلبات التركيب. من ذلك : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦]. (نفسا) مفعول به منصوب ، وتلحظ عدم إضافته.

(فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) [النمل : ٩٢]. (نفس) مجرور باللام. (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) [التكوير : ٧] (النفوس) مبتدأ مرفوع ، أو نائب فاعل.

__________________

(١) ينظر : التسهيل ١٥٧ / همع الهوامع ٢ ـ ٥٠.

٣٤٥

ومنه قوله تعالى :(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) [التحريم : ٦].

(فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) [طه ٤٠] ، (عين) فاعل مرفوع.

(فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [البقرة ٦٠] ، (عينا) تمييز منصوب.

(فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) [مريم ٢٦] ، (عينا) تمييز منصوب.

(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) [المائدة ٤٥] ، (النفس) اسم إن منصوب. والنفس الأخرى اسم مجرور بالباء.

و (العين) الأولى منصوبة بالعطف على اسم إن ، و (العين) الثانية مجرورة بالباء.

(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة : ١٧].

(نفس) فاعل مرفوع ، و (أعين) مضاف إليه مجرور.

لدى :

تضاف إلى الظاهر والمضمر ، وهى ملازمة للإضافة لفظا ومعنى (١) ، تعطى معنى الظرفية فى الحاضر القريب ؛ وفيما هو فى حوزة الإنسان. فتقول : لدىّ كتابان ، ولديه قلم ، ولديك حقيبة ، كما تقول : أخذت ما لدى الصديق من قروش ، واطّلعت على ما لدى الأستاذ من أفكار.

فتجد أن (لدى) ظرف مكان مبنى فى محل نصب ، وقد أضيف إلى المضمرات (ياء المتكلم ، وهاء الغائب ، وكاف المخاطب) ، كما أضيف إلى الظاهر (الصديق ، والأستاذ).

و (لدى) بمعنى (عند) ، ولكن لا يلزم (لدى) معنى الابتداء ، كما أن (عند) تستعمل فيما فى حوزك وإن كان بعيدا (٢). وتستعمل (عند) فى الحاضر والقريب.

__________________

(١) ينظر : شرح التصريح ٢ ـ ٣٤ ـ ٣٥ / شرح ابن عقيل ٢ ـ ٧.

(٢) ينظر : حاشية الأمير على شرح التصريح ٢ ـ ٣٥.

٣٤٦

وكذلك ليست (لدى) بمعني (لدن) ؛ إلا إذا كانت بمعنى ابتداء الغاية (١). لأن (لدى) لا يلزمها ـ كما ذكرنا ـ معنى الابتداء.

سائر :

من الأسماء الملازمة للإضافة لفظا ومعنى ، ويضاف إلى الظاهر والمضمر.

ومثله القول : وفي ذكره البعض دليل على أن سائر ذلك صواب وطاعة. حيث اسم الإشارة (ذلك) أضيف إلى النكرة (سائر).

و (سائر) يعنى (جميع) ، وعينه (ياء) ، وقد يكون بمعنى الباقى ، وعينه واو أو ياء. ومنه قوله : وسائر الناس همج. أى : وباقى الناس.

دون :

من الظروف المكانية الملازمة للإضافة ، يضاف إلى الظاهر والمضمر ، ويستعمل تركيبيا استعمال الأسماء المبهمة غير المحدودة ، وهو نقيض (فوق) ، لكن معنى هذا الظرف يتنوع من خلال علاقته المعنوية بأجزاء التركيب الذى أنشئ فيه ، حيث يتخذ معانى متعددة ، وقد تكون متناقضة ؛ فقد يكون بمعنى (٢) :

ـ قبل : كأن تقول : دون الوصول إلى المنى جهاد ونضال. أى : قبل.

ـ أمام : نحو : دون الباب يقف قطّ ، أى : أمام الباب ، أو : وراءه.

ـ وراء : نحو : أتملك ما دون هذا المجرى؟. أى : ما وراءه.

ـ تحت : نحو : الكتاب دون يديك. أى : تحت يديك.

ـ فوق : كأن يقال : إن فلانا لشريف ؛ فيجيب آخر ؛ فيقول : ودون ذلك.

وقد يكون بمعنى الساقط من الناس وغيرهم ، وبمعنى الشريف ، والوعيد ، والإغراء ، وبمعنى (على).

__________________

(١) مغنى اللبيب ١ ـ ١٢٥.

(٢) ينظر : المفصل ٨٧ / القاموس المحيط ٤ ـ ٢٢٣ / لسان العرب ، مادة (دون).

٣٤٧

ومما لازم الإضافة لفظا ومعنى كذلك :

تلقاء ، تجاه ، حذاء ، حذو ، حذة ، قبالة ، إزاء ، قرب ، وسط ، وسط ، أوسط ، حول ، حوالى ، حوال ، حولى ، أحوال ، نحو ، بين ، عند ، قيد وقاد وقاب وقيب ، وقيس ، شريطة أن يكون معناها ظرفيّا ؛ فإذا كانت فى غير المعنى الظرفى فإنها لا تلزم الإضافة ، وإنما تكون جائزة ؛ فتقول : سار تجاه باب الكلية ، وأوقفت السيارة حذاء السور ، ومشى بين طلابه ، وهتف وسط مؤيديه ، واتجه نحو الباب ، ومكث عنده شهرا ، وقف محمد إزاء أخيه ، أى : قبالته ، ووقف بإزائه ، أى : بحذائه ، وبحذوه ، ووضعت الحقيبة قرب الحائط ، حامت الشبهات حوله فوجهوا الاتهام نحوه ، وهو منى قيد رمح ، وقاد رمح ، أى : قدره. وكذلك : قاب قوس ، وقيب قوس ، أى : قدره ، وقيس رمح ، وقاس رمح ، أى : قدره.

ومنه قوله تعالى : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) [القصص : ٢٢] ، (تلقاء) ظرف مكان منصوب مضاف ، ومدين مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف.

(قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) [القلم : ٢٨] ، (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن : ١٥].

ومنها : بيد : وهو اسم ملازم للإضافة إلى مصدر مؤول من (أنّ) المفتوحة الهمزة مع معموليها ، وهو بمعنى (غير) ، ويكون منصوبا دائما ؛ فتقول : فلان غنى بيد أنّه بخيل ، حيث أضيف المصدر المؤول : (أنه بخيل) إلى بيد ، ونصب (بيد) على الاستثناء المنقطع.

وقد ذكر لها وجه آخر من المعنى ، وهو : من أجل ، ويوجهون معناها فى الحديث الشريف : «أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أنى من قريش واسترضعت فى بنى سعد بن بكر» على هذا المعنى ، أى : من أجل أنّى ...

ومنها : قد ، وقدى ، وقد ، وقدنى : وكلّها بمعنى (حسب) ، وهى اسمية ، وهو وجه آخر لـ (قد) الحرفية. وهى تختلف بين البناء على السكون ، والإعراب فى (قد)

٣٤٨

مضمومة ، وقدى. فتقول : قد محمد علمه ، أى : حسب محمد علمه ، وتقول : قدى جنيهان ، وقد علىّ عشرة ...

ومنها : عمرّك الله ـ قعيدك الله ـ ونشدك الله : حيث المقسمات بها : عمر ، قعيد ، ونشد ؛ مصادر ملازمة للإضافة ، وهى منصوبة دائما لأنها أعلام على المصدرية.

وفعلها واجب الحذف.

ومنها : سبحان الله ، ومعاذ الله : وكلّ من : سبحان ، ومعاذ ، مصدر ملازم للإضافة ، منصوب بفعل محذوف.

ومنها : حمادى وقصارى ، وقصر : ومعناها جميعّا : الغاية ؛ فتقول : حماداك أن تفعل كذا ، وقصاراك ، وقصرك ، أى : غايتك أن تفعل.

ثانيا : ٢ ـ أ ـ ٢ : ما يختص بالإضافة إلى المضمر :

الأسماء الملازمة للإضافة إلى الضمير تنقسم إلى قسمين بالنظر إلى نوع الضمير ، حيث منها ما يضاف إلى ضمير بعينه ، ومنها ما يضاف إلى الضمير مطلقا.

الأول : ما يضاف إلى ضمير المخاطب بخاصة :

وهو كلّ المصادر المثناة ، مثل : لبّيك ، سعديك ، هذاذيك (إسراعا بعد إسراع ، أو قطعا للأمر بعد قطع) ، حنانيك ، دواليك (تداولا بعد تداول).

وأنت ترى أن كاف المخاطب فيها ضمير مبنى فى محلّ جرّ بالإضافة إليه المصدر ، أما موقعه المعنوى ؛ فإنه يختلف من مصدر إلى مصدر تبعا للعلاقة المعنوية بين المصدر وكاف الخطاب ؛ فهو فى (لبيك) مفعول به ، وكذلك فى (سعديك).

أما هو فى (هذاذيك) ففاعل ، وكذلك فى (حنانيك) ، و (دواليك).

ويرى بعضهم أن الكاف فى هذه المصادر للخطاب ؛ فلا موضع لها من الإعراب ، شبهها فى هذا (ذلك).

ويراد بالتثنية فى هذه المصادر التكثير.

٣٤٩

والثانى : ما يضاف إلى الضمير مطلقا :

وهو (وحد) حيث يضاف إلى ضمير مطابق ، وهو ملازم الإضافة إلى الضمير ؛ فيقال : وحده ، وحدك ، وحدى ، وهو مصدر ملازم للإفراد والتذكير على المشهور ، كما يلزم النصب ، ونصبه إما لأنه مصدر واقع موقع الحال ، وإما لأنه ظرف ، والأول أكثر تلاؤما مع معناه ، حيث يعنى به الانفراد. وقد يجر بـ (على) ؛ فجعله ابن الأعرابىّ اسما متمكنا ؛ فقال : جلسا على وحدهما ، وجلس على وحده ، وقد يثنّى مضافا إلى ضمير مثنى ؛ فيقال : جاءا وحديهما ، وجلسا على وحديهما.

وقد يضاف إلى : نسيج ، جحيش ، عيير .. فيقال : فلان نسيج وحده ، أى : منفرد بفضل ما عن غيره ، وهذا مدح ، وجحيش وحده ، وعيير وحده ، وهو الذى يستبد برأيه ، وهما ذم ، وهما تصغير : جحش وعير ، وكذلك صرف كلّ منها ، فيقال : هما نسيجا وحدهما ، وهم نسيجو وحدهم ، وهى نسيجة وحدها ، وهن نسيجات وحدهن ، ومثل ذلك فى التصرف : جحيش وحده ، وعيير وحده.

ومثل (نسيج وحده) قولهم : قريع وحده ، وهو الذى لا يقارعه فى الفضل أحد.

و (وحد) بعد الإضافة فى التراكيب السابقة يكون مجرورا.

ومنه كذلك : (كل) فى التوكيد ونظائرها ، حيث يلزم إضافة (كل) إلى ضمير الجمع حال كونها توكيدا ؛ فتقول : كافأت المجدين كلّهم ، حيث (كل) توكيد للمجدين منصوب ، وقد أضيف إلى ضمير الغائبين.

وتقول : حضرت الفتيات كلّهن ، واستمعت إلى المحاضرة جميعها أو كلّها.

ونجعل منه بدل بعض من كل وبدل الاشتمال ، حيث يجب أن يضاف كلّ منهما إلى ضمير المبدل منه ؛ فتقول : فهمت الدرس نصفه ، وبنيت البيت أساسه ، وأعجبت بالفتى أخلاقه ، وبالرجل علمه ... إلخ.

٣٥٠

ثانيا : ٢ ـ أ ـ ٣ : ما يختص بالإضافة إلى المظهر :

الأسماء الملازمة للإضافة إلى اسم ظاهر هى : (ذو) ، وما يتفرع منها (١) وهى : ذو ، وذوا ، وذوو ، وذات ، وذواتا ، وذوات ، وأولو ، وأولات ، وكلّها بمعنى (صاحب) ومثناه وجمعه ، هذه الأسماء تلزم الإضافة لفظا ومعنى إلى اسم جنس ظاهر ، كأن تقول : إنه ذو علم ، وهما ذوا خلق ، وأكرمت ذوى التقوى ، كل من (علم ، وخلق ، والتقوى) مضاف إليه مجرور وهى أسماء جنس ، وما قبله من (ذو ، وذوا ، وذوى) مضاف يعرب حسب موقعه ؛ فالأول خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة ، والثانى : خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى ، والثالث مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الياء ، لأنه جمع مذكر سالم.

وهذه الأسماء وضعت للتوصل إلي وصف الذوات بأسماء الأجناس ، ولا تضاف إلا إلى اسم جنس ظاهر ؛ فهى لا تضاف إلى ضمير ولا إلى مشتقّ ، وأجازه بعضهم كما يفهم من كلام أبى حيّان.

وقد يضاف (ذو) إلى علم وجوبا إن قرنا وضعا ، نحو (ذو سليم ، ذويزن ، وذو الكلاع). وقد يضاف إلى علم جوازا ، كقولهم : ذو قطرى ، وذو عمرو ، وذو تبوك. والوصف بهذه الأسماء أبلغ من الوصف بـ (صاحب) ، حيث تضاف هذه إلى التوابع ، أما (صاحب) ؛ فإنها تضاف إلى المتبوع (٢) ، ويفسر ذلك فى الصفحات التالية.

ربما أضيف الجمع إلى ضمير غائب أو مخاطب فى الضرورة ، كما فى قول كعب :

صبحنا الخزرجية مرهفات

أبار ذوى أرومتها ذووها (٣)

__________________

(١) ينظر : المفصل ٨٧ / التسهيل ١٥٧ / شرح التصريح ٢ ـ ٣٥ / همع الهوامع ٢ ـ ٥٠ / الإتقان فى علوم القرآن ٢ ـ ٢٣٠.

(٢) ينظر : الموضع السابق ، الإتقان فى علوم القرآن ٢ ـ ٢٣٠ ، ٢٣١.

(٣) شرح التسهيل ٣ ـ ٢٤٢ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ٩٢٧ / همع الهوامع ٢ ـ ٥٠ / الدرر ٢ ـ ٦١.

٣٥١

حيث أضاف ضمير الغائبة إلى (ذوى) جمع (ذى) ، وهو ضرورة

ومنه ما أنشد الأصمعى :

إنّما يصطنع المع

روف فى الناس ذووه (١)

وقول الأحوص :

وإنا لنرجو عاجلا منك مثلما

رجوناه قدما من ذويك الأفاضل (٢)

ومن أمثلة إضافة هذه الأسماء إلى أسماء الأجناس :(وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) [البقرة : ٢٥١] ، (فضل) مضاف مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (ذو) خبر لكن مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة.

__________________

(١) المساعد ٢ ـ ٣٤٦ / الدرر ٢ ـ ٦١.

(إنما) إن : حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. ما : كافة لإن حرف مؤكد مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يصطنع) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (المعروف) مفعول به مقدم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (فى الناس) جار مبنى ومجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بالاصطناع. (ذووه) ذوو : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعة الواو ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، وهو مضاف ، وضمير الغائب الهاء مبنى فى محل جر ، مضاف إليه.

(٢) ديوانه ١٧٩ / المساعد ٢ ـ ٣٤٦.

(إنا) إن : حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، اسم إن. (لنرجو) اللام : لام الابتداء للتوكيد حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. نرجو : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. والفاعل ضمير مستتر تقديره : نحن. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر إن. (عاجلا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (منك) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل نصب ، صفة لعاجل ، أو متعلقة به ، (مثلما) مثل : نائب عن المفعول المطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. والتقدير : رجاء مثل : وهو مضاف ، وما : اسم موصول مبنى فى محل جر ، مضاف إليه ، (رجوناه) رجاء : فعل ماضى مبنى على الضم المقدرة. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. وضمير الغائب الهاء مبنى فى محل نصب مفعول به. والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (قدما) منصوب على الظرفية ، وعلامة نصبه الفتحة. (قدما) منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة. (من ذويك) جار ومجرور بالياء ، ومضاف إليه مبنى ، وشبه الجملة متعلقة بالرجاء. (الأفاضل) نعت لذوى مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٣٥٢

(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢]. (عدل) مضاف إليه مجرور ، (ذوى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى.

(وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى) [البقرة : ١٧٧]. (القربى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (ذوى) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم.

(سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) [المسد : ٣]. (لهب) مضاف إليه مجرور ، (ذات) نعت لنار منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) [سبأ : ١٦]. (أكل) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (ذواتى) نعت لجنتين منصوب ، وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى ، وحذفت النون للإضافة.

(قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) [النمل : ٣٣] (قوة) و (بأس) مضاف إليه مجرور. (أولو) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ، لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

(وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ)(١) [الطلاق : ٦].

(حمل) مضاف إليه مجرور. (أولات) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الكسرة.

__________________

(١) (إن) حرف شرط جازم مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب. (كن) كان فعل الشرط ماضى ناقص ناسخ مبنى على السكون. ونون النسوة ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم كان. (أولات) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الكسرة ؛ لانه ملحق بجمع المؤنث السالم. وهو مضاف. و (حمل) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جرة الكسرة ، (فأنفقوا) الفاء حرف مؤكد رابط الشرط بجوابه مبنى لا محل له من الإعراب.

رابط الشرط بجوابه مبنى ، لا محل له من الإعراب. أنفقوا : فعل أمر مبنى على حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل جزم ، جواب الشرط. (عليهن) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالإنفاق. (حتى) حرف غاية وجر مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يضعن) فعل مضارع مبنى على السكون فى محل نصب بحتى ، أو بأن المضمرة بعد حتى. ونون النسوة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (حملهن) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وهو مضاف ، وضمير الغائبات فى محل جر ، مضاف إليه.

٣٥٣

ومما يضاف إلى المظهر وجوبا (كل) فى النعت بها ، حيث تضاف إلى مثيل ما تنعته من اسم ، فتقول أعجبت بالرجل كلّ الرجل ، وفهمت الدّرس كلّ الدرس ، حيث (كل) فى الموقعين نعت لما قبلها ، فأضيفت إلى مثيل اللفظ الذى تنعته.

ملحوظة : الفرق بين ذى وصاحب :

هناك فرق معنوي يستخدم فى التركيب بين (ذى) و (صاحب) ، حيث : يستخدم (ذو) مضافا إلى التابع لا المتبوع ، فيقال : ذو الملك ، وذو العرش ، وذو القرنين ، وعند ما يفخم المسمّى بمثل هذه المعانى فإنه يستخدم (ذو) ، نحو : ذو الشهادتين ، ذو الشمالين ، وذو اليدين ، وما سبق مما أضيف إلى (ذى).

أما (صاحب) فإنه يستخدم مضافا إلى المتبوع لا التابع ، فتقول : أحمد صاحب علىّ ؛ فيكون أحمد تابعا ؛ فالمضاف إليه (صاحب) هو المتبوع.

وتقول : أبو هريرة صاحب النبى ، لا العكس.

وقد ورد فى القرآن الكريم «صاحب الحوت» ، و «ذو النون» ، والنون هو الحوت ، وكلاهما كناية عن يونس عليه السّلام ، وبينهما فى استخدام (صاحب وذى) فرق ؛ ففى معرض الثناء عليه عبّر عنه «بذى النون». وعند ما أريد بعدم التشبيه به عبّر عنه بـ (صاحب الحوت).

ولتقرأ قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء : ٨٧ ، ٨٨].

وقوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) [القلم : ٤٨ ، ٤٩].

٣٥٤

ثانيا : ٢ ـ بـ ـ ١ : ما يجوز قطعه عن الإضافة فينوّن :

من الأسماء الملازمة الإضافة إلى الاسم ما يجوز أن يقطع عن الإضافة فينون ، سواء قصدت الإضافة معنى أم لم تقصد ، وهذه الأسماء هى : كل ، وجميع ، وبعض ، وأى ، ومع ، ودراستها على التفصيل الآتى :

كل وجميع وبعض :

فيها معنى العموم والشمول والاختصاص ، وهى من الأسماء الملازمة للإضافة ، لكن إضافتها تكون على قسمين تبعا لغرض استعمالها فى التركيب :

أولهما : أن تستعمل فى التوكيد والنعت والبدل ، وحينئذ تلزم الإضافة لفظا ومعنى إلى الظاهر والمضمر ، من ذلك قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) [آل عمران : ١٥٤]. حيث (كل) مضاف إليه ضمير الغائب (الهاء) ، و (كل) توكيد للأمر منصوب. ، وقوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ). [الحج : ٤٠]. (بعض) الأولى بدل من الناس منصوب ، وهو مضاف ، وضمير الغائبين فى محل جر بالإضافة.

(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : ٣١]. (كل) توكيد للأسماء منصوب.

(قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) [آل عمران : ١٥٤]. (كل) توكيد للأمر منصوب.

وتقول : أعجبت بالرجل كلّ الرجل ، (كل) نعت للرجل مجرور.

وتقول : جاء القوم جميعهم. والنساء جميعهن. (جميع) توكيد لما قبله ، وهو مضاف ، والضمير فى الموضعين فى محل جر بالإضافة.

والآخر : أن تستعمل هذه الألفاظ فى غير التوكيد والنعت والبدل ، وحينئذ تكون ملازمة للإضافة معنى لا لفظا ، حيث يجوز حذف ما تضاف إليه ، وتبقى مضافة فى المعنى.

ومن أمثلة إضافتها قوله تعالى : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [هود : ٣] ،

٣٥٥

حيث (كل) مفعول به منصوب ، وهو مضاف ، و (ذى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء.

(قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [البقرة : ٢٥٩] ، (بعض) معطوف على (يوما) منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، و (يوم) مضاف إليه مجرور.

(فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) [البقرة : ٧٣] ، (بعض) مجرور بالباء ، وهو مضاف ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة.

ومن ذلك قوله تعالى : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) [آل عمران : ٥٠].

(بعض) مفعول به منصوب.

(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) [هود : ١٢]. (بعض) مفعول به منصوب لاسم الفاعل (تارك).

(وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) [المطففين : ١٢]. (كل) فاعل مرفوع.

(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس : ٣٧]. (كل) اسم مجرور بعد اللام.

ومن أمثلة قطعها عن الإضافة لفظا لا معنى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء : ٣٣]. (كل) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفيه نية الإضافة ، والتقدير : كل واحد من الليل والنهار والشمس والقمر.

(وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) [الفرقان : ٣٩]. (كلا) مفعول به منصوب.

(وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) [النساء : ١٣٠]. (كلا) مفعول به منصوب.

(وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) [البقرة : ١٤٥]. (بعض) الثانية مضاف إليه مجرور.

٣٥٦

(وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء : ١٥٠]. (بعض) فى الموضعين مجرور بالباء.

(أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) [القمر : ٤٤]. (جميع) خبر المبتدإ (نحن) مرفوع ، و (منتصر) نعت لجميع.

(تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر : ١٤]. (جميعا) مفعول به ثان لتحسب منصوب ، وكلها فى نية الإضافة.

ومنه قوله تعالى : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [هود : ٤٠]. (كل) اسم مجرور بعد (من).

(وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١١١]. (كلا) اسم (إن) منصوب.

ملحوظة :

قد يحمل الضمير العائد إلى (كل) على لفظه فيفرد ، وقد يحمل على معناه فيجمع.

مما حمل فيه على اللفظ فأفرد ما ذكر فى قوله تعالى : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) [مريم : ٩٥] ، تلحظ الإفراد فى آتى ، وفردا.

ومما حمل فيه على المعنى فجمع ما ذكر فى قوله تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) [النمل : ٨٧]. تلحظ الجمع فى : واو الجماعة ، وداخرين.

ولتلحظ ما يأتى :

(وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١١١].

(وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) [الفرقان : ٣٩].

(وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) [الأنبياء : ٧٢].

(وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا) [مريم : ٤٩].

٣٥٧

أما (جميع) فإنها تأتى كثيرا بدون إضافة ، وتكون منصوبة على الحالية غالبا ، من ذلك.

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران : ١٠٣].

(أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [النساء : ١٣٩].

(لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) [الحشر : ١٤].

كما قد تنصب (كل) على الحالية ، كقولهم : مررت بهم كلّا ، ومنهم من يجعل ذلك شاذا.

والتعبير بالبعضية إذا كان عائدا على اسم سابق عليه فإن التركيب يستوجب ذكر بعض السابق وبعضه الآخر ؛ لأن بعضه الأول يكون ذا علاقة دلالية معينة ببعضه الآخر تبعا للفعل الواقع عليهما ، وإن كان يستلزم حرف جرّ رابطا بينهما ذا دلالة معينة ، وقد يقع منهما أو عليهما مباشرة ، كما يستلزم ذلك (بعض) الأولى إلى ضمير ما هو كلّه ، أما (بعض) الثانية فإنها قد تخلو من الضمير ، وتقطع عن الإضافة لفظا لا معنى فتنون ، وهذا هو الغالب ، وإما أن تضاف إلى الضمير وتوصف بكلمة (الآخر).

من ذلك قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة : ٢٥١]. (بعض) الأولى بدل من الناس منصوب ، وهو مضاف ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة ، (بعض) الثانية مجرور بالباء ، وعلامة جره الكسرة.

ومنه : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [البقرة : ٢٥٣].

(الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ..) [البقرة : ٦٧].

وقد يكون الرابط الدلالىّ بين (بعض) الأولى و (بعض) الثانية اسما أو غيره ، كما فى قوله : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثية : ١٩].

٣٥٨

(بعض) الأولى مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة ، (أولياء) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، و (بعض) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، والجملة الاسمية فى محل رفع ، خبر (إن).

ومنه (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) [النور : ٤٠].

وقد يكون (بعض) الثانية فى جملة معطوفة على جملة (بعض) الأولى ، كما فى قوله تعالى : (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ.) [التحريم : ٣].

(وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) [النساء : ١٥٠].

والاسم السابق الذى يعود عليه (بعض) ، وقد أضيفت إلى ضميره الغائب أو المخاطب أو المتكلم قد يكون مفهوما من السياق ، أى : قد لا يكون مذكورا سابقا على (بعض) فى جملتها ، وتكون (بعض) الأولى لها موقعها الإعرابىّ فى الجملة. من ذلك قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) [سبأ : ٤٢].

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٥٠].

(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) [النساء : ٢١].

وقد يكون الفعل هو الرابط بين (بعض) الأولى ، و (بعض) الثانية : (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الأنعام : ١٢٩]. حيث الفعل (نولى) ربط بين (بعض) الأولى ، وهى مفعول به منصوب ، وهى فى معنى الفاعلية ، و (بعض) الثانية وهى التى يقع عليها التولية.

٣٥٩

(وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) [البقرة : ١٤٥] ، ربط اسم الفاعل (تابع) بين (بعض) الأولى ، و (بعض) الثانية. فالتابع بعض الأولى ، والمتبوع (قبلة بعض) الثانية.

أى :

من الأسماء الملازمة للإضافة (أى) ، وتدل أبدا على بعض من كلّ. و (أى) تضاف إلى النكرة مطلقا ، أى : سواء دلت على المفرد أم المثنى أم الجمع ، وهى ـ حينئذ ـ تطابقه فى المعنى ، وتكون معه بمنزلة (كل) فتقول : أى كتاب .. ، وأى كتابين ... ، وأى كتب ...

كما تضاف إلى المعرفة إن دلّت على مثنى أو جمع ، فتقول : أى الكتابين .. ، وأى الكتب ... ، وهى ـ حينئذ ـ لا تطابق المعرفة فى المعنى ، لأنها تكون معها بمعنى (بعض).

فإذا أضيفت (أى) إلى المفرد المعرفة فإنه يجب أن يدلّ هذا المفرد على مجموع ، أى : تكون (أى) بعض ما أضيفت إليه من المعرفة ، أى : تقع على بعضه ، فتقول : أى الكتاب أعجبك؟ ، أى : أى محتوى من محتويات الكتاب أعجبك؟ ، ويكون الجواب : طباعته ، أو : صوره ، أو : فكره.

وقد تضاف إلى المفرد إذا عطف عليها مثلها ، كقول الشاعر :

فلئن لقيتك خاليين لتعلمن

أيى وأيك فارس الأحزاب (١)

__________________

(١) الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٦١. (لئن) اللام موطئة للقسم حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب.

إن : حرف شرط جازم مبنى. (لقيتك) فعل الشرط ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع ، فاعل. وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (خاليين) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء. (لتعلمن) اللام حرف توكيد مبنى لا محل له. تعلم : فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة. والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت ، والنون حرف توكيد مبنى لا محل له. والجملة جواب القسم لا محل لها. وجملة جواب الشرط محذوفة دل عليها جملة جواب القسم. (أيى) مبتدأ مرفوع مقدرا ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة. (وأيك) عاطف ومعطوف ومضاف إليه. (فارس) خبر المبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل نصب مفعول تعلم. (الأحزاب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٣٦٠