النحو العربي - ج ٤

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٤

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٩٥

وتقول : ما جاءنا منذ أسبوعين ، فيكون (أسبوعين) مجرورا بالياء لأنه مضاف إليه (١).

قد يقع مكان المفرد بعد (مذ ومنذ) مصدر مؤول أو صريح ، فتقول : ما خرجت منذ خروجك ، أو مذ أن خرجت ، فيعرب إعراب الاسم المفرد. فى حال ذكره مرفوعا ، وفى حال ذكره مجرورا.

و (مذ ومنذ) لا يجرّان إلا الزمان (٢) ، ولا يخبر عنهما إلا به ، وتكونان مع الزمن الماضى بمعنى (من) ، فتقول : ما زارنا منذ يوم الجمعة ، ومع الزمن الحاضر بمعنى (فى) ، فتقول : ما زارنا مذ يومنا ، فإذا احتسبتهما مبتدأ كان ما بعدهما خبرا لهما ، إما فى معنى جواب (كم) مفيدتين أول الوقت إلى آخره ، نحو : ما زارنا مذ يومان ، وإما فى معنى جواب (متى) مفيدتين أول الوقت ، كأن تقول : ما زارنا مذ يوم الخميس.

بينا وبينما :

ظرفان يدلان على الزمان أو المكان ، حسبما يضاف إليهما ، وقيل : إن (بينما) تخلص للزمان ، ويلزمان الإضافة إلى جملة اسمية أو فعلية ، ومنهم من يقدر إضافتهما إلى زمن محذوف مضاف إليهما. فتقول : بينما أنا ذاهب قابلنى محمد ، حيث الجملة الاسمية (أنا ذاهب) فى محل جرّ بالإضافة.

وتقول : بينا وقف يجيب عن السؤال إذا صوته قد تحشرج ، الجملة الفعلية (وقف) فى محل جرّ بالإضافة.

ثانيا : ٣ ـ بـ ـ أفعل التفضيل :

يذهب أكثر النحاة إلى أن إضافة اسم التفضيل إضافة محضة ؛ لأنه لا يعمل فى المفعول به ، ودليل ذلك نعته بالمعرفة ، ومن النحاة ـ وعلى رأسهم ابن السراج

__________________

(١) قد تحتسب (منذ) حرف جر ، و (أسبوعين) مجرورا بحرف الجر (منذ).

(٢) ينظر : المقدمة الجزولية فى النحو ١٣٤.

٣٨١

والفارسى وأبو البقاء والكوفيون وجماعة من المتأخرين كالجزولى وابن أبى الربيع وابن عصفور (١) ـ من يذهب إلى أن إضافته غير محضة ، ولكن مثل ابن عصفور يعود فيذكر أن الإضافة فى مثل هذه الأسماء إلا الصفة المشبهة ومنها اسم التفضيل قد تكون محضة (٢). وينتصر السيوطى لكونه محضة إذ لا يحفظ وروده حالا ، ولا تمييزا ، ولا بعد (ربّ) وأل (٣).

وإذا لحظنا التركيب الذى يرد فيه اسم التفضيل من حيث العلاقة المعنوية بين المفضل والمفضل عليه ؛ نجد أنه يرد فى ثلاثة معان :

أولها : أن يكون المفضل جزءا من المفضل عليه ، وهذا المعنى يرد فيما إذا كان اسم التفضيل فى التراكيب الآتية :

أ ـ أن يكون اسم التفضيل مضافا إلى النكرة ، نحو ، محمد أفضل رجل ، وعلىّ أشجع بطل ... وتلمس أن المفضل جزء من المفضل عليه ؛ لأن المفضل عليه أخذ معنى اسم الجنس.

ب ـ أن يكون مضافا إلى مقرون بأداة التعريف ، نحو : حاتم أكرم القوم ، وشريف أصدق القائلين. حيث حاتم من القوم ، وشريف من القائلين ، وتقول : الخزّ أفضل الثياب ، ومحمود أشجع الإخوة ، وهو أحد الإخوة. ولو قلت : الإنسان أعقل الدوابّ لجاز ؛ لأن الإنسان من الدواب.

ج ـ أن يكون مضافا إلى ضمير غير الواحد ، نحو : إنه أفضلهم ، هو خيرهما ، أنتم أحاسنهم .. الخ ، وتلمس أن المفضل جزء من المفضل عليه.

د ـ أن يكون معرفا بالألف واللام ، نحو : محمد الأفضل ، وعلىّ الأشجع ، وفيه إضافة مقدرة ، أى : أفضل الناس ، أو : الخلق ، أو : الموجودين ... إلخ.

__________________

(١) ينظر : شرح التصريح ٢ ـ ٢٧.

(٢) ينظر : المقرب ١ ـ ٢٠٩.

(٣) همع الهوامع ٢ ـ ٤٨.

٣٨٢

ثانيها : أن يكون المفضل مساويا للمفضل عليه فى المعنى والقدر ، كأن يكون فى أسلوب التفضيل مقارنة بين اثنين فى صفة ما فتفضل بين الاسمين بـ (من) الجارة ، فتقول : علىّ أكرم من محمود ، وتلمس أن المقارنة بين علىّ ومحمود فى صفة الكرم ، وليس علىّ جزءا من المفضل عليه ، كما هو فى القسم السابق.

وتقول : إنه أكثر مكرا من الحمار ... إلخ. فلا يكون إضافة.

ثالثها : أن يكون المفضل مذكورا لبيان صفة تفضيله فقط ، دون ذكر المفضل عليه ، فلا يكون إضافة ، نحو : علىّ أكثر شهامة ، وأعلى قدرا ..

وتلحظ أن اسم التفضيل فى التراكيب الثلاثة الأولى من القسم الأول يلزم فيهما إضافة اسم التفضيل لفظا ومعنى ، حيث إن اسم التفصيل إذا أضيف إلى شىء كان جزءا مما أضيف إليه (١) ، وهو فى التركيب الرابع مقدر فيه الإضافة معنى لا لفظا.

وفى القسمين الآخرين لا يكون فيهما إضافة ؛ لذا جعلنا الثلاثة الأولى من التراكيب مما يلزم فيه الإضافة المعنوية إلى المظهر أو المضمر حيث وجوبها ، وآثرنا ذكره جملة فى هذا القسم الخاص.

ثالثا : ما يجوز إضافته :

يلاحظ أن الأسماء التى لا يمتنع إضافتها ، ولا يلزمها الإضافة ، تنقسم إلى قسمين ، فمنها ما يغلب عليه الإضافة ، ومنها ما يضاف إذا احتيج إلى إضافته.

ثالثا ـ أ : ما لازم الإضافة غالبا :

تلحظ أن بعض الأسماء يمكن أن تصير معرفة بدون إضافة ، ولكنها لا تكتسب معنى التحديد والتخصيص إلا بنسبتها إلى غيرها ، أى : أنها فى حاجة إلى التقييد دائما ، وذلك بنسبتها ، ولو كانت هذه النسبة ذهنية أو معنوية بين المتحدث والمتلقى ، ومن أمثلة هذه الأسماء : عبد ، وابن ، وأبو ، وأخو ، وحمو ، واسم ، وكلمة ، وجملة ، وأثر ... إلخ. وكذلك : ساعة ، يوم ، وسنة ... إلخ ، شرط أن تكون ظرفا.

__________________

(١) التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٩٢.

٣٨٣

فعند ما تقول : جاء الابن ، لزم أن يقيد هذا الابن ، وذلك عن طريق الإضافة ، فيقال : ابن فلان ، أو : ابنه ، أو ابنك ، أو تكون الإضافة مفهومة من السياق ، كأن يكون : انتظر محمد ابنه ، فلما جاء الابن ، أى : ابن محمد.

ومنها كذلك : أحد ، وآخر. حيث إن كلا منهما يكون منسوبا إلى مجموعة ـ غالبا ـ فتقول : ولما أقبل أحدهم أوقفناه ، ولمّا جاء آخرهم تركناهم.

ومن أمثلة هذه المجموعة من الأسماء التى يغلب عليها لزوم الإضافة :

قوله تعالى : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) [مريم : ٢](١) ، (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) [الفرقان : ٦٣] ، (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) [يوسف : ٦٣](٢)(إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) [يوسف : ٨] ، (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) [التوبة : ١١٧].

ومنها قولك : آتيك يوم الخميس ، واقتربت منك ساعة انتهيت ، اسمه علىّ ، وأثره إيجابىّ على من حوله ، جملة (المخلص محبوب) جملة اسمية ...

ومنها : مثل وشبه :

(مثل) من الألفاظ المبهمة التى تضاف إلى معرفة ، وتوصف بها النكرة ، وتقع مواقعها ، و (مثل) بمعنى (شبه) ، وفيهما معنى التسوية. وهما يلزمان الإضافة لفظا ومعنى إلى مضمر أو مظهر (٣) ، ويعربان حسب موقعهما فى الجملة.

__________________

(١) (ذكر) : إما مبتدأ خبره محذوف ، وإما خبر لمبتدأ محذوف ، ويرى بعضهم أنه خبر الحروف المقطعة (كهيعص). (عبد) مفعول به للمصدر ذكر ، منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (زكريا) بدل أو عطف بيان أو مفعول به لفعل محذوف منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة.

(٢) (ليوسف) : اللام : لام الابتداء حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وهى تفيد توكيد مضمون الجملة.

(يوسف) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (أحب) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل نصب ، مقول القول. (ونحن عصبة) الواو : واو الحال أو الابتداء ، حرف مبنى لا محل له من الإعراب والجملة الاسمية حال فى محل نصب حال.

(٣) ينظر : الكتاب ١ ـ ٥٥ ، ٣٦٤ ، ٤٢٠ ، ٤٣٠ ، ٢ ـ ١٣ ، ١٤ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٥٥ / المفصل ٨٧.

٣٨٤

ومن ذلك قوله تعالى : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [إبراهيم : ١١].

(مثل) صفة للنكرة المرفوعة (بشر) ، وهى مضاف ، وضمير المخاطبين فى محلّ جر بالإضافة.

(فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ) [طه : ٥٨].

(إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) [الفجر : ٧ ، ٨] (مثل) نائب فاعل مرفوع ، وضمير الغائبة مبنى فى محلّ جر بالإضافة إليه.

(قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ) [المائدة : ٣١](١). (مثل) خبر كان منصوب ، واسم الإشارة (هذا) فى محل جر بالإضافة.

وتقول : رأيت رجلا وشبهه ، وشبيهه ، فيكون كل من (شبه) و (شبيه) نعتا للنكرة (رجل) منصوبا ، وضمير الغائب فى محلّ جر بالإضافة.

ومثل (مثل وشبه) مثيل ، وشبه ، وشبيه ، وخدن ، وخدين ، فتقول : إنه شبيهك ، وأنت مثيله ، وهو خدنك وخدينك ، أى صديقك.

وأما (شبيه) فليست الإضافة غالبة على لفظه (٢).

وكذلك : بدل ، فتقول : إنه بدل فلان.

__________________

(١) (قال) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله مستتر تقديره : هو. (يا ويلتى) حرف نداء مبنى ، ومنادى منصوب مقدرا ، وضمير المتكلم قلب إلى ألف ، والأصل يا ويلتى. والأسلوب الندائى للتحسر والندم.

(أعجزت) الهمزة حرف نداء مبنى ، لا محل له الإعراب. عجز : فعل ماضى مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة مقول القول فى محل نصب. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. (أكون) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. واسمه ضمير مستتر تقديره : أنا. (مثل) خبر أكون منصوب ، وعلامة نصبة الفتحة ، والمصدر المؤول فى محل جر ، نصب على نزع الخافض ، والتقدير : عن أن أكون. (هذا) اسم إشارة مبنى فى محل جر بالإضافة. (الغراب) بدل ، أو عطف بيان من اسم الإشارة مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (فأوارى) أنا الفاء حرف عطف مبنى. أوارى : فعل مضارع منصوب بالعطف على أكون. والفاعل مستتر تقديرة. (سوأة) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبة الفتحة. (أخى) مضاف إليه مجرور ، مقدرا ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة.

(٢) التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٩٠.

٣٨٥

(مثل) معرفة :

ذكرنا أن مثلا متوغلة فى الإبهام ، ولا تتعرف من خلال الإضافة إلا فى تركيب واحد ، وهو : إذا كان للمضاف إليه مثل اشتهر بمما ثلته فى شئ من الأشياء ، كالعلم والشجاعة ، فقيل له : جاء مثلك ، كان معرفة إذا قصد الذى يماثله فى الشىء الفلانى (١).

ـ ويلحق بالأسماء التى يغلب عليها الإضافة إلى ما بعدها كلّ ما يمكن أن يكون مبيّنا لمقدار ، أو محددا لحدود شىء ما من ألفاظ ، أو ما يمثل جزأه أو بعضه ، من نحو : كل ، وبعض ، ونصف ، وثلث ، وربع ، ومعظم ، وأقل ، ومحيط ، ومساحة ، وحجم ، وكتلة ، وقطر ، وضلع ، وسقف ، وباب ، ... إلخ. فمثل هذه الأسماء يغلب عليها الإضافة ؛ لأنها جزء كلّ ، أو بعضه ...

ثالثا ـ بـ : ما يضاف عند حاجته إلي الإضافة :

المقصود فى هذا القسم تلك الأسماء التى يمكن أن تضاف إذا احتيج إلى توضيحها أو تبيينها أو تحديدها أو تقييدها ، ويمكن ألا تضاف إذا لم يحتج المعنى السياقى إلى ذلك ، فكلاهما فى التركيب سواء ، والمعنى هو الذى يتطلب الإضافة ، وتتعدد صور الإضافة فى هذا القسم ، ومن تلك الصور :

ـ إضافة المعرفة إلي النكرة (نكرة+ معرفة) : من ذلك : ذاك قصدهم ومعناهم ، حيث النكرتان (معنى وقصد) أضيفتا إلى المعرفة ضمير الغائبين (هم).

ومن ذلك : قول الحكماء ، إنّ إجابة محمود خير الإجابات ، استمعت إلى بقية هذا القول ، صار ابن الذى ألفّ الكتاب أستاذ المادة.

كل من النكرة : قول ، وقول ، وإجابة ، وخير ، وبقية ، وابن ، وأستاذ ، مضاف ، والمضاف إليه كل من المعرفة : ضمير الغائب (الهاء) ، والمعرف بالأداة (الحكماء) ، والعلم (محمود) ، والمعرف بالأداة (الإجابات) ، واسم الإشارة (هذا) ، والاسم

__________________

(١) يرجع إلى شرح الرضى على الكافية ١ ـ ٢٧٥.

٣٨٦

الموصول (الذى) ، والمعرف بالأداة (المادة) ، وإذا أضيفت النكرة إلى المعرفة صارت معرفة (١).

ـ إضافة النكرة إلى النكرة : نكرة+ نكرة : نحو : قد يكون المضاف اسم إشارة ، وقد يكون ضمير مخاطب. حيث أضيفت النكرة (إشارة) إلى النكرة (اسم) ، ومثله التركيب الإضافى (ضمير مخاطب).

ومثله القول : أحسّ بفضل بيان ، وفصاحة لسان ، ورجاحة عقل. وكذلك أن تقول : ابن من حصل على المركز الأول؟ غلام من جاءك فأكرمه. ومنه قوله تعالى : (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) [مريم : ٢٨].

ـ ومن إضافة النكرة إلى النكرة إضافة العدد إليها (نكرة+ عدد) : من ذلك : أنت ابن تسع عشرة سنة ، أو تسعة عشر عاما ، حيث (ابن) النكرة الخبر المرفوع مضاف ، والعدد (تسع عشرة أو تسعة عشر) مضاف إليه.

ـ وكذلك إضافة النكرة إلى العدد : (عدد+ نكرة) : نحو : ذاكرت ثلاثة دروس ، وكتبت أربع صفحات ، وستة أسطر. كل من النكرات : دروس ، وصفحات ، وأسطر ، مضاف إلى الأعداد : ثلاثة ، وأربع ، وستة.

ـ ومن إضافة المعرفة إلى النكرة إضافة العدد إليها : (عدد+ معرفة) : نحو : اشتريت ثلاثة الكتب ، وقرأت مائة الصفحة. حيث المعرفة (الكتب). مضافة إليها النكرة (ثلاثة) ، لكن المراد بالتعريف فى هذا التركيب الإضافىّ تعريف العدد.

ومثل ذلك التركيب الإضافى (مائة الصفحة)

ـ إضافة المعرفة إلى المعرفة : (معرفة+ معرفة) : لا تضاف المعرفة إلى المعرفة إلا فيما إذا كان الجزء الأول من الإضافة صفة مشتقة عاملة فيما بعدها ، والجزء الثانى من الإضافة معرفة بالأداة ، أو مضاف إلى ما فيه الأداة ، أو مضاف إلى ضمير يعود على معرفة ، أو كان الجزء الأول مثنى أو مجموعا جمع مذكر سالما.

٣٨٧

نحو : أعجبت بالمتقن العمل ، أو بالمتقن صناعة الأثاث ، أو بالرجل المتقن صناعته ، أو بالرجلين المتقنى العمل ، أو بالرجال المتقنى العمل ، بإضافة كلّ من (العمل ، صناعة ، صناعته ، العمل ، العمل) إلى المعارف (المتقن ، المتقن ، المتقن ، المتقنى ، المتقنى).

ـ تداخل الإضافات : قد تتداخل الإضافات مع بعضها ، أى : تتوالى المتضايفات ، ومن ذلك :

ـ إضافة المعرفة إلى النكرة المضافة إلى النكرة : (نكرة+ نكرة+ معرفة) : من ذلك أن تقول : الذى أرجوه من المنفعة وصلاح قلوب العامة الأجر الكبير. حيث المعرفة (العامة) أضيفت إلى النكرة (قلوب) المضافة إليها النكرة (صلاح).

ومنه أن تقول : كان ذلك على قدر عمل الرجال ، ومنه قوله تعالى : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا) [مريم : ٦٤] (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها) [طه : ١٣٠] (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) [النور : ٣٥] ، (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [البقرة : ٨٣].

ـ إضافة النكرة إلى النكرة المضافة إلى نكرة المضافة إلى معرفة : (نكرة+ نكرة+ نكرة+ معرفة) ، نحو : قرأت كتابا فى تصنيف حيل لصوص النهار ، وفى تفصيل حيل سرّاق الليل ، حيث المعرفة (النهار) أضيفت إلى النكرة (لصوص) المضافة إلى النكرة (حيل) المضافة إلى النكرة المجرورة (تصنيف) ، ومثله التركيب الإضافى المتداخل : (تفصيل حيل سراق الليل).

ومنه قوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) [الإسراء : ١٠٠].

ـ إضافة النكرة إلى النكرة إلى النكرة. (نكرة+ نكرة+ نكرة) :

نحو : فى ذلك إخبار عن كل موعظة حكيم ، وتعريف بكلّ بلاغة خطيب.

حيث النكرة (حكيم) أضيفت إلى النكرة (موعظة) المضافة إلى النكرة (كل) ، ومثله التركيب الإضافى (كل بلاغة خطيب).

٣٨٨

ومنه أن تقول : فهمت فكرة درس ، حرص على سلامة أىّ لاعب.

ملحوظات :

أ ـ من حيث عددية المضاف إليه :

كلّ الأسماء الملازمة للإضافة يجوز إضافتها إلى المفرد والمثنى والمجموع ، إلا ما نصّ عليه سابقا من شرط تقييد العدد فى ما يضاف إلى بعضها ، وهى :

كلا وكلتا :

لا يضافان إلا إلى مثنى معرفة ، وقد تضاف إلى مفرد معطوف عليه مفرد آخر فى الضرورة الشعرية. كما قد تضاف إلى ما لفظه مفرد واقع على اثنين.

ـ أى :

إذا أضيفت إلى معرفة فإنه يجب أن يدلّ على أكثر من الواحد ، أى : يجب أن يدل على مثنى أو جمع. فتقول : أى الطلاب حضر؟ ، وأى الدرسين ذاكرت؟

سواء أكانت (أى) استفهامية ، أم شرطية ، أم موصولة.

وإذا أضيفت إلى المفرد المعرفة فإنها يجب أن تدلّ على بعضه ، فكأن المفرد الذى أضيفت إليه أجزاء ، فتقول : أى محمد أصيب؟ أى : أى أعضاء محمد أصيب؟

وإذا أضيفت (أى) إلى النكرة فإن النكرة يجوز أن تدلّ على الواحد أو الاثنين أو الجماعة.

ـ (أفعل) التفضيل :

مثل (أى) ، إذا أضيف إلى معرفة فإنه يجب أن يدلّ على أكثر من الواحد ، فتقول : محمد أفضل الرجال ، أو : أفضل الرجلين. وأفضل الرجال قام ، وأفضلهما أكرمناه. وإذا أضيف إلى المفرد المعرفة فإنه يجب أن يدلّ على بعضه ، فتقول أفضل مصطفى عيناه. أو حديث مصطفى أعذب ما فيه.

وإذا أضيف (أفعل) التفضيل إلى النكرة فإن النكرة يجوز أن تدلّ على الواحد أو الاثنين أو الجماعة.

٣٨٩

ـ أحد وإحدى :

لا يضاف (أحد وإحدى) إلا إلى اثنين أو جماعة. فتقول : أكرمت أحد الرجلين ، أحد هؤلاء الرجال أجاب عن السؤال ، رأيت إحدى الفتاتين. أجبت عن إحدى المتسائلات.

ب ـ مسألة في الرتبة :

تقديم معمول المضاف إليه :

من المعقول أن تكون الرتبة بين المضاف والمضاف إليه محفوظة لفظيا ومعنويا ، أذإنها نسبة تقييدية ، المراد فيها الأول ، والمقيّد له الثانى ، فكان وجوب حفظ الرتبة.

كما لا يقدم معمول المضاف إليه على المضاف ؛ لأن معمول المضاف إليه من تمامه معنويا ، كما أن تقدمه يلبس لفظيّا ، وبالتالى معنويا.

لكن معمول المضاف إليه قد يتقدم على المضاف ؛ إذا كان المضاف لفظ (غير) مرادا به النفى ، فيجوز : زيد عمرا غير ضارب (١) أى : زيد غير ضارب عمرا.

ومنه قول أبى زبيد الطائى :

إنّ امرأ خصّنى عمدا مودته

على التنائى لعندى غير مكفور (٢)

والأصل ، غير مكفور عندى ، فشبه الجملة (عندى) متعلقة بالمضاف إليه اسم المفعول (مكفور) ، فهى معموله ، و (مكفور) مضافة إليها (غير) التى تفيد النفى ، فجاز تقدّم شبه الجملة (عندى) على المضاف (غير).

__________________

(١) ينظر : المساعد ٢ ـ ٣٣٦.

(٢) ديوان ٧٨ / المساعد : ٢ ـ ٣٣٧ / الأشمونى على الصبان على الألفية : ٢ ـ ٢٨٠.

(إن) حرف توكيد ونصب مبنى لا محل له. (امرأ) اسم إن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (خصنى) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله مستتر تقديره : هو ، والنون للوقاية ، وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة الفعلية فى محل نصب ، نعت لامرئ. (عمدا) مصدر واقع موقع الحال منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (مودته) منصوب على نزع الخافض ، وضمير الغائب فى محل جر بالإضافة. (على التنائى) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالخصوصية. (لعندى) اللام للابتداء. عند ، ظرف مكان منصوب مقدرا ، وضمير المتكلم مضاف إليه فى محل جر. وشبه الجملة متعلقة بمكفور. (غير) خبر إن مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (مكفور) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٣٩٠

النوع الثانى (الإضافة اللفظية)

الأثر اللفظى للتركيب الإضافى :

النوع الثانى للإضافة هو الإضافة اللفظية ، أو الإضافة غير المحضة ، أو المجازية ، والغرض من هذه الإضافة غرض لفظىّ ، حيث ينوى بها الانفصال ، ولا يسرى إلى المضاف شىء من معنى المضاف إليه فيها.

وضابطها التركيبى أن يكون المضاف صفة مشتقة تشبه المضارع فى زمنه فى الحال أو الاستقبال عاملة فى ما أضيفت إليه ، وذلك احترازا من الصفات غير العاملة فيما بعدها ، من نحو : كريم البلد ، ووجيه القوم ، ومصارع مصر ، وتحدد فى الصفات المشتقة :

ـ اسم الفاعل ، مضافا إلى ظاهر أو مضمر منصوب معنى ، نحو : هو مكرم الضيف الآن أو غدا ، أو : هو مكرمنا الآن أو غدا ، فكلّ من : الضيف وضمير المتكلمين مضاف إليه اسم الفاعل (مكرم) ، وهما مجروران بالإضافة فى محل نصب على المفعولية.

ـ أمثلة المبالغة المضافة إلى منصوبها المظهر أو المضمر المنصوب معنى ، نحو : هو شّراب العسل ، هى فتّانته ، كلّ من (العسل وضمير الغائب) مضاف إليه صيغة المبالغة (شراب وفتانة) ، وهما فى محلّ نصب على المفعولية معنى.

ـ الصفة المشبهة باسم الفاعل المضافة إلى معمولها المرفوع معنى ، نحو : هو طاهر القلب ، هى كريمة اليد ، إنها حسنة الوجه ، هم مستقيمو السيرة ، معتدلو الطبيعة ، حيث كل من (القلب واليد ، والوجه ، والسيرة ، والطبيعة) مضاف إلى الصفة المشبهة التى تسبقه (طاهر ، كريمة ، حسنة ، مستقيمو ، معتدلو).

والمضاف إليه فى محلّ رفع على الفاعلية معنى ، ويجوز فيها محلّ النصب على المفعولية ، أو التمييز إذا كانت نكرة.

ويجوز أن تضيف هذه الصفات المشبهة إلى المضمرات ، فتقول : الخط أنت جميله ، الوجه هو حسنه ، الأخلاق هم مهذبوها ...

٣٩١

ـ اسم المفعول المضاف إلى معموله المرفوع معنى ، نحو : هو مكرم الابن الآن أو غدا ، حيث (الابن) مضاف إليه اسم المفعول (مكرم) ، وهو مرفوع معنى ؛ حيث نيابته عن الفاعل.

الأسماء التى لا تتعرف من خلال الإضافة :

من الإضافة غير المحضة إضافة تلك الأسماء التى لا تتعرف من خلال الإضافة ، لإيغالها فى الإبهام ، أو لشدة إبهامها. نحو : غيرك ، مثلك ، شبهك ، خدنك ، تربك ، همك ، هدك ، حسبك ، شرعك ، وضربك وكفيك (بكسر الكاف وفتحها وضمها) ، وكفاؤك ، وكافيك ، وناهيك من رجل ، وعبر الهواجر ، وقيد الأوابد ، وواحد أمه ، وعبد بطنه (١).

و (مثل وغير) يتعرفان من خلال وقوعهما بين متضادّين معرفتين مضافين إلى ثانيهما ، نحو : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ..) [الفاتحة : ٧] ، حيث وقعت (غير) بين معرفتين متضادّتين (الذين أنعمت عليهم) ، و (المغضوب) وقد أضيفت إلى (المغضوب).

ومنه القول : عليك بالحركة غير السكون.

وكذلك إذا كان للمضاف إليه مثل اشتهر بمماثلته فى شىء من الأشياء كالعلم ، والشجاعة ، فقيل له : جاء مثلك ؛ كان معرفة إذا قصد الذى يماثله فى الشىء الفلانى (٢).

الإضافة اللفظية لا تفيد تعريفا :

الإضافة اللفظية لا تفيد تعريفا ، والدليل على ذلك ما يأتى :

ـ جواز نعت النكرة بالمضاف منها إلى المعرفة ، بما يدلّل على أنها نكرة ، حيث لا تكون المعرفة صفة للنكرة ، ولا أقوى منها مرتبة ، فتقول : نظرت إلى رجل

__________________

(١) المقرب ١ ـ ٢٠٩ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٠٣.

(٢) شرح الرضى على الكافية ١ ـ ٥٢٧.

٣٩٢

حسن الوجه ، حيث (حسن) نعت لرجل مجرور ، ومادام المنعوت نكرة ، وجب أن يكون النعت نكرة.

ـ امتناع نعت المعرفة بها ، والمعرفة لا تنعت بالنكرة ، وإنما تنعت بالمعرفة ، فعدم نعت المعرفة بها دليل على تنكيرها. فلا تقول ، مررت بزيد حسن الوجه ، بجرّ (حسن) على أنه نعت لزيد ، ولكن يجوز هذا التركيب بالنطق نفسه على أن النكرة بدل من (زيد) ؛ لأنه يجوز أن تبدل النكرة من المعرفة.

ويجوز أن تكون النكرة فى مثل هذا التركيب حالا كما هو فى قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ) [الحج : ٨ ، ٩] ، حيث (ثانى) فى محلّ نصب ، حال من ضمير الغائب الفاعل فى (يجادل) ، وهو أول الإضافة اللفظية بما يدلل على أنه نكرة ؛ لأن الحال يجب أن تكون نكرة أو مؤولة بها.

ـ جواز دخول (ربّ) على هذا التركيب الإضافىّ ، فتقول : ربّ حسن الخلق لقيت ، وربّ فاهم الدرس سألته ، ولا تدخل (رب) إلا على النكرات.

تسمّى بغير المحضة :

الإضافة اللفظية تسمّى بالإضافة غير المحضة ؛ لأنها فى نية الانفصال ، فقولك : قارئ الكتاب ؛ فى تقدير : قارئ هو الكتاب ؛ لأن قارئا فيه ضمير مستتر هو الفاعل.

ولأنها ليست إضافة محضة فإنه يجوز أن تجتمع (أل) التعريفية معها فى تراكيب خاصة ، ذكرناها فيما قبل.

ملحوظات :

أولا : المصدر والإضافة :

ذهب بعض النحاة (ابن برهان وابن الطراوة) إلى أن إضافة المصدر إلى مرفوعه أو إلى منصوبه إضافة غير محضة ، لكن جمهور النحاة يذهبون إلى أنها إضافة حقيقية ، وذلك لنعته بالمعرفة فى قول الشاعر :

٣٩٣

إن وجدى بك الشديد أرانى

عاذرا فيك من عهدت عذولا

حيث أضيف المصدر (وجد) إلى ضمير المتكلم ، ونعت بالمعرف بالألف واللام (الشديد).

ثانيا : اسم التفضيل والإضافة اللفظية :

اختلف فى اسم التفضيل : فأكثر النحاة يرون أن إضافته إضافة محضة ، خلافا لابن السراج والفارسى وأبى البقاء والكوفيين وجماعة من المتأخرين كالجزولى وابن أبى الربيع وابن عصفور ، وندرسه فى المحضة.

ثالثا : الصفة بمعنى الماضى :

اختلف فى الصفة التى بمعنى الماضى ، نحو : ضارب زيد أمس ، حيث يرى الكسائى أنها غير محضة ، بخلاف سائر النحاة.

رابعا : الصفة غير العاملة :

الصفة التى لا تعمل تكون إضافتها إضافة محضة ، نحو : كاتب القاضى ، وكاسب عياله ، ومصارع مصر ، وكريم البلد ، وعميد القوم ، ومدرس الفصل ...

خامسا : إضافة الشىء إلى صفته أو العكس :

يذكر ابن فضّال المجاشعى أنّ من هذا النوع من التركيب الإضافىّ :

أ ـ «إضافة الشىء إلى ما كان ينبغي أن يكون صفته. نحو قولك : صلاة الأولى ، ومسجد الجامع ، والتقدير : صلاة الفريضة الأولى ، ومسجد اليوم الجامع ، والوقت الجامع ، وإن شئت قلت : الصلاة الأولى ، والمسجد الجامع ، فجعلت الثانى وصفا للأول» (١) ؛ لذا فإنه يجعل هذه الإضافة إضافة لفظية ، حيث إفادتها ما سبق من صفات لفظية ، وعدم إفادتها تعريفا أو تخصيصا. وما ذكرناه من قولهم : بقلة الحمقاء ، وجانب الغربى ، إذ ذلك متأول بتقديرهم : بقلة الحبة الحمقاء ، وجانب المكان الغربى ، إلا إذا قصد : الجانب الغربى.

__________________

(١) شرح عيون الإعراب ٢١٥.

٣٩٤

ومنها : دار الآخرة ، وحبة الخضراء ، وليلة القمراء ، ويوم الأول ، وساعة الأولى ، وليلة الأولى ، وباب الحديد.

ب ـ ويكون منه إضافة الصفة إلى موصوفها ، وهو ما يذكر فى قولهم : جرد قطيفة ، وأخلاق ثياب ، ومنه قول الشاعر :

إنا محيّوك يا سلمى فحيّينا

وإن سقيت كرام الناس فاسقينا (١)

أى : الناس الكرام ، فأضاف الصفة إلى الموصوف.

الغرض من الإضافة اللفظية :

المضاف فى هذا النوع من الإضافة لا يكتسب من المضاف إليه معنى ، وإنما يكتسب منه أحد ثلاثة أمور ، وهذه تعدّ الأغراض التى تنشأ من أجلها الإضافة اللفظية ، وهى :

أولها : التخفيف لفظا :

أصل الصفات المشتقة أن تعمل النصب أو الرفع ، وهذا يستوجب الفصل

بينها وبين معمولها بالتنوين ، أو بإثبات النون فى المثنى وجمع المذكر السالم ، والخفض بالإضافة أخفّ منه ، إذ لا تنوين ولا نون معه.

فإذا قلت : هذا مذاكر الدرس ، وهاتان مذاكرتان الدرس ، هؤلاء مذاكرون الدرس ، وكلها بنصب (الدرس) لتكون مفعولا به لاسم الفاعل ، ويلزم لذلك الفصل بين الصفة ومعمولها بالتنوين ، أو بإثبات النون. ولكنك بالإضافة تحذفهما (التنوين والنون) ، فتقول : هذا مذاكر الدرس ، وهاتان مذاكرتا الدرس ، وهؤلاء مذاكرو الدرس ، بخفض (الدرس) على الإضافة ، فيحذف التنوين ، وتحذف نون المثنى ، ونون جمع المذكر السالم ، فيخف التركيب بالإضافة نطقا.

__________________

(١) ينظر : شرح ابن يعيش ٦ ـ ١٠١ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٠٧ / الخزانة ٣ ـ ٥١٠.

(محيوك) محيو : خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ، وهو مضاف ، وضمير المخاطب الكاف مبنى فى محل جر مضاف إليه. (فاسقينا) الفاء : حرف واقع فى جواب الشرط للربط والإلفات ، مبنى لا محل له من الإعراب ، اسقى : فعل أمر مبنى على حذف النون. وياء المخاطبة : ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة جواب الشرط فى محل جزم.

٣٩٥

ومن قبيل التخفيف اللفظىّ فى المضاف إليه حذف الضمير واستتاره فى الصفة العاملة فى المضاف إليها ، نحو : القائم الغلام ، وأصله : القائم غلامه ، فحذف الضمير. من (غلامه) ، واستتر فى القائم ، وأضيف إليه للتخفيف ..

ثانيها وثالثها : رفع القبح والتجوز :

إذا قلت فى استخدام الصفة المشبهة باسم الفاعل : مررت بالرجل الحسن الوجه ، فإنه يجوز لك فى (الوجه) فى هذا التركيب ثلاثة أوجه : الرفع على الفاعلية ، والتقدير : حسن وجهه ، أو : حسن وجهه ، فالوجه هو الحسن ، وحينئذ يقبح خلوّ الصفة المشبهة من ضمير يعود على الموصوف ؛ لأنها شغلت بالفاعل المظهر (وجهه). والإضافة اللفظية فى مثل هذا التركيب ترفع هذا القبح.

كما يجوز لك أن تنصب (الوجه) على التشبيه بالمفعولية أو على التمييز ، وحينئذ يحصل التجوز ، حيث أجرى الفعل القاصر مجرى الفعل المتعدى ؛ لأن الصفة المشبهة لا تكون إلا من فعل لازم ، والجرّ على الإضافة يرفع هذا التجوز.

فالوجه الثالث وهو الجرّ على الإضافة اللفظية يرفع القبح والتجوز.

ملحوظة : زمن الصفة المشتقة والإضافة :

يحدد زمن الصفة المشتقة فى الإضافة اللفظية الأوجه التركيبية لجزأى الإضافة على النحو الآتى (١) :

أ ـ إذا كانت الصفة المشتقة اسم فاعل أو اسم مفعول وزمنها للحال أو الاستقبال جاز فيها الإضافة والإعمال بالفصل بين جزأى الإضافة ، نحو : محمد زائرنا اليوم ، أو غدا ، بالإضافة ، ويجوز أن تقول : محمد إيانا زائر اليوم أو غدا.

وتقول كذلك : درس اليوم مفهوم الفكرة ، ومفهومة فكرته.

ب ـ إذا كانت الصفة المشتقة اسم فاعل أو اسم مفعول وزمنها فى الماضى وجبت الإضافة ، وامتنع الفصل والإعمال ، ذلك عند جمهور النحاة حيث يرون أن

__________________

(١) ينظر شرح المقدمة المحسبة لابن بابشاذ ٢ ـ ٣٣٢.

٣٩٦

هذه الإضافة إضافة محضة. فتقول : محمد زائرنا أمس. ودرس أمس مفهوم الفكرة.

ولك أن تلحظ الفرق بين التركيبين السابقين فيما إذا قلت : هذا زيد مكلمنا أمس ، رفعت (مكلما) على النعت لزيد ؛ لأنها إضافة حقيقية ، فجاز لاسم الفاعل أن يوصف به المعرفة ؛ لأنه اكتسب التعريف مما أضيف إليه ، أما قولك : هذا زيد مكلمنا غدا ، فإنك تنصب (مكلما) على الحالية ؛ لأنها إضافة غير حقيقية ، فلا يوصف باسم الفاعل فيها المعرفة ، فلا تكون إلا حالا ؛ لأن (مكلما) نكرة ، حيث لم يكتسب التعريف مما أضيف إليه.

ج ـ إذا كانت الصفة المشتقة صفة مشبهة باسم الفاعل جاز فى معمولها ثلاثة أوجه أبدا :

ـ الجر على الإضافة ، فتقول : هو رجل كريم الخلق.

ـ الرفع على الفاعلية ، تقول : هو رجل كريم خلقه.

ـ النصب على التمييز ، وهو أرجح من التشبيه بالمفعول به ، فتقول : هو رجل كريم خلقا.

قضية الفصل بين المتضايفين

يذهب البصريرن إلى أنه لا يفصل بين المضاف والمضاف إليه لأنهما بمنزلة الشىء الواحد ، فالمضاف إليه منزّل من المضاف منزلة الجزء منه ؛ لأنه يقع موقع تنوينه ، ولكن يجيزون الفصل فى الشعر خاصة.

أما الكوفيّون فإنهم يذهبون إلى جواز الفصل بين المتضايفين فى سبعة مواضع ، منها ثلاثة عامة ، وهى (١) :

أولا : أن يكون المضاف مصدرا والمضاف إليه فاعله ، والفاصل واحد من :

ـ مفعول المصدر ، فى قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ

__________________

(١) ينظر شرح التصريح ٢ ـ ٥.

٣٩٧

شُرَكاؤُهُمْ) [الأنعام : ٣٧](١) ، ببناء الفعل (زين) للمجهول ، وبرفع (قتل) على النيابة عن الفاعل ، ونصب (أولاد) على المفعولية وهو الفاصل ، وجر (شركاء) على الإضافة إلى قتل. وقول الشاعر :

عتوا إذ أجبناهم إلى السلم رأفة

فسقناهم سوق البغاث الأجادل (٢)

(الأجادل) أضيف إليه المصدر (سوق) ، وفصل بينهما بالمفعول به المنصوب (البغاث) ، الأصل : سوق الأجادل البغاث.

ومنه قول الشاعر :

فز ججتها بمزجّة

زجّ القلوص أبى مزاده (٣)

أى : زجّ أبى مزاده القلوص ، ففصل بين المصدر (زج) وفاعله المضاف إليه (أبى مزاده) بمفعوله المصدر (القلوص).

وقول عمرو بن كلثوم التغلبى :

وحلق الماذىّ والقوانس

فداسهم دوس الحصاد الدائس (٤)

أى : دوس الدائس الحصاد ، ففصل بين المصدر (دوس) ، والفاعل المعنوىّ المضاف إليه (الدائس) ، بمفعول المصدر (الحصاد).

وقول جندل بن المثنى :

يفركن حبّ السّنبل الكنافج

بالقاع فرك القطن المحالج (٥)

__________________

(١) فى قراءة ابن عامر.

(٢) شرح ابن الناظم ٤٠٧ / شرح التصريح : ٢ ـ ٥٨ ، البغاث : طائر ضعيف يصاد ولا يصطاد ، والأجادل : جمع أجدل ، وهو الصقر.

(٣) ينظر : معانى الفراء ١ ـ ٣٥٧ / الخصائص ٢ ـ ٤٠٦ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ١٩ ، ٢٢ / المقرب ٥ / شرح ابن الناظم ٤٠٨ / الدر المصون ٣ ـ ١٩٠.

(٤) الوساطة ٤٦٥ / شرح ابن الناظم ٤٠٦ / الأشمونى ٢ ـ ٢٧٦ / الخزانة ٣ ـ ٤٦١ / الدر المصون ٣ ـ ١٩٠.

(٥) شرح ابن الناظم ٤٠٥ / الوساطة ٤٦٥ / شواهد العينى / ٣ ـ ٤٥٧ الدر المصون ٣ ـ ١٩٠ / لسان العرب مادتى (خلج ، كنفج). الكنافج : الممتلئ ـ المحالج : جمع محلج وهو الآلة يحلج بها القطن.

٣٩٨

أى : فرك المحالج القطن. وقول الطرمّاح :

يطفن بحوزىّ المراتع لم ترع

بواديه من قرع القسىّ الكنائن (١)

أى : قرع الكنائن القسىّ. ومنه قول الأحوص :

فإن يكن النكاح أحلّ شىء

فإن نكاحها مطر حرام (٢)

أى : فإن نكاح مطر إياها ، فلمّا فصل بين المصدر المضاف اسم إنّ (نكاح) وفاعله المعنوى المضاف إليه (مطر) بالمفعول به للمصدر الضمير (إياها) أصبح الضمير متصلا.

وقول أبى الطيب المتنبى :

بعثت إليه من لسانى حديقة

سقاها الحيا سقى الرّياض السّحائب (٣)

ومنه الفصل بالنداء : كما فى قول بجير بن أبى سلمى المازنى :

وفاق كعب بجير منقذ لك من

تعجيل تهلكة والخلد فى سقرا (٤)

أراد وفاق بجير يا كعب ، ففصل بين المصدر (وفاق) ، ومفعوله المعنوى المضاف إليه (بجير) بالمنادى (يا كعب).

ـ ظرف المصدر : قد يكون الفاصل الظرف ، كما فى القول : ترك يوما نفسك وهواها سعى لها فى رداها ، حيث (نفس) أضيف إليها عاملها المصدر (ترك) ، وفصل بينهما بالظرف (يوما) ، و (هواها) مفعول معه ، والتقدير : ترك نفسك شأنها يوما مع هواها ... ، ويجوز أن يكون التقدير : تركك نفسك ، فيتغير التأويل. ومنه قول عمرو بن قميئة :

__________________

(١) ينظر : الخصائص ٢ ـ ٢ ٤٠٦ / شرح ابن الناظم ٤٠٦ / الخزانة ٢ ـ ٢٥٢ / الدر المصون ٣ ـ ١٨٧ / لسان العرب ، مادة (حوز).

(٢) ينظر : أمالى الزجاجى ٨٢ / شرح ابن الناظم ٤٠٧ / المغنى ٢ ـ ٦٧٢ / أوضح المسالك ١ ـ ٤١٢ ، شرح التصريح ٢ ـ ٥٩ / الدر المصون ٣ ـ ١٩١.

(٣) دوانه ١ ـ ٢٨٦ / الوساطة ٤٦٤ / البحر ٤ ـ ٢٤٠ / الدر المصون ٣ ـ ١٩١.

(٤) ينظر : شرح ابن عقيل ٢ ـ ٨٦ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٥٣٤ / الهمع ٢ ـ ٥٣ / الدر المصون ٣ ـ ١٩١ / الدرر ٢ ـ ٦٧.

٣٩٩

لمّا رأت ساتيد ما استعبرت

لله درّ اليوم من لامها (١)

والتقدير : لله در من لامها اليوم ، ففصل بين المضاف (در) والمضاف إليه (من) بالظرف (اليوم).

ثانيا : أن يكون المضاف وصفا مشتقا للحال أو الاستقبال ، والمضاف إليه مفعوله الأول ، والفاصل واحد من :

ـ المفعول الثانى : فى قراءة من قرأ قوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) [إبراهيم : ٤٧] بنصب (وعد) ، فيكون (وعد) منصوبا على المفعولية الثانية ، وهو فاصل بين (مخلف) المضاف و (رسله) المجرور المضاف إليه. لاحظ أن (مخلف) اسم فاعل تعدى لاثنين : (وعد ، رسل).

وفى قول الشاعر :

ما زال يوقن من يؤمّك بالغنى

وسواك مانع فضله المحتاج

(سوى) مبتدأ ، خبره (مانع) ، وهو اسم فاعل تعدى إلى اثنين (فضل ، والمحتاج) ، أضيف (مانع) إلى المفعول الأول (المحتاج) ، وفصل بينهما بالمفعول الثانى المنصوب (فضل) ، والتقدير : وسواك مانع المحتاج فضله (٢).

ـ أو ظرف الوصف المشتق : يكون فاصلا بينه وبين مفعوله ، كقول الشاعر :

فرشنى بخير لا أكونن ومدحتى

كنا حت يوما صخرة بعسيل (٣)

(ناحت) اسم فاعل مضاف ، (وصخرة) مضاف إليه ، وهو المفعول به ، وفصل بينهما بالظرف (يوما) ، وهو متعلق باسم الفاعل.

__________________

(١) ساتيدما : جبل بالهند. يرجع إلى : ديوانه ١٨٢ / المقتضب ٤ ـ ٧٧ / شرح أبيات سيبويه ١ ـ ٣٦٧ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٨٨ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ٢٠ / شرح الرضى ١ ـ ٢٩٣ / الخزانة ٢ ـ ٢٤٧.

(٢) ينظر : شرح التصريح ٢ ـ ٥٨.

(٣) ينظر شرح التسهيل ٣ ـ ٢٧٧ / المساعد ٢ ـ ٣٦٨ / شرح التصريح : ٢ ـ ٥٨ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٧٧. رشنى : فعل أمر من رشت السهم إذا ألزقت عليه الريش ، عسيلى بفتح فكسر ، مكنسة العطار التى يجمع بها العطر ، والمعنى : أصلح حالى بخير فلا أكن مع مديحى مما لا فائدة فيه مع تعبى وكدى ، والشطر الثانى كناية عن كون سعيه مما لا فائدة فيه مع حصول التعب والكد.

٤٠٠