تنقيح المقال

الشيخ عبد الله المامقاني

تنقيح المقال

المؤلف:

الشيخ عبد الله المامقاني


المحقق: الشيخ محمّد رضا المامقاني
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-381-0
ISBN الدورة:
978-964-319-380-5

الصفحات: ٥٣٤

الفصل الثاني

في نبذة من مجاري حالاته قدّس سرّه

بعد الانتقال إلى مامقان

قد بقي قدّس سرّه في مامقان قرب شهر فوجد عدم إمكان طلب العلم هناك ، ومنعه علوّ همته من الاقتصار على ما حصّله من العلم وصيرورته عالم قصبة فانتقل إلى تبريز ، ونزل في المدرسة المعروفة بـ : مدرسة الحاج صفر علىّ (١) ، واشتغل بالعلم وترقّى إلى أن عُدَّ من مبرّزي الفضلاء ، ومرجع المشتغلين في حلّ مشكلات ، واشتغل بتدريس القوانين واللمعتين لجمّ غفير (٢) ، ومكث في تبريز سنين على هذا المنوال إلى أن اندان (٣) ـ لعفته وعزة نفسه وتعزّزه ـ مائة وعشرين قراناً تقريباً ، وعظم عليه لعزّة الدراهم والدنانير

__________________

(١) وهي مدرسة صغيرة وجميلة في وسط السوق الرئيسي في بلدة تبريز ، وفي جوارها مسجد أنيق ، لا زالا قائمين ، بناها خال من بنى مسجد إمام جمعة في تبريز ، كذا قاله في تاريخ وجغرافيا دار السلطنة في تبريز تأليف : شاهزاده نادر ميرزا (طبع اقبال ـ طهران ١٣٥١ ش) : ١١٥ في مقام تعداد المدارس المنشأة في تبريز ، وكذا في كتاب مفاخر آذربايجان ٤/٢٢٣٧ ، وجاء اسمها في كتاب نامه هائى از تبريز : ٢٤٢ تأليف ادوارد براون ، ترجمة حسن جوادي .. وغير ذلك.

(٢) عبّر الاوردباري (رحمه الله) في المجموعة الكبيرة لتراجمه هنا : واكبّ بها على التحصيل سنين إلى أن صار تثنى دونه الخناصر ..

(٣) بمعنى أصبح مقروضاً ومديوناً.

٤١

في ذلك الزمان ، واعتلّ مزاجه أيضاً ، فرأى أن يسافر إلى بلاد قفقاز ـ وكان بناؤه على الاشتغال بالوعظ بأجرة في تلك البلاد ـ لكونها بلاد غربة ـ لعلّ الله تعالى يرزقه ما يفي به دينه ، واتّفق أنّه حين وروده إلى كلّ من تلك البلاد وجد هناك واحداً أو متعدّداً من تلامذته ، وعظّموا قدره ، وبالغوا في إجلاله ، فأستحيا من الإقدام إلى ما نوى فاشتغل بالوعظ مجاناً ولم يقبل منهم شيئاً إلى أن رجع كما مضى ، وقد كتب في سفره ذلك أجزاء في الوعظ والأخبار(١) ، وأرّخ زمان نزوله بـ : قلعة شيشة بـ : غرة شهر ذي القعدة الحرام من سنة ألف [ومائتين] وستّ وستّين ، ونزوله بـ : نخجوان (*) بـ : الثالث والعشرين من شهر محرّم الحرام من سنة ألف ومائتين وسبع وستين ونزوله بـ : گنجة (٢) بشهر رجب من تلك السنة (٣).

والّذي يظهر من رسالة استنسخها في تبريز في مدرسة الحاج صفر عليّ

__________________

(١) وقد سرق هذا الكتاب ـ ككثير ممّا كان للاُسرة ـ من قبل بعض من يمسّ بالعائلة برحمية وعلقه ، إلاّ انّه قد حصلنا عليه ـ ولله الحمد والمّن ـ بلطف مساعي ابن عمتنا المبجّل حجّة الإسلام والمسلمين سماحة السيّد محمّد عليّ الميلاني حفظه الله ورعاه ، وذلك في شوال من سنة ١٤١٩ هـ بعد أن مضى على غيبته أكثر من نصف قرن!!

وقد ختمنا الكتاب ببعض صور منه.

(*) هي من البلاد العظيمة القديمة وهي الآن صغيرة ، وأصلها نقشجهان كما لا يخفى على من راجع القاموس وغيره. [منه (قدّس سرّه)].

انظر : القاموس المحيط ٤/٣٩٥ ، وفي معجم البلدان ٥/٢٧٦ قال : نَخْجُوان بالفتح ، ثمّ السكون ، وجيم مضمومة ، وآخره نون ، وبعضهم يقول : نقجوان ، والنسبة إليها نَشَوِيّ على غير أصلها ، بلد بأقصى آذربيجان .. وقد ذكر في موضع اُخر.

وانظر : مراصد الاطّلاع ٣/١٣٦٣.

(٢) قال في مراصد الاطلاع ٣/١١٨٠ : كَنْجَه بالفتح ، ثمّ السكون ، وجيم : مدينة عظيمة هي قصبة بلاد أرّان ، وأهل الأدب يسمّونها جَنْزَة .. إلى آخره. وانظر معجم البلدان ٤/٤٨٢.

(٣) انظر هذه الصفحات فيما الحقناه بالكتاب من الصور والآثار.

٤٢

مؤرخة أنّه كان بعد رجوعه إلى تبريز مقيماً بها في شهر جمادى الثانية من سنة ألف ومائتين وتسع وستّين ، ولازم الجمع بين التاريخين أنّه بقي في تبريز بعد رجوعه من قفقاز أزيد من سنة (١).

وقد نقل قدّس سرّه لي أنّه بعد رجوعه من سفر قفقاز اشتدّ شوقه إلى العراق ، وأ نّه في أيام الجمعة كان يمضي إلى المقابر فيجلس عند بعض بناءات القبور المشابهة لبناء بعض قبور النجف الأشرف ويبكي شوقاً إلى هذا المشهد الشريف.

وكان جالساً في بعض الأيام في حجرته بالمدرسة فورد إليه من التجّار مَن لم يكن بينهما سابقة ، فسأل قدّس سرّه عن سبب عدم انتقاله إلى الأعتاب المقدّسة لتكميل الاشتغال ، فسكت قدّس سرّه ، وأصرّ ذلك الرجل إلى أن أحرز أنّ سببه الدين وفقد مصرف الطريق ، فمضى وأتى بمقدار عيّنه هو قدّس سرّه ـ ولا أذكره الآن ـ والتمسه أن يوفّي دينه ويتوجّه إلى العراق ، فوفّى منها دينه وتوجّه بالباقي إلى العراق بانياً على بيع كتبه المؤمّنة في كربلاء ـ المتقدّم إليها

__________________

(١) أقول : ومن أساتذته قدّس سرّه الّذين حضر عليهم في تبريز : المرحوم الشيخ عبد الرحيم البروجردي المتوفّى سنة ١٢٧٧ هـ ، عالم كبير وفقيه جليل.

كان من مشاهير علماء طهران ورجال العلم الأفاضل فيها ، تتلمذ على جمع ، منهم : صاحب الفصول ، وولدا الشيخ جعفر كاشف الغطاء ـ الشيخ عليّ والشيخ موسى ـ وصاحب الجواهر وآخرون.

درس عنده جمع من الأعلام منهم الشيخ المامقاني أيام وجوده في تبريز ، وكتب له في تقرير بحثه في الصوم مقدار أجزاء ، وقد فرغ من كتابتها في عاشر شهر رمضان من سنة ١٢٦٣ هـ ، وقد كانت ضمن مجموعة بخطّه عند الشيخ عبد الله المامقاني ، هذا ما ذكره شيخنا الطهراني في الكرام البررة.

توفّي في السادس عشر من شهر رمضان من سنة ١٢٧٧ هـ.

اُنظر : الكرام البررة ٢/٧٢٤ ، خاتمة المستدرك ٣/٨٧٧ [الطبعة الحجريّة] الطبعة المحقّقة ٩/٣٤٢.

٤٣

الإشارة ـ والتعيّش بثمنها ، والاشتغال إلى أن ينفد الثمن ، فإذا نفد يشتغل مقداراً من النهار بصنعة ترب الصلاة ـ حيث كانت له معرفة بها ـ ويحصل بذلك مقدار القوت اللازم ، ويشتغل باقي نهاره في طلب العلم.

فتوجّه ـ وقد كان العبور للزوّار ممنوعاً منه من قِبَل الدولة العثمانية ـ فلمّا وصل إلى كرمانشاهان هيأ الله تعالى أسباباً حصل تذكرة الساكن في العراق ، فعبر من الخانقين (١) [كذا] بذلك العنوان.

__________________

([١]) لاحظ : معجم البلدان ٢/٣٤٠ ـ ٣٤١ ، ومراصد الاطّلاع ١/٤٤٧ عن هذا الاسم.

٤٤

الفصل الثالث

في شطر ممّا جرى عليه بعد ورود العراق

قد ورد العراق بعد وفاة الشيخ الأعظم صاحب الجواهر قدّس سرّه بأربع سنين تقريباً ، حيث إنّ الشيخ انتقل إلى رحمة الله تعالى في غرة شعبان سنة ألف ومائتين وستّ وستّين ، وورد الشيخ الوالد قدّس سرّه العراق في حوالي سنة السبعين (١) ، ولمّا ورد كربلاء المشرّفة وجد الرجل الّذي ائتمن عنده كتب والده قدّس سرّه ميّـتاً ولم يجد من الكتب أثراً ، وكان قد بقي من دراهمه قرب مائة وعشرين قراناً ، فعزم على صرفها في القوت والاشتغال فانتقل إلى النجف الأشرف ، وأخذ في الاشتغال .. فلمّا نفد ما عنده أرسل إليه رجل من أجلاّء تبريز ما كفاه مدّة ، وقد كان قدّس سرّه يستشهد على مضمون الخبر (٢)

__________________

(١) يظهر من هذا الكلام والّذي سلف قبلاً عدم درك شيخنا الأعظم لبحث صاحب الجواهر قدّس سرّهما ، وعليه فلا نعلم وجه ما ذكره الشيخ محمّد حرز الدين في معارف الرجال ١/٢٤٤ من كون صاحب الجواهر أحد أساتذته ، وكذا السيّد الأمين في الأعيان وغيرهما ، فتأمّل.

(٢) لعلّه نظراً إلى ما ورد عنهم عليهم السلام من كون الله سبحانه وتعالى أبى إلاّ أنّ يجعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون ، وقد عقد في الكافي ٥/٨٣ ـ ٨٤ باباً في ذلك ، وظاهر اطلاقها عدم خصوصية لها بطالب العلم.

٤٥

والآية (١) الناطقتين بأنّ الله تعالى يرزق طالب العلم من حيث لا يحتسب ، وأ نّه ليس عليه أن يسعى في طلب رزقه ، بل عليه أن يتوكّل على ربّه ويشتغل بطلب العلم بشواهد هذا من جملتها ، حيث إنّه كان قدّس سرّه يقول : إنّ أوّل من أرسل لي إلى النجف الأشرف ما استعنت به على معاشي من كنت لا أسلّم عليه حذراً من زعمه أن لي في ماله طمعاً ، ولم يكن هو يسلّم عليّ اغتراراً بماله ، وقد كان زمان انتقاله قدّس سرّه إلى هذه العتبة المقدّسة أستاذاً في المتون ، فأخذ يباحث المتون ويحضر بحثي الأصول والفقه لشيخه العلاّمة الإمام المرتضى نوّر الله مضجعه (٢) ، وبحث الأصول للسيّد السند والركن المعتمد والبحرالمحيط المؤيّد السيّد حسين التبريزي الكوهكمري رضوان الله عليه (٣) ،

__________________

(١) الظاهر أنّها قوله عزّ اسمه : (وَمَنْ يَتِّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) ، [سورة الطلاق (٦٥) : ٢ ـ ٣].

(٢) الشيخ مرتضى الأنصاري (١٢١٤ ـ ١٢٨١ هـ) .. ابن الشيخ محمّد أمين بن مرتضى ابن شمس الدين بن محمّد شريف .. الأنصاري الدزفولي التستري النجفي.

فقيه كبير ، بل أسطوانة الفقه والأصول ومن مؤسسيهما ، ورئيس الشيعة الإماميّة علماً وعملاً ، كانت ولازالت كتبه محور الدراسات الحوزوية ، استوفى بعض شخصيته سبطه في كتابه «شخصيت شيخ انصارى».

له جملة مؤلّفات ورسائل عمليّة وعلميّة ، انظر :

ماضي النجف وحاضرها ٢/٤٧ ، معارف الرجال ٢/٣٩٩ ، المآثر والآثار : ١٣٦ ، نجوم السماء ١/٢١١ ، الفوائد الرضويّة : ٦٦٤ ، ريحانة الأدب ١/١٨٩ ، معجم رجال الفكر ١/١٨٦ ـ ١٨٧ عن عدّة مصادر ، و .. غيرها.

(٣) السيّد حسين الكوهكمري المعروف بـ : (الترك) ، المتوفّى سنة ١٢٩٩ هـ .. ابن السيّد محمّد بن السيّد الحسن بن حيدر الحسيني الكوهكمري أصلاً ، الأرونقي التبريزي مولداً ، النجفي مسكناً ومدفناً ، ويقال له : السيّد حسين الترك.

من كبار علماء عصره ، ومشاهير محقّقي علم الأصول ومعاريفهم ، ذو مدرسة كبرى ـ

٤٦

__________________

ـ فقهاً وأصولاً.

ولد في كوه كمر ودرس فيها وفي تبريز ، ثمّ هاجر إلى كربلاء مستفيداً من درس شريف العلماء المازندراني والسيّد إبراهيم القزويني وصاحب الضوابط وصاحب الفصول ، ثمّ عرج إلى النجف كي يستفيد من محضر الشيخ عليّ بن الشيخ الأكبر آل كاشف الغطاء وصاحب الجواهر ، ثمّ لازم الشيخ مرتضى الأنصاري واختص به. واشتغل في زمانه بالتدريس خارجاً ..

يقول السيّد الأمين : وكان يحضر درسه أكثر من ثمانمائة من العلماء والفضلاء .. ولم يقطع التدريس في أكثر المناسبات .. وانتهت إليه المرجعية التدريسية ، قرّر درسـه جمع منهم الشيخ الجدّ ، وكان أفضلهم ـ كما قاله في الكرام ـ والشربياني والمولى أحمد الشبستري وميرزا موسى التبريزي (صاحب أوثق الوسائل في شرح الرسائل) و .. غيرهم ، وتتلمذ عليه جمع غفير من الأعلام ، ولم يعرف له تأليف سوى تقريراته لبحث أستاذه الشيخ الأنصاري فقهاً وأصولاً ، وهي غير قابلة للانتفاع لرداءة خطّها كما قيل.

قُلّد ـ بعد أستاذه الشيخ ـ في مناطق كثيرة من إيران وقفقاز وغيرها.

قيل عنه : كان قوي الحافظة ، جيّد التقرير ، حسن البيان والعبارة ، ذا شوق عظيم إلى البحث والتدريس.

أصيب بمرض الفالج في سنة ١٢٩١ هـ ، وتوفّي عقيماً ضحوة السبت ٢٣ رجب سنة ١٢٩٩ ، ودفن بداره في محلّة العمارة ، وقيل : محلّة المشراق ، بعد أن لبث ثمان سنين مبتلىً بالسل ، وقيل : الفالج.

قال شيخنا الطهراني في الكرام : .. فقد حدّثني أحدهم عن الشيخ محمّد حسن المامقاني ـ من أعاظم تلاميذ المترجم ـ ... أنّ الشيخ [أي الأنصاري] كان يدرّس في صحن مسجد الهندي ، فكان السيّد المترجم يلقي الدروس على تلامذته فوق سطح المسجد ، فإذا دخل الشيخ صحن المسجد نزل هو وتلاميذه لاستماع درس الشيخ مع باقي تلاميذه.

ثمّ قال في ترجمته : .. قد تخرج عليه جمع من كبار العلماء أشهرهم وأجلّهم المامقاني المذكور ، فقد كان يقّرر درسه وأ لّف من تقريراته (بشرى الوصول) ... وقلنا بأنّ أستاذه المترجم كان في الدورة الأخيرة من تدريسه يلقيـه على تلاميذه فوق منبر ـ

٤٧

فلمّا انتقل (*) الشيخ قدّس سرّه إلى رحمة الله تعالى ورضوانه ... (١) شهـر ... (٢) من سنة ألف ومائتين وإحدى وثمانين.

حضـر قدّس سرّه بحث الفقه أيضاً للسيّد قدّس سرّه (٣) ، وصار مرجع

__________________

ـ الدرس ، كما كان يأمرهم بالرجوع إليه.

وقد حكي عن الجدّ أنّ له طاب ثراه أربعة عشر شيخاً ، عدّ منهم في الأعيان ثمانية. وقال قبل ذلك : .. وكان يحضر درسه أكثر من ثمانمائة من العلماء والفضلاء وجملة منهم رأسوا بعده واشتهروا منهم الشيخ حسن المامقاني ..

وقال الشيخ الجدّ في المجلّد الثامن من بشرى الوصول : إنّه كلمّا قال الأستاذ فمراده به شيخه المترجم ، وعبّر عن الشربياني بـ : المقرّر; لتقريره درس أستاذه هذا ، ويعدان أشهر تلاميذه ، وكتبا عشر مجلّدات أصولاً وفقهاً تقريراً لدرسه.

له مؤلّفات كثيـرة ، حكى في الأعيان عن المامقـاني أنّه قال : رأينـاها ملء عدل ، إلاّ أنّ أكثرها تلف لرداءة خطّه وتعسّر معرفة ترتيبها لعدم وضع قيود في آخر الصفـحات.

الطبقات (الكرام البررة) ١/٤٢٠ ـ ٤٢٣ برقم ٨٥٤ ، معارف الرجال ١/٢٤٤ ، المآثر والآثار للمراغي : ١٤٨ ، أعيان الشيعة ٦/١٤٦ ـ ١٤٧ (٢٧/١٥٤ الطبعة الاولى) وحكى عن الشيخ الجدّ عدّة أمور بما يرتبط بالسيّد ، معجم رجال الفكر ٣/١١٠٢ ـ ١١٠٣ ، ريحانة الأدب ٥/١٠٥ ، الكنى والألقاب ٣/١٢٦ ، معجم المؤلّفين ٤/٤٧ ، و .. غيرها.

(*) قد كان قدّس سرّه يومئذ يباحث في صلاة الجماعة في مسألة كون الساتر زجاجاً .. على ما أخبرني به الشيخ الوالد قدّس سرّه. [منه (طاب رمسه)].

(١) بياض في الأصل ، والمراد منه : يوم الثامن عشر.

(٢) بياض في الأصل ، ويراد منه : شهر جمادى الثانية.

(٣) وحكى شيخنـا الطهراني رحمه الله في النقباء ١/٤٠٩ ـ ٤١٠ عن العلاّمة الشيخ أسدالله الزنجاني أنّه قال له : تـوفّي والدي وأنا صغير فنصب صاحب الفصول عليّ قيّماً إلى أن كبرت ، وكنت قرأت على سيّدي العـلاّمة السيّد حسين الكوهكمري من أوّل المقدّمات ، ولبعض العوارض ذهبت إلى مامقان ، ثمّ رجعت إلى النجف. انتهى كلامه بنصه.

٤٨

مهمّاته والمجيب عن الاستفتاءات الواردة إليه (١).

وكان مدّة حضوره عند الشيخ قدّس سرّه فوق العشر سنين (٢) ، واستمر حضوره عند السيّد قدّس سرّه إلى أن تمرض السيّد قدّس سرّه بالفالج واجتمع عليه شياطين الإنس! وجرى ما جرى إلى أن امتنع الوالد قدّس سرّه من الحضور عنده.

وقد حضر قدّس سرّه في زمـان حضوره عند السيّد قدّس سرّه عند الشيخ الجليل الزاهد الحاج شيخ مولى عليّ نجل المـرحوم الميـرزا خلـيل

__________________

أقول : يظهر منه أن تلمذه قدّس سرّه كان على يد السيّد من أيام سكناه في كربلاء ، وقبل سفره إلى مامقان .. ولم يثبت وان امكن .. وأهل الدار أدرى بما فيها ..

(١) قال شيخنا في النقباء ١/٤١٠ : .. وسمعت جمعاً من الثقات أنه كان أفضل تلاميذ السيّد حسين ، وكان مقرّراً لبحث أستاذه في حياته ، وإن كان يقرّر بحثه غيره كالمولى أحمد الشبستري ، والمولى محمّد الفاضل الشربياني و .. غيرهما ، لكن المترجم كان أحسن بياناً منهم ، وأقدر على التأدية ، كما أنّ ما كتبه من تقريراته أحسن ممّا كتبه غيره ، وهو كبير في ثمان مجلّدات .. إلى آخره.

أقول : يقصد رحمه الله كتاب بشرى الوصول إلى علم الأصول ، وهو ليس تقريراً خاصاً بالسيّد رحمه الله ، بل هو والشيخ الأنصاري مع ملاحظات وفوائد للجدّ طاب ثراهم عليه.

(٢) أقول : وقد سها الشيخ محبوبة رحمه الله في كتابه ماضي النجف وحاضرها ٣/٢٥٣ حيث حدّد حضوره عند الشيخ بقوله : وذلك أكثر من عشرين سنة ..! إذ إنّ ذلك لا يتلاءم مع وروده إلى النجف الأشرف وتشرّفه بها ووفاة الشيخ الأعظم طاب ثراهما ، فالصواب ما جاء في المتن.

قال في الأعيان ٥/١٥٠ : .. فقرأ على الشيخ مرتضى الأنصاري في الفقه أزيد من تسع سنين ، وعلى تلميذه السيّد حسين الكوهكمري المعروف بـ : السيّد حسين الترك ، في الأصول ، وبعد وفاة الشيخ مرتضى الأنصاري سنة ١٢٨١ هـ صار يقرأ على السيّد في العلمين ، وهو أكبر أساتيذه [لعلّ الصواب : تلاميذه] وكان مدّة قراءته عليه يعيد درسه على جماعة من الطلاب فلقّب بينهم بـ : المقرّر.

٤٩

الطبيب (١) قدّس سرّهما في الرجال والفقه ، وعند كلّ من الشيخـين الجليلين : الشيخ مهدي نجل العلاّمة كاشف الغطاء(٢)

__________________

(١) الشيخ ملا عليّ الخليلي (١٢٢٦ ـ ١٢٩٧ هـ) .. ابن الميرزا خليل الرازي الطهراني النجفي المولود سنة ١٢٢٦ هـ.

العالـم الفقيه ، الزاهـد العابد ، الرجالي المحدّث ، والحبر الجليل ، الثقة الأمين.

كان قدّس سرّه مثالاً للإيمان والتقوى والصلاح ، وقد اكتفى من مأكله بالجشب ، ومن ملبسه بالخشن ، زهداً منه وإعراضاً عن طرف الدنيا ، وكان مرتاضاً من أهل الأسرار والعلوم الغريبة .. هذا ما قاله الشيخ حرز الدين.

تلمذ على شريف العلماء المازندراني الحائري المتوفّى سنة ١٢٤٥ هـ ، والمولى سعيد المازندراني المتوفّى سنة ١٢٧٠ هـ ، والشيخ محسن خنفر المتوفّى سنة ١٢٧٠ هـ ، وصاحب الفصول ، وانجال الشيخ الكبير كاشف الغطاء ـ الشيخ عليّ والشيخ حسن ـ و .. غيرهم.

وأخذ منه جمع من المشايخ كأخيه الشيخ حسين ، والميرزا النوري ، والشيخ الجدّ الكبير ، والشيخ محمّد طه نجف ، والشيخ عليّ الخاقاني و .. غيرهم.

له من التصانيف في الدراية سبيل الهداية ، وشرح الفوائد الرجاليّة الخمسة للوحيد البهبهاني ، وحواشي على كتاب منتهى المقال ، و .. غيرها.

توفّي في شهر صفر في النجف الأشرف ، ودفن في مقبرة العائلة.

معارف الرجال ٢/١٠٣ ـ ١٠٦ برقم (٢٥٢) ، ونصّ على أساتذته فيه ١/٢١٤ ، مصفى المقال (عمود) : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، مكارم الآثار ٣/٨٢٧ ، نجوم السماء ١/٣٣٨ ، معجم رجال الفكر ٢/٥١٧ ، معجم المؤلّفين ٧/٨٨ ، و .. غيرها.

(٢) وأضاف في الأعيان تلمذه على الشيخ عليّ كاشف الغطاء ، والحقّ أنّه قد تتلمذ على ولده الشيخ مهدي ، حيث توفّي المرحوم الشيخ عليّ سنة ١٢٤٠ هـ ، وعندها كان عمر المرحوم الشيخ الجدّ قدّس سرّه سنتان!

وإليك مجمل ترجمة الشيخ مهدي آل كاشف الغطاء (١٢٢٦ ـ ١٢٨٩ هـ).

هو ابن الشيخ عليّ بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي.

٥٠

__________________

ولد في النجف الأشرف وكان مقدّم العلماء ورئيس الفقهاء ، أذعنت له جلّ الوجوه من أهل الحل والعقد بعد وفاة الشيخ مرتضى الأنصاري سنة ١٢٨١ ه ، وصار المدّرس الأوحد في الفقه والأصول ، وقلّده المسلمون في إيران وقفقاز والعراق و .. غيرها.

عالم فاضل ، فقيه كامل محقّق ، أستاد كبير ، شيخ النجف على الإطلاق ، بل شيخ العراق ، بل شيخ الدنيا! ، انتهت إليه الرئاسة الجعفريّة بعد الشيخ الأنصاري ، وكان المرجع العام في الدين لأكثر الأقطار الشيعيّة .. كذا قاله عنه في التكملة.

وكان أديباً شاعراً بليغاً منطقياً [كذا ، والظاهر : منطيقاً] جهوَريّ الصوت تلمذ على جمع منهم والده الشيخ عليّ صاحب الخيارات ، وعمه الشيخ حسن صاحب أنوار الفقاهة ، واخوه الأكبر الشيخ محمّد و .. غيرهم. كما قاله حرز الدين.

كما وتتلمذ عليـه الكثير (ومن عيـون تلامذته الأستاذ الشيخ محمّد حسن المامقاني) والسيّد إسماعيل الصدر والشيـخ فضل الله النوري ، والشيخ عبد الله المازندراني ، والسيّد اليزدي ، والشيخ جواد الرشتي ، والشيخ إسماعيل التنكابني و .. غيرهم.

وقال في ماضي النجف وحاضرها : وتتلمذ عليه جماعة من فحول العلماء كالشيخ حسن المامقاني .. إلى آخره.

ويروي عن جمع ويروي عنه جمع.

وله جملة من المؤلّفات الفقهية ورسائل عملية وآثار دينية. منها كتاب الخيارات ، ورسالة في الصوم ، وديوان شعر و .. غيرها.

توفّي في النجف ليلة الثلاثاء ٢٤ شهر صفر ١٢٨٩ هـ ، ودفن في مقبرة آل كاشف الغطاء.

معارف الرجال ٣/٩٦ ـ ١٠١ برقم ٦٦٤ ، ونصّ على كونه أستاذه في ١/٢٤٤ ، شعراء الغري ١٢/١٠٨ ـ ١١١ ، وعن الحصون ٨/٥٥ ، ماضي النجف وحاضرها ٣/٢٠٥ ـ ٢٠٩ برقم ٣٤ ، المآثر والآثار : ١٥٣ ، معجم رجال الفكر ٣/١٠٥٣ ـ ١٠٥٤.

٥١

والشيخ راضي (١) قدّس سرّهما في الفقه (٢) مدّة (٣).

__________________

(١) الشيخ راضي النجفي المتوفّى سنة ١٢٩٠ هـ .. ابن الشيخ محمّد بن الشيخ محسن بن الشيخ خضر بن الشيخ يحيى الجناجي النجفي ، جدّ آل شيخ راضي.

من عظماء الفقهاء ومشاهير العلماء في عصره ، بل يقال له : فقيه العراق (على حد تعبير الشيخ حرز الدين في المعارف) ، وألقت إليه الزعامة الدينية والرئاسة العلميّة مقاليدها ، أذعن الكل له بالفقاهة والتحقيق.

قيل فيه : ليس له في عصره نظير ، وكان خاتمة الفقهاءالجعفريين من آل كاشف الغطاء.

تربّى في حجور العلم وأحضان الشرف في مهد الاجتهاد ، وأتم دراسته على خاليه أولاد الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء ـ الشيخ حسن والشيخ عليّ ـ وصاحب الجواهر و .. غيرهم من أساطين وقته ، وعرف بالغور في الفقه والأصول واستحضاره للمسائل كافة فالتف حوله أهل العلم وتهافت عليه الطلاب وتخرج عليه عشرات الرجال من العرب والعجم ، وخاصّة وجهاء العرب ممّن نال أكثرهم الزعامة والرئاسة والتقدّم بفضل أنفاسه ونفيس تحقيقاته.

وانتهت إليه الزعامة بعد وفاة شيخ الطائفة الشيخ مرتضى الأنصاري في سنة ١٢٨١ هـ ، وقُلّد في العراق وبعض بلاد إيران.

توفّي رحمه الله في ٢٩ شعبان ١٢٩٠ هـ ، ودفن في مقبرة كاشف الغطاء.

له حاشية على نجاة العبادة.

معارف الرجال ١/٢٤٤ ، المآثر والآثار : ١٤٥ ، الكرام البررة ٢/٥٢٧ ـ ٥٣٠ برقم ٩٥٧ ، أعيان الشيعة ٦/٤٤٥ـ٤٤٦ ، الفوائد الرضويّة : ١٩١ ، نجوم السماء ١/٣٣٤ ، أحسن الوديعة ٢/٨٤ ، معجم رجال الفكر٢/٥٨٩ ، شخصيت شيخ انصاري : ٣٦٧ و .. غيرها.

(٢) قال الشيخ عبّاس القمّي في الكنى والألقاب ٣/١٣٣ ـ ١٣٤ في ترجمة الجدّ الأكبر : .. أخذ عن العلاّمة الأنصاري ، والحاج سيّد حسين الكوهكمري ، والشيخ راضي ، والشيخ مهدي آل كاشف الغطاء.

وقال في أحسن الوديعة : ١٧٠ ـ ١٧١ ـ بعد أن عدّ أساتذته ـ : .. وقد حضر خلال تلك الأحوال على جماعة من أرباب الفضائل والأفضال كالعلاّمة الورع الحاج ملا عليّ نجل الحاج ميرزا خليل الرازي ـ المتوفّى في شهر صفر سنة ١٢٩٠ هـ ، كما في صفحة : ٤٠١ (سطر ٣٢) من خاتمة المستدرك ـ والشيخين الفقيهين الشيخ مهدي آل كاشف الغطاء النجفي ، والشيخ راضي النجفي ..

(٣) أقول : ذهب جمع ـ منهم السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة ٥/٣٥ ـ ٣٧ في ـ

٥٢

وقد كان قدّس سرّه في أواخر زمان الشيخ المحقّق طاب رمسه يباحث الأصول الخارج لجمع من فضلاء العرب منهم الشيخ عبدالحسن بن الشيخ راضي (١) المومى إليه.

__________________

ـ ترجمة الشيخ حسن كاشف الغطاء إلى قوله : .. ومن تلامذته الشيخ حسن المامقاني المشهور .. وتبعه جمع ، إلاّ أنّه في الواقع أستاذ أساتذته كالشيخ مرتضى الأنصاري والسيّد حسين الكوهكمري و .. غيرهما ، ولم يتتلمذ عليه. وإليك ترجمته :

الشيخ حسن كاشف الغطاء (١٢٠١ ـ ١٢٦٢ هـ) .. ابن الشيخ جعفر الكبير صاحب كشف الغطاء ابن الشيخ خضر الجناجي.

كان من أعلام الإسلام ورؤسائهم ، صاحب الفتيا والمقام الرفيع ومن مشاهير علماء الطائفة ، فقيهاً دقيقاً ، وبحراً زاخراً ، وشاعراً أديباً ، وإماماً في الحلّة برهة ، وله فيها دار ومكتبة ورجع إلى النجف سنة ١٢٥٣ هـ ، ودانت له الرقاب بالمرجعية بعد رحلة أخيه الأكبر الشيخ موسى رئيس الإماميّة ، فكان الزعيم المطاع بالرغم من وجود صاحب الجواهر في النجف.

تلمذ على والده قليلاً وأخيه الشيخ موسى وعلى عيون تلامذة والده كالسيّد جواد العاملي ، والشيخ أسد الله التستري الكاظمي ، والشيخ قاسم محيي الدين ، والشيخ سليمان القطيفي ، والسيّد عبد الله شبر و .. غيرهم وقد أجيز منهم.

وقد تتلمذ عليه جمهرة من الأعلام ـ وجلّهم صاروا من المراجع ـ منهم الفاضل الإيرواني ، والشيخ محمّد حسن المامقاني و .. غيرهم كذا قيل من أكثر من واحد.

له جملة مؤلّفات أهمها : أنوار الفقاهة .. وجملة رسائل ، وله شعر رائع.

توفّي في النجف ليلة الأربعاء ٢٧ (أو ٢٨) من شهر شوال سنة ١٢٦٢ هـ بالوباء الّذي حلّ بالعراق ، ودفن في مقبرتهم المعروفة.

شعراء الغري ٣/٥٦ ـ ٦٢ ، روضات الجنات ٢/٣٠٦ [أو صفحة : ٣٢١] ، أعيان الشيعة ٥/٣٥ ـ ٣٧ (٢١/١٣٣ ـ ١٣٥) ، معارف الرجال ١/٢١٠ ـ ٢١٧ ، مستدرك الوسائل ٣/٤٠٢ ، الكرام البررة ١/٣١٦ ـ ٣٢٠ برقم ٦٣٩ ، شهداء الفضيلة : ٣٨٣ ، معجم رجال الفكر ٣/١٠٤٠ ، معجم المؤلّفين ٣/٢١٢ ، ريحانة الأدب ٥/٢٦ ، الفوائد الرضويّة : ٩٧ ، مكارم الآثار ١/١٢١ ، نجوم السماء ١/٣٤٨ و .. غيرها.

(١) سيترجم في ضمن تلامذة الشيخ قدّس سرّه في الخاتمة.

٥٣

وكان في زمان السيّد قدّس سرّه يقرّر بحث السيّد قدّس سرّه لجمّ غفير ، وقد كان معروفاً بحل مشكلات العبارات والمطالب ـ على ما أخبرني به غير واحد من ثقات أهل العلم والفضل رحمهم الله ـ ، ولمّا انفصل عن السيّد قدّس سرّه استقلّ بالبحث والتدريس والتصنيف.

وقد كان يباحث بعد طلوع الشمس بيسير الفقه ، وقبل الغروب بساعتين الأصول (١).

وقد تجاوز عدد تلامذته في بحث الأصول خمسمائة من الفضلاء (٢) ، وكان موضع بحثَيْه فوق ثلاثين سنة في مسجد الشيخ صاحب الجواهر قدّس سرّه ، وكلّما أرادوا نقله إلى المسجد الجامع المشهور بـ : الهندي ; أبى ولم يرض بذلك ; معلّلا بأ نّه متيمن بقبر الشيخ قدّس سرّه.

وقد كان يصلّي صلاة المغرب والعشاء جماعة على سطح [إيوان] الكيشوان الّذي في عكس القبلة (٣) إلى وفاة المرحوم العلاّمة الفاضل الإيرواني قدّس سرّه (٤) ، وبعد وفاته انتقل إلى الإيوان الشريف إلى أن انتقل

__________________

(١) قال تلميذه الشيخ محمّد حرز الدين في معارفه ١/٢٤٣ : .. يدرّس في مسجد صاحب الجواهر ، يرقى المنبر للتدريس ، وكنا نحضر درس الفقه صباحاً وبحث الأصول عصراً .. تحضره العلماء وجماهير أهل الفضل ..

(٢) وقد نصّ على ذلك في ماضي النجف وحاضرها ٣/٢٥٣ قال : وكانت حوزته تضمّ أكثر من مائتي طالب في درس الفقه ، وأكثر من خمسمائة طالب في درس الأصول.

(٣) قال في معارف الرجال ١/٢٤٥ : .. وكان يقيم الصلاة جماعة ليلاً في الصحن الغروي على سطح الكيشوانية الشمالية ، تأتمّ به خيرة صالحة من التجاروالكسبةووجوه أهل الفضل ..

أقول : ويكون مقابل باب الصحن المعروف بـ : باب الطوسي.

(٤) الشيخ محمّدبن الشيخ محمّدباقرالنجفي المعروف بـ : الفاضل الإيرواني (١٢٣٢ـ١٣٠٦ هـ).

كان عالماً فقيهاً ، ومرجعاً عظيماً من أئمّة الفقه والأصول وأستاذاً في العلوم العقلية والنقلية.

٥٤

إلى رحمة الله تعالى.

وقد قلّده شطر من سكّان بلاد آذربايجان وقفقاز بعد وفاة العلاّمة المبرور الفاضل الإيرواني قدّس سرّه ، حيث انتقل إلى رحمة الله تعالى قبيل فجر يوم الأربعاء ثاني شهر الربيع [كذا] الأوّل سنة ألف وثلاثمائة وستّ ، وأغلب سكّان تلك البلاد وبلدة رشت وتستر وشيعة قسطنطنية وشطر كلّ من سائر بُلدان الفرس والهند وغيرها (١) بعد وفاة السيّد العلاّمة المبرور الميرزا محمّد حسن

__________________

تلمذ على الشيخ الأنصاري ، والشيخ حسن كاشف الغطاء ، وصاحب الجواهر .. وقلّد بعد أستاذه السيّد حسين الكوهكمري المتوفّى سنة ١٢٩٩ هـ ، وحظي بدرسه جمع من المجتهدين وأهل التحقيق.

توفّي في النجف الأشرف في ٢٠ ربيع الأوّل من السنة السالفة.

له جملة مؤلّفات ورسائل وحواشي فقهية وأصولية.

ماضي النجف وحاضرها ٢/٥٦ ، أعيان الشيعة ٩/١٨١ ، ٤١٠ [٤٤/٩١ الطبعة الاولى] ، الفوائد الرضويّة : ٦٠١ ، معجم رجال الفكر ١/١٩٢ ، معارف الرجال ٢/٣٦١ ، و .. غيرها.

(١) يقول في الأعيان ٥/١٥١ : .. صارت للمترجم زيادة وفيرة في المرجعية والتقليد في كثير من بلاد الترك في آذربيجان وقفقاسيا ، وجلّ فضلائهم ملتفّون حوله ويرجعون إليه ويحضرون درسه ، وتجلب إليه الحقوق من تلك البلاد ، وأمره على الترقي يوماً فيوماً. ولما توفّي الميرزا الشيرازي سنة ١٣١٢ قلّده الأتراك في القوقاس وغيرها والفرس وجيئت إليه الأموال ..

وقال في نفس الصفحة : ولما توفّي السيّد حسين سنة ١٢٩٩ وانتقلت الرئاسة العلميّة في الترك إلى الملا محمّد الإيرواني كان المترجم من جملة المراجع والمعظمين عند أهل العلم ، وكان قد استقلّ بالتدريس والإمامة في أيام مشايخه المقدّم ذكرهم.

وقد حكى في النجفيات : ١٩٨ عن السيّد حسين الترك المتوفّى سنة ١٢٩٩ من أنّه : امتد به العمر وطال مرضه وأحسّ بأ نّه صار لا يستحضر أدلة الأحكام الشرعية ، فطلب من وجوه تلاميذه أن يختبروه ففعلوا ، فقال له تلميذه الشيخ محمّد حسن المامقاني : صدق حدسكم ، فأنت الآن غير مجتهد ، فقال : اكتبوا إلى الآفاق بذلك حتّى يعدلوا عن تقليدي ..

٥٥

الشيرازي (١) قدّس سرّه ، حيث انتقل إلى رحمة الله تعالى في السادس والعشرين من شهر شعبان المعظم سنة ألف وثلاثمائة واثنتي عشرة من الهجرة (٢).

__________________

(١) أقول : هو الميرزا محمّد حسن بن الميرزا محمود بن الميرزا إسماعيل بن السيّد فتح الله الحسيني الشيرازي النجفي (١٢٣٠ ـ ١٣١٢ هـ) أعظم علماء عصره وأشهرهم ، ويعدّ من أعاظم مراجع الدين ، ولد في شيراز ، وهاجر إلى مدينة العلم من مسقط رأسه سنة ١٢٥٩ هـ متتلمذاً على الشيخ صاحب الجواهر والشيخ حسن آل كاشف الغطاء ـ صاحب أنوار الفقاهة ـ والشيخ مرتضى الأنصاري .. ملازماً لابحاثهم فقهاً واُصولاً ، والقت المرجعية عنانها بعد وفاة استاذه الشيخ ، وتمت له وكملت بعد وفاة السيّد حسين الكوهكمري ، وقد توطن سامراء سنة ١٢٩١ هـ مؤسّساً لأوّل حوزة علمية هناك ، له جملة تعاليق وحواشي.

قال العلاّمة الشيخ محمّد عليّ الاوردبادي رحمه الله في كتابه : حياة الإمام المجدد الشيرازي ـ المخطوط اوائله ـ : ... كان الزعيم الأوحد آية الله الشيخ محمّد حسن المامقاني المتوفّى سنة ١٣٢٣ هـ ـ ذلك الخشن في ذات الله ، غير مكترث بالفخفات الرائجة ، والملق السائد ـ يقول : ان رجلاً تقلد الزعامة الدينية الكبرى ثلاثين عاماً ولم يصدر منه حتّى ترك الاولى فلا مساغ للقائل إلاّ أن يخضع لعدله وعظمته ..

انظر عنه :

هديّة الرازي إلى المجدّد الشيرازي للشيخ أغا برزگ الطهراني ، ونقباء البشر في القرن الرابع عشر ١/٤٣٦ ـ ٤٤١ برقم ٨٦٥ ، ريحانة الأدب ٤/١٢٤ ـ ١٢٥ برقم ٢٤١ ، الفوائد الرضوية : ٤٨٢ ـ ٤٨٥ ، معجم المؤلّفين ٩/٢٢٠ ـ ٢٢١ ، وغيرها.

(٢) قال في معارف الرجال ١/٢٤٥ : وعاصر الأستاذ [أي الشيخ المامقاني] الشيخ محمّد حسين الكاظمي ، والشيخ ميرزا لطف الله المازندراني ، والسيّد حسين والسيّد عليّ الطباطبائي ، والشيخ جعفر التستري ، والشيخ زين العابدين المازندراني ، والشيخ حسن الأردكاني في كربلاء ، والشيخ أشرفي في مازندران ، والشيخ ملا عليّ أستاذه في النجف ، والشيخ ملا عليّ الكني ، والشيخ حسن الآشتياني في طهران ، وميرحامد حسين في الهند.

قال الاوردبادي في المجموعة الكبرى الخطيّة : .. واشتهر امره بعد العلاّمة الإيرواني ، ونال الزعامة العظمى بعد الحجّة الشيرازي ..

٥٦

الفصل الرابع

في شمائله وأخلاقه وآدابه وطبائعه

كان قدّس سرّه قصير القامة في الجملة ، متوسط الجسد ، أسمر اللون ، أسود الحاجبين ، صغير العينين ، متوسط الأنف ، صغير الفم ، دائرة وجهه متوسطة.

وكان متوسط اللحية غير خفيفها ولا كثيفها ، وكان يأخذ منها مازاد على القبضة ، وكان يصبغها بالوَسمة إلى ما بعد وفاة الشيخ الجليل الفاضل الإيرواني قدّس سرّه بسنة تقريباً ، وبالحنّاء ـ وحده ـ بعد ذلك إلى سنين ، وترك الصبغ منذ سبع سنين تقريباً قبل وفاته.

وكان قوىّ الذائقة والشامّة والسامعة والفهم ، متوسط الحفظ ، قوي البصر ، سالم العينين ، لم أره رمدت عينه منذ نشأت إلاّ يوماً واحداً على وجه الاختصار ، ولم يحتج إلى شيء من الكحل ونحوه ولا إلى المنظرة (١) إلى أن قبضه الله تعالى.

وكان قدّس سرّه قويّ الباه ، دمويّ المزاج ، ضعيف المعدة ، معتدل النوم ، متوسط الأكل.

وكان كثير المضغ للطعام ، متأنيّاً في كتابته ومشيه وسائر حركاته.

وكان في غالب عمره في مزاجه انحراف من جهة ، وقد كان مدّة مبتلى

__________________

(١) المنظرة : هي النظارات الطبية.

٥٧

بالحرارة المفرطة ، ومدّة أخرى بالرطوبة وسوء الهضم ، وزماناً بوجع البطن عند هضم الطعام. وكان عليه من هيبة الإيمان ما شاء الله تعالى ، وقد تغيّر من هيبته لون سلطان إيران مظفّرالدين شاه عند تشرّفه إلى زيارته قدّس سرّه ـ في شاهزاده عبدالعظيم لتقبيل يده ـ في سفر خراسان.

وكفاك أنّي ـ مع غاية اتصالي بخدمته ليلا ونهاراً ساكناً معه في دار ـ كنت عند كلّ أوّل دخول عليه مرعوباً خائفاً ، مع أنّي لم أعصه أبداً كي أحتمل عتابه إيّاي فأخاف لذلك الاحتمال ، وكان من لم يجتمع معه في مجلس يهابه ويزعم أنّه عبوس الوجه .. فإذا اجتمع معه وسمع حديثه عشق مجالسته.

وقد كان قدّس سرّه عالماً نحريراً ، وفاضلا خبيراً ، أصولياً وفقيهاً ولغوياً ، فهّاماً للأخبار والعبارات ، معتدل السليقة ، حسن الطريقة ، أديباً لبيباً ، عالى الهمّة ، زاهداً متقياً ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، حافظاً لدينه ، صائناً لنفسه ، دقيقاً في الشرعيات ، خشناً في جنب الله تعالى ، ذاخشية غريبة ، موصلا للحقوق إلى أهلها أحسن إيصال ، صبوراً متوكّلا ، عفيفاً عزيز النفس (١) ، حييّاً مؤدّباً ، منكسر النفس ، ترابي المزاج ، منصفاً ، جامعاً بين حسن الأخلاق والغضب.

فأمّا علمه وتبحره في الأصول والفقه واللغة ، وسلطنته على فهم الأخبار والعبارات ، واعتدال سليقته .. فلا يخفى على من راجع مصنّفاته.

__________________

(١) وأضاف في ماضي النجف وحاضرها ٣/٢٥٣ إلى ما هنا قوله : .. وهو من حفّاظ النوادر والآثار ، ملمّاً بأحوال كثير من السادات عارفاً بأنسابهم ومواضع قبورهم ، خبيراً بأحوالهم ، لا يملّ حديثه ، يتطرق فيه شتى المواضيع الخلابة! .. ثمّ نقل كلام صاحب التكملة.

٥٨

وأمّا اديبيّـته (١) :

فقد كان قدّس سرّه حافظاً لأرجوزة ابن مالك يستشهد بأبياتها في مجلس البحث وغيره ، وكان أستاذاً في النحو والمنطق والمعاني والبيان ، حافظاً لأغلب عبارات شرح السيوطي وابن الناظم والمطوّل وحاشية المولى عبدالله على تهذيب المنطق ، وكان كثيراًما يستشهد بها ويقرأ على ظهر الخاطر أسطراً منها ، وكان حافظاً للأشعار اللطيفة والقصائد الظريفة العربية والعجمية [أي الفارسية] والتركية ، وكان أستاذاً في علم اللغة وباحث القاموس مدّة.

وكان صاحب ذوق يستأنس بالشعر الحسن ويفهم دقائقه.

وكان حفّاظاً للأمثال والقضايا والقصص ، خبيراً بأحوال العلماء وأنساب السادات و [أصحاب] القبور ، منطيقاً يودّ جليسه أن لا يفارقه ، وقد كان له طبع الشعر الرائق لكنّه لم يكن ينظم ، وإذا نظم لم يكن يكتب ، وإذا كتب محاه!!.

وأمّا علوّ همّته :

فإلى الغاية والنهاية ، لا بأس بنقل عدّة قضايا مختصرة من فروع ذلك :

فمنها : إنّه لمّا توفّي الجدّ قدّس سرّه خلّف في مامقان أملاكاً غزيرة ورثها من أبيه; منها حمّامان ودكاكين وخانٌ وعينٌ وأراضي .. فتصرّف فيها أخوه ـ عمّ الوالد قدّس سرّه ـ ، فلمّا أن وصل الشيخ الوالد قدّس سرّه إلى مامقان ترك المطالبة وترك عمّه تسليم أمواله إليه ، فقال له قاضي مامقان : إنّ عليك الدعوى فقط وأنا أحكم بعلمي وأجتلب العقار من عمّك وأسلّمها إليك ، فامتنع الوالد قدّس سرّه ـ لعلوّ همته وسموّ سريرته ـ من ذلك ، وقال : إنّي إن ادعيت ذلك

__________________

([١]) الاولى : أدبه.

٥٩

لصدّقني المطّلعون وزعم غير العالمين بحقيقة الحال أنّي افتقرت بالعراق وجئت أدعي على عمّي ، فغصب عمّه الأملاك .. ومن عدم يمن (١) الحرام آل أمره بعد ذلك إلى خروجها من يده ووقوعها في يد الأجانب ، والآن هي أملاك لغيرنا لفقد أوراقنا وتلفها في وقعة نجيب باشا بكربلاء.

ومنها : إنّه كانت في مامقان امرأة جميلة تملك ألف تومان في ذلك الزمان! لكنها كانت ثيبة ، فأتت قبيلتها إليه قدّس سرّه من قبلها ملتمسين منه قدّس سرّه أن يتزوج بها فأبى ، وقال : إنّي لا أتزوج بذات مال خوفاً من أن تفتخر عليّ يوماً بمالها.

ومنها : إنّ ملك تجار آذربايجان المرحوم المبرور الحاج محمّد كاظم رضوان الله عليه كان قد سمع أنّ الشيخ الوالد قدّس سرّه لا يقبل الوصاية إن اطّلع ، فأوصى إليه خفية وأشهد عليها ، فلمّا انتقل إلى رحمة الله تعالى أتوا بورقة وصيّـته فالتجأ الوالد قدّس سرّه شرعاً إلى إنفاذ الوصيّة ، وقد أوصى للوالد نفسه قدّس سرّه بدار كانت مبيعة منه بيع الخيار بألفين وثمانمائة قران ، وكان زمان الخيار منقضياً والبيع لازماً والموصي قد ملكها لذلك فملّكها في وصيّـته من الوالد قدّس سرّه ، فأتت البائعة والتمسته أن يأخذ الثمن المذكور ويرفع اليد عن الدار ببيع جديد .. فقبل قدّس سرّه ، وقيل له في ذلك أن : لا مسكن لعيالك والدار تسوي (٢) بعشرة آلاف قران وهي شرعاً ملكك

__________________

(١) بمعنى عدم بركته وشؤومه ، إذ هناك روايات مضمونها أن ما يصل من الحرام يصرف في الحرام .. هذا هو الأثر الوضعي له فضلاً عن ماله من عقاب أخروي .. ولا يفرق فيه بين العلم وعدمه وضعاً لا تكليفاً.

(٢) كذا ، بمعنى تُثمّن أو تقدر ..

٦٠