تنقيح المقال

الشيخ عبد الله المامقاني

تنقيح المقال

المؤلف:

الشيخ عبد الله المامقاني


المحقق: الشيخ محمّد رضا المامقاني
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-381-0
ISBN الدورة:
978-964-319-380-5

الصفحات: ٥٣٤

وأمّا تاسعاً :

وفاة الشيخ عبدالله المامقاني قدّس سرّه

قال الشيخ محمّد حرز الدين في معارف الرجال (١) في ترجمة الشيخ عبدالله المامقاني :

.. توفّي في النجف بداء الصدر في اليوم التاسع عشر(٢) من شوال سنة ١٣٥١ هجري ، وارتجّ البلد لموته ، وشُيّع تشييعاً حافلاً بالعلماء والوجوه ، وغسّل خارج النجف بالقناة على بحر النجف ، وصلّى عليه جماعة من العلماء ، ودفن في مقبرة والده الحجّة الشهيرة.

قال الشيخ جعفر آل محبوبة في كتابه ماضي النجف وحاضرها (٣) ذيل ترجمته :

.. وشيّع بكلّ تبجيل واحترام ، وعطّلت له الأسواق ، ومشي أمام نعشه

__________________

) معارف الرجال ٢/٢٢.

(٢) لا يخفى ما فيه ، والحقّ أنّ وفاته طاب رمسه ليلة السادس عشر من شوال من السنة المزبورة ، وقد سها في آخر المجلّد الثالث من تنقيح المقال حيث اثبت ذلك اليوم الخامس عشر منه ، وإن امكن الجمع بينهما كما لا يخفى.

   وما صدر من المدرسي التبريزي ـ صاحب ريحانة الأدب ٣/٤٣٣ ـ من ضبط ذلك بالخامس عشر من شعبان لعلّه غلط مطبعي ، كما لا يخفى.

) ماضي النجف وحاضرها ٣/٢٥٧.

٤٢١

باللطم على الصدور ، ونشر الأعلام ، ودفن مع والده في مقبرتهم المعروفة.

وقال الشيخ عبّاس القمّي في ترجمة والده (١) : .. وتوفّي نجله المذكور في ١٦ شوال سنة ١٣٥١ ، ودفن معه رحمة الله ورضوانه عليهما.

ويقول في ماضي النجف وحاضرها (٢) أيضاً :

وأقيمت له عدّة فواتح في النجف وخارجه (٣) ، ورثته الشعراء بمراث لاذعة ، منهم الكامل الأديب الشيخ حسن سبتي (٤) ، يقول في أوّل قصيدته :

نعى ناعيك ياشمس المعالي

فذي أيامنا أمست ليالي

وأفق الدهر أمسى مدلهماً

لفقدك قد نضا حلل الجلال

وكيف عليك لا يسود حزناً

وعنه غبتَ يا بدر الجمال

 .. إلى آخرها.

__________________

) الكنى والألقاب ٣/١٣٤.

) ماضي النجف وحاضرها ٣/٢٥٧.

(٣) يقول في آينة رستگاري : ٢٢٤ ما ترجمته : عقد له رحمه الله مجالس الفواتح في سائر اقطار الممالك الشيعية ، ورثاه الشعراء والأُدباء والخطباء باشعار جمّة ، ومراث كثيرة ..

(٤) الشيخ حسن سبتي النجفي (١٢٩٩ ـ ١٣٧٤ هـ) .. ابن الشيخ كاظم بن الشيخ حسن ابن الشيخ عليّ بن الشيخ سبتي السهلاني الحميري ، خطيب كبير وأديب جليل.

   درس المقدّمات في النجف وتربى على يد والده الّذي كان يُعدّ من أكابر خطباء العراق في عصره ، وأصبح خطيباً مرموقاً في داخل العراق وخارجه ، ونال شهرة واسعة وصيت طيّب.

   قرض الشعر فأجاد وأبدع وأوجز وأطنب .. وأكثره في أهل البيت عليهم السلام.

   وله جملة كتب مطبوعة.

   قضى عمره الشريف في خدمة العلم والأدب والمنبر.

   مرض وتوفّي في يوم الخميس ٢٣ صفر ١٣٧٤ هـ.

نقباء البشر ١/٤٢٧ ـ ٤٢٨ برقم ٨٤٨.

٤٢٢

وقال أيضاً مؤرّخاً عام وفاته :

قد غاب (عبدالله) من

أحيا العلوم بوقته

ناع نعاه فقد نعى

(حسناً) أباه بصوته

فقضى لنا أرّخ (أب

مات الكتاب بموته)

* * *

* ذكر المرحوم الشيخ عليّ أكبر مروج الإسلام الخراساني صاحب كتاب هداية المحدّثين وغيره من المصنّفات في تاريخ وفاته :

خواستم سال فوت ابن الشيخ

كه فزون است قدرش از توصيف

نادب آمد برون به گريه وگفت

(بجنان رفت صاحب تأليف)(١)

* * *

* وقال شيخنا الطهراني في نقباء البشر(٢) ما نصّه :

توفّي رحمه الله قرب فجر الأحد ١٦ شوال سنة ١٣٥١ هـ ، وشيّع بإجلال واحترام ، وعطّلت له الأسواق ... ورثاه بعض الشعراء .. وذكر الأبيات الأخيرة في تاريخ وفاته طاب ثراه.

* * *

* وقال القاضي الطباطبائي (٣) ـ بعد أن أرّخ وفاته ـ : .. وعرج بروحه الطاهرة إلى عالم البقاء .. وبذا انَهد أكبر ركن من أركان المجتمع الشيعي .. وضمّ التراب العلم والعمل والفقاهة والاجتهاد بدفنه .. وفجأة دوى صريخ

__________________

(١) كما جاء في كتابه هديّة المحصّلين في الدراية : ٣٩ (فارسي).

) نقباء البشر ٢/١١٩٧.

(٣) آينة رستگاري : ٢٢٣ ـ ما ترجمته مختصراً ـ.

٤٢٣

الحسرة والأسف وعمّ الحزن والألم في العالم الشيعي ، وحمل قاطبة أهالي النجف جثمانه الطاهر. بحسب وصيته ـ إلى نهر (الچري) في خارج البلد .. ولا زال اسم ذلك المجتهد الكبير يذكر بكلّ تبجيل واحترام .. وشيّع تشييعاً حافلاً قلّ أن شاهدت مثله حاضرة العالم الاسلامي ـ النجف الاشرف ـ نظيراً له ..

وقال في مصفى المقال (١) : .. توفّي رحمه الله الأحد السادس عشر من شوال ١٣٥١ ، وأرّخ في آخر المجلّد الثالث بليلة النصف من شوال.

قال في المسلسلات (٢) : .. توفّي قدّس سرّه بالنجف قرب فجر يوم الأحد سادس عشر شهر شوال سنة ١٣٥١ هـ ، وشيّع بإجلال واحترام ، وعطّلت له الأسواق ، وغسّل خارج المدينة بالقناة على بحر النجف ، ودفن مع والده في مقبرة الأسرة الخاصّة في دارهم.

ثمّ قال : قال السيّد الوالد في مجموعة وفيات الأعلام ما لفظه :

.. توفّي شيخنا الأستاذ آية الله في الورى المجهول قدراً ، والمظلوم البائس المستكين الحاج الشيخ عبدالله المامقاني قدّس سرّه ليلة الأحد السادس عشر من شهر شوال المكرم سنة ١٣٥١ في النجف ودفن عند والده.

__________________

(١) مصفى المقال (عمود) : ٢٥٠.

   إلاّ أنّه رحمه الله في الذريعة ٦/١٣٧ تحت رقم ٥٦٧ صرّح بإنّ وفاته رحمه الله في النصف من شعبان سنة ١٣٥١ هـ .. وهو منه سبق قلم ظاهر ، أو تبعية لصاحب ريحانة الادب من دون تثبت.

(٢) المسلسلات ٢/٣٥٨.

٤٢٤

وقال السيّد النجفي المرعشي رحمه الله في الإجازة الكبيرة (١) : .. تُوفِّي رحمه الله فجر يوم الأحد ١٦ شوال سنة ١٣٥١ هـ ، وشيّع بإجلال واحترام ، ودفن مع والده في مقبرته الخاصّة في محلّة العمارة من محلاّت النجف الأشرف ، وخلف نجله الحجة العالم الجليل حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محيي الدين الّذي يروي عنّا بالإجازة ..

* * *

* ثمّ لا بأس بختم الحديث عنه طاب ثراه بما سمعته بنفسي ، وذلك : في إحدى جلسات ليالي الجمعة ، حيث العادة الأسبوعية في إقامة التعزية الحسينية في مقبرتنا في النجف الأشرف حدود سنة ١٣٨٥ هـ وفي محضر الفقيه الأستاذ آية الله الشيخ مجتبى اللنكراني النجفي طاب ثراه .. حيث جرّ الحديث عن المرحوم الجدّ الشيخ عبدالله طاب رمسه فحدّثنا ، فقال : إنّه في صبيحة أحد الأيام وخلال حضوره درس المرحوم الميرزا النائيني قدّس سرّه ، دخل الشيخ الميرزا جلسة الدرس متأخراً وهو مضطرب وعليه آثار السهر والتأثر ، فلما استقر به المجلس اعتذر عن التدريس والتأخير ، طالباً من الحاضرين أن يذهب أحدهم إلى دار الشيخ عبدالله للاستفسار عن حاله ـ وكانت الأوساط النجفية عارفة بمرضه وملازمته الفراش ـ فتبرع أحدهم للذهاب ، فما إن كرّ راجعاً سريعاً يحمل نبأ رحيل الشيخ ووفاته ، حتى انفعل الميرزا جدّاً وتأثّر ـ وأذكر أنّه قال : بكى بصوت ـ ثمّ استرجع وعطّل الدرس وقام وقمنا معه إلى التشييع ، وعندما سألناه قال : نعم ; رأيت البارحة

__________________

(١) الاجازة الكبيرة : ٨٩.

٤٢٥

في المنام وكأنّ صقراً خرج من مرقد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ حطّ على دار المرحوم الشيخ عبدالله ودخلها ، وخرج منها بطائر أبيض جميل أخذه بمنقاره ودخل به داخل ضريح مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، فأفقت مضطرباً وقد علمت بأنّ روحه الطاهرة لحقت بمولاها ..!

٤٢٦

وأمّا عاشراً :

الشيخ محيي الدين المامقاني

١٣٤٠ هـ ـ ١٩٢٢ م

الشيخ محيي الدين المامقاني (١)

الشيخ محيي الدين بن الشيخ عبدالله بن الشيخ محمّد حسن بن الشيخ عبدالله بن الشيخ محمّد باقر بن علي أكبر بن رضا المامقاني.

شيء عن الاُسرة (٢) :

انحدر الشيخ من أسرة سرية من أهل الثروة والأملاك في (مامقان) ، تعيش في رخاء ومكنة مالية تدرّ عليهم أملاكهم في المدينة وبعض الأرياف المجاورة لها.

سمعت من بعض شخصيات الأسرة أنّ البحاثة الشيخ محمّد السماوي كان يعتقد سيادتهم وصحّة انتسابهم إلى آل الرسول صلّى الله عليه وآله ، ونقل لي أيضاً أنّه سُمع من بعض أنّ جدّهم الأعلى «رضا المامقاني» أزال عن نفسه شارة السيادة لفتنة حدثت في عصره كان سادة المدينة في خطر القتل من جرائها. وأكد على أنّ الشيخ عبدالله المامقاني (الأول) وأولاده من بعده لا يتصرفون في الزكوات والأخماس معاً احتياطاً معاً احتياطاً لشبهة السيادة

__________________

(١) مستل من موسوعة «المفصّل في تراجم الأعلام» للسيّد أحمد الحسيني.

(٢) هذا ما جاء في أوّل ترجمة الشيخ محمّد حسن المامقاني رحمه الله في كتاب المفصّل لسيّدنا الحسين الأشكوري دام بقاه ، وحذفت منه ما يرجع لي .. محمدرضا.

٤٢٧

فيهم (١).

كان الشيخ محمّد باقر أوّل عالم من هذه الأسرة (٢) ، وله في مامقان جاه واحترام عند الأهالي ، ولم نعرف تفصيل أحواله والمراحل العلمية الّتي قطعها.

والشيخ عبدالله ; أوّل من هاجر إلى العتبات المقدّسة وأقام في كربلاء تاركاً ما ورثه عن آبائه من الأموال والثروة ، فطلب العلم بها ، وكانت جلّ تلمذته على السيّد علي الطباطبائي الحائري صاحب «رياض المسائل» ، وجدّ في التحصيل حتى بلغ الرتبة العالية من العلم وأصبحت له مكانة ممتازة بين العلماء ، فأقام الجماعة في إيوان الحرم الحسيني الشريف ، وقلّده جماعة من أهل بلدته وغيرها ، وتوفّي بكربلاء في سنة ١٢٤٦ بالطاعون. وشبله الشيخ محمّد حسن المامقاني تسلّم دست المرجعية بعد ابيه وكانت مرجعيته عامة وسنأتي على ذكرها.

ووالد صاحب الترجمة الشيخ عبدالله المامقاني ، مؤلّف المؤلّفات الكثيرة الّتي منها الموسوعة الرجالية الشهيرة «تنقيح المقال» ، انتهت إليه المرجعية بعد وفاة والده ، وسيذكر في هذه المجموعة (٣) أيضاً.

وابنه الآخر الشيخ أبو القاسم المامقاني ، كان من أفاضل النجف الأشرف وتوفّي سنة ١٣٥١.

__________________

(١) وهذا ما كان يؤكده المرجع الديني السيّد النجفي المرعشي طاب رمسه كراراً ، وأشرنا لذلك في ديباجة كتابنا هذا .. محمّدرضا.

(٢) لا يمكن القطع بل ولا الظنّ بهذا الموضوع أذ لا دليل على النفي والاثبات ، لما سلف منا في أوّل المخزن.

(٣) المقصود منها هو : المفصّل في تراجم الاعلام.

٤٢٨

مولده ونشأته :

ولد «الشيخ محيي الدين» في النجف الأشرف في شهر صفر ١٣٤٠ أو ١٣٤١(١).

نشأ برعاية والده نشأته الأولى ، وربّي في مهد العلم والمرجعيّة تربية صالحة ، ولكن والده الكريم توفّي سنة ١٣٥١ وهو لم يزل في سن المراهقة ، فأولته والدته عنايتها الفائقة في تنشئته وتحبيذ الفضائل والفواضل إلى نفسه ، إذا كانت من بيت فضل وعلم ومرجعية (آل الخليلي) ، الأسرة النجفية الّتي طبقت شهرتها في عالم العلم والأدب والطب ، برز منها رجال معروفون كانوا مفخرة حوزة النجف الدينيّة ، ولهم آثار معروفة مشهودة ، وذكروا في كتب التراجم والتواريخ بكلّ إجلال وتكريم.

تعلم القراءة والكتابة ـ كما كان يتعلّمها الناشئة في ذلك العصر ـ عند شيوخ الكتاتيب ، ويظهر من بعض ما لمسته من معاشرته تقدّمه على كثير من أقرانه في هذه الفترة ، قريحة فياضة ، وخط جيّد ، ومعرفة حسنة بالإملاء مع الالتزام بالنظم في أوقاته وأعماله.

دراساته وتدريسه :

تتلمذ الشيخ في «جامع المقدمات» على الشيخ صادق التنكابني ـ احد تلامذة والده ـ ، ثمّ درس النحو وكتاب «المطول» لدى الشيخ محمّد علي

__________________

(١) الترديد من صاحب الترجمة نفسه.

٤٢٩

المدرّس الأفغاني ، ثمّ كتاب «معالم الأصول» لدى الشيخ فاضل اللنكراني ـ الذى قطن الكاظمية في اُخريات عمره ـ ثمّ «المكاسب» و «الرسائل» و «كفاية الأصول» لدى الشيخ عبدالحسين الرشتي.

أمّا الفقه والأصول العاليين ; فقد حضر أبحاث السيّد عبدالهادي الشيرازي خارج المكاسب ، والميرزا باقر الزنجاني في الأبحاث الأصولية ، والسيّد محسن الطباطبائي الحكيم في الأبحاث الفقهية.

وفي المعقول ، فقد قرأ «شرح المنظومة» للسبزواري عند الشيخ فاضل اللنكراني ، ومقداراً من كتاب «الأسفار» عند الشيخ صدر البادكوبي.

درّس ـ على العادة المتّبعة في الحوزة النجفية ـ مرحلتي المقدمات والسطوح ، على جماعة من الطلبة كلّ ما كان يقرأه ، فقد كان يتولّى تدريس كلّ كتاب ينتهي من دراسته. وهذه عادة مستحسنة تركّز العلم ومسائله في ذهن الطالب وتصبح ملكة علمية تعينه على تفهم المسائل الغامضة في مرحلة الخارج الّتي تتطلب الدقة في الأخذ والتعمق فيما يلقى عليه.

بعد إنهاء دراساته العالية ، تمحض في تدريس المكاسب والرسائل والكفاية وشرح التجريد سنين.

وبعد انتقاله من النجف إلى طهران في سنة ١٣٩١ بدأ بالقاء محاضرات في خارج الفقه والأصول على جماعة من الأفاضل ، ولكنّه لم يقم بها إلاّ فترة قصيرة حيث انتقل إلى قم وانصرف إلى عمله في التعليق على كتاب والده «تنقيح المقال» وترك التدريس نهائياً.

٤٣٠

الهجرة من العراق إلى ايران :

كان في النجف الأشرف موضع احترام كبار العلماء والشخصيات الدينيّة بالإضافة إلى مكانته المحترمة لدى الطبقات النجفيّة المختلفة ، حافظ على كيان أسرته الّتي كانت تمتاز بالعلم والمرجعية ، وبسلوكه الممتاز أصبح له موقعه اللائق به بين علماء الحوزة بالاضافة إلى موقعه في ايران وخاصة في آذربايجان.

هاجر إلى ايران في سنة ١٣٩١ على أثر مضايقات البعث العراقي وتهجير الايرانيين(١) ، واستقر أوّلاً في طهران معزّزاً محترماً ، وأقام صلاة الجماعة في «مسجد ارك» وتولى التدريس فقهاً وأصولاً كما ذكرنا فيما سبق. إلاّ أنّ بيئة هذه المدينة الكبيرة وضوضاءها وامور اُخر أزعجته فانتقل إلى قم مهد العلم وموئل العلماء ، ودُعي إلى صلاة الجماعة في أربع من مساجدها المعروفة ، فامتنع من ذلك وتفرغ للتأليف والبحث مبتعداً عن المجتمع بالمقدار الممكن.

خسر من هجرته جملة من مؤلّفاته وقصاصاته الّتي قضى فترة من أيام شبابه في جمعها وتدوينها ، وأقصى عن مراقد آبائه وآثارهم الّتي كان يرعاها في كلّ حين ويتعهدها معتزاً بها. وأهم من كلّ ذلك مجاورة مدينة العلم والتقى والاستفاضة من أنوار قدس الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام. وكم

__________________

(١) استثنت السلطات العراقية انذاك اثنا عشر من ابرز اعلام الحوزة من التسفير كالسيّد الشاهرودي والسيّد الخوئي والسيّد السبزواري وغيرهم ، وكان شيخنا منهم ، إلاّ أنّه آثر الهجرة والغربة لما وصله من انها دسيسة و .. محمّدرضا.

٤٣١

رأيته ـ عند لقاءاتنا الخاصة ـ يأسف على هذه النعمة العظمى الّتي سلبت منه وأصبح يتشوق إليها بكلّ وجوده ..

ولكنني اعتقد أنّ هجرته غير الاختيارية والتقليل من المعاشرة وعدم الخلطة بالمجتمع الّذي لا تروقه أخلاقه وسلوكه ، توفيق ساقه الله تعالى إليه حتّى يتفرغ لانجاز عمله الرجالي الّذي سيعتبر بحقّ موسوعة كبيرة شاملة تبقى في سجل التأريخ من مفاخر عصرنا ، وضمن الأعمال الفردية المعمقة الّتي أنتجها عظماؤنا عبر العصور.

بعد صفاته الأخلاقيّة :

عاش شيخنا الجليل مترفعاً عمّا في أيدي ذوي المال والثروة ، لا يعرف الخضوع لذوي الجاه والمقام مع شدة تواضعه في سلوكه الاجتماعي ، ولا أبدى حاجة طيلة حياته إلى من له رئاسة وبسط يد.

مثال رائع للوفاء مع أصدقائه والقريبين منه ، لا يترفع عليهم بالرغم من موضعه الرفيق وموضع أسرته من العلم والدين ، يزورهم في المناسبات السارة والمحزنة ويحضر مجالسهم ومحافلهم بالمقدار الميسور ، ويتفقدهم ويستخبر أحوالهم إذا كانوا بعيدين عنه.

يتقيد في أحاديثه مع مجالسيه بالآداب الإسلامية والمقتضيات الاجتماعية ، فلا يؤذي صاحبه في المحاورة ولا يزعجه في التحدث إياه ، بل يحاول جهد استطاعته أن لا يتفوه بما يسوء جليسه ولو كان ممّن يكره مجالسته ومصاحبته ، وهذه خصلة ممتازة تحتاج إلى السيطرة على النفس والقدرة على ضبط اللسان ، وقلّ من يتمكّن من ذلك.

٤٣٢

صبور عند الشدائد ، فلا يشكو ولم يجزع إذا نزلت به الملمات ، بل يواجهها بسعة صدره ويتحملها بروحه الكبيرة ، وكأ نّه لم تصبه شدة ولا نالته معضلة ، لقد ضويق لمّا كان بالعراق ورأيته في كرمانشاه عند التهجير فتعجبت من صموده أمام الكوارث ، وكذلك جوبه بعد استقراره في قم بما يضيق به ذرع الحليم ، ولكنّه استقبل كلّ ذلك بحلم وصبر متناهيين ولم يظهر جزعاً إلى أحد.

متين يلتزم الوقار في سلوكه ، ما رأيته يضحك بصوت عال عند اثارة الضحك ، لا يرفع صوته عند التكلم ، ولا يتسابق في الكلام ، خطاباته مع المتكلمين معه مليئة بالعطف والتودد ، يتفتح إلى من يشكو مصائبه لديه ويبدي مشاركته فيما أصيب به ليخفف بعض آلامه.

شيوخ اجازاته :

صدر لشيخنا صاحب الترجمة اجازات لرواية الحديث وغيرها من بعض أساتذته وغيرهم من أعلام النجف ، هذه أسماء المجيزين له الذين عرفناهم :

١ ـ الشيخ آقا بزرگ الطهراني.

٢ ـ السيّد أبو الحسن الأصبهاني.

٣ ـ السيّد شهاب الدين النجفي المرعشي.

٤ ـ الشيخ عبدالحسين الرشتي.

٥ ـ السيّد عبدالحسين شرف الدين.

٦ ـ السيّد عبدالهادي الشيرازي.

٧ ـ السيّد محسن الطباطبائي الحكيم.

٨ ـ الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء النجفي.

٤٣٣

المجازون عنه :

كتب جملة من الاجازات الحديثية لتلامذته من أفاضل الهند وباكستان والخليجوالعراق ، ولكنه لم يسجل أسماءهم في سجل خاص لنعرفهم بالتفصيل ، وقد نسيهم لتطاول العهد بهم وبُعد الشقة بينهم ، نعرف منهم في هذه العجالة :

١ ـ السيّد علي العلوي الكاشاني.

٢ ـ الشيخ علي آل محسن القطيفي.

٣ ـ ولده الشيخ محمّد رضا المامقاني.

مؤلّفاته :

أهم مؤلّفات علامتنا الجليل ، مستدركاته على كتاب والده السائر «تنقيح المقال» ، فقد توسّع في تحقيقاته وتعليقاته على الكتاب ، وبحث عن كلّ راو ومترجَم فيه بأكثر ما يمكن البحث عنه في المصادر الرجالية والتأريخيّة ، ومحّصها تمحيصاً دقيقاً من جهات شتى ، ثمّ لخّص ما توصل إليه من نتائج بحثه وتحقيقه بعنوان «حصيلة البحث» ، وهي الآن جاهزة للطبع.

وله أيضاً من المؤلّفات :

١ ـ حاشية شرح التجريد للعلاّمة الحلّي.

٢ ـ حاشية فرائد الأصول.

٤٣٤

٣ ـ حاشية المكاسب ، مفصّلة (١).

* * *

قال الشيخ جعفر محبوبة رحمه الله في ماضي النجف وحاضرها (٢) :

* الشيخ محي [كذا] بن الشيخ عبدالله بن الشيخ حسن ..

ولد في النجف سنة ١٣٤٠ هـ هو النابه اليوم من هذا البيت والبارز فيه ، وهو من أهل العلم والفضل ، مجدّ في التحصيل ، مكبّ على طلب العلم ، حفظ شؤون بيته وسار بسيرة أبيه ، محافظاً على كيانه وسمعة بيته ، يمتاز بسيره الحسن وهديه الجيد مع وقار رزانة وحلم.

تخرج على جماعة من أهل الفضل ، وفي دروسه العالية تخرج على العلاّمة السيّد عبدالهادي الشيرازي ، والحجّة السيّد محسن الحكيم ، والشيخ ميرزا باقر الزنجاني ..

له تعاليق على الرسائل والمكاسب ، وله شرح وافي على شرح التجريد ، وله تعاليق على مرآة الكمال ومرآة الرشاد ، وفّقه الله لمرضاته.

__________________

(١) هذا ما جادت به يراع سماحة الأخ الكبير والباحث القدير السيّد أحمد الحسيني الأشكوري حفظه الله.

وما هنا الحقناه مجملين جداً ومقصرين حتماً ومعتذرين من شيخنا الوالد دام ظله الوارف أن نخشى الكتابة عنه خوفاً من أن يحسب ان ما نذكره اغراقاً أو تبجيحاً .. وندعها ظلامة له كسائر ما ظلم به وحرم منه ..

(٢) ماضي النجف وحاضرها ٣/٢٥٩ برقم (٥).

٤٣٥

وقال طاب ثراه قبل ذلك (١) : وأعقب (رحمه الله) ولداً واحداً ، وهو الشيخ محيي الدين ..

* * *

*وقال الشيخ محمّد حرز الدين (٢) : .. ولم يخلّف إلاّ ولداً واحداً لم يبلغ الحلم ، وثمانية بنات من نساء شتى ..

* * *

* وقال السيّد القاضي الطباطبائي ما ترجمته (٣) :

كان لآية الله المامقاني عدداً كثيراً من الأولاد ذكوراً واناثاً .. توفى جملة كبيرة منهم في زمان حياته طاب رمسه (٤).

ثم قال : .. وما بقي من ولده بعد وفاته عبارة عن ثمان اناث وذكر واحد منحصر بالعالم العلاّمة الجليل حجّة الإسلام الشيخ محيي الدين المامقاني أدام الله بركاته .. الّذي كان نعم الخلف للأب والجدّ وتذكاراً كبيراً لما أبقاه السلف الصالح له من العلم .. وهو بحقّ متخلّق من كلّ جهة علماً وعملاً

__________________

(١) ماضي النجف وحاضرها ٣/٢٥٧ ـ ٢٥٨ في ترجمة الشيخ عبدالله (الثاني) المامقاني قدّس سرّه.

(٢) معارف الرجال ٢/٢٢ [الطبعة الثانية ، وفي الطبعة الاولى ١/٣٦٦] ، في ترجمة صاحب التنقيح.

(٣) كتاب آئينه رستگاري (ترجمة كتاب : مرآة الرشاد) : ٢٢٤.

(٤) قيل : كان له رحمه الله عشرة ذكور وخمسة عشرة انثى ، لم يخلف منهم إلاّ شيخنا الوالد دام ظلّه ذكراً وثمان بنات من ثلاث زوجات ..

٤٣٦

بالأخلاق والأوصاف الحميدة ، نسئل الله له التوفيق في الخدمة الدينيّة والتبعية من آباءه وأجداده الطاهرين في نشر الآثار الدينيّة وتبليغ الفرقة الجعفرية.

* * *

وقال الشيخ الأميني رحمه الله في كتاب معجم رجال الفكر والأدب خلال ألف عام(١) ما نصّه :

* محيي الدين بن الشيخ عبدالله بن الشيخ حسن وُلد ١٣٤٠ هـ / ١٩٢٢ م

* عالم جليل مجتهد محقّق ، من أساتذة الفقه والأصول. حفظ شؤون بيته ، وسار بسيرة والده ، ويمتاز بسيرة حسنة ، وخلقه الرفيع إلى جانب وقار ورزانة وتواضع وورع وحلم.

ولد في النجف الأشرف ، واجتاز مقدمات العلوم ومراحل السطوح وحضر أبحاث والده [كذا] ثمّ تتلمذ في الفقه والأصول على السيّد عبدالهادي الشيرازي. والسيّد الحكيم. والسيّد الخوئي.

وتصدّى للتدريس والبحث والتحقيق وتصحيح مؤلّفات والده ودفعها إلى النشر والطبع.

وفي عام ١٣٩١ هـ ، عند توخم السياسة الهوجاء في العراق ترك النجف ، وكان من النفر الّذين يعتمد عليهم السيّد الحكيم ، ويشاوره ويأخذ برأيه في القضايا الاجتماعية والدينيّة .. فتوجه إلى مدينة طهران ، وأقام بها فترة ثمّ

__________________

(١) معجم رجال الفكر ٣/١١٤٦.

٤٣٧

توجه إلى بلدة قم ، وواصل فيها جهاده العلمي والثقافي ..

ولم يزل مجلسه موضع اختلاف العلماء والأفاضل في آناء الليل وأطراف النهار ، تتداول فيه مسائل علمية ومواضع أدبية. أولاده : الدكتور عزالدين ، الشيخ محمّدرضا ، حسين ، وعبدالله.

له : تعليقة على مرآة الكمال ١ ـ ٢ ط. مرآة الرشاد لوالده ١ ـ ٣ ط ت [كذا] ، تحقيق وتصحيح تنقيح المقال ، شرح التجريد. تعليقة على المكاسب والرسائل ، وقال في طبعته الاُولى للكتاب :

عالم جليل ، من أساتذة الفقه والاُصول ، حفظ شؤون بيته وسار بسيرة والده ، يمتاز بسيره الحسن ، وهديه الجيد مع وقار ورزانة وتواضع وحلم ..

له : شرح على شرح التجريد ، وتعليقة على مرآة الكمال ، وتعليقة على المكاسب والرسائل ، وتعليقات وتحقيقات على تنقيح المقال (١).

__________________

(١) انظر : مزيداً في ترجمته دام ظله في المصادر التالية : طبقات اعلام الشيعة (نقباء البشر) للشيخ آغا بزرگ الطهراني ٣/١٢٩٩ ، الاجازة الكبيرة للسيّد النجفي المرعشي : ١٩ ، المطبوعات النجفيّة للأميني : ٣١٢ ، معجم المؤلفين العراقيين (القرن التاسع عشر والعشرين) ٣/٢٨٧ ، گنجينة دانشمندان ٤/٥٥٤ ـ ٥٥٥ ، وكذا في ٧/٤١ .. وغيرها.

٤٣٨

وأمّا الحادي عشرة :

صور وآثار

لم يكن يومذاك التصوير شائعاً ولا معروفاً ، وهو بين كاره له ومحرّم .. هرباً من التجسيم! وقلّ انذاك من كان يصححه أو يبيحه. لذا ننشر كلّ ما حصلنا من صور للعلمين قدّس سرّهما. وهما اثنان الاولى هي الصورة الوحيدة الّتي بقيت لنا من الشيخ الأكبر طاب رمسه ، ولها قصة سمعتها من أكثر من واحد ، وهي إن ملك ايران آنذاك ـ مظفر الدين شاه ـ طلب من الشيخ قدّس سرّه صورة له ، فرفض رحمه الله حيث كان يستشكل في التصوير وغيره ، فما كان من الملك إلاّ أن ارسل مصوّره الخاصّ خلف قافلة الشيخ عندما كان راجعاً إلى العراق بعد تشرفه لزيارة الإمام الرضا عليه السلام ، وانتهز الفرصة في وقت مناسب بعد أن لاحقهم من طهران إلى اطراف كرمانشاه في منطقة تعرف بـ : كرند ـ وقد كان التصوير انذاك مشكلاً جدّاً وصعب ، ويكون بواسطة الصناديق وكيفية خاصّة ـ وعندما كان الشيخ في حالة صلاة جماعة وخلفه ولده في أحدى مواقفهم ، ويظهر في الصورة الاصلية

٤٣٩

ماء وأشجار وابريق وغيره ، وعندما انتهى الشيخ من صلاته أمر بملاحقة المصوّر ، وقبض عليه واشترط عليه الشيخ عبدالله أن يسمح له على أن يعطيه بعد ذلك صورة منها حيث لم يكن يرى بأساً في ذلك .. فكانت هذه .. وهي نحو سنة ١٣٢٢ هـ والاُخرى صور للشيخ الجدّ صاحب التنقيح أخذها للجواز حيث أراد السفر إلى الحج ، وسفرته الثانية إلى ايران ، وهي نحو سنة ١٣٤٦ هـ.

٤٤٠