• الفهرس
  • عدد النتائج:

العقل أن دفع الضرر عن النفس واجب إذا كان المدفوع به دون المدفوع (١) ؛ فإن العقلاء يسارعون إلى الفصد والحجامة (٢) ليدفعوا بهما (٣) مضارّ هي أعظم منها (٤). وسواء كان الضرر مظنونا أو معلوما ؛ فإنه لا فرق عند العقلاء بين أن يخبرهم مخبر ظاهره العدالة بأنّ في الطعام سمّا ، وبين أن يشاهدوه في أنه يجب عليهم اجتنابه في الحالين جميعا ـ وإن كان خبر الواحد يقتضي الظن ، والمشاهدة توجب العلم ـ فثبت بذلك أن العلم بالثواب والعقاب واجب.

فإن قيل : ولم قلتم بأن العلم بهما لا يتم من دون العلم بهذه المعارف؟ ، قلنا : لأنّ العلم بالثواب والعقاب فرع على العلم بالمثيب والمعاقب ، وعلى كونه قادرا على الثواب والعقاب ، وعالما بمقاديرهما وبكيفية إيصالهما إلى مستحقّهما (٥) ، وعلى جميع هذه المعارف (المعبّر عنها بأصول الدين) ؛ فإذا كان العلم بالثواب والعقاب واجبا بما تقدم تحقيقه ـ وهو لا يتم إلا بمعرفة الله تعالى وبسائر هذه المعارف ـ كانت واجبة لوجوبه ؛ لما نعلمه من مقدّمات قضاء الدّين ، وردّ الوديعة ؛ فإنها واجبة لمّا لم يتم الواجب إلّا بها ، وقد شاركتها هذه المعارف في أنه لا يتم الواجب إلا بها ، فيجب أن تشاركها في الوجوب ، لأن الاشتراك في العلة يوجب الاشتراك في الحكم ، وإلّا عاد

__________________

(١) يريد أن دفع الهلاك يجوز إذا حصل بضرر أقل. أما دفع الهلاك عن النفس بإهلاك نفس أخرى فلا يجوز.

(٢) معالجة قديمة لإخراج الدم عند ما يتبيّغ بصاحبه.

(٣) في (ب) : بها.

(٤) الضمير عائد إلى الفصد والحجامة. والمعنى أن الفصد والحجامة مضرّان ؛ لكنهما دفعا مضرة أكبر ، وهي تبيّغ الدم وبثر الفم.

(٥) في (ب) : إلى مستحقيهما.