مصباح الفقيه - ج ١٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: برگ طوبى
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٣

الجالس ، كما حكي عنه ذلك (١) ، فكأنّه قال : حدّ العجز أن لا يتمكّن من القيام أصلا ولو ماشيا.

وكيف كان فمستند هذا القول خبر سليمان بن حفص المروزي قال :قال الفقيه عليه‌السلام : «المريض إنّما يصلّي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما» (٢).

وأجيب (٣) عنه : بقصور الخبر المزبور سندا ودلالة عن معارضة المستفيضة المتقدّمة (٤) الناطقة بأنّه لا حدّ له ، وأنّ الإنسان (عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ).

أمّا سندا : فواضح.

وأمّا دلالة : فلقوّة احتمال كون المقصود بالرواية بيان عدم تحقّق العجز عادة ما لم يبلغ ضعف المريض إلى هذا الحدّ ، حيث إنّ الغالب كون الصلاة قائما ولو معتمدا على عصا أو حائط ونحوه ميسورة لمن قدر على المشي بقدرها ، دون من لم يقدر على ذلك ، فهي منزّلة على الغالب (فلم يقصد) (٥) بها ضابطة تعبّديّة يدور مدارها الحكم نفيا وإثباتا كي تنافي الأدلّة المتقدّمة.

وقد ظهر بما أشرنا إليه ـ من أنّ الغالب كون القادر على المشي بمقدار صلاته متمكّنا من أن يصلّي واقفا ولو مستندا إلى شي‌ء ـ ضعف الاستدلال بهذه الرواية لترجيح صلاة الماشي على القاعد ـ كما حكي عن

__________________

(١) راجع الهامش (٣) من ص ٤٠.

(٢) التهذيب ٣ : ١٧٨ / ٤٠٢ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب القيام ، ح ٤.

(٣) المجيب هو صاحب الجواهر فيها ٩ : ٢٥٩.

(٤) في ص ٣٦ و ٣٧.

(٥) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : «لا أنّه قصد».

٤١

جماعة اختياره ، منهم : المفيد والفاضل والشهيد [الثاني] (١) (٢) ـ نظرا إلى أنّ مفادها المنع عن الصلاة جالسا لدى التمكّن من المشي بقدرها ، سواء تمكّن من الصلاة قائما مستقرّا أم لا ؛ إذ الغلبة المزبورة مانعة عن ظهورها في هذا النحو من الإطلاق ، بل المتبادر منه ليس إلّا أنّ المريض ما لم يبلغ ضعفه إلى هذا الحدّ فعليه أن يصلّي قائما على حسب ما هو معهود في الشريعة ، فإطلاقها جار مجرى الغالب من قدرته على ذلك.

واستدلّ للقول المزبور أيضا : بأنّ مع المشي يتحقّق القيام وينتفي الاستقرار ، وينعكس الأمر في الجلوس ، ودرك الأصل أولى من درك الوصف.

وفيه : أنّه بعد فرض إمكان تدارك الوصف قائما بموصوف آخر ، أي بعد تسليم استقلال الوصف بالوجوب سواء تقوّم بالقيام أم بالجلوس تكون دعوى الأولويّة عارية عن الشاهد ؛ إذ لا امتناع في أن يكون الجلوس مستقرّا أهمّ وأولى لدى الشارع من القيام بلا استقرار.

وقد يستدلّ له أيضا بإطلاقات أدلّة القيام مقتصرا في تقييدها بالاستقرار على القدر المتيقّن ـ الذي أمكن استفادته من دليله ـ وهو في حال التمكّن ، كنظائره من الانتصاب والاستقلال والاستقرار المقابل للاضطراب ، وبقاعدة الميسور ، كما تقدّم الاستشهاد بها في نظائره.

وفيه : أنّ المتبادر من إطلاقات القيام ولو بواسطة مناسبة المقام أو المعهوديّة إنّما هو إرادة الوقوف ، لا مطلقه الشامل لحال المشي ، بل قد

__________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من جواهر الكلام.

(٢) كما في جواهر الكلام ٩ : ٢٥٩ ، وراجع : المقنعة : ٢١٥ ، وتذكرة الفقهاء ٣ :٩٢ ، ذيل المسألة ١٩٢ ، وروض الجنان ٢ : ٦٦٩ ، ومسالك الافهام ١ : ٢٠٢.

٤٢

يقال بأنّه حقيقة في خصوص الأوّل ، وهو وإن لا يخلو عن تأمّل بل منع إلّا أنّه لا ينبغي التأمّل في انصراف إطلاقه إليه ، خصوصا في الصلاة ونحوها ممّا يناسبه الوقوف والاستقرار ، ولذا استدلّ غير واحد للمشهور : بظاهر المعتبرة المستفيضة الدالّة على الانتقال إلى الجلوس بتعذّر القيام ؛ حيث إنّ المنساق منها ليس إلّا إرادة الوقوف من القيام.

وأمّا القاعدة فجريانها فرع كون المأتيّ به لدى العرف ميسور المتعذّر ، أي مرتبة ناقصة من مراتبه ، كما هو الشأن في الموارد التي التزمنا بجريانها فيها ، ومن الواضح أنّ القيام المتحقّق في ضمن المشي بنظر العرف أمر أجنبيّ عن القيام المعتبر في الصلاة ، بل الجلوس مستقرّا مستقبل القبلة أقرب إلى هيئة المصلّي لديهم من القيام ماشيا إلى جهتها.

هذا ، مع أنّ القاعدة إنّما يصحّ التمسّك بها لو كان القرار شرطا في القيام ، لا مطلقا ، مع أنّه يظهر من كلماتهم التسالم على اعتباره في الصلاة مطلقا ولو جالسا ، ولذا قد يورد على أصحاب هذا القول : بأنّه وإن كان مع المشي انتصاب ليس في القعود ولكن في القعود استقرار ليس في المشي ، فلا تتمشّى حينئذ قاعدة الميسور ، كما هو واضح ، ولا يتوجّه مثل هذا الإيراد على الاستدلال بها لفاقد الاستقرار المقابل للاضطراب ؛ إذ لم يثبت اعتبار هذا الشرط في الصلاة إلّا في الجملة ، وهو لدى التمكّن منه على تقدير الإتيان بما هو وظيفته من القيام وغيره ، مع أنّه يكفي لتقديم القيام مضطربا أو منحنيا على الجلوس أو معتمدا على شي‌ء أو على رجل واحدة إطلاقات أدلّة القيام المقتصر في تقييدها على القدر المتيقّن ، وهذا بخلاف المقام الذي قلنا بانصراف الأدلّة عنه.

نعم ، لو لم تكن له حالة استقرار أصلا بأن دار الأمر بين الصلاة ماشيا

٤٣

أو الجلوس متحرّكا كما في الراكب ، لا المضطرب الذي لا يعتدّ بحركته الاضطراريّة ، أمكن القول بتقديم الأوّل. وربما احتمل التساوي بل ترجيح العكس إن كان الركوب أقرّ خصوصا إذا كان في محمل ونحوه ، والله العالم.

(و) كيف كان فقد تلخّص ممّا ذكر أنّ القول (الأوّل أظهر)

(والقاعد) العاجز عن القيام للقراءة (إذا تمكّن من) مسمّى (القيام) المجزئ (للركوع) من غير حرج ، أي إذا كان تمكّنه من القيام مقصورا على مسمّاه المجزئ للركوع (وجب) عليه ذلك عند الركوع كى يكون ركوعه عن قيام ؛ لما أشرنا إليه في صدر المبحث من وجوب القيام المتّصل بالركوع بل ركنيّته إمّا من حيث هو أو من حيث كونه شرطا في الركوع ، فلا يسقط بسقوط غيره ممّا هو معتبر حال القراءة أو التكبير ، كما عرفت تحقيقه فيما سبق.

ويحتمل أن يكون المقصود بالعبارة صورة ما لو تجدّدت القدرة من القيام حال الركوع ، فهي على هذا التقدير من جزئيّات

المسألة الآتية الباحثة عمّا لو تجدّدت القدرة في الأثناء ، فلا مقتضي حينئذ لتخصيصه بالذكر ، والله العالم.

(وإلّا) بأن تعذّر أو تعسّر عليه أصل القيام حتى مسمّاه المصحّح لصدق الركوع عن قيام (ركع جالسا) بلا إشكال ولا خلاف ، كما يدلّ عليه جميع الأدلّة المتقدّمة الدالّة على أنّ من لم يقدر أن يصلّي قائما صلّى جالسا ، فإنّه وإن لم يقع فيها التصريح بالركوع كغيره من الأفعال الواجبة في الصلاة ولكنّ المفهوم من إطلاق الأمر بأن يصلّي قاعدا لمن عجز عن القيام أن يأتي بتلك الطبيعة المعهودة التي كانت واجبة عليه عن قيام جالسا ، فلا يسقط عنه شي‌ء ممّا اعتبر فيها من واجباتها ومستحبّاتها ، ما عدا نفس

٤٤

القيام وما يتبعه من الوظائف الشرعيّة ، مثل : «بحول الله وقوّته» عند النهوض ، ونحوه ، والهيئات التكوينيّة ، مثل نصب الساقين ورفع الفخذين وتجافي أسفل البطن ونحوه ممّا هو من لوازم ركوع القائم.

وبهذا يظهر ضعف ما حكي عن الذكرى وجامع المقاصد من القول بوجوب رفع الفخذين في ركوع الجالس ؛ لأصالة بقاء وجوبه الثابت حال القيام (١) ، فإنّ رفعهما حال القيام لم يكن واجبا من حيث هو ، بل تبعا للهيئة الواجبة في تلك الحالة ، كغيره ممّا هو من لوازم تلك الهيئة ممّا أشرنا إليه من نصب الساقين وتجافي أسفل البطن.

نعم ، قد يقال بأنّه يجب عليه إن قدر على الارتفاع زيادة عن حال الجلوس ودون ما يحصل ركوع القائم مراعاة الأقرب فالأقرب ؛ لقاعدة الميسور (٢). فعليه قد يتّجه ما ذكراه ، إلّا أنّ هذا القول في حدّ ذاته محلّ نظر ، وكون القاعدة مقتضية له لا يخلو عن تأمّل.

ثمّ إنّ المعروف في كيفيّة ركوع الجالس ـ على ما صرّح به غير واحد (٣) ـ وجهان ، أحدهما : أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع بالإضافة إلى القائم المنتصب. والآخر : أن ينحني بحيث تكون نسبة ركوعه إلى سجوده كنسبة ركوع القائم إلى سجوده باعتبار أكمل الركوع وأدناه ، فإنّ أكمل ركوع القائم انحناؤه إلى أن يستوي ظهره مع مدّ

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٢٠٥ ، ولم نقف عليه في الذكرى ، وهو في الدروس ١ :١٦٨ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣١٠.

(٢) قاله الشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٦٧٠.

(٣) كالشهيد في الذكرى ٣ : ٢٦٩ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٠٤ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٦٦٩ ـ ٦٧٠ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ :٣٣٠.

٤٥

عنقه فتحاذي جبهته موضع سجوده ، وأدناه انحناؤه إلى أن تصل كفّاه إلى ركبتيه ، فيحاذي وجهه أو بعضه ما قدّام ركبتيه من الأرض ، ولا يبلغ محاذاة موضع السجود ، فإذا روعيت هذه النسبة كان أكمل ركوع القاعد أن ينحني بحيث تحاذي جبهته مسجده ، وأدناه وجهه ما قدّام ركبتيه.

وفي الجواهر ـ بعد نقل الكيفيّتين من غير واحد من الأصحاب تبعا لبعض العامّة (١) ـ قال : والوجهان متقاربان ، والأصل في ذلك أنّ الانحناء في الركوع لا بدّ منه ، ولمّا لم يمكن تقديره ببلوغ الكفّين الركبتين لبلوغهما من دون الانحناء ، تعيّن الرجوع إلى أمر آخر به تتحقّق المشابهة للركوع من قيام. وفيه : أنّه متّجه لو لم تكن له هيئة عرفيّة ينصرف إليها الذهن عند إطلاق الأمر به من جلوس ، فالأولى حينئذ إناطته بذلك ، كما عن الأردبيلي (٢). اللهمّ إلّا أن يراد تحديد العرف بذلك ، والأمر حينئذ سهل (٣). انتهى.

أقول : الرجوع إلى العرف إنّما يتّجه لو قلنا بأنّه ليس للركوع المعتبر في الصلاة حقيقة شرعيّة ولا حدّ شرعيّ تعبّديّ ، وما ثبت في القائم إمّا لبيان مفهومه العرفي ، أو تقييد شرعيّ يختصّ بمورده ، فمقتضى القاعدة حينئذ في ركوع القاعد الرجوع إلى ما يقتضيه إطلاق دليله ، وهو لا يخلو عن إشكال ؛ إذ الظاهر ـ بعد الغضّ عن أنّه ليس في المقام أثر لفظيّ صالح للرجوع إلى منصرفه ـ أنّ الهيئة العرفيّة التي ينصرف الذهن إليها عند إطلاق الأمر به من جلوس إنّما هي بمقايسته إلى ركوع القائم ؛ حيث إنّ أنس

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١ : ٤٨٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٩٢.

(٣) جواهر الكلام ٩ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

٤٦

الذهن بركوع القائم يورث تصوير ما يشابهه في الجالس على حسب ما يناسب حاله ، لا لأجل أنّ هذا هو معناه عرفا ، بل لأجل أنّ هذا هو المناسب إرادته في خصوص المقام ، ولذا يتصوّره من لا يفهم للركوع معنى عدا ما يعرفه في الصلاة كالعجمي ونحوه ، فكأنّ من حدّده بالوجه الأوّل زعم أنّ هذا هو الذي ينسبق إلى الذهن من الأمر به بمقتضى المناسبة الناشئة من المقايسة إلى ركوع القائم ، ومن حدّده بالوجه الثاني نظر إلى أنّ الانحناء الركوعي يتقوّم بالنصف الأعلى من الجسد الذي لا يختلف حاله في القيام والقعود ، فعليه أن ينحني ظهره حال كونه جالسا بمقدار ما كان ينحني ظهره حال كونه قائما ، فأدناه أن ينحني بمقدار ما لو كان قائما لوصل كفّاه إلى ركبتيه ، وهذا المقدار من الانحناء يلزمه محاذاة الوجه أو بعضه ما قدّام ركبتيه عند الجلوس ، وأعلاه أن يعتدل ظهره ، فتحاذي جبهته موضع سجوده لو سجد وهو على تلك الهيئة من غير أن يغيّر وضعه بتقديم جثّته بل بتأخير رجليه تحقيقا لوقوع السجدة عليهما وعلى عين ركبتيهما.

وكيف كان فالتحديد بهذا الوجه إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.

وأمّا الوجه الأوّل فمقتضاه كفاية نصف هذا المقدار تقريبا ، فإنّه إذا انحنى الجالس نصف المقدار الذي كان ينحني في ركوعه قائما ، يصير بالنسبة إلى الجالس المنتصب كالراكع بالإضافة إلى القائم ، وهو لا يخلو عن إشكال.

ويحتمل أن يكون المراد بهذا التحديد أيضا ما يرجع إلى الأوّل بأن يكون الملحوظ في النسبة هو خصوص ظهره الذي يتقوّم به الانحناء والانتصاب الذي لا يختلف الحال فيه لدى القيام والقعود ، فمعناه حينئذ أنّه

٤٧

يعتبر في ركوعه أن ينحني بحيث يصير ظهره منحنيا بالإضافة إليه منتصبا وهو قاعد ، كانحنائه راكعا بالإضافة إليه وهو قائم ، فتتّحد الكيفيّتان على هذا التفسير ، والاختلاف إنّما هو في التعبير.

وهل يعتبر في القعود الشرائط المعتبرة في القيام من الانتصاب والاستقرار والاستقلال مع الإمكان ، كما هو صريح بعض (١) وظاهر غيره (٢)؟فيه تردّد ، خصوصا في الأخير منها ، وأمّا الأوّلان فاعتبارهما فيه مع القدرة لا يخلو عن قوّة ؛ لإطلاق النصّ الوارد في الأوّل (٣) ، ومعاقد الإجماعات المحكيّة على الثاني (٤) ، ودعوى انصرافها إلى حال القيام قابلة للمنع.

(وإذا عجز عن القعود) بجميع أنحائه (صلّى مضطجعا) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه (٥).

ويدلّ عليه أخبار مستفيضة :

منها : حسنة أبي حمزة ، الواردة في تفسير قوله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) (٦) المتقدّمة (٧) في صدر المبحث ، وفيها : «وَعَلى جُنُوبِهِمْ» الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جالسا».

__________________

(١) الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ١ : ٢٤٠.

(٢) راجع : روض الجنان ٢ : ٦٦٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٠ / ٨٥٦ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب القيام ، ح ١.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ٧٩ ، مصابيح الظلام ٧ : ٤٧ ، جواهر الكلام ٩ : ٢٦٠ ، والحاكي عنها الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ١ : ٢٢٥.

(٥) حكاه صاحب الجواهر فيها ٩ : ٢٦٤ عن الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ :٤٠٢ ، وغيره ، كالطباطبائي في رياض المسائل ٣ : ١٣٦.

(٦) آل عمران ٣ : ١٣٦.

(٧) في ص ٣٥.

٤٨

وعن تفسير النعماني بسنده عن عليّ عليه‌السلام في حديث : «ومثله قوله عزوجل : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) (١) ومعنى الآية أنّ الصحيح يصلّي قائما ، والمريض يصلّي قاعدا ، ومن لم يقدر أن يصلّي قاعدا صلّى مضطجعا ويومئ إيماء ، فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة» (٢).

ومضمرة سماعة قال : سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال :«فليصلّ وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنّه يجزئ» (٣).

وموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا كيف قدر صلّى ، إمّا أن يوجّه فيومئ إيماء» وقال : «يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده ، وينام على جانبه الأيمن ثمّ يومئ بالصلاة» قال :«فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيفما قدر ، فإنّه له جائز ، ويستقبل بوجهه القبلة ثمّ يومئ بالصلاة إيماء» (٤).

وعن المصنّف في المعتبر أنّه قال : روى أصحابنا عن حمّاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده ، وينام على جانبه الأيمن ثمّ يومئ بالصلاة ، فإن لم يقدر على جانبه الأيمن فكيفما قدر فإنّه جائز ، ويستقبل بوجهه القبلة ثمّ يومئ بالصلاة إيماء» (٥).

__________________

(١) النساء ٤ : ١٠٣.

(٢) عنه في رسالة المحكم والمتشابه : ٣٦ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب القيام ، ح ٢٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠٦ / ٩٤٤ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب القيام ، ح ٥.

(٤) التهذيب ٣ : ١٧٥ ـ ١٧٦ / ٣٩٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب القيام ، ح ١٠.

(٥) المعتبر ٢ : ١٦١ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٧٥ ـ ٧٦.

٤٩

وعن الشهيدين في الذكرى والروض (١) أيضا نقل هذه الرواية عن حمّاد.

ولكن ربما ادّعى بعض أنّ هذه هي رواية عمّار ، المتقدّمة (٢) ، وقد وقع الاشتباه في النسبة ، فعن المحقّق السبزواري في الذخيرة أنّه ـ بعد نقل موثّقة عمّار ، المذكورة ـ قال : وفي متن هذه الرواية اضطراب ، ونقلها في المعتبر بوجه آخر ، وتبعه الشهيدان ، وهو هذا : «المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده» وهو على هذا الوجه يسلم من الاضطراب ، وأسندها إلى حمّاد ، وهي كذلك في بعض نسخ التهذيب (٣). انتهى.

وفي المرسل المتقدّم (٤) المرويّ عن دعائم الإسلام : «وإن لم يستطع أن يصلّي جالسا صلّى مضطجعا لجنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة ، فإن لم يستطع أن صلّى على جنبه الأيمن صلّى مستلقيا» الحديث.

ومرسلة الفقيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «المريض يصلّي قائما ، فإن لم يستطع صلّى جالسا ، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن ، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر ، فإن لم يستطع استلقى وأومأ إيماء ، وجعل وجهه نحو القبلة ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه» (٥).

هذه هي أخبار الباب ، الدالّة على وجوب الاضطجاع عند تعذّر

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٢٧١ ، روض الجنان ٢ : ٦٧١ ، وحكاه عنهما البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٧٦.

(٢) في ص ٤٩.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٦٢ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٧٦.

(٤) في ص ٣٩.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٦ / ١٠٣٧ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب القيام ، ح ١٥.

٥٠

الجلوس. وما يظهر من بعض الأخبار الآتية (١) ـ من أنّه إذا عجز عن الجلوس صلّى مستلقيا ـ يجب تقييده بما ذكر. ويحتمل صدورها تقيّة.

وكيف كان فالأخبار المزبورة بأسرها متّفقة الدلالة على وجوب الاضطجاع عند تعذّر الجلوس ، ولكن مضامينها مختلفة من حيث الإطلاق والتقييد ، ولذا اختلف الأصحاب ـ بعد اتّفاقهم على أصل الاضطجاع ـ في أنّه هل هو مخيّر بين الجانبين وعند تعذّره مطلقا يستلقي ، أو يتعيّن الاضطجاع على الجانب الأيمن وإذا عجز عنه استلقى ، أو إذا عجز عنه اضطجع على الجانب الأيسر وإذا عجز عن هذا أيضا استلقى؟ على أقوال.

فعن ظاهر المقنعة والجمل والوسيلة والنافع والإرشاد والألفيّة وموضع من المبسوط (٢) وصريح موضع آخر منه ، والتذكرة ونهاية الإحكام ـ كظاهر المتن ـ هو الأوّل ، أي التخيير بين الجانبين (٣).

ولكن حكي عن بعضهم التصريح بأفضليّة تقديم الأيمن (٤).

وحكي (٥) عن المعظم القول بتعيّن الأيمن ، بل عن ظاهر المعتبر والمنتهى ـ حيث نسباه إلى علمائنا في عبارتهما الآتية (٦) ـ وصريح الغنية

__________________

(١) في ص ٥٩.

(٢) المبسوط ١ : ١١٠ و ١٢٩ ، وفي الموضعين تعيّن الجانب الأيمن.

(٣) المقنعة : ٢١٥ ، جمل العلم والعمل : ٨٥ ، الوسيلة : ١١٤ ، المختصر النافع :٨٠ ، إرشاد الأذهان ١ : ٢٥٢ ، الألفيّة : ٩٥ ، المبسوط ١ : ١٠٠ ، تذكرة الفقهاء ٣ :٩٣ ـ ٩٤ ، المسألة ١٩٤ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٤٠ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣١٢.

(٤) العلّامة الحلّي في نهاية الإحكام ١ : ٤٤٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٧٨.

(٥) الحاكي هو الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٤٠٢.

(٦) في ص ٥٢ ـ ٥٣.

٥١

والخلاف دعوى الإجماع عليه (١).

وصرّح غير واحد منهم (٢) بأنّه إذا عجز عن ذلك اضطجع على الجانب الأيسر.

بل ربما نسب (٣) هذا القول ـ أي الترتيب بين الجانبين ـ إلى المشهور ، وادّعى شيخنا المرتضى رحمه‌الله أنّه المعروف بين المتأخّرين (٤) ، فكأنّه قيّده بما بين المتأخّرين ؛ نظرا إلى خلوّ كلمات أغلب القدماء ـ في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة ـ عن التصريح بالأيسر ، ولذا ربما يستظهر من كلماتهم الانتقال إلى الاستلقاء عند تعذّر الأيمن ؛ حيث إنّهم اقتصروا في بيان المراتب على الاضطجاع على الجانب الأيمن ثمّ الاستلقاء.

قال في محكيّ المعتبر : من عجز عن القعود صلّى مضطجعا على جانبه الأيمن مومئا ، وهو مذهب علمائنا ، إلى أن قال : وإذا عجز عن الاضطجاع وجب أن يصلّي مستلقيا مومئا أيضا برأسه (٥).

وقال في محكيّ المنتهى : لو عجز عن القعود صلّى مضطجعا على

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٦٠ ، منتهى المطلب ٥ : ١١ ، الغنية : ٩١ ـ ٩٢ ، الخلاف ١ :٤٢٠ ، المسألة ١٦٧ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣١٢.

(٢) كابن إدريس في السرائر ١ : ٣٤٩ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٧٩ ، والعلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٤٦٠ ـ ٤٦١ ، المسألة ٣٢٢ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٢٧١ ، وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) :١٥٤ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٠٧ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٦٧١ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٩٠ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٧٨.

(٣) الناسب هو المجلسي في بحار الأنوار ٨٤ : ٣٣٦.

(٤) كتاب الصلاة ١ : ٢٤٢ و ٥٠٧.

(٥) المعتبر ٢ : ١٦٠ ـ ١٦١.

٥٢

جانبه الأيمن بالإيماء مستقبلا للقبلة بوجهه ، ذهب إليه علماؤنا ، إلى أن قال : إذا عجز عن الاضطجاع صلّى مستلقيا (١).

وعن الغنية والخلاف نقل هذا المضمون إجمالا مدّعيين عليه الإجماع (٢).

وربما تأمّل بعض (٣) في الاستظهار المزبور من عبائرهم في فتاويهم ومعقد إجماعهم المحكيّ عنهم ، وهو بالنسبة إلى العبارة المزبورة لا يخلو عن وجه ؛ لقوّة احتمال إرادة العجز عن مطلق الاضطجاع ، وأمّا عبارة الأخيرين فلم نقف على نقلها مفصّلا.

وكيف كان فمستند القول بالتخيير إطلاق الآية (٤) وبعض الأخبار المتقدّمة (٥) ، وعدم صلاحيّة الأخبار المقيّدة لتقييدها ؛ لقصورها من حيث السند ، مع ما في خبر (٦) عمّار من اضطراب المتن.

وفيه : أنّ ضعف سندها مجبور بالشهرة ، مع أنّ رواية عمّار موثّقة ، وهي حجّة كافية ، وما فيها من التشويش من حيث التعبير فغير قادح بعد وضوح المراد فيما هو محلّ الاستشهاد ، كما هو واضح.

وأمّا المطلقات فعمدتها مضمرة (٧) سماعة ، التي أمكن الخدشة فيها بالإضمار ، وأمّا ما عداها فإطلاقها وارد مورد حكم آخر ، كما لا يخفى.

__________________

(١) منتهى المطلب ٥ : ١١ و ١٢.

(٢) الغنية : ٩١ و ٩٢ ، الخلاف ١ : ٤٢٠ ، المسألة ١٦٧ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣١٢.

(٣) صاحب الجواهر فيها ٩ : ٢٦٥.

(٤) آل عمران ٣ : ١٩١.

(٥) في ص ٣٥ و ٤٨ و ٤٩ ، وهي حسنة أبي حمزة ومضمرة سماعة وغيرهما.

(٦) تقدّم الخبر في ص ٤٩.

(٧) تقدّمت المضمرة في ص ٤٩.

٥٣

ولكنّ الأصل كاف دليلا لإثبات هذا القول لو سلّمت المناقشة في المقيّدات ، ولكنّك عرفت أنّها في غير محلّها.

فالأقوى وجوب الاضطجاع على الأيمن ، كما يشهد له موثّقة (١) عمّار وغيرها من الأخبار المقيّدة المعتضدة بالشهرة ، والإجماعات المحكيّة المستفيضة ، وإذا تعذّر فعلى الأيسر ، كما وقع التصريح به في مرسلة الفقيه ، المتقدّمة (٢) ، وضعفها مجبور بالشهرة ، فيرفع اليد بواسطتها عمّا يظهر من قوله عليه‌السلام في موثّقة عمّار : «فكيفما ما قدر» من التخيير بين الاستلقاء وبين الاضطجاع على الأيسر.

بل قد يمنع ظهور هذه الفقرة في حدّ ذاتها في التخيير ؛ لشيوع استعمال مثل هذه العبارة في وجوب الإتيان بالشي‌ء بمقدار وسعه ، وعدم سقوطه منه ، كما في صدر هذه الرواية ، نظير قول القائل : إذا دخل الوقت وجب عليه أن يصلّي كيفما قدر ، فلا تدلّ على التخيير بين الحالات المقدور عليها.

وفيه : أنّ شيوع استعماله في هذا المعنى لا ينفي ظهوره من حيث هو في التخيير خصوصا في مثل المقام المسوق لبيان حكم مراتب العجز ، مع ما وقع فيه من التفريع عليه من قوله : «فإنّه له جائز» (٣) الظاهر في إرادة التوسعة فيما قدر عليه ، لا التضييق ، ولكن مع ذلك كلّه يتعيّن صرفه عن هذا الظاهر ؛ جمعا بينه وبين المرسلة (٤) التي هي كالنصّ في الترتيب.

هذا ، مع أنّه لم ينقل القول بالتخيير بين الاستلقاء والاضطجاع عن

__________________

(١) تقدّمت الموثّقة في ص ٤٩.

(٢) في ص ٥٠.

(٣) راجع الهامش (٤) من ص ٤٩.

(٤) أي مرسلة الفقيه ، المتقدّمة في ص ٥٠.

٥٤

أحد ، ولذا استدلّ بعض لتقديم الأيسر : بظاهر هذه الموثّقة ؛ حيث إنّها تدلّ بظاهرها على جواز الاضطجاع على الأيسر عند تعذّر الأيمن ، وهو ممّا إذا جاز وجب ؛ إذ لا قائل بالتخيير.

ونوقش (١) فيه بإمكان قلب الدليل ، فإنّ لنا أن نقول : إنّها تدلّ على جواز الاستلقاء عند تعذّر الاضطجاع على الأيمن ، وهو ممّا إذا جاز وجب ؛ إذ لا قائل بالتخيير بينه وبين الأيسر.

ونظيره في الضعف الاستدلال له أيضا بقوله عليه‌السلام في الموثّقة (٢) : «يستقبل بوجهه القبلة» بدعوى أنّ استقبال الوجه إليها لا يتحقّق حقيقة إلّا مع الاضطجاع.

وفيه ـ بعد الغضّ عن كثرة استعمال التوجّه إلى القبلة في المستلقي أيضا ، فيراد بمقابلة الوجه التوجّه إلى جهتها في مقابل التوجّه إلى اليمين واليسار ـ : أنّ استقبال الوجه قد يتحقّق من المستلقي فيما بين المشرق والمغرب أيضا بتحويل وجهه إلى القبلة ، كما أنّه قد يتحقّق من المستلقي إلى القبلة أيضا بوضع شي‌ء تحت رأسه ، فليس اعتبار الاستقبال سببا لرفع اليد عن ظاهر قوله عليه‌السلام : «كيفما قدر» (٣) في الإطلاق ، بل ربما يؤيّده ، كما سنشير إليه عند توجيه الرواية.

هذا ، مع أنّ حمل مثل هذا التعبير على إرادة فرض خاصّ كما ترى.

فالإنصاف أنّه لا يصحّ الاستشهاد بهذه الموثّقة للقول بتقديم الاضطجاع على الجانب الأيسر على الاستلقاء ، كما أنّه لا يصحّ الاستشهاد

__________________

(١) المناقش هو صاحب الجواهر فيها ٩ : ٢٦٥.

(٢) تقدّمت الموثّقة في ص ٤٩.

(٣) راجع الهامش (٤) من ص ٤٩.

٥٥

بها لعكسه أيضا ، بل هي من حيث هي إمّا ظاهرة في التخيير بينهما ، كما هو مقتضى الإنصاف ، أو مجملة من هذه الجهة وأريد بها بيان عدم سقوط الميسور بالمعسور ، لا التخيير بين الحالات المقدورة.

نعم ، ربما يشهد للعكس ـ أي تقديم الاستلقاء ـ قوله عليه‌السلام في ذيل خبر الدعائم : «فإن لم يستطع أن يصلّي على جنبه الأيمن صلّى مستلقيا» (١).

ولكنّه ضعيف السند خال عن الجابر ، فلا يصحّ الاعتماد عليه ، مع معارضته بمرسلة (٢) الفقيه ، التي هي أوثق منه ، بل قد يعامل معها معاملة الأخبار الصحيحة بضمان (٣) الصدوق بصحّة ما في كتابه (٤) ، ولولاه لأشكل دعوى انجبار ضعفها بشهرة العمل بها بين المتأخّرين ، اللهمّ إلّا أن يجعل فتوى بعض القدماء (٥) أيضا بمضمونها خصوصا مثل الحلّي (٦) ـ الذي لا يعمل إلّا بالقطعيّات ـ من مؤيّداتها ، والله العالم.

تنبيهان :

الأوّل : ذكر بعض (٧) في توجيه قوله في موثّقة (٨) عمّار : «المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا كيف قدر صلّى ، إمّا أن يوجّه فيومئ إيماء» وجوها :

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٣٩ ، الهامش (١).

(٢) تقدّمت المرسلة في ص ٥٠.

(٣) في «ض ١٣ ، ١٧» : «لضمان».

(٤) الفقيه ١ : ٣.

(٥) كابن الجنيد كما في مختلف الشيعة ٢ : ٤٦٠ ـ ٤٦١ ، المسألة ٣٢٢.

(٦) تقدّم تخريج قوله في ص ٥٢ ، الهامش (٢).

(٧) السيّد محمّد باقر الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٢٦.

(٨) تقدّمت الموثّقة في ص ٤٩.

٥٦

أحدها : أن تكون هذه الفقرة من كلام عمّار ، وظاهرها على هذا التقدير هو الاستفهام عن كيفيّة صلاته من أنّه هل هو يصلّي كيفما قدر ، أي على أيّ جهة يكون ، أو يوجّه الى القبلة ويومئ إيماء؟ فأجابه عليه‌السلام بقوله :«يوجّه كما يوجّه الميّت» الحديث ، فكلمة «إمّا» على هذا التقدير بمعنى «أو» والضمير في «قال» المذكور أوّلا راجع إلى عمّار ، وهو مقول للراوي عنه ، وهو مصدّق بن صدقة ، فنقل كلام عمّار أوّلا ، ثمّ عطف عليه جواب الإمام عليه‌السلام.

ثانيها : أن يكون من الإمام عليه‌السلام ، وتكون كلمة «أمّا» بفتح الهمزة شرطيّة ، وجزاؤه محذوفا ، وقد سيق دفعا لتوهّم سقوط شرطيّة الاستقبال الناشئ من إطلاق قوله : «كيف قدر صلّى» والتقدير : أمّا توجّهه إلى القبلة فلازم.

ولا يخفى ما فيه من البعد.

وثالثها ـ وهو أقوى الاحتمالات ـ : ما يرجع إلى ما لخّصه في محكيّ المعتبر مسندا إلى حمّاد (١) بناء على اتّحاده مع هذه الرواية ، وهو أن يكون من الإمام ، وكون «إمّا» بالكسر أريد به التفصيل بين المراتب المقدورة ، ويكون قوله عليه‌السلام : «يوجّه كما يوجّه الرجل» بدلا أو بيانا لما أجمله ، وقوله :«فإن لم يقدر أن ينام على جنبه» إلى آخره ، بيانا للشقّ الآخر من التفصيل ، فكأنّه عليه‌السلام قال : «إمّا أن يوجّه إلى القبلة بجميع مقاديم بدنه مضطجعا على جنبه الأيمن كما يوجّه الميّت في لحده ويومئ إيماء ، أو ينام كيفما قدر ولكن يستقبل بوجهه القبلة» وهذا في المستلقي إلى القبلة يحصل بعدم

__________________

(١) راجع الهامش (٥) من ص ٤٩.

٥٧

تحويل وجهه إلى الجانبين ، وفي المستلقي إلى الجانبين بتحويل وجهه إلى القبلة ، فيتقيّد إطلاقه بمرسلة (١) الفقيه ، كما تقدّمت الإشارة إليه آنفا.

الثاني : هل يجب اعتدال القامة عند الاضطجاع والاستلقاء مع الإمكان؟ فيه تردّد ، والأشبه أنّه لا يجب.

اللهمّ إلّا أن يدّعى استفادته في المضطجع من التشبيه بالرجل في لحده في موثّقة (٢) عمّار.

وفيه تأمّل : إذ الملحوظ في التشبيه كيفيّة توجّهه إلى القبلة ، لا امتداد قامته ، فليتأمّل.

أمّا الاستقرار : فالظاهر اعتباره ؛ نظرا إلى إطلاق كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة التي هي عمدة مستند اعتبار هذا الشرط في الصلاة.

وأمّا الاستقلال : فلا ينبغي التأمّل في عدم اعتباره ، والله العالم.

(فإن عجز) عن الاضطجاع مطلقا أو عن الأيمن خاصّة على القولين ، (صلّى مستلقيا) بلا خلاف فيه على الظاهر.

ويدلّ عليه جملة من الأخبار :

منها : قوله عليه‌السلام في مرسلة الفقيه ، المتقدّمة (٣) : «فإن لم يستطع استلقى وأومأ إيماء ، وجعل وجهه نحو القبلة ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه».

__________________

(١) تقدّمت المرسلة في ص ٥٠.

(٢) تقدّمت الموثّقة في ص ٤٩.

(٣) في ص ٥٠.

٥٨

وفي مرسلة الدعائم ، المتقدّمة (١) : «فإن لم يستطع أن يصلّي على جنبه الأيمن صلّى مستلقيا».

ورواية محمّد بن إبراهيم ـ المرويّة عن الكافي والتهذيب ـ عمّن حدّثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «يصلّي المريض قائما ، فإن لم يقدر على ذلك صلّى قاعدا (٢) ، فإن لم يقدر صلّى مستلقيا يكبّر ثمّ يقرأ ، فإذا أراد الركوع غمّض عينيه ثمّ سبّح فإذا سبّح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع ، فإذا أراد السجود غمّض عينيه ثمّ سبّح ، فإذا سبّح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ، ثمّ يتشهّد وينصرف» (٣).

وعن الصدوق مرسلا نحوه (٤) بأدنى اختلاف في العبارة.

وخبر عبد السلام بن صالح الهروي ـ المرويّ عن العيون ـ عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا لم يستطع الرجل أن يصلّي قائما فليصلّ جالسا ، فإن لم يستطع جالسا فليصلّ مستلقيا ناصبا رجليه بحيال القبلة يومئ إيماء» (٥).

وظاهر هذه الرواية وسابقتها وجوب الصلاة مستلقيا لدى العجز عن الجلوس مطلقا.

__________________

(١) في ص ٣٩.

(٢) في الكافي والموضع الأوّل من التهذيب : «يصلّي المريض قاعدا».

(٣) الكافي ٣ : ٤١١ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ / ٦٧١ ، و ٣ : ١٧٦ / ٣٩٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب القيام ، ذيل ح ١٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٥ / ١٠٣٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب القيام ، ح ١٣.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٦٨ (الباب ٣١) ح ٣١٦ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب القيام ، ح ١٨.

٥٩

ولكنّك عرفت فيما سبق (١) أنّه لا بدّ من تقييده بما إذا عجز عن الاضطجاع ؛ جمعا بينه وبين الأخبار المتقدّمة ، أو حمله على محامل أخر ممّا لا ينافي تلك الأخبار.

(والأخيران) أي المضطجع والمستلقي حيث لا يقدران على الركوع والسجود (يومئان لركوعهما وسجودهما) كما هو فرض كلّ من عجز عنهما وإن صلّى جالسا أو قائما ولو لمانع شرعيّ كما في العاري ، فتخصيصهما به من حيث إطلاق هذا الحكم بالنسبة إليهما بملاحظة حالهما ، حيث إنّ عجزه عن القيام والقعود المبيح له الصلاة مضطجعا أو مستلقيا ينافي عادة قدرته على الركوع والسجود ، فإطلاق هذا الحكم في الفتاوى والنصوص الواردة فيهما جار مجرى العادة ، وإلّا فلو فرض قدرته عليهما أو على أحدهما من غير مشقّة عرفيّة ولو ببعض مراتبه الميسورة ، وجب بلا شبهة.

نعم ، ربما يتمكّن المضطجع من تحويل رأسه ووضع جبهته على الأرض من غير مشقّة ولكن لا إلى القبلة ، فيدور الأمر حينئذ بين فوات الاستقبال وهذه المرتبة من السجود ، ورعاية الأوّل في مقام الدوران أولى ، لا لمجرّد أنّ الثاني له بدل اضطراريّ فلا يزاحم ما لا بدل له ، بل لإطلاق النصوص الدالّة عليه ، الغير القاصرة عن شمول مثل الفرض.

وكيف كان فممّا يدلّ على بدليّة الإيماء لهما عن الركوع والسجود ـ مضافا إلى جملة من الأخبار المتقدّمة (٢) ، كموثّقة عمّار ، ومرسلتي الفقيه والدعائم ، وخبر عبد السلام ـ ما عن الفقيه مرسلا ، قال : قال

__________________

(١) في ص ٥١.

(٢) في ص ٣٩ و ٤٩ و ٥٠ و ٥٩.

٦٠