مصباح الفقيه - ج ١٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: برگ طوبى
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٣

الدِّينِ) (١) ونحوه فضلا عن التسمية والتحميد من الآيات الغير الممحّضة في القرآنيّة ، فمعرفة آية أو آيتين من مثل هذه الآيات ـ بحسب الظاهر ـ لا تخرجه عن مصداق قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : «لو أنّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر ويسبّح» (٢) فإنّه لا يطلق على من قدر على النطق بالتسمية أو التحميد أو مثل (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ونحوه أنّه يحسن أن يقرأ القرآن ، بل هو عرفا ممّن لا يحسنه ، فعليه التكبير والتسبيح بمقتضى ظاهر هذه الصحيحة لا غير.

ولكن قد يشكل ذلك بظهور إطلاق كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة في أنّه يجب عليه الإتيان بما يحسنه من الفاتحة مطلقا ولو آية بل ولو بعضها إذا كان مختصّا بها ، فإن تحقّق الإجماع عليه فهو ، وإلّا فمقتضى ظاهر الصحيحة (٣) وكذا النبويّ المتقدّم (٤) بالتقريب الذي عرفته آنفا : حصول الإجزاء بالتكبير والتسبيح في مثل الفرض.

ولا يعارضه قاعدة «ما لا يدرك» ونحوها ؛ فإنّ هذه القواعد العامّة لا تصلح معارضة للنصّ الخاصّ ، مع أنّ جريان هذه القواعد بالنسبة إلى فاقد معظم الأجزاء محلّ نظر بل منع ، فليتأمّل.

وكيف كان فالأحوط في مثل هذه الموارد بل مطلقا هو الجمع بين ما يحسنه من الفاتحة والتعويض بما يتحقّق معه صدق قراءة القرآن عرفا

__________________

(١) الفاتحة ١ : ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٧ / ٥٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ / ١١٥٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٣) في «ض ١٣» : «هذه الصحيحة». وهي صحيحة ابن سنان ، المتقدّمة آنفا.

(٤) في ص ١٣٩.

١٤١

لدى التمكّن ، ومع العجز الذكر ، بل وجوبه فيما لو كان ما يحسنه منها مقدارا غير معتدّ به لا يخلو عن وجه.

ثمّ إنّ المشهور بين القائلين بوجوب التعويض أنّه يعتبر أن يكون بغيره من القرآن مع القدرة.

وحكي عن بعض (١) القول بتعيّن تكرار ما يعلم من الفاتحة ؛ نظرا إلى أقربيّته إلى الجزء الفائت.

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ مجرّد المشاركة في الجزئيّة للفاتحة لا يوجب أقربيّته إلى الفائت على الإطلاق كي يقتضي ذلك تعيّنه للبدليّة خصوصا بعد الالتفات إلى ما يظهر من رواية (٢) العلل من أنّ تقديم الحمد لحكم متفرّقة في آياتها لا يوجد ما في بعضها في البعض الآخر.

هذا ، مع أنّ مجرّد الأقربيّة لا ينهض دليلا لتعيّنه ، مضافا إلى ما في كون شي‌ء واحد أصلا وبدلا من الاستبعاد ، فالقول بتعيّن التكرير ضعيف.

واستدلّ لتعيّن التعويض بغيره من القرآن بوجوه أقواها : استبعاد كون شي‌ء واحد أصلا وبدلا.

وهو أيضا ليس بشي‌ء ؛ فإنّه مجرّد استبعاد لا ينهض أن يكون مستندا لحكم شرعيّ.

نعم ، لو قلنا بتماميّة الاستدلال للتعويض بالنبويّ المتقدّم (٣) بالتقريب المزبور ، لدلّ ذلك على التعويض بغيره من القرآن ؛ حيث إنّ المراد بقوله :

__________________

(١) هو العلّامة الطباطبائي في الدرّة النجفيّة : ١٣٩ ، والحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٩ : ٣٠٤.

(٢) تقدّمت الرواية في ص ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٣) في ص ١٣٩.

١٤٢

«إن كان معك قرآن فاقرأ به» ما عدا بعض الآيات التي يحسنها من الفاتحة على ما هو مبنى الاستدلال ، كما أنّا لو قلنا بدلالة أدلّة البدليّة عند تعذّر الجميع على اعتبارها عن كلّ جزء جزء وكون أبعاض البدل بدلا عن أبعاض المبدل لكان مقتضاه أيضا ذلك ، بل مقتضاهما التعويض بالذكر إن لم يكن معه شي‌ء آخر من القرآن ، خلافا لما حكي عن بعض (١) ، بل نسب إلى جماعة (٢) من أنّه لدى العجز عن قراءة غيره من القرآن أوجب تكرير ما يحسنه من الفاتحة بدعوى أقربيّته إلى الفائت من الذكر.

وفيه ما عرفت ، فالقول بالتعويض بغيره مطلقا بعد البناء على تماميّة أدلّتهم لا يخلو عن قوّة.

ويجب أن يكون العوض بقدر المعوّض عنه ، كما هو صريح كلماتهم ويقتضيه بعض أدلّتهم المتقدّمة.

وهل يراعى في ذلك عدد الحروف أو الآيات أو هما معا؟ احتمالات لا يخلو أوّلها عن قوّة ، كما ستعرف.

(وإن تعذّر) بأن لم يتعلّم شيئا من الفاتحة حتى ضاق الوقت (قرأ ما تيسّر من غيرها) من القرآن (أو سبّح الله وهلّله وكبّره بقدر القراءة ثمّ يجب عليه التعلّم).

والذي يظهر من المتن : التخيير بين القراءة والتسبيحات ، وهو خلاف المشهور ، فإنّ المشهور بين الأصحاب ـ على ما نسب (٣) إليهم ـ القول

__________________

(١) العلّامة الحلّي في نهاية الإحكام ١ : ٤٧٥ ، وحكاه عنه المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٥٠.

(٢) كما في جواهر الكلام ٩ : ٣٠٥.

(٣) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١١١.

١٤٣

بتقديم القراءة على التسبيحات مع الإمكان ، بل لم ينقل القول بالتخيير إلّا عن ظاهر عبارة المصنّف رحمه‌الله في الكتاب والشيخ في موضع من المبسوط (١) ، وهو مع شذوذه ممّا لا يساعد عليه دليل ، فالأقوى ما هو المشهور من تعيّن القراءة لدى التمكّن منها.

كما يشهد له ـ مضافا إلى عدم نقل خلاف محقّق فيه ـ النبويّ المتقدّم (٢) : «إذا قمت إلى الصلاة فإن كان معك قرآن فاقرأ به ، وإلّا فاحمد الله وهلّله وكبّره» وضعفه مجبور بذكر الخاصّة (٣) له في كتبهم على وجه الاستناد.

ورواية العلل ، المتقدّمة (٤) بالتقريب المتقدّم في المسألة المتقدّمة.

وصحيحة ابن سنان ـ المتقدّمة (٥) ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «إنّ الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ، ألا ترى لو أنّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي» فإنّها تدلّ على أنّ الاجتزاء بالتكبير والتسبيح إنّما هو عند عدم التمكّن من قراءة القرآن ، وحمل القرآن على خصوص الفاتحة خلاف الظاهر ، فليتأمّل.

واستدلّ له أيضا بعموم قوله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (٦).

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٠٧ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧٠.

(٢) في ص ١٣٩.

(٣) كالعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ١٣٨ ، ومنتهى المطلب ٥ : ٦٨ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٣٠٥.

(٤) في ص ١٣٧.

(٥) في ص ١٤١.

(٦) المزّمّل ٧٣ : ٢٠.

١٤٤

وفيه : ما تقدّم في صدر المبحث من عدم نهوض الآية لإثبات وجوب القراءة في الصلاة.

وأضعف منه الاستدلال له : بأنّ القراءة أقرب إلى الفاتحة من الذكر ؛ لما في صغراه وكبراه من النظر ، كما أوضحناه في المسألة السابقة.

وهل يجب أن يراعى في القراءة قدر الفاتحة بمعنى أن لا يجتزئ بالأقلّ منها ، كما صرّح به غير واحد (١) ، أم لا يعتبر ذلك ، بل يكفي قراءة شي‌ء ممّا معه من القرآن ممّا يطلق عليه اسم قراءة القرآن عرفا وإن لم يكن بقدر الفاتحة ، كما يظهر من بعض (٢)؟ وجهان : من عدم دليل يعتدّ به صالح لإثبات اعتبار المساواة ، فمقتضى الأصل براءة الذمّة عن التكليف بأزيد من مسمّى قراءة القرآن ، ومن أنّ المنساق إلى الذهن من الأمر بقراءة شي‌ء من القرآن مكان فاتحة الكتاب لدى الجهل بها إنّما هو إرادة مقدار معتدّ به ممّا لا ينقص عن مقدار الفاتحة ، كما ربما يؤيّد ذلك فهم الأصحاب وتصريح جلّهم به ، ويشهد له مراجعة العرف. اللهمّ إلّا أن يناقش في فهم البدليّة عن الفاتحة من أدلّة القراءة.

وكيف كان فهذا الوجه إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.

وهل العبرة بقدرها في عدد الآيات ، أو في الحروف ، أو فيهما معا إن تيسّر وإلّا ففي الحروف؟ أقوال أوجهها وأشهرها بل المشهور على ما نسب (٣) إليهم : أوسطها ؛ إذ غاية ما يمكن ادّعاؤه إنّما هو انسباق

__________________

(١) مثل : العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ١٣٦ ، ضمن المسألة ٢٢٤ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٧٢ ، والذكرى ٣ : ٣٠٧ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٥١.

(٢) الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٠٦.

(٣) الناسب هو الشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٦٩٦.

١٤٥

مقدار (١) نفس الفاتحة من حيث هي لا من حيث آياتها ـ إلى الذهن من الأمر بقراءة شي‌ء من القرآن عوض الفاتحة.

اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ عدد آياتها من حيث هي من الخصوصيّات الملحوظة المقصودة بالطلب شرعا.

وفيه : منع ظاهر.

والأحوط : اعتبار التوالي ، وعدم الاجتزاء بآيات متفرّقة ، إلّا مع العجز عن الإتيان بها متوالية ، بل لا يخلو القول بوجوبه ـ كما لعلّه المشهور ـ عن وجه ، والله العالم.

ولو لم يحسن إلّا أقلّ من قدر الفاتحة ممّا يتحقّق به مسمّى قراءة القرآن عرفا ، ففي الاكتفاء به ، أو تكريره بقدر الفاتحة ، أو التعويض عن الناقص بالذكر وجوه أوجهها : الأوّل ، كما يظهر وجهه ممّا مرّ في من لم يحسن إلّا بعض الفاتحة.

مضافا إلى أنّه هو الذي يقتضيه إطلاق قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في النبويّ المتقدّم (٢) : «فإن كان معك قرآن فاقرأ به ، وإلّا فاحمد الله وهلّله وكبّره».

ولو لم يحسن شيئا من القرآن أصلا ، سبّح الله وهلّله وكبّره ، كما في المتن وغيره (٣) ، بل في الحدائق نسبته إلى المشهور (٤).

وعن الذكرى والنهاية زيادة التحميد (٥).

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة إضافة : «كمّ». والظاهر زيادتها.

(٢) في ص ١٣٩.

(٣) مثل : المبسوط ١ : ١٠٧ ، والجامع للشرائع : ٨١ ، وتحرير الأحكام ١ : ٢٤٤ ، ذيل الرقم ٨٣٢ ، وتذكرة الفقهاء ٣ : ١٣٦ ، ضمن المسألة ٢٢٤.

(٤) الحدائق الناضرة ٨ : ١١٢.

(٥) الذكرى ٣ : ٣٠٥ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٧٤ ، وحكاه عنهما الشيخ الأنصاري في ـ

١٤٦

وعن مجمع البرهان نقص التهليل (١).

وعن بعض الذكر مطلقا (٢).

ولا يبعد أن يكون اختلافهم في التعبير ، وأن يكون غرض الجميع هو مطلق الذكر ، وما ذكروه من التسبيح والتهليل وغيره من باب التمثيل بإرادة التنويع من الواو ، لا الجمع ، كما ربما يؤيّد ذلك ما عن موضع من الخلاف أنّه قال : ذكر الله وكبّره (٣). وعن موضع آخر منه أنّه قال : وجب أن يحمد الله مكان القراءة إجماعا (٤).

نعم ، حكي عن غير واحد (٥) الالتزام بتعيّن التسبيحات الأربع التي قد ثبتت بدليّتها عن الفاتحة في الأخيرتين.

واستوجهه في محكيّ الذكرى فقال : ولو قيل بتعيّن ما يجزئ في الأخيرتين من التسبيح ، كان وجها ؛ لأنّه قد ثبت بدليّته عن الحمد في الأخيرتين ، فلا يقصر بدل الحمد في الأوّلتين عنهما (٦). انتهى.

__________________

ـ كتاب الصلاة ١ : ٣٤٤ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧١.

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢١٦ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ :٣٧١.

(٢) الشهيد في اللمعة الدمشقيّة : ٣٤ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧١.

(٣) الخلاف ١ : ٣٤٣ ، المسألة ٩٤ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧١.

(٤) الخلاف ١ : ٤٦٦ ـ ٤٦٧ ، المسألة ٢١٣ ، وفيه : «يحمد الله ويكبّره». وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧١.

(٥) كالشهيد في البيان : ١٥٩ ، والدروس ١ : ١٧٢ ، وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٧٧ ، والمحقّق الكركي في الرسالة الجعفريّة وحاشية شرائع الإسلام كليهما ضمن موسوعة «حياة المحقّق الكركي وآثاره» ٤ :١٧٠ ، و ١٠ : ١٥٦ ، والشهيد الثاني في مسالك الافهام ١ : ٢٠٥ ، وحكاه عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧١.

(٦) الذكرى ٣ : ٣٠٦ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١١٢.

١٤٧

وجعله في المدارك (١) وغيره (٢) أحوط.

وربما يشهد له الخبر العامّي الذي أورده في محكيّ التذكرة (٣) أنّه قال له صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل : إنّي لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلّمني ما يجزئني في الصلاة؟ فقال : «قل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» قال : هذا لله فما لي؟ قال : «قل : اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني» (٤).

وعن الذكرى وغيره نحوه (٥) بإسقاط لفظ «في الصلاة».

ولكن ربما يؤيّد القول بكفاية مطلق الذكر اختلاف عبائر النصوص كالفتاوى.

ففي النبويّ المتقدّم (٦) قال : «وإلّا فاحمد الله وهلّله وكبّره».

وفي نبويّ آخر أورده في محكيّ المنتهى (٧) : أنّ رجلا سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنّي لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فما ذا أصنع؟فقال له : «قل : سبحان الله والحمد لله» (٨).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٣٤٣.

(٢) رياض المسائل ٣ : ١٤٦ ، جواهر الكلام ٩ : ٣٠٦.

(٣) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٣٦ ـ ١٣٧ ، ذيل المسألة ٢٢٤ ، والحاكي عنها هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٣٦.

(٤) سنن أبي داود ١ : ٢٢٠ / ٨٣٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٣١٣ / ١ ، سنن البيهقي ٢ :٣٨١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٥٣ و ٣٥٦ بتفاوت في بعض الألفاظ.

(٥) الذكرى ٣ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ، منتهى المطلب ٥ : ٦٩ ، والحاكي عنهما هو السيّد الشفتي في مطلع الأنوار ٢ : ٣٦.

(٦) في ص ١٣٩.

(٧) منتهى المطلب ٥ : ٦٧ ، والحاكي عنه هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ :٣٦.

(٨) راجع : سنن الدار قطني ١ : ٣١٤ / ٢ ، وسنن البيهقي ٢ : ٣٨١.

١٤٨

ولا يبعد كونه هو النبويّ الأوّل ، ووقوع الاختلاف بينهما باعتبار نقل المضمون ، لا الألفاظ بعينها.

وفي صحيحة ابن سنان ، المتقدّمة (١) : «ألا ترى لو أنّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي» وظاهرها جواز الاجتزاء بالتكبير والتسبيح بل خصوص التسبيح بدل الفاتحة ؛ لقوّة احتمال أن يكون المراد بالتكبير فيها تكبيرة الافتتاح ، ولكن على هذا التقدير لا ظهور له في الإطلاق ، فلا يبعد أن يكون المقصود به التسبيح المعهود في الأخيرتين.

وكيف كان فاعتبار التسبيحات الأربع التي يؤتى بها في الأخيرتين إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.

وهل يجب أن يكون التسبيح بقدر القراءة ، كما هو ظاهر المتن وغيره (٢) ، أم لا يجب ، كما عن صريح المعتبر وغيره (٣)؟ وجهان أقربهما : العدم ؛ للأصل ، مضافا إلى ظهور النبويّين (٤) في الاجتزاء بمطلق التحميد والتهليل والتكبير أو التسبيحات الأربع بإضافة الحوقلة ، بل وكذا صحيحة (٥) ابن سنان ولو على تقدير كونها إشارة إلى الذكر المعهود في الأخيرتين ؛ لما ستعرف من أنّ الأقوى في الأخيرتين كفاية التسبيحات مرّة واحدة.

__________________

(١) في ص ١٤١ و ١٤٤.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٤٧٤ ، الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٧٧.

(٣) المعتبر ٢ : ١٦٩ ، تذكرة الفقهاء ٣ : ١٣٧ ، الفرع «أ» من المسألة ٢٢٤ ، مدارك الأحكام ٣ : ٣٤٣ ، وحكاه عنها البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١١٢ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧١.

(٤) تقدّما في ص ١٣٩ و ١٤٨.

(٥) تقدّمت الصحيحة في ص ١٤١ و ١٤٤.

١٤٩

نعم ، بناء على عدم كونها إشارة إلى التسبيح المعهود يمكن الخدشة في إطلاقها بوروده مورد حكم آخر ، فليتأمّل.

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر المتن وغيره (١) كصريح غير واحد (٢) : عدم الفرق في وجوب التعويض عن الفاتحة بغيرها من القرآن أو الذكر بين أن يعرف سورة كاملة من القرآن عدا الحمد أم لا ، فيجب عليه ـ بناء على وجوب السورة ـ قراءة السورة الكاملة من حيث هي امتثالا لأمرها بعد أن قرأ شيئا منها أو من غيرها عوض الفاتحة.

خلافا للمحكيّ عن المنتهى (٣) فلم يوجب التعويض لدى العلم بسورة كاملة ، بل اكتفى بقراءة السورة ، فكأنّ مستنده الأصل بعد البناء على سقوط أمر الفاتحة بالتعذّر وعدم ثبوت الأمر ببدلها بالخصوص ، بل الثابت عند الجهل بالفاتحة هو قراءة شي‌ء من القرآن ؛ لعموم (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (٤) ونظائره ممّا عرفت ممّا يحصل امتثاله بقراءة السورة ، مضافا إلى ما فيه من شبهة القران ، كما عن كشف اللثام (٥).

وأجيب عنه :

أمّا عن شبهة القران : بعدم تناول ما دلّ على النهي عنه لمثل الفرض بديهة.

وأمّا الأصل : فهو مقطوع بما دلّ على وجوب التعويض عن الفاتحة

__________________

(١) الحاشية على مدارك الأحكام ٣ : ٢٥.

(٢) مثل الشهيد في الذكرى ٣ : ٣١٠ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٦١١.

(٣) منتهى المطلب ٥ : ٦٨ ، ضمن الفرع الأوّل ، والحاكي عنه هو الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ : ٢٠ ، وكذا العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧١.

(٤) المزّمّل ٧٣ : ٢٠.

(٥) كشف اللثام ٤ : ٢٠ ، وحكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ١ : ٣٤٢.

١٥٠

لدى الجهل بها ، وهو غير مخصوص بصورة الجهل بالسورة ، كما أنّ ما دلّ على وجوب السورة غير مخصوص بما إذا لم يكن آتيا بشي‌ء من القرآن عوض الفاتحة ، كيف! ولو كان قراءة السورة من حيث هي مجزئة ، للزم أن لا يجب التعويض عن الفاتحة بالقرآن أصلا ؛ فإنّ ما يعلمه من السورة أو بعضها إنّما يمتثل به الأمر بالسورة التي هي أيضا كالفاتحة ممّا لا يسقط ميسوره بمعسوره.

واعترضه في الجواهر أيضا بعدم حصول الامتثال إلّا إذا أريد الطبيعة ، وهو مناف لكثير ممّا تقدّم (١).

أقول : ولا يخفى عليك أنّ غاية ما يمكن استفادته من الأدلّة المتقدّمة لوجوب التعويض أنّه يجب لمن لم يحسن الفاتحة أن يقرأ غيرها من القرآن بقدرها ، وأمّا كونه بعنوان البدليّة عن الفاتحة كي ينافيه الاجتزاء بقراءة سورة لا بهذا العنوان فلا.

نعم ، ربما يظهر ذلك من كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة ، وإن لا يخلو ذلك أيضا عن تأمّل ؛ إذ غاية ما يظهر من كلماتهم أنّه يجب على من لم يحسن الفاتحة أن يعوّضها بغيرها من القرآن ، وأمّا كون عنوان العوضيّة قيدا في متعلّق التكليف كي يكون مانعا عن حصول الامتثال بإيجاد الطبيعة معرّاة عن قصد العوضيّة فلا.

فالأولى أن يقال في ردّ الاستدلال المزبور بأنّه يفهم من الأدلّة المتقدّمة ـ كخبر (٢) العلل وغيره ـ أنّ ماهيّة القراءة التي تتحقّق في ضمن الفاتحة لا يسقط الأمر بها بتعذّر الخصوصيّة ، وقضيّة ذلك كون تعذّر

__________________

(١) جواهر الكلام ٩ : ٣٠٨.

(٢) تقدّم الخبر في ص ١٣٧.

١٥١

الخصوصيّة موجبا لتنجّز التكليف بمطلق القراءة ، وبعد الالتزام بوجوب السورة في الصلاة يجب عقلا تقييد طبيعة القراءة ـ التي يتنجّز التكليف بها بواسطة تعذّر الخصوصيّة ـ بحصولها في ضمن فرد مغاير للفرد الذي يتحقّق به امتثال الأمر بالسورة ، كما يظهر وجهه ممّا حقّقناه في مبحث منزوحات البئر ، وفي مسألة تداخل الأغسال في باب الوضوء ، فيجب أن لا تتّحد القراءة ـ التي يتنجّز التكليف بها بواسطة تعذّر الفاتحة ـ وجودا مع القراءة التي أوجبها الأمر بقراءة السورة.

نعم ، لو كان الحمد والسورة مجموعهما كأبعاض الحمد مطلوبا بطلب واحد ، لأمكن الخدشة فيه ببعض ما أسلفناه عند المناقشة في الاستدلال بنظير ما ذكر لإثبات وجوب التعويض عن بعض الفاتحة.

ولكنّه ليس كذلك ؛ فإنّ كلّا من الحمد والسورة مأمور بأمر مستقلّ ، فلا يتطرّق إليه تلك المناقشات ، كما لا يخفى على المتأمّل.

واعلم أنّ حال السورة ـ بناء على وجوبها ـ حال الحمد في أنّه يجب على من لم يحسنها أن يتعلّمها ما لم يتضيّق الوقت ، وإذا تضيّق الوقت أتى بما يحسنه منها كالفاتحة ؛ لعين ما عرفته في الفاتحة من قاعدة الميسور وغيرها ممّا عرفت.

ولو لم يحسن شيئا منها أصلا ، سقط التكليف بها ، ولم يجب التعويض بالذكر ؛ لعدم الدليل عليه ؛ فإنّ ما دلّ على التعويض بالذكر من النصّ والإجماع إنّما يدلّ عليه في جاهل الفاتحة.

أمّا الأخير : فواضح ؛ ضرورة أنّه لا إجماع عليه في جاهل السورة ،

١٥٢

بل عن غير واحد (١) دعوى الإجماع على الاقتصار على الفاتحة ، وعدم التعويض عن السورة بالذكر لدى الجهل بها وضيق الوقت عن التعلّم.

وأمّا النصّ : فإنّما يدلّ عليه في من ليس عنده شي‌ء من القرآن ، وهو لا يصدق على من يعرف الفاتحة.

نعم ، المنساق إلى الذهن من النصوص ككثير من الفتاوى : بدليّة الذكر عند الجهل بقراءة شي‌ء من القرآن عن القراءة الواجبة في الصلاة ، لا عن خصوص الفاتحة ، فالمتّجه على القول باعتبار المساواة بين البدل والمبدل في عدد الحروف كونه بقدر القراءة الواجبة ، لا خصوص الفاتحة ، كما ربما يستظهر ذلك من كلمات كثير منهم في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة.

ولكنّك عرفت ضعف المبنى ، وكفاية التسبيحات الأربع مرّة واحدة ، فالأحوط عدم قصد بدليّتها عن خصوص الفاتحة بل عن القراءة الواجبة عليه أو امتثال أمره الواقعي من غير تعيين سببه ، والله العالم.

ثمّ إنّ ظاهر المتن وغيره (٢) ممّن عبّر كعبارته : عدم إجزاء الترجمة أصلا هنا ، كما حكي عن صريح جماعة وظاهر آخرين (٣).

__________________

(١) مثل : العلّامة الحلّي في منتهى المطلب ٥ : ٥٧ ، الفرع الثاني ، والعلّامة المجلسي في بحار الأنوار ٨٢ : ١٢ ، والحاكي عنهما هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧١.

(٢) قواعد الأحكام ١ : ٢٧٣.

(٣) كالشهيد في البيان : ١٥٨ ، وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٧٧ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٤٦ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٣٤٣ ، المسألة ٩٤ ، والمبسوط ١ : ١٠٧ ، والسيّد المرتضى في مسائل الناصريّات : ٢٢١ ، المسألة ٨٦ ، وابن زهرة في الغنية : ٧٨ ، والعلّامة الحلّي في تحرير الأحكام ١ : ٢٤٣ / ٨٣١ ، وحكاه عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٥٦.

١٥٣

خلافا لما حكي عن بعض من الاجتزاء بها لدى العجز عن القراءة وبدلها (١) ؛ لما دلّ عليه في التكبير ، بل عن بعض احتمال تقديمها على الذكر ؛ لقربها إلى القرآن (٢).

وليس بشي‌ء ، بل الأقوى عدم الاعتبار بترجمة القراءة من حيث هي أصلا ؛ ضرورة عدم كونها قرآنا ولا ميسوره بعد وضوح أنّ لألفاظ القرآن دخلا في قوام قرآنيّتها ، فقياس القراءة على التكبير ـ الذي قد يقال بأنّ المقصود به أوّلا وبالذات إنّما هي ماهيّة التكبير الغير المتوقّفة على خصوصيّة لفظها المعروف ـ قياس مع الفارق.

نعم ، بناء على الاجتزاء بمطلق الذكر لدى العجز عن قراءة شي‌ء من القرآن إمّا مطلقا أو لدى العجز عن التسبيح والتحميد والتهليل ، اتّجه الاجتزاء بترجمة الفاتحة ونظائرها ، لا من حيث كونها ترجمة للقرآن ، بل من حيث كونها من مصاديق الذكر ، وهذا بخلاف سائر الآيات القرآنيّة التي هي من قبيل القصص والحكايات ، فلا يجتزئ بترجمتها (٣) أصلا ، بل لا يجوز التلفّظ بها ؛ لكونها من الكلام المبطل.

ولو عجز عن القراءة وبدلها مطلقا ، قام بقدر القراءة على ما صرّح به غير واحد (٤).

__________________

(١) العلّامة الحلّي في نهاية الإحكام ١ : ٤٧٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ :٦٩٩ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٥٦.

(٢) الشهيد في الذكرى ٣ : ٣٠٤ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٥٦.

(٣) في «ض ١٣» : «فلا يجزئ ترجمتها».

(٤) مثل : العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ١٣٨ ، الفرع «و» من المسألة ٢٢٤ ، ونهاية الإحكام ١ : ٤٧٥ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٧٢ ، وابن فهد الحلّي في ـ

١٥٤

وهو لا يخلو عن وجه ، ولكنّك خبير بأنّه مجرّد فرض يمتنع وجود مصداق له بحسب العادة ، كما نبّه عليه المحقّق الثاني (١) على ما حكي عنه (٢).

(والأخرس يحرّك لسانه بالقراءة) بلا خلاف فيه على الظاهر.

والأظهر اعتبار الإشارة بإصبعه أيضا معه.

كما يدلّ عليهما خبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام قال : «تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه» (٣).

(ويعقد بها قلبه) أي يتعقّلها تفصيلا إن أمكنه ، وإلّا فإجمالا حتّى يتأتّى منه قصد امتثال الأمر المتعلّق بها بإشارته وتحريك لسانه ، كما عرفت تفصيل الكلام فيه في تكبيرة الافتتاح.

وربما زعم بعض (٤) أنّه يعتبر في حقّ الأخرس أن يعقد قلبه بمعناها ، أي يتعقّل معنى الفاتحة والسورة ، ويؤدّيها بالإشارة على حسب ما يؤدّي سائر مقاصده بالإشارة ، كما يجب على غيره أن يؤدّي تلك المعاني بألفاظها في ضمن القراءة.

وهو خطأ ، كما أوضحناه في تكبيرة الافتتاح ، فلا نطيل بالإعادة ، بل لو التزمنا به هناك كما هو ظاهر المتن فلا نلتزم به هاهنا ؛ضرورة كون معاني القراءة من حيث هي خارجة عن ماهيّة المأمور به ، وإنّما المقصود

__________________

ـ الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٧٧ ، والشهيد الثاني في مسالك الافهام ٢ : ٢٠٥.

(١) جامع المقاصد ٢ : ٢٥٣.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٩ : ٣١٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٥ / ١٧ ، الوسائل ، الباب ٥٩ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٤) الشهيد في البيان : ١٥٩ ، والدروس ١ : ١٧٣ ، والذكرى ٣ : ٣١٣.

١٥٥

بالطلب حكاية كلام الله تعالى ولو بالإشارة لدى العجز عن النطق بها ، لا حكاية معانيها من حيث هي ، فلو عرف قصّة يوسف عليه‌السلام على الترتيب الذي حكاها الله تعالى في سورة يوسف وحكاها في صلاته بالإشارة على حسب ما يحكيها للغير عند إرادة نقلها له ، ليس له أن يقصد بهذا امتثال الأمر بحكاية سورة يوسف ؛ لكونه أجنبيّا عن ماهيّة المأمور به ، بل عليه لدى الإمكان أن يتعقّلها تفصيلا بأن يتصوّرها في ذهنه كما ربما يتصوّر بعض الأشعار والكلمات المنظومة ، ويقصدها بالإشارة ، ولكن هذا متعذّر عادة فيما لو كان خرسه أصليّا ، فعليه عند تعذّر القصد إليها تفصيلا أن يعقد بها قلبه على سبيل الإجمال بأن يميّزها في ذهنه بوجه من الوجوه المميّزة لها ، المصحّحة للقصد إلى الخروج عن عهدة امتثال أمرها ، فيقصدها بإشارته وحركة لسانه.

والحاصل : أنّ عقد القلب بمعاني القراءة ما لم تكن عبارتها ـ التي هي بها تتقوّم قرآنيّتها ـ مقصودة (١) بالإشارة لا تفصيلا ولا إجمالا غير مجد في حصول إطاعة أمرها ، كما هو واضح.

(والمصلّي في كلّ ثالثة ورابعة بالخيار إن شاء قرأ الحمد وإن شاء سبّح) بلا خلاف فيه في الجملة على الظاهر ، بل عن كثير من الأصحاب دعوى إجماع علمائنا عليه (٢).

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «مقصودا». والمثبت هو الصحيح.

(٢) الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، المسألة ٩٣ ، والعلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٦٣ ، المسألة ٩٠ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٣١٣ ، وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ١ : ٣٧١ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٥٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٦٩٢ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٤٤ ، ـ

١٥٦

ومقتضى إطلاق كلماتهم في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم بل صريحها : عدم الفرق في ذلك بين المنفرد والجامع إماما كان أو مأموما.

ولكن صرّح شيخنا المرتضى رحمه‌الله بأنّ معقد هذه الإجماعات هو المنفرد ، وأمّا غيره فسيأتي الخلاف فيه في باب الجماعة (١).

وكيف كان فيشهد للمدّعى جملة من الأخبار :

منها : خبر عليّ بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال : «إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله فهو سواء» قال : قلت : فأيّ ذلك أفضل؟ فقال : «هما والله سواء إن شئت سبّحت وإن شئت قرأت» (٢) وغير ذلك من الأخبار الآتية.

وما في بعض الأخبار ممّا ينافي ذلك ـ كخبر الحميري ـ المرويّ عن الاحتجاج وكتاب الغيبة للشيخ ـ أنّه كتب إلى القائم ـ عجّل الله فرجه ـ يسأله عن الركعتين الأخيرتين وقد كثرت فيهما الروايات فبعض يروي أنّ قراءة الحمد وحدها أفضل ، وبعض يروي أنّ التسبيح فيهما أفضل ، فالفضل لأيّهما لنستعمله؟ فأجاب عليه‌السلام : «قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح ، والذي نسخ التسبيح قول العالم عليه‌السلام : كلّ صلاة لا قراءة فيها فهي خداج إلّا للعليل ومن يكثر عليه السهو فيتخوّف بطلان

__________________

ـ والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٣٠ ، مفتاح ١٥١ ، وحكاه عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧٥.

(١) كتاب الصلاة ١ : ٣٢٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٨ / ٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ / ١٢٠٠ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

١٥٧

الصلاة عليه» (١) ـ فلا بدّ من ردّ علمه إلى أهله ، خصوصا مع ما فيه من احتمال التقيّة ؛ لما حكي عن الشافعي والأوزاعي وأحمد : القول بتعيّن الفاتحة في كلّ ركعتين من الأوائل والأواخر (٢).

ويحتمل أن يكون المراد به الفضل ، كما سيأتي تقريبه وتحقيق ما يقتضيه الجمع بينه وبين غيره من الأخبار المنافية له ، إن شاء الله.

وربما يظهر من بعض الأخبار تعيّن القراءة على من نسيها في الأوليين.

كرواية الحسين بن حمّاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له :أسهو عن القراءة في الركعة الأولى ، قال : «اقرأ في الثانية» قلت : أسهو في الثانية ، قال : «اقرأ في الثالثة» قلت : أسهو في صلاتي كلّها ، قال : «إذا حفظت الركوع والسجود تمّت صلاتك» (٣).

وقد حكي عن الشيخ في الخلاف القول به (٤). وعن بعض (٥)

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٩١ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١٤ ، ونقله النراقي في مستند الشيعة ٥ : ١٣٨ عن كتاب الغيبة ـ للشيخ الطوسي ـ ولم نعثر عليه فيه.

(٢) الأم ١ : ١٠٧ ، الحاوي الكبير ٢ : ١٠٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٧٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٠٥ ، البيان ٢ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ١ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ١ : ٣٤٧ ، المجموع ٣ : ٣٦١ ، المغني ١ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ١ : ٥٦٠ ، وحكاه عنهم العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ١٤٤ ، ذيل المسألة ٢٢٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٧ / ١٠٠٤ ، التهذيب ٢ : ١٤٨ / ٥٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ / ١٣٤٢ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٤) حكاه عنه العلّامة الحلّي في منتهى المطلب ٥ : ٨٠ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٤٤ ، وراجع الخلاف ١ : ٣٤١ ـ ٣٤٣ ، المسألة ٩٣.

(٥) الظاهر هو البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٤٢٢ ، وحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة ٥ : ١٣٤.

١٥٨

المحدّثين من المتأخّرين نفي البعد عنه ، وعن آخر أنّه أحوط (١).

واستدلّ له أيضا : بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته ، قال : «لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات» (٢).

وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٣).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل نسي القراءة في الأوّلتين فذكرها في الأخيرتين ، فقال : «يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأوّلتين في الأخيرتين (٤) ، ولا شي‌ء عليه» (٥).

ولكن في الوسائل رواها بإسقاط قوله : «في الأخيرتين» ووجّهها بالحمل على استحباب القضاء بعد التسليم (٦) ، فعلى هذا تخرج عن محلّ الاستشهاد.

وأمّا بناء على ما رواه المستدلّ من التصريح فيها بأنّه «يقضي ما فاته في الأوّلتين في الأخيرتين» فظاهرها وجوب تدارك جميع ما فاته في الأوليين من القراءة والتكبير والتسبيح من غير إخلال بما هو وظيفة الأخيرتين من حيث هي ، وهذا مع أنّه أجنبيّ عمّا نحن فيه لم ينقل القول

__________________

(١) السيوري في التنقيح الرائع ١ : ٢٠٥ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ :٣٧٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٦ / ٥٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ / ١٣٣٩ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٣٧ ، الهامش (٥).

(٤) «في الأخيرتين» لم ترد في المصدر ، وهي موجودة في الحدائق الناضرة ٨ :٤٢١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٢٧ / ١٠٠٣ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٦.

(٦) الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ذيل ح ٦.

١٥٩

به عن أحد منّا ، بل قيل (١) بموافقته لأبي حنيفة ، فيحتمل صدورها تقيّة ، وإلّا لعارضه بعض الأخبار الآتية الدالّة على خلافه.

وكيف كان فالاستدلال بهذه الرواية للقول المزبور في غاية الضعف.

ونظيره الاستدلال له بصحيحة (٢) محمّد بن مسلم ؛ لظهورها في العامد.

ويتلوهما في الضعف الاستشهاد بالنبويّ (٣) ، لا لما قيل (٤) من قصوره من حيث السند وعدم الجابر له بالنسبة إلى ما نحن فيه ؛ لإمكان أن يدّعى أنّ اشتهاره بين الأصحاب واستدلالهم به في سائر المقامات كاف في جبره ، بل لعدم وفائه بتعيين موضع الفاتحة ؛ إذ لم يقصد به وجوب الإتيان بها في موضع من الصلاة أيّ موضع يكون حتّى يفهم منه أنّه لو تركها في الأوليين يتعيّن عليه الإتيان بها في الأخيرتين ، بل المقصود بها نفي الصلاة عند الإخلال بها في موضعها المقرّر لها شرعا ، وقد دلّت الأدلّة الشرعيّة على أنّ القراءة إنّما جعلت في الأوليين ، وأمّا الأخيرتان فقد جعل فيهما التسبيح ، كما في جملة من الأخبار الآتية (٥) ، وفي بعضها التصريح بكون المكلّف مخيّرا فيهما بين القراءة والتسبيح ، كالخبر المتقدّم (٦) ، فلا يفهم من قوله :«لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» (٧) إلّا نفيها عند الإخلال بها في

__________________

(١) القائل هو الطباطبائي في رياض المسائل ٣ : ١٦٠.

(٢) تقدّمت الصحيحة في ص ١٥٩.

(٣) تقدّم النبويّ في ١٥٩.

(٤) لم نتحقّق القائل.

(٥) في ص ١٦٥ ـ ١٦٧.

(٦) في ص ١٥٧.

(٧) صحيح البخاري ١ : ١٩٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢٩٥ / ٣٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ـ

١٦٠