مصباح الفقيه - ج ١٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: برگ طوبى
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٣

ولا يسمعونه شيئا» (١).

وإنّما قيّد استحباب الجهر بعدم العلوّ ؛ لصحيحة ابن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : على الإمام أن يسمع من خلفه وإن كثروا؟ فقال : «ليقرأ قراءة وسطا ، يقول الله تبارك وتعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (٢)» (٣).

(وإذا مرّ المصلّي بآية رحمة سألها ، أو بآية نقمة استعاذ منها) كما يشهد له ـ مضافا إلى عمومات استحباب الدعاء ـ خصوص مرسل البرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتّل في قراءته ، فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة وذكر النار سأل الله الجنّة وتعوّذ بالله من النار ، وإذا قرأ (يا أَيُّهَا النّاسُ) و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يقول : لبّيك ربّنا» (٤).

وموثّق سماعة قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ينبغي لمن يقرأ القرآن إذا مرّ بآية من القرآن فيها مسألة أو تخويف أن يسأل عند ذلك خير ما يرجو ، ويسأله العافية من النار ومن العذاب» (٥) وهو بإطلاقه يعمّ حال الصلاة.

وكذا يستحبّ أن يقول بعد قراءة التوحيد : كذلك الله ربّي ، مرّة ، كما هو ظاهر بعض الأخبار (٦) أو مرّتين ، كما في بعض (٧) ، أو ثلاثا ، كما في

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٧ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ / ١١٨٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٢ / ٣٨٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التشهّد ، ح ١.

(٢) الاسراء ١٧ : ١١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٧ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٧ ، الهامش (٦).

(٥) الكافي ٣ : ٣٠١ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٨٦ / ١١٤٧ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٦) تقدّم تخريجه في الهامش (٢) من ص ٣١٨.

(٧) الكافي ١ : ٩١ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

٣٢١

رواية أخرى (١).

وفي خبر رجاء بن أبي الضحّاك الحاكي لفعل الرضا عليه‌السلام : أنّه إذا قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) قال : «هُوَ اللهُ أَحَدٌ» فإذا فرغ منها قال : «كذلك الله ربّنا» ثلاثا ، وكان إذا قرأ سورة الجحد قال في نفسه سرّا : (يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) فإذا فرغ منها قال : «ربّي الله ، وديني الإسلام» ثلاثا ، وكان إذا قرأ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) قال عند الفراغ منها : «وأنا على ذلك من الشاهدين» وكان إذا قرأ (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) قال عند الفراغ منها : «سبحانك اللهمّ بلى» وكان يقرأ في سورة الجمعة (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) للّذين اتّقوا (وَاللهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ) (٢) وكان إذا فرغ من الفاتحة قال : «الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» وإذا قرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال سرّا : «سبحان ربّي الأعلى» وإذا قرأ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) قال : «لبّيك اللهمّ لبّيك» (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على استحباب الأدعية والأذكار المناسبة في خلال القراءة في الصلاة وغيرها ، وينبغي تقييدها بغير الطويل المخلّ بالتوالي المعتبر في القراءة والتيام بعضها ببعض في العرف.

ويستحبّ أيضا الاستعاذة أمام القراءة في الركعة الأولى إجماعا ، كما عن جماعة نقله (٤).

__________________

(١) مجمع البيان ٩ ـ ١٠ : ٥٦٧ ، ذيل تفسير سورة التوحيد ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٩.

(٢) الجمعة ٦٢ : ١١.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٠ ـ ١٨٣ (الباب ٤٤) ح ٥ ، وأورده السيّد الشفتي ـ كما في المتن ـ في مطالع الأنوار ٢ : ٦٩ ، وفي الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٨ باختصار في بعض الفقرات.

(٤) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٩٩ عن الطوسي في الخلاف ١ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، ـ

٣٢٢

وعن أمين الإسلام الطبرسي أنّه قال في مجمع البيان : والاستعاذة عند التلاوة مستحبّة غير واجبة بلا خلاف في الصلاة وخارج الصلاة (١).

وعن الذكرى أنّه نقل عن الشيخ أبي علي ولد الشيخ القول بالوجوب ، واستغربه ، فقال في محكيّ الذكرى : وللشيخ أبي علي ابن الشيخ الأعظم أبي جعفر الطوسي قول بوجوب التعوّذ ؛ للأمر به ، وهو غريب ؛ لأنّ الأمر هنا للندب بالاتّفاق ، وقد نقل فيه والده في الخلاف الإجماع (٢) ، وقد روى الكليني رحمه‌الله عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا قرأت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فلا تبالي أن لا تستعيذ» (٣) (٤). انتهى.

ويدلّ على استحبابه ـ مضافا إلى الإجماع ، وورود الأمر به عند قراءة القرآن (٥) الشامل لحال الصلاة وغيره ، المصروف إلى الاستحباب بقرينة ما عرفت وستعرف ـ جملة من الأخبار :

منها : ما عن الكليني ـ في الحسن أو الصحيح ـ عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه ذكر دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام ، ثمّ قال : «ثمّ تعوّذ بالله (٦) من الشيطان الرجيم ثمّ اقرأ فاتحة الكتاب» (٧).

__________________

ـ المسألة ٧٦ ، والعلّامة الحلّي في منتهى المطلب ٥ : ٤٠ ، والفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ : ٥٢ ، وغيرهم.

(١) مجمع البيان ٥ ـ ٦ : ٣٨٥ ، ذيل الآية ٩٨ من سورة النحل (١٦) ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٦١.

(٢) الخلاف ١ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، المسألة ٧٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٣ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٥٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٤) الذكرى ٣ : ٣٣١ ، وحكاه عنه المجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ٦ ، وكذا البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٦١.

(٥) النحل (١٦) : ٩٨.

(٦) كلمة «بالله» لم ترد في الكافي والوسائل ، وهي في التهذيب ٢ : ٦٧ / ٢٤٤.

(٧) الكافي ٣ : ٣١٠ ـ ٣١١ / ٧ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

٣٢٣

وعن الشيخ بإسناده عن حنان بن سدير قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام فتعوّذ بإجهار ثمّ جهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١).

وعن قرب الإسناد أنّه رواه عن حنان بن سدير ، قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام المغرب فتعوّذ بإجهار «أعوذ بالله [السميع العليم] من الشيطان الرجيم ، وأعوذ بالله (أَنْ يَحْضُرُونِ)» (٢).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة عليه التي سيأتي بعضها إن شاء الله.

وممّا يشهد أيضا لعدم وجوبه وكون الأمر به في الكتاب وغيره على جهة الاستحباب ـ مضافا إلى ما نبّه عليه الشهيد في عبارته المتقدّمة (٣) ـ مرسلة الصدوق ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتمّ الناس صلاة وأوجزهم ، كان إذا دخل في صلاته قال : «الله أكبر (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» (٤).

ثمّ إنّ مفاد النصوص الدالّة على شرعيّتها في الصلاة كظواهر الفتاوى إنّما هو استحبابها أمام القراءة في الركعة الأولى ، وأمّا في سائر الركعات فلا دليل عليه ، بل ربما يستشعر أو يستظهر من كلماتهم الإجماع على عدم مشروعيّته ، فلا يجوز الإتيان بها على سبيل التوظيف ، ولكن لو أتى بها من حيث إنّ ما يقرأها في الصلاة من جزئيّات قراءة القرآن المأمور بالاستعاذة عندها في الكتاب والسنّة الشاملين بإطلاقهما لحال الصلاة وغيرها ، فلا بأس به ، وكلمات الأصحاب المصرّحين باختصاص مشروعيّتها بالركعة الأولى منصرفة عن مثل الفرض ، كما لا يخفى.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٩ / ١١٥٨ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٤.

(٢) قرب الإسناد : ١٢٤ / ٤٣٦ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) في ص ٣٢٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٠ / ٩٢١ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٥٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

٣٢٤

وأمّا صيغتها : فالمشهور بين الأصحاب فهي : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» بل عن الشهيد الثاني في شرح النفليّة أنّه قال : وهذه الصيغة محلّ وفاق رواها أبو سعيد الخدري عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) (٢).

أقول : هذه الرواية نقلها الشهيد في الذكرى على ما حكي عنه ، قال :روى أبو سعيد الخدري أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول قبل القراءة : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» (٣).

وحكي عن الشيخ المفيد أنّ صيغتها : «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» (٤).

وعن ابن البرّاج أنّها : «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إنّ الله (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)» (٥).

أقول : لا ريب في حصول امتثال الأمر بالاستعاذة والتعوّذ ـ الواردين في الكتاب (٦) والصحيح المتقدّم (٧) ـ بجميع هذه الصيغ ، بل وبغيرها أيضا ممّا يتحقّق به الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، ولكنّ الأولى والأفضل اختيار صيغة من الصيغ المأثورة عن النبيّ والأئمّة عليه وعليهم‌السلام.

وكفى دليلا لاختيار الصيغة التي نسبت (٨) إلى المشهور ما سمعته (٩)

__________________

(١) المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٢ : ٨٦ / ٢٥٨٩.

(٢) الفوائد المليّة : ١٨٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٦٢.

(٣) الذكرى ٣ : ٣٣٠ ، وحكاه عنه العاملي في الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٦ ، وكذا البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٦٢ ـ ١٦٣.

(٤) المقنعة : ١٠٤ ، وحكاه عنه الشهيد في الذكرى ٣ : ٣٣٠.

(٥) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ٣ : ٣٣١ ، ولم نجده في المهذّب وجواهر الفقه.

(٦) النحل (١٦) : ٩٨.

(٧) في ص ٣٢٣.

(٨) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٦٢.

(٩) آنفا.

٣٢٥

من دعوى الإجماع عليه ، ونقلها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وكون الرواية عامّيّة ـ كما استظهره في الحدائق (١) ـ غير قادحة في مثل المقام ، فإنّه من أظهر الموارد التي يعمّها أخبار التسامح (٢).

وقد وردت الاستعاذة في الأخبار بكيفيّات مختلفة فبأيّها أخذت من باب التسليم وسعك.

منها : ما في موثّقة سماعة قال : سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب ، قال : «فليقل : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إنّ الله (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، ثمّ يقرأها ما دام لم يركع» (٣).

وخبر معاوية بن عمّار ـ المحكيّ عن الذكرى ـ عن الصادق عليه‌السلام في الاستعاذة ، قال : «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» (٤).

وفي خبر حنان بن سدير ، المتقدّم (٥) المرويّ عن قرب الإسناد :«أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بك ربّي (أَنْ يَحْضُرُونِ)» كما في نسخة الحدائق (٦) «وأعوذ بالله (أَنْ يَحْضُرُونِ)» كما في نسخة

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٨ : ١٦٣.

(٢) وهي أخبار «من بلغه ثواب ...» راجع الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب مقدّمة العبادات.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٧ / ٥٧٤ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٤) الذكرى ٣ : ٣٣٠ مع الهامش (٧) منها ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٧.

(٥) في ص ٣٢٤.

(٦) لاحظ الحدائق الناضرة ٨ : ١٦٣ ، وفيه كما في نسخة الوسائل ، راجع الهامش ـ

٣٢٦

الوسائل (١).

وعن الشهيد الثاني في شرح النفليّة : روى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، أعوذ بالله (أَنْ يَحْضُرُونِ) ، إنّ الله (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)» (٢).

وعن تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : «أمّا قولك الذي ندبك الله إليه وأمرك به عند قراءة القرآن : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» (٣).

وعن الفقه الرضوي أيضا أنّه قال : «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» (٤).

فالأولى اختيار هذه الصيغة ؛ لورودها في جملة من الأخبار ، والله العالم.

تنبيه : المشهور بين الأصحاب ـ على ما نسب (٥) إليهم ـ استحباب الإخفات بالاستعاذة ، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه (٦).

قال الشهيد في محكيّ الذكرى : يستحبّ الإسرار بها ولو في الجهريّة ، قاله الأكثر ، ونقل الشيخ فيه الإجماع عليه ، ثمّ قال : وروى حنان بن سدير ،

__________________

ـ التالي.

(١) الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥.

(٢) الفوائد المليّة : ١٨٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ١٦ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب قراءة القرآن ، ح ١.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٠٥ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٨ : ١٦٤.

(٥) الناسب هو الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٣٤ ، مفتاح ١٥٧ ، وكذا البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٦٤.

(٦) الخلاف ١ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ، المسألة ٧٩ ، وحكاه عنه الشهيد في الذكرى ٣ : ٣٣٠.

٣٢٧

ثمّ ساق الرواية كما قدّمنا نقلها (١) ، ثمّ قال : ويحمل على الجواز (٢). انتهى.

أقول : ما ادّعوه من الإجماع والشهرة لا يبعد أن يكون كافيا لإثبات الاستحباب من باب المسامحة وإن لا يخلو عن إشكال.

والأولى الاستدلال له بما عن التذكرة وإرشاد الجعفريّة من أنّه على ذلك عمل الأئمّة عليهم‌السلام (٣) ، فإنّ شمول أخبار التسامح (٤) لمثل هذا النقل أوضح من شمولها لفتوى الأصحاب.

وربما يستدلّ له أيضا بصحيحة صفوان قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاما ، فكان يقرأ في فاتحة الكتاب بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وأخفى ما سوى ذلك (٥) ، فإنّه يدلّ على استحباب الإخفات في الاستعاذة ؛ لأنّ قوله : «ما سوى ذلك» يشملها.

وفيه : أنّ من الجائز أنّه عليه‌السلام كان تاركا للاستعاذة في تلك الصلوات ، مع أنّ المراد بقوله : «ما سوى ذلك» بحسب الظاهر ما عدا البسملة من الفاتحة أو القراءة ، دون سائر الأدعية والأذكار التي منها الاستعاذة.

ويحتمل أن تكون هذه الصحيحة ونظائرها مستند من ادّعى أنّ على ذلك عمل الأئمّة عليهم‌السلام (٦).

__________________

(١) في ص ٣٢٤.

(٢) الذكرى ٣ : ٣٣٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٦٤.

(٣) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٢٧ ، الفرع «ب» من البحث الرابع : في القراءة ، وإرشاد الجعفريّة مخطوط ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

(٤) راجع الهامش (٢) من ص ٣٢٦.

(٥) تقدّم تخريجها في ص ٢٧٧ ، الهامش (٤).

(٦) راجع الهامش (٣).

٣٢٨

ولكن لا يقدح مثل هذا الاحتمال في جواز التعويل على خبرهم من باب المسامحة ، فإنّه لا يخرجه عن موضوع أخبار التسامح ، كما لا يخفى.

ولكنّه لو أجهر بها الإمام في صلاة المغرب تأسّيا بأبي عبد الله عليه‌السلام فيما رواه عنه حنان بن سدير (١) ، لكان حسنا ، بل لو أجهر بها الإمام مطلقا في سائر صلواته أخذا بعموم قوله عليه‌السلام في خبر أبي بصير ، المتقدّم (٢) آنفا : «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول» لكان وجيها ؛ إذ لا يصحّ تخصيص العموم بالأمور المبتنية على المسامحة ، فليتأمّل.

(مسائل سبع) (الأولى : لا يجوز قول : «آمين» في آخر الحمد) على المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا بلا خلاف يعتدّ به فيه على الظاهر ، بل عن جماعة من أكابر الأصحاب دعوى الإجماع عليه (٣) ، بل وعلى كونه مبطلا للصلاة أيضا ، كما هو صريح جملة منهم.

فعن الخلاف أنّه قال : قول «آمين» يقطع الصلاة ، سواء كان ذلك سرّا أو جهرا ، في آخر الحمد أو قبلها ، للإمام والمأموم وعلى كلّ حال ، إلى أن قال : دليلنا إجماع الفرقة ، فإنّهم لا يختلفون في أنّ ذلك يبطل الصلاة (٤).

وعن الانتصار أنّه قال : وممّا انفردت به الإماميّة إيثار ترك لفظة «آمين» بعد قراءة الفاتحة ؛ لأنّ باقي الفقهاء يذهبون إلى أنّها سنّة. دليلنا

__________________

(١) راجع الهامش (١ و ٢) من ص ٣٢٤.

(٢) في ص ٣٢٠.

(٣) كما في الذكرى ٣ : ٣٤٩.

(٤) الخلاف ١ : ٣٣٢ ـ ٣٣٤ ، المسألة ٨٤ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ :٦٩.

٣٢٩

على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة على أنّ هذه اللفظة بدعة وقاطعة للصلاة (١).

وكذا عن نهاية الإحكام والمنتهى والتحرير دعوى الإجماع على الحرمة والإبطال (٢).

(وقيل : هو مكروه) ولكن لم يتحقّق قائله ، عدا أنّه حكي ذلك عن أبي الصلاح وابن الجنيد (٣) ، وربما نسب إليهما أيضا القول بالجواز (٤).

ولكن العبارة المحكيّة عنهما (٥) غير ظاهرة في ذلك.

وكيف كان فيدلّ على المشهور جملة من الأخبار :

منها : حسنة جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل أنت : (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، ولا تقل :آمين» (٦).

وخبر محمّد بن سنان (٧) عن محمّد الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام :أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب : آمين؟ قال : «لا» (٨).

وعن المصنّف في المعتبر أنّه رواه عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر

__________________

(١) الانتصار : ٤٢ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٦٩.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٤٦٥ ، منتهى المطلب ٥ : ١٠٩ ، تحرير الأحكام ١ : ٢٤٩ / ٨٦٧ ، وحكاه عنها السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٠.

(٣) راجع الدروس ١ : ١٧٤ ، والذكرى ٣ : ٣٤٩ ، وجامع المقاصد ٢ : ٢٤٩ ، والمهذّب البارع ١ : ٣٦٦.

(٤) راجع الدروس ١ : ١٧٤ ، والذكرى ٣ : ٣٤٩ ، وجامع المقاصد ٢ : ٢٤٩ ، والمهذّب البارع ١ : ٣٦٦.

(٥) لاحظ الذكرى ٣ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

(٦) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٧٤ / ٢٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٥ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٧) في المصدر زيادة : «عن ابن مسكان».

(٨) التهذيب ٢ : ٧٤ ـ ٧٥ / ٢٧٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٦ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

٣٣٠

البزنطي في جامعه عن عبد الكريم عن محمّد الحلبي عنه عليه‌السلام نحوه (١).

وفي خبر زرارة ـ المرويّ عن العلل ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام : «ولا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك : آمين ، فإن شئت قلت : (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)» (٢).

وصحيحة معاوية بن وهب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقول :«آمين» إذا قال الإمام : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ)؟ قال : «هم اليهود والنصارى» ولم يجب في هذا (٣).

أقول : عدوله عن الجواب إلى تفسير الآية وعدم إذنه بالفعل مع وقوع السؤال عنه كاشف عن عدم كونه ممضىّ لديه ، ولكنّه عليه‌السلام لم يصرّح بالمنع لأجل التقيّة.

وربما يغلب على الظنّ أنّ المراد بقوله عليه‌السلام : «هم اليهود والنصارى» الإيماء إلى الجواب على سبيل الكناية من باب التقيّة بإلقاء كلام ظاهره التفسير وباطنه الإشارة إلى القائلين بهذا القول ، كما أنّه يحتمل أن يكون غرضه أنّ اليهود والنصارى هم الذين يقولون بهذه الكلمة عند تلاوة إمامهم لما كان مشروعا في صلاتهم ، تعريضا على العامّة المقتفين لأثرهم ، كما يؤيّد هذا المعنى ما روي عن دعائم الإسلام مرسلا أنّهم عليهم‌السلام حرّموا (٤) أن يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب : آمين ، كما تقول العامّة ، قال جعفر بن

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٨٦ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٠.

(٢) علل الشرائع : ٣٥٨ (الباب ٧٤) ح ١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب أفعال الصلاة ، ح ٦ ، والباب ١٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٥ / ٢٧٨ ، الاستبصار ١ : ٣١٩ / ١١٨٨ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٤) في الدعائم : «كرهوا» بدل «حرّموا».

٣٣١

محمّد عليه‌السلام : «إنّما كانت النصارى تقولها» (١).

ويؤيّده أيضا ما عن الصدوق في الفقيه أنّه قال : إذا فرغ الإمام من قراءة الفاتحة فليقل الذي خلفه : (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، ولا يجوز أن يقال بعد فاتحة الكتاب : آمين ؛ لأنّ ذلك كانت تقوله النصارى (٢) ؛ إذ الظاهر أنّ هذا التعبير ليس إلّا تبعا للنصّ.

وكيف كان فلا يعارض الأخبار المزبورة صحيحة جميل قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة حين تقرأ فاتحة الكتاب : «آمين» قال : «ما أحسنها وأخفض الصوت بها» (٣) فإنّها متشابهة خطّا ؛ إذ لا يتعيّن كون «ما أحسنها» بصيغة التعجّب كي يتحقّق التنافي بينها وبين الأخبار المتقدّمة ، فمن الجائز أن يكون بصيغة المتكلّم ، وكلمة «ما» نافية ، أي ما أعلمها حسنا ، أو بصيغة الماضي وكلمة «ما» للاستفهام الإنكاري ، فكأنّه عليه‌السلام قال : أيّ شي‌ء جعلها حسنة؟ كما أنّه يحتمل أن يكون «وأخفض الصوت بها» بصيغة الماضي من كلام السائل ، يعني أنّه عليه‌السلام تكلّم بهذه الكلمة سرّا.

وتوهّم أنّ مثل هذه الاحتمالات مخالفة للظاهر فلا ينبغي الالتفات إليها ، مدفوع بما أشرنا إليه من أنّ التشابه إنّما هو في الخطّ ، ولا ظهور للكتابة في شي‌ء من هذه الأمور ، وأمّا في مقام التعبير فلا يشتبه شي‌ء منها بالآخر.

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ١٦٠ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٨ : ١٩٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٥ ، ذيل ح ١١٥٤ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٦٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٥ / ٢٧٧ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٧ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥.

٣٣٢

هذا ، مع أنّه لو كان بصيغة التعجّب ، ينبغي أن لا يشكّ في صدورها تقيّة ؛ ضرورة أنّ الإمام عليه‌السلام لم يكن يبالغ في تحسين قول الناس ـ الذي كان من مبتدعاتهم ومخترعاتهم في العبادة ـ إلّا من باب التقيّة ، كما لا يخفى على من تتبّع أخبار الأئمّة عليهم‌السلام وتدبّر فيها ، بل لا يكاد يوجد هذا النحو من التعبير في سائر كلماتهم المسوقة لبيان جواز شي‌ء من ذكر أو دعاء ونحوه ، مع أنّه على هذا التقدير يكون مخالفا للإجماع ومناقضا لسائر النصوص ، فإنّ أقلّ مراتب الاستحسان الاستحباب ، وهذا ممّا لم يقل به أحد من الأصحاب ، وينفيه سائر الأخبار ، ولذا اعترض في المدارك على المصنّف رحمه‌الله بعد أن حكى عنه في المعتبر أنّه قال : ويمكن أن يقال بالكراهة ، ويحتجّ بما رواه الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن جميل (١) ، إلى أن قال : ويتوجّه عليه : أنّ هذه الرواية لا تعطي ما ذكره من الكراهة ، بل هي دالّة على نقيضه ؛ لأنّ أقلّ مراتب الاستحسان الاستحباب (٢). انتهى.

واعتذر غير واحد (٣) عن المصنّف رحمه‌الله بأنّه لعلّه قرأه بصيغة نفي التحسين ، الدالّة على المرجوحيّة ، ولكنّه فهم الجواز من الأمر بخفض الصوت بها.

ولكنّك عرفت (٤) أنّه يحتمل أن يكون هذا من كلام السائل.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٨٦.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٣٧٤.

(٣) كالفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ : ١٧ ـ ١٨ ، وصاحب الجواهر فيها ١٠ : ٩ ، وراجع مطالع الأنوار ٢ : ٧١.

(٤) في ص ٣٣٢.

٣٣٣

وكيف كان فهذه الصحيحة لا تصلح قرينة لصرف سائر النصوص عن ظاهرها بعد موافقتها للجمهور ومخالفتها للمشهور أو المجمع عليه ، والله العالم.

ثمّ إنّا قد أشرنا مرارا إلى أنّ المنساق من مثل هذه النواهي ليس مجرّد الحكم التكليفي ـ أعني حرمة ما تعلّق به النهي من حيث هو ـ بل الوضعي أيضا ، فإنّ المتبادر منها إنّما هو إرادة خلوّ الصلاة عن المنهيّ عنه ، فيكون وجوده منافيا لصحّتها ، كما يؤيّد ذلك فهم الأصحاب وفتواهم.

فما في المدارك ـ من اختيار الحرمة دون الإبطال ؛ لكون النهي متعلّقا بأمر خارج عن العبادة (١) ـ ضعيف.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ هذه النواهي لورودها في مقام توهّم المشروعيّة لا يتبادر منها أزيد من الحرمة التشريعيّة ، أي الحكم التكليفي ، فليتأمّل.

واستدلّ أيضا لحرمته وبطلان الصلاة به بوجوه أشار المصنّف رحمه‌الله إلى أغلبها فيما حكي (٢) عن معتبره حيث قال ما لفظه : لنا : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الآدميّين» (٣) والتأمين من كلامهم.

وقوله عليه‌السلام : «إنّما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» (٤) و «إنّما» للحصر ، وليس التأمين أحدها. ولأنّ معناها : اللهمّ استجب ، ولو نطق بذلك أبطل

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٣٧٣.

(٢) الحاكي هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٠.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ / ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٧ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ ، مسند أحمد ٥ : ٤٤٧ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١٩ : ٤٠١ / ٩٤٥.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ / ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٧ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ ، مسند أحمد ٥ : ٤٤٧ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١٩ : ٤٠١ / ٩٤٥.

٣٣٤

صلاته فكذا ما قام مقامه. ولأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله علّم الصلاة جماعة ، ولم يذكر التأمين ، من ذلك : ما رواه أبو حميد الساعدي في جماعة من الصحابة منهم : أبو قتادة ، قال : قال أبو حميد : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا : أعرض علينا ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثمّ يكبّر حتى يقرّ كلّ عضو في موضعه معتدلا ثمّ يقرأ ثمّ يكبّر فيرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ثمّ يركع (١). والزيادة على فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله غير مشروع. ولأنّ التأمين يستدعي سبق دعاء ولا يتحقّق الدعاء إلّا مع قصده ، فعلى تقدير عدم قصده يخرج التأمين عن حقيقته ، فيكون لغوا. ولأنّه لو نطق بها تأمينا لم يجز إلّا لمن قصد الدعاء ، لكن ليس ذلك شرطا بالإجماع ، أمّا عندنا : فللمنع مطلقا ، وأمّا عند الجمهور :فللاستحباب مطلقا (٢). انتهى.

وعن غير واحد (٣) دعوى إجماع الفقهاء وأهل العربيّة أيضا ـ كما عن بعض (٤) ـ على عدم كونه قرآنا ودعاء.

وعن المحقّق البهبهاني في حاشيته أنّه قال : إنّ «آمين» عند فقهائنا من كلام الآدميّين (٥). انتهى.

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٩٤ / ٧٣٠ ، سنن البيهقي ٢ : ٧٢ ، سنن الترمذي ٢ : ١٠٥ ـ ١٠٦ / ٣٠٤.

(٢) المعتبر ٢ : ١٨٥ ـ ١٨٦.

(٣) كالسيّد المرتضى في الانتصار : ٤٣ ، والسيوري في التنقيح الرائع ١ : ٢٠٢ ، والحاكي عنهما هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٦٨.

(٤) الوحيد البهبهاني في الحاشية على مدارك الأحكام ٣ : ٦٤ ، والحاكي عنه هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٦٨.

(٥) الحاشية على مدارك الأحكام ٣ : ٦٥ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٦٨.

٣٣٥

ويتوجّه على جميع هذه الوجوه إجمالا ـ بعد الغضّ عمّا يتوجّه على كلّ واحد منها من المناقشات ـ أنّه لو قرأ شخص الفاتحة أو سمعها من آخر والتفت إلى ما تضمّنته من طلب الهداية ونحوه فتكلّم بكلمة «آمين» قاصدا بها سؤال إجابة ذلك الدعاء من الله تعالى وإن لم تكن الدعائيّة مقصودة لمن قرأها ، فقد استعمل هذه الكلمة في محلّها ، وصدق عليها اسم الدعاء عرفا.

سلّمنا عدم صدق اسم الدعاء عليها ، بل كون استعمالها في مثل هذا المكان لحنا ، ولكنّها لا تخرج بذلك عن كونها مناجاة مع الربّ ولو بكلمة ملحونة ، فتندرج في موضوع قوله عليه‌السلام : «كلّ ما ناجيت به ربّك فهو من الصلاة» (١) لو لا الأخبار المتقدّمة الناهية عنها المخصّصة لمثل هذه العمومات.

هذا ، مع أنّ ما قيل من أنّه اسم للدعاء وليس هو بنفسه دعاء ، وادّعوا عليه إجماع أهل العربيّة (٢) ، ففيه : أنّه كلام صوريّ ، وإجماع أهل العربيّة مرجعه إلى أمر صناعيّ ، كما نبّه عليه المحقّق الرضي في شرحه على الكافية حيث قال ـ على ما حكي (٣) عنه ـ ما لفظه : وليس ما قال بعضهم :إنّ «صه» ـ مثلا ـ اسم للفظ «اسكت» الذي هو دالّ على معنى الفعل ، فهو علم للفظ الفعل لا لمعناه بشي‌ء ؛ إذ العربي القحّ ربما يقول : «صه» مع أنّه لا يخطر بباله لفظ «اسكت» وربما لم يسمعه أصلا ، ولو قلت : إنّه اسم لـ «اسكت» (٤) أو «امتنع» أو «كفّ عن الكلام» أو غير ذلك ممّا يؤدّي هذا المعنى ، لصحّ ، فعلمنا أنّ المقصود منه المعنى لا اللفظ. وقال : والذي

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٨ / ٩٣٩ ، وعنه في الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب القنوت ، ح ٤ بتفاوت في بعض الألفاظ.

(٢) راجع الهامش (٣ و ٤) من ص ٣٣٥.

(٣) الحاكي هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٠.

(٤) في شرح الكافية : «اصمت» بدل «اسكت».

٣٣٦

حملهم على أن قالوا : إنّ هذه الكلمات وأمثالها ليست بأفعال مع تأديتها معاني الأفعال أمر لفظيّ ، وهو : أنّ صيغها مخالفة لصيغ الأفعال ، وأنّها لا تتصرّف تصرّفها ، وتدخل اللام على بعضها والتنوين في بعض (١).

انتهى.

ثمّ إنّ قضيّة إطلاق خبر (٢) زرارة وكذا إطلاق الجواب في رواية (٣) ابن سنان من غير استفصال كإطلاق كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة : عدم الفرق بين الفريضة والنافلة في الحكم المزبور حرمة وإبطالا ، ولكن مورد النصوص وكثير من الفتاوى وبعض معاقد الإجماعات إنّما هو بعد الفاتحة ، كما هو المتعارف عند العامّة ، فلا يستفاد منها حرمة قول : «آمين» ومبطليّتها للصلاة مطلقا ولو في سائر الأحوال ، فمقتضى ما قوّيناه من عدم اندراجه من حيث هو في الكلام المبطل : اختصاص المنع بمورد دلالة الدليل ، وهو في آخر الحمد ، كما قوّاه غير واحد (٤).

فما حكي عن ظاهر بعض (٥) وصريح آخرين (٦) من عموم المنع عنه في سائر أحوال الصلاة ـ كما يقتضيه استدلال المشهور للمنع : بكونه من كلام الآدميّين ـ ضعيف.

__________________

(١) شرح الكافية ٢ : ٦٧ و ٦٦.

(٢) تقدّم الخبر في ص ٣٣١.

(٣) تقدّمت الرواية في ص ٣٣٠.

(٤) كالشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ١ : ٤١٥.

(٥) العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ١٦٣ ، الفرع «أ» من المسألة ٢٤٥ ، ونهاية الإحكام ١ :٤٦٦ ، والحاكي عنه هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٢.

(٦) منهم : الطوسي في الخلاف ١ : ٣٣٢ ، المسألة ٨٤ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٧٤ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٤٨ ، والشهيد الثاني في مسالك الافهام ١ :٢١٠ ، والحاكي عنهم هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٢.

٣٣٧

والاستدلال عليه بإطلاق كثير من معاقد الإجماعات المحكيّة وصريح بعضها ـ كعبارة الخلاف المتقدّمة (١) ـ ضعيف ؛ لعدم حجّيّة نقل الإجماع خصوصا مع استناد جملة من المجمعين ـ إن لم يكن جميعهم ـ في فتواهم إلى ما ادّعوه من أنّه من كلام الآدميّين ، فلا اعتماد على إجماعهم بعد البناء على ضعف المبنى ، كما هو واضح.

وربما يؤيّد الجواز بعض الأدعية المشتملة على لفظة «آمين» المأثورة عن الأئمّة عليهم‌السلام في القنوت وغيره فيما حكي عن كتاب المهج والبلد الأمين وغيره (٢).

وأضعف من ذلك ما في العبارة المتقدّمة (٣) عن المعتبر وغيرها من الحكم ببطلان الصلاة بقول : «اللهمّ استجب» في آخر الحمد ؛ فإنّه لم يعرف له وجه عدا تخيّل أنّه يوجب صرف القراءة عن حقيقتها ، أو أنّه يستدعي سبق دعاء ولا دعاء قبله ، فإنّ ما تحقّق من الدعاء في ضمن القراءة فقد صدر بعنوان الحكاية لا بقصد الدعائيّة.

وشي‌ء منهما ليس بشي‌ء ؛ فإنّ قول : «اللهمّ استجب» كقول : «اللهمّ اغفر» في حدّ ذاته دعاء لا تتوقّف صحّته على أن يكون مسبوقا بدعاء أو مذكورا متعلّقه ، بل يكفي تقديره بأن يقدّر دعاء المؤمنين أو المخلوقين أو ما يدعوه فيما بعد أو نحو ذلك ، وكونه كذلك يصحّح إيقاعه في الصلاة ولو ممّن لا يعرف معناه ، كسائر الأدعية والأذكار التي يقرؤها العجمي

__________________

(١) في ص ٣٢٩.

(٢) مهج الدعوات : ٥٤ ، البلد الأمين : ٣٨٩ ـ ٣٩٣ ، و ٥٥١ ـ ٥٥٢ ، مفتاح الفلاح : ٤٢ ـ ٤٣ ، وحكاه عنها السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٢ ـ ٧٣.

(٣) في ص ٣٣٤ ـ ٣٣٥.

٣٣٨

ونحوه ممّن لا يعرف معانيها ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ حرمة قول : «آمين» إنّما هو في غير حال التقيّة ، وأمّا مع التقيّة فلا شبهة في جوازه بل وجوبه عند وجوبها إذا توقّف الاتّقاء عليه ، ولا تبطل به الصلاة حينئذ ، كما صرّح به غير واحد (١) ، بل قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله : والظاهر الإجماع على عدم البطلان حينئذ حتى ممّن جعله من كلام الآدميّين ، الذي لا يوجب الإكراه عليه رفع حكمه (٢). انتهى.

ووجهه : دلالة الأدلّة الدالّة على جواز الصلاة معهم تقيّة وصحّتها ـ مع استلزامها اختلال جملة من أجزائها وشرائطها التي هي من قبيل ترك التكتّف والتأمين والجهر بالقراءة ونحوه ـ على اغتفار مثل هذه الأمور حال التقيّة ، كما هو واضح.

ولو تركها والحال هذه ، عصى ، ولكن لا تبطل صلاته ، فإنّ متعلّق الحرمة أمر خارج عن حقيقة الصلاة.

المسألة (الثانية : الموالاة في القراءة شرط في صحّتها) كما صرّح به غير واحد من القدماء والمتأخّرين (٣) ، بل في الجواهر : لا أجد فيه خلافا بين أساطين المتأخّرين (٤).

__________________

(١) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٤٩ ، والشهيد الثاني في مسالك الافهام ١ :٢١٠.

(٢) كتاب الصلاة ١ : ٤١٦ ـ ٤١٧.

(٣) كالطوسي في المبسوط ١ : ١٠٥ والعلّامة الحلّي في تحرير الأحكام ١ : ٢٤٣ / ٨٢٨ ، وقواعد الأحكام ١ : ٢٧٤ ، ونهاية الإحكام ١ : ٤٦٣ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٧١ ، والشهيد الثاني في مسالك الافهام ١ : ٢١٠ ، وروض الجنان ٢ : ٧٠٣ ـ ٧٠٤ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٦٥ ، وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٧٦.

(٤) جواهر الكلام ١٠ : ١١.

٣٣٩

والمراد بالموالاة ـ على ما يظهر من كلماتهم ، كما صرّح به بعض (١) ـ أن لا يتخلّل بين أبعاضها سكوت معتدّ به أو كلام مغاير ، عدا ما ورد النصّ بجوازه ، كسؤال الرحمة والتعوّذ عن النار عند قراءة آيتيهما ونحوه.

واستدلّ له : بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يوالي في قراءته ، فيجب التأسّي به ؛ لعمومات (٢) التأسّي ، وخصوص قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (٣).

وفيه : أنّ استفادة وجوب مثل هذه الأمور الجارية مجرى العادة من مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» فضلا عن عمومات التأسّي محلّ نظر بل منع.

فالوجه أن يقال تبعا لما حقّقه غير واحد من متأخّري المتأخّرين : إنّ المتبادر من أوامر القراءة في الصلاة ـ ولو بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن ، الناشئة من خصوصيّات المورد ـ هو الإتيان بمجموع القراءة المعتبرة في كلّ ركعة من الصلاة ـ أي الحمد والسورة ـ في ضمن فرد من القراءة بأن يعدّ في العرف مجموعها قراءة واحدة مبتدئا فيها بفاتحة الكتاب ، كما يومئ إلى ذلك بعض الأخبار المتقدّمة (٤) في أوائل المبحث ، المشعرة بأنّ مجموعها جزء واحد من أجزاء الصلاة مع حفظ صورتها التي بها تتقوّم ماهيّة القرآنيّة التي بها قوام المأمور به ، فالفصل الطويل المنافي لصدق وحدة القراءة عرفا أو مزج كلمات خارجيّة منافية لحفظ الصورة

__________________

(١) الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ١ : ٣٩٠ ـ ٣٩١.

(٢) منها ما في الآية ٢١ من سورة الأحزاب (٣٣).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٩ ، الهامش (٢).

(٤) في ص ١٠١.

٣٤٠