مصباح الفقيه - ج ١٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: برگ طوبى
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٣

(وقيل : يجزئه عشر) بإثبات التكبيرة في الأخيرة وإسقاطها في الأوليين.

وقد نسب (١) هذا القول إلى جماعة من القدماء (٢) منهم : الشيخ في جملة من كتبه (٣) ، ولكن لم يعرف له مستند يعتدّ به.

وربما يستدلّ له بصحيحة زرارة ـ المتقدّمة (٤) على ما رواها في الفقيه وفي آخر السرائر ـ بحمل قوله : «ثمّ تكبّر وتركع» على إرادة تكبير غير تكبيرة الركوع ، كما يؤيّد ذلك إبقاء الكلام على ظاهره من الوجوب.

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ ظاهره إرادة تكبير الركوع ، ولا أقلّ من عدم ظهوره في إرادة تكبير آخر غيره ، فمقتضى الأصل براءة الذمّة عنه ؛ بناء على ما هو الحقّ لدينا من جريان قاعدة البراءة في مثل المقام لا الاشتغال.

هذا ، مع وفاء الأدلّة بإثبات كفاية الأقلّ ، كما ستعرف.

وربما يظهر من الروضة ورود نصّ صحيح به ؛ فإنّه ـ بعد نقل قول الشهيد بالتخيير بين الحمد والتسبيح أربعا أو تسعا أو عشرا أو اثنتي عشرة (٥) ـ قال : ووجه الاجتزاء بالجميع ورود النصّ الصحيح بها (٦).

وهذا وإن كان بظاهره شهادة على ورود نصّ صحيح بذلك ولكنّه

__________________

(١) الناسب هو الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ : ٣٢.

(٢) كالصدوق في الهداية : ١٣٥ ، والسيّد المرتضى في جمل العلم والعمل : ٦٨ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٢٢٢.

(٣) المبسوط ١ : ١٠٦ ، مصباح المتهجّد : ٤٨ ـ ٤٩ ، الجمل والعقود وعمل اليوم والليلة كلاهما ضمن الرسائل العشر : ١٨١ و ١٤٦.

(٤) في ص ٣٥٨ ـ ٣٥٩.

(٥) اللمعة الدمشقيّة : ٣٣.

(٦) الروضة البهيّة ١ : ٥٩٥.

٣٦١

بالنسبة إلينا مرسل مجهول الأصل ، فلا اعتداد به إلّا في جواز الالتزام باستحبابه من باب المسامحة.

(وفي رواية) وهي صحيحة زرارة ، المتقدّمة (١) على ما رواها الصدوق في الفقيه ، والحلّي في مستطرفات السرائر : (تسع) تسبيحات بإسقاط التكبير من آخرها ، كما عرفت.

وقد نسب القول بمضمونها إلى حريز (٢) والصدوقين (٣) وابن أبي عقيل (٤) وأبي الصلاح (٥).

والظاهر أنّ منشأ نسبته إلى حريز أنّه أثبت الرواية المزبورة في أصله مقتصرا عليها.

وكيف كان فقد جوّز غير واحد (٦) العمل بما في هذه الصحيحة ولكن لا على سبيل التعيين ، كما يقتضيه ظاهر الأمر الوارد فيها ، بل تخييرا بينه وبين غيره ممّا تضمّنه سائر الأخبار الآتية مطلقا أو في الجملة ، كما ستعرف.

(وفي) رواية (أخرى) : يجزئ (أربع) تسبيحات ، وهي صحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : «أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ،

__________________

(١) في ص ٣٥٨ ـ ٣٥٩.

(٢) نسبه إليه المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ١٨٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٥٨ ، وحكاه الصدوق عن الرسالة لوالده في المقنع : ١١٣ ، ونسبه إليهما الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ : ٣٣.

(٤) حكاه عنه الآبي في كشف الرموز ١ : ١٦٠.

(٥) الكافي في الفقه : ١١٧ ، وحكاه عنه الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ : ٣٣.

(٦) كالشهيدين ، راجع الهامش (٥ و ٦) من ص ٣٦١.

٣٦٢

وتكبّر وتركع» (١).

وقد حكي (٢) القول بمضمونها عن جماعة من القدماء وكثير من المتأخّرين (٣) ، بل الظاهر أنّ القول بكفاية الأربع هو أشهر الأقوال بل المشهور فيما بين المتأخّرين ومتأخّريهم ، كما عن بعض التصريح به (٤).

وربما يستدلّ له أيضا بصحيحة أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب ، وعلى الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين» (٥).

وفيه : أنّه ليس في الرواية تعرّض لبيان ما هو وظيفة الأخيرتين تفصيلا لا للإمام ولا للمأموم ، فضلا عن مقداره ، وإنّما ينسبق إلى الذهن

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٩ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٩٨ / ٣٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ / ١١٩٨ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥.

(٢) الحاكي هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧٥.

(٣) منهم : المفيد في المقنعة : ١١٣ ، والطوسي في الاستبصار ١ : ٣٢١ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٨٠ ، والآبي في كشف الرموز ١ : ١٦٠ ، والعلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٦٤ ـ ١٦٥ ، المسألة ٩٠ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٣١٥ ، وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٧٨ ، والسيوري في التنقيح الرائع ١ : ٢٠٥ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٥٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ :٦٩٢ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٨١ ، والسبزواري في ذخيرة المعاد : ٢٧٠ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٣٠ ، مفتاح ١٥١ ، والمجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ٨٩.

(٤) صرّح الشهيد الثاني في المقاصد العليّة : ٢٥٧ بأنّ القول بكفاية الأربع هو أشهر الأقوال.

(٥) تقدّم تخريجها في ص ١٧٠ ، الهامش (٣).

٣٦٣

التسبيحات الأربع المذكورة في الرواية لأنس الذهن بها ومعهوديّتها من الخارج ، وإلّا فالرواية لم تدلّ إلّا على أنّ المأموم يأتي بهذه التسبيحات الأربع في الأوليين ، وليس فيها بالنسبة إلى هذا أيضا ظهور في كون الإتيان بها مرّة مجزئة ، فإنّ إطلاقها وارد مورد حكم آخر ، كما لا يخفى ، وقد سبق توجيه الرواية عند التكلّم في أفضليّة التسبيح من القراءة ، فراجع (١).

وعن العلّامة في المنتهى أنّه نسب إلى الحلبي القول بثلاث تسبيحات صورتها : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله» (٢).

ويحتمل أن يكون مراده الإتيان بهذه الصورة ثلاثا ، فهو حينئذ من القائلين بالتسع كما نسب (٣) إليه هذا القول أيضا ، فمستنده على هذا التقدير هي صحيحة حريز ، المتقدّمة (٤) ، وإلّا فلم يعلم له مستند ؛ إذ ليس في شي‌ء من الأخبار ما يدلّ على الثلاث بهذه الصورة.

نعم ، يظهر من بعض الأخبار الاجتزاء بثلاث تسبيحات ، ولكن لا بهذه الصورة :كرواية أبي بصير ـ المرويّة عن الفقيه ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«أدنى ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين أن تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله» (٥).

__________________

(١) ص ١٧٠ ـ ١٧١.

(٢) الكافي في الفقه : ١١٧ ، منتهى المطلب ٥ : ٧٦ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧٦.

(٣) الناسب هو العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٦٤ ، المسألة ٩٠.

(٤) في ص ٣٥٩.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٥٩ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٧.

٣٦٤

وصحيحة الحلبي ـ المرويّة عن التهذيب ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما ، فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر» (١).

وقد حكي عن الإسكافي (٢) القول بمضمون هذه الصحيحة.

وحكي عن البحار الاجتزاء بمطلق الذكر (٣) ؛ لرواية عليّ بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟فقال : «إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهو سواء» قال :قلت : فأيّ ذلك أفضل؟ فقال : «هما والله سواء إن شئت سبّحت وإن شئت قرأت» (٤).

وفيه : أنّ مقتضى القاعدة تقييد إطلاق الذكر بالأذكار الخاصّة الواردة في النصوص المقيّدة ، كما ربما يومئ إلى ذلك ما في ذيل الخبر من قوله عليه‌السلام : «إن شئت سبّحت وإن شئت قرأت» فإنّه مشعر بأنّ الإطلاق غير مقصود من الذكر المأمور به في الصدر ، بل الذكر المعهود الذي هو التسبيح.

فالأولى الاستشهاد لهذا القول بصحيحة عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر ، قال : «تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء» (٥) فإنّ قضيّة العلّة المنصوصة كفاية مطلق التحميد والدعاء ، وعدم اعتبار لفظ خاصّ

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ١٦٧ ، الهامش (١).

(٢) الحاكي عنه هو العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٦٤ ، المسألة ٩٠.

(٣) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٤١٧ ، وراجع بحار الأنوار ٨٥ : ٨٩.

(٤) تقدّم تخريجها في ص ١٥٧ ، الهامش (٢).

(٥) تقدّم تخريجها في ص ١٦٩ ، الهامش (٢).

٣٦٥

ولا خصوصيّة التسبيح أو الاستغفار ، ومقتضاه كون الواو في قوله عليه‌السلام في صدر الخبر : «تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك» وكذا في صحيحة زرارة ، الواردة في المأموم المسبوق : «فإذا سلّم الإمام قام فصلّى الأخيرتين لا يقرأ فيهما ، إنّما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء» (١) وفي صحيحته الأخرى : «إنّما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء» (٢) للتنويع لا للجمع.

والخدشة في دلالة الصحيحة بعدم وفائها بإثبات الاجتزاء بمطلق الذكر ؛ إذ ربّ ذكر لا يصدق عليه عرفا اسم التسبيح والتحميد والدعاء ، مدفوعة ـ بعد الغضّ عن أنّ كلّ ما ناجيت به ربّك ممّا يسمّى ذكرا لا يخرج عن كونه دعاء أو تسبيحا أو تحميدا ـ بأنّ الصحيحة وإن لم تكن بنفسها وافية بإثبات ذلك ولكنّها كاشفة عن عدم اعتبار خصوصيّة الأذكار الواردة في الأخبار المقيّدة قيدا في ماهيّة المأمور به ، فيبقى إطلاق قوله عليه‌السلام في خبر ابن حنظلة : «وإن شئت فاذكر الله» (٣) سليما عن المقيّد ، فالقول بكفاية مطلق الذكر أخذا بظاهر هذه الصحيحة لا يخلو عن وجه ، إلّا أنّ الاعتماد على هذا الظاهر ـ مع مخالفته للمشهور في مقابل الأخبار الكثيرة الدالّة بظاهرها على اعتبار خصوص التسبيح إجمالا فيما هو وظيفة الأخيرتين عند ترك القراءة ـ لا يخلو عن إشكال.

وحكي (٤) عن جماعة من الأصحاب القول بأنّ المصلّي مخيّر بين الإتيان بكلّ ما ذكر حتى مطلق الذكر كما نسب إلى بعضهم (٥) ، ومرجعه إلى

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ١٦٦ ، الهامش (١ و ٢).

(٢) تقدّم تخريجها في ص ١٦٦ ، الهامش (٣).

(٣) راجع الهامش (٢) من ص ١٥٧.

(٤) الحاكي هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٨٤.

(٥) راجع الهامش (٣) من ص ٣٦٥.

٣٦٦

القول السابق ، أو بين جميع ما ورد في الروايات ولو ثلاث تسبيحات بأن يقول : «سبحان الله» ثلاثا ، كما في خبر أبي بصير (١) ، أو جميع ما ورد في خصوص الأخبار الصحيحة ، أو بين التسبيحات الأربع والتسع الواردتين في صحيحتي زرارة (٢) ، إلى غير ذلك من التفاصيل الناشئة من الاختلاف في فهم ما يقتضيه الجمع بين الأخبار ، أو ترجيح بعضها على بعض.

وقد أشرنا إلى ما هو الحقّ لدينا من أنّ مقتضى الجمع بين صحيحة عبيد وغيرها من الروايات هو القول بكفاية مطلق الذكر ، إلّا أنّ الالتزام به لا يخلو عن إشكال.

وربما استظهر هذا القول من عبارة المصنّف رحمه‌الله في المعتبر ؛ فإنّه ـ على ما حكي عنه ـ نقل القول بالأربع والتسع والعشر والاثنتي عشرة ، وأورد صحيحتي زرارة في الأوّلين ، وصحيحة الحلبي في التسبيحات الثلاث ، وروايتي عليّ بن حنظلة وعبيد ، ثمّ قال : والوجه عندي هو القول بالجواز في الكلّ ؛ إذ لا ترجيح وإن كانت رواية الأربع أولى (٣). انتهى ؛ فإنّ قضيّة تجويزه العمل بروايتي عليّ وعبيد ، المتقدّمتين (٤) هو الالتزام بالقول المزبور كما عرفت ، اللهمّ أن يمنع دلالتهما عليه.

وكيف كان فظاهره أنّ التزامه بجواز العمل بالكلّ من باب التخيير الناشئ من معارضة الأدلّة ، وهو لا يخلو عن بعد ، بل الحقّ هو القول به من باب الجمع ، وجعل الاختلاف الواقع في الأخبار كاشفا عن عدم اعتبار الخصوصيّات الموجبة للتنافي بينها في قوام ماهيّة المأمور به ، وأنّ المدار

__________________

(١) تقدّم خبره في ص ٣٦٤.

(٢) تقدّمت صحيحتاه في ص ٣٥٩ و ٣٦٢.

(٣) المعتبر ٢ : ١٨٨ ـ ١٩٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٤١٥.

(٤) في ص ٣٦٥.

٣٦٧

على حصول جنس التسبيح أو الذكر المتحقّق في ضمن الجميع ، كما يشهد له ـ مضافا إلى ذلك ـ صحيحة عبيد (١) بالتقريب المتقدّم ، ولكن يجب تقييد إطلاق الذكر أو التسبيح ـ الواردين في بعض الأخبار المطلقة من حيث المقدار ـ بعدم كونه أقلّ من ثلاث تسبيحات ؛ لما في خبر أبي بصير (٢) من التصريح بأنّه أدنى ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين.

هذا ، مع أنّ الأخبار المطلقة ـ بحسب الظاهر ـ ليست مسوقة إلّا لبيان تشخيص الماهيّة التي هي وظيفة الأخيرتين ، فليس لها إطلاق من حيث المقدار ، بل قد يدّعى انصرافها ـ بواسطة المناسبة المغروسة في الذهن ـ إلى إرادة ما يساوي القراءة التي هي أحد فردي الواجب المخيّر ، حتى أنّه جعل بعض (٣) ذلك دليلا للقول باعتبار الاثنتي عشرة تسبيحة ؛ لمساواتها للقراءة تقريبا.

وفيه ما لا يخفى خصوصا في مقابلة الأدلّة المعتبرة الدالّة على الاجتزاء بالأقلّ ، إلّا أنّه ربما يؤيّده بل يمكن استفادته من قوله عليه‌السلام في صحيحة عبيد : «وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء» (٤) إذ لو كان مسمّاه مجزئا ، لحصل ذلك بقراءة بعض الفاتحة مع أنّ بعضها لا يجزئ ، فيكشف ذلك عن عدم كفاية صرف حصول المسمّى ، بل لا بدّ أن يكون بمقدار معتدّ به يقرب من المقدار الذي يتحقّق بقراءة الفاتحة ، فالأحوط ـ إن لم يكن أقوى ـ عدم الاكتفاء بأقلّ من ذلك إلّا على تقدير اختيار شي‌ء من الأذكار الخاصّة التي دلّت النصوص المعتبرة على كفايتها ، كالتسبيحات

__________________

(١) تقدّمت صحيحته في ص ٣٦٥.

(٢) تقدّم خبره في ص ٣٦٤.

(٣) راجع رياض المسائل ٣ : ١٩١.

(٤) تقدّمت صحيحته في ص ٣٦٥.

٣٦٨

الأربع التي دلّت صحيحة زرارة (١) بظاهرها على كونها مجزئة ، أو غير ذلك ممّا دلّت الأخبار المعتبرة على الاجتزاء به.

هذا ، مع ما أشرنا إليه من أنّ التخطّي عن الأذكار الخاصّة الواردة في النصوص المعتبرة فضلا عن الاجتزاء بصرف حصول المسمّى لا يخلو عن إشكال ، فالأولى بل الأحوط اختيار التسبيحات الأربع الواردة في صحيحة زرارة (٢) ، وأحوط من ذلك تكريرها ثلاثا مع أنّه أفضل ، كما يدلّ عليه خبر رجاء ، المتقدّم (٣) ، والله العالم.

فوائد :

الأولى : ينبغي ضمّ الاستغفار أو شي‌ء من الأدعية ـ مثل : «اللهمّ اغفر لي» أو : «اللهمّ ارزقني خير الدنيا والآخرة» ونحوه ـ إلى التسبيحات ؛ لقوله عليه‌السلام في صحيحتي زرارة ، المتقدّمتين (٤) آنفا : «إنّما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء» وفي صحيحة عبيد ، المتقدّمة (٥) : «تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك».

ويظهر من ذيل الصحيحة أنّ ذكر الاستغفار من باب كونه دعاء ، لا لاعتباره بخصوصه ، كما تقدّمت الإشارة إليه آنفا ، فتخصيصه بالذكر على الظاهر لأجل كونه أفضل من غيره ، فلا يبعد الالتزام باستحبابه بالخصوص ، كما صرّح به غير واحد (٦) ، بل ربما يوهم عبارة العلّامة في محكيّ المنتهى

__________________

(١) تقدّمت صحيحته في ص ٣٦٢.

(٢) تقدّمت صحيحته في ص ٣٦٢.

(٣) في ص ٣٥٩.

(٤) في ص ٣٦٦.

(٥) في ص ٣٦٥.

(٦) مثل : الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢٠٧ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ :٣٨١ ، والبهائي في الحبل المتين : ٢٣١ ، والمجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ٩٠.

٣٦٩

وجود قائل بوجوبه ؛ حيث قال : الأقرب : عدم وجوب الاستغفار (١).

ولكن الظاهر أنّه غير مراد له ، كما أوضح ذلك صاحب «مطالع الأنوار» قدس‌سره ، ونفى وجود قائل بالوجوب ، وقال : إنّي بعد التصفّح التامّ في كتب الأصحاب ما عثرت به ولا نقله ناقل (٢). ثمّ ذكر جملة من الشواهد والأمارات المرشدة إلى أنّ غرض العلّامة بهذا التعبير ليس في مقابل قول ، بل في مقابلة الصحيحة الآمرة به ، كما يلوح ذلك من عبارته المحكيّة عن منتهاه ، فإنّه قال : وقد روى الشيخ ـ في الصحيح ـ عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الركعتين الأخيرتين ، قال : «تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك» (٣) ثمّ قال : فما تضمّنته هذه الرواية من الاستغفار الأقرب :أنّه ليس بواجب ؛ لرواية (٤) زرارة (٥). انتهى.

وعلى تقدير تحقّق القول به فهو في غاية الضعف ؛ لما أشرنا إليه من أنّه يفهم عدم وجوبه من نفس هذه الصحيحة فضلا عن غيرها من الروايات التي هي كالنصّ في كفاية ما عداه من التسبيحات.

الثانية : إنّا إن بنينا على كفاية مطلق الذكر أو التسبيح أو التسبيحات الثلاث الواردة في خبر أبي بصير (٦) ، أو مسمّى التسبيح والتحميد والتهليل ، أو مع التكبير أيضا من غير اشتراط الترتيب ، أو مع الترتيب أيضا على

__________________

(١) منتهى المطلب ٥ : ٧٨ ، وحكاه عنه المجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ٨٩.

(٢) مطالع الأنوار ٢ : ٨٠.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٦٩ ، الهامش (٢).

(٤) تقدّم تخريجها في ص ٣٦٣ ، الهامش (١).

(٥) منتهى المطلب ٥ : ٧٨ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٨٠.

(٦) تقدّم خبره في ص ٣٦٤.

٣٧٠

حسب ما ورد في صحيحة (١) زرارة ، فإن اكتفى بما يتحقّق به مقدار الواجب فهو أدنى ما يجزئ ، وإن زاد عليه حتى أكمل تسع تسبيحات أو العشر أو الاثنتي عشرة تسبيحة فقد أتى بأفضل أفراد الواجب ، وليس الزائد عن القدر الواجب جزءا مستحبّا مستقلّا ؛ إذ لم يتعلّق به بخصوصه أمر مستقلّ كي يحمل على الاستحباب.

وشبهة عدم معقوليّته ؛ لاستلزامه التخيير بين الأقلّ والأكثر قد دفعناها عند التكلّم في إمكان مشروعيّة القران بين السورتين مع كونه مكروها (٢) ، وبسطنا الكلام أيضا في حلّها في التكبيرات الافتتاحيّة ، فراجع (٣).

الثالثة : لو كان من عادته التسبيح في الأخيرتين فقام إلى الثالثة وقرأ الحمد بزعم أنّها الثانية فذكر في الأثناء أو بعد الفراغ أنّها الثالثة فهل يجتزئ بما قرأ أم عليه استئناف القراءة أو التسبيح؟ وجهان : من أنّه بعنوان كونه وظيفة الأخيرتين غير اختياريّ له فلا يقع إطاعة للأمر التخييري المتعلّق به خصوصا بعد فرض كونه على تقدير الالتفات لم يكن يختار هذا الفرد ، ومن أنّ العبرة في صحّة أجزاء الصلاة انبعاثها عن الإرادة الإجماليّة المغروسة في النفس ، المسبّبة عن قصد إطاعة الأمر بالصلاة حين الشروع فيها على تقدير مصادفتها لمحلّها ، ولا يعتبر فيها كون مصادفتها للمحلّ أيضا اختياريّا ، ولهذا لو تشهّد بزعم كونه عقيب الرابعة فانكشف وقوعه عقيب الثانية أو بالعكس ، أجزأه وإن فرض أنّه لم يكن يختار مع الالتفات عقيب الثانية إلّا التشهّد الخفيف وعقيب الرابعة التشهّد الطويل أو بالعكس.

وكذا لو كان من عادته قراءة سورة القدر في الركعة الأولى والتوحيد

__________________

(١) تقدّمت الصحيحة في ص ٣٦٢.

(٢) راجع ص ٢٣٨ وما بعدها.

(٣) ج ١١ ، ص ٤٥١.

٣٧١

في الثانية فعكس ذلك سهوا ، أو قرأ القدر في الثانية باعتقاد أنّها الأولى أو بالعكس ، أجزأه.

وكون وجوب الفاتحة في الأوليين عينيّا وفي الأخيرتين تخييريّا لا يصلح فارقا بين المقامين بعد ما أشرنا إليه من أنّ العبرة في صحّة أجزاء الصلاة حصولها في محالّها بقصد الجزئيّة للصلاة المنويّ بها التقرّب ، لا بحصول إطاعة الأمر الخاصّ المتعلّق به كي ينافيه الاشتباه.

ولكن هذا فيما إذا كان حصوله بهذا الوجه كافيا في وقوعه على الوجه الذي اعتبره الشارع جزءا من الصلاة ، وكونه كذلك في المقام محلّ تأمّل خصوصا بعد الالتفات إلى ما يستفاد من الأخبار المتقدّمة في صدر المبحث من أنّ وظيفة الأوليين من حيث هي القراءة ، ووظيفة الأخيرتين التسبيح والذكر ، وإنّما يجتزئ بالفاتحة في الأخيرتين لأنّها تحميد ودعاء ، فيختلف وجه وجوبها في المقامين ، فما لم يقصد بقراءتها وجه وجوبها ولا إطاعة الأمر التخييري المتعلّق بها في الأخيرتين ، بل إطاعة أمر آخر غير منجّز في حقّه لا يحصل الجزم بوقوعه على الوجه الذي أراده الشارع ، فيشكل الاكتفاء به في مقام الإطاعة ، بل يجب في مثله الاحتياط كما عرفته في مبحث النيّة ، فالقول بالاستئناف مع أنّه أحوط لا يخلو عن قوّة.

وكذا فيما لو كان عازما على اختيار التسبيح ولو بمقتضى عادته ، فجرى على لسانه الحمد سهوا ، بل مرجع هذا الفرض لدى التحليل إلى الأوّل ؛ فإنّ جريانه على اللسان بعد فرض عدم اعتياده القراءة في الأخيرتين لا يكون إلّا لأجل الغفلة عن كون ما بيده الثالثة والجري على حسب ما تقتضيه عادته في الأوليين.

نعم ، لو نشأ ذلك عن الغفلة عن عزمه على اختيار التسبيح والجري على حسب الداعي المغروس في نفسه الباعث له على إيجاد أجزاء الصلاة

٣٧٢

في محلّها من غير التفات إليها ، أجزأه بلا إشكال ، كما لو عزم على قراءة سورة القدر عقيب الفاتحة فغفل عن هذا العزم وقرأ التوحيد ، فإنّه يجزئه بلا تأمّل ، كما سيأتي (١) التنبيه عليه عند التكلّم في وجوب تعيين السورة عند بسملتها.

الرابعة : إذا شرع في التسبيح أو الفاتحة ، ففي محكيّ الذكرى :

الأقرب : أنّه ليس له العدول إلى الآخر ، محتجّا عليه بأنّه إبطال للعمل (٢).

وربما يستدلّ له أيضا باستلزامه الزيادة العمديّة.

وفيهما ما لا يخفى ؛ ضرورة عدم كون المراد بالنهي عن إبطال العمل ما يعمّ مثل المقام ، وإلّا يلزمه تخصيص الأكثر المستهجن ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك في بعض المقامات المناسبة له من أحكام الخلل إن شاء الله.

وأمّا حصول الزيادة العمديّة المبطلة في مثل الفرض فقد مرّت المناقشة في صغراه وكبراه من وجوه مرارا في طيّ المباحث السابقة ، ويأتي مزيد توضيح له ـ إن شاء الله ـ في محلّه.

ويمكن الاستدلال له بقاعدة الاشتغال ، بناء على جريانها عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، خصوصا في أجزاء الصلاة ونحوها ممّا قد يلتزم بوجوب الاحتياط فيها من لا يلتزم به في غيرها.

ولا يرد عليها إطلاقات أدلّة التخيير ولا استصحابه ؛ لإمكان الخدشة في الإطلاقات : بأنّ المتبادر منها إرادته في الابتداء ، وفي الاستصحاب :بتبدّل الموضوع ؛ إذ المتيقّن ثبوته في حال اليقين به لمن لم يختر شيئا منهما ، ومع اختيار أحدهما يتغيّر الموضوع ، ولا أقلّ من كون الشكّ فيه

__________________

(١) في ص ٣٧٧ وما بعدها.

(٢) الذكرى ٣ : ٣١٨ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٤٣٨.

٣٧٣

ناشئا من الشكّ في بقاء المقتضي.

وفيه ـ بعد تسليم الخدشة في الإطلاقات والاستصحاب ـ أنّ الحقّ هو الرجوع إلى البراءة في مثل المقام ، لا الاشتغال.

هذا ، مع أنّ دعوى انصراف إطلاقات الأدلّة إلى التخيير الابتدائي لو سلّمت فإنّما هي في مثل قوله عليه‌السلام : «إن شئت سبّحت وإن شئت قرأت» (١) ممّا كان مفاده التخيير ، فيتّجه حينئذ دعوى انصرافه إلى إرادته في الابتداء.

ولكنّك خبير بأنّ جلّ أخبار الباب ليس كذلك ، بل في كثير منها الأمر بخصوص التسبيح على الإطلاق ، وفي جملة الأمر بفاتحة الكتاب كذلك ، فلا يجوز رفع اليد عن إطلاق هذه الأوامر ـ سواء أريد بها الاستحباب أو الوجوب ـ إلّا بمقدار ما يقتضيه الجمع بين الأدلّة بعد العلم بوحدة التكليف وجواز كلّ منهما من تقييد إطلاق الأمر المتعلّق بكلّ منهما بما إذا لم يخرج من عهدة تكليفه بالإتيان بالآخر.

والحاصل : أنّه لا معنى لدعوى الانصراف المزبور في مثل قوله : «اقرأ في الأوليين وسبّح في الأخيرتين» (٢) ومثل قوله في صحيحة زرارة بعد النهي عن القراءة في الأخيرتين : «وقل : سبحان الله والحمد لله» (٣) الحديث ، ومثل قوله عليه‌السلام : «إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين فاتحة الكتاب» (٤) الحديث ، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي ليس في شي‌ء منها إشعار بالتخيير كي يدّعى انصرافه إلى التخيير البدوي ، غاية الأمر أنّه فهم من

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٥٧ ، الهامش (٢).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٦٧ ، الهامش (٥).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٦٥ ، الهامش (٥).

(٤) تقدّم تخريجه في ص ١٧٤ ، الهامش (١).

٣٧٤

الخارج أنّ الطلب الوارد فيها ليس للوجوب العيني ، وأنّه يجوز الخروج عن عهدة تكليفه بفعل الآخر ، فيقيّد إطلاق الأمر المتعلّق بكلّ منهما بما إذا لم يأت بالآخر ، لا بما إذا لم يشرع فيه ، كما هو مقتضى القول بعدم جواز العدول ، كما لا يخفى.

المسألة (السادسة : من قرأ سورة من العزائم في النوافل يجب أن يسجد في موضع السجود ، وكذا إن قرأ غيره وهو يستمع ثمّ ينهض ويقرأ ما تخلّف منها ويركع ، وإن كان السجود في آخرها يستحبّ له قراءة الحمد ليركع عن قراءة) وقد تقدّم شرح هذا كلّه عند البحث عن جواز قراءتها في النوافل ، فراجع (١).

[المسألة] (السابعة : المعوّذتان) بكسر الواو (من القرآن ، ويجوز أن يقرأهما في الصلوات فرضها ونفلها) بلا خلاف فيه بين أصحابنا ، كما صرّح به غير واحد (٢).

ويشهد له ـ مضافا إلى ذلك ـ جملة من الأخبار :

منها : صحيحة صفوان قال : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام المغرب فقرأ بالمعوّذتين في الركعتين (٣).

وخبر منصور بن حازم قال : أمرني أبو عبد الله عليه‌السلام أن أقرأ المعوّذتين في المكتوبة (٤).

وخبر صابر مولى بسّام ، قال : أمّنا أبو عبد الله عليه‌السلام في صلاة المغرب

__________________

(١) ص ٢٢٤ ـ ٢٢٥.

(٢) كالسيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٨٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٤ / ٨ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٦ / ٣٥٦ الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

٣٧٥

فقرأ المعوّذتين ثمّ قال : «هما من القرآن» (١).

ونسب إلى بعض العامّة القول بأنّهما ليستا من القرآن.

قال في محكيّ الذكرى : ونقل عن ابن مسعود أنّهما ليستا من القرآن ، وإنّما أنزلتا لتعويذ الحسن عليه‌السلام والحسين عليه‌السلام. وخلافه انقرض ، واستقرّ الإجماع الآن من العامّة والخاصّة على ذلك (٢). انتهى.

وقد ورد في بعض الأخبار التصريح بخطإ ابن مسعود في ذلك.

مثل : ما عن الحسين بن بسطام في طبّ الأئمّة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن المعوّذتين أهما من القرآن؟ فقال الصادق عليه‌السلام : «هما من القرآن» فقال الرجل : إنّهما ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أخطأ ابن مسعود» أو قال : «كذب ابن مسعود ، هما من القرآن» فقال الرجل : فأقرأ بهما في المكتوبة؟ فقال :«نعم» (٣).

وعن عليّ بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن أبي بكر الحضرمي قال :قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ ابن مسعود كان يمحو المعوّذتين من المصحف ، فقال : «كان أبي يقول : إنّما فعل ذلك ابن مسعود برأيه ، وهما من القرآن» (٤).

ولكن عن الفقه الرضوي التصريح بما ذهب إليه ابن مسعود ، فإنّه

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٦ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٢) الذكرى ٣ : ٣٥٧ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٣١ ، وانظر أيضا الدرّ المنثور ـ للسيوطي ـ ٨ : ٦٨٣.

(٣) طبّ الأئمّة عليهم‌السلام : ١١٤ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥.

(٤) تفسير القمّي ٢ : ٤٥٠ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٦.

٣٧٦

قال ـ على ما حكي عنه ـ : «وإنّ المعوّذتين من الرقية ، ليستا من القرآن ، أدخلوهما في القرآن ، وقيل : إنّ جبرئيل عليه‌السلام علّمهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إلى أن قال ـ : وأمّا المعوّذتين فلا تقرأهما في الفرائض ، ولا بأس في النوافل» (١). انتهى.

ولكنّك خبير بأنّ هذه العبارة إن كانت صادرة عن الإمام عليه‌السلام فلا تكون إلّا عن علّة ، وإن كانت من غيره كما هو المظنون ، فلا يلتفت إلى قوله بعد مخالفته للنصّ والإجماع.

فرعان :

الأوّل : صرّح غير واحد (٢) بل نسب إلى الأكثر (٣) بل المشهور (٤) أنّه يجب تعيين السورة بعد الحمد قبل الشروع في البسملة المشتركة بين السّور ، وقوّاه شيخنا المرتضى رحمه‌الله ، واستدلّ له بوجهين ، وأطال الكلام في إيضاحهما بما ملخّصه : أنّ كلّ سورة من السّور القرآنيّة في حدّ ذاتها قطعة من كلام الله المنزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والبسملة جزء من كلّ منها ، فكلّ منها مع بسملتها موجود مغاير لما عداه ، ومعنى قراءة كلّ سورة هو التكلّم بألفاظها النوعيّة بقصد حكاية ذلك الكلام الشخصي ، فقراءة بسملة كلّ

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١١٣ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ :٢٣٢.

(٢) مثل : العلّامة الحلّي في تحرير الأحكام ١ : ٢٤٣ / ٨٢٩ ، وتذكرة الفقهاء ٣ : ١٥٠ ، الفرع «ج» من المسألة ٢٣٤ ، والشهيد في الألفيّة : ٥٨ ، والبيان : ١٥٧ ، والدروس ١ : ١٧٣ ، والذكرى ٣ : ٢٥٥ ، وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٧٨ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٨١ ، والجعفريّة (ضمن موسوعة حياة المحقّق الكركي وآثاره) ٤ : ١٧١ ـ ١٧٢ ، والشهيد الثاني في المقاصد العليّة : ٢٥٣.

(٣) الناسب إلى الأكثر هو المجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ١٨.

(٤) الناسب إلى المشهور هو البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٢٢.

٣٧٧

سورة هو التلفّظ بها بقصد حكاية خصوص البسملة النازلة معها ، فلو قرأ البسملة التي قصد بها حكاية بسملة الإخلاص لا يصدق عليها قراءة جزء سورة الجحد أو العزيمة ، فلو بدا له أن يقرأ سورة الجحد لا يجديه ضمّ بقيّة السورة في صيرورة البسملة التي قرأها بقصد الإخلاص مصداقا لقراءة بسملة الجحد ، ألا ترى أنّه لو قال في أثناء الصلاة : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ) قاصدا به حكاية كلام الله النازل في سورة يس (١) ، صدق عليه قراءة القرآن ، وأمّا لو قصد به الإخبار أو حكاية كلام شخص آخر ، اندرج في كلام الآدميّين ، المبطل لصلاته ، ولا يجديه ضمّ ما يمحضه للقرآنيّة في انقلاب هذا الجزء وصيرورته حكاية كلام الله بعد أن لم يكن كذلك حين صدوره.

وكذا لو قلنا بأنّ قراءة العزيمة مطلقا حتى بسملتها مبطلة للفريضة ، فلو بسمل بقصد العزيمة ، تبطل صلاته وإن بدا له بعد قراءة البسملة أن يجعلها جزءا من سورة أخرى ، بخلاف عكسه ، فلا يقاس ذلك بأجزاء المركّبات الخارجيّة المشتركة بينها وبين غيرها ممّا لا مدخليّة للقصد في قوام ذاتها الصالحة من حيث هي للجزئيّة ، كالخلّ الذي يتركّب منه السكنجبين ، ، والإطريفل ، أو القائمة المشتركة بين قائمة السرير والباب ؛ إذ الجزء في المثال هو ذات الخلّ أو القائمة من حيث هي ، بخلاف مثل المقام الذي لا يصلح الجزء للجزئيّة إلّا مع اقترانه بالقصد ، أي قصد حكاية خصوص البسملة الشخصيّة التي هي جزء هذه السورة ، لا قصد جعلها جزءا منها في مقام الحكاية كي يقال : إنّ قصد الغاية لا يعقل أن يكون من

__________________

(١) يس (٣٦) : ٢٠.

٣٧٨

مشخّصات الشي‌ء ومقوّماته ، فإنّ صدق قراءة بسملة هذه السورة لا يتوقّف على هذا القصد ، بل على الأوّل.

والحاصل : أنّه لا يعتبر في صلاحيّة البسملة للجزئيّة من سورة أو خطبة ونحوها إيجادها بقصد جعلها جزءا من تلك السورة أو الخطبة لا في مقام الإنشاء ولا في مقام الكتابة ولا في مقام الحكاية ، ولكن يعتبر في صدق قراءة بسملتها أن يكون خصوص البسملة التي أنزلها الله تعالى جزءا منها مقصودا بالحكاية ، كما أنّه يعتبر في صدق قراءة البسملة المكتوبة في اللوح المنقوش فيه إحدى السّور ـ مثلا ـ أن يكون خصوصها مقصودا بالقراءة (١).

هذا محصّل ما أفاده قدس‌سره في تقريب الوجه الأوّل مع مزيد توضيح وتقريب إلى الذهن.

ثمّ قال في تقريب الوجه الثاني ما ملخّصه : أنّه لو سلّمنا عدم مدخليّة قصد حكاية الشخص في صيرورة البسملة جزءا من السورة على حدّ سائر المركّبات الخارجيّة ، فنقول : إذا قرأ البسملة بقصد كونها جزءا من سورة التوحيد ، يصدق عليه أنّه أتى بجزء من سورة التوحيد ولم يأت بجزء من سورة الجحد ، فإذا ضمّ إليها باقي سورة الجحد وإن أوجب ذلك صدق سورة الجحد على المجموع المجتمع في الذهن من الأجزاء الموجودة تدريجا ولكنّه لا يوجب أن يصدق على الفعل المتقدّم أنّه قراءة جزء من سورة الجحد ، أي لا يوجب صدق كونه مشغولا بقراءة سورة الجحد حين اشتغاله بهذا الجزء كي يجتزئ به في مقام الإطاعة ، كما لو أمر المولى عبده

__________________

(١) كتاب الصلاة ١ : ٤٣٧ ـ ٤٣٩.

٣٧٩

بالاشتغال بنحت السرير في قطعة من الزمان ، فإذا اشتغل في بعض ذلك الزمان بنحت قائمة بقصد قائمة الباب ، لا يجديه الإتيان ببقيّة الأجزاء بنيّة السرير في حصول الإطاعة (١).

ويرد على هذا الوجه : أنّه إن أريد أنّه بعد الضمّ أيضا لا يصدق عليه أنّه قرأ سورة كذا وإن صدق عليه أنّه تلفّظ بجميع أجزائها بدعوى أنّ قراءة الشي‌ء عرفا أخصّ من مطلق التلفّظ به ، كما يظهر ذلك من جملة من كلماته التي طوينا ذكرها ، ففيه : أنّ مرجعه إلى الوجه الأوّل من أنّ للقصد دخلا في قوام جزئيّتها ؛ لوجودها الحكائي ، وسيأتي الكلام فيه.

وإن أريد أنّه لمّا لم يكن حال حصولها عنوان جزئيّتها بسورة الجحد مقصودا للمتكلّم لا يصحّ وقوعها جزءا لسورة الجحد في مقام امتثال الأمر بقراءة هذه السورة ، كما يظهر ذلك من تمثيله بقائمة السرير ، ففيه : أنّ هذا إنّما يقدح في حصول إطاعة الأمر بقراءة سورة الجحد لو كانت هذه السورة بهذا العنوان واقعة في حيّز الطلب ، كما في فاتحة الكتاب ، وأمّا إذا كان المأمور به قراءة سورة أعمّ من هذا أو ذاك فلا يعتبر في صحّة أجزاء المأمور به في مقام الإطاعة إلّا وقوعها بقصد جزئيّتها لهذا العنوان الأعمّ ، وإتيان الجزء المشترك بقصد أن يجعله جزءا لأحد الفردين لا يعيّن عليه فعله ، ولا يوجب بطلان هذا الجزء عند اختياره الفرد الآخر ، كما لو كان مخيّرا في ذكر الركوع أو السجود بين أن يقول : «سبحان ربّي العظيم وبحمده» أو : «ربّي الأعلى» فاختار أحدهما وبدا له في الأثناء العدول إلى الآخر ، أو كان مأمورا بأن يصنع إمّا الباب أو السرير ، فنحت قائمة بقصد

__________________

(١) كتاب الصلاة ١ : ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

٣٨٠