مصباح الفقيه - ج ١٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: برگ طوبى
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٣

وفي المدارك قال في شرح العبارة : هذا الضابط ربما أوهم بظاهره تصادق الجهر والإخفات في بعض الأفراد ، وهو معلوم البطلان ؛ لاختصاص الجهر ببعض الصلوات ، والإخفات ببعض وجوبا أو استحبابا.

والحقّ أنّ الجهر والإخفات حقيقتان متضادّتان يمتنع تصادقهما في شي‌ء من الأفراد ، ولا يحتاج في كشف مدلولهما إلى شي‌ء زائد على الحوالة على العرف (١). انتهى.

أقول : مبنى ما ذكره من الاعتراض على الضابط المزبور هو : أنّه جعل الإخفات في عبارة المتن معطوفا على المضاف إليه ، كما لعلّه هو الذي ينسبق إلى الذهن من سوق التعبير ، ويؤيّده قوله في عبارة النافع : «وأدنى الإخفات أن يسمع نفسه» (٢) وهو كالنصّ في أنّ للإخفات فردا آخر أعلى من ذلك يتحقّق بإسماع الغير ، مع أنّه يصدق عليه أيضا حدّ الجهر ، فيلزم أن لا يكون الجهر والإخفات متضادّين ، وهو خلاف الحقّ.

ولكن يحتمل أن يكون الإخفات في عبارة المتن معطوفا على المضاف ، فلا يتوجّه عليه حينئذ الاعتراض المزبور.

وربما يؤيّد هذا الاحتمال ما يظهر من غير واحد من أنّه ليس للإخفات مراتب ، بل حدّه أن يسمع نفسه تحقيقا أو تقديرا ، بل عن العلّامة في التذكرة دعوى الإجماع عليه ، فقال ما لفظه : أقلّ الجهر أن يسمع غيره القريب تحقيقا أو تقديرا ، وحدّ الإخفات أن يسمع نفسه لو كان سميعا بإجماع العلماء ، ولأنّ ما لا يسمع لا يعدّ كلاما ولا قراءة (٣). انتهى.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٣٥٨.

(٢) المختصر النافع : ٣٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٥٣ ـ ١٥٤ ، الفرع «أ» من المسألة ٢٣٧ ، وحكاه عنه السيّد ـ

٢٦١

وعنه في القواعد أنّه قال : أقلّ الجهر إسماع القريب تحقيقا أو تقريبا ، وحدّ الإخفات إسماع نفسه (١).

وعن الشهيد في الذكرى : أقلّ الجهر أن يسمع من قرب منه إذا كان يسمع ، وحدّ الإخفات إسماع نفسه إن كان يسمع ، وإلّا تقديرا (٢).

وعن دروسه نحوه (٣) مع اختلاف في التعبير.

وأصرح من ذلك ما عن السرائر والمنتهى.

فعن الأوّل : وأدنى حدّ الجهر أن يسمع من عن يمينك أو شمالك ، ولو علا صوته فوق ذلك لم تبطل صلاته ، وحدّ الإخفات أعلاه أن تسمع أذناك القراءة ، وليس له حدّ أدنى ، بل إن لم تسمع أذناه القراءة فلا صلاة له ، وإن سمع من عن يمينه أو شماله صار جهرا إذا فعله عامدا بطلت صلاته (٤).

وعن الثاني : أقلّ الجهر الواجب أن يسمع غيره القريب أو يكون بحيث يسمع لو كان سامعا بلا خلاف بين العلماء ، والإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سامعا ، وهو وفاق ، ولأنّ الجهر هو الإعلان والإظهار ، وهو يتحقّق بسماع الغير القريب فيكتفى به ، والإخفات : السرّ ، وإنّما حدّدناه بما قلناه ؛ لأنّ ما دونه لا يسمّى كلاما ولا قرآنا ، وما زاد عليه يسمّى جهرا (٥). انتهى.

__________________

ـ الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٢.

(١) قواعد الأحكام ١ : ٢٧٣ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٢.

(٢) الذكرى ٣ : ٣٢١ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٢.

(٣) الدروس ١ : ١٧٣ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٢.

(٤) السرائر ١ : ٢٢٣ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٢.

(٥) منتهى المطلب ٥ : ٨٧ ـ ٨٨ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ :٥٢.

٢٦٢

ولكنّه ارتكب بعض التأويل في كلمات الأصحاب الذين حدّدوهما بالحدّين المزبورين ، كالمحقّق الثاني ، فإنّه قال في شرح القواعد ـ على ما حكي عنه ـ : الجهر والإخفات حقيقتان متضادّتان ـ كما صرّح به المصنّف رحمه‌الله في النهاية (١) ـ عرفيّتان يمتنع تصادقهما في شي‌ء من الأفراد ، ولا يحتاج في كشف مدلولهما إلى شي‌ء زائد على الحوالة على العرف ، إلى أن قال ـ بعد تعريف المصنّف له بأنّ أقلّ الجهر إسماع القريب تحقيقا أو تقديرا ـ ما صورته : وينبغي أن يزاد فيه قيد آخر ، وهو تسميته جهرا عرفا ، وذلك بأن يتضمّن إظهار الصوت على الوجه المعهود. ثمّ قال بعد قوله :«وحدّ الإخفات» إلى آخره : بأن يتضمّن إخفاء الصوت وهمسه ، وإلّا لصدق هذا الحدّ على الجهر ، وليس المراد إسماع نفسه خاصّة ؛ لأنّ بعض الإخفات قد يسمعه القريب ، ولا يخرج بذلك عن كونه إخفاتا (٢). انتهى.

وعن الشهيد الثاني في الروض أنّه قال : واعلم أنّ الجهر والإخفات حقيقتان متضادّتان لا تجتمعان في مادّة ، كما نبّه عليه في النهاية ، فأقلّ السرّ أن يسمع نفسه لا غير تحقيقا أو تقديرا ، وأكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر ، وأقلّ الجهر أن يسمع من قرب منه إذا كان صحيح السمع مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب لتسميته جهرا عرفا ، وأكثره أن لا يبلغ العلوّ المفرط ، وربما فهم بعضهم أنّ بين أكثر السرّ وأقلّ الجهر تصادقا ، وهو فاسد ؛ لأدائه إلى عدم تعيّن أحدهما لصلاة ؛ لإمكان استعمال الفرد المشترك حينئذ في

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٤٧١.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٢٦٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٣٨ ١٣٩.

٢٦٣

جميع الصلوات ، وهو خلاف الواقع ، لأنّ التفصيل قاطع للشركة (١). انتهى.

وسوق تعبيرهما يشعر بأنّهما حملا كلمات الأصحاب على ما ذكراه في تفسير الجهر والإخفات من دوران صدقهما مدار اشتمال الكلام على الصوت الذي به يمتاز الجهر عن الإخفات عرفا ، وعدمه ، لا على سماع الغير وعدمه.

ولكنّك خبير بأنّ بعض كلماتهم آبية عن هذا الحمل ، كالعبارتين المتقدّمتين (٢) المحكيّتين عن السرائر والمنتهى.

وكيف كان فالحقّ الذي لا مجال للارتياب فيه هو أنّ المدار على تسميته جهرا أو إخفاتا في العرف ، وهي لا تدور مدار سماع الغير وعدمه ، بل العبرة فيهما بإظهار جوهر الصوت وإخفائه ، فهو المدار في هذا الباب ، كما حكي عن المحقّق الأردبيلي أيضا التصريح بذلك (٣) ، بل في الحدائق :الظاهر أنّه قول كافّة من تأخّر عن المحقّق والشهيد الثانيين (٤) ؛ إذ المرجع في مثل هذه المفاهيم ـ التي لم يرد فيها حدّ تعبّديّ شرعيّ ـ هو العرف ، فلا يرفع اليد عن المحكمات العرفيّة بالكلمات المتشابهة الصادرة من الأعلام في تحديد مثل هذه المفاهيم.

ولا عبرة بما ادّعوه في العبائر المتقدّمة من الإجماع على ما ذكروه في حدّهما ، لا لمجرّد عدم حجّيّة الإجماع المنقول خصوصا مع مصير جلّ

__________________

(١) روض الجنان ٢ : ٧٠٣ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٣٩.

(٢) في ص ٢٦٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢٢٦ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ :١٣٩.

(٤) الحدائق الناضرة ٨ : ١٣٩.

٢٦٤

المتأخّرين على خلافه ، بل لأنّا نرى أنّ المدّعين للإجماع فضلا عن غيرهم متشبّثون في إثبات مقالتهم بتسمية ما يسمعه الغير جهرا ، وهو عندنا محلّ نظر بل منع ، بل لو سلّمنا ظهور لفظ الجهر والإخفات عرفا فيما ذكروه ، لجعلنا السيرة العمليّة كاشفة عمّا أراده الشارع منهما في هذا الباب ، فإنّها هي عمدة المستند لانقسام الفرائض الخمس إلى جهريّة وإخفاتيّة ، وقد استقرّت السيرة ـ حتى ممّن حدّد الجهر والإخفات بما ذكر ـ على إظهار جوهر الصوت في الصبح وأوّلتي العشاءين وإخفائه (١) في البواقي بحيث لو خالف أحد في ذلك بأن صلّى المغرب ـ مثلا ـ بلا صوت جرسيّ أو الظهر معه ، لعدّ عند المتشرّعة من المنكرات من غير التفات إلى سماع الغير وعدمه ، بل كيف يعقل أن يكلّف الشارع أحدا بأن يتكلّم إخفاتا بالمعنى الذي ذكروه بأن يكون على وجه يظهر صوته بحيث تسمعه أذناه ولا يسمعه من بعد عنه بمقدار ذراع أو ذراعين!؟ فهل هذا إلّا بمنزلة ما لو كلّفه بأن يرفع صوته إلى أن يبلغ مسافة أربع أصابع لا أقلّ ولا أكثر؟ فإنّه تكليف بغير مقدور ، بل لا يقدر أحد بمقتضى العادة أن يتكلّم مع شخص يكون بعده عنه بمقدار الفصل بين فمه وأذنه على وجه يسمع ذلك الشخص جميع ما يقول ولا يسمعه من كان أبعد منه بمقدار ذراع أو ذراعين أو ثلاث ، وإن كنت في شكّ من ذلك فعليك بالاختبار.

وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أنّ مجرّد سماع الغير وإن كان بعيدا بمقدار معتدّ به ليس منافيا لصدق الإخفات.

نعم ، قد يكون تأدية الكلام بشدّة على وجه يكون المتكلّم

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «إخفائهما». والمثبت هو الصحيح.

٢٦٥

كالمبحوح من غير أن يظهر جوهر صوته ، وهذا ممّا يشكل صدق اسم الإخفاء عليه عرفا ، كما أنّ صدق اسم الجهر عليه أيضا كذلك ، فلا يجوز اختياره امتثالا لشي‌ء من التكليفين ؛ إذ لا يحصل معه الجزم بالخروج عن عهدة شي‌ء منهما إلّا مع العجز عن إظهار جوهر الصوت ، كما في المبحوح ؛ فإنّه حينئذ في حقّه جهر بشهادة العرف ولو من باب قاعدة الميسور ، والله العالم.

وأمّا أدنى الإخفات : فلا خلاف فيه على الظاهر في أنّه هو أن يسمع نفسه إذا كان سميعا ولم يكن هناك مانع ولو مثل كثافة الهواء وهبوب الرياح ؛ إذ لا يكاد يتحقّق التلفظ وقطع الحروف على مخارجها بأدنى من ذلك ، ولا أقلّ من عدم حصول الجزم به عادة ، ولذا استدلّ عليه في محكيّ المنتهى : بأنّ ما دونه لا يسمّى كلاما ولا قرآنا (١).

ولو فرض تحقّقه والجزم بحصوله فيشكل الاكتفاء به ؛ لما يظهر من جملة من الأخبار ـ ككلمات الأصحاب ـ من عدم الاعتداد بقراءة لا تسمعها أذناك ، كبعض الروايات الواردة في تفسير الآية الشريفة.

كموثّقة سماعة ـ المرويّة عن الكافي والتهذيب مضمرة ـ قال : سألته عن قول الله عزوجل : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (٢) قال :«المخافتة ما دون سمعك ، والجهر أن ترفع صوتك شديدا» (٣).

__________________

(١) راجع الهامش (٥) من ص ٢٦٢.

(٢) الإسراء ١٧ : ١١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٥ ـ ٣١٦ / ٢١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ / ١١٦٤ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

٢٦٦

وفي الحدائق (١) روى نحوها عن العيّاشي عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

وخبر إسحاق بن عمّار ـ المرويّ عن تفسير عليّ بن إبراهيم ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (٣) قال : «الجهر بها رفع الصوت ، والتخافت ما لم تسمع نفسك (٤) ، واقرأ ما بين ذلك» (٥).

وفي الحدائق بعد نقل هذا الخبر قال : وبهذا الإسناد عنه أيضا قال :«الإجهار رفع الصوت عاليا ، والمخافتة ما لم تسمع نفسك» (٦) (٧).

ويؤيّده أيضا صحيحة زرارة أو حسنته عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :«لا يكتب من القرآن والدعاء إلّا ما أسمع نفسه» (٨).

وصحيحة الحلبي عن أبي الله عليه‌السلام ، قال : سألته هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال : «لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة» (٩).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٨ : ١٣٢ ـ ١٣٣.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ : ٣١٨ / ١٧٣.

(٣) الإسراء ١٧ : ١١٠.

(٤) في تفسير القمّي والحدائق الناضرة : «بأذنك» بدل «نفسك». وما في المتن كما في الوسائل.

(٥) تفسير القمّي ٢ : ٣٠ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٦ ، وكذا في الحدائق الناضرة ٨ : ١٣٣.

(٦) الحدائق الناضرة ٨ : ١٣٣.

(٧) تفسير القمّي ٢ : ٣٠.

(٨) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٩٧ / ٣٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ / ١١٩٤ الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٩) الكافي ٣ : ٣١٥ / ١٥ ، التهذيب ٢ : ٩٧ / ٣٦٤ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب ـ

٢٦٧

والهمهمة ـ على ما في القاموس ـ : الصوت الخفي (١).

ولا يعارضها صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال :سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقرأ في صلاته ويحرّك لسانه [بالقراءة] في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال : «لا بأس أن لا يحرّك لسانه يتوهّم توهّما» (٢) فإنّ ظاهرها جواز الاكتفاء بمجرّد التوهّم ، وهو ممّا لا قائل به ، وينافيه جميع الأدلّة الدالّة على اعتبار القراءة والذكر ، ولذا حملها الشيخ على من صلّى مع المخالف (٣) ، واستشهد له بما رواه عن [محمّد بن] (٤) أبي حمزة عمّن ذكره قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يجزئك من القراءة معهم مثل حديث النفس» (٥).

ويشهد له أيضا خبر عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر بالقراءة ، قال : «اقرأ لنفسك ، وإن لم تسمع نفسك فلا بأس» (٦).

وكما يعتبر في الإخفات عدم التفريط ، فكذا يعتبر في الجهر عدم الإفراط ، كما صرّح به شيخنا المرتضى رحمه‌الله وحكاه عن العلّامة الطباطبائي (٧)

__________________

ـ القراءة في الصلاة ، ح ٤.

(١) القاموس المحيط ٤ : ١٩٢ ، وفيه : «الكلام الخفي».

(٢) التهذيب ٢ : ٩٧ / ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ / ١١٩٦ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٧ ، ذيل ح ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ، ذيل ح ١١٩٦.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٧ ـ ٩٨ / ٣٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ / ١١٩٧.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٦ / ١٢٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٠ ـ ٤٣١ / ١٦٦٣ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٧) الدرّة النجفيّة : ١٣٩.

٢٦٨

وغيره ، بل عن آيات الأحكام للفاضل الجواد نسبته إلى فقهائنا (١) ، المشعرة بالإجماع (٢).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى إمكان دعوى كونه ماحيا لصورة الصلاة ـ صحيحة عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : على الإمام أن يسمع من خلفه وإن كثروا؟ فقال : «ليقرأ قراءة وسطا ، يقول الله تبارك وتعالى :(وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (٣)» (٤).

وموثّقة سماعة ورواية إسحاق بن عمّار ، المتقدّمتان (٥).

والمراد بالقراءة الوسط المصرّح بها في الصحيحة أن لا يرفع صوته شديدا ، كما يشهد به موثّقة سماعة ، المتقدّمة (٦) ، لا مطلق ما تجاوز عن العادة ، كما قد ينصرف إليه إطلاق الوسط والله العالم.

(وليس على النساء جهر) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل إجماعا ، كما ادّعاه جماعة (٧).

ويشهد له ـ مضافا إلى الأصل والإجماع المعتضد بالسيرة العمليّة التي هي أوضح دلالة على نفي الوجوب في مثل هذه الموارد التي تقضي العادة

__________________

(١) مسالك الافهام إلى آيات الأحكام ١ : ٣٠٢.

(٢) كتاب الصلاة ١ : ٣٨٧.

(٣) الإسراء ١٧ : ١١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٧ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٥) في ص ٢٦٦ و ٢٦٧.

(٦) في ص ٢٦٦.

(٧) مثل : العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ١٥٤ ، الفرع «ب» من المسألة ٢٣٧ ، ونهاية الإحكام ١ : ٤٧٢ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٦١ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٧٠٢ ـ ٧٠٣ ، والفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ :٣٧.

٢٦٩

ببقاء الصورة محفوظة لدى المتشرّعة ـ خبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال : «لا ، إلّا أن تكون امرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها» (١).

وكلمة «تسمع» بحسب الظاهر إمّا من باب الإفعال ، أو مبنيّ للمفعول أريد بها سماع الغير لا نفسها ، كما هو من لوازم الجهر عادة ، ويناسبه الاستثناء في حال الإمامة التي ورد فيها أنّه ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول (٢) ، فيرتفع بهذه الرواية التشابه عن كلمة «تسمع» الواردة في صحيحته المحكيّة عن التهذيب عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها بالقراءة أو التكبير؟ قال : «قدر ما تسمع» (٣).

وصحيحة عليّ بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها بالقراءة أو التكبير؟ فقال : «بقدر ما تسمع» (٤).

بل قد يدّعى أنّ المتبادر من نفس هذين الخبرين بواسطة المناسبة ووقوع السؤال عن حدّ رفع الصوت الذي هو عبارة أخرى عن الإجهار الذي يلزمه عادة سماع الغير القريب إذا استمع ، المشعر بمفروغيّة أصله في الجملة ، وعدم ردع الإمام له ليس إلّا إرادة ذلك ، وكون كلمة «تسمع» من

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٢٣ / ٨٦٧ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٩ / ١٧٠ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٧ / ٧٦١ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦٧ / ٧٦٠ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

٢٧٠

باب الإفعال أو مبنيّا للمفعول.

ويدفعه : أنّ هذه الكلمة متشابهة خطّا لا لفظا ، فلو كان ما سمعه عن الإمام عليه‌السلام بالبناء للمعلوم من المجرّد ، لفهم من الجواب بأبلغ وجه أنّ حدّه أن لا ترفع صوتها بحيث يتعدّى سمعها ، أي تخفت في القراءة.

وفي الحدائق حمل جميع الأخبار على إرادة سماع نفسها وعدم التعدّي عنها ، وزعم أنّه لا منافاة بينه وبين أن يكون عليها الجهر حال الإمامة ؛ إذ العبرة في الجهر ـ على ما حقّقه ـ باشتمال صوتها على الجرسيّة التي بها يمتاز الجهر عن الإخفات عرفا ، فقد تكون الجرسيّة لا على حدّ يسمعها الغير (١).

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الرواية الأولى (٢) كالنصّ في إرادة الجهر بالقراءة بقدر ما يسمعها الغير ، ولكن ظاهرها كون ذلك على سبيل الوجوب ، كما اعترف به شيخنا المرتضى رحمه‌الله ، ولكنّه قال : ولم نظفر بقائل به ـ كما في كشف اللثام (٣) وغيره (٤) ـ فيمكن حمله على الاستحباب (٥). انتهى.

أقول : بل يمكن منع ظهورها في الوجوب ؛ فإنّه يستشعر من تحديد جهرها بقدر ما تسمع قراءتها أنّ وظيفة النساء من حيث هي الإسرار ، وأنّ ما عليها من الجهر حال الإمامة لمكان الضرورة الناشئة من أنّ على الإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول من القراءة والتكبير ونحوه ممّا لا يجب عليه

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٨ : ١٤٢.

(٢) أي رواية عليّ بن جعفر ، المتقدّمة في ص ٢٧٠.

(٣) كشف اللثام ٤ : ٣٨.

(٤) جواهر الكلام ٩ : ٣٨٣.

(٥) كتاب الصلاة ١ : ٣٨٨.

٢٧١

الإسرار به ، وستعرف ـ إن شاء الله ـ أنّ هذا على الإمام ليس على سبيل الوجوب ، بل الاستحباب ، فلا يفهم من الرواية إلّا مشروعيّة الجهر للمرأة حين تؤمّ النساء على حسب مشروعيّته لغيرها ممّن يؤمّ من الرجال ، لا من حيث كونه رجلا يجب عليه الجهر بالقراءة ، بل من حيث كونه إماما ينبغي أن يسمع من خلفه ما يقول ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّا قد أشرنا إلى أنّه يستشعر من التحديد الواقع في الروايات أنّ الراجح في حقّها من حيث هي الإخفات ولو مع عدم سماع الأجنبيّ ، ولكنّه ليس بواجب ؛ إذ لا دليل عليه ، فلو أجهرت في مواضع الجهر ـ كما هو محلّ الكلام ـ لم تبطل صلاتها وإن سمع صوتها الأجنبيّ ، كما صرّح به غير واحد (١) ؛ للأصل.

وقيل : تبطل مع سماع الأجنبي (٢) ، بل ربما نسب هذا القول إلى المشهور (٣) ؛ بناء على أنّ صوتها عورة يحرم إسماعه واستماعه ، فتكون القراءة التي يتحقّق بها الإسماع منهيّا عنها ، فيمتنع وقوعها عبادة.

وفيه : منع الصغرى ، كما يأتي تحقيقه ـ إن شاء الله ـ في محلّه.

وقد أجيب أيضا بعد تسليم الصغرى : بمنع صيرورة القراءة من حيث هي منهيّا عنها بدعوى أنّ النهي متعلّق بأمر خارج عن ماهيّة القراءة (٤).

__________________

(١) راجع : بحار الأنوار ٨٥ : ٨٣ ، والحدائق الناضرة ٨ : ١٤١ ، والحاشية على مدارك الأحكام ٣ : ٦١.

(٢) قال به الشهيد في الذكرى ٣ : ٣٢٢ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ :٢٦١ ، والشهيد الثاني في المقاصد العليّة : ٢٤٩.

(٣) نسبه إلى المشهور المجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ٨٣ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٤١.

(٤) راجع الحدائق الناضرة ٨ : ١٤١.

٢٧٢

وفيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ الجهر والإخفات من كيفيّات الصوت الذي به تتحقّق القراءة ، لا أمر خارجيّ مغاير له في الوجود حتّى لا ينافي صيرورة القراءة مصداقا للمأمور به.

ونظيره في الضعف ما قد يقال من أنّ النسبة بين ما دلّ على حرمة الإسماع ووجوب الإجهار في الصلاة ولو بضميمة قاعدة الاشتراك العموم من وجه ، فتحكيم دليل المنع على دليل الوجوب من غير مرجّح تحكّم ؛ فإنّ ما دلّ على وجوب الجهر بعد تسليم شموله للنساء وعدم مدخليّة خصوصيّة الرجل الذي ورد فيه النصّ في الحكم فإنّما يدلّ على وجوبه مطلقا ، وقضيّة تعلّق الأمر بإيجاد طبيعة مطلقة : كون المكلّف مخيّرا في إيجادها في ضمن أيّ فرد يكون من أفرادها السائغة دون المحرّمة ، فإذا حرم على النساء إظهار صوتها لدى الأجنبيّ فعليها أن تصلّي في مكان لا يسمع صوتها الأجنبيّ ، فلا معارضة بين دليليهما ، كما لا معارضة بين إطلاق الأمر بالصلاة وعموم النهي عن التصرّف في المغصوب على ما عرفته في محلّه.

نعم ، لدى الانحصار وعدم المندوحة تتحقّق المعارضة ، ولكن يقدّم جانب الحرمة ؛ لما علم من الخارج من أنّ شرائط الصلاة اعتبارها فيها مقيّدة بأن لا يترتّب عليها مفسدة شرعيّة ، فلا يصلح أن تكون شرطيّتها رافعة للمنع الشرعي المتعلّق بذات الشرط من حيث هي.

وكيف كان فهل على النساء الإخفات في المواضع التي يجب الإخفات فيها؟ وجهان بل قولان ، أظهرهما وأشهرهما بل المشهور ـ على ما يظهر من كلماتهم حيث اقتصروا على نفي الجهر على النساء من دون تعرّض للإخفات ـ الأوّل.

٢٧٣

خلافا لما حكي عن جماعة (١) من القول بالتخيير لهنّ مطلقا ، سواء كان في مواضع الجهر أو الإخفات ؛ للأصل بعد اختصاص دليل اعتبارهما بالرجل.

وفيه : أنّ اختصاص النصّ الوارد فيهما بالرجل لا يمنع استفادة حكم النساء منه بقاعدة المشاركة الثابتة بالإجماع وغيره ، فهل هذا إلّا كقراءة العزيمة أو القران ونحوه ممّا ورد النصّ الدالّ عليه في الرجل؟

نعم ، في استفادة وجوب الجهر عليها ـ لو لا الدليل على خلافه ـ من النصّ الدالّ عليه في الرجل بقاعدة المشاركة لا تخلو عن نظر ، ولذا جعلنا الأصل أيضا في ذلك المقام دليلا على تقدير الإغماض عن سائر الأدلّة ؛ إذ لو كان لقاعدة المشاركة دليل لفظيّ فضلا عن أنّ عمدة دليلها الإجماع ونحوه من الأدلّة اللّبّيّة التي يدّعى كونها بمنزلة عموم لفظيّ ، لأمكن دعوى انصرافه عن مثل الجهر بالنسبة إلى المرأة التي لها خصوصيّة مقتضية لعدم مطلوبيّة الجهر منها ، حتّى أنّ المشهور ذهبوا إلى أنّ صوتها عورة ، فيشكل استفادة حكمها ـ بعد إحراز مثل هذه الخصوصيّة ـ ممّا دلّ على وجوب الجهر أو استحبابه في حقّ الرجل ، ولذا لا يفهم أحد ممّا دلّ على استحباب رفع الصوت في الأذان مهما أمكن ثبوته للنساء مع مغروسيّة قاعدة المشاركة في أذهان جميع المتشرّعة ، وهذا بخلاف الإخفات في مواضعه ؛ فإنّ خصوصيّتها مقتضية لتأكّد مطلوبيّته ، فهي مؤكّدة لعموم القاعدة في مورده ، ولذا لا يتوهّم أحد من المتشرّعة الاختصاص فيما لو

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٦٠٠ ، والمقاصد العليّة : ٢٤٩ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٣٤ ، مفتاح ١٥٦ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٨٤.

٢٧٤

ورد في رجل صلّى صلاة الاحتياط جهرا الأمر بإعادتها ، أو ورد الأمر بقراءة ذكر أو دعاء أو صلاة سرّا ، وهذا بعكس مثل الأذان ونحوه ممّا ورد فيه الأمر برفع الصوت ؛ فإنّه لو كان في مثل هذه الموارد لدليله إطلاق أو عموم ـ كما في كثير من الأخبار الواردة في الحثّ على رفع الصوت في الأذان ـ لانصرف إلى الرجال فضلا عمّا لو كان واردا فيهم بالخصوص ، فليتأمّل.

والخنثى المشكل إن أوجبنا الاحتياط عليه في مثل هذه الموارد ، تخفت في محلّ الإخفات ، وتجهر في محلّ الجهر إذا لم يكن أجنبيّ ، بل مطلقا ، بناء على ما قوّيناه من عدم كون صوت المرأة عورة.

وعلى القول بكونه عورة قد يمنع ذلك في الخنثى ؛ لكونها من قبيل الشبهات الموضوعيّة التي لا يجب الاحتياط فيها اتّفاقا ، ولكنّه لا يخلو عن بحث.

ولو قلنا بحرمة إسماعه أيضا ، فعليه أن يصلّي في موضع لا يسمع صوته الرجال ، ومع الانحصار الإخفات ، كما يظهر وجهه ممّا قدّمناه آنفا.

وفي الجواهر ـ بعد أن نسب الإخفات إلى القيل على تقدير سماع الأجنبيّ ـ قال : والمتّجه التكرير مع انحصار الطريق فيه ؛ تحصيلا للاحتياط (١).

وفيه : أنّه إن جاز له إظهار صوته لدى الأجنبيّ ، فلا مقتضي للتكرير ؛ لأنّ شرطيّة الإخفات على النساء مع سماع الأجنبيّ لدى القائلين به ـ على ما يظهر من تعليلهم : بأنّ صوتها عورة ـ نشأت من حرمة الإسماع ، فتنتفي بانتفائها ، وإلّا فلا موقع للاحتياط ، فليتأمّل ، والله العالم.

__________________

(١) جواهر الكلام ٩ : ٣٨٥.

٢٧٥

(والمسنون في هذا القسم : الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات في أوّل الحمد وأوّل السورة).

وقد اختلفت كلمات الأصحاب في هذه المسألة على ما حكي (١) عنهم ـ بعد اتّفاقهم على وجوب الجهر بها في مواضع يجب الجهر فيها بالقراءة كسائر أجزائها ـ على خمسة أقوال :

الأوّل : استحبابه مطلقا ـ سواء كان في حقّ الإمام أو غيره ـ في الأوليين وغيرهما ، ومنه ثالثة المغرب وأخيرتا العشاء. وهذا القول هو المشهور على ما ادّعاه غير واحد (٢).

الثاني : اختصاصه بالأوليين ، وأمّا الأخيرتان فلا يستحبّ الجهر فيهما في شي‌ء من الصلوات ، بل لا يجوز ، اختاره في السرائر (٣).

الثالث : اختصاص استحباب الجهر بها للإمام خاصّة دون من عداه ، حكي ذلك عن ابن الجنيد (٤).

الرابع : وجوبه مطلقا ، نسب هذا القول إلى القاضي ابن البرّاج في المهذّب ، حيث عدّ من واجبات الصلاة الجهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ

__________________

(١) الحاكي هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٤.

(٢) مثل : العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٧٢ ، ضمن المسألة ٩٤ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٣٣٣ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٦٨ ، والمجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ٧٥ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٦٧ ، والسيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٤.

(٣) السرائر ١ : ٢١٨.

(٤) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٧٢ ، ضمن المسألة ٩٤ ، وكذا الشهيد في الذكرى ٣ : ٣٣٣.

٢٧٦

الرَّحِيمِ) فيما يجهر أو يخافت (١) ، وكذا إلى ظاهر الصدوق في الخصال ، حيث قال : والاجهار بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصلاة واجب (٢).

وفي ظهور كلامهما ـ المحكيّ عنهما ـ في الإطلاق بحيث يعمّ الأخيرتين تأمّل ، بل لا يبعد إرادتهما الأوليين ، فيتّحد حينئذ هذا القول مع القول الذي عدّوها خامس الأقوال ، وهو ما حكي عن أبي الصلاح في الكافي من وجوبه في ابتداء الحمد والسورة في الأوليين من جميع الصلوات (٣).

ومستند الحكم أخبار كثيرة :

منها : صحيحة صفوان ـ المرويّة عن التهذيب ـ قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاما ، فكان يقرأ في فاتحة الكتاب بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها [بالقراءة] جهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وأخفى ما سوى ذلك (٤).

وفي الوسائل رواها عن الكليني أيضا بإسناده عن صفوان الجمّال ، قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاما ، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وكان يجهر في السورتين جميعا (٥).

وخبر ـ الأعمش ـ المرويّ عن الخصال ـ في حديث شرائع الدين ، قال :

__________________

(١) المهذّب ١ : ٩٧ ، ونسبه إليه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٤.

(٢) الخصال : ٦٠٤ ، ضمن ح ٩ ، ونسبه إليه أيضا السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ :٥٤.

(٣) الكافي في الفقه : ١١٧ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٥ / ٢٠ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

٢٧٧

«والإجهار بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصلاة واجب» (١).

وخبر فضل بن شاذان ـ المرويّ عن العيون ـ عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون ، قال : «والإجهار بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في جميع الصلوات سنّة» (٢).

وفي خبر رجاء بن أبي الضحّاك ، الذي صحب الرضا عليه‌السلام في طريقه إلى مرو أنّه كان يجهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في جميع صلواته بالليل والنهار (٣).

ورواية سليم بن قيس ـ المرويّة عن روضة الكافي ـ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة طويلة يذكر فيها أحداث الولاة الذين كانوا قبله ، إلى أن قال : «وأمرت الناس بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات ، وألزمت الناس الجهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» (٤) بناء على أنّ المراد بها الجهر في الصلوات ، كما يشهد له سائر الروايات.

وخبر أبي حمزة ـ المرويّ عن التهذيب ـ قال : قال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : «يا ثمالي إنّ الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان إلى قرين الإمام فيقول : هل ذكر ربّه؟ فإن قال : نعم ، ذهب ، وإن قال : لا ، ركب على كتفيه وكان إمام القوم حتى ينصرفوا» قال : قلت : جعلت فداك أليس يقرءون

__________________

(١) الخصال : ٦٠٤ ، ضمن ح ٩ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٣ (الباب ٣٥) ضمن ح ١ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٦.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٢ ـ ١٨٣ (الباب ٤٤) ضمن ح ٥ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٧.

(٤) الكافي (الروضة) ٨ : ٦١ / ٢١ ، وعنه في مطالع الأنوار ٢ : ٥٥.

٢٧٨

القرآن؟ قال : «بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي ، إنّما هو الجهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» (١).

ويشهد له أيضا المستفيضة الدالّة على أنّه من علائم المؤمن.

مثل : ما عن مصباح الشيخ مرسلا عن أبي محمّد العسكري عليه‌السلام قال :«علائم المؤمن خمس : صلاة الإحدى والخميس ، وزيارة الأربعين ، والتختّم باليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» (٢).

وعن كتاب أعلام الدين للديلمي عن كتاب الحسين بن سعيد عن صفوان بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كان يوم القيامة يقبل قوم على نجائب من نور ينادون بأعلى أصواتهم : (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا) أرضه (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ» قال : «فتقول الخلائق : هذه زمرة الأنبياء عليهم‌السلام ، فإذا النداء من قبل الله عزوجل : هؤلاء شيعة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فهم صفوتي من عبادي وخيرتي من بريّتي ، فتقول الخلائق :إلهنا وسيّدنا بم نالوا هذه الدرجة؟ فإذا النداء من الله تعالى : بتختّمهم باليمين ، وصلاتهم إحدى وخمسين ، وإطعامهم المسكين ، وتعفيرهم الجبين ، وجهرهم في الصلاة بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٣) إلى غير ذلك من النصوص الدالّة عليه.

ومقتضى إطلاق كثير من الأخبار المزبورة : عدم الفرق بين الإمام

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٠ / ١١٦٢ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٤.

(٢) مصباح المتهجّد : ٧٨٧ ـ ٧٨٨ ، وعنه في مطالع الأنوار ٢ : ٥٥.

(٣) أعلام الدين : ٤٤٧ ـ ٤٤٨ ، وكما في مطالع الأنوار ٢ : ٥٥.

٢٧٩

والمنفرد ، فتخصيص الحكم بالإمام ـ كما حكي عن ابن الجنيد (١) ـ ضعيف ، وليس في الأخبار الواردة في الإمام إشعار باختصاصه به كي يقيّد بها سائر الروايات ، مع أنّ جملة منها ـ كالمستفيضة الواردة في علائم المؤمن ـ آبية عن التخصيص ، فإنّها كادت تكون صريحة في التعميم ، كما أنّها كادت تكون صريحة في الاستحباب ، وكذا خبر أبي حمزة (٢) بل خبر الفضل (٣) أيضا ظاهر في ذلك ، فيستكشف من ذلك أنّ المراد بالواجب الذي وقع التعبير به في خبر الأعمش (٤) هو معناه العرفي الذي أطلق عليه كثيرا ما في الأخبار وفي عبائر القدماء ، لا معناه المصطلح ، وأنّ إلزام الأمير عليه‌السلام الناس بالجهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ـ كما في خبر سليم (٥) ـ لم يكن للزومه من حيث هو بحيث لم يجز لهم تركه بالذات ، بل لأجل إحياء السنّة وإماتة البدعة التي ابتدعها من كان قبله.

وكيف كان فلا يصلح مثل هذين الخبرين لمعارضة ما عرفت ، بل هما بنفسهما ـ بعد إعراض المشهور عن ظاهرهما ـ لا ينهضان دليلا إلّا للاستحباب ، فالقول بوجوبه مطلقا ـ كما عن القاضي وظاهر الصدوق (٦) ـ أو في الأوّلتين ـ كما حكي عن أبي الصلاح (٧) أيضا ـ ضعيف.

وربما يستشهد أيضا لحمل ما كان ظاهره الوجوب على الاستحباب :

__________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٦.

(٢) تقدّم خبره في ص ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٣) تقدّم خبره في ص ٢٧٨.

(٤) تقدّم خبره في ص ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

(٥) تقدّم خبره في ص ٢٧٨.

(٦) راجع الهامش (١ و ٢) من ص ٢٧٧.

(٧) راجع الهامش (٣) من ص ٢٧٧.

٢٨٠